ماهي الشروط  السرية لـ”التطبيع العربي” مع سوريا ؟

ماهي الشروط السرية لـ”التطبيع العربي” مع سوريا ؟

كشفت الوثيقة الأردنية وملحقها السري، اللذان حصلنا لى نصهما، أن الهدف النهائي من الخطوات العربية للتطبيع مع دمشق هو «خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011»، بما في ذلك «انسحاب القوات الأميركية والتحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف الأميركية» قرب حدود الأردن والعراق، بعد سلسلة خطوات وفق مقاربة «خطوة مقابل خطوة» تشمل بداية «الحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا»، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية لروسيا».

وتشكل هذه الوثيقة، التي سُميت «لا ورقة» ولاتتضمن جدولاً زمنياً، أساس الخطوات التي تقوم بها دول عربية تجاه دمشق وشمل ذلك لقاء وزير الخارجية فيصل المقداد تسعة وزراء عرب في نيويورك وزيارات رسمية أردنية – سورية واتصالات بين قادة عرب والرئيس بشار الأسد ولقاءه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في دمشق الثلاثاء.

وأعد الجانب الأردني هذ الخطة قبل أشهر، وناقشها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن في يوليو (تموز)، والروسي فلاديمير بوتين في أغسطس (آب) ومع قادة عرب وأجانب. وتضمنت الوثيقة، التي تقع مع ملحقها في ست صفحات، مراجعة للسنوات العشر الماضية وسياسة «تغيير النظام» السوري، قبل أن تقترح «تغييرا متدرجا لسلوك النظام» السوري بعد «الفشل» في «تغيير النظام».

وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لشبكة «سي إن إن» الأميركية أمس، إن «الأردن يتحدث مع الأسد بعد عدم رؤية أي استراتيجية فعالة لحل الصراع السوري». وأضاف أن «التعايش مع الوضع الراهن ليس خيارا»، مضيفا: «ماذا فعلنا كمجتمع عالمي لحل الأزمة؟ 11 عاما في الأزمة ماذا كانت النتيجة؟ الأردن عانى نتيجة الحرب الأهلية السورية، حيث تشق المخدرات والإرهاب طريقها عبر الحدود، وتستضيف البلاد 1.3 مليون لاجئ سوري لا يتلقون الدعم الذي قدمه العالم من قبل».

وكشف الصفدي أن «الأردن أجرى محادثات مع الولايات المتحدة حول جهود التقارب»، ذلك في إشارة إلى زيارة العاهل الأردني. كما أن مدير المخابرات الأردنية اللواء أحمد حسني حاتوقي أعلن أن الأردن يتعامل مع الملف السوري كـ«أمر واقع». وتتطابق تصريحات الوزير الصفدي مع «الوثيقة الأردنية»، وهنا نصها:

بعد مرور عشر سنوات منذ اندلاع الأزمة السورية، تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها. ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح. ولا يمكن للنُهُج الضيقة المعنية بمعالجة مختلف جوانب الأزمة ونتائجها على أساس المعاملات وعلى أساس الأغراض المحددة أن تُحقق الحل السياسي اللازم. يتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة. وتغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضا مؤثرا في حد ذاته. والهدف المعلن، هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بيد أنه لا يوجد تقدم ذي مغزى على هذا المسار. فالوضع الراهن يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري وتعزيز مواقف الخصوم. لقد أثبت النَهج الحالي في التعامل مع الأزمة فشلا باهظ التكلفة:

– الشعب السوري: بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، هناك 6.7 مليون لاجئ سوري، مع 6.6 مليون نازح داخليا، و13 مليون سوري بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، بما في ذلك 6 ملايين مواطن في حالة عوز شديد، و12.4 مليون سوري يكابدون انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 80 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، مع 2.5 مليون طفل خارج نظام التعليم في سوريا، بالإضافة إلى 1.6 مليون طفل معرضين لمخاطر التسرب من المنظومة التعليمية.

– الإرهاب: لقد هُزم تنظيم «داعش» الإرهابي لكنه لم يُستأصل بالكامل. ويحاول أعضاؤه إعادة ترتيب الصفوف، وهم يعاودون الظهور في أجزاء من البلاد التي طُرد منها «داعش»، مثل جنوب غربي سوريا. كما يعملون على توطيد وجودهم في مناطق أخرى مثل الجنوب الشرقي. وتستمر تنظيمات إرهابية أخرى في العمل في أجزاء مختلفة من سوريا، حتى إنها تستفيد من الملاذات الآمنة في الشمال الشرقي.

– إيران: تستمر إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري، وعلى أجزاء حيوية عدة في سوريا. من استغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، ويزداد وكلاؤها قوة في المناطق الرئيسية، بما في ذلك جنوب البلاد. وتُدر تجارة المخدرات دخلا معتبرا لهذه الجماعات، كما تُشكل تهديدا متزايدا على المنطقة وخارجها.

– اللاجئون: لا يرجع أي من اللاجئين – أو حتى عدد متواضع منهم – إلى سوريا بسبب عدم تحسن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية في البلاد. ويتناقص التمويل الدولي للاجئين، فضلا عن المجتمعات المضيفة، مما يهدد الهياكل الأساسية لدعم اللاجئين.

> ما ينبغي فعله؟

من اللازم اعتماد نهج فعال جديد يعيد تركيز الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة، والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والأمنية. ينبغي للنهج المختار أن يتحلى بالتدرج، وأن يركز في بدايته على الحد من معاناة الشعب السوري. كما يتعين كذلك تحديد الإجراءات التي من شأنها تعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني المتنامي، ووقف المزيد من التدهور الذي يضر بمصالحنا الجماعية.

ومن شأن ذلك النهج أن يستهدف تغييرا تدريجيا في سلوك النظام الحاكم في مقابل حوافز يجري تحديدها بعناية لصالح الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين. السبيل إلى ذلك:

1) وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254.

2) بناء الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل.

3) السعي إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا.

4) الاتفاق على آلية لإشراك النظام السوري.

5) التنفيذ.

> المقاربة

نهج تدريجي يتبناه جميع الشركاء والحلفاء لتشجيع السلوك الإيجابي والاستفادة من نفوذنا الجماعي لتحقيق ذلك. فهو يقدم حوافز للنظام مقابل اتخاذ التدابير المنشودة والتغييرات السياسية المطلوبة التي سيكون لها أثرها المباشر على الشعب السوري. وسيتم تحديد «العروض» المقدمة إلى النظام بدقة في مقابل «المطالب» التي سوف تُطرح عليه. وسوف ينصب التركيز الأولي على القضايا الإنسانية في كل من العروض والمطالب. مع التقدم التدريجي على مسار القضايا السياسية التي تُتوج بالتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254. وسوف يتم الاتفاق على العروض والمطالب مع الأمم المتحدة، استنادا إلى بياناتها الخاصة بالاحتياجات الإنسانية.

1) بناء الدعم: من الأهمية أن يدعم الحلفاء العرب والأوروبيون الرئيسيون هذا النهج. وسوف يضمن ذلك صوتا جماعيا في المحادثات مع النظام وحلفائه. وسوف يضمن أيضا ألا نفقد نفوذنا نتيجة لفتح بعض البلدان قنوات ثنائية مع النظام السوري.

وسوف نتفق على البلدان التي نتقارب معها في بداية الأمر بغرض التشاور والدعم. وسوف تتلخص الخطوة التالية في تأييد هذا النهج ضمن (المجموعة المصغرة) قبل السعي إلى الحصول على تأييد الحلفاء كافة.

2) إشراك روسيا: إن كسب موافقة روسيا على هذا النهج هو عامل أساسي من عوامل النجاح. ومن الممكن الاستعانة بالاعتراف بالمصالح الروسية «المشروعة» وتضمينها في إطار «العرض» لضمان قبول وتنفيذ هذا النهج من قبل النظام السوري. إن تحديد الأرضية المشتركة مع روسيا أمر ضروري لضمان التقدم نحو حل سياسي. كما أنه من اللازم لنجاح الجهود الرامية إلى مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي. وقد كانت روسيا منفتحة على العروض الخاصة بالقضايا الإنسانية مقابل إجراءات عملية من جانب النظام الحاكم.

3) إشراك النظام: يمكن أن تتم المشاركة من خلال قنوات متعددة:

– المشاركة غير المباشرة عبر روسيا.

– المشاركة المباشرة من مجموعة من الدول العربية. (هذا من شأنه رأب التصدعات في الموقف العربي، ومعالجة المخاوف بشأن غياب الدور العربي الجماعي في الجهود الرامية إلى حل الأزمة، والاستفادة من المشاركة العربية مع النظام من أجل الحصول على الحوافز مع تأطيرها ضمن الجهود الرامية إلى إحداث تغييرات إيجابية). ويمكن أن تقود الأردن تواصلا مبدئيا مع النظام لضمان الالتزام قبل بدء الاتصالات الموسعة.

4) التنفيذ: سوف توضع آلية رسمية لرصد التنفيذ والامتثال. وسوف تتولى الأمم المتحدة مسؤولية تقديم جميع المساعدات الإنسانية. وسوف يؤخذ تجسيد الاتفاق ضمن قرار صادر عن الأمم المتحدة في الاعتبار.

الخطوات التالية (لتطبيق المبادرة):

1) مناقشة النهج والاتفاق عليه.

2) الاتفاق على قيام الأطراف بصياغة المطالب والعروض.

3) الاتفاق على خريطة الطريق وكيفية المضي قدما.

من شأن هذا النهج أن يواجه العقبات بكل تأكيد. بل وربما يصل إلى طريق مسدود مع بدء المرحلة السياسية. ومع ذلك، فإن تركيزه الأولي على البُعد الإنساني سوف يخفف من معاناة السوريين، وسيدعم الجهود الرامية إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية، ويقلل من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا. كما أنه سوف يعيد بناء الصوت الجماعي الموحد بين الشركاء والحلفاء إزاء الأزمة، مع استعادة زمام المبادرة في محاولة لإيجاد حل سياسي ووقف الكارثة الإنسانية.

