by Safi Khattar | Apr 21, 2020 | Reports - EN, Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
تنتشر بعض العبارات التي نسمعها بكثرة هذه الأيام حول “وصفات سحرية تشفي من الأمراض” أو “علاج طبيعي دون دواء” وغيرها الكثير، وخصوصاً في ظل انتشار وباء كورونا الذي اجتاح العالم وما رافقه من حالات الإحباط والخوف التي سيطرت على الجميع، بالإضافة إلى كشف هشاشة الكثير من الأنظمة الصحية وعجزها حيال الوباء، مما ساعد في انتشار الشائعات والأخبار المغلوطة حول وصفات طبية وخلطات أعشاب وغيرها فيما يسميه البعض بالطب البديل.
علاجات بالطاقة أو باليوغا
في أغلب المدن يوجد نوادي ومراكز للعلاج باليوغا، الأمر الذي يُعد إيجابياً وله نتائج جيدة في أغلب الأحيان في تخفيف الضغط والتوتر من خلال ممارسة تمارين الاسترخاء والتأمل التي تساعد كثيراً في علاج الاضطرابات النفسية وتحسن المزاج العام؛ إلا أن الموضوع لم يقف عند حدود كونه رياضة فقط لها تعاليمها وأصولها بل تعدى ذلك للدخول بما يسميه البعض علوم الطاقة والروح وقدرات الجذب والبرمجة اللغوية العصبية وغيرها من المسميات التي تُصنف ضمن ما يعرف بالعلم الزائف حيث لا يوجد أي أدلة علمية تُثبته. الخطورة هنا هو عندما يتم التعامل مع هكذا نظريات بوصفها علوماً حقيقية وتصديقها بشكل كامل ورفض كل ما عداها وتفسير كل ما يحصل في حياة الفرد والمجتمع وفق تصوراتها فقط، فالفشل والحظ السيئ والمرض والفقر وكل ما يمكن أن يحدث من إشكاليات في الحياة يكون سببها فقط خلل في نظم الطاقة داخل الجسد على حد تعبيرهم. وكثيراً ما نرى هؤلاء وقد اقتنعوا بأن كل ما يحدث من ظواهر ومشكلات مردها إلى نظرية المؤامرة دون أخذ الأسباب الموضوعية والعلمية الكامنة وراءها.
(سليمان 41 عاماً، مهندس) أحد هؤلاء المقتنعين بهذه النظرية وقد حاول جاهداً إقناعي بصحة أفكاره دون أن يسمح لي بالرد عليه ومناقشته “بحجة جهلي لهذه العلوم وبأن طاقتي سلبية تجلب لي المشاكل دوما”. سليمان مقتنع تماماً بأن فيروس كورونا هو لعبة دولية وتضخيم إعلامي للتغطية على مشاكل أخرى وأن سبب المرض ليس بفيروس بل هو الموجات ذات التردد العالي لشبكات الجيل الخامس للإنترنيت، ولم تفلح معه كل الحجج التي قدمتها له وبقي مصراً على رأيه، وما أدهشني حقاً وأغضبني بنفس الوقت هو قراره بالامتناع عن تقديم اللقاحات لابنته الصغيرة بحجة أنها من ضمن ممارسات المؤامرة الكونية على البشرية وبأن الموضوع ليس أكثر من كذبة كبيرة لخداعنا، ما دفعني بالنهاية لان ألجأ لتهديده بالشكوى عنه إذا لم يتراجع عن قراره.
انتشار الشائعات بهذه الطريقة له أسبابه المعروفة والمفهومة أيضا وخصوصا عند الفئات الأقل تعليماً في المجتمع، لكن ما يثير الاستغراب حقا هو انتشار هذه الشائعات بين الأوساط المتعلمة والحاصلة على شهادات عالية، فكم كانت دهشتي كبيرة عندما سمعت طبيب الأسنان الذي أتعالج عنده وهو يفسر جائحة كورونا على أنها خدعة ومؤامرة بين الدول وأن الفيروس سلاح حربي مصنّع في المختبرات في الوقت الذي لا يعير أي اهتمام للتقارير الطبية والعلمية والإحصاءات الدولية التي تتكلم عن الوباء، كذلك الأمر مع جاري الصيدلاني الذي أصر على البقاء في المنزل ريثما ينتهي تأثير غاز السارين وتنتهي التجارب الكيمائية التي تنفذها الدول، مصدقا ما يشاع عن ذلك وبأن الفيروس لا وجود له من الأساس.
طب الأعشاب
ينتشر استخدام الأعشاب العطرية والطبية وخلطات الزهورات بشكل واسع لدى غالبية السوريين إما بتناولها كمشروبات ساخنة أو بإضافتها للطعام، لكن الأمر تعدى ذلك إلى اعتبارها أدوية تستطيع شفاء جميع الأمراض. وعن مخاطر هذه الادعاءات يقول (مازن، طبيب مخبري، 55 عاماً): “إن التعامل مع الأعشاب الطبية بوصفها علاجاً فيه الكثير من المغالطات والأخطار أيضاً، وخصوصاً عند اعتبارها بديلاً للأدوية، فالبعض يقوم أحيانا بإيقاف الأدوية واللجوء لخلطات الأعشاب مما يشكل خطراً حقيقيا قد يصل للموت أحياناً، إن العلاج بالأعشاب موجود منذ القديم وحتى اليوم وهناك شركات أدوية متخصصة في ذلك في أغلب الدول المتقدمة تُقدم خلطات أعشاب طبية بناء على تجارب ودراسات علمية تُحدد فاعليتها وآثارها، لكن للأسف لا يوجد لدينا شركات أو معاهد مماثلة، وفي أفضل الأحوال تبقى في حدود الخبرة الشخصية لبعض الأفراد.”
وتنتشر العديد من البرامج في محطات التلفزيون لأشخاص يُقدمون خلطات عشبية تُداوي أي مرض على حد زعمهم بما فيها الأمراض المستعصية كالسرطان مثلاً، وكذلك الأمر بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي حيث نرى الكثير من المواقع والصفحات تقوم بتقديم وتسويق الأمر ذاته. وبحسب رأي الدكتور مازن أيضاً فإن “المعلومة المتداولة بين الجميع عن أن الأدوية الطبيعية أو خلطات الأعشاب هي آمنة وبأنها في أسوأ حالاتها إذا لم تنفع فهي لا تضر هي معلومة خاطئة بالمطلق وتشكل خطراً حقيقياً على كثير من المرضى، فهناك العديد من الأعشاب التي لها تأثيرات قد تفاقم المشكلة الصحية دون أن ينتبه المريض، لذا أنصح الجميع بعدم استعمال أي خلطات عشبية على أنها أدوية فعالة والاكتفاء بتناول بعض الأعشاب كالنعناع والبابونج وغيرها من المشروبات التي يتناولها الجميع عادة دون أي ضرر وبكميات محدودة.”
كثيراً ما نسمع عن حالات تعرض فيها البعض لأخطار كبيرة نتيجة الجهل بالموضوع وتطبيق وصفات للتخلص من أوجاعهم بحيث تنتهي بهم القصة لمشكلة أكبر في أغلب الأحيان كما حدث مع أحد أقاربي عندما وصف له أحد المعالجين بالأعشاب بأن يضع نبات القريص مع مهروس الثوم على ظهره ليلة كاملة ليتخلص من آلام الفقرات، فكانت النتيجة حرقاً شديداً وحساسية كبيرة في الجلد بقي قرابة الشهر يُعالجها.
المعالجة بالغذاء
تعتبر نوعية الغذاء وتوازنه عاملاً حاسماً في الحفاظ على صحة جيدة، وكثيراً ما نسمع الأطباء يرددون بأن المعدة هي بيت الداء والدواء، لذلك فإن تطبيق حميات معينة في بعض الأمراض يكون أمراً ضرورياً و إلزامياً وخصوصاً فيما يتعلق بأمراض كالحساسية أو الهضم أو السكري أو ارتفاع الضغط وغيرها، لكن بشرط أن تكون هذه الحميات مترافقة مع العلاج الطبي ومتممة له.
(غادة، 41 عاماً، خبيرة تغذية) قُمت بزيارة عيادتها بسبب فضولي الكبير حول الموضوع من جهة وشهرتها وسمعتها الجيدة في هذا المجال من جهة أخرى، لم تبخل علي بالإجابات رغم كثرة أسئلتي وبدا لي لأول مرة أن الإجابات المقدمة منها مُقنعة وعلمية على عكس الكثير ممن يدعون الخبرة في هذا المجال خصوصاً وأن لي تجربة شخصية مع العلاج بالغذاء والحميات. تقول غادة: “إن عبارة غذاؤك دواؤك التي نسمعها كثيراً هي صحيحة بالعموم، فتنوع الطعام وتحديد كميته ووقته له الأثر الأكبر على الصحة، وما أراه اليوم من سوء التغذية الشديد لدى الكثيرين يُشعرني بالعجز والحزن، ويصبح الكلام عن تحقيق تغذية متوازنة أو علاج بالغذاء كمن يطلب المستحيل ويقابله الناس عادة بالكثير من التهكم والسخرية، فلتحقيق تغذية جيدة وصحية لأسرة من 5 أشخاص نحتاج لـ 300 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى وهو رقم يُعتبر أعلى كثيراً من دخل أغلب الأسر السورية.”
وتُضيف غادة: “يتم التعاطي مع العلاج بالغذاء بصورة خاطئة وخاصة اليوم في ظل انتشار الكورونا، فلا يوجد أي غذاء أو حمية قادرة على الشفاء من الأمراض أو أن تكون بديلاً لأي دواء، مجمل الموضوع أن النظام الغذائي الصحي والمتوازن يجب أن يتحول إلى نمط حياة متكامل بالنسبة للجميع حينها يكون له الدور الأكبر في تقوية المناعة وبناء نظام صحي فعال.” وبالنهاية تبقى هذه الوصفات والعلاجات تكميلية لها فوائدها في تخفيف بعض الأعراض والمساعدة على الشفاء، إلا أنها تتحول إلى مشكلة حقيقية إذا أسيئ استخدامها أو تم اعتبارها بديلاً عن الطب.
