by Ghassan Nasser | Mar 29, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
بعد أقل من عام من دخول قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا” حيّز التنفيذ، والذي بدأ في 17 حزيران/ يونيو الماضي، وما تلاه من عقوبات ومشاريع قوانين عقابية أمريكية وغربية ضد نظام بشار الأسد لمعاقبته وعــزله عالميًا بخاصة في العقد الأخير في تاريخ سورية، وما نتج عن ذلك من انهيار غير مسبوق لليرة السورية مقابل العملات الأجنبية، ما أدّى لمضاعفة الأسعار في الأسواق المحلية أكثر من ثلاث مرات عما كانت عليه قبل عشر سنوات، إضافة إلى تفشي جائحة كورونا في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والتي دفعت في العام المنصرم إلى عمليات إغلاق ساهمت في مفاقمة المشكلات الاقتصادية. زد على ذلك محافظة سوريا على المرتبة الأخيرة في قائمة مؤشر الفساد العالمي مع كل من الصومال وجنوب السودان، في التقرير السنوي الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية” لهذا العام، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد، في 180 دولة حول العالم.
أمام كل هذا وغيره من انهيارات متتالية، يصبح اللسان عاجزًا على الحديث عن الجحيم الأرضي الذي يعيشه أكثر من 90% من السوريين من الموالاة وكذلك من المعارضين ممن يعيشون في جغرافيا (سوريا المفيدة)، والمصطلح هذا كان أول من أطلقه هو صانع الانهيارات، بشار الأسد، الذي استغل هذه العقوبات في ممارسة المزيد من النهب والإذلال ضد حاضنته الشعبية، بحسب ما ذكرت منظمات حقوقية سورية ودولية مؤخرًا.
أسئلةٌ ملحّة بلا إجابات في عهد الابن الوريث..
واقعٌ معيشي كارثي لم يعد بالإمكان إخفاؤه أو السكوت عنه بعد أن وصل العوز بين السوريين إلى درجة بات الكثير منهم غير قادر سوى على تغطية نصف ما يحتاج إليه كحد أدنى للبقاء على قيد الحياة، وبعد أن تمكنت الحرب التي أعلنها النظام وحلفاؤه على معارضيه من السوريين المنتفضين ضد حكمه الاستبدادي الشمولي الفاسد، والتي زادها مسـتغلو الحرب تغولًا في النهب والتعفيش والمتاجرة بعذابات السوريين وآلامهم ما ساهم في تدميـر الطبقـة الوسـطى السـورية التـي كانت تعدُّ عامـلًا مهمًا للاسـتقرار في بلاد أنهكتها سياسات الحزب الواحد.
ومع غياب أي أفق لحلِّ أزمات سوريا المثقلة فعليًا بالأعباء والهموم، باتت الأسئلة الملحّة بين السوريين من مسؤولين ومحللين سياسيين وخبراء اقتصاديين وحتى عامة الناس، حول من هو المسؤول الأول عما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد، أهو الفساد المعشعش في كل مفاصل الدولة والذي يتغذّى على لوبيات وحيتان كبرى باتت تتحكم في مفاصل الاقتصاد بطريقة فجة بدّدت كل أمل لنهوض الدولة، أم العقوبات التي أدّت إلى انكماش في نمو اقتصاد البلاد، واستنزاف مخزون العملة الصعبة في البنك المركزي، وإفراغ الخزينة العامة ما يعني تدمير الاقتصاد السوري بشكل عام؟
كما طالت الأسئلة؛ مدى انعكاسات العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على نظام بشار الأسد واستمرار حكمه لولاية رئاسية جديدة من ناحية، وانعكاساتها على الشعب السوري الذي يعاني اليوم من أسوأ أزمة جوع، بحسب تقديرات أعلنتها منظمة «إغاثة جوعى العالم» الألمانية، في20 شباط/ فبراير الماضي؟ وهل كانت مفاعيل العقوبات وفي مقدمها قانون “قيصر”، حتى قبل أن يبدأ تنفيذه عمليًا، هي المحرّكَ وراء انكشاف العملة السورية، ووراء الانهيارات في أسواق مهمة ورئيسية مثل الوقود والخبز والدواء وغيرها؟
أسئلةٌ لا إجابات واضحة عليها رغم معرفتنا جميعًا أنّ النظام في عهد الأسدين الأب والابن الوريث يعاني من ترسانة عقوبات غربية منذ عام 1979، ومن العقوبات الأمريكية في عام 2004 عبر “قانون محاسبة سوريا”، وما تلاها من سلسلة عقوبات أمريكية وأوروبية منذ عام 2011. لكن كيف لنا أن نحمل هذه العقوبات مسؤولية “إحـداث نقـص حـاد فـي العملـة السـورية والمساهمة فــي انهيارهــا كامــلًا، وهو ما كان قد نفاه رأس النظام بشار الأسد ذاته عندما قال، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، إنّ الانهيار سابق للعقوبات وناجم عن عوامل أخرى منها “الأموال السورية التي تم تهريبها إلى لبنان”. لينفي بعد ذلك الحاكم السابق لمصرف سوريا المركزي، أديب ميّالة، ما قاله الأسد بتصريح له في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي، مفاده أنّ تدهور مؤشرات الاقتصاد الكلّي في سوريا جاء بسبب العقوبات الأمريكية والغربية. وذلك بعد تصريحات سابقة لـ ميّالة، في العام الفائت، قللّ فيها من شأن تأثير قانون “قيصر”، وتحدث عن عقوبات مفروضة على سوريا منذ عام 1979. وأشار إلى أنّ العقوبات، ساهمت في تدهور الاقتصاد الكلّي بمؤشرات الدولة، حيث أنتجت نموًا أقلَّ، وزيادة في الدين العام، واختلال في ميزان المدفوعات، وتضخمًا أكبر.
وإزاء هذا التضارب في التصريحات من قبل رأس النظام وأركان حكمه يتصدر المشهد الآن، سؤال حول مدى قدرة المواطن السوري اليوم على تحمّل انهيار وضعه المعيشي في دولة النهب والفساد في ظل تصاعد العقوبات الأمريكية والأوروبية؟
انهيارٌ وصل إلى حدِّ حرمان الناس من رغيف الخبز، الأمر الذي حذرت منه منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، قبل أيام، بإعلانها أنّ ملايين السوريين يواجهون الجوع، بسبب تقاعس نظام الأسد عن معالجة النقص الحاد في طحين الخبز.
وقالت المنظمة إنّ التمييز الذي تمارسه حكومة الأسد والسياسات الجديدة لفرض قيود على كمية الخبز المدعوم، إضافة إلى الفساد، يمس مباشرة قدرة العائلات على تأمين ما يكفي من الخبز. كما تحدث السكان عن تمييز في التوزيع، مشيرين إلى أنه توجد في بعض المناطق طوابير منفصلة لكل من الجيش والأمن، أما السكان والنازحون فلهم أولوية أدنى. وذكر تقرير صادر عن “معهد نيوزلاينز للاستراتيجيا والسياسة” في جامعة فيرفاكس الأمريكية، أنّ “الأجهزة الأمنية تتدخل في توزيع الخبز والقمح، بما يشمل أخذ الخبز من المخابز وبيعه في السوق السوداء”.
وكان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) أعلن، في 14 شباط/ فبراير الماضي، أنّ 12,4 مليون شخص في سوريا يعانون مِن انعدام الأمن الغذائي. وأوضح البرنامج أنّه وفقًا لـ نتائج مسح وطني أجري، أواخر العام المنصرم 2020، فإنّ 60 بالمئة مِن سكّان سوريا يعيشون حالة مِن انعدام الأمن الغذائي.
ويعكس هذا الرقم زيادة حادة في معدل انعدام الأمن الغذائي، حيث ارتفع العدد مِن 9,3 ملايين شخص كانوا يعانون مِن هذه المشكلة، شهر أيار/ مايو الماضي.