> جدول الخطوات

وتضمن الوثيقة ملحقا سرياً يتضمن شرحا لمقاربة «خطوة مقابل خطوة»، يشمل البند المحدد و«المطلوب» من دمشق و«المعروض» من الآخرين. وتبدأ الخطوة الأولى بـ«ضمان وصول المساعدات الإنسانية والاتفاق على تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود مقابل تسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا، وإرسال المساعدات الصحية إلى سوريا».

وتشمل الخطوة الثانية تهيئة دمشق «البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين ومنح المفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم» مقابل خطوات غربية تشمل «اعتماد خطة المساعدة المرحلية للسوريين الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع النظام، وتمويل مشاريع الإنعاش المبكر، وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار وتنفيذها وتمويل برامج التعافي المبكرة الخاصة بالمساعدة لعودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم ومدنهم وصياغة البرامج ودعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية التي تساعد على استعادة نوع من الحياة الطبيعية في سبل عيش الشعب السوري بشكل عام».

تتعلق المرحلة الثالثة بـتطبيق القرار 2254 و«المشاركة الإيجابية من دمشق في اللجنة الدستورية المؤدية إلى إصلاح الدستور»، و«الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، وتحديد مصير المفقودين والاتفاق على تشكيل صيغة حقيقية للحكومة تؤدي إلى حكم أكثر شمولا في سوريا وإجراء الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة».

في المقابل، توافق دول عربية وغربية على «التخفيف التدريجي للعقوبات المفروضة على سوريا. بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي، والكيانات الحكومية، والمسؤولون الحكوميون، ورفع العقوبات القطاعية، وإجراء التقارب الدبلوماسي التدريجي لاستعادة العلاقات مع سوريا، وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في دمشق والعواصم المعنية، وتسهيل عودة سوريا إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية».

> ماذا عن {داعش}؟

أما المرحلة الرابعة من البرنامج، فتشمل «مكافحة داعش والجماعات الإرهابية، والتعاون في التصدي لتنظيم (داعش) والعناصر الإرهابية المماثلة، بما في ذلك في شرق سوريا، والمناطق الخاضعة لسيطرة النظام في جنوب سوريا والصحراء السورية، والتعاون في مواجهة المقاتلين الأجانب، وتبادل المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية، والروابط مع عناصر التجنيد الدولية، وشبكات التمويل، ووقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا»، مقابل «التعاون مع النظام السوري وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سوريا، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرق سوريا والتنسيق بين النظام و(قوات سوريا الديمقراطية) في التعامل مع سكان مخيم الهول، والمقاتلين الأجانب، وعناصر (داعش) المعتقلين وتمويل مشاريع إرساء الاستقرار والتعافي المبكر في المناطق المحررة من (داعش) والخاضعة لسيطرة النظام السوري».

في المرحلة الخامسة، يتم «إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، مما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى وإعلان وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات ووقف جميع العمليات الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم يكن ذلك في إطار عملية وقف إطلاق النار، واالتزام الشركاء على الأرض في سوريا والحلفاء الإقليميين (بما في ذلك تركيا) بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد».

وفي المرحلة السادسة والأخيرة، يتم «انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوفاء بالالتزامات بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما بعد عام 2011، وانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف»، في المقابل يتم «فتح قنوات تنسيق بين الجيش السوري والأجهزة العسكرية والأمنية في دول الجوار لضمان أمن الحدود مع سوريا».

النشرة الشهرية- تشرين الاول 2021

النشرة الشهرية- تشرين الاول 2021

“قاعدي” في ادلب
1 تشرين الاول 2021
أعلن الجيش الأميركي الجمعة أن القائد البارز في تنظيم “القاعدة” الذي قُتل بغارة جوية في منطقة إدلب في شمال غرب سوريا في 20 أيلول/سبتمبر هو سليم أبو أحمد.
واستهدفت غارة بطائرة من دون طيار سيارة على الطريق المؤدّي من إدلب إلى بنش في شمال شرق مركز المحافظة بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي أفاد عن مقتل قياديين “في فصيل مقرب من تنظيم القاعدة”.
وقال الناطق باسم القيادة المركزية الأميركية جون ريغسبي في بيان الجمعة إن سليم أبو أحمد “كان مسؤولا عن التخطيط والتمويل والموافقة على هجمات القاعدة العابرة للمنطقة”.
وأضاف البيان “لا توجد مؤشرات على سقوط ضحايا مدنيين نتيجة الضربة”.

عودة الى “الانتربول”
8 تشرين الاول 2021
قررت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (انتربول) إعادة دمج سوريا في نظامها لتبادل المعلومات، بعدما علّقت ذلك في العام 2012 في سياق العقوبات الدولية ضد دمشق.
وقالت المنظمة في بيان صدر في مقرّها بمدينة ليون الفرنسية إنّه “تماشياً مع توصيات الأمانة العامّة، قرّرت اللجنة التنفيذية للإنتربول رفع الإجراءات التصحيحية المطبّقة على سوريا”.

عودة رفعت الأسد
10 تشرين الاول 2021
سوريا التي غادرها رفعت الأسد عندما كان نائباً للرئيس حافظ الأسد قبل عقود ليست ذاتها التي وجدها عندما سمح له ابن شقيقه، الرئيس بشار الأسد، بالعودة إليها «مواطناً»؛ هي بلاد تغيرت بتحالفاتها الخارجية ودورها في الإقليم، واختلفت بتركيبتها و«إقامة» خمسة جيوش فيها.
قد تكون مشاهداته الأولى مع زوجاته وأبنائه وأحفاده في اليومين الماضيين لدمشق، في شوارعها وحواجزها وبيوتها ومسؤوليها ومكان إقامته القديم – الجديد في حي المزة، أيقظت ذاكرته وذاكرة مريديه عندما كان في قوته، ولوح من إحدى تلالها بـ«انقلاب» على شقيقه، وحاصر بوابتها، في منتصف الثمانينات.
دمشق التي أصدرت قبل 21 سنة إلى النقاط الحدودية تعميماً باعتقاله، في حال عاد من المنفى، «ترفعت» واستقبلته الآن كي يتفادى تنفيذ حكم محكمة فرنسية بالسجن 5 سنوات. والأيام وحدها ستفك «شفرة» العبارة التي سطرتها صحيفة «الوطن» في 8 تشرين الاول، من أن رفعت عاد «دون أي دور سياسي واجتماعي»، ومدى «صرامة» هذا «التعميم» في الشوارع بين دمشق واللاذقية

أميركا و”التطبيع”
14 تشرين الاول 2021
قال وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكي في مؤتمر صحافي مع نظيره الاماراتي عبدالله بن زايد: دعوني أتكلم عن سوريا أولا ثم أنتقل إلى الجزء الأول من السؤال.
أولا، تحديدا لسياق هذا الموضوع، لقد ركزنا في الأشهر التسعة الأولى من الإدارة على بعض الأمور الخاصة بسوريا، على غررا توسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية لمن هم في أمس الحاجة إليها، وقد حققنا بعض النجاح كما تعلمون مع تجديد الترخيص للمعبر في شمال غرب سوريا للقيام بذلك. وركزنا أيضا على استمرار الحملة التي نخوضها مع التحالف ضد تنظيمي داعش والقاعدة في سوريا، وتوضيح التزامنا المستمر بالمطالبة بالمساءلة لنظام الأسد والحفاظ على المعايير الدولية الأساسية مثل تعزيز حقوق الإنسان وعدم انتشار الأسلحة من خلال فرض عقوبات مستهدفة، والحفاظ على وقف إطلاق النار المحلي المعمول به في أجزاء مختلفة من البلاد. كان هذا محور عملنا في خلال الأشهر التسعة الماضية.
وننوي فيما نمضي قدما أن نبقي معدل العنف منخفضا، ونزيد المساعدات الإنسانية، ونركز جهودنا العسكرية على أي مجموعات إرهابية تشكل تهديدا لنا أو لشركائنا وتتمتع بنية وقدرة على القيام بذلك. ستكون هذه مجالات التركيز الحاسمة بالنسبة إلينا، وأعتبرها أيضا مهمة للمضي قدما نحو تسوية سياسية أوسع للصراع السوري تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ما لم نفعله وما لا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل السيد الأسد أو رفع أي عقوبة مفروضة على سوريا أو تغيير موقفنا لمعارضة إعادة إعمار سوريا قبل إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو حل سياسي نعتبره ضروريا وحيويا.

لقاء وجها لوجه
17 تشرين الاول 2021
التقى المبعوث الاممي غير بيدرسن رئيسي وفدي الحكومة احمد كزبري والمعارضة هادي البحرة في جنيف، في اول لقاء ثلاثي منذ تشكيل اللجنة الدستورية قبل سنتين.
وتبادل خلال اربعة ايام الوفدان الاوراق حول المبادئ الدستورية، لكن لم يتم الاتفاق على صوغها في ورقة مشتركة، في ختام الجولة التفاوضية في 22 تشرين الاول.

من قصف التنف؟
16 تشرين الاول 2021

في منتصف العام 2017، شنت القوات الأميركية غارات على مجموعة مسلحة كانت تقترب من قاعدة التنف، ما رسم خطاً أحمر أو “قواعد اشتباك” بين واشنطن وحلفائها من جهة، وموسكو وشركائها من جهة ثانية في الزاوية السورية – الأردنية – العراقية. لكن، ماذا تغير الآن، كي تتعرض «القلعة» التي تقيم فيها قوات أميركية وحليفة وفصائل سورية معارضة، لقصف بمسيرات ليل الأربعاء – الخميس؟
الاعتقاد الواسع هو أن التنف توفر دعماً لوجيستياً للغارات الإسرائيلية وعمليات التحالف.
صحيح، أن القصف وضع مستقبل القاعدة والتنسيق ومجمل القصف الإسرائيلي في سوريا على مائدة بوتين – بنيت في لقائهما في 22 تشرين الاول
بعد ايام اكد مسؤولون اميركيون ان خمس مسيرات ايرانية قصفت التنف. كما اعلن الجانبان الروسي والاسرائيلي التوصل الى تفاهمات تسمح لاسرائيل بملاحقة ايران في سوريا، الامر الذي حصل مرات عدة بعد لقاء بوتين – بينت.