.Photo by Content Pixie on Unsplash*
by Ghassan Nasser | Apr 14, 2020 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
وسط القلق العالمي المتزايد على وقع تفشي جائحة “كورونا المستجد” (كوفيد 19) وما رافقها من آثار وتهديدات على مستويات عدة؛ أعلنت حكومة النظام السوري في 23 آذار/ مارس الماضي عن وصول فيروس (كوفيد 19) إلى سورية رسميًا، لتكشف وزارة الصحة في دمشق السبت 11 من الشهر الجاري، عن ست إصابات جديدة بالفيروس ليرتفع عدد المصابين المعلن عنهم حتى الآن إلى 25 إصابة، إضافة لـوفيتين. رغم أنّ تقارير صحفية نشرتها مواقع إعلامية معارضة تحدثت عن إصابات أخرى سعى النظام للتكتم عليها.
مع مطالبة حكومة عماد خميس، قبل أسبوع، تشديد تطبيق إجراءات الحظر المفروض في جميع المناطق لتقييد الحركة والحد من التجمعات التي من شأنها التأثير سلبًا على السلامة العامة. وعزل بلدة السيدة زينب في ريف دمشق، غير البعيدة عن مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين (السيدة زينب، والحسينية، وسبينة)، تزايدت مخاوف نحو 280 ألف لاجئ فلسطيني ممن بقوا في سورية بعدما دفعت حرب “الأخوة والحلفاء” على مدار السنوات التسع العجاف قرابة الـ 190 ألف لاجئ للهجرة خارج سورية. ومجددًا بات يشعر هؤلاء اللاجئون أنّهم يواجهون محنة جديدة وحدهم، وهم يعيشون أوضاعًا صعبة بسبب تدهور الاقتصاد السوري والتهجير وقلة مواردهم المالية وضعف المساعدات والرعاية الصحية والاجتماعية والخدمية المقدمة لهم من قِبل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل الفلسطينيّين (الأونروا).
- صورة قاتمة لحياة نحو 280 ألف لاجئ فلسطيني..
في ندائها الطارئ لعام 2020 بشأن الأزمة السورية أعلنت وكالة (الأونروا) أنّ “91% من أسر اللاجئين الفلسطينيين في سورية تعيش في فقر مطلق، وأنّهم يعتمدون على المساعدات المقدمة لهم”. مبينة أنّ “النزوح والخسائر في الأرواح وفقدان سبل كسب العيش وارتفاع معدلات التضخم وتناقص قيمة الليرة السورية _ (سجّلت الليرة السورية خلال الأيام الماضية أمام الدولار الأمريكي الواحد في سوق دمشق الموازي (السوداء) سعر 1285 ليرة للمبيع، و1275 للشراء) _، وكذلك تقلبات أسعار السلع الأساسية وتدمير المنازل والبنى التحتية والقيود المفروضة على الحركة في بعض المناطق من بين العوامل العديدة التي فاقمت مجالات الضعف القائمة لدى اللاجئين الفلسطينيين الذين ظلوا في البلد”.
وبحسب هيئات ومنظمات حقوقية فلسطينية، فإنّ تجمعات ومخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الخاضعة للنظام السوري تضم حاليًا، نحو 280 ألف لاجئ السواد الأعظم منهم يعيشون ظروفًا اقتصادية، وصحية سيئة مع نقص حاد في جميع متطلبات الحياة الأساسية.
اللاجئون الفلسطينيون في مدينة دمشق وريفها يشتكون، بحسب ما ذكر الناشط الفلسطيني الميداني (ن. ص) من أبناء مخيّم اليرموك لـ”صالون سوريا”، إنّه “في ظل جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية المتخذة من قبل حكومة النظام، التي تحظر التجول لساعات طويلة في اليوم منذ أكثر من أسبوعين وتحث على البقاء في البيت للوقاية من الفيروس القاتل، دون أن تقدم لهم الدولة السورية أو وكالة الغوث أو منظمة التحرير (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) والسلطة الفلسطينية في رام الله، أو القوى والفصائل الموجودة في دمشق أو في رام الله أو في قطاع غزة، أيّ مساعدات مالية أو غذائية أو طبية ما يزيد من تفاقم أزماتهم المعيشية”.
فيما قال الناشط (أبو أحمد منصور) من أبناء مخيّم خان الشيح بريف دمشق، إنّ مجتمع اللاجئين من النازحين عن بيوتهم في المخيّمات التي تضررت جراء الحرب، يشتكون من ارتفاع إيجارات المنازل في أماكن نزوحهم في مختلف المخيّمات والمناطق بدمشق وريفها، ومن عدم قدرتهم على دفع المستحقات المترتبة عليهم للدولة من فواتير كهرباء وماء وهاتف، وذلك جراء توقف عدد كبير من أبنائهم وبناتهم عن أعمالهم/ن، وانتشار البطالة بينهم/ن، وعدم وجود مورد مالي ثابت، حيث أنّ غالبية العاملات والعاملين منهم كانوا يعتمدون على ما يحصلون عليه من أجر يومي من أرباب العمل أو من أعمالهم الخاصة ومشاريعهم الصغرى”.
من جهته، قال مراسل (مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية) في محافظة حماة، إنّ “أهالي مخيّم العائدين للاجئين الفلسطينيين في حماة تزداد مخاوفهم، مع ازدياد فترة الحجر الصحي المفروض مما يزيد من الأعباء المادية خاصة لدى أصحاب العائلات الكبيرة محدودة الدخل، عداك عن تأخر مساعدات (الأونروا) وازدياد سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، حيث تعتمد الأغلبية الساحقة من أبناء المخيّم، على المساعدات الإغاثية والمادية، التي تقدمها وكالة الغوث بشكل خاص كما يعتمد البعض على الأعمال الخاصة والحوالات المالية من ذويهم خارج البلاد”.
هذا ويشار إلى أنّ مخيّم حماة يحوي قرابة الـ 7 آلاف من اللاجئين الفلسطينيين، وحوالي 2000 مهجر فلسطيني من عدة مناطق، ويفتقر للعديد من مقومات الحياة الأساسية، والبنى التحتية.
- نداءات استغاثة ومبادرات شعبية..
أمام هذا الوضع المعيشي المأساوي الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في سورية، والذي لا يختلف عن ما يعيشه المواطن السوري عمومًا، أطلقت هيئات إغاثية وحقوقية وناشطون ميدانيون من أبناء المخيّمات، بيانات ونداءات استغاثة خلال الأسابيع القليلة الماضية، يشتكون فيها من التهميش والحرمان والاستثناء من المساعدات المالية والغذائية والطبية التي تقدمها الدولة السورية ومنظمات دولية، محملين مسؤولية التقصير تجاه أوضاعهم إلى وكالة (الأونروا) بالدرجة الأولى وإلى منظمة التحرير، بصفتها (الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني)، وكذلك إلى كافة القوى والفصائل الفلسطينية التي أغلقت آذانها عن سماع النداءات المتكررة، التي يطلقها الناشطون والهيئات لمد يد العون والمساعدة لهم.
بدورها أطلقت “لجنة متابعة شؤون المهجرين الفلسطينيين في البقاع الأوسط والغربي” في لبنان، الخميس الماضي، نداء استغاثة طالبت فيه (الأونروا) والهيئات الدولية والفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية والمؤسسات المحلية بالدعم الاقتصادي والصحي للاجئين الفلسطينيين في سورية ولبنان.
وقالت “اللجنة” حول أوضاع الفلسطينيين في سورية، إنّها “تزداد صعوبة على المستوى الاقتصادي”، مشيرة أنّ “(الأونروا) وحتى هذه اللحظة، لم تتمكن من مواكبة الاحتياجات المتزايدة الناتجة عن التداعيات السلبية لوباء كورونا وما شكلته من تحد جديد أمام اللاجئين”. وطالب النداء وكالة الغوث أن “ترفع صوتها باتجاه الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية المختلفة للمطالبة بمد يد المساعدة.
النداء دعا إلى المبادرة لفتح مسارات دعم جديدة وتوسيع قاعدة المانحين، محذرًا من بقاء الواقع الاقتصادي الراهن لفلسطينيي سورية على حاله لجهة زيادة حالة الإفقار”. كما طالب “لجنة متابعة شؤون المهجرين الفلسطينيين في البقاع الأوسط والغربي، بـ “التعاطي مع تداعيات وباء كورونا بشكل جدي ورفع درجة الجهوزية على مستوى جميع أقسام (الأونروا) في سورية، سواء ما له علاقة بتجهيز وتأهيل مراكزها الصحية البالغ (26) مركزًا وتجهيز مراكز خاصة بالحجر الصحي تراعي المعايير الصحية المعتمدة، أو على المستوى الاقتصادي برفع قيمة المبالغ المقرة، خاصة في ظل إجراءات العزل المنزلي في إطار عمليات الوقاية”.
فضائية “فلسطين اليوم” من جهتها، أطلقت بعد منتصف نهار يوم الخميس، بالتعاون مع “الهيئة الخيرية لإغاثة الشعب الفلسطيني” التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، حملة “تكافلوا” لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في سورية، للتخفيف من معاناتهم بسبب جائحة “كورونا المستجد” وآثاره السلبية على الحياة المعيشية لمجتمع اللاجئين. ودعت “الهيئة الخيرية” المؤسسات والهيئات الإغاثية والإنسانية والميسورين وكل من هو قادر للمساهمة والمشاركة في هذه الحملة.
كما طالب ناشطون فلسطينيون في سورية ولبنان وتركيا بإحداث “صندوق دعم للإغاثة العاجلة” تحوّل إليه أموال من الميسورين من أبناء المخيّمات الفلسطينية في سورية وغيرهم من المحسنين الفلسطينيين لدعم المحتاجين المتعففين في المخيمات أو في أماكن تواجدهم في دمشق وريفها وفي كافة المحافظات وفي مخيّمات النازحين في الشمال السوري وفي المخيمات الفلسطينيّة في لبنان خاصة قُبيل شهر رمضان المبارك.