كما قدرت “منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ” (فاو) مؤخرًا، أنّ 46% من الأسر السورية قللت حصصها الغذائية اليومية، وخفّض 38% من البالغين استهلاكهم لضمان حصول الأطفال على ما يكفي من الطعام. وذلك بعد أن فرضت حكومة النظام على السوريين المزيد من رفع الأسعار والتقليل من المخصصات المقررة لكل مواطن من المواد الأساسية التي تباع عبر البطاقة الذكية، ضمن سياسة النظام في الاستيلاء على ما تبقى في أيد المواطنين من أموال، والتملص من واجباته تجاه السكان في مناطق سيطرته لجهة تقديم الخدمات المناطة به كسلطة مسؤولة عن تأمين احتياجات المواطنين، وبات واضحًا أنّ هذه سياسة ممنهجة يعتمدها النظام وتبدأ في كل مرة باختلاق أزمة ما وخاصة على صعيد الوقود والخبز.
وبحسب محللين وخبراء اقتصاد فإنّ هذا النظام مستمر في اختلاق الأزمات أو تضخيمها لاستغلال حاجات السكان والاستيلاء على ما تبقى من مدخرات لديهم أو ما يصلهم من تحويلات مالية من ذويهم في الخارج لتغطية عجزه عن دفع رواتب عناصر الجيش والأمن، وتسديد التزاماته المالية تجاه حليفيه الرئيسيين إيران وروسيا بعد أن قدم لهما معظم ثروات البلاد ومقدراتها من أجل حمايته وتثبيته في السلطة. لكن حتى روسيا الحليف الأقوى للأسد أزعجها حجم الفساد المتفشي بالبلاد والذي طال قوت الناس، وظهر ذلك جليًا من التغطية الإعلامية الروسية لأزمة الخبز والوقود الأخيرة، حيث انتقدت العديد من الصحف والمحطات في موسكو عجز النظام عن إيجاد حلول مستدامة لقطاعي الوقود والمخابز بعد أن تحدثت قبل ذلك عن استشراء الفساد داخل هذا النظام.
- قانون “قيصر 2″ و”بسام برابندي” للفتك بالسوريين..
تطال العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة حاليًا على النظام السوري أكثر من نحو 300 مسؤول ونحو 70 كيانًا تابعين للنظام، بمن فيهم رأس النظام وزوجته أسماء الأخرس وأفراد من عائلتهما، وعدد من الوزراء وكبار ضباط الجيش والأمن، لكن أثرها الملموس لم يظهر سوى على الشعب السوري في الداخل، بينما يزداد أمراء وأثرياء الحرب الممسكون بقوت الناس ثراءً.
هنا وجب الحديث بلغة الأرقام وفقًا لمؤشرات الاقتصاد والتنمية، لندرك مدى فشل دولة الأسد في إدارة الموارد وتأمين الأساسيات خلال سنة الجائحة 2020 وما قبلها من سنوات الجمر، ذلك أنّ الاقتصاد السوري أصبح عاجزًا عن الصمود والاستمرار، إذ هو يعاني تحت إدارة حكومات النظام المتعاقبة من أزمات متتابعة جرى علاجها بشكل إسعافي. واليوم، مع نفاذ الحلول الإسعافية تلك، فإنه يواجه الانهيار الكلّي فعليًا حتى من دون الحديث عن العقوبات، وذلك على الأقل منذ إعلان النظام الإيراني إيقاف “الخط الائتماني”، الذي كان يوفره من أجل تأمين النفط للنظام نهاية عام 2018، وهو أمر اضطر النظام إلى توفير العملة الصعبة من أجل الحصول على النفط اللازم لتأمين المحروقات الأساسية.
يلاحظ المتابع للشأن السوري عن كثب، أنّ مسيرة انهيار سعر صرف الليرة السورية مرّت، خلال السنوات التسع الماضية، بعدة مراحل كان أكثرها قسوةً المرحلة الأخيرة، فالدولار الذي كان بوسطي 45 ليرة عشية اندلاع الثورة عام 2011 سجل هذا الشهر أعلى مستوى في تاريخ الاقتصاد السوري الحديث، عندما اقترب سعر الصرف في السوق السوداء من 4750 ليرة سورية للدولار الأمريكي الواحد، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الليرة السورية والعملات الأجنبية، بينما بقي سعر الصرف ثابتًا، بحسب نشرة مصرف سوريا المركزي، عند مستوى 1256 ليرة للدولار الواحد.
ومع استمرار الانهيار الاقتصادي في سوريا، يواصل الاتحاد الأوروبي تعزيز حزم العقوبات ضد نظام الأسد التي بدأها منذ عام 2011، والتي تعدُّ واحدةً مِن أهم العقوبات في تاريخ الاتحاد، حيث تشمل حظر جميع أنواع الاتصالات التجارية الأوروبية مع نظام الأسد، خاصة في مجال النفط ومنتجاته، كما شملت قائمة العقوبات رأس النظام، بشار الأسد، وغالبية أفراد أسرته وأقربائه، إضافةً للعديد مِن المسؤولين العسكريين والمدنيين المشتبه بتورطّهم في الهجمات الكيماوية التي أودت بحياة عشرات المدنيين في مناطق متفرّقة مِن سوريا.
وعلى الرغم من أنّ هذه العقوبات التي تتراكم ضد النظام منذ عقد من الزمن، سواء من جانب الولايات المتحدة أم الاتحاد الأوروبي، فإنّ الشعور السائد في واشنطن، وفي غيرها من العواصم الغربية، هو أنّه لم تؤت أُكُلها حتى الآن، وهو ما يدفع إلى التفكير باتخاذ إجراءات أشد على أمل أن يؤدي ذلك إلى خنق النظام اقتصاديًا، ومحاصرته سياسيًا، ودفعه تاليًا إلى الانهيار أو تقديم تنازلات سياسية، تسهم في الحلِّ النهائي، طبعًا دون الأخذ بعين الاعتبار ما آلت إليه أوضاع السوريين من مهانة وجوع وتفقير.
الحلقة الجديدة في مسلسل الحصار والعزل والعقوبات الأمريكية، هي إقرار مجلس النواب الأمريكي، منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي، مشروع قانون حمل اسم الدبلوماسي السوري المنشق “بسام برابندي”، من أجل تحفيز المخبرين على تقديم معلومات حول رؤوس المهربين الذين يتعاملون مع النظام السوري ويسهلون عملياته.كما أن ما سبق هذه الخطوة الأمريكية سيكون له الأثر البالغ في تشديد الخناق على السوريين قبل النظام الذي سرعان ما يلتف على هذه العقوبات، ونعني هنا طرح 150 عضوًا في مجلس النواب الأمريكي، في 10 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مسودة مشروع قانون جديد إلى الكونغرس يتعلق بسوريا، تحت عنوان “أوقفوا القتل في سوريا”، ويحظر مشروع هذا القانون على إدارة الرئيس جو بايدن الاعتراف بنظام الأسد كحكومة شرعية، أو الاعتراف بحق بشار الأسد في الترشّح لأي انتخابات مستقبلية في سوريا.
مشروع القانون الجديد يمتّن نصه مواد قانون “قيصر”، ويسد بعض الثغرات الموجودة فيه، والتي من الممكن أن تستغلها إدارة بايدن لمنح الإعفاءات والاستثناءات. كما يتضمن مقترحات لزيادة الضغط على نظام الأسد من أجل حماية المدنيين السوريين، منها عقوبات قاسية على رأس النظام، والضباط المسؤولين العاملين في السجون ومراكز الاحتجاز المتورطة في استخدام التعذيب، فضلًا عن عقوبات تشمل ميليشيات وتنظيمات عسكرية تقاتل إلى جانب النظام مثل ميليشيا “منظمة بدر”، وقائدها هادي العامري، ومجموعة “فاغنر” الروسية، واللواء عباس إبراهيم، مدير قوى الأمن العام اللبناني. كذلك يفرض القانون عقوبات بحق بعض المسؤولين الحكوميين في دول تساعد أو تطبع العلاقات مع سوريا، بالإضافة لمجموعة من المؤسسات المالية والمصارف التي تربطها علاقة مع شبكة الأسد الاقتصادية في لبنان، ومنها قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، وبالإضافة للمؤسسات المالية في سوريا، يقترح القانون تحديد قائمة بالكيانات والمؤسسات والشخصيات التي تدعم أو تشارك في الأنشطة التجارية والاقتصادية لنظام الأسد، مثل البنية التحتية أو البناء أو الخدمات المالية أو الاتصالات أو البترول، في كل من روسيا وإيران والصين ولبنان والأردن ومصر والعراق وعُمان وتركيا وقطر والكويت والإمارات العربية المتحدة.
