هذا ما قاله ناجون من مجازر الساحل السوري 

هذا ما قاله ناجون من مجازر الساحل السوري 

سقط نظام الأسد الدكتاتوري المتوحش في 8 كانون الأول، وهرب الأسد إلى موسكو، بعد استعصاء سياسي وعسكري طويل رفض فيه الأسد الابن التنازل عن حكم البلاد، بعد تحويل البلاد لحلبة صراع دموية ما أدى إلى تدمير البلاد بالكامل وتشريد ما يقارب ثلث من عدد سكانها، وارتكاب عدد من المجازر الموثقة بحق المدنيين الأبرياء والمعتقلين السياسيين يندى لها جبين الإنسانية، ورغم أن عملية السقوط واجتياح قوات هيئة تحرير الشام البلاد من الشمال ووصولها الى دمشق بتفاهمات سياسية مع تركيا، لم تُحدِث خسائر كبيرة في الأرواح يوم السقوط، رغم حالة الهلع التي أصابت معظم المواطنين، لأنها لم تلقَ إي مقاومة، وكأن هناك اتفاقات مبرمة على التسليم. ورغم تخوف معظم الأقليات من المرحلة القادمة إلا أنهم باركوا للحكم الجديد بعد محاولته طمأنتهم، إلا أن حوادث الخطف والقتل والإهانات والإذلال  على أساس طائفي بدأت بشكل عشوائي مستهدفة الأقلية العلوية التي ينتمي لها رأس النظام السابق، منذ الأيام التالية لسقوطه، لكن هذا ترافق مع  خوف وصمت وتكتم من الجميع خاصة في القرى البعيدة عن مراكز المدن، إذ سُجلت حوالي 600 حالة خطف وقتل خارج القانون على أساس طائفي قبل حدوث المجازر الكبيرة التي  بدأت في 6 آذار واستمرت خلال 7و8و9 آذار  بعد إعلان النفير العام، وذهب ضحيتها عدد كبير من الأبرياء المدنيين. لم يتمكن أحد من إحصاء عدد الضحايا الذي وثق منه حتى الآن 2161 حالة حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لكن هذا العدد غير حقيقي ولا يتناسب مع عدد المفقودين، لأن عدداً كبيراً من الضحايا رمي في البحر لتأكله الأسماك لإخفائه، وعدد آخر تم دفنه في مقابر جماعية. 

 بدأت المجازر بعد عملية نفذتها مجموعة من عناصر النظام السابق كرد فعل على عمليات القتل العشوائي والإهانات الطائفية التي تعرض لها عدد من أبناء الأقلية العلوية، إذ تعرض عدد من عناصر الأمن العام التابع للسلطة الجديدة لكمين قتل خلاله 140 عنصراً، أُعِدَ له من قبل رجل أعمال مقيم في روسيا مع مجموعة من عناصر النظام السابق، ما أدى لرد فعل عنيف من قبل السلطة الجديدة وبدء حملة عسكرية انتقامية ضخمة قامت بها الفصائل المتشددة ومنها فصائل تابعة لوزارة الدفاع الجديدة مع إعلان النفير العام حيث انضم لمؤازرتها عدد كبير من الأشخاص من معظم المناطق السورية وشاركوا بالقتال. ذهب ضحية هذه الحملة عدد كبير من المدنيين الأبرياء في عدد من قرى الساحل السوري، ولا تزال عمليات الخطف والقتل على أساس طائفي مستمرة حتى اليوم لكن بشكل متفرق وعشوائي، رغم الإعلان عن انتهاء الحملة العسكرية بعد المجازر المرتكبة بعدة أيام.

نحاول في هذا التحقيق تقديم شهادات عدد من الناجيات من المجازر، من بعض القرى التي تعرضت لهذه المأساة.

تنويه: استخدمنا أسماء مستعارة حفاظاً على أمن الناجيات، كما أبقينا اللغة كما هي من دون تدخل أو تصحيح نحوي. 

الشير

السيدة (شام) 45 عاماً، زوجة وأم وأخت (أطفالي لا ينامون من الرعب)

تقول السيدة: أخذوا ابن الجيران منذ 10 شباط واليوم أفرجوا عنه، في 27آذار، يعمل بياع في كولبا، احتجزوه وقاموا بتعذيبه، وأجبروه على حلق شواربه، وعلى قراءة القرآن والصلاة على طريقتهم، أخذوه في الليل عن حاجز، الخطف على الحواجز لايزال مستمرا حتى اليوم، خطف البنات والشباب وسرقة السيارات منذ سقوط النظام وحتى وقوع المجازر، الفتيات اللواتي خطفن لم يعرف مصيرهن بعد. خطفت بنات من قلب المدينة. يقولون أخذوهم سبايا. سرحوا العمال والعساكر وكل الرجال قعدوا في البيوت بدون عمل. أنا كنت أشتغل بمعمل وتزوجت من شاب في هذه القرية وأقمت بعد الزواج بقريته، منذ سقوط النظام تذهب النساء للعمل بينما يلازم الرجال البيوت خوفاً على حياتهم، وهرباً من الإذلال الذي يتعرضون له على الرغم من أنهم أجروا تسوية وضع، كل هذا جعل الناس تضوج. ثلاثة أشهر بدون رواتب، والجميع يعاني من فقر شديد، أخي (ع) كان يسكن بمساكن مخصصة للعسكر أيام النظام السابق، وكان يملك بيتاً في قرى الأسد، طردوه من منزله بالمساكن العسكرية ولم يسمحوا له بالإقامة في منزله الذي يملكه في قرى الأسد لأنهم لا يريدون علوية هناك، ثم انتقل إلى اللاذقية. 

تقول السيدة (شام) هناك رؤوس كبيرة تعمل هنا في الضيع حاولت إعطاء سلاح ونقود لبعض الشبان قبل المجازر بساعات، لكن معظم الشبان رفضوا حمل السلاح، لم نسمع أن هناك حركة. لا نعرف من دبر هذا الأمر، هناك (رجل غريبة تعمل في المنطقة)، تعدت على طائفتنا لتقوم بالمجازر الطائفية قبل المجزرة 7آذار مساء الخميس وصباح الجمعة 8آذار امتدت ولم تنته عمليات القتل. قبل ذلك كنت أخرج للعمل أنا وزوجي أنا أذهب للمعمل وزوجي يذهب للبيع في سوق الخضار وكنت أترك أطفالنا لوحدهم في البيت. 

يوم الخميس كنا سهرانين أتى أخ زوجي، وهو ساكن بالبلد مع زوجته وابنه عمره عام ونصف بعد الإفطار ذهبت أنا وزوجي وأولادنا لبيت عمي وسهرنا مع بيت أهل زوجي وأخ زوجي وابنة عمه وأولادهم وأخ زوجي الثالث كان معنا بالبيت. كنا جميعنا سهرانين، ثم سمعنا طرقاً على الباب. أتى شاب من الضيعة وطلب الحديث مع الشباب خارج المنزل، وقال لهم نحن نقوم بوضع حواجز حماية للضيعة وطلب منهم أن ينضموا له وأن يقدم لهم سلاح، لكن الشباب الثلاثة رفضوا لأنهم يعملون بالخضرة ولا يريدون مشاكل دخلوا وأغلقوا الباب بعد ساعة تماماً خرج صوت رصاص كثيف ولم نعد نعرف من أين يأتي الرصاص.  نزل المسلحون من أوستراد الخرافي الذي يصل أريحا باللاذقية ومن جهة أوستراد الحفة.