وكالة (الأونروا) أعلنت الأربعاء الثامن من الشهر الجاري، على لسان الناطق باسمها سامي مشعشع، أنّها حصلت على أقل من 4 مليون دولار من أصل مبلغ قيمته 14مليون دولار كانت قد طلبته لتغطية احتياجات اللاجئين في مواجهة جائحة كورونا، كما قامت بتدوير المبالغ الموجودة لديها، لسد احتياج المخيّمات الأساسية، من معقمات ومواد تنظيف وسلل غذائية، وأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة، في عدد من مخيّمات لبنان وسورية وقطاع غزة.
وأوضح مشعشع، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للوكالة الأممية، أنّ “(الاونروا) بصدد عقد اجتماع يوم 15 نيسان/أبريل الجاري، بالتنسيق بين الأردن، والسويد لحث الدول على دعم الوكالة لمواجهة فيروس (كوفيد-19)، مبينًا حجم الأوضاع الكارثية التي لا يثيرها الإعلام وتعيشها مخيّمات سورية أصلًا قبل الجائحة.
وكانت (الأونروا) أطلقت نداء سابق مع بداية جائحة كورونا، بينت فيه حاجتها لمبلغ 270 مليون دولار لإدارة خدماتها الطارئة في سورية.
من جهته قال مدير “جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني” في سورية، عاطف إبراهيم، الجمعة، إنّ “الهلال الأحمر قام بعدة تدابير احترازية للوقاية من فيروس كورونا المستجد، كان أبرزها محاضرات طبية تخصصية للكادر الطبي ودورات توعية لعدد من الأشخاص الفاعلين بالمخيّمات والتجمعات الفلسطينية. بالإضافة لطباعة منشورات وملصقات توضح طرق الوقاية، وأعراض الفيروس، تم توزيعها على الأهالي في المخيّمات والتجمعات الفلسطينية، وتجهيز المراكز الطبية والمستشفيات التابعة للهلال بالمستلزمات الطبية ومواد التعقيم بكميات تكفي لمدة ستة أشهر”. وحدد إبراهيم مراكز الهلال الأحمر الفلسطيني التي تقدم خدمات للاجئين الفلسطينيين مجانًا وهي: “مخيّمي اليرموك وخان دنون، وبلدة يلدا، ومحافظتي حماة واللاذقية”، إضافة إلى مستشفيي بيسان في حمص، ويافا بدمشق.
- وما يزال (تعفيش) مخيّم اليرموك مستمراً..
جائحة كورونا وما ستجره من ويلات على السوريين والفلسطينيين في سورية في حال انتشر الوباء في البلاد -كما تتوقع منظمة الصحة العالمية- غيّر من كل شيء في مؤسسات الدولة وبنى المجتمع المنهك من ويلات الحرب التي لم تنته فصولها بعد، إلّا أنّه لم يغير من سلوك عناصر أمن النظام الذين عرف عنهم سلب ونهب بيوت المهجرين قسرًا وبقوة السلاح من مناطقهم ومدنهم.
ناشطون ميدانيون فلسطينيون في مخيّم اليرموك، نقلت عنهم “مجموعة العمل من أجل فلسطيني سورية”، مقرها لندن، السبت، قولهم إنّ ظاهرة ما تسمى “بالتعفيش” وسرقة منازل وممتلكات المدنيين في مخيّم اليرموك لا تزال مستمرة، من قبل عناصر الأمن السوري وبعض المدنيين من المناطق والبلدات المتاخمة للمخيّم. وأضاف هؤلاء بشكل تهكمي: أنّ “كورونا أوقف وشل حركة العالم بأسره إلّا السرقة (التعفيش) في مخيّم اليرموك”، مشيرين إلى أنّ “أحد سكان المخيّم رأى أول أمس (الخميس) أثناء محاولته الدخول لرؤية منزله سيارات كبيرة تخرج من بوابة المخيّم الرئيسية محملة بأنواع مختلفة من المسروقات من بيوت الأهالي”.
وكان ناشطون، وفقًا للمجموعة، أكدوا في وقت سابق أن عناصر الأمن السوري لا زالوا حتى اليوم يقومون بـ(تعفيش) بيوت المخيّم، في ظل منع سكانه من العودة إليه رغم صدور قرار حكومي يقضي بذلك.
بدورهم طالب سكان مخيّم اليرموك السلطات السورية والجهات المعنية ومنظمة التحرير الفلسطينية ووكالة (الأونروا) بالعمل على إعادتهم إلى منازلهم وممتلكاتهم، للتحفيف من أوضاعهم المعيشية القاسية التي يشتكون منها، نتيجة وباء كورونا وغلاء الأسعار وارتفاع آجار المنازل الذي أنهكهم من الناحية الاقتصادية وزاد من معاناتهم.
by عامر فياض | Apr 8, 2020 | Cost of War - EN, Roundtables - EN, Uncategorized
This article is published as part of the Salon Syria Roundtable: War on Corona: A New Fateful Battle for the Syrians
Despite procedures taken by the government to tackle the Corona virus outbreak like closure of schools and universities; suspension of work for most official employees; cessation of public transport; closure of restaurants, cafés, and commercial shops; nighttime curfew; and a ban on transportation between governorates, and despite a statement by the United Nations saying that the situation in Syria could be catastrophic and the increase of infected cases to ten, including two deaths, many people in Damascus do not care about all of that, as streets in the daytime are full of pedestrians, honking cars, and calls of street vendors.
When I looked out of my balcony and saw all these people moving about in the streets, I asked myself “aren’t these people afraid for their lives? Doesn’t the Corona virus scare them? Why don’t they quarantine themselves in their homes just like most of the people around the world?” The answer then came to me from their exhausted faces and weary footsteps. Simply put, they are like no other people in the world. They resemble no one except for their country, which has suffered from the epidemic of war, besieging them for nine years and forcing them to experience countless forms of death.
The Poor Do Not Even Have the Option to Be Afraid of Corona
At seven in the morning, Abu Abdullah sweeps the street in front of a few grocery stores, which were exempt from the closure decision, he then carries the trash to a cart using his hands. He does not use a mask or gloves, for he does not give attention to the epidemic. “We have been playing with death for nine years. We escaped it more than once. I do not think God Almighty will kill us with an invisible virus,” he said.
Abu Abdullah is not an employee of the municipality. He performs these tasks in exchange for some money from the owners of these shops, in addition to vegetable and fruit leftovers and dry bread, which they give him for free.
Not far from Abu Ahmad and in front of a kiosk that sells government subsidized bread, dozens of people gather in a gruesome crowd. A quick glance reveals that most of them are poor and destitute. I stopped a woman who has just come out of the crowd as she angerly removed her scarf off her faces, which she was using as an alternative for a mask and asked her if she feared being present in crowded places. “If I could buy normal [unsubsidized] bread, I wouldn’t come here. The price of a bundle of that bread is seven hundred Syrian pounds, which is enough to cover the cost of an entire meal for me and my family. We, the poor, are prohibited from being afraid of the epidemic,” she replied.
Adnan, a child working as a delivery boy for a supermarket, is also fearless of the Corona virus. He wears his mask and carries on with his work with a smile on his face. He climbs the stairs of dozens of buildings carrying the orders of customers who chose to stay at home for fear of their safety. This is a choice that Adnan and his brother, who works in a similar job, cannot have because they are the only breadwinners of their displaced family suffering from grave living conditions.
Behind a small cart selling strawberries and green almonds stands Abu Ghassan wearing a mask and gloves and shouting out for his few goods. He is convinced of the importance and necessity of the quarantine, but he cannot do it himself. “I wish I could stay at home and relax from the epidemic nightmare that daunts upon me while I am working. I must deal with dozens of customers every day. However, if I stay at home, I might survive the Corona virus, but I will not survive the hunger,” he said.
With the start of the Stay at Home campaign and the nighttime curfew a few days ago, and in a dramatic scene, most roasteries I passed by were packed with customers buying enough supplies of nuts and salty treats to last them for days or even weeks in preparation for the home quarantine. Outside one of these roasteries stood an old man begging pedestrians and customers walking out with their bags, “help me, may God keep Corona away from you,” he was saying. A few meters away, a child was lying on the sidewalk wearing worn-out clothes with no care in the world about this epidemic.
Corona Threatens the Livelihood of the Poor
In one of the squares in the city of Jaramana, Abu Shaker, a taxi driver, waits for more than two hours for passengers, who have become almost non-existent, to get into his car, which he sterilizes a number of times every day. “Our work suffered after the decision to close restaurants, markets, and commercial shops. People’s movement was paralyzed to a great extent. Fear also found its way to their hearts and they are now afraid to take a taxi because they are concerned of getting infected with the virus,” said Abu Shaker. “I have to pay a monthly installment for the owner of the taxi in exchange for using it. Because of the nighttime curfew, my work hours decreased, and I am unable to pay the installment,” he added.
Several men, working as porters of furniture and construction material, gather in another square. Their eyes, filled with sorrow and pain, stare in all directions in search of someone who might require their work.
One of these men, Abu Yaser, tells me about their work during the Corona crisis, “a couple of days ago, I carried four sandbags and two cement bags to an apartment on the fifth floor for three thousand Syrian pounds. This was the last job I did. I was lucky compared to other porters who have not done much work for several days.” He then went on to say, “our work provides for our livelihood day by day. We are now at risk of losing our jobs, as people will no longer need our service in such conditions.”
At noon, a popcorn trolley is blaring a famous folklore popcorn song but there are no kids gathering around it as its owner was accustomed to. “In the past I used to sell a lot. Especially when children came out of schools. After the Corona crisis, my sales have dropped seventy per cent because children are no longer going out of their homes as much as they used to. I fear that the situation might get worse, then I would have to stop this work, which is my only source of income,” said the trolly’s owner.