ويقترح القانون أن تعدّ وزارة الخزانة الأمريكية والمخابرات الوطنية، تقريرًا عن صافي قيمة ثروة رئيس النظام، بشار الأسد، وعائلته، ومصادر الدخل والأصول والاستثمارات والأعمال الأخرى.
في ذات السياق، أشارت عدة مصادر في العاصمة الأمريكية واشنطن، إلى أنّ “فريق عمل قيصر” يعمل على إعداد نسخة جديدة من قانون “قيصر لحماية المدنيين في سوريا”. وبحسب هذه المصادر، سيكون القانون الجديد باسم “قيصر2” حيث من المنتظر تقديمه إلى الكونغرس الأمريكي قريبًا.
وتتضمن النسخة الجديدة التي تعكف لجنة الدراسات في الحزب (الجمهوري) في الكونغرس على إعدادها، مجموعة إجراءات لسد الثغرات في القانون السابق، مع الإشارة إلى وجود توافق بين الحزبين (الجمهوري) و(الديمقراطي) بشأن ضرورة تشديد العقوبات على النظام السوري وحلفائه سواء كانوا أفرادًا أو كيانات.
الصادم هنا بعد كل ما استعرضناه في مقالتنا هذه حول الأوضاع الكارثية التي آلت إليها أحوال السوريين في بلاد مزقتها الصراعات المسلحة، هو أنّ نظام بشار الأسد، الذي اعتمد في حربه ضد السوريين إستراتيجية “الأرض المحروقة”، لا يعبأ أبدًا بمعاناة شعبه مهما اشتدت، ويمكنه أن يقتطع دون أن يرف له جفن، اللقمة من فم الناس، لتأمين احتياجات آلته العسكرية، بل ومراكمة ثروات أتباعه داخل البلاد وخارجها، ثم الصراخ عاليًا بأنّ العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية هي السبب في جوع الناس وحرمانهم من لقمة العيش وأساسيات الحياة. كما أنّ هذا النظام لا يكترث بالعقوبات وتأثيرها على موارد الدولة ومقدراتها الني يسيطر عليها ويفرط بها للحلفاء، مواصلًا نهج القتل والاعتقال والإخفاء القسري والتدمير والقمع والتهجير وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
والحال هذه لا يبقى أمام المواطن السوري المقموع والمقهور والمغلوب على أمره إلّا القول، وهو في عنق الزجاجة، إنّ ترسانة العقوبات الأوروبية والأمريكية لن تقوم بأكثر ممّا قام به نظام الأسد نفسه خلال السنوات العشر العجاف من تدمير للبلاد واقتصادها.
by سلوى زكزك | Mar 26, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
تنهض السخرية من سباتها، تحرك الدم في عروقها، هذا أوانها، والساحة مكشوفة ومتاحة.
السخرية ليست نظرية ولا علماً إجرائياً بقواعد ناظمة، هي حياة موازية، نسق عيش يناور ويداور ويحتكر اللغة ويتحكم بالمشهد، مدعياً أنه الأقوى والأكثر حضوراً ومعرفة ونفاذاً.
جارتي تربي الدجاج على سطح البناية؛ بالأمس وهبتني سبع بيضات بلدية صغيرة الحجم؛ قالت لي: الدجاجات تحب طبخك الذي ترسلينه لهم. أضحك وأتساءل فقط عن الطريقة التي عبرت بها الدجاجات عن إعجابها بطبخي! على باب بيتها تقف جارتنا وتستمع لحديثنا، توجه الكلام لي وليس للجارة مربية الدجاج وتقول: لدي القليل من المجدرة المحمضة، هل يمكن تبديلها بكم بيضة بلدية لأطفالي؟ أُجيبها سنسأل الدجاجات عن رأيهن بطبخك وبعدها نتخذ القرار!
تصرخ سيدة “حرامي حرامي”. يندفع شابان متواجدان في المكان، يمسكان بفتى سرق محفظة صغيرة من حقيبة السيدة، يضربانه بشدة. فجأة، تبدأ السيدة بالصراخ وهي ترجوهم التوقف عن ضربه قائلة: “لقد سرق محفظة الأدوية اليومية ومحفظة النقود مازالت في أمان في زاوية الحقيبة”. يتركانه موجوعاً ومقهوراً، حتى سرقته التي دفع ثمنها ضرباً وركلاً كانت سرقة فاشلة وبلا جدوى.
تغيرت اليوم لغة باعة الخضار، لانت وتلونت بالسخرية المرة أيضاً، يقول البائع للسيدة: “خدي راحتك واختاري أصغر وأطرى خسة”. بات من الصعوبة بمكان شراء كل ما نريده. نصحها قائلاً: “اشتري الضروري فقط!” ضحكت وقالت له: “كله ضروري ويولد الغصات”، فأجابها: “غصة عن غصة تفرق”. اشترت خسة صغيرة وعندما رفضت أن يمنحها البائع كيساً خاصاً للخسة الضئيلة، قال لها: “قلبي أعلمني أن قلبك أطرى من الخس”. يضحكان وفي الوجدان تسري دفقة ساخرة.
توقف الناس عن السؤال عن سعر البضائع اليوم، حمى الأسئلة أفقدتهم وعيهم، لا داعي للسؤال طالما أننا لن نشتري. سألت سيدة البائع عن سعر مسحوق الغسيل، فأجابها: “واوا يا ماما”. قالت له “اتركه في مكانه يتلوى من العزلة.”
دمشق اليوم خالية من وسائل المواصلات، يوم الجمعة يوم عطلة الباصات العامة الكبيرة، لكن على مواقف الحافلات، يبدو الناس مشغولين بمونولوج داخلي، تدير الحوار وهي تكلم نفسها علناً، هل تواصل السير مشيا على الأقدام، هل تعود إلى بيوتها، هل تمشي بعكس مسارها وتعود إلى الخلف أملاً بمقعد فارغ،. يختلف أب وابنته عن أفضل طريقة لتأمين النقل، تصرخ به قائلة: “سأشتري ورقة يانصيب لأتمكن من شراء دراجة هوائية ولن أرافقك أبداً في مشاويرك المفلسة.”
على الزاوية رجال الشرطة يدفعون سيارتهم بأيديهم، يبدو أن البنزين قد نفذ منها أيضاً وعليهم تأمين ركنها على الزاوية تماماً حفاظاً على دورها المطلوب وكحماية ومستقر لهم.
في السوق الطويل وعلى عربات الملابس البالية، تقف النساء وتساوم الباعة على تخفيض الأسعار. يشكو البائع من وجع ظهره ومن السرقات التي تتزايد كل يوم. تشتري سيدة كنزة لوالدة زوجها، ترفض الابنة الفكرة من أساسها، تنصح أمها بأن تمنح الجدة قيمة الكنزة ويكفي. تعلق الأم قائلة: “سبحان الله، ثمة ما يمنعني عن إعطاء جدتك ليرة واحدة”. كانت تسخر من موقفها الدائم على ما يبدو، وأردفت: “عيب على الكنة أن تمنح عيدية نقدية لحماتها”. وتكمل: “على أبيك فك حزامه ودفع عيدية لي ولأمه”. كان رد الفتاة لاذعاً وساخراً حين أعلنت بأن أباها مستعد الآن لنسيان اسم أمه واسم زوجته ليهرب من عيدية عيد الأم لضيق ذات اليد وضآلة قيمة موارده.