مساء الخميس سمعنا إطلاق رصاص كثيف وصراخاً، لم نعرف ما يحدث ولم يجرؤ أحد على الخروج من المنزل.  رش رصاص أسلحة ثقيلة دوشكا على الطرقات وكنا نسمع صراخ شباب اشتباكات ثم هدأ الوضع، عند طلوع الفجر كان هدوء من الساعة 6 للساعة 7ونصف، ثم بدأ اطلاق نار كثيف من مدخل القرية. هجموا. صار الضرب على بيوتنا بالأسلحة الثقيلة، حبسنا حالنا بزاوية الصالون. ضرب وصراخ آخر طلبت من أطفالي قراءة الشهادة لأننا عرفنا أنهم أتوا لقتلنا، دقوا الباب، اقترب زوجي ليفتح لهم لكنهم أطلقوا النار عليه من خلف الباب، وكانوا يصرخون (هاتوا شهداءنا يا كلاب). قال زوجي (لا يوجد لدينا شهداء أو سلاح) ثم صرخوا فينا، طلعوا كلكم لبرا رجال ونساء طلبوا من زوجي وابني الصغير وأخوات زوجي يروحوا على الساحة وراح بعضهم. قلت للمسلح دخيلكم بوس أجريكم ابني صغير كتير رجعوه عمره  14 سنة بس رجعوه، ما ردوا علي. واحد من المسلحين رش رصاص فوقنا وتحتنا بقيت أنا وبنت عمي وسلفتني وابنها عمرو سنة ونص وعمي قلو رجاع لمحلك حجي، رجع، حط السلاح براس بنتي وقال بدنا الذهب والمصاري قلتلوا ما في عنا دهب، قامت سلفتي بإعطائه كل شيء معها مصاري، وسرق أربع موبايلات منا ومصاري. لكنهم أرجعوا لي ابني. أغلقنا بابنا وقعدنا نسمع صراخ وضرب ولم نعرف ماذا يحدث في الخارج. مر يوم الجمعة رعب كبير والسبت والأحد لم يهدأ الرصاص. الأحد الصبح سألنا عن الشباب، الناس قالوا لنا أن الطريق ممتلئ بالجثث. في الصباح أتى أخي وقال لعمي بسلامة راسك الأخوة الثلاثة قتلوا. من حارتنا قتل 17شاباً وكل عائلة دفنت شبابها في قبر واحد، عندما حاولت النسوة الاقتراب من جثث أولادهن أطلقوا النار باتجاههن.  ثم سمح لنا بدفن موتانا وكانوا يقولون (قبروا فطايسكم بهدوء)، الحارة جميعها ساعدت لسحب الشهداء ودفنهم، أطلقوا رصاص كثيف خلف بيتنا وأطلقوا هاون على البيوت نزل في أرض، لكن لم يتأذ أحد من الهاون طلعوا لفوق الطريق من الجمعة للأحد لسحبنا الجثث عن الطريق ودفناها، وصاروا يجيبوا سيارات من إدلب فيها نسوان ليتعرفوا على الشباب. 

كانوا عاملين حواجز حماية للضيعة، لا أحد يعرف من دبر هذا الأمر، لم يعرف أهل القرية هل هي حواجز حماية أم مداهمة، لأن من كان مشترك بالعملية من أهل الضيعة هرّبَ أهله وعائلاته من القرية ثم بدأوا الضرب فيهم، أرسلت الهيئة مؤزارة فصائل الحمزات والعمشات وغيرهم وفعلوا ما فعلوه بالبيوت، ثلاث أيام متتالية بقوا يهجموا على بيوت الضيعة. أهانوا النساء وشتموهن وتهجموا عليهن، وسرقوا البيوت كلها وحرقوا عدداً كبيراً من البيوت والمحلات والسيارات، ثم أتى الأمن العام وأخرجهم من القرية. قيل لنا أن الأمن العام يقوم بتحقيقات الآن ويلاحق المطلوبين، لكننا متأكدون أن هناك أحد غريب وراء هذا الأمر،  وللأسف الأمن العام أيضاً يقوم بتخويفنا، يوجهوا السلاح على الأطفال والنساء ثم يطلقون الرصاص في الهواء، ويعملوا حواجز حتى لا تأتي الفصائل. نحن نريد أن نعرف لماذا من يحكم سوريا لا يقدر على التحكم بالفصائل منذ يوم إسرائيل ضربت الفصائل في منطقة اسمها العصافيري نقلوهم لمنطقة اسمها سقوبين يهاجمون البيوت للسرقة، الأمن العام لا يسمح لهم، ابن عمي استشهد وثلاثة من أخوته، نريد حكم قوي يعيد الأمان للناس، الأطفال يعيشون برهاب ورعب كبير، أطفالي لا ينامون، بعد قتل والدهم لا أجرؤ على الذهاب للعمل وتركهم، هناك أم قتلوا ابنها عندما نادته ياعلي فقط لأن اسم ابنها علي قتلوه أمام أمه، منذ سقوط النظام ونحن نتعرض للإذلال وللشتائم الطائفية.

تقول السيدة: بعض الضيع التي حدثت فيها المجازر المختارية، الشلفاطية، الشير، صنوبر جبلة، وضيع بانياس وجبلة وطرطوس وبرابشبو، لكن في ريف اللاذقية صنوبر جبلة كانت الضحايا أكثر. تتابع السيدة في المختارية ساق المسلحون النساء والأطفال والرجال إلى ساحة وقتلوهم.

أخي وزوجته (عمر الزوجة 37) كانا في قرية صنوبر جبلة في بيت حماه وكان هناك أخ زوجته وصديقه كانوا ثلاثة شبان وبينما كان أخي و زوجته في غرفة بالبيت دخل عليهم المسلحون وهم يطلقون النار عندما رأهما المسلح وهو يطلق النار قال لزوجة أخي ابقي هنا سوف نأخذك سبية  خرج المسلح من الغرفة شدت زوجة أخي من سترته وقالت له دعنا نهرب الآن قبل ان يعود لكن عندها سقط جسد زوجها بجانبها اذ لم تكن تعرف أنه تلقى رصاصه في رأسه اختبأت في اقصى زاوية تحت سرير  بقيت مختبأة لساعات حتى تأكدت أنهم غادروا عندما خرجت من مخبأها شاهدت أخوها وصديقه مقتولين. 

عندما سألنا السيدة عن وضع الأطفال أجابت الخوف والرعب تغلب على الحزن في الأسابيع الأولى ثم بدأ الأطفال يفتقدون والدهم وخالهم، الأطفال لا ينامون من الرعب. 

خاصة أن قوى الأمن العام أتت لتحمي القرية لكن حتى هم يخيفون الأهالي بإطلاق الرصاص أمام الأطفال والنساء على الأوسترادات لا نريد شيء غير الأمن والأمان. 

قيل لنا إن الفصيل الذي قام بالمجزرة ذهب لكن هناك فصيل آخر متمركز في قرية سقوبين هناك سيدة بيتها قريب من ثكنتهم تركت منزلها وانتقلت إلى قرية أخرى خوفاً منهم لم يعد أحد. 

قبل أن تحدث المجزرة كان هناك رجال أقاموا حواجز وقتلوا عناصر من الأمن العام الحواجز من شهر هناك من دفع أموال ليتم قتل العلويين لا نعرف. 