Only the Poor Are Paying the Price for the Preventative Measures
Due to the closure decisions and the cessation of public transport, thousands of people lost their jobs and are now threatened by a daunting and frightening future, especially those who do not have any other source of income or some form of support they can resort to.
Shadi did not get the chance to celebrate his new café as he had to close it one week after opening it. “I spent two months preparing for the opening. I prepared the place and put a lot of effort in the decorations. I had to borrow a million Syrian pounds. Most of the equipment I got for the café have not been paid for yet,” Shadi said. “What can I do now to make up for my loss? How can I pay the rent? I fear the closure and curfew will go on for a long time because in that case I might die of sorrow rather than Corona,” he added.
Abu Omar, a bus driver, told me about the implications of his stopping work, “the bus used to provide work for three drivers, thus, three families were being supported. During the past few days, our income decreased by more than a half. The decision to stop all public transportation deprived our families from income and we are now threatened with necessity. Had it been not for the financial aid my siblings have provided, I would have actually starved.”
Mohannad, who used to work as a waiter in a restaurant, is also suffering. “I understand the importance of the closure decision in preserving public safety. However, will the restaurant owner give me any compensation to help me secure my daily livelihood? Will my landlord relieve me of paying rent? Will I find someone who can provide medicine for my sick mother who suffers from hypertension and diabetes?”
Preventative Measures Cost a Lot
An ounce of preventions is worth a pound of cure. Despite the importance of this adage, it is not suitable for many people in Syria. Prevention requires a lot of money. Due to the greed of the crisis dealers, the price of a mask reached seven hundred Syrian pounds, which is also the price for a small bottle of rubbing alcohol. The outrageous increase in prices also affected soap and cleaning materials, adding an additional burden on people who barely can provide their daily bread. In a saddening paradox, Abu Ghassan (the strawberry and green almond seller) paid his full daily labor to buy the mask, gloves, and a small bottle of rubbing alcohol.
Reinforcing the immune system requires various healthy foods, in addition to psychological comfort and avoiding stress. However, most people cannot enjoy these luxuries as the prices of fruits and vegetable skyrocketed. For example, the price of bananas, apples, and onions reached one thousand Syrian pounds for one kilogram, and the price of a kilogram of lemon or green pepper, which are high in vitamin C, surpassed one thousand six hundred Syrian pounds. Buying meat has turned into an unattainable dream.
Perhaps the man I met at the grocery store says it best. After he was intent on buying two kilograms of lemons and onions, he angrily stopped when he learned their prices. He eventually bought two onions and two lemons and sarcastically said, “they give advice to strengthen our immunity system! Do we strengthen it by eating bread, lentil, and bulgur? The poverty, pain, and deprivation we are experiencing will surely destroy all parts of our bodies. It seems that there is no savior for us other than Divine Providence.”
When I asked a butcher about how his business fairing, he answered with a sigh, “most customers are just buying one or two hundred grams of meat. Some people are buying the bones and putting them with the soup to give it the flavor of meat. People are barely able to buy bread and cheap vegetables.”
As the time for the night curfew sets, a sudden silence prevails. People then experience another form of suffering inside their homes that lack most entertainment gadgets and the most basic necessities of life as a result of previous crises, for example, the shortage in cooking gas, long hours of electric blackouts, and deteriorating internet services which hinders electronic communications, the only outlet available for people.
I stare at the dark windows of the houses and I think about their residents. What are they doing? What does the future hold for them? Will they be able to sleep with all these nightmares they are experiencing while they are asleep or awake?
by عامر فياض | Apr 5, 2020 | Cost of War - EN, Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
على الرغم من الإجراءات الحكومية، التي اتُخذت للوقاية من انتشار وباء كورونا، كإغلاق المدارس والجامعات، وتعليق الدوام الرسمي لمعظم الموظفين، وإيقاف حركة المواصلات العامة، وإغلاق المطاعم والمقاهي والأسواق التجارية، وحظر التجول المسائي، ومنع التنقل بين المحافظات، وعلى الرغم من إعلان الأمم المتحدة بأن الوضع في سوريا قد يكون كارثياً، وارتفاع عدد المصابين بكورونا إلى نحو 10حالات بينهم حالتي وفاة، لا يكترث كثيرٌ من الناس في دمشق بكل ما ذكر، حيث نجد معظم الشوارع، خلال فترة النهار، مليئة بالمارة، تعج بضجيج السيارات وأصوات الباعة المتجولين.
حين أطل من شرفتي وأرى حركة الناس في الشارع، أتساءل: ألا يخشى هؤلاء البشر على حياتهم؟، ألا يرعبهم كورونا؟، لماذا لا يحجرون أنفسهم في بيوتهم أسوةً بمعظم شعوب العالم؟، فتأتيني الإجابة من وجوههم المنهكة ومن خطاهم المتهالكة. ببساطة هم ليسوا كشعوب العالم ولا يشبهون سوى بلادهم التي مازالت ترزخ تحت وطأة وباء الحرب الذي يحاصرهم منذ تسعة أعوامٍ اختبروا خلالها أنواعاً لا تحصى من الموت.
الفقراء لا يملكون حتى خيار الخوف من كورونا
في الساعة السابعة صباحاً، يكنِّس أبو عبدالله الشارع أمام بعض البقاليات ومحلات الخضار، التي نجت من قرار الإغلاق، ثم ينقل القمامة بكفيه إلى العربة. لا يرتدي كمامة أو قفازات طبية، فهو لا يكترث للوباء: “تسع سنوات ونحن نلعب مع الموت، نجونا منه أكثر من مرة، لن أتوقع أن رب العالمين سيقتلنا بفايروسٍ غير مرئي”. أبو عبدالله ليس موظفاَ في البلدية وإنما يزاول عمله هذا مقابل بعض المال الذي يجنيه من أصحاب تلك المحلات، إلى جانب بقايا الخضار والفاكهة والخبز اليابس التي يهبونه إياها دون مقابل.
وليس ببعيدٍ عن أبو أحمد، وأمام أحد أكشاك معتمدي بيع الخبز الحكومي يتجمهر عشرات الناس في ازدحامٍ مخيفٍ. نظرة سريعة على هيئاتهم ستكشف أن معظمهم ينتمي للفقراء والمعدمين. أوقفتُ سيدةً كانت خارجة لتوها من قلب ذلك الازدحام، وقد نزعت، بتأففٍ وغضبٍ، شالها الذي غطت به وجهها كبديلٍ عن الكمامة، وسألتها عن خوفها من خطر التواجد في الأمكنة المزدحمة فأجابت لاهثةً وبكثيرٍ من القهر:” لو كان باستطاعتي شراء الخبز السياحي لما أتيت إلى هنا، فسعر ربطة ذلك الخبز (700 ليرة) يكفيني وأولادي ثمن وجبة طعام. نحن الفقراء ممنوعٌ علينا أن نخاف من الوباء”.
الطفل عدنان، عامل توصيل الطلبات في سوبرماركت، هو أيضاً لا يكترث للكورونا. يرتدي كمامته ويواصل عمله مبتسماً، ليصعد كل يومٍ عشرات البنايات محملاً بطلبات الزبائن الذين اختاروا البقاء في بيوتهم حرصاً على سلامتهم، وهو خيار ليس بمقدور عدنان وأخيه -الذي يعمل في عملٍ مشابه- اتخاذه، فهما المعيلان الوحيدان لعائلتهما النازحة والتي تعاني ظروفاً معيشية قاهرة.
وخلف عربةٍ صغيرة لبيع الفريز والعوجة يقف أبو غسان، مرتدياً كمامته وقفازاته لينادي على بضاعته القليلة. البائع مقتنعٌ بأهمية وضرورة الحجر الصحي ولكنه لا يستطيع تطبيق ذلك :” أتمنى أن أجلس في بيتي لأرتاح من كابوس الوباء الذي يلاحقني طوال عملي، حيث أضطر للاحتكاك مع عشرات الزبائن، ولكن إن جلست في البيت، ربما أنجو من الكورونا ولكني قد لا أنجو من الجوع”.
قبل أيامٍ، وبالتزامن مع حملة “خليك بالبيت” وتنفيذ قرار حظر التجول المسائي، وفي مشهدٍ درامي، اكتظت معظم المحامص، التي مررت بجانبها، بالزبائن الذين كانوا يشترون مؤونة وفيرة، من المكسرات والموالح وغير ذلك، تكفيهم أياماً وربما أسابيع، وذلك استعداداً لتطبيق خيار الحجر المنزلي. مقابل إحدى تلك المحامص وقف متسولٌ عجوزٌ يستجدي المارة والخارجين بصحبة أكياسهم، منادياً: “ساعدوني الله يبعد عنكن الكورونا”، وعلى بعد أمتارٍ منه كان طفلٌ ينام على الرصيف بأسماله البالية غير آبهٍ بالوباء الذي يرعب العالم.
كورونا يهدد مصدر رزق الفقراء
في إحدى ساحات مدينة جرمانا يقف سائق التاكسي أبو راشد لأكثر من ساعتين، منتظراً ركاباً، باتوا شبه معدومين، كي يصعدوا إلى سيارته التي يتكفل بتعقيمها عدة مراتٍ في اليوم. يشتكي السائق واقع حاله: ” تضرر عملنا بعد قرار إغلاق المطاعم وبعض الأسواق والمحلات التجارية حيث شُلت حركة الناس بشكلٍ كبيرٍ، كما أن الرعب قد تسلل لقلوبهم فباتوا يخافون من الصعود معنا خشية احتمال إصابتهم بالفايروس”. ويضيف :” أدفع لصاحب التاكسي مبلغاً شهرياً لقاء استثمارها، ونتيجة حظر التجول المسائي تراجعت ساعات عملي ما قد يجعلني عاجزاً عن دفع ذلك المبلغ”.
في ساحة أخرى يتجمع عدد من الرجال الذين يعملون في مهنة العتالة ونقل الأثاث ومواد البناء. تحدق وجوههم، الطافحة بمعالم القهر والوجع، في كل الاتجاهات علَّها تلتقط أحداً يطلبهم في عملٍ ما.