على مقعد حجري في إحدى الحدائق الجرداء، يلعب بعض الرجال المتقدمون في العمر دق طاولة زهر، يقترح أحدهم أن يلعبوا على أساس شرط مادي يقتضي أن من يخسر عليه شراء النمورة للمجموع. يرد أحدهم نمورة ودفع مصاري ، معنى ذلك الإسعاف إلى المشفى فوراً جراء ارتفاع نسبة السكر في الدم بسبب النمورة وبسبب خسارة المال. يواصلون اللعب وأحدهم يؤكد لجاره بأن ابن جيرانهم يفكر بدعوة أصدقائه للعب القمار في بيته ليلاً مقابل المال. أحد الرجال المتحلقين حول طاولة الزهر، يقسم بأنه سيخرب لهم البيت على رؤوسهم. أما الجار الآخر فيقول: “الجار أولى بالمعروف، إذا سمح لنا بالمشاركة أو المتابعة مجاناً، سنكون له من الشاكرين.”
يقص شادي أوراقاً من دفتر مدرسي مرمي في الشارع يوزع على أقرانه الأوراق قائلاً: هي مصاري! يتبادلون لعبة الشراء وكأنها عملية حقيقية، الكل يطلب بسكويتاً وكولا، إلا شادي يصر على شراء ظرف ثلاثة بواحد وهو مكون من نسكافيه وسكر ومبيض قهوة وهو مشروب غير صالح للأطفال أصلاً، يبرر رغبته قائلاً: “الثلاثة بواحد دواء لوجع الرأس”. يسأله رامي: “وجع رأس؟” يؤكد شادي كلامه قائلاً: “نعم رأسي يؤلمني من شدة التفكير بقلة النقود.”
على الدكة الحجرية في الزقاق الشعبي، تجلس مرح وآية، فتاتان في الخامسة عشرة والسادسة عشرة من العمر، تعلن آية لمرح ودون مقدمات بأنها رفضت عريساً يحاول أبوها فرضه عليها للزواج، تضحك مرح بخجل وتقول مازلنا أطفالاً، ترد آية: “ناقصنا هموم!”
تنادي أم آية ابنتها طالبة منها الصعود إلى الغرفة التي تعيش فيها عائلة آية المكونة من خمسة أشخاص ضمن منزل متداع تسكنه ست عائلات، ترفض آية دعوة أمها وتصرخ: “ما بدي أتزوج”. يضحك الصبية الصغار ويصرخون: “آية عروس، آية عروس.”
تحاول إحدى الجارات إقناع أم آية بأن تزويجها خطأ كبير وغير مبرر. وتجيب أم آية: “الغرفة تحتاج فراشاً ناقصاً لتتسع لنا والحياة تحتاج فماً مغلقاً وغائباً ليتقلص جوعنا؛ لكن الجارة تؤكد رأيها الرافض لتزويج الطفلة وتقول لجارتها: “غداً ستعود آية وعلى حضنها طفل سيكون لزاماً عليكم تأمين فراش أوسع لهما، وربما سيتوجب عليكم استدانة ثمن الحليب لطفل لا خيار له حتى في التكون والحياة.”
تنهض السخرية من سباتها، تتراشق السباب والشتائم مع الصامتين والمنكرين لحضورها، لم تعد السخرية لغة ولا مجرد طريقة استعراض كلامية، تحولت لنموذج حياة، كفتيل الشمع، يذوب ليمنح بعضاً من ضوء باهت وخادع ويوحي بالقوة، حيث لا قوة تبقت لأحد، تتآكل الوقائع ويفتك الضعيف بالأضعف.
by عامر فياض | Mar 25, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
مهرجان موسيقى الجاز، مهرجان الموسيقى الصوفية والموسيقى الشرقية، فعاليات قلعة دمشق، مهرجان آلة العود والبزق، يوم الموسيقى العالمي، موسيقى على الطريق، المهرجانات المتعلقة بالموسيقى الكلاسيكية وغيرها الكثير والكثير من الفعاليات الموسيقية التي كانت دمشق وغيرها من المحافظات تحتفي بها، قبيل الحرب، بشكل دوري، لتستقطب العديد من الفرق الموسيقية المتنوعة من بلدان عربية وعالمية مختلفة. وكان لتلك الفعاليات أثر إيجابي كبير على موسيقيي سورية آنذاك، إذ كانت تمنحهم فرصة المشاركة فيها كعازفين، وتبقيهم على اطلاعٍ دائمٍ ومكثّفٍ على تجارب الثقافات والحضارات الموسيقية المختلفة، التي تغني ذائقتهم وتجربتهم وخيالهم الإبداعي. وإلى جانب ذلك كانت أبواب السفر متاحة أمام جميع الموسيقيين، خاصة طلاب المعهد العالي، ليسافروا بشكل دائم لإحياء الحفلات في أصقاع البلاد مع الفرق المختلفة، السورية وغير السورية، ضمن العديد من المهرجانات العربية والعالمية، التي جعلتهم على احتكاكٍ وتفاعلٍ دائم، مع الموسيقا المعاصرة، وعلى صلة وثيقة بالمسرح، على اختلاف أنماطه وتوجهاته، وما ينتج عنها من تراكمٍ في الخبرات والمهارات.
تلك المرحلة الذهبية لم تعد اليوم متاحة أمام الموسيقيين الشباب الذين امتهنوا الموسيقى خلال الحرب، إذ لم يشهدوا سوى تدهور واقع الفن والثقافة في البلاد، وحرموا من ممارسة أي دورٍ فاعلٍ في حركة الموسيقى في سورية التي لم يغادروها إلا نادراً، فيما لم تقدم لهم مسارحها خلال السنوات الماضية سوى بضع حفلات متفرقة لبعض الفرق الرسمية والمحلية التي تكرر الأعمال الموسيقية ذاتها وتضم العازفين ذاتهم، الذين يتنقلون فيما بينها، بعد أن خسرت خيرة عازفيها الذين غادروا البلاد. أما الفرق غير السورية فلم يكن لها سوى حضور خجول جداً ضمن بعض الحفلات البسيطة التي لا تكاد تذكر.
وبينما كان المعهد العالي للموسيقى، قبل الحرب، ينعم على طلابه بخيرة الكوادر التدريسية والخبراء الأكاديمين في مختلف الاختصاصات، إلى جانب إخضاعهم للكثير من ورشات العمل مع خبراتٍ موسيقية مختلفة الجنسيات، بات اليوم يبخل عليهم حتى بتوفير مدرسين للآلات، بعد أن خسر أغلب خبرائه، كالخبراء الروس: فيكتور بابينكو وسيرغي خودييف وفلاديمير زاريتسكي، والخبير الأذربيجاني عسكر علي أكبر، وغيرهم الكثير. هذا إلى جانب خسارته لعدد كبير من الكوادر والخبرات التدريسية- التي خرَّجت أجيالاً من الموسيقيين المحترفيين- كمدرس آلة العود وقائد فرقة الموسيقى العربية عصام رافع، ومدرسة الغناء الأوبرالي ورئيسة قسم الغناء الشرقي لوبانا القنطار وغيرهم .
كل ذلك ترك آثاره السلبية على الموسيقيين الصاعدين، الذين لم يحصلوا على الخبرة والكفاءة اللازمة ولم يدخلوا عالم الموسيقى من بابه الأمثل والناجع، وكان عليهم أن يعتمدوا على ذاتهم وقدراتهم الخاصة وأن يثقفوا أنفسهم بأنفسهم ويشقوا طريقهم الفني بعناءٍ وتعبٍ كبيرين ليتحدوا جميع ظروف الحرب التي دمرت أحلامهم، علَّهم يبتكرون بصمتهم وهويتهم الإبداعية الخاصة.