نائبة للرئيس
29 تشرين الاول 2021

قرر الرئيس بشار الاسد التمديد لنجاح العطار (88 سنة) نائباً للرئيس. وهي عينت نائباً للرئيس في 2006 ثم مدد لها في 2014 لـ “متابعة تنفيذ السياسة الثقافية باطار توجيهات الرئيس”
– لم يعين الاسد بديلا لفاروق الشرع نائب الرئيس للشؤون السياسية، الذي خسر منصبه بـ 201.4.
ولاخليفة لرفعت الذي عين بـ 1984 نائبا للشؤون الامنية، وبقي بمنصه حتى العام 1998 خلال المنفى. عاد الى دمشق بداية الشهر الجاري

روسيا وتركيا وسوريا
30 تشرين الاول 2021
يكرر مسؤولون أتراك وروس وأميركيون ضرورة «الالتزام الكامل بـالاتفاقات إزاء الترتيبات العسكرية في شمال سوريا، بجناحيها الغربي والشرقي، التي ولدت من رحم العمليات العسكرية خلال السنوات الماضية، إلى أن استقرت البلاد على شكل مناطق نفوذ ثلاث، تشرف عليها جيوش الدول الثلاث مع شركاء أو حلفاء سوريين».
لكن، أي اتفاقات تقصد واشنطن وأنقرة وموسكو؟ وهل تملك الأطراف الثلاثة التفسير ذاته لهذه الاتفاقات؟ وهل هناك فرق بين «تفسير» العسكر لاتفاقات كتبها دبلوماسيون بإشراف القادة السياسيين؟
تعود اتفاقات الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان الخاصة بإدلب إلى «مذكرة خفض التصعيد» التي وقّعت في آستانة، بمشاركة «الضامنين» الثلاثة، روسيا وإيران وتركيا، في 4 مايو (أيار) 2017.
وقبل استقباله إردوغان في 29 ايلول الماضي، صعّد بوتين وواصل ضرباته في إدلب، وأبقى على التنسيق شرق الفرات. وقبل لقائه الرئيس جو بايدن في بروكسل بداية الشهر المقبل، صعّد إردوغان وحشد قوات في شرق الفرات وشمال حلب، كما نشر بوتين طائرات مقاتلة في القامشلي «عاصمة» الأكراد، حيث يزداد الضغط على الوجود الأميركي هناك منذ الانسحاب من أفغانستان وقرب حصوله من العراق.
وهذه كلها مؤشرات تدل إلى ترابط تداخل المسار بين إدلب وحلب وشرق الفرات واختلاف «تفسير» العسكر لاتفاقات كتبها دبلوماسيون تنفيذاً لتوجيهات القادة السياسيين، وتشابك الوضع الميداني السوري بملفات إقليمية ودولية وثنائية أخرى بين أميركا وروسيا وتركيا.

رحيل آخر العمالقة
2 تشرين الثاني 2021
توفي صباح فخري، اسطورة القدود الحلبيبة، في دمشق عن ٨٨ سنة، بعد معاناة مع مرض في الرئة.
عمالقة الغناء العربي، اربعة هم ام كلثوم، محمد عبدالوهاب، عبدالحليم حافظ، وفريد اطرش، وصباح فخري خامسهم.
صباح الدين ابو قوس. جاء الى دمشق في الاربعينات للذهاب الى القاهرة لتعلم الفن.
احتضنه فخري البارودي. وبات اسمه “صباح فخري”… الاسطورة الحية !
بغيابه فقدت سوريا قلعتها الثالثة، بعد قلعتي دمشق وحلب.

حرائق تبدل وجه دمشق

حرائق تبدل وجه دمشق

على وقع ألسنة النار المتصاعدة، كان الخبر يتصاعد ويتسع: “حريق في زقاق المحكمة”. أعمدة خشبية عريقة تأكلها النار، تسقط قطعا متفرقة. كان موتها مضاعفا. احتراق، فسقوط ينهي عمرها الذي عاشته متصلة ببعضها وكاملة من جدار إلى جدار. وصلت الأخبار، انه “ماس كهربائي”، اشتعل في أحد المحال وانتقل إلى خمسة أخرى. وفاة عامل إطفاء، وثلاثة من الباعة وأصحاب المحال في المشفى.
رتابة الخبر، واعتياد توارد الأخبار السيئة في ظل وضع عام غير مستقر ينذر دوما بالأخطار، لا تخفف من فداحة المشهد في اليوم التالي، محال الزقاق كلها مفتوحة. اعتاد “الشوام” على ملاحقة أرزاقهم حتى وسط الحرائق. في مقدمة السوق، حطب محترق، بات بلا هوية وبلا تاريخ. رائحة الحريق تعبق في المكان، ثلاثة محلات فارغة من بضاعتها. محلان مغلقان ومحل يرتب أصحابه وعماله القماش من جديد. يبدو أنهم لم يناموا ليلهم، بقوا هنا لتنظيف المحل والرفوف وإعادة ترتيب الأقمشة عليها. نظرة إلى الأعلى، تلسعك قشعريرة مؤلمة، السقائف المليئة بالبضائع بلا سقف، بلا بضاعة، بلا رائحة التخزين والنفتلين. يبدو أنها قد فارقت الحياة دونما رجعة.

لامكان للفرح
أغلب المحال في زقاق المحكمة، ملك لعائلة واحدة، تتكرر الكنية على واجهات المحال، كلهم أخوة وأبناء عمومة. ويعتبر زقاق المحكمة سوقا موازيا لـ “سوق الحرير”، و “سوق تفضلي يا ست” أو “خان الجمرك” و “سوق الصوف”، لكنه يختص ببيع أقمشة البرلون والتنتنة والريكامو المطرز والنايلون السميك والرقيق وكلف قمصان النوم وقمصان النايلون الداخلية النسائية الطويلة والتفريعات. وتتواجد فيه بعض الورش الصغيرة لصناعة الجوارب المنوعة والمصنوعة من القطن أو القطن الممزوج أو من الأقمشة التركيبية، لكنه يصنف على أنه “سوق الدراويش”، سوق الأقمشة الأقل سعرا وربما بنفس الجودة، لكن لكل سوق زبائنه.
في سنوات الحرب تراجعت مبيعات تجار السوق بشدة، وتراجع الإقبال على السوق بفعل توقف مناسبات الأفراح ونزوح البعض وحصار البعض الآخر. وبسبب هجرة وغياب الفنيين مثل معلم الحبكة ومعلم القص والدرزة الخاصة بهذه الصناعة التقليدية والمميزة، وبسبب طبيعة الأقمشة المستعملة والتي تتطلب حياكة حرفية وأدوات وصنعة خاصة، أضاف الباعة أصنافا جديدة إلى تجارتهم لجذب جمهور جديد من الزبائن، مثل الأقمشة الرخيصة والتي تشترى بالكيلو أو بالبالة أي بالحاوية، وتحتوي على مزيج من أنواع الأقمشة للفساتين والسراويل والسترات والستائر وكلف المعاطف والتنانير والقمصان، كما أضاف منتجو وباعة الجوارب بضائع جديدة إلى محالهم مثل القبعات الصوفية والشالات، لتعويض نقص الطلب على بضائعهم بسبب قلة الزبائن وبسبب نقص السيولة.
داهم البكاء سيدة تعمل خيّاطة فور دخولها إلى السوق، كانت على موعد مع أبي معتز البائع الذي وعدها بإحضار كلفة جميلة وجديدة لتفريعات العرائس التي دخلت حديثا على خط الخياطة المنزلية لارتفاع أسعارها جاهزة، كان محل أبا معتز محترقا بأكمله.
عبرت النساء عن تعاطفهن مع الباعة بعبارات: “الله يجبر كسركم، والله يعوض، والحمد لله على سلامتكم”. كان الجميع مكسورا وقلقا، أحد الباعة قال لسيدة عاندته في سعر بضعة أمتار من القماش: “اليوم في! بكرا الله يعلم”. أكثر من سيدة قالت له: “طول بالك”، فأجاب: “كلنا تحت ألطاف الله”، عشرات الألسن أجابت: “الله يتلطف!”. حوارية مسكونة بالوجع والود، خوف وحسرة وإصرار على الشراء والمضي بالحياة في كل تفاصيلها، ترقبا لساعة فرح أو حزن لا فرق، طالما تعاضد السوريون والسوريات فيما بينهم بسردية معممة، إيمانية، ومجبولة بالمحبة والمساندة، حتى لو بالكلمات والأدعية.