يحدثني أبو ياسر أحد أولئك الرجال عن واقع عملهم خلال أزمة الكورونا: ” قبل يومين قمت بنقل أربعة أكياس رمل وكيسيْ إسمنت إلى شقةٍ في الطابق الخامس لقاء ثلاثة آلاف ليرة، وكان هذا آخر عملٍ قمت به وقد كنت محظوظاً به مقارنة بمعظم العتالين الذين لم يحظوا بأي عملٍ يذكر منذ عدة أيام”. مضيفاً :”عملنا هذا يؤمن قوتنا يوماً بيوم، وقد أصبحنا الآن مهددين بخسارته، إذ لا أحد سيحتاج لجهودنا في مثل هذه الظروف؟”.
وعند الظهيرة تصدح في الشارع عربة بائع البوشار بأغنية “طير وفرقع يا بوشار”، ولكن دون أطفالٍ يتحلقون حولها كما اعتاد البائع الذي يقول:” في السابق كنت أحقق مبيعاتٍ كبيرة، خاصة خلال عودة الأطفال من مدارسهم، وبعد أزمة الكورونا انخفضت مبيعاتي لأكثر من 70% نتيجة انحسار وجودهم في الشوارع، وأخشى أن يسوء الوضع أكثر فأضطر لإيقاف عملي الذي يشكل مصدر رزقي الوحيد”.
وحدهم الفقراء يدفعون ثمن القرارات الوقائية
نتيجة قرارات الإغلاق وإيقاف حركة المواصلات العامة تحول آلاف الناس إلى عاطلين عن العمل، وباتوا مهددين بغدٍ مخيفٍ ومجهولٍ، خاصة من ليس لديهم أي مصدرٍ مالي آخر أو أي داعم يلجؤون إليه.
لم يفرح الشاب شادي بمقهاه الجديد الذي أغلقه بعد أسبوعٍ من افتتاحه، حيث يقول: “لنحو شهرين وأنا أستعد للافتتاح. بشق النفس جهّزت المكان وبذلت جهداً في تصميم ديكوراته وقد استدنت لأجل ذلك نحو مليون ليرة، كما أن معظم المستلزمات التي أحضرتها للمقهى لم أسدد ثمنها بعد”. ويضيف بقهر: “ماذا سأفعل الآن لتعويض خسارتي وكيف سأسدد إيجار المكان؟”، أخشى أن يطول أمر الإغلاق وحظر التجول لأنني حينها قد أموت من القهر وليس من الكورونا”.
ويحدثنا سائق السرفيس أبو عمر عن تداعيات توقفه عن عمله: ” كان السرفيس يؤمن عملاً لثلاثة سائقين فتعتاش منه ثلاث عائلات، وخلال الأيام الماضية تقلص دخلنا لأكثر من النصف، ومع قرار إيقاف حركة المواصلات العامة حُرمت عوائلنا من أي دخلٍ وبتنا مهددين بالعوز والحاجة، ولولا المساعدات المالية التي يمدني بها أخوتي لكنت مهدداً بالجوع بشكلٍ فعلي”.
معاناة أخرى يعيشها الشاب مهند الذي كان يعمل نادلاً في مطعم حيث يقول” أتفهم مدى أهمية قرار الإغلاق في الحفاظ على السلامة العامة، ولكن بالمقابل، هل سيدفع لي صاحب المطعم أي تعويضٍ يساعدني على تأمين قوت يومي، وهل سيعفيني صاحب البيت الذي أسكنه من دفع إيجاره؟، وهل سأجد من يؤمن أدوية الضغط والسكري لأمي المريضة؟”.
الإجراءات الوقائية تكلف غالياً
“درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج”. بالرغم من أهمية ذلك المثل إلا أنه لا يناسب الكثير من الناس في سوريا، إذ باتت الوقاية تحتاج لقناطير من المال، نتيجة جشع تجار الأزمات، فقد وصل سعر الكمامة الجيدة إلى 700 ليرة وأكثر، والسعر ذاته لعلبة الكحول الصغيرة، كما طال الغلاء الفاحش أسعار الصابون ومواد التنظيف، وهو ما شكل عبئاً إضافياً على المواطن الذي بالكاد يتمكن من تأمين لقمة عيشه. وفي مفارقة مؤلمة، دفع أبو غسان (بائع الفريز والعوجة) كل ما جناه من عمل يومٍ كاملٍ لشراء كمامته وقفازاته وعلبة معقمٍ صغيرة.
وتحتاج تقوية الجهاز المناعي لتناول الأغذية الصحية المتنوعة إلى جانب الراحة النفسية والابتعاد عن التوتر، لكن معظم الناس لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، في ظل تحليق أسعار الفاكهة والخضار، فعلى سبيل المثال، وصل سعر الموز والتفاح والبصل إلى ألف ليرة، فيما تجاوز سعر الليمون والفليفلة – الغنيين بفيتامين C- الـ 1600 ليرة. أما اللحوم فقد أصبح شراؤها حلماً بعيد المنال.
ولعل الرجل الذي صادفته في محل بيع الخضار يلخص واقع الحال، فبعد أن كان عازماً على شراء كيلوين من الليمون والبصل، تراجع عن ذلك بغضب حين علم بسعرهما مكتفياً بشراء بصلتين وليمونتين صغيرتين، ومعلقاً بسخرية رمادية: “ينصحوننا بضرورة تقوية مناعتنا !، هل سنقويها بتناول الخبز والعدس والبرغل؟. إن الفقر والألم والحرمان الذي نعيشه كفيلٌ بتدمير جميع أعضاء جسدنا. يبدو أنه ليس لنا من منقذٍ سوى الرعاية الإلهية”.
وعند سؤال أحد اللحامين عن مدى إقبال الناس على ملحمته أجاب متنهداً :”معظم الزبائن يكتفون بشراء مئة أو مئتين غرام لا أكثر، وهناك من يكتفي بشراء العظام لكي يضعها مع الحساء ممنياً نفسه بطعم اللحم، فالناس اليوم بالكاد يستطيعون شراء الخبز والخضراوات الرخيصة”.
مع بداية موعد حظر التجول المسائي وحلول الليل يعم الصمت فجأة، ليخوض الناس معاناة أخرى داخل بيوتهم التي تغيب عنها معظم وسائل الترفيه والتسلية وأبسط مقومات الحياة، نتيجة الأزمات السابقة التي مازالوا يعايشونها، كفقدان الغاز المنزلي والانقطاع الطويل للكهرباء وسوء خدمات الإنترنت التي تعيق إمكانية التواصل الالكتروني الذي بات المتنفس الوحيد أمامهم.
أحدِّق في نوافذ البيوت المعتمة، أفكر بحال ساكنيها. ماذا يفعلون الآن؟ وماذا يخبئ الغد لهم؟، ترى هل يستطيعون إلى النوم سبيلاً في ظل الكوابيس التي تداهمهم في نومهم وصحوهم؟.
by Haifa Hakim | Apr 3, 2020 | Cost of War - EN, Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
منذ إعلان فيروس الكورونا كوباء عالمي، ظل الإعلام السوري ينفي وجود أيه حالة إصابة به، رغم أن لبنان أعلن عن إصابات بفيروس كورونا واتخذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار الفيروس، بينما وزير الصحة السوري وهو طبعاً طبيب أعلن أن لا إصابة بفيروس كورونا في سوريا وبأن الجيش السوري البطل قضى على الفيروسات والجراثيم! وبذلك حول علم الطب إلى مادة القومية التي يدرسها طلاب سوريا في المدارس والجامعات. لكن النظام اضطر فجأة إلى اتخاذ إجراءات وقائية من فيروس كورونا، أحس بالحرج وبشيء من الخجل، فدول العالم كلها أعلنت عن إصاباتها بفيروس كورونا ما عدا سوريا. وأعلن النظام السوري إغلاق المدارس والجامعات ودور العبادة والمقاهي والأراجيل ( لكنه لم يغلق أبداً أي من محلات بيع الدخان ومعسل الأراكيل!). وجاء إعلانه بإيقاف النقل العام (باصات الدولة الكبيرة) والميكروباصات التي تنقل المواطنين من قرى اللاذقية إلى مركز المدينة.
ولأنني على إحتكاك يومي مع الشارع السوري وأتكلم مع مختلف شرائح المجتمع سأنقل صوت أخوتي السوريين في اللاذقية، و لكن قبل نقل معاناة السوريين في اللاذقية في زمن كورونا يجب الإشارة إلى القوانين التي أصدرتها الحكومة السورية بشأن كورونا؛ ففي مجال المحاكم والقضاء وبناء على قرار وزارة العدل رقم 5708م يتوقف العمل في المحاكم السورية حتى تاريخ 16 – 4 – 2020. إلا في الحالات الإسعافية كبعض القضايا الجنائية. ومعظم المحامين توقف عملهم في مكاتبهم التي يداومون فيها بعد الظهر من الساعة الخامسة ألى الثامنة أو التاسعة لأن المواطن مضطر أن يلتزم الحجر في المنزل تمام الساعة السادسة. وإن كان من أهل القرى المجاورة القريبة من اللاذقية فعليه أن يلتزم الحجر في منزله الساعة الثانية ظهراً لأن المواصلات بين اللاذقية والقرى المجاورة أو المناطق البعيدة تتوقف. أما بالنسبة للمدارس فاتخذت الحكومة السورية قراراً بإغلاقها حتى 16 نيسان، ولكنه قرار قابل للتمديد حسب تفشي فيروس كورونا. ويبقى الطلاب بدون مدرسة وبدون علم. ولأن فكرة التعليم عن بعد التي تطبقها معظم الدول (ومنها بعض المدارس والجامعات في لبنان) غير ممكنة في سوريا؛ فمعظم الطلاب يعيشون تحت خط الفقر ولا يملكون لاب توب في بيوتهم، وهم بالكاد يعيشون على الخبز والشاي. القرار الأهم الذي التزمت به الدولة بشكل جدي للغاية هو إصدار مرسوم بتغريم كل مواطن يخرج من بيته بعد الساعة السادسة مساء، والغرامة تترواح بين 50 ألف وبين 100 ألف ليرة سورية. وقد شهد محامي صديق تطبيق تلك الغرامة أمامه وإصرار الشرطي رغم توسل المواطن المروع من الجوع أنه لا يملك هذا المبلغ؛ لكن استطاع الإتصال ببعض الأصدقاء ليؤمنوا له مبلغ المخالفة مئة ألف ليرة.