لا منابر تحتضن الموسيقيين
قصر العظم ، خان أسعد باشا، مكتب عنبر، المركز الثقافي الروسي، الفرنسي والإسباني، البيوت الدمشقية العريقة، الغليريهات وصالات الفنون، حديقة القشلة والسبكي والفورسيزن وغيرهم من الحدائق، العديد من الساحات والشوارع التي كانت تحتضن فعاليات موسيقى على الطريق. تلك بعضٌ من المنابر الكثيرة التي كانت متاحة أمام جميع الموسيقيين، بمن فيهم الهواة، ليقدِموا موسيقاهم ويعرِّفوا الناس بولادة فرقهم الواعدة. لكن أغلب تلك المنابر أغلقت أبوابها في وجههم خلال الحرب، ولم يتبق سوى بضعة أماكن تستقطب فئة محددة من الموسيقيين دون سواهم، تحكمها الشللية والمحسوبيات والاعتبارات السياسية.
وبعد جائحة كورونا انعدمت الآفاق أكثر، فحتى البارات والمقاهي التي كانت خلال الحرب ملاذاً للبعض ضاقت هي الأخرى في وجههم، فيما أدت الجائحة لحرمانهم من السفر لإقامة حفلاتٍ في الخارج، بل ومن التنقل بين المحافظات السورية، وهو ما أدى لشلل نشاطهم الموسيقي بشكل كبير. وقد أدت العوامل السابقة لتغييب صوت الشباب ونتاجهم الإبداعي عن المشهد الموسيقي السوري، في ظل تراجع وجود البيئات الحاضنة لهم وغياب أي محفزات تدفعهم ليلتقوا ويتفاعلوا فيما بينهم. فبينما كانت البلاد قبل الحرب تكتظ بعشرات الفرق الموسيقية الشابة كفرقة جين، حرارة عالية، إطار شمع، ارتجال، وجوه وغيرها، نلاحظ اليوم تراجعاً كبيراً في حجم ولادة الفرق الشبابية الجديدة، التي لم تسجل خلال السنوات الماضية سوى حضور خجول لم يخلق أي بصمةٍ فنية أو علامةٍ فارقة تُذكر.
وعن تجربته مع أزمة كورونا يحدثنا عازف الغيتار سومر (35 عام) قائلاً : “قبل كورونا كنت وأصدقائي نعزف في بارين ومقهى، بمعدل ثلاث حفلاتٍ أسبوعياً، ونتيجة قرارت الإغلاق وقواعد التباعد الاجتماعي، التي فرضتها الأزمة، إلى جانب ما خلَّفته من آثارٍ اقتصادية، تراجع عملنا بشكل كبير ليقتصر على حفلاتٍ شبه شهرية لا تكاد تذكر، وذلك نتيجة ضعف إقبال الناس، بعد تردي واقعهم المعيشي، على المقاهي والبارات وعجز أصحابها عن دفع أجور العازفين”. ويضيف ” كنت أسافر بشكل شبه دوري إلى لبنان والأردن ودول أخرى في حفلات متفرقة بصحبة مطربين وفرق موسيقية مختلفة، لكن منذ نحو عام لم أغادر دمشق أبداً، وأصبحت أكتفي بعزف الموسيقى في منزلي الذي أصبح مسرحاً وحيداً، لا جمهور فيه سوى بعض الأصدقاء”.
العقبات الاقتصادية تحاصر حلم الموسيقي
في ظل أزمة التضخم وتردي الواقع الاقتصادي وانعدام القدرة الشرائية بات شراء آلة موسيقية احترافية حلماً يصعب تحقيقه عند معظم الموسيقيين الصاعدين. وعن ذلك يحدثنا عازف العود عمران (24 عام): ” قبل أزمة كورونا كنت أدخر المال، من عملي في تدريس الأطفال والعزف في المقاهي، لكي أجمع مبلغ 200 ألف ليرة لشراء عودٍ جيدٍ، ثم جاءت الأزمة وما نتج عنها لتدمر ما سعيت إليه، حيث تجاوز اليوم سعر ذلك العود المليون ليرة، وهو مبلغ بات يستحيل عليَّ جمعه في ظل تراجع عملنا كموسيقيين وتدني مستوى دخلنا بشكل يثير الشفقة”.
لم تستطع يارا (20 عام) أن تقتني آلة البيانو التي حلمت بها فاكتفت باقتناء كيبورد (أورغ) مستعمل، لا تشعر معه بأي نوع من الشغف أو المتعة في العزف، ولا يطور مهاراتها وقدراتها المهنية، ولا يلبي رغباتها وطموحاتها الموسيقية، ولكنه كان خيارها الوحيد بعد أن أصبح حلمها يحتاج لملايين الليرات.
وبينما يعجز الكثيرون عن شراء آلة موسيقية، يُجبر آخرون- نتيجة للظروف الاقتصادية ذاتها- على بيع آلاتهم كحال عازف الدرامز حازم (26 عام)، الذي باع آلته مكتفياً بصناعة درامز تدريبي يُبقيه على تواصلٍ ما مع الموسيقى، على أمل أن يقتني آلة احترافية بعد سفره الذي يسعى إليه.
الواقع ذاته أجبر عازف الكمان حسام ( 34 عام) على ترك مشروعه الموسيقي، حيث يقول :” كنت أفرِّغ يومياً نحو أربع ساعات من وقتي لكي أتدرب وأفكر في مشروعي الموسيقي الذي أسعى لتأليفه، لكن تدهور الواقع المعيشي وتراجع مستوى دخلي من التدريس في المعاهد الخاصة أجبرني على زيادة ساعات العمل والتوجه للعمل في المقاهي والمطاعم لكي أتمكن من تأمين متطلبات حياتي ودعم عائلتي، وهو ما سرق مني كل وقتي فأدى إلى ابتعادي عن تحقيق حلمي”.
العقبات الاقتصادية تقف أيضاً في وجه من يحاول إنتاج الأعمال الموسيقية، كحال الملحن وعازف الغيتار ضياء (37 عام) الذي لحَّنَ عدداً من الأغاني ووزَّعها، لكنه لم يتمكن من تسجيلها، وعن ذلك يقول: “يستحيل علي اليوم أن أتدبر نفقات التسجيل الذي بات يحتاج إلى ملايين الليرات بعد ارتفاع أجور الموسيقيين وأجور استديوهات التسجيل وما يتبعه من عمليات المونتاج والمكساج والنسخ والطباعة وغير ذلك”. ويضيف: “حاولت اللجوء إلى حلول أخرى فقمت بتسجيل أغنيتين في منزلي، بواسطة برنامج تسجيلٍ على الكومبيوتر، مستعيناً فقط بغيتاري وبصوت فتاةٍ هاوية، لكن النتيجة التي حصلت عليها لم تكن مرضية فعزفت عن ذلك الأمر”.
ضغوط الحياة اليومية تقتل الإبداع
يحتاج الموسيقي إلى راحة نفسية وجسدية وحالة من الإسترخاء والصفاء الذهني ليتمكن من تطوير قدراته المهنية وتفجير طاقاته الإبداعية، لكن ضغوط الحياة اليومية والمزاج النفسي العام يمنعه من ذلك. وتلخص عازفة البيانو ياسمين (29 عام) ذلك الواقع بقولها: ” كيف يمكننا أن نبدع وخيالنا محاصر ونعيش حالة دائمة من القلق والتوتر وانعدام الأفق والخوف من المستقبل؟. كيف سنوجِّه طاقاتنا نحو الموسيقى ونحن غارقون في آلاف التفاصيل اليومية المؤلمة، التي تشتت تركيزنا، كانتشار الفقر وارتفاع الأسعار الجنوني، مشاهد الفقراء والمتسولين الذين يملؤون الشوارع ويبحثون في حاويات القمامة عن طعام، الانشغال بتأمين الغاز والمازوت والخبز، وانتظار قدوم الكهرباء والماء… الخ؟”. وتضيف بيأس وقهر” لقد أصبح قصارى حلمنا فقط أن نجد فرصة سفرٍ تنقذنا من هذا الواقع، فكل شيءٍ حولنا يرهقنا ويؤذي مزاجنا ويقتل شغفنا وحماسنا ليحرمنا من تحقيق حلمنا الموسيقي”.