فتى يسأل
فتى في الرابعة عشرة من عمره، يسأل عن نوع محدد من قماش تول أسود، يفرد القماش على كف يده ويتفحصه بدقة، ويجيب بأنه يريد نوعا آخر. والدته خياطة، ترسله للتسوق بدلا عنها توفيرا في الوقت وكسبا لراحة نسبية، يقول للبائع: “”هذا تول خشن”، ولآخر بأنه “تول مفرّغ جدا”. ويقول لثالث بائع بأن ما لديه من تول “يتمزق بسرعة”. يبدو أنه قد اكتسب خبرة من والدته، يظنه أحد الباعة خياطا، فيجيب، بأنه لا يحب الخياطة أبدا، وسيصبح لاعب كرة سلة، ولكنه لا ينسى بأن يقول لهم: بأنه ممتن لأمه ومهنتها التي تعينهم على حياتهم القاسية، ويؤكد بأنها تتكفل بكل تكاليف عيشهم .
في زقاق المحكمة ازدحام كبير، سيدة تطلب وصلة لتنورة، يجيبها صاحب المحل بأن ما لديه من قماش لونه أكثر اسودادا من لون تنورتها. يجيبها بكل أمانة قائلا: “سيبرز الفرق واضحا بين اللونين”. تتحاور السيدة مع خياطة موجودة في نفس المحل، تقترح عليها وصل التنورة من الأعلى، حيث لن يظهر الفرق في اللونين بعد تغطيته بالكنزة. توافق السيدة على مقترح الخياطة، فيعاود البائع تقديم نصيحة جديدة قائلا: “البسي فوق التنورة قميصا طويلا، تضمنين حينها عدم ظهور أي فرق بدرجة اللون، وتمنحين التنورة قيمة أكبر”. وافقت السيدة ممتنة للبائع، واشترت ما يكفيها للوصلة.
ثمة تعاقد مألوف ومتكرر ما بين الباعة والزبائن وخاصة الزبونات الدائمات والخياطات، تعاقد يرحب بالنصيحة ويثمنها عاليا، وقد يصل في بعض الحالات لأن يقوم بائع بإرشاد بعض السيدات إلى خياطة محددة بالاسم والعنوان، إما لمهارتها بالشك أو قصات فساتين السهرة مثلا، أو لبساطة أجرها، أو لأنها مقطوعة وتحتاج دعما، كل التبدلات واردة، إلا تلك العروة الوثقى ما بين مستفيدين اثنين، اجتمعا على المودة والرغبة بالدعم، كل من موقعه.

تاجر وكأس شاي
يتجمع خمسة من تجار السوق على إحدى الزوايا، يشربون الشاي، يقول أولهم: ” أنا متأكد بأن فلانا (ويقصد أحد الباعة الذين احترق محله) لن يعود أبدا إلى السوق”. ويقول آخر بأنه قلق على سلامة بائع متضرر آخر: “من أسبوعين أجرى عملية قسطرة قلبية، أتمنى أن ينجو قلبه من هذه المحنة”.
يُجمع الباعة والزبائن على أن كل شيء يتبدل بقوة وخارج المتوقع. الجميع يشير إلى أن حجم التبدلات أكبر من قدرة الناس باعة وزبائن على تحملها أو تصديقها.
في بلد الحرائق، قد يقول البعض: ” إن ما بعد حريق زقاق المحكمة ليس كما قبله”. لكن حريقا جديدا قد يطوي صفحة الحريق الذي بات قديما، ليعبث بالحياة من جديد.
الخسارات كبيرة وفرص التعويض معدومة، والتعاضد والتكافل المادي بات عملة قديمة لا قوة فعلية لها اليوم، لأن أسسه ضعيفة جدا وتكاد أن تكون مستحيلة، بسبب العجز المتراكم للأفراد وبسبب غياب الحماية والتعويضات وغياب برامج التأمين والمساندة بتعويضات فورية أو متدرجة، عبر غرفة التجارة أو النقابات أو المؤسسات.
تقول زبونة دائمة لأحد المحال، بعد أن هالها ما رأته من خراب: “ميت لا يجر ميت”. يصمت البائع، بانفعال بالغ ويجيبها: “كلنا موتى”.
على بعد دكانين من مركز الحريق، يعتذر أحد الباعة من سيدة تطلب قماش بطانة، يقول لها نحتاج عشرة أيام لمعاودة البيع، ترجوه: “عرس ابني بعد أسبوع والخياطة طلبت مترا إضافيا”. يكرر اعتذاره ولكن بغضب، ويقول: “لم نصحُ من صدمتنا بعد، نحن عدة شركاء وعلينا جرد البضاعة وإحصاء كل ما خسرناه وكل ما تبقى من البضائع كي نصفي الذمم المالية”. ترحل المرأة صامتة دون أي رد. يعود الشاب إلى عمله وهو يقول، لفتى يمسك ورقة وقلما، سجّل: “ثلاث أثواب بطانة سميكة لمّيع عرضين”.
دمشق 30 أيلول 2021

نازحو ادلب يستقبلون الشتاء… بالعراء والغلاء

نازحو ادلب يستقبلون الشتاء… بالعراء والغلاء

يجلس أبو عمر (53 عاماً)، وهو نازح، يقطن في مخيم وادي التين بالقرب من منطقة الدانا شمال إدلب، على صخرة متوسطة الحجم، ربط بها أحد أوتاد خيمته، وتجلس إلى جانبه زوجته، وإحدى زوجات أبنائه، ويتحدثون بخوف وحسرة، عن فصل الشتاء الذي يتربص بهم وما يحمله من برد وصقيع، وظروفهم المعيشية المتردية، التي لا تسمح لهم شراء وسائل تدفئة صحية مثل المازوت أو الحطب.
ومع بداية فصل الشتاء، تتجدد معاناة ومأساة النازحين في شمال غربي سوريا منذ ما يقارب 10 أعوام، وما يحمل معه هذا الفصل من قسوة وآلام، تطال أكثر من مليون نازح، يقطنون مخيمات عشوائية، بعضها على سفوح الجبال الوعرة، وآخرى ضمن الأودية، في خيام مصنوعة من الشوادر والنايلون لا تقيهم برد الشتاء القارس، على الشريط الحدودي مع تركيا.

حطب
يقول أبو عمر: “منذ أن نزحت وأسرتي التي تضم تسعة افراد، عن مناطقنا بريف حلب الجنوبي، ولجوئنا إلى هذا المكان، قبل أربع سنوات، لم ننعم بالحد الأدنى من الدفء في فصل الشتاء، بسبب قلة المال وإنعدام فرص العمل الكاملة، التي تؤمن لنا ثمن وسائل التدفئة الصحية، بسبب أسعارها المرتفعة، التي لا تتناسب إطلاقاً مع أحوالنا المادية، حيث وصل سعر الطن من الحطب الآن إلى ما يقارب 150 دولارا أميركيا، بينما أسعار المحروقات المحلية وصل سعر الليتر منها مؤخراً إلى حوالي نصف دولار أميركي. الطبع هذه الأقام تشكل لنا حالة مرعبة، لعدم توفر الحد الأدنى منها في جيوبنا”.
ويضيف، “لدي إبن متزوج و لديه أسرة (زوجة وطفلان) وإبن ثاني (16 عاماً)، يعملون في ورشة لصناعة (الطوب)، بأجور يومية، لا تتجاوز 40 ليرة تركية، وبالكاد هذا المبلغ، يؤمن لنا مستلزماتنا المعيشية اليومية من خبز وغذاء وأدوية وألبسة. ومع قدوم فصل الشتاء يتوقفون عن العمل، بسبب توقف أعمال البناء، وتتفاقم أحوالنا المعيشية أكثر فأكثر صعوبة، مع حاجتنا في آن واحد للطعام و وسائل التدفئة، مما نضطر إلى دفع الأطفال الصغار إلى القرى المجاورة لجمع البلاستيك المستعمل وأكياس النايلون وبقايا الكرتون ليكون وسيلة بديلة للتدفئة، نستطيع من خلالها إشعال الصوبة والحصول على بعض الدفء، ومع إحتراق تلك الأشياء ونفاذها يتلاشى الدفء، ونقوم برمي الأغطية على الأطفال للمحافظة على سلامتهم من الأمراض ونزلات البرد الحادة”. وينهي حديثه بكلمة أخيرة: “هذا هو شكل حياتنا في فصل الشتاء منذ 4 أعوام إلى الآن”.

فحم … وزيتون أم أحمد ، وهي أرملة 5 أطفال دون العاشرة ، وتعيش في “مخيم الأمل” في منطقة دير حسان الحدودية ، تقول ، “أحصل وتعامل على سلة غذائية (6 كيلو سكر و 5 كيلو رز ومثله برغل بالإضافة إلى 5 كيلو حمص وعدس وعبوتين 4 ليتر زيت نباتي) ، من شركات المنظمات الإنسانية العاملة في البطولة ، وموادها الأساسية ، وموادها الأساسية من أضراره على صحة الأطفال ، نتيجة إنبعاث يطبع داخل الخيمة “. تضيف ، “منذ 4 سنوات نزحت من بلدي سهل الغاب بريف حماة ، ولجأت برفقة أكثر من 50 عائلة ، إلى المخيم ، وكنا حينها تصل إلى مساعدات غذائية ومساعدات أخرى خلال فصل الشتاء من المنظمات الإنسانية ، إلا أنه في عام ، توقفت العودة ، أحوالنا المعيشية تشهد تشهد تراجعاً مأساوياً ، إلى حد الفقر والعيش بحالة تقشف ، خشية جو الموتعاً ، وأخشى هذا الشتاء تتفاقم منازلنا أكثر ، أمام غلاء أسعار مواد بما فيها الغير صحية مثل الفحم أو البيرين (بقايا زيتون) المخلوط بالتراب والحجارة ” .

خط الفقر
وفقاً لدراسة أحوال النازحين المعيشية في المخيمات أجراها ناشطون سوريون مؤخراً، قال الناشط بكار الحميدي أن 70 % من النازحين السوريين في مخيمات الشمال السوري يعيشون تحت خط الفقر، نظراً لتراجع حجم المساعدات الإنسانية من المنظمات الدولية والمحلية، خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى قلة توافر فرص العمل في المجالات الصناعية والزراعية.
واضاف، أن هذه النسبة شملت أعداد المخيمات العشوائية والتي بلغت نحو 450 مخيماً عشوائياً يقطنها حوالي 250 ألف نازح، تم إنشاؤها على مساحات مستوية، غير مخدمة بمجاري وقنوات صرف صحي، و”مع قدوم فصل الشتاء وتزايد غزارة الأمطار، تتعرض معظمها للغرق، وإنسداد الطرق المؤدية لها، مما يزيد ذلك من معاناة النازحين، فضلاً عن أن الخيام المصنوعة من الشوادر والنايلون لا يمكنها مقاومة العوامل الجوية لفترات طويلة، وتتعرض للتلف أمام سرعة الرياح في فصل الشتاء ودرجات الحرارة في فصل الصيف، وغالباً ما تكون عمليات الإنقاذ والإستجابة الإنسانية ضعيفة، مقارنة بحجم الأضرار التي تتعرض لها المخيمات نتيجة الفيضانات وتشكل السيول في فصل الشتاء”.