سقوبين قرية مختلطة فيها علوية وسنة وأدالبة وحلبية قاموا بسرقة الناس هناك وقتلوا العلوية فقط منهم. بالنسبة لي ولعائتي لا نريد الحرب نريد الأمان فقط لا نريد الطائفية أنا أعمل مع زملاء من السنة وعلاقتي بهم جيدة جدا أتوا وقاموا بواجب العزاء. كنا رضيانين بالنظام الجديد حتى بدأ التحريض من خارج سوريا .

الرميلة

تقول السيدة (أم علاء) اخذو ا أولاد أختي المقيمة في الرميلة بجبلة أخذوا ابنها الأول قبل شهرين والثاني كان يعمل في الأرض، أخذوه منذ يومين، ولا نعلم عنهما أي شي منذ ذلك الحين أما أختي الثانية فقد قاموا بحرق منزلها ومنزل أولادها الثلاثة وقاموا بسرقة بيت ابنة أختي.


الشير

أم محمد: ولدي أرسل لي قبلة الوداع.

تقول السيدة (أم محمد) العمر 41 سنة استشهد زوجي وعمره 50 سنة وهو مزارع وابني طالب جامعي كان سيتخرج من الجامعة عمره 23سنة كان يدرس الحقوق وسلفي استشهد وعمره 47 سنة وكان صاحب دكان. 

هجموا علينا من الصبح 7آذار يوم الجمعة أول فصيل دخل إلى القرية وهو يصرخ يا علوية يا خنازير وين السلاح فتح لهم زوجي. كان زوجي وابني وسلفي في البيت. 

أتى فصيل ثاني أخذ أجهزة الموبايل وسرق وهو يصرخ يا علوية يا خنازير انزلوا زوجي وسلفي وابني ثم عاد ابني وهو يبكي وقال لي ماما بدهم مفاتيح سيارتنا سألته لماذا يبكي قال ضربوا بابا على رأسه بكعب البارودة ورأسه ينزف دم انزلونا أنا وسلفتي وهم عم يطلقوا الرصاص  بين أرجلنا أخذوا سيارتنا ووضعوا زوجي وابني وسلفي فيها وانطلقوا بين البساتين ولدي أرسل لي قبلة من السيارة وهو يودعني، بقيت أبحث عنهم يومين كاملين، ثم جاء فصيل ثالث كبير قلت لهم أريد أن أبحث عن زوجي وابني وسلفي ابني أخدوا ثيابه قلي خلي النسوان يساعدوك بدفنهم بلا صوت وعند البيت هون رجعنا وقت قلي فيكي تدفني ممنوع يطلع صوت وإلا رح نرميهم بالبحر لأن السمك جوعان بالبحر.  عمي عم زوجي قتلوه مع أولاده الثلاثة واحد دكتور وتنين مهندسين قتلوهم جميعاً. 

رحنا جبناهم أول شي لأنهم أقرب، جبناهم الأربعة، نقلناهم بعربات الليمون على أرضنا حطيناهم بالأرض والفصيل موجه السلاح علينا رحنا لنجيب زوجي وسلفي وابني كان في رتل كبير هاجم ثلاثة سيارات كبار فيهم نساء مجاهدات منقبات أتين لعند العناصر وقلن لهم اقتلوا النساء والأطفال ما تتركوا أحد حياً.

ما قدرت جيب سلفي وزوجي وابني ليوم 9 الشهر لأن كان في منع تجول ضربوهم كتير للساعة عشرة جابلنا ياهم أخي، كمان رتل جديد هجم تالت يوم قالولنا أنهم العمشات صرخوا علينا النسوان على الحيط وهم عم يقوسوا اخدوا الرجال الذين أتوا لمساعدتنا نزلوهم مسافة كبيرة. قال أخي لهم معي أمر من الهيئة بدفن الجثث قالوا بترجع بلا صوت بتدفنهم مع ثلاث نساء فقط هون بيت عم زوجي النساء والأطفال تركوا الضيعة كم يوم  أنا ما طلعت من بيتي بقيت أنا وسلفتي ضلينا بالبيت وضلوا عناصر الرتل عم يراقبونا كل الوقت منشان ماحدا يصور ضلو يقوسوا على الشابيك آخر شي بلغونا أنو الأمن العام وصل. نفسهم كل الفصائل لابسين نفس اللبس اللباس العسكري واللباس الأسود. 

كان معهم هاون و23 سرقوا كل شيء استشهد 65 رجل وشباب صغار بعمر 14 -15-18 عاماً ابن خالي ابنه طالب بكالوريا قتلوهم عائلة كبيرة مكونة من تسعة أشخاص قتلوهم وأخدوهم معهم كي يرمونهم بالبحر العائلة من بيت مرتكوش وعاطف الشيخ قتلوه وأخدوا جثمانه أخذوا كل السيارات بالقرية والسيارات التي لم يأخذوها دمروها تدميراً كاملاً سرقوا كل شي وحرقوا عدد كبير من البيوت. 

أيضاً كان هناك مصابين ماتوا لأنهم لم يسمحوا للهلال الأحمر  بالدخول إلى القرية وعمي أخو أبي وحيد قتلوه وقتلوا ابنه الوحيد لأن أخاه كان قد استشهد في الحرب و هو قتلوه قبل أن يسافر بعدة أيام حصل على  الفيزا وكان سيسافر، وصهر عمي زوج ابنته قتلوه أيضاً  وقتلوهم، كان مع المسلحين واحد من الصليبة،  أطلقوا النار على ابنة عمي فقال لهم أنا أسعفها على المستشفى وبعد أن قام بتشغيل السيارة و تقدم بها قليلا عاد وقتل أبوها وزوجها وأخوها الوحيد، أطلق عليهم الرصاص،  وهي أخذها إلى المشفى واحتجزها وقلها إذا بدك ضلي بأمان لازم تعيشي سنية ومع السنة لأن العلوية خنازير، لكن بعد ما طلع من المشفى  أتت طبيبة سنية بالمشفى وساعدتها لتوصلها لعيلة سنية هربوها خارج المشفى وقت رجع يسأل عنها قالوا هربت من المشفى بالليل لا نعرف أين ذهبت، تتابع السيدة أم محمد  تقول من تقلوا زوجي وابني وسلفي من أهل البلد من الصليبة والسكنتوري في فيديو الهم وهنن عم يعذوبهم ويقتلوهم زوجي قالوا له عوي قال لهم فشرتم نحن ما منعوي.

الزوبار

 تقول السيدة (دانة )50  عاما من قرية الزوبار: من أهل زوجي استشهد 14 شخص من زوبار التي تقع على طريق حلب، بعضهم استشهد خارج القرية.

وتقول السيدة (شيرين) 40 عاماً من الزوبار: دخل فصيل إلى القرية يوم 7 آذار الساعة 8 والربع صباحاً جمعوا شباب القرية كلهم في الساحة وبدأوا بتعذيبهم وأطلقوا النار على أرجلهم أثناء التعذيب وبقوا تحت التعذيب من الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الخامسة من بعد الظهر أصيب عدد كبير من الشباب وسيدة أسعفناهم بعد خروج الفصيل إلى المستشفى، من عائلتي خرج ثلاثة شهداء. وتقول السيد هناك 8 شهداء من القرية بينهم طفل في الثانية عشر من عمره.  

وعندما سألنا مختار قرية الزوبار ماذا تريدون أو ماذا تحتاجون أجاب أنهم لايريدون شيء غير الأمان على الرغم من فقرهم الشديد وحاجتهم الماسة لمعظم ضروريات الحياة.