معاناة مشابهة يعيشها عازف العود علاء (27 عام) الذي يسكن في قبوٍ تملؤه الرطوبة، حيث يقول: “البرد يخترق جسدي ويجمِّد أصابعي- في ظل انعدام أي وسيلة للتدفئة- فأشعر أنني مقيد الحركة وأصابعي مشلولة لا تقوى على العزف. انشغالي بتدريس الموسيقى لساعات طويلة، من أجل تأمين لقمة العيش، يُشعرني بالتعب والإجهاد ويؤثر على طاقتي ومزاجي الإبداعي. صوت مولدات الكهرباء التي تزعق طوال النهار في حارتي تؤذي أذنيَّ وتشتت تركيزي وتجتاح عالمي الخاص. وفي الليل تُشعرني الإنارة الخافتة في ظل انقطاع الكهرباء- بالاكتئاب وتمنعني من قراءة كثير من الكتب والمراجع والنوتات الموسيقية، فيما ينفذ شحن اللابتوب الذي أستخدمه لتدوين بعض الجمل الموسيقية التي تحضر إلى رأسي، كل ذلك يعرقل ما أسعى لتحقيقه”.
وخلال أزمة كورونا وفي ظل غياب الحفلات الموسيقية لجأ ويلجأ اليوم بعض الموسيقيين إلى مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت وسيلتهم الوحيدة لإيصال صوتهم الإبداعي ونشر ما يعزفونه على الجمهور، لكن تلك الوسيلة لم تخلُ أيضاً من العقبات، إذ يصعب على بعضهم تحميل مقاطع الفيديو التي يسجلونها نتيجة ضعف سرعة الانترنت وانقطاعه الدائم إلى جانب انقطاع الكهرباء الطويل وما يخلفه من آثار سلبية تسهم في زيادة تلك العقبات.
” لا أمل لأي إبداع هنا” هي مقولة بات يتبناها الكثير من الموسيقيين الصاعديين الذين يؤجلون مشاريعهم وأحلامهم الموسيقية إلى ما بعد السفر، ليحذوا بذلك حذو من سبقوهم من أقرانهم، الذين فجروا طاقاتهم الإبداعية في أوروبا وغيرها من بلاد الاغتراب.
by الحسناء عدرا | Mar 24, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
تزامن عيد النوروز (الذي يصادف الحادي والعشرين من آذار في التقويم الميلادي) هذا العام مع ظروف اقتصادية صعبة ومعيشية متردية من جهة، وفيروس كورونا من جهة ثانية، ولمن لا يعرف هذا العيد، فهو عيد رأس السنة الفارسية والسنة الكردية، ويوافق يوم الاعتدال الربيعي وبدء دورة الحياة الجديدة، حيث تعني “نو” جديداً بالفارسية، أما “روز” فتعني يوماً، فتأتي “نوروز” مجتمعة بمعنى “اليوم الجديد.”
فتيات يرتدين الزي الفلكلوري المضرج بالألوان الزاهية كأيام الربيع، وجوه ملطخة بالأحمر والأخضر والأبيض، حلقات متماسكة لأيدي متشابكة إيذاناً بالدبكة، خيم منصوبة في عراء الطبيعة، أناشيد وأهازيج تصدح في السماء، أغطية ممددة على العشب تُفرش عليها المأكولات، هذه بعض من مشاهد احتفال أكراد مدينة الحسكة. هذه المشاهد التي تضج بالحياة والفرح تعبر عن إصرار أكراد الحسكة على إحياء العيد الذي له مكانة خاصة لديهم، بالرغم من الأوضاع المعيشية السيئة التي تمر بها سوريا، والتي تلقي بظلالها على شتى مظاهر الحياة، وتؤثر حتماً على شكل الاحتفالات بعيد النوروز.
تقول آنا شبيبه وهي إحدى المشاركات في الفرق الراقصة والمسرحية معاً: “هذا العيد مقدس بالنسبة للجميع، لما فيه من رمزية ثورية، ففي هذا اليوم تحرر الفكر الكردي، نقضيه بعرض المسرحيات الثورية الهادفة وحلقات الدبكة والموسيقى والأشعار”. تعتبر الشابة أن مجرد إحياء العيد هو تحدي كبير بالنسبة للأكراد، خاصة في ظل الظروف المادية الراهنة، مضيفة: “الغلاء المستعر أثر بشكل كبير على الاحتفال، حيث غير من العادات الاستهلاكية للعديد من الأهالي الذين اضطروا إلى التقنين في الطعام، إذ جرت العادة بأن يقوم المحتفلون بتحضير طبق المشاوي الذي يعد أساسياً، لكن بسبب ارتفاع الأسعار، انصرف البعض منهم عنه ليستبدلونه بأطباق صغيرة غير مكلفة يحضرونها من منازلهم”.
الزي الرسمي الفلكلوري بات عبئاً مادياً مضافاً ولم يعد بمقدور الجميع تكبد نفقاته، وحول هذه النقطة تقول شادن: “اعتدنا شراء الملابس التراثية الخاصة بهذه المناسبة كل عام، كان لا يمر عام دون زي جديد، أما الآن فقد تغير الوضع، بات سعره غالياً، حيث يصل سعر الزي الواحد ما لا يقل عن 100 ألف ليرة سورية”. وتتابع حديثها: “ارتدى غالبية المحتفلين ملابس العام الماضي، وهناك من تبرع بزيه القديم الذي لم يعد بحاجة إليه، أو عمد الناس إلى الاستعارة من بعضهم بعضاً حيث أطلقت العديد من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي مبادرات إيجابية لتبادل واستعارة الأزياء الشعبية بين الفتيات الكرديات، بالنسبة لي استعرت الزي من صديقة لي”.
فرض فيروس “كورونا” نفسه على العالم أجمع، ووضع شروطه الخاصة، فجاء النوروز هذا العام في ظروف استثنائية، خاصة في ظل اشتداد الموجة الثالثة التي تشهدها سوريا، إلى جانب تكاليف المعقمات ومواد التنظيف، ويوضح نوجدار: “العائلة بأسرها ستخرج للاحتفال دفعة واحدة وبالتالي شراء المزيد من الكمامات والكحول، والكثير من الازدحام، صحيح أنها تكاليف إضافية وتحدي كبير لنا، لكن الأمر يستحق العناء، فهو يوم واحد في السنة ولا يجب تفويته أبدا”.
هذا وتقام الاحتفالات بعيد النوروز وسط إجراءات أمنية احترازية مكثفة خشية من تكرار الحوادث المأسوية التي وقعت عام 2015 بعد أن نفذ تنظيم “داعش” تفجيرين مزدوجين في حي المفتي بمدينة الحسكة، أسفرا عن قتل 35 شخصاً وعشرات الجرحى.
مبادرتان خاصتان في عيد النوروز
أطلقت مجموعة جميلات روج آفا التي تضم آلاف الفتيات والنساء مبادرتين على مواقع التواصل الاجتماعي، الأولى لجمع أكثر من 100 زي كردي من العائلات الميسورة والتبرع بها، أما الثانية لتوزيع كميات من اللحوم على العائلات الفقيرة ليتمكنوا من الاحتفال في عيد النوروز. وعن هذه المبادرة تقول مؤسسة المبادرة هيلين عثمان: ” جمعنا تبرعات مالية من داخل الجزيرة وخارجها، حيث وزعنا حوالي 300 فستان فلكورلي خاص باللباس الكردي التراثي على الفتيات مجاناً نظراً لغلاء القماش وارتفاع أسعار الفساتين وأجور الخياطة، كما وزعنا لحوم بقيمة مليونين و380 ألف على الأسر المحتاجة، خاصة أن المشاوي تُعد طبقاً أساسياً في طقوس عيد النوروز”.