ضيق تنفس
مع قدوم فصل الشتاء تزداد حالات الإصابة بأمراض مرتبطة بإلتهابات الجهاز التنفسي لدى النازحين، بسبب إستخدامهم وسائل تدفئة غير سليمة مثل أكياس النايلون والأحذية والألبسة المستعملة، وإنبعاث الروائح والدخان داخل الخيام، بحسب الطبيب إياد الحسن في منطقة كفرلوسين (تجمع مخيماث ضخم) بالقرب من الحدود التركية، شمال إدلب.
ويضيف الحسن: ” يلجأ النازحون إلى إستخدام هذه الوسائل الغير سليمة للتدفئة، نظراً لأسعارها الرخيصة، مقارنة بأحوالهم المادية الصعبة، ونتيجة إنبعاث الغازات السامة، ومنها غاز أحادي أكسيد الكربون الناتج عن عملية الاحتراق الجزئي لها، داخل الخيام، يتعرض الأطفال وتحديداً الرضع منهم لحالات إختناق شديدة، يجري إسعافهم إلى المراكز الطبية القريبة، وتقديم الإسعافات الأولية لهم، وإجراء عمليات رفع نسبة الأكسجة السريعة لديهم، وتزويدهم بجرعات رذاذ، وإنقاذهم من موت محقق، وأيضاً كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة يتعرضون لأمراض تنفسية وسعال حاد نتيجة ذلك”.

مناشدات
أطلق فريق “منسقو استجابة سوريا” تحذيراً من شتاء قارس ينتظر النازحين شمال غرب سوريا وسط توقعات بتدني درجات الحرارة بشكل كبير خلال الفترة القادمة،في ظل الفقر والعوز الذي يعانون منه. وقال الفريق في بيان أن 1.512.764 نازحاً سورياً معظمهم من النساء والأطفال على موعد مع فصل الشتاء، وسط الفقر والعوز في الخيام والمباني غير المكتملة التي يعيشون فيها، في ظل عجزهم عن توفير أبسط سبل التدفئة. ولفت التقرير إلى أن الحاجة الماسة في الوقت الحالي للنازحين هو تحسين بيئة المأوى، منوها إلى أن العديد منهم اضطر إلى النزوح عدة مرات في ظل محدودية الأماكن التي يمكنهم العيش فيها، في وقت تعاني فيه مخيمات النازحين من الاكتظاظ السكاني، حيث زادت أعداد المخيمات في مناطق شمال غرب سوريا خلال الفترة السابقة إلى 1.489 مخيماً، بينها 452 مخيماً عشوائياً يقطن فيه 233.671 نازح من مختلف المناطق السورية.
وأوضح التقرير أن جميع النازحين السوريين بحاجة ماسة إلى المساعدات التي تشمل الغذاء والمأوى والمياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم، مناشداً جميع الفعاليات العمل على مساعدة الأهالي في مناطق شمال غرب سوريا عبر زيادة المساعدات الإنسانية لمواجهة أزمة البرد والأمطار المقبلة وتأمين الاحتياجات الأساسية للنازحين، في ظل الإرتفاع اليومي الذي يطرأ على أسعار المواد الغذائية و وصل إلى 200% خلال الأشهر الماضية.

تحذير
وحذر وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، الأربعاء 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من شتاء قارس ينتظر السوريين في ظل استمرار تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية.
وقال غريفيث، “سيواجه السوريون قريباً شتاءً قارساً آخر، فمع بدء درجات الحرارة في الانخفاض، سيؤدي هطول الأمطار والبرد والشتاء إلى تفاقم المصاعب التي يواجهها ملايين الأشخاص”. وشدد قائلاً “نحن بحاجة إلى حقنة عاجلة من المساعدات المنقذة للحياة، خاصة وأن السوريين يستعدون لفصل الشتاء”.
واحتلت سوريا المرتبة الثالثة ضمن قائمة الدول الأكثر هشاشة عالميًا لعام 2021، بحسب تصنيفات دولية.

الجيل الجديد في سوريا ومفهوم الانتماء إلى الوطن

الجيل الجديد في سوريا ومفهوم الانتماء إلى الوطن

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟

كانوا أطفالاً حين بدأت الحرب، كبروا وتربوا على ثقافتها التي حرمتهم من بناء ذاكرة وطنية حقيقية، فلم تحفل ذاكرتهم سوى بصور الموت والدمار وشتى أنواع المعاناة، ولم يتبلور لديهم أي انتماء راسخ لسورية الواحدة، ذات الهوية الجامعة، فسورية التي عرفوها خلال الحرب ليست كتلك التي عرفتها الأجيال التي سبقتهم، حيث ضاق مفهوم الوطن لدى الكثير منهم، وكانت سورية بالنسبة لبعضهم، خلال الحرب، لا تتعدى حدود محافظتهم، التي لم يغادروها، أو حتى حدود مدينتهم. 

“لم أتعرف إلى سورية سوى من خلال نشرات الأخبار والصور ومقاطع الفيديو. أشعر أن معظم المحافظات السورية أماكن غريبة عني، لا يربطني شيء بها وكأنها من بلاد أخرى. يتحدث أبي وأخوتي الكبار عن سورية بكثير من الحب والحنين ويسردون لي الكثير عن جمالها وسحرها وتنوعها وعن أجواء الألفة والمحبة والتآخي التي عاشوها في أغلب المحافظات، حيث زاروها مراراً وتكراراً قبل الحرب، بمدنها وقراها، التي كانوا يرونها مكاناً واحداً رغم اختلاف جغرافيتها، وبالمقابل لم أكن أشعر بالأمان، خلال الحرب، حتى في مدينتي، وكان سقف حلمي أن  أتعرف إلى أحياء دمشق القديمة”. هذا ما يقوله الطالب الجامعي أنس (22 عام) الذي كان في الصف السادس حين بدأت الحرب، ويضيف “لم أغادر دمشق سوى في رحلة سريعة إلى اللاذقية منذ عامين وكانت أول مرة أتعرف فيها على مكان خارج دمشق. الغوطة القريبة منا والتي قرأت وسمعت الكثير من الروايات عن جمالها وتغني الشعراء بها، لم أتعرف عليها سوى كمكان للموت والدمار، وأحزن حتى من ذكرها. ببساطة كبرت وأنا أشعر أن سورية هي مدينة دمشق فقط”.  

 إسراء (20 عام) التي نزحت بعمر الحادية عشر لا يذكرها اسم سورية سوى بالألم والمآسي. والوطن بالنسبة لها هو عائلتها فقط، وتبرر ذلك بقولها : ” منذ طفولتي لم أرَ سوى الحرب التي قتلت أبي والتهمت كل شيءٍ حولنا، وحين نزحت وعائلتي من الغوطة إلى دمشق، شعرنا بغربة كبيرة وعشنا ظروفاً قاهرة، من المعاناة والحرمان والسكن البائس، أجبرَت أخوتي على ترك  الدراسة والتوجه نحو العمل والتسول أحياناً، ليساعدوا العائلة في تأمين لقمة العيش المريرة”. 

وتضيف: “في المدرسة، بعد نزوحنا، لم أكن أشعر أنني كباقي الطلاب، فالفروق الطبقية كانت واضحة للغاية، بين طلاب أثرياء جداً وآخرين غارقين بالفقر، حتى أن بعض زملائي كانوا ينظرون إلي بعين الشفقة والدونية أحياناً، وهم يرون حقيبتي الممزقة وثيابي الرثة، وعجزي حتى عن شراء قطعة بسكويت أو سندويشة فلافل. تركت الدراسة وأنا في الصف الثامن وتوجهت للعمل في معمل لخياطة الألبسة، وما زلت أزاول هذا العمل حتى اليوم، في ظروف من القهر والاستغلال”. 

 ونتيجة لذلك الواقع تقول إسراء “لم أشعر حتى اليوم بأي انتماءٍ حقيقي لمكان إقامتنا الحالي  وبالمقابل حين أتذكر قريتنا في الغوطة تمتزج ذكريات طفولتي بصور الحرب فلا أشعر بأي حنين إليها”.  

عندما أهديت محمد (16 عام) عامل توصيل الطلبات، كتابين لليافعين عن حضارتي أوغاريت وتدمر، كانت صدمتي كبيرة، فحين نظر إلى صورة الغلافين تساءل: هل تقع هذه الأماكن في سوريا؟. محمد الذي نزح مع عائلته إلى مدينة جرمانا بعمر السادسة، لم يرَ منذ ذلك الوقت شيئاً من سورية سوى الحارة التي يسكنها وبعض شوارع المدينة والسوبر ماركت الذي يعمل به منذ نحو خمس سنوات، هو أيضاً لا يجيد القراءة والكتابة، فقد ترك المدرسة في الصف الثاني، حاله حال مئات آلاف الأطفال الذين تسربوا من الدراسة ليتجهوا نحو سوق العمل قبل أن يعيشوا طفولتهم التي كانت بحاجة لوطنٍ يحتضنها. 