أسقبله

في قرية أسقبلة تحدثت زوجة شابة اسمها نايلة لصالون سوريا قائلة: إنها بقيت مختبئة في الأحراش الجبلية ثلاثة أيام هي وأطفالها الصغار وعدد كبير من النساء والأطفال ومعظم أهالي الضيعة فعلوا الشيء نفسه هرباً من الفصائل، وتقول إن قريتها بقيت خمسة أيام بلا ماء أو كهرباء او اتصالات، استشهد من قريتنا 10 شهداء منهم عائلة كاملة كانت تقيم في حي القصور في مدينة بانياس، وهي زوج وزوجته وابنه الشاب وأخ الزوجة. 

برابشبو

تقول السيدة (هالة) من قرية برابشبو: حدثت المجزرة لدينا يوم الأحد 9 آذار لدينا 45 شهيد وعدد كبير من المصابين، لقد هربت في الأحراش عندما عرفت أنهم قادمون وتمكنت من إنقاذ نفسي، لكن والدي كبير في السن وعاجز لم يتمكن من القدوم معي. 

تقول هناك 500بيت في القرية، يوجد 27بيت محروق منها وعدد كبير من البيوت خُرِبت وبحاجة لإصلاحات كبيرة، والماء منذ أكثر من 25 يوم مقطوعة، لأن مضخة المياه سرقت، لكن أولاد الحلال يقدمون لنا ماء بالصهاريج لأن مواسير المياه خُرِبت وحُطِمت، القرية في حالة فقر شديد كل شيء محطم نحتاج إلى أغذية وأدوية وحليب للأطفال. 

المختارية

تقول سيدة من المختارية هناك 250 شهيد دفن منهم عند استشهادهم 168شهيد، ولايزال هناك عدد كبير من الجرحى. 

ملاحظة:

العدد الأكبر من الأشخاص المقتولين هم من الذكور. بعض القرى قُتِلَ معظم ذكورها، لم يوفر القتلة النساء والأطفال والعجائز. للأسف يحصل اليوم ما كان يحصل أيام النظام السابق، لا يسلم جثمان مفقود في مشافي الساحل إلا بعد توقيع الأهل على وثيقة تقول إن من قتله هم فلول النظام. 

ملاحظة هامة أخرى

 عدد من الناجين وأهالي الشهداء تحدثوا عن سرقة الأوراق الثبوتية لأهلهم المقتولين، من هويات وجوازات سفر ودفاتر عائلة وسندات ملكية.

بين الأمس واليوم

سبق وتعرض عدد من قرى ريف اللاذقية لمجازر في 4 أغسطس عندما قامت المعارضة السورية في ريف اللاذقية بعمليات إعدام ميداني وإطلاق نار عشوائي واتخاذ رهائن من النساء والأطفال. وبحسب تقرير هيومن رايتس قتل 190 مدنياً بينهم 57سيدة وما لا يقل عن 18 طفلاً و14 رجلاً مسناً الأدلة تشير إلى أن هؤلاء قتلوا في اليوم الأول للعملية وهو 4آب أول أيام عيد الفطر من عام 2013.ما عرف لاحقاً بآب الأسود.

اليوم معظم أهل الساحل لا يشعرون بالأمان، وهم قلقون على مستقبل أبنائهم وبناتهن حيث تعرضت خمسون سيدة للخطف حتى الأن بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

الحرية، التحرير، وثقافة الاستبداد في سوريا

الحرية، التحرير، وثقافة الاستبداد في سوريا

حين نتأمّل المشهد السوري بعد عدّة شهورٍ من التحرير، ألا يبدو واضِحاً أنّ الاستبدادَ مُنتَجٌ محلّي الصنع، و ليسَ بحاجةٍ إلى داعمينَ عرب أو أجانب؟ لقد كبّرناهُ كلّ شبرٍ بندرٍ، إلى أن تعملَقَ و التهمَنا، هل تراه صنيعة نصف قرنٍ من الديكتاتورية التي جثمت على الصدور واستبدّت بالناس ومنعتهم من التنفس خارج سرديّتها، أم أنّه صنيعة نظام اجتماعي قبلي أبوي مرتبط بثقافة منطقتنا؟ أو ربّما الأصح الإثنَينِ معاً.
يُقالُ إنّ كلمة مُستبدّ باليونانية “ديسبوت” مُشتقّة من “ديسبوتيس” التي تعني ربّ الأسرة، أو سيّد المنزل، يبدو أنّه بالنسبة لليونان الاستبداد نظام اجتماعي يُربّى في البيت ثمّ ينطلق ليتحوّل إلى نظامٍ سياسيّ حيث الحاكم يُمارس سلطتَهُ الأحاديّة الاستبداديّة على منوالِ ربّ البيت، الفرقُ أنّ الأخير ربما يحمل في قلبِهِ تجاهَ أهلِ بيتِه بعضَ الشفقة، بحسب اليونان كذلك، فإنّ بذرة الخنوع تُسقى في البيت، حيث الاستسلام المُطلَق لسلطة الأب الواحد، يشكّل العائق الأكبر أمامَ نمو و تبلور شخصية أبنائه, هذا التبلور بحاجة إلى حريّة الإصغاء إلى الذات, و حرية التعبير عن الذات, وصولاً إلى حرية المُعارضة، أمّا الكبت الذي يفرضُهُ نظام اجتماعي يضيّق الخِناق على كل من يحاول أن يتنفّس خارج مفاهيمِه، فإنّه يؤدي إلى تربية شخصيات ضعيفة سوف تُماهي في المستقبل بين سلطة الأبّ و رجل الدين و الحاكم، وصولاً إلى سلطةِ الربّ المُتعالي، فإما أن تختارَ الخضوعَ المُطلَق، أو التمرّد والغضب المُدمّر، وإلى ما هنالكَ من التشوّهات.

بالعودة إلى القاموس العربي الإسلامي، نجد أنّ الاستبداد لم يحمل في طيّاتِه مفهوماً سلبيّاً، وهو إنّما يشيرُ إلى الحزم والعدل في تطبيقِ القانون، حتى إنّ المُفكّر وعالم الدين المصري الإسلامي “محمد عبده ” ذهبَ إلى أنّ الشرق بحاجةٍ إلى ما يسمّى ب” المُستبدّ العادل” القادر على إصلاحِهِ و تهيئَتهِ من أجلِ مرحلةٍ أكثر ديمقراطيّة، لكن هل هذا يعني أنّنا غير قادرين على العيش خارج مظلّة النظام الأبوي التراتُبي، حيث لا سلطةَ فوقَ رأسكَ، و عليك أن تكونَ سيّداً حرّاً يتحمّل مسؤولية هذه الحريّة. ربما رسّخ مفهوم الخلافة في الإسلام السلطة المطلقة للحاكم، على اعتبار أن الخليفة يستمدّ شرعيّته من الله مباشرةً، لكن لبعض المؤولين رؤية مختلفة فيما يخص فكرة الخلافة في القرآن الكريمِ, فالإنسان هو خليفة الله على الأرض، وهبهُ حقّ التصرّف بها حسبَ إرشاداتهِ و أوامرهِ، الإسلام من هذا المقام لا يحصر الخلافة بفردٍ أو طبقة، بل يحيلها إلى جميع أفرادِ المجتمع، كلّ بحسب موقعِه، بالتالي فإنّ أفراد المجتمع الإسلامي كلّهم خلفاء وشركاء في تسيير دفّة بلادهم، لا بدّ أن نتساءل هنا: هل الطبع القبليّ الأبوي غلب التطبّع الذي جاءت به الرسالة المحمّديّة؟ أم أنّ الفهم السطحي لها ساعد على ترسيخ المفاهيم المتوارثة؟ لقد بشّرتنا مقولة “ارفَعْ راسَك فوق أنتَ سوري حرّ ” ببداية حقبة جديدة في سوريا تقوم على احترامِ الإنسانِ بعيداً عن التصنيفات و التراتبيّات الاجتماعية والسياسية والدينية، لكن تحوّل شريحة كبيرة من الثورة المطلقة إلى الموالاة العمياء للحكّام الجدُد لا يبشّرُ بالخير، إذ يبرهن على حاجتِنا اللاواعية إلى حاكمٍ جديدٍ تتماهى صورَتهُ مع الأبّ كي نشعرَ بالأمان.