إنها قمة المهزلة والظلم حقاً أن تجد في كل شوارع اللاذقية خاصة عند صرافات قبض الراتب وعند مراكز توزيع المساعدات الغذائية حشداً من السوريين المتلاصقين يزيد عددهم عن 400 شخص أو 500 بانتظار توزيع الراتب، وترى سوريين يبيعون الخضار والفاكهة والبطاطا في سوزوكي. وفي الأحياء الشعبية مثل قنينص وفي ساحة مديرية التربية ترى بسطات كثيرة وعلاقات ثياب على حامل معدني تبيع الأبسة المستعملة أي البالة. كل هذا لا يعني الدولة السورية لا يهمها بشيء بل المهم هو الحجر التام الساعة 6 في المنزل . أما بالنسبة لأهل القرى والمناطق المجاورة والبعيدة نسبياً عن مدينة اللاذقية؛ فقد انتظر بعضهم ساعات حتى حان دوره في قبض الراتب لكن من سوء حظهم إنتهى الدوام وقاربت الساعة الثانية وربعاً ظهراً فقالوا لأهل القرى عودوا غداً. البعض انتابه حالات هستيرية حقيقية لدرجة أن رجلا في السبعين من عمره هده من التعب والوقوف بانتظار الراتب أخذ يلطم وجهه ويلعن حياته ويقول كل انتظاره من أجل راتب تقاعدي 18 ألف ليرة وبأنه دفع نصفها في المواصلات. الكل يتساءل (وأنا منهم) هل حقاً الحكومة السورية حريصة على صحة المواطن السوري! وحين ترى تلك الحشود في النهار وحتى الساعة 2 ظهراً متلاصقة لساعات بانتظار ربطة خبز أو كيس رز ألا ترى خطر كورونا! ومعظم هذه الحشود في ساحة 8 آذار وقرب مخفر الشيخ ضاهر حيث توجد مراكز توزيع (مخفر الشيخ ضاهر – ومشفى الأسد الجامعي) ألا تعنيها صحتهم قبل الساعة 2 ظهراً؟ أقسم لي بعض الموظفين أنهم انتظروا أكثر من 8 ساعات حتى قبضوا رواتبهم، لأن الجوع كافر ولأن الموت من الجوع أخطر وأكثر من الموت بكورونا. أما الأصرار على أن يُغرم المواطن السوري الذي بالكاد يسد جوع أولاده بالخبز بـ 100 ألف ليرة أو خمسين ألف ليرة ( حسب مزاج الشرطي ) إذا وجد خارج منزله بعد الساعة 6 والإصرار على هذه الغرامة فهو برأيي باب للنصب واضح ولا يمكن تفسيره بطريقة أخرى! الآن أصبحت حياة المواطن تهمكم بعد الثانية ظهراً؛ فتحبسونه في البيت بدون كهرباء (حيث بلغ انقطاعها 5 ساعات متواصلة) وبدون ماء ساخن.
كما أصدرت الحكومة السورية قراراً بمنع التنقل بين مدينة اللاذقية والقرى المحيطة بها بعد الساعة الثانية ظهراً؛ وكلنا نعرف أن ريف اللاذقية بأسوأ حالة ولا توجد فيه خدمات طبية أبداً. لنفرض أحد هؤلاء المواطنين أصيب بجلطة قلبية أو انفجار في الزائدة الدودية أو نوبة ربو وكلها حالات تستدعي الإسعاف السريع ما يعني وجوب أن يكون المريض في غرفة العناية المركزة خلال عشر دقائق، فكيف يتصرف أهل القرى؟ سألت فقالوا لي هناك خطوط ساخنة يتصل بها المواطن وهذه الخطوط الساخنة لا تجيب! وإذا حدثت معجزة وردت على شكوى المواطن فإن اتخاذ الإجراءات اللازمة لإسعاف المريض تستغرق وقتاً يكون فيه المريض قد انتقل للحياة الأخرى. أما الغلاء الفاحش فأمر لا يُصدق إذ يومياً يزيد سعر كل السلع الاستهلاكية مئات الليرات، أصبح كليلو البطاطا بـ 1200 ليرة وكيلو اللحم بـ 15 ألف ليرة وكيلو ليمون الرتقال بـ 1200 ليرة وكيلو ليمون الحامض بـ 1600 ليرة. حتى البصل سعر الكيلو 1000 ليرة. ورواتب الاحتقار هي ذاتها 30 أو 40 دولاراً في الشهر. والتموين لا يبالي ولم يشهد أحد أن التموين حاسب تاجراً على زيادته للأسعار. أترك لأخوتي السوريين الذين التقيهم كل يوم التعبير عن حالتهم.
عامر: التقيت بعامر، 40 سنة أستاذ للمرحلة الإبتدائية حين كان يقف في طابور لأكثر من 300 مواطن سوري (رجال ونساء ومجندون) عند بوابة مؤسسة استهلاكية في شارع 8 آذار؛ سألته: ماذا تنتظر؟ أيه مادة سيوزعون؟؛ فرد بغضب لم يستطع إخفاءه: الخبز. وأشار إلى شاحنه عملاقة ممتلئة بربطات الخبز، وقال لي: عيشة كلاب يا محلى الأفران. صحيح كنا نقف طوابير على باب الأفران لكن كان هنالك شيء من تنظيم، كان هناك (على باب الأفران) ثلاثة كوات أو نوافذ: نافذه للرجال وأخرى للنساء وثالثة للعساكر (الجنود)؛ لكن الدولة السورية أرادت أن تخفف الضغط على الأفران واحتكاك الناس ببعضهم فأقامت مراكز لتوزيع الخبز وغيرها من المواد كالسكر والرز وزجاجة الزيت النباتي وكما ترين الازدحام على مراكز التوزيع أكثر بكثير من الازدحام على الأفران. عامر طاش صوابه من الغضب ولعن ذل العيش وقال لي: أصبح الخبز رديئاً جداً، غير مخبوز بشكل كاف. سألت عن السبب أحد العاملين في الأفران فقال لي بأنهم يفتقدون للمازوت ولا يكفي المازوت الشحيح لإنضاج الخبز فتخرج الأرغفة قبل أن تنضج.
هذا المشهد، أي إزدحام الناس الكبير (أكثر من 300 شخص) على أبواب المؤسسات الإستهلاكية أو مراكز توزيع المعونات نراه في كل زوايا اللاذقية، وتبدو إجراءات العزل كإغلاق المدارس والجامعات والمقاهي كنكتة. فمقابل مخفر الشيخ ضاهر في اللاذقية الملاصق لثانوية جول جمال التي تحولت إلى خرابة وثكنة عسكرية هنالك أيضاً مركز توزيع معونات كالسكر والأرز ويحتشد المئات من السوريين بأجساد متلاصقة لاستلام المعونات على البطاقة الذكية، بينما كل المقاهي المجاورة مُغلقة بقرار حكيم من الدولة السورية بمنع التجمعات حفاظاً على صحة المواطن من فيروس كورونا!
وداد: هي أم لأربعة أطفال التقيتها تصرخ وتبكي في صيدلية، المسكينة فقدت أعصابها لأنها قصدت أكثر من عشر صيدليات بحثاً عن دواء للغدة الدرقية؛ فهي مصابة بفرط نشاط الغدة الدرقية والدواء مقطوع (مثل الكثير من الأدوية الرئيسية). تحدثتُ إليها وحاولتُ مواساتها ونصحتها أن تلجأ إلى مشافي الدولة عسى يؤمنون لها الدواء، واعتقدت أن الدواء متوفر في المشافي، قالت لي: لا تواخذينني، أشعر أنني امرأة شريرة صرتُ أضرب أولادي بقسوة ثم أندم وأبكي والسبب أنني منذ ثلاثة أشهر لا أتناول دواء فرط نشاط الغدة الدرقية فهو مقطوع، وهذا يسبب لي تسرعاً في القلب ورجفة في الأيدي وعصبية شديدة. وأضافت بأن كل الصيدليات التي قصدتها وعدتها أن تؤمن لها الدواء، لكن كل صيدلي أعطاها سعراً مُختلفاً. ويشتكي العديد من السوريين في اللاذقية الذين التقيتهم من جشع الصيادلة وكيف يتحكمون بسعر الدواء ويضاعفون سعره حسب مزاجهم ولا أحد يحاسبهم.