جيل بلا بوصلة وطنية 

 جيل تعرف إلى ثقافة الانقسام السياسي قبل أن يتعرف إلى مفهوم الوطن الواحد والهوية الجامعة، إذ تشكل وعيه الوطني وهو يرى معظم من حوله من أبناء الجيل القديم يختلفون سياسياً على أبسط البديهيات والمفاهيم الوطنية، ويتبادلون الاتهامات ويوزعون أدوار الوطنية والتخوين كلٌ حسب أهوائه وتوجهاته، لذا زُرعت به آلاف المفاهيم والإيديولوجيات والقناعات الخاطئة قبل أن يتبلور لديه أي مفهوم واضح وحقيقي عن الانتماء الوطني، وذلك في ظل غياب أي مرجعيات وطنية حقيقية يمكنه أن يقتدي بها أو يستعين بخطابها وأفكارها لتكون بوصلته الوطنية، فمعظم القامات والرموز الوطنية خلال الحرب أصبحت منقسمة و ضائعة، لا تُجمع على شيء، تطغى وجهة نظرها الإيديولوجية وأجنداتها السياسية على كل ما هو وطني، وبعضها تقزم وأثبت فشله أو أُخمد صوته وأُنهكت قواه وشلّتَ أفكاره.  

” كبرت وأنا أرى أبي ومعظم أقاربي وأصدقاء العائلة يختلفون وتعلو أصواتهم كلما تناقشوا في أمرٍ يخص واقع البلاد، فيشتمون فناناً أو كاتباً سورياً نتيجة موقفه السياسي، ويخوِّنون معظم السياسيين والمفكرين، لذا كنت أكره أو أحب أحداً ما دون أن أعرف السبب. وحين كنت ألجأ  لبعض الكبار، المهتمين بالشأن السياسي والثقافي، لأسأله شيئاً عن الوضع السوري، لا يُقدم لي سوى آراء كيدية ويحاول إقناعي بوجهة نظره فقط ليبدأ بتخوين وشتم كل من لا يوافقه الرأي”. بتلك الكلمات يلخص طالب الطب فادي (23 عام) واقع حال معظم أبناء جيله، ويضيف “جيلنا لم تتشكل لديه أي قناعة وطنية راسخة إذ  تشكلت القناعات والمفاهيم السياسية والوطنية لمعظمنا من خلال المحتوى الذي تقدمه نشرات الأخبار والبرامج السياسية -التي تحكمها الأجندات والمال السياسي- ووسائل التواصل الاجتماعي التي تكتظ كل يوم بالكثير من المغالطات الفكرية والسجالات والمناكفات وتبادل الاتهامات. كل ذلك جعل منا جيلاً مشتتاً لا يمتلك أي يقين وطني”. 

جيل عاجز وناقم 

بعد تحول الأزمة السورية إلى أزمات وموت أي بارقة أمل بانتهائها، وفي ظل تردي الواقع الاقتصادي وغياب معظم متطلبات الحياة، وُلِد عند الجيل الجديد شعور دائم  بالضياع واللاجدوى وانسداد الأفق، وهو ما قَتل حماسهم وأخمد طاقاتهم، وغيَّب أي صوت أو تأثير لهم، فجعلهم عاجزين عن القيام بأي دور وطني فاعل، تمضي سنوات أعمارهم بلا أي هدف أو مستقبل واضح. كل ذلك جعلهم ينقمون على كل ما حولهم، ليفقدوا أي شعور بالمواطنة والإنتماء حتى تجاه مجتمعهم الذي تشرذمت روابطه وعلاقاته الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية.    

“أشعر اليوم أنه لا قيمة لوجودي وأنني عالة على عائلتي ومجتمعي.  أهدر أيامي في الانتظار الذي يقتل قدراتي وأحلامي وطموحاتي. بات تفكيري محصوراً فقط  بتأمين فرصة عمل والبحث عن أي طريقة لمغادرة البلاد، فمنذ مراهقتي تربيت على أن السفر هو الخيار الوحيد ولا مستقبل لدي في هذه البلاد”. هذا ما يقوله أحمد (24 عاماً) وهو واحد من مئات آلاف الشباب الذين باتت أحلامهم متعلقة بالسفر، خاصة أن الكثير من أصدقائهم وأقاربهم  سافروا من قبلهم وأصبحوا قدوة لهم. 

ويضيف أحمد: “هل نحن أبناء وطن واحد؟. كيف سأشعر بالانتماء إلى وطن لست جزءاً منه، أعيش فيه على الهامش، لا أستطيع أن أمارس إنسانيتي أو أن أقوم بأي دورٍ فاعل حتى تجاه أبناء مدينتي أو حارتي؟. لقد كبرت وأنا أعبر من جنب الأطفال النائمين في الشوارع  والحدائق  عاجزاً عن مساعدتهم. الفقراء الذين يعتاشون من حاويات القمامة أصبحت أراهم بشكل طبيعي ومألوف دون أن أحرك ساكناً. بت أشعر أنه لا جدوى من بقائي في هذه البلاد، فهي ليست سوى للأثرياء وتجار الحرب”.      

وطن بديل 

كثير ممن غادروا سورية، من أبناء الجيل الجديد، وجدوا وطنهم في بلدان لجوئهم في أوروبا وغيرها، اندمجوا بعادات البلد المضيف وبثقافته وتكيفوا مع حياتهم الجديدة، لذا قد ينسون مع الوقت ثقافتهم وذاكرتهم وهويتهم السورية. وإن طالت إقامتهم أكثر فقد ينسلخون عن سورية بشكل كامل، لاسيما أولئك الذين عاشوا في الخارج أكثر مما عاشوا فيها، وربما يلغون مع الوقت فكرة العودة إليها و يفقدون شعورهم بأي انتماء نحوها، خاصة إذا ما حصلوا على جنسية أخرى. 

وعن تجربتها تحدثنا نور (25 عام) المقيمة في ألمانيا منذ سبع سنوات: ” عشت مراهقتي في ظل الحرب وكوارثها التي أجبرتني وعائلتي على مغادرة سورية خوفاً من الموت. ومنذ وصولي إلى ألمانيا شعرت بالأمان والسلام، وتمكنت من الاندماج بثقافتها وتعلُم لغتها بسرعة فائقة، وهكذا بدأت أحقق أحلامي وأعيش كل التفاصيل التي أحبها، فلقد منحتني حياة جديدة وآفاقاً واسعة، لذا بت أشعر بكثير من الانتماء إليها وأراها وطناً بديلاً” . وتضيف نور: ” اليوم وبعد هذه السنوات لم يعد هناك شيء يربطني بسورية، سوى وجود بعض الأقارب والأصدقاء، الذين أتألم حين أفكر بالحياة التي يعيشونها، جميع الذكريات والأشياء التي كنت أحبها في طفولتي دمرتها الحرب ولم يعد لها وجود، لذا لا  أفكر في العودة إلى سورية سوى في زيارات قصيرة على المدى البعيد”.  

خلال الحرب ولد نحو  خمسة ملايين طفل في سورية، فيما ولد نحو مليون طفل سوري لاجئ في دول الجوار، وذلك بحسب تقرير اليونسف آذار 2020. اليوم إذا نظر هؤلاء الأطفال إلى جيل الشباب، الناقم على كل شيءٍ حوله والغارق في جحيم معاناته اليومية وانهزاماته وخسائره المتتالية، فماذا سيتذكرون عن بلادهم وكيف سيشعرون تجاهها، وكيف ستكون علاقتهم بها مستقبلاً؟. 

 

كيف سيتعايش السوريون: هوية جامعة أم هويات متعددة؟

كيف سيتعايش السوريون: هوية جامعة أم هويات متعددة؟

[fusion_builder_container hundred_percent=”no” equal_height_columns=”no” menu_anchor=”” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” class=”” id=”” background_color=”” background_image=”” background_position=”center center” background_repeat=”no-repeat” fade=”no” background_parallax=”none” parallax_speed=”0.3″ video_mp4=”” video_webm=”” video_ogv=”” video_url=”” video_aspect_ratio=”16:9″ video_loop=”yes” video_mute=”yes” overlay_color=”” video_preview_image=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” padding_top=”” padding_bottom=”” padding_left=”” padding_right=””][fusion_builder_row][fusion_builder_column type=”1_1″ layout=”1_1″ background_position=”left top” background_color=”” border_size=”” border_color=”” border_style=”solid” border_position=”all” spacing=”yes” background_image=”” background_repeat=”no-repeat” padding_top=”” padding_right=”” padding_bottom=”” padding_left=”” margin_top=”0px” margin_bottom=”0px” class=”” id=”” animation_type=”” animation_speed=”0.3″ animation_direction=”left” hide_on_mobile=”small-visibility,medium-visibility,large-visibility” center_content=”no” last=”no” min_height=”” hover_type=”none” link=””][fusion_text]

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “في العقد الجديد، إلى ماذا يشتاق السوريون؟

مع تقلبات حياة السوريين وتمزّق الجغرافيا السوريّة بعد عقد دام من الثورة/الحرب، بات موضوع هويّة سوريا والسوريّين واحدًا من أبرز الموضوعات المثيرة للجدل على الساحة الوطنيّة والسياسية والاجتماعيّة السورية، وهو ما دعانا إلى طرح هذا الموضوع مع عدد من النخب السياسيّة والأكاديميّة السورية المنشغلة في هذه المسألة، فكان أن استضفنا في هذه الفسحة الحواريّة كلًّا من: السياسيّة والباحثة الأكاديميّة في علوم الأنثروبولوجيا والبيئة الدكتورة سميرة مبيض، عضوة اللجنة الدستوريّة السوريّة عن كتلة المجتمع المدني، والباحث الأكاديمي السوري، بروفسور. دكتور. نجيب جورج عوض، بروفسور اللاهوت المسيحي والفكر المسيحي الشرقي، ومدير برنامج الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة والعلاقات الإسلاميّةالمسيحيّة في كليةهارتفرد للدراسات بينالدينيّةفي كونكتكت بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، والكاتب السياسي والمعارض الكردي السوري البارز صلاح بدر الدين، والكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور مضر الدبس. ووجهنا لهم الأسئلة التالية: هل كان للسوريّين هويّة جامعة قبل عشر سنوات؟ ما الذي كان يجمعهم؟ وماذا حصل لهذه السرديّات الجامعة الآن؟ ومن قبل هل كان النسيج الاجتماعي السوري متماسكاً فعلاً قبل العقد الدامي أم مجرد مظاهر سطحية للعيش المشترك؟ وأخيرًا، ما هي المآلات المستقبليّة للهويّة السورية الجامعة/المتعدّدة؟ فكان هذا الرصد لإجاباتهم..