على النقيضِ من ذلك، يذهب عبد الرحمن الكواكبي في كتابهِ “طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد” إلى أنّ الإنسان مأمورٌ بمقاومةِ الظلم و مجابهتِهِ، لأنّه من غير الجائز أن يقبلَ المؤمنُ بعبوديّةٍ لغير الله، و إذا ارتضى لنفسهِ بالذلّ و قبلَ بالظلم دون أن يثورَ عليه، فإنّ عقابَهُ لا يقلّ عمّن مارس الطغيان وذلكَ استناداً إلى قوله تعالى “و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار”.
المُلفت كذلك في التجربة السورية، هو تخوين الطبقة الرمادية، تلك التي صمتَت لأسبابٍ متعدّدة، كذلك الطبقة التي كانت علاقتها بالحاكم بعد التحرير معتدلة، بانتظار أن تحكم على الأفعال و ليس الأقوال، وكأنّ خيانة الحاكم الرمز تحيلُنا إلى خيانة الأب و بالتالي الربّ. من الملاحظِ كذلك غياب أو تغييب العقل النقدي عندما يكون الحاكم من نفس طائفةِ المحكوم، فالأخير يكون أقدر على حمايته, إذ إنّه أقرب إلى الربّ الذي خلقه، لكن أليس من الأجدى أن يكون الولاء للوطنِ بتاريخه و جغرافيّته وتنوّعه ومصالحه الكبرى والصغرى، أليسَ تدمير المدن والقرى والبُنى التحتيّة والجيش والمؤسّسات والاقتصاد وكرامة الإنسان السوري، هو أعظم خيانة!
قد يكون للحاكم المُستبدّ دورٌ في تزييف الولاءات والأولويات، و قد تقومُ بهذه المُهمّة قوى أخرى، صاحبة مصلحة في خلط الأوراق وذرّ الفتن، أمّا تشويه التاريخ فهو الخطوة الأهم من أجلِ إنتاجِ شعبٍ بلا جذور، وبالتالي بلا هوية، يسهل تحويل ولائهِ وانتمائهِ الطبيعي إلى وطنِه، إلى ولاء و انتماء مُطلق إلى حاكم واحد، على منوال الإله الواحد، كما تسهل شرذمتُهُ وزجّه في حروب و صراعات طائفية ومحليّة، هنا تتلاقى مصالح الاستبداد والاستعمار، أما غياب خطاب وطني جامِع، يوحّد السوريين حول تاريخ وجغرافيا وثقافة مُشتركة، هوبالتأكيد مسؤولية النظام الحاكم، والذي أدى ربما إلى غلبة الخطاب الديني أوالطائفي، طالما تمّ إخصاء انتمائنا الأوسع لأرضنا، سوف نتعلّق بالتالي بانتماءات طائفية ومناطقيّة وقبليّة أضيق.
لقد انقسم السوريون بعد اندلاعِ الثورة إلى موالينَ للنظام ومُعارضينَ أو ثوّار. كان تعنّت رأسِ الحكم سبباً لاقتِتالِهم أربعة عشر عاماً، ارتُكبَت خلالها الفظائع على الأرض السوريّة، أمّا اليوم بعد سقوط السبب الرئيسي للمقتَلة، تشهدُ البلاد شرارة صراع وتقسيم على أساس طائفي، تمخّضت عنه مأساة الساحل السوري، حيث تعاملت السلطة القائمة بنفس عقلية السلطة البائدة، من حيث القضاء على ما تعتبره البيئة الحاضنة لأي تمرّد بما فيها من مدنيين وأبرياء. يذهب البعض إلى أنّ زوال رأس الاستبداد الذي كان يعتمد على القمع في تثبيتِ حكمِهِ أدى إلى الانفلات وظهور التشوّهات التي كان عليه أن يعالجَها عوضاً عن كبتِها، و هذا صحيح من ناحية لكن من ناحية أخرى من غير المجدي إنكار الأيادي الخبيثة والمصالح الخفيّة التي عبثت بالأرض السورية، فكل حديث عن الاستبداد لا يأخذ بعين الاعتبار الاستعمار هو رؤية قاصرة. قد يكون الاستبداد أداة الاستعمار، و قد يكون لكلّ منهما أجندة مُختلفة لكنّهما في المبدأ متّفقان و لديهما أعداء مشتركون هم الشعوب و الأوطان.