قصة عيد النوروز
ترمز قصة النوروز الكردية إلى الانتصار على الظلم، حيث تقول الأسطورة الكردية إن رجلاً يدعى “كاوة الحداد” قام بثورة على الملك الظالم “الضحاك” الذي كان “يأكل الأطفال” من خلال اثنتين من الأفاعي ربطتا على كتفه، ليعمد كاوة إلى إشعال ثورة استعان فيها بأطفال أنقذهم من الموت ودربهم في جبل كانوا يحتمون به، لذلك تعد النار بالنسبة للأكراد مقدسة.
ويحتفل الأكراد بهذا العيد، ويعدونه عيداً قومياً، حيث يقومون في ليلة العشرين والتي يطلقون عليها “وقفة العيد” بإشعال الشموع وإحراق الدواليب والقفز فوقها لوداع آخر شروق للشمس في السنة، مع ترديد ترانيم خاصة مثل: “يا نار خذي لوني الأصفر” (في إشارة منهم لذهاب الأمراض) ثم القول “امنحيني لونك الأحمر” (في إشارة إلى منحهم الصحة).
وفي اليوم الحادي والعشرين، أي ليلة النوروز يفتتحون العيد بالحديث عن الأوضاع السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة، ونبذة عن قائدهم عبد الله جيلان.
وجدير بالذكر أن مائدة النوروز تحتوي أطباقاً خاصة تسمى “هفت سين” أو السينات السبعة وهي مكونة من الثوم (سير)، و السنابل أو الورد (سنبل) والخل (سيركة) وعملة معدنية (سكة) والخضروات (سبزي أو سبزه) وحلوى (سمنو) و ثمرة (سنجد) البرية.
by Firas Al Ali | Mar 23, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
يعيش عمال المياومة أزمة اقتصادية خانقة لحقت بهم خلال السنوات الماضية، فساعات عملهم المرهق الطويلة مقابل أجور لا تفك متطلبات المعيشة لنصف يوم بل أحياناً قد تلبي احتياجات أحد أفراد الأسرة فقط دون بقية الأفراد. ورغم أن الأعمال لم تنقطع إلا أن عمال المياومة كانوا من بين أوائل ضحايا الأزمة الاقتصادية في سوريا خصوصاً أن أجورهم المتدنية لم تعد تلبي متطلبات المعيشة لديهم.
وتتنوع أعمال هؤلاء العمال بين العمل في الزراعة أو نقل وتحميل الأثاث المنزلي أو مواد البنك أو قطف المحاصيل مقابل أجر يومي يتفق عليه مع صاحب العمل. وحسب ما أفاد به عدد من عمال المياومة، فإن القليل منهم تصل أجورهم اليومية إلى قرابة 7000 ليرة سورية بينما يحصل الغالبية على أجور تكاد تتوسط 3000 ليرة سورية أي باتت أجورهم لا تتعدى 2 دولار أمريكي.
ويبدو أن العديد من عمال المياومة اضطروا منذ سنوات إلى ترك أعمالهم واتجهوا إلى البحث عن وظائف تمنحهم أجوراً أفضل من تلك التي يتقاضونها لقاء أعمالهم الاعتيادية.
دخل زهيد
يضطر عمال المياومة إلى البحث يومياً عن عمل ما يوفر لهم دخلاً زهيداً بالكاد يغطي لهم المصاريف المعيشية، ويقول البعض منهم إنهم مضطرون للعمل في هذا المجال بسبب قلة فرص العمل.
وخلال إعداد هذا التقرير، تواصلنا مع أمجد (38 سنة) وهو أحد عمال المياومة في شمال سوريا، حيث يقول لنا: “نعمل من أجل توفير رغيف الخبز لا أكثر، أجورنا قليلة لا تتجاوز 15 ليرة تركية (قرابة 2 دولار أمريكي) ولا تكفي لسد متطلبات الحياة خصوصاً إن كان لدى العامل عائلة”.
ويضيف، المشكلة أيضاً أن عملنا ليس مستقراً، نعمل أحياناً لعدة أيام ومن ثم نبحث عن عمل آخر وأحياناً ننقطع عن العمل لأيام فكيف لنا أن نغطي مصاريفنا اليومية مع غلاء المعيشة!
وعن طريقة تحديد الأجور، فإن عدداً من عمال المياومة أفادوا بأن صاحب العمل يعرض عليهم طبيعة العمل مثل تحميل مواد بناء أو نقل أثاث منزل أو غير ذلك والمبلغ الذي سيدفعه وإن وافقوا يأخذهم لمكان العمل، وبمجرد إنجاز العمل يتقاضون أجورهم.
ويؤكد أمجد، أنه نادراً ما يحصل البعض منهم على فرصتي عمل يومياً ليتقاضى لقاء ذلك مبلغاً جيداً قد يصل إلى ما يعادل 4 دولارات في يوم واحد.
عمل ثابت
اتجه العديد من عمال المياومة إلى البحث عن أعمال ثابتة تجعلهم على الأقل غير عاطلين عن العمل في بعض أيام الشهر محاولين توفير قوت يومهم في ظل غلاء السلع والخدمات وارتفاع تكاليف متطلبات المعيشة.
ويبدو أن الأعمال الثابتة رغم الرواتب القليلة التي يتقاضاها العاملون لقاء عملهم إلا أنها أفضل من عمل المياومة المتقطع، حسب إفادات عدد من العمال في شمال سوريا.
وفي لقائنا مع عدد من عمال المياومة ومن بينهم أبو جهاد (31 سنة) الذي يعمل الآن في أحد محال الحلويات بريف حلب، أوضح لنا تجربته: “الراتب قليل لكنه أفضل من العمل المتقطع، كنت أحياناً أعمل وأحياناً اضطر للجلوس في المنزل، على الأقل في العمل الثابت يمكنني توفير إيجار منزلي شهرياً”.
ويتابع، كان لدي سيارة قبل سنوات ولكنني اضطررت لبيعها والآن أعمل كل شهر بشهره فما أحصل عليه في شهر يكاد يوفر لي ولعائلتي مصروفنا الشهري.
وليست حالة أبو جهاد الوحيدة من نوعها بل هناك الكثير من السوريين الذين تأثروا بالأوضاع الاقتصادية السيئة التي رافقها الغلاء المعيشي وقلة مدخول فرص العمل المتوفرة.
تحت خط الفقر
تشير الأرقام الواردة في الدراسات والأبحاث التي أنجزت عن الملف الاقتصادي في سوريا إلى مدى الآثار السلبية التي لحقت بالسوريين في شتى المجالات.
وفي تصريحات صدرت عن المدير الإقليمي للشرق الأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فابريزيو كاربوني، منذ أيام، قال خلالها: إن “ما يقارب من نصف الشباب السوري فقدوا دخلهم بسبب الصراع في سوريا، ونحو ثمانية من كل عشرة أفراد يواجهون صعوبات من أجل توفير الطعام والالتزامات الضرورية الأخرى” وفق ما نقلته وكالة رويترز.
وأضاف أيضاً، النساء السوريات تعرضن أيضاً لأزمة اقتصادية حيث يوجد 30% من النساء لا يمتلكن أي دخل على الإطلاق لإعانة عائلاتهن.
في المقابل، حذر برنامج الأغذية العالمي، الشهر الفائت، من تفاقم كارثة غذائية تشهدها سوريا، حيث أكدت أرقام البرنامج الأممي، أن 90% من السكان تحت خط الفقر مقابل ارتفاع أسعار السلع الغذائية لأكثر من 200% خلال أقل من عام.
وتضرر معظم السوريين من الأزمة الاقتصادية الخانقة وفي مقدمتهم العمال الذين يتقاضون أجوراً قليلة بما فيهم عمال المياومة.
هل من حلول؟
لا يبشر الواقع الاقتصادي في سوريا في أية حلول مستقبلية قريبة من شأنها أن تحسن الأوضاع المعيشية لدى السكان خصوصاً مع عدم استقرار الليرة السورية في ظل استمرار تدهور قيمتها خلال السنوات القليلة الماضية.