مبيض: خلق مسار صاعد يضمن تجدّد الهويّة السوريّة

بداية حديثنا كانت مع السياسيّة والباحثة الأكاديميّة في علوم الأنثروبولوجيا والبيئة

الدكتورة سميرة مبيض، عضوة اللجنة الدستوريّة السوريّة عن كتلة المجتمع المدني، والتي قالت لنا: إنّ استمرارية نظام الحكم الشمولي تعتمد على فرض هويّة واحدة ولا يمكن تسميتها بالهويّة الجامعة، بل هي حالة تعايش مُفترضة وفق الإطار المحدّد. يعتمد تحقيقها على القوة حيناً لمنع بروز هويّات أخرى، وعلى تغيير عوامل المحيط حيناً آخر لوسمه بالهويّة المفترضة. وذلك برأيي ما كان سائداً طيلة العقود المنصرمة، وبالتالي فإنّ تماسك المجتمع بدوره كان تماسكًا قائمًا على عوامل مرتبطة بالسلطة الحاكمة وبالإطار الأيديولوجي الذي فرضته لصنع هذا التماسك، ومنه أذكر بعض النقاط فيما يلي: 

  • عوامل أيديولوجيّة كنظريّة المؤامرة والتهديد الخارجي، أي نظريّة خلق العدو وبالتالي فرض التوحّد بمقابل هذا العدو المُفترض.
  • عوامل ثقافيّة كمنع تداول اللغات السوريّة المتعدّدة، وإغفال عوامل هامة من التاريخ السوري ضمن المناهج الدراسيّة أو توحيد اللباس المدرسي باللباس العسكري. 
  • عوامل سياسيّة كمنع نشوء تيّارات حزبيّة مختلفة عن توجّه تيّار الحزب الواحد القائد، والمرتبط بدوره بشخصيّة محوريّة هي الأب القائد للمجتمع والدولة. 
  • عوامل تسخير الأديان لخدمة السلطة تعتمد على النفاق الاجتماعي الظاهري والذي يقابله نشر الفتنة الداخلي غير المعلن بين هذه الأطياف والفئات.

تضيف صاحبة «الشهيدة السوريّة الأولى.. (تاريخ عائلة مسيحيّة تحت اضطهاد حكم الأسد، إنّ التراكم السلبي لهذه العوامل هي ما انفجر كشروخ عميقة بين السوريّين خلال عقد الثورة المنصرم. لا يعني ذلك أنّ الهويّة السوريّة الجامعة غير موجودة لكنّها لم تتبدَ خلال العقود المنصرمة لأنّ ظروف المحيط منعت ظهورها وحاربت كلّ ما يخرج عن الأطر المفروضة على المجتمع، فالهويّة بحدِّ ذاتها ليست مفهومًا ثابتًا بل هي مجموعة عوامل متداخلة وديناميكيّة تنتظم بتراتبيّة تُحَدّدها الظروف المحيطة والعوامل المؤثّرة، والعوامل الجامعة للسوريّين في هويّة مشتركة هي عوامل موجودة وقائمة وإحياؤها ممكن بشكلٍ تدريجي لغاية الوصول لتماسك مجتمعي مبني على عوامل حقيقيّة وليست زائفة أو مفترضة.

تتابع صاحبة «كيف أرى الثورة السوريّة»، قائلة: إنّ أهم هذه العوامل ترتكز برأيي على البعد المكاني والتاريخي لسوريا، وهذه العوامل تعبر بوضوح عن حالة تعدّديّة على كافّة الصعد، القوميّة، الدينيّة والثقافيّة أي أنّ الهويّة السوريّة الجامعة ليست نابذة لأيّ من مكوّناتها المجتمعيّة الطبيعيّة وتستطيع احتواءها جميعًا، في حين لا تستطيع أيّ من الهويّات القوميّة أو الدينيّة أو الثقافيّة احتواء التعدّديّة السوريّة، كذلك يمنح البعد المكاني والتاريخي الهويّة السوريّة سمة الانفتاح الإقليمي والدولي فهذه المنطقة شكّلت رافدًا هامًا لتطوّر الحضارة البشريّة على مرّ التاريخ. 

د. مبيض ترى في ختام حديثها معنا، أنه يبقى العامل الأهم لإحياء هذه الهويّة هو مواجهة التحدّي باندثارها الذي يقف أمامه السوريّون اليوم في واقع من التقهقر والتشرذم الإنساني، والذي قد يشكّل بدوره الدافع الأكبر لبناء هويّة جامعة على أسس صلبة تسمح بخلق مسار صاعد يضمن تجدّد الهويّة السوريّة واستمراريّتها. 

  • عوض: الفصل بين مسألة الهويّة ومسألة المواطنة والانتماء الدولتي

من جهته، أوضح الباحث الأكاديمي السوري، بروفسور. دكتور. نجيب جورج عوض، بروفسور اللاهوت المسيحي والفكر المسيحي الشرقي، ومدير برنامج الدكتوراه في الدراسات الإسلاميّة والعلاقات الإسلاميّةالمسيحيّة في كليةهارتفرد للدراسات بينالدينيّةفي كونكتكت بالولايات المتّحدة الأمريكيّة، أنه في العقود السابقة للثورة السوريّة، لم يكن هناك هويّة جامعة ينضوي تحتها السوريّون. فالسوريّون لم يعط لهم الحرّية والحقّ بتشكيل وعيهم الذاتي بأنفسهم، بل فُرضت عليهم هويّة مسبقة الصنع جمعيّة (وليس جامعة) وشموليّة وصائيّة قرّرها لهم أصحاب السلطة والوصاية والمرجعيّة في المؤسّستين السياسيّة والدينيّة. لهذا لم يطوّر السوريّين بنيانًا متجانسًا وموحدًا في قلب تنوّعه، وعلى قاعدة هذا التنوّع ومن منطلق الاغتناء به.

يضيف صاحب «أحفورات الفهم، تاريخانيات المعنى: دراسات في الثقافة والدين والسياسة»، تحوّل التنوّع والتعدّد إلى عناصر مهدّدة للهويّة المؤدلجة التي اُسقطت على السوريّين من علٍ، إما وفق خطاب سياسي إيديولوجي قوموي وعروبوي، أو وفق خطاب تديني دوغمائي تطأيفي وثقافي عرقي تفريقي. ولا واحدة من تلك التوجّهات تخلق مجتمعًا متجانسًا على قاعدة التنوّع والتعدّديّة، بل تفرض تجانسًا مسبق الصنع على قاعدة الولاء والتماثل والتنميط. هذا الواقع ساد في سوريا قبل الثورة، وتعزّز وتمّ توظيفه منهجيًّا خلالها، وهو سيبقى في ساحة سوريا ما بعد الثورة أيضًا.

يتابع صاحب «ما بعد الحداثة.. ومستقبل الخطاب الديني في الغرب»، قائلًا: إنه من جهة أخرى، لا يجب للتجانس المجتمعي أن ينبني على مفهومالهويّة“. مؤكّدًا أنه لا يوجدبرأيي – “هويّة جمعية، فالهويّة خيار حرّ مرتبط بوعي الفرد لذاته وخياراته الشخصيّة الماهويّة. مضيفًا: أنّ العالم مابعدالحداثوي لم يعد يتحدّث عنهويّة جمعيّةشاملة، بل عن هويّات متعدّدة، أنا أسميهاهويّة سيروريّة متعدّدة الأوجه“. أضف لهذا، لا علاقة للنسيج الاجتماعي ووحدته وتماسكه برأيي بمسألة الوعي الذاتي (الهويّة). التماسك المجتمعي ينتج عن قرار الأفرادالواعين لذواتهمأصلًا ومسبقًا بالتعاقد المدني والدستوري مع بعضهم البعض وقرارهم الانضواء تحت مظلّة دولتيّة ودستوريّة اختاروا بحرّيتهم الانضواء تحتها والالتزام بها، لا بل وتشاركوا معًا وبشكلٍ متساوٍ ومتكافئ في صنع هذا الدستور وإدارة هذه الدولة المنبثقة عنه. هذا لم يتحقق بعد في سوريا في الماضي ولا يبدو لي أنه سيتحقق في المستقبل المنظور. علينا أن نفصل مسألة الهويّة (وعي الذات) (سواء الوعي السياسي، الثقافي، الديني، العرقي، الجندري، أو اللغوي) ومسألة المواطنة والانتماء الدولتي. فهما مختلفان عن بعضهما ولا يجب لإحداهما أن تتحكّم بحقوق الإنسان وواجباته أو أن تقرّره له فوقيًّا.

يختم صاحب «الله، الإنسان والشر»، حديثه معنا بالقول: إنّ الاجتماع المدني المواطني يقوم على تلاقي واجتماع الأفراد والجماعات الحرّ والتعايشي والتلاقحي، بمعزل عن الخيارات الهوويّة، ويقوم كذلك على قاعدة الانتماء الدستوري والدولتي والالتزام بهما. لافتًا إلى أننا لم نصل بعد لهذه المرحلة، وسوريا القادمة إما ستمر بمرحلة كارثيّة تفتيتيّة أو بمرحلة إعادة إحياء الوصائيّات والسلطات الفوقيّة والعرفيّة على الأفراد، قبل الوصول لها. 