فواز: 44 سنة محامي عديم الضمير مُرتش وبارع في الكلام، تجمعني به معرفة قديمة، اعترض طريقي بوقاحة وأراد أن يمنعني من التقاط صور لحشد من المواطنين في اللاذقية ينتظرون توزيع السكر؛ فتحديته وقلت له بأي حق تمنعني من التقاط الصور! قال: أنت تشوهين صورة بلدك وعيب عليك نشر الغسيل الوسخ! ذكرني كلامه بخطاب الأجهزة الأمنية. كلهم مولعون بعبارة (عيب نشر الغسيل الوسخ). قلت له بسخرية: المفروض أن تدافع عن شعبك لأنك محامي والمحامي يدافع عن الحق و…. لم يتركني أكمل صرخ بوجهي: أتسمين هذا شعباً هؤلاء حمير وبقر تأمليهم كيف يقفون كالقطيع بانتظار ربطة خبز أو كيس سكر. وهؤلاء البقر والحمير غير مدركين خطورة فيروس كورونا وسيتسببون لنا بكارثة في حال انتشر الوباء! امتصصت غضبي بالسخرية منه وقلت له: عجيب كيف تصف شعبك بالحمير والبقر. تأكد هؤلاء يعرفون تماماً خطر فيروس كورونا ويعرفون تماماً أنهم يعرضون حياتهم للخطر لكنهم مضطرون، وعلا صوتي: هل تعرف معنى (مضطرون)، لأن أعلى راتب في الدولة السورية 30 دولاراً وأقصى راتب 50 دولاراً، لذا هم مضطرون لتحمل الذل واحتمال الإصابة بمرض كورونا المميت لأنهم وأطفالهم جياع . أنت وأسيادك لم تجربوا شعور الجوع فالجوع كافر. وكان “محامي الشعب” قد وضع صورة على صفحته على الفيس لرجل يبدو كبدوي يلبس رداء أبيض وبيده عصا وبجانبه حمار يجره غصباً إلى الزريبة وكتب تحت الصورة هكذا تضطر الدولة السورية للتعامل مع الشعب السوري الحمار في اللاذقية بأن تجبره على الحجر في المنزل. قلتُ له بمناسبة الصورة لو أن الدولة السورية تحب شعبها وحريصة أن تحجره في المنزل كي لا يصاب بالأمراض لكانت أعطته راتباً على الأقل 400 شو إسمو (أي دولار لأن اسم الدولار في سوريا الشو اسمو واسم الكورونا ذات الرئه) وكل شيء في هذا الوطن له اسمان. قال لي: يا للعار تشوهين صورة مدينتك وتنشرين صوراً بشعة ومهينة عنها. قلت له: معك حق الحقيقة موجعة. ومن هذا الحبق شتلات كما يقولون ومثل المحامي عديم الضمير هناك كثيرون مثله. لا أحد يجرؤ على كتابة أو قول: أية إجراءات عزل هذه وحجر الناس في بيوتها وإغلاق المدارس والجامعات الخ، والناس يحتشدون بالمئات على أبواب مراكز توزيع المعونات الإستهلاكية!
أحمد: 30 سنة يسكن في قرية قرب اللاذقية ويعمل في البناء (معلم باطون)، أي أنه يضطر أن يخرج من بيته كل يوم ومدخوله من المال يومي، في اليوم الذي لا يعمل به لا يقبض مالاً. كان في حالة نفسية شبه منهارة وهو يقول: كيف سألزم المنزل! يجب أن أعمل كل يوم لأطعم أطفالي، لو أن الدولة تعطيني (وأمثالي) تعويضاً بدل حجرنا في البيت ثم إن قريتنا (كمعظم القرى) ليس فيها الحد الأدنى من الخدمات، وأي إجراء ظالم ولامنطقي منع المواصلات! والميكروباصات من القرى إلى اللاذقية، افرضي انتابنتي جلطة قلبية! ماذا أعمل! لا قدرة لدي لأطلب تاكسي لا أملك المال! كيف سيتم إسعافي، وأنت تعرفين الجلطة القلبية تُميت بدقائق إن لم يتم إسعافها. ماذا يفعل أبناء القرى وقد عزلوهم في بيوتهم ولا توجد أية خدمات صحية ولو اضطروا لأسباب كثيرة صحية وخدمية أن يسافروا إلى اللاذقية فلا توجد مواصلات! لو أنهم يعقمون الميكروباصات المهترئه وحالتها مزرية ولا يسمحون إلا لثلاثة أشخاص بركوبها يكون هذا حلاً معقولاً، أما أن يحجرونا في منازلنا ويقطعون المواصلات بالكامل فهذا يعني أن نموت مما يمكن أن نتعرض له .
سالم: موظف في مؤسسة المياه لا يلتزم بالحجر الصحي على الإطلاق. يقصد كل يومين سوق الخضار المركزي في اللاذقية ويدخل إلى دهاليزه الداخلية وهي عبارة عن دهاليز أو أزقة ضيقة جداً موغلة في القذارة وسخام الزبالة وتتراص فيها بسطات الباعة الذين يبيعون الخضار والفاكهة واللحوم وغيرها من المواد الغذائية بأسعار أرخص قليلاً من الدكاكين الأنيقة. سالم يقضي كل يوم ساعتين في تلك الدهاليزليشتري مثلاً كيلو البطاطا بـ 900 ليرة بدل ألف ليرة في الدكاكين الأنيقة، مصعوقاً من ارتفاع الأسعار الجنوني حيث صار سعر كيلو الليمون الحامض 1600 ليرة سورية، وسعر البيضة 70 ليرة سورية وسعر كيلو اللحم 14 ألف ليرة سورية، وهو لا يشتري اللحم أبداً وأولاده لم يذوقوا اللحم منذ سنتين كما قال لي. يعرف سالم أي خطر يحدق بصحته في دهاليز سوق الخضار المركزي في اللاذقية، وهو ليس فقط خطر الكورونا بل خطر كل أنواع الجراثيم والفيروسات لكنه مضطر أن يشتري من هذا السوق القذر ليطعم أطفاله كي لا يموتوا من الجوع. يسأل سالم أين التموين؟ أين جمعية حماية المستهلك! هل هنالك حقاً جمعية لحماية المستهلك!
طفل سوري لا يزيد عمره عن خمس سنوات، يعتلي حاوية قمامة طافحة بالزبالة وينكش فيها بحرية. أرجوه أن ينزل، فلا يبالي بي، أغويه بالمال فلا يبالي؛ حواليه عدة قطط تنبش معه في القمامة في شارع 8 آذار أي مركز اللاذقية ومعظم حاويات القمامة الثلاث المتلاصقة المتخمة بالزبالة عند الباب الخلفي لمشفى الأسد الجامعي الذي تحول إلى المشفى العسكري وتحول المشفى العسكري الكبير إلى مركز لتركيب الأطراف الاصطناعية للمتضررين من الحرب. وقد شهد معظم سكان اللاذقية الشاحنة العملاقة وقد امتلأت بكل أنواع الأطراف الاصطناعية ولم يكلف أحد نفسه أن يغطيها بقماش. منظر هذه الشاحنة أوهن الشعور القومي للمواطن السوري إلى الحضيض؛ شعر كل من شاهدها أن مصيره قد يكون إنساناً معطوباً تهتم به الدولة وتهديه قدماً اصطناعية أو يداً اصطناعية أو عيناً زجاجية ترأف به كي لا يرى وحشية الواقع. طفل الزبالة نراه في كل مكان وفي معظم الحاويات. الموجع أنه في كل بلدان العالم حتى في لبنان الشقيق فإن حاويات الزبالة تكون مبطنة بأكياس خاصة من النايلون السميك وحين إفراغها يتم استبدال كيس الزبالة بكيس جديد نظيف؛ ما عدا في سوريا (اللاذقية) حاويات الزبالة مُقرفة ويفرشها سخام من القذارة وهي مستودع نموذجي ومثالي لتكاثر كل أنواع الجراثيم والفيروسات. المؤلم أن ترى عاملاً في اللاذقية موظفاً في البلدية على الأرجح يرش الشوارع بمادة معقمة الله أعلم ما هي، ويتطاير رذاذ المادة المعقمة فوق سخام حاويات الزبالة، وحول الحشد من 300 سوري أجسادهم متلاصقة بانتظار توزيع معونة غذائية! لوحة جميلة بوجعها، أعلى درجات المرارة والسخرية تعقيم الحشد الشعبي. ومن الضروري أن نذكر أن محلات بيع الدخان وكل أنواع معسل الأركيلة لم تُغلق ولم يُتخذ قرار بإغلاقها. ومن المهم أن نذكر أن الحشد الشعبي على أشده عند كوات الصرافات الآلية لقبض الراتب، وبأن بعض المصارف الخاصة اتخذت إجراءات وقائية بأن يدخل مواطن واحد فقط إلى المصرف وثمة موظف يلبس قفازات ويضع كمامة على أنفه وفمه يقيس حرارة المواطن ويرش في يديه مادة معقمة، لكن حشد المواطنين عند باب المصرف كبير ولا توجد أيه مسافة أمان بين شخص وآخر. وحين صرخ بهم موظف المصرف ابتعدوا قليلاً عن بعضكم، أجاب أحد المواطنين لو ابتعدنا كل منا عن الآخر مسافة مترين لوصل الرتل إلى أستراليا. وأخيراً ولأن شر البلية ما يضحك فقد أخبرني زملائي الصيادلة أن الشعب السوري بحالة لهاث لتموين السيتامول (دواء ضد الصداع)، هستيريا تموين السيتامول تدل على أن الكثير من السوريين انعطب تفكيرهم من المعاناة كما لو أن السيتامول سيقيهم من آلام رأس قادمة في زمن العزل.
مسكين يا شعبي ألم تشعر بالصداع إلا في زمن كورونا فتعلقت بقشة اسمها سيتامول؟
by الحسناء عدرا | Mar 31, 2020 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات“
لم يتمكن خالد من إحياء صلاة الجنازة على روح عمه في المصلى ولا من إقامة مجلس عزاء وتوديعه بشكل لائق لتقتصر التعزية على غرفتين في المنزل وحضور بعض المقربين والمعارف على نحو ضيق، وذلك بسبب قرار إغلاق المساجد ضمن سلسلة إجراءات احترازية اتخذتها الحكومة السورية للحد من التجمعات والاختلاط للوقاية من فيروس كورونا المتفشي في العالم. يقول الشاب: “توفي عمي منذ يومين إلا أننا لم نتمكن من إحياء صلاة الجنازة في الجامع، كما أننا استعنا بالمنزل لإقامة مجلس عزاء كبديل للصالة بعد محاولات عديدة للحصول على موافقة من وزارة الأوقاف للحصول على إذن بفتحها، إلا أن جميع هذه المحاولات بائت بالرفض، فيما اقتصرت لائحة المعزين على الأهل والأقرباء فقط إذ أن جميع صالات العزاء في العاصمة قد أقفلت في خطوة احترازية من انتشار فيروس كورونا.”يُعد قرار إغلاق المساجد خطوة استفزازية وساخطة بالنسبة لمتدين عاكف على صلاة الجمعة كخليل الذي يُعرب عن غضبه واستغرابه في آن معاً قائلاً: “هذا الإجراء هو الأول من نوعه في سورية خلال عقد وأكثر، فلم يحدث قط أن أغلقت المساجد حتى في أتون سنوات الحرب التي عشناها وأمطرتنا بوابل من القذائف”.