وفي اتصال هاتفي مع محمد أبو بلال وهو أحد السوريين المهتمين بالمشاريع الاقتصادية، يقول لنا: “لا توجد بيئة استثمارية مستقرة في سوريا وهذا يعود لأوضاع البلاد الأمنية، حيث يؤثر ذلك بالدرجة الأولى على صعوبة توفير الموارد الأولية ومتطلبات التشغيل وآليات التوزيع والتصريف خصوصاً للمشاريع الكبيرة”.
ويتابع، من الملائم للعمال السوريين أن يؤسسوا لأنفسهم في الوقت الحالي مشاريع صغيرة توفر دخلاً إضافياً لهم ولو كان محدوداً، على الأقل يغطي تكاليف معيشتهم.
وعن كيفية الوصول إلى أفكار لمشاريع صغيرة بالنسبة للسوريين المتأثرين بالأوضاع الاقتصادية يُجيب، هناك عدة عناصر يجب التركيز عليها مثل الحاجة للمنتج أو الخدمة المقدمة والقدرة على منافسة السوق وسهولة وصول المواد الأولية.
by Diala Zakaria | Mar 20, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
أثار انتحار شاب وفتاة سوريين خلال أسبوع واحد، جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، في البلاد التي تعاني منذ عشر سنوات من حرب طاحنة، ترافقت مع أزمة اقتصادية خانقة، دفعت الأمم المتحدة للتحذير من أن 10 ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وباتوا غير قادرين على إطعام أسرهم.
وانقسم السوريون بين من يرى أن هذه الحالات طبيعية وتحدث في كل الدول، وبين من يرى أنها من مفرزات الحرب التي قلصت مساحة الأمل لدى الشباب، ولم تترك لهم سبيلاً للخلاص إلا الانتحار. سجلت العاصمة دمشق أول حالة انتحار في 3/3/2021، وتعود للشاب حسين شماس (18 عاماً) وهو طالب في المرحلة الثانوية، إذ أقدم على شنق نفسه في منزله، تاركاً رسالة مؤثرة لأصدقائه وأقاربه، طالبهم فيها بألا يشعروا بتأنيب الضمير لعدم قدرتهم على تقديم المساعدة له، لأنه هو ذاته غير قادر على تقديم المساعدة لنفسه.
وكتب الشماس على صفحته قبل أيام من انتحاره: “لم أستطع أن أفهم اللعبة لذلك قررت تسجيل الخروج”. كما شارك منشوراً جاء فيه أن: “الاغتراب ليس الابتعاد عن مسقط رأسك، بل الاغتراب الحقيقي هو شعورك بأن المكان الذي توجد فيه غير مناسب لنموك وتحقيق أحلامك”.
وغصّت صفحة الشماس على “فيسبوك” بآلاف التعليقات على منشوراته أظهرت حقيقة الانقسام السياسي والثقافي الحاد في سوريا، كما وصلت الأمور إلى حد السخرية منه، كقيام البعض باستخدام جملته الأخيرة حول عدم فهم اللعبة دون أي داع ومبرر كنوع من الاستهزاء والاستخفاف به.
لا تقتصر حالات الانتحارعلى العاصمة دمشق، ففي محافظة القامشلي مثلاً قررت الشابة مهى النزال (17 عاماً) إنهاء حياتها، بإطلاق النار على نفسها مِن مسدس حربي داخل منزلها في المدينة. وقعت هذه الحادثة بعد ثلاثة أيام من تاريخ الواقعة الأولى، فيما أكد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن حادثة انتحار الفتاة حصلت في الأسبوع الأخير من شهر شباط.
وكتبت الفتاة وصيّةً لعائلتها بخط يدها، أوضحت فيها أسباب انتحارها، وهي أن الحياة ليس جميلة ولا تحبها، وتشعر دائماً أنها على خطأ في هذا العالم، داعية من يحبها إلى مسامحتها.
حالات الانتحار هذه تركت الباب موارباً حول صحة بعض الأخبار المتداولة عن قصص مشابهة، فقد تداول السوريون المقيمون خارج البلاد صورة لشاب على أنه انتحر وترك رسالة للشعب السوري، يقول فيها إنه قرر قتل نفسه لكي تذهب حصته من الطعام إلى أخوته، ليتبين فيما بعد أن الخبر كاذب، وأن الصورة المتداولة هي لشاب مصري يدعى محمد المنشاوي، وهو يعيش في النمسا حيث ظهر على صفحته لينفي ما تم تداوله عنه.
بدوره، نفى مدير هيئة الطب الشرعي السورية الدكتور زاهر حجو في وقت سابق في تصريح رسمي له على القنوات الرسمية السورية وجود أي ازدياد في حالات الانتحار كما يشاع، مشيراً إلى وجود انخفاض في عدد الحالات المسجلة مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.
وأوضح حجو أن “سورية سجلت حتى الآن 31 حالة انتحار في العام 2021، بينما سجلت في الفترة ذاتها من العام الماضي 35 حالة انتحار”، مؤكداً أن “سورية تعد من الدول ذات معدلات الانتحار المنخفضة، فالنسبة لا تتجاوز 1 من كل 100 ألف رغم الحرب التي تعاني منها وتبعاتها، في حين حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن النسبة العالمية تتراوح ما بين 5 إلى 10 من كل 100 ألف”.
وأوضح حجو أن عدد المنتحرين من الذكور أكثر من الإناث، فبلغ عدد الذكور 24 في حين تم تسجيل انتحار 7 إناث، مشيراً إلى أن ” 21 منهم انتحروا شنقاً و5 بطلق ناري و2 سقوط من مرتفع شاهق ومثلهما انتحرا بالسم” مشيراً إلى أن ” أكثر المحافظات التي تم تسجيل فيها حالات انتحار هي ريف دمشق 7 حالات بعدها دمشق 6 حالات وحماة 4 وذات العدد في طرطوس.”
وأعربت العديد من الهيئات الصحية عن قلقها من تعمد العديد من الأشخاص والمواقع الإخبارية، نشر أخبار كاذبة عن ضحايا وهميين أو حوادث ملفقة، بهدف استقطاب القراء والمعجبين على وسائل التواصل الاجتماعي، محذرة من قيام البعض بتغليف أخبار الانتحار الحقيقية بقالب من التعاطف الوهمي، الذي قد يشجع المراهقين الذين يعانون من مشاكل نفسية، إلى التفكير بالانتحار والإقدام عليه، بعدما يتم تسويق هذا الفعل على أنه الحل الوحيد والبطولي.
من جهته، كتب أستاذ الطب النفسي أسعد الخليل على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي منشورا منبهاً إلى “أن حالات الانتحار ناجمة عن اضطرابات نفسية، ومن الخطير اليوم أن نرى هذا الكم من التبريرات غير الواقعية لفعل الانتحار”. وأضاف الخليل “لا شك أن الحرب وما رافقها من أزمات تركت آلاماً وكوارث كبيرة يجب معالجتها، ولكن التركيز يجب أن يكون على السبب الرئيسي وهو الاضطراب النفسي ومن ثم تقديم الدعم النفسي لكل محتاج”.
بدوره قال الطالب الجامعي جورج حنا في حديث معنا: “كم هو مؤلم أن نرى كل هذا الثناء على شاب أقدم على الانتحار بسبب مرض نفسي، ما فعله حسين ليس بطولة أو شجاعة، أو موقفاً يستحق عليه الثناء، ما فعله مأساة حقيقية”.
وقال المعارض المقيم في ألمانيا أحمد قزموز: “إن كل مواطن داخل سوريا بات قنبلة موقوتة ستفجر نفسها أو ستنفجر بوجه غيرها، وهذا كله بسبب تمسك النظام السوري بالسلطة” حسب تعبيره.
من جهتها، قالت الطالبة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق سارة بوظو “إن السبب الوحيد لتمسكنا بحياتنا المقرفة كسوريين هو أن الانتحار حرام، أيامنا مليئة بالذل والهوان، ولا مستقبل مشجع ينتظرنا”. وختمت بوظو بالقول: “بمعنى آخر لو كان الانتحار محللاً دينياً لما بقي سوري على قيد الحياة”.