  • بدر الدين: نحو دستور سوري جديد يضمن حرّية التعدّدية

بدوره، بيّن الكاتب السياسي والمعارض الكردي السوري البارز صلاح بدر الدين، في أنه منذ استقلال سوريا في ظلّ أوّل دستور انطلق من مفهومالأحاديّة القوميّة والثقافيّةوالسوريّون يبحثون عن هويّة وطنيّة جامعة، وبات البحث في تعريف الهويّة، وأعمدتها، وأسسها الثقافيّة، والاجتماعيّة، ومضامينها الإنسانيّة، وتجلياتها من بنى فوقيّة، الشغل الشاغل للنخب السياسيّة والثقافيّة والفكريّة، ولم يكن ذلك بمنأى عن جوهر الصراع المتواصل بين الحركة الوطنيّة الديموقراطيّة السوريّة من جهة والأنظمة والحكومات المتعاقبة على الحكم منذ أكثر من سبعة عقود وحتى الآن.

وذكر صاحب «الصراع في سوريا.. (النظامالكردالمعارضة، إنه في العقد الأخير الذي شهد اندلاع الثورة الوطنيّة من أجل التغيير الديموقراطي، ظهرت عملية البحث عن الهويّة السوريّة الجامعة بأجلى صورها، ليس في مجال تصحيح كتابة تاريخ سوريا والسوريّين حيث تمّتزييفه بدوافع عنصريّة وأيديولوجيّةبل بإعادة تعريف الشعب السوري، وتشخيص عناصره القوميّة، والثقافيّة، وحوامله الدينيّة والمذهبيّة، والاعتراف بكلِّ ذلك وجوديًّا ودستوريًّا وحقوقيًّا في إطار الهويّة السوريّة الشاملة الى جانب الاجتهاد في اختيار الهويّة السياسيّة لنظام الحكم القادم وهذا ما نلاحظه في برامج ومبادرات ومشاريع سياسيّة متعدّدة يتمّ التنافس حولها من أجل سوريا القادمة.

صاحب «الحركة القوميّة الكرديّة في سورية.. رؤية نقدية من الداخل»، أضاف: نعم كان هناك تماسك اجتماعي شكلي وملزم في ظلّ الدكتاتورية، وقد نجد البعض من أعوان نظام البعث في كلٍّ من سوريا والعراق في عهديحافظ الأسد وصدام حسينيزعمون في مجال مدح النظامين بأنهما وفرا وحدة المجتمع، ومنعا ظهور أيّ انقسام، والأصح أنهما منعا بقوة الحديد والنار والإبادة والسلاح الكيمياوي، والقمع الممنهج، ووسائل الإرهاب الدولتي، ظهور أيّ صوت مخالف، وعملا على وأد أيّ مطالب بالتغيير، وأيّ محاولة في البحث عن هويّة جديدة، وأي مساس بالحدود المرسومة من فوق.

ويؤكد صاحب «الكرد بين إرهاب الدولة القوميّة والاسلام السياسي»، على أنّ كلّ الوثائق والقرائن التي خلفتها عقود الدكتاتوريّة والظلام تشير إلى أنّ قضايا الخلاف والصراع بين غالبيّة السوريّين من جهة والنظم الحاكمة من الجهة الأخرى كانت تتركّز على إعادة النظر بالدستور، وتعريف الشعب السوري، ووجود قوميّات وثقافات متعدّدة، تُحفظ حقوقها الأساسيّة، والقوانين، وشكل النظام، ومسألة أحاديّة القوم، والمذهب، والحزب، والعائلة، وهي كلّها تدور حول بنية الهويّة الوطنيّة ومضمونها وجوهرها، الكفيلة باستيعاب كلّ السوريين طواعية تحت خيمة واحدة، على قاعدة العيش المشترك، والاتّحاد الاختياري وليس القسري.

بدر الدين شدّد في ختام حديثه معنا على أنّ الهويّة الحقيقيّة للسوريّين ليست (أمة عربيّة واحدة ذات رسالة خالدة) أو أنّ كلّ من يتكلم العربيّة فهو عربي. كما أنها ليست (الإسلام هو الحلّ) أو أنّ (الحلّ المواطني هو المطلوب)، بل تكمن في الاعتراف بدستور سوريا الجديدة بأنّ سوريا كدولة ليست بسيطة بل مركبة، ومجتمع متعدّد الأقوام والثقافات والديانات والمذاهب، ولا بدّ من ضمان حقوق الجميع وشراكتهم، إضافة الى حرّية التعدّدية الفكريّة والسياسيّة، وبذلك سيعتز الجميع بالهويّة المشتركة الجامعة، وسيدافعون عنها بالغالي والرخيص.

  • الدبس: مُعالجة عيوب السياسة السوريّة بالاجتماع..

أما الكاتب والباحث الأكاديمي الدكتور مضر الدبس، صاحب كتاب «في ضوء الألم.. تفكير في بنى الاجتماع السياسي السوري»، فيقول إجابة على تساؤلاتنا: إنه على الرغم من أنّ السؤال عن وجود هويّة سوريّة جامعة يتضمّن تفكيرًا في الماضي، إلّا أنه بالضرورة ينتمي إلى جملة الأسئلة التي تستهدف المستقبل، ولذلك يبدأ الجواب عنه في تقديرنا من الأمام إلى الوراء: أي انطلاقًا من التفكير في آفاق الوطنيّة السوريّة الجامعة إلى ماضيها، وليس العكس. ولذلك أميل إلى إعادة طرح السؤال بصيغةٍ أخرىهل سيكون للسوريّين هويّة وطنيّة في المستقبل؟ ويفترض هذا السؤال – بطبيعة الحال – تفاهمًا واضحًا وناجزًا على دلالةالهويّة السوريّة الجامعة، ولا أعتقد أنّ هذه الدلالة ناجزة وواضحة، بل إنّ مفهوم الهويّة قبل تخصيصه بصفةالوطنيّةلا يبدو واضحًا ولا تبدو دلالته واحدة. عند هذه النقطة أرى العائق الأكبر أمام تقديم الإجابة عن السؤال المطروح، وربما تبدأ الإجابة بالوقوف على ماهيّة العائق وتحديد أسبابه تمهيدًا لإزالته، ففي هذه النقطة، وعلى هذا العائق يعيش وهمًا يعطي نتائج كارثيّة، وهو الوهم بأنّ أدوات التفكير والاستنتاج ومن ثمّ السلوك مشتركة بين الجميع، وهي في الحقيقة ليست كذلك. هذا العائق بتقديرنا عائق سياسي محض.

يتابع صاحب «مفهوم المواطنة»، محللًا: يكفي أن يتابع المرء سياقات استخدام مفردةالهويّةومن ثمّ عباراتالهويّة الجامعة، والهويّة الوطنيّة، ليلاحظ أنها سياقاتٌ لم يمنع تطابق الكلمات المستخدمة في التعبير عن معناها من اختلاف دلالاتها وتوجّهاتها؛ فالهويّة الوطنيّة في السياق الإسلامي مثلًا، تختلف عن الهويّة الوطنيّة في السياق اليساري، بل يختلف مفهوم الهويّة بمجمله. مضيفًا: بالتأكيد، هذا النمط في التفكير طويل، وفيه الكثير من التفاصيل، ولكن في هذه العجالة، أذهب مباشرة إلى طرح مفهومين دائمًا أميل إلى مقاربتهما بوصفهما مفتاحي الوطنيّة السوريّة، الأوّل هو ابتكار فضاء عمومي سوري حقيقي، والثاني مراكمة رأس مال اجتماعي وطني سوري في هذا الفضاء.

 وأردف صاحب «عقل الجهالة وجهل العقلاء.. في المقدس والثقافة وإشكالية العلاقة بينهما»، قائلًا: إنّ ثورة الحرّية والكرامة التي بدأ بها السوريّون في آذار/ مارس عام 2011 كانت فرصة تاريخيّة، بما تحمل كلمة تاريخيّة من معنى، لبناء رأس مال اجتماعي وطني حقيقي، في فضاءٍ عمومي متقدم ومتطوّر، بدأ بصنعه السوريّين بصورة تعاون، وتنظيم، وتنسيق العمل الميداني، وحوارات سياسيّة علنية ومفتوحة. ومن دلالات هذه الروح التي سادت في بداية الثورة، أن الوعي بأهميةالوطنيّة السوريّةكان بالضرورة حاضرًا قبلها، وهذا الوعي – في الأقل – هو الذي يمكن أن نراه حقيقة علمية واضحة. وبقدر ما كانت الثورة – في إحدى أكثر صورها أهميةً – تجلياً لهذا الوعي على المستوى الاجتماعي، بقدر ما كانت فرصةً مُفوَّتةً على المستوى السياسي. ومن مجمل ما يدلنا إليه هذا الإخفاق السياسي الفرضية الآتيةكان للهويّة السوريّة الجامعة قواعد اجتماعيّة ووجدانية وأخلاقيّة راسخة، ظلّت حيّة قادرة على التعبير عن نفسها على الرغم من سنين القمع والتخويف والتقسيم والتفريق التي اتبعها النظام منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، ولكن لم يمتلك السوريّون سياسةً وطنيّة قادرةً على إنتاج الوعي السياسي اللازم لتعيين هذه القيم الوطنيّة والأخلاقيّة بصورة تاريخيّة ملموسة، ولتعيينها بصورة دولةٍ وطنيّة سوريّة. وبالنتيجة الأوّليّة في هذه العجالةكان الوعي السياسي بالهويّة الوطنيّة السوريّة بكُلّيّته وعيا مفوّتًا، ولو لم يكن كذلك لمّا فوّت هذه الفرصة التاريخيّة لتحقيق ما حلم به طيلة حياتهما نريد قوله إنّ المعارضة التي كانت جناح الثورة السياسي منعت تحليقها على المستوى الوطني، وذلك بسبب عيب بنيوي في هذا الجناح. وخلاصة القول، من أجل الماضي والمستقبل معًا، من الضروري أن نُعالج عيوب السياسة السوريّة بالاجتماع السوري المُتعين في فضاءٍ عمومي، وأن يكنس العمومي النخبة السياسيّة كلّها.    

[/fusion_text][/fusion_builder_column][/fusion_builder_row][/fusion_builder_container]