يتحدّث عبد الرحمن الكواكبي في كتابه “طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد” عن الاستبداد والدين، الاستبداد و العلم، الاستبداد والمجد و المال و الأخلاق و التربية و الترقّي، إلخ. ربّما ناهضَ الكواكبي الإستبداد و فضحَ أساليبَهُ في استعبادِ الشعوب لكنّ المُفكّر والفقيه الحنفي وأحد روّأد النهضة العربيّة كان يقارع في الحقيقة الاستعمار العثماني الذي مارسَ سياسة القهر و تشويه الهوية على شعوب المنطقة، أيّ أنّه قارعَ استعماراً مُستبدّاً، و أيّ قدرٍ أسوأ من أن تقع المنطقة تحت قبضة طغيانِه المزدوجة، وإن تغيّر اللاعبونَ على أرضِنا فإنّ قيدَنا واحد.
لقد لاحظنا كيف قامَ الثوار بتكسيرِ تماثيلِ المُستبدّين مُعلنين بداية حقبة جديدة عنوانها “الحرية”، هناكَ رغبة لاواعية في التحرّر من التراتبيّة الاجتماعية الأبوية التي أحالتنا إلى عبيد لكن تلك الرغبة بالتحرّر تظلّ غير فاعلة طالما أنّها تعيد بناء نفس النظام الاجتماعي والسياسي لكن برموز ورؤوسٍ جديدة, فالتحرّر من رأس الإستبداد يستوجب التحرّر من ثقافةِ الإستبداد, ليعودَ الناسُ متساوون في الحقوق و الواجبات بغضّ النظر عن موقعهم في تراتبيّة السلطة.
أمّا الحرية بفهومِها الأعمق فلا تقومُ إلا إذا كانت بوصلتَها الأخلاق، بمعنى أدقّ، السمو بالأخلاق. يفقد النضال من أجلِ التحرّر قيمتَهُ ومشروعيّتهُ عندما يعيدُ إنتاجَ عقلية سجّانيه، علماً بأنّ المستبد سيلجأ بكلّ الوسائل إلى توريطِ مُعارضيه، إنّها طريقتهُ الوحيدة من أجل الدفاع عن نفسهِ، فهو لا يملكُ أن يحارب من يحمل قيَماً و مبادئ أخلاقية أعلى إلّا إذا جرّه إلى مستنقع الشرّ الذي يسبحُ فيه.
قادَ نلسون مانديلا نضالَ شعبهِ ضدّ التمييز العنصري لكنه بعد ربعِ قرنٍ من السجن أعلنَ وقف الكفاح المُسلّح ودخل في مفاوضات مع رئيس جنوب أفريقيا الأبيض ويليام ديكلبرك. لقد اختار مانديلا النضال من أجلِ الحرية بكل ما تقتَضيه الرحلة من آلام، وثّقها في كتابه “رحلتي الطويلة في طريق الحريّة”، ربّما مقولتَهُ الشهيرة تلخّص هذه التجربة: ” حينما خرجتُ من السجن كانت مُهمّتي هي تحرير الظالم و المظلوم، تحوّلت مهمّتي لحرية كل الناس، بيضاً و سوداً، فقد كنتُ أعلمُ أنّه لابدّ من تحرير الظالم من الكراهيةِ والتحيّز و ضيق الأفق.” الحرّ الحقيقي إذن هو من يحرّر الآخر كي يتمكّن من شقّ طريقه بقوّته وإرادته الحرّة، وليس من يقرّر عنه، أمّا مقولة “من يحرّر يقرّر” التي تداولَها السوريون إبان التحرير فهي مقولة مسطّحة و تنقض نفسها بنفسها.
تنبّأ الكاتب و الصحافي والسياسي السوري ميشيل كيلو أنّ سوريا بعد سقوط الإستبداد ستمرّ بثلاثةِ مراحل إلى أن تصل إلىَ الديمقراطية: المرحلة الأولى ستكون وطنية جامعة مهمّتها اجتثاث الاستبداد من السياسة والمجتمع والتربية والاقتصاد والنفوس، ثمّ مرحلة تنظيم المجتمع على أسس ديمقراطي، و تغيير طبيعة المؤسّسات لتعملَ بالقانون. كي نصلَ إلى النظام الديمقراطي بحسب ميشيل كيلو، نحن بحاجةٍ إلى حلّ مشكلة الطائفية، وإخراج العنف من المجال العام، و التوزيع العادل للدخل الوطني، كما أنّنا بحاجةٍ إلى لملمة مجتمع تمزّقه القوميات. لمّح ميشيل كيلو إلى الفيدرالية ولم يستبعد قيام دولة إسلامية. بحسب ميشيل كيلو، والذي هو أحد مُنظّري الثورة السورية، علينا أن نبدأ باجتثاث ثقافة الاستبداد. أعتقد أنّه التحدّي الأصعب، و ما لم نعبر هذه المرحلة بنجاح سوف نستمرّ بإنتاج أنظمة سياسية على صورة ومثال النظام الاجتماعي المُمسك بخناقِنا. لقد افترض ميشيل كيلو أنّ التغيير سيبدأ من رأس الهرم، أي السلطة الحاكمة، ليطال كافة مناحي الحياة، مُفترضاً أن من سيصل إلى الحكم في سوريا هم ثوّار أحرار، و سيوصلون سوريا إلى برّ الحرية المنشودة.

من المعروف أنّ الثورة في سوريا قامت ضدّ نظامٍ استبدّ بشعبهِ وقتله واستأثرَ بالسلطة مما جرّ البلادَ إلى بحر الدمِ والتدخلات الخارجية والفصائل الأجنبية والتقسيم لذا فإنّ التحدي الأكبر الذي يواجه السلطة القائمة اليوم هو قدرتَها على الخروجِ من وصمة الاستبداد التي تلاحق هذه البلاد، و هذا لن يتمّ إلا عندما تتحرّر من نظرتِها الأحادية للمعضلة السورية، عن طريق إشراك كافة الأطياف السورية و تبنّي وجهات النظر والمظلوميات المختلفة من أجلِ ايجاد سردية سورية تلمّ الشمل الممزّق و تعيد بناء دولة المواطنة التي تمثّل آلام وتطلّعات كل الفسيفساء السوري المتداخل والمتكامل في آن واحد معاً.

قبرص: لا مزيد من اللاجئين السوريين!

قبرص: لا مزيد من اللاجئين السوريين!

حادثة غرق جديدة تفاقم أزمة المهاجرين السوريين قبالة السواحل القبرصية. في 17 مارس/آذار 2024، انقلب قارب يقل مهاجرين، ما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل، فيما لا يزال أكثر من عشرة في عداد المفقودين. وقع الحادث على بُعد 25 ميلاً بحرياً من كابو غريكو، في منطقة بحرية ذات سيادة متنازع عليها، مما صعّب من عمليات الإنقاذ بسبب تداخل الحدود البحرية.
ليست هذه الحادثة الأولى، إذ تشهد المنطقة ارتفاعاً مقلقاً في حوادث غرق القوارب خلال الأشهر الأخيرة. ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فقد لقي ما لا يقل عن 95 شخصاً حتفهم أثناء محاولتهم عبور المتوسط منذ بداية عام 2024، مقارنة بـ150 حالة وفاة خلال عام 2023 بأكمله في نفس المنطقة.
في سياق متوتر، أعلنت قبرص تعليق قبول طلبات اللجوء للسوريين، في قرار استبَق سقوط نظام الأسد في أبريل / نيسان 2024. وعلّلت الحكومة القبرصية القرار ببلوغ أعداد اللاجئين مستويات “غير مسبوقة”، تجاوزت 4% من إجمالي السكان، ما عدّته تهديدًا للأمن القومي والضغط على الموارد.
تُظهر بيانات المفوضية الأوروبية أن قبرص استقبلت في عام 2023 أكثر من 13,000 طلب لجوء جديد، غالبيتهم من سوريا ولبنان، وهو أعلى معدل في الاتحاد الأوروبي نسبةً إلى عدد السكان. أمام هذا التدفق، أعلنت الحكومة “حالة طوارئ هجرة”، وعلّقت استقبال الطلبات الجديدة، معتبرة أن القدرة الاستيعابية للدولة بلغت حدها الأقصى.
رغم تأكيد الحكومة القبرصية التزامها بالقانون الدولي ورفضها تنفيذ عمليات إعادة قسرية، إلا أن منظمات حقوقية شكّكت في هذه الرواية. فقد أشارت تقارير متقاطعة إلى حالات أُعيدت فيها قوارب مهاجرين دون دراسة طلبات اللجوء، ما يُعد خرقاً محتملاً للاتفاقيات الدولية. وفي ردّه على هذه الاتهامات، قال نائب وزير الهجرة القبرصي، نيكولاس يوانيدس، مؤخراً: “بعض القوارب تعود بسبب سوء الأحوال الجوية أو لأنها تتجه نحو الشمال القبرصي أو اليونان، لكن لا توجد سياسة ممنهجة لإعادة المهاجرين قسراً”.