ما إن عاد طاهر من إيران التي تُعد في مقدمة الدول التي انتشر فيها فيروس كورونا حتى تحول إلى شخص من أصحاب الشبهات وانهالت عليه نظرات الخوف والشك بإصابته بالفيروس لدرجة أن شقيقته رفضت الاقتراب منه خوفاً من أن يكون قد أصيب بالعدوى. وعن تجربته يقول: “البعض من أصدقائي بدأ يتحاشى لقائي وكانوا يشيرون بأصابعهم في مزاح لا يخلو من الجد أنني مصاب بفيروس كورونا، حتى أختي لم تسمح لي بمصافحتها وتقبيلها ظناً منها أنني أصبت بالعدوى”. يتأكد عامر قبل أن يسلم رأسه للحلاق من تعقيم الكرسي وأدوات الحلاقة بالكحول جيداً خشية التقاطه للفيروس ويقول: “سألت الحلاق مراراً عن تعقيمه لآلة الحلاقة، كما أنني أخذت بنصيحته بجز شعري ولحيتي أكثر من المعتاد تحسباً لقرار الإغلاق الذي قد يمتد لأسبوعين وأكثر”.
وهناك من على يقين تام أن من نجا من الحرب بأعجوبة سوف ينجو حتماً من هذا الفيروس؛ فحاتم يساوره شعور داخلي خفي بعدم وصول كورونا إلى سورية معزياً السبب إلى اكتساب المواطن السوري لقب أكثر الشعوب العربية صبراً وتحملاً للشدائد بجدارة. هذا الرأي يؤيده مازن وبشدة نظراً للأهوال التي خاضها خلال سنوات الحرب قائلًا: “واجهنا الموت بأقسى أنواعه وأشكاله وكابدنا ظروفاً في غاية القسوة من تفجيرات وقذائف وخطف وحصار حتى بات فيروس كورونا معركة خاسرة وهشة أمام تلك المعارك التي خضناها”. بينما يُردد إياد عيسى وصفة سحرية قديمة يتفرد بها المواطن السوري لرفع مناعته ومواجهته لأعتى أنواع الأمراض موضحاً بالقول: “نعيش منذ الأزل في بيئة ملوثة غير صحية، وأسلوب حياتنا يفتقر لأدنى معايير الشرط الصحي، ما هيأ أجسادنا وأكسبها مناعة عالية في مقاومة الأمراض؛ فدمشق تُصنف ثالث مدينة في التلوث على خلاف الدول المتقدمة التي تُعد النظافة فيها شرطاً صحياً بديهياً وغير قابل للمساومة”. هذ الرأي يتبناه علي ليضيف بالقول: “اعتدنا على المناخ الملوث العبق بنفاث السيارات ومخلفات القذائف والصواريخ وروائح الصرف الصحي والنفايات والمياه العكرة والخضار البلاستيكة؛ فجميع هذه العوامل أكسبت أجسادنا صفة المقاومة ورفعت مناعتاه لتتأهب لأي مرض فالجسم أصبح مسبقاً معتاداً على التعامل مع الجراثيم والفيروسات باستثناء من لديه مرض مناعي يجعل مقاومته للأمراض ضعيفة كمرضى الربو والسرطان والسكري وغيرهم.”
أخرجت سماهر (طالبة طب بشري) من حقيبتها أسلحتها الكحولية المكونة من مناديل معقمة ومحلول وقفازات وكمامة لمجابهة “كورونا”. تُمسك السيجارة بيدها اليمنى وعبوة المعقم باليد الأخرى تحسباً لأي عطسة مباغتة وتقول: “حماية أنفسنا من العدوى هي مهمة أشبه بالمستحيلة بالرغم من وجود هذه المطهرات، كما أن تبديل الكمامة كل ساعتين يُعد خياراً غير متوفراً أولاً في ظل انقطاعها ومكلفاً ثانياً، ناهيك عن عدم قدرتك على منع نفسك من لمس وجهك أو عينيك”.
في حين لا تُعير نور أهمية لهذا الفيروس الذي أصاب البشرية جمعاء دون استثناء متكأة إلى إيمانها الديني العميق والتسليم بالمشيئة الإلهية دون أذن صاغية لكلام العلم والإرشادات الضرورية، فتقول الشابة: “كل ما يأتي من عند الله هو خير لنا، وسيقع ما كتبه علينا، فمهما قمنا باحتياطات رادعة للوباء فلا طائل منها إن أراده الله لنا والعكس صحيح، فلا داعي للهلع والذعر”. أما لبنى فلا تلتزم بوضع قناع الوجه الواقي مكتفية بالقفازات فقط بالرغم من كونها تعمل في جمعية الصحة الخيرية التابعة لمنظمة “اليونيسف” مع العلم أن عملها يتطلب تماس مباشر مع الأشخاص وعن ذلك تقول: “لا أستطيع تحمل الكمامة على وجهي، تمنعني من التنفس وأشعر وكأن شيء يخنقني، فأكتفي بالقفازات التي تعد مهمة جداً في عملي عند تبادل الأوراق الشخصية ودفاتر العائلة للمواطنين فأنا على احتكاك مباشر ودائم معهم.”
تُخالف سلوى صديقة لبنى سلوك صديقتها وتوبخها على إهمالها وعدم تقيدها بإجراءات السلامة الشخصية خاصة أنها تعمل في مجال الصحة ويجب أن تكون قدوة للناس وأكثر وعي، لذا قررت سلوى الاعتكاف في قريتها بالساحل السوري ريثما انتهاء فترة الحجر الصحي التي فرضتها الحكومة السورية على مواطنيها.
أزمة ثقة بالجهاز الصحي والإعلامي معاً
قبل إعلان وزارة الصحة السورية عن تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد لشابة قادمة من لبنان، كانت ألسنة الشارع السوري لا تكف عن لوك أخبار وجود حالات إصابات غير مؤكدة دون تفويت البعض منهم لفرصة الاجتهادات الشخصية والمزوادات بارتفاع الأرقام نتيجة تداولها عن القيل والقال دون التأكد من دقتها، توضح سحر: “سمعتُ بوجود 200 حالة مصابة بفيروس كورونا في مستشفى المجتهد وذلك على ذمة سائق الأجرة الذي ركبت معه”؛ فيما تجد أن هذا الرقم انخفض إلى النصف على لسان شخص ثان، وتضيف المرأة: “إن كانت هذه الحالات حقيقية فلماذا لا تفصح عنها وزارة الصحة والإعلام وتخشى نشرها؛ فمن غير الممكن أن تكون هذه الإجراءات الوقائية الحذرة كإغلاق الجامعات والمدارس وتقليل التجمعات من أجل شيء غير موجود أصلاً.”
أما هنادي فتوافقها الرأي من ناحية قلة الثقة بالجهاز الصحي والإعلامي لكنها ترأى أنها قد تكون مجرد أساليب احترازية لعدم تفشي الوباء وأخذ الحيطة أسوة ببلدان العالم، بالإضافة إلى أن لا مصلحة لأي جهة رسمية من حجب معلومات مهمة كهذه عن الشعب ومحاولة تضليله، وتوضح وجهة نظرها: “لا أعتقد أن وزارة الصحة والإعلام تخفيان وجود إصابات لاسيما أن الأمر يتم بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية التي تُعتبر جهة حيادية وغير منحازة”، لتختتم الشابة بالقول: “آمل حقاً أن لا يدخل الوباء إلى بلدي ويحمينا الله، يكفينا همومنا ومصائبنا التي لا تنتهي.”
دور منصات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في التهويل
لا شك أن هناك جانب إيجابي لتطويع ماكينة الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتوتير في خدمة الشعوب ومساهمتهما في زيادة وعيهم إزاء مواضيع معينة وكيفية التعامل معها بدقة، لكن أيضاً هناك جانب سلبي من حيث التمادي في دور هذه الوسائل الإعلامية بالإسراف في رسم ونشر هذه الصورة حد المغالاة والتهويل. يؤكد إياد الذي يعتقد بضلوع الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تضخيم فيروس كورونا والتعاطي معه بصورة مبالغة أن “الاستخدام الزاخم بدون وعي مدرك لوسائل التواصل الاجتماعي وتجنيدها في تصوير أدق تفاصيل الحياة ومشاركتها للجميع يساهم بشكل كبير في زيادة حجم الأمور وإعطائها مساحة أكبر من حجمها الطبيعي، فكلما قل التعامل مع قضية معينة انخفضت أهميتها ودرجة انتشارها والعكس صحيح، لكنني لا أنكر خطورة الفيروس وضرورة التعامل معه بحذر والتصدي له.”
دعابات الكورونا “شر البلية ما يُضحك”
يطلق باسل دعابة من وحي فيروس “كورونا” المستجد في أرجاء صالون الحلاقة الرجاليةلتتردد صدى ضحكات الحاضرين، فيما يستمر السوريين في تبادل الرسائل فيما بينهم على أجهزة الهواتف الخليوية عن نكات “الكورونا” كوسيلة دفاعية جماعية في وجه الفيروس وتحجيمه قدر المستطاع؛ فلا يمكن أن تفلت جائحة الكورونا التي اجتاحت العالم بأسره من ألسنة السوريين وسخريتهم المعهودة ومهارتهم العالية بتحويل الألم والمصائب إلى مادة دسمة للتندر وإطلاق الدعابات في إشارة واقعية ومؤلمة في آن معاً إلى تجاوز المواطن السوري لشتى أنواع المحن والويلات في غضون 9 سنوات من الكوارث الحياتية التي حلت عليه خلال سنوات الحرب.