تحرّك أوروبي مبكّر
مع سقوط النظام في سوريا، تسارعت التحركات الأوروبية لإعادة تقييم سياسات اللجوء، حيث أوقفت عدة دول رئيسية، بينها ألمانيا وفرنسا واليونان والنمسا، معالجة طلبات اللجوء المقدّمة من سوريين، في خطوة تعكس توجّهاً جماعياً لإعادة النظر في تصنيف سوريا كدولة منشأ للاجئين.
أمام هذا التحول، وجد آلاف اللاجئين السوريين أنفسهم في مواجهة واقع قانوني جديد، بعد سنوات من اعتمادهم على أنظمة الحماية الأوروبية. ووفقاً لتقارير صحفية، جمّدت اليونان وحدها أكثر من 9,500 طلب لجوء، في انتظار “توضّح الصورة السياسية في سوريا”، بحسب تصريح مسؤول يوناني أشار إلى أن بلاده “كانت بوابة الدخول الرئيسية للاجئين عبر البحر، لكن الوضع تغيّر الآن”.
وتماشياً مع هذا النهج، أعلنت الدنمارك والنرويج والسويد إجراءات مماثلة، علّلتها بـ”ضبابية الوضع السياسي والأمني” في سوريا. وقررت السويد، التي كانت في 2015 من أبرز الدول المضيفة للاجئين السوريين بعد ألمانيا، تعليق برامج إعادة التوطين انتظاراً لمراجعة تقييمها للوضع الداخلي في سوريا.

تدفّق كبير نحو قبرص
مع انسداد أبواب اللجوء في أوروبا، تحوّلت قبرص إلى واحدة من آخر الملاذات المتاحة أمام السوريين الهاربين من الفوضى، لتشهد الجزيرة الصغيرة موجة متصاعدة من محاولات الوصول غير النظامي عبر البحر. وبينما أغلقت دول كألمانيا والنمسا والسويد برامجها للاجئين السوريين، وشددت اليونان وتركيا الرقابة على الحدود، لم يبقَ أمام الكثيرين سوى ركوب أمواج المتوسط نحو قبرص، عبر طرق بحرية محفوفة بالمخاطر انطلاقاً من لبنان والساحل السوري.
تشير بيانات المفوضية الأوروبية إلى أن عدد الوافدين إلى قبرص ارتفع بنسبة 60% في عام 2023 مقارنة بالعام السابق، إذ استقبلت الجزيرة أكثر من 20,000 طالب لجوء، معظمهم من السوريين. وتُظهر الإحصاءات الرسمية أن نحو 90% من القوارب التي وصلت إلى سواحل قبرص انطلقت من لبنان، في حين تم اعتراض العديد من الرحلات القادمة من الساحل السوري.
وفي ظل هذا التصاعد، حذّر الرئيس القبرصي نيكوس خريستوذوليديس من بلوغ القدرة الاستيعابية للدولة حدّها الأقصى، مؤكدًا أن اللاجئين يشكّلون أكثر من 4% من سكان البلاد، وهو ما وصفه بـ”تهديد مباشر للاستقرار الداخلي”. وقال في مقابلة صحفية: “قبرص ليست مجهّزة لتحمّل عبء بهذا الحجم. اقتصادنا محدود، وبنيتنا التحتية لا تحتمل مزيداً من التدفقات غير النظامية”.
تمويل أوروبي لاحتواء الهجرة غير النظامية
مع إغلاق مسارات اللجوء القانونية في دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، تحوّلت قبرص إلى نقطة ضغط رئيسية في ملف الهجرة غير النظامية، ما دفع بروكسل إلى تكثيف جهودها لاحتواء التدفقات، خاصة من سوريا ولبنان. في مايو/أيار 2024، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، من بيروت، عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو لدعم استقرار لبنان، في خطوة تهدف إلى منع انطلاق قوارب اللاجئين من سواحله. وقالت إن الدعم يركز على تعزيز الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، لضمان عدم اضطرار اللاجئين السوريين إلى المجازفة بأرواحهم في البحر. كما خُصص جزء من المساعدات لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، عبر توفير تجهيزات وتدريب في مجال ضبط الحدود البرية والبحرية.
وبالتوازي، رفعت المفوضية الأوروبية في يونيو 2024 ميزانية دعم دول العبور، مثل لبنان وتركيا، بنسبة 30%، لتعزيز قدراتها على الحد من الهجرة غير النظامية. وجاء ذلك متزامناً مع تكثيف التنسيق الأمني بين قبرص ولبنان، حيث أعلنت السلطات اللبنانية عن اعتراض أكثر من 15 قاربًا قبل مغادرتها في الأشهر الأولى من العام، بموجب اتفاق أمني جديد مع نيقوسيا.
الرئيس القبرصي نيكوس خريستوذوليديس، الذي شارك في مؤتمر بيروت، حذّر من أن “الوضع لم يعد مستداماً لا للبنان ولا لقبرص ولا للاتحاد الأوروبي”، داعياً إلى اتفاقات شراكة جديدة على غرار اتفاق 2016 بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الذي ربط بين ضبط الحدود وتقديم مساعدات مالية وإنسانية للدول المستقبلة.
وفي سياق متصل، أعلنت الحكومة القبرصية في نيسان / أبريل العام الماضي عن تعزيز قدرات خفر السواحل، عبر تزويده بمعدات متقدمة وتوسيع صلاحياته، ما ساهم، بحسب وزارة الداخلية، في خفض عدد الوافدين غير النظاميين بنسبة 25% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023.
يعكس هذا التصعيد الأمني تحولاً جذرياً في مقاربة الاتحاد الأوروبي للهجرة: من الاستيعاب إلى الردع. وبين سياسات الإغلاق البحري وتضييق فرص اللجوء، يجد اللاجئون السوريون أنفسهم اليوم عالقين بين البحر والحدود، في خيارات تزداد خطورة وتقلّ بها البدائل.

نشاط التهريب نحو قبرص
رغم تشديد السياسات الأوروبية وتعزيز الإجراءات الأمنية، لا تزال شبكات التهريب تمثّل الحلقة الأخطر في أزمة الهجرة غير النظامية، مستغلة يأس المهاجرين وسوء أوضاعهم الاقتصادية. كثير من السوريين الراغبين بالوصول إلى قبرص أو أوروبا يقعون ضحايا لعصابات منظمة، تَعِدهم برحلات آمنة مقابل مبالغ طائلة، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف على متن قوارب مهترئة وسط أمواج المتوسط، بلا أي ضمانة للنجاة.
بحسب المكتب الأوروبي لدعم اللجوء (EASO)، شهد عام 2023 ارتفاعًا بنسبة 40% في نشاط التهريب عبر شرق المتوسط، مع تسجيل أكثر من 500 محاولة عبور غير شرعية من لبنان وسوريا نحو قبرص وحدها. وتُظهر تقارير أمنية أن تكلفة العبور على متن قارب غير قانوني تتراوح بين 3,000 و5,000 دولار للفرد، ما يحوّل هذه الرحلات إلى تجارة رابحة لعصابات التهريب، التي تُقدَّر أرباحها بملايين الدولارات سنويًا.
في يونيو 2023، فككت السلطات القبرصية شبكة تهريب دولية ضمّت عناصر من جنسيات متعددة، كانت مسؤولة عن تنظيم أكثر من 20 رحلة غير نظامية من طرابلس اللبنانية إلى قبرص، مستخدمة قوارب صيد متهالكة. التحقيقات كشفت أن المهربين كانوا يتخلّون عن المهاجرين في عرض البحر فور اقتراب خفر السواحل، ما تسبّب بسلسلة من حوادث الغرق خلال الأشهر التالية.
وفي حادث مأساوي في يناير 2024، أجبر مهرّبون لبنانيون مجموعة من المهاجرين السوريين على القفز في البحر بعد تعطل قاربهم، مطالبين إياهم بالسباحة نحو الشاطئ القبرصي رغم عدم إجادة بعضهم للسباحة. لقي ستة أشخاص مصرعهم بعد أن ظلوا عالقين في المياه لأكثر من عشر ساعات قبل وصول فرق الإنقاذ. هذه الواقعة لم تكن استثناءً، بل جزءًا من أساليب متكررة تعتمدها شبكات التهريب: التخلي المتعمّد عن المهاجرين في المياه الدولية، أو استخدام قوارب صغيرة متعددة الرحلات لتفادي الرقابة البحرية.
استغلال ممنهج للخوف
لم يعد البحر الوسيلة الوحيدة التي يستغلها المهربون، فقد لجأوا إلى طرق تهريب أخرى، مثل إخفاء المهاجرين داخل شاحنات البضائع كما حدث في فبراير 2024 عندما ضبطت السلطات القبرصية مجموعة من اللاجئين السوريين مختبئين في شاحنة تبريد متجهة إلى ميناء ليماسول، في محاولة لتهريبهم إلى اليونان. في مارس 2024، ألقت الشرطة القبرصية القبض على سبعة مهاجرين في مطار لارنكا، كانوا يحاولون السفر إلى فرنسا باستخدام جوازات سفر يونانية مزورة، بعد أن دفعوا آلاف الدولارات لعصابات التهريب التي تروج لهذه الوثائق المزورة كوسيلة مضمونة للوصول إلى أوروبا.
الأخطر من ذلك هو استغلال الأطفال القُصَّر في عمليات التهريب، حيث رصدت السلطات القبرصية محاولات تهريب متكررة لأطفال دون ذويهم، بهدف استخدامهم لاحقاً كأداة للحصول على طلبات لجوء عائلية في أوروبا. هذا النوع من الاستغلال يعكس مدى وحشية المهربين الذين لا يترددون في تعريض الفئات الأكثر ضعفاً للخطر.
مع إغلاق الحدود الأوروبية وتشديد القيود على منح اللجوء، باتت هذه العصابات أكثر نشاطاً، حيث تلجأ إلى أساليب جديدة وأكثر تعقيداً لتجاوز المراقبة الأمنية. وفقاً للمحققين الأوروبيين، بدأت بعض الشبكات باستخدام نظام الرحلات متعددة المراحل، حيث يتم نقل المهاجرين أولاً إلى جزر صغيرة قرب قبرص قبل تهريبهم لاحقاً إلى البر الرئيسي عبر مجموعات صغيرة متفرقة، لتجنب اكتشافهم من قبل خفر السواحل.
في ظل هذا التصعيد، تجد الحكومات الأوروبية نفسها أمام معضلة مزدوجة، فمن جهة، هناك ضرورة لوقف تدفق الهجرة غير الشرعية، ومن جهة أخرى، تتزايد الضغوط الحقوقية على الاتحاد الأوروبي لضمان عدم انتهاك حقوق اللاجئين الذين يقعون ضحايا لهذه الشبكات. لكن مع إغلاق الخيارات القانونية أمام اللاجئين، تبقى المشكلة الحقيقية أن المهربين هم الجهة الوحيدة التي تفتح لهم الأبواب، ولو إلى الموت في البحر.
في ظل تصاعد أزمة الهجرة، تؤكد الحكومة القبرصية التزامها بالقانون الدولي والتشريعات الأوروبية، مشددة على أن سياساتها تهدف إلى إدارة الحدود بفعالية وليس إلى إعادة المهاجرين قسراً. ورداً على الانتقادات، صرح نائب وزير الهجرة القبرصي، نيكولاس يوانيدس: “التعامل مع ملف الهجرة يجب أن يكون مبنياً على الوقائع وليس على الادعاءات. بعض المنظمات تتحدث عن عمليات إعادة قسرية، لكنها لا تمتلك أدلة قاطعة”.
ورغم هذه التطمينات، تواجه قبرص ضغوطاً متزايدة مع ارتفاع عدد محاولات العبور غير النظامية. ووفقًا لتقرير أمني حكومي صدر في فبراير 2024، فإن التشديدات الأخيرة ساهمت في تقليل عدد القوارب الوافدة بنسبة 25% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، حيث تم تشديد إجراءات التدقيق على القوارب القادمة من لبنان وسوريا، مع إلزام السفن بالإبلاغ عن أي حالات مشبوهة.
بالتعاون مع وكالة فرونتكس الأوروبية، عززت قبرص مراقبة سواحلها، كما وقّعت اتفاقيات أمنية مع اليونان وإيطاليا في مارس 2024 لتعزيز تبادل المعلومات حول شبكات التهريب البحرية، ما أدى إلى إحباط عدة محاولات تهريب خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام. وفي أبريل 2024، تم نشر فرق إضافية من فرونتكس في البحر المتوسط لمساعدة قبرص في اعتراض القوارب قبل دخولها المياه الإقليمية.
ومع هذه الإجراءات، يجد المهاجرون أنفسهم أمام خيارات صعبة بين خطر العودة، أو المخاطرة بحياتهم في البحر، أو مواجهة القيود الأوروبية المتزايدة. لكن قبرص ترى في هذه السياسات ضرورة لحماية حدودها ومنع استغلال الجزيرة كمحطة عبور نحو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وإلى جانب تشديد السياسات الأوروبية تجاه الهجرة غير الشرعية، لم يعد اللجوء السوري يحظى بالأولوية كما في السابق. دول مثل ألمانيا وفرنسا واليونان والنمسا علّقت دراسة طلبات اللجوء، فيما فرضت السويد والدنمارك قيوداً إضافية، بينما تعمل لبنان وتركيا على الحد من تدفق المهاجرين.
أصبحت قبرص نقطة ضغط رئيسية، متوازنة بين الالتزامات القانونية والضغوط الأمنية. مصادر حكومية خاصة أكدت لموقع صالون سوريا أن نيقوسيا لن تتهاون في ضبط الهجرة غير الشرعية، معتبرةً أن استمرار التدفقات بات يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي. ومع تعزيز التعاون مع فرونتكس وتشديد الرقابة البحرية، يبدو أن قبرص تتبنى نهجًا أكثر صرامة لمنع استغلال الجزيرة كنقطة عبور إلى أوروبا.
بالنسبة للمهاجرين، لم يعد البحر مجرد طريق للخلاص، بل بات ساحة مفتوحة للمخاطر والاستغلال. بين شبكات التهريب التي تستغل يأسهم، والسياسات الأوروبية التي تغلق أمامهم الأبواب، يجد اللاجئون السوريون أنفسهم أمام خيارات محدودة وخيارات أكثر خطورة.
إلى أين ستقود هذه السياسات مستقبل اللاجئين؟ وهل ستتمكن أوروبا من تحقيق التوازن بين الأمن والالتزامات الإنسانية، أم أن البحر سيظل الحل الأخير والمحفوف بالمخاطر؟

اختبار التفاهم القبرصيّ السوريّ

اختبار التفاهم القبرصيّ السوريّ

تشهد قبرص لحظة فارقة في سياستها الإقليمية، في وقت تشتد فيه التغيرات حول المتوسط وتترنّح فيه التوازنات القديمة. من السواحل السورية التي تُطل عليها نيقوسيا عن قرب، تنطلق قوارب الهاربين من الخوف والمستقبل المجهول، ومن أعماق البحر تظهر مؤشرات توتر جديدة تتعلق بالحدود البحرية، ومشاريع الطاقة، ومراكز النفوذ الإقليمي. كل هذا يحدث بينما تتحرك أوروبا نحو إعادة تعريف أمنها وحدودها، وتراجع الولايات المتحدة دورها التقليدي ضمن الناتو، تاركة فراغاً تسعى قوى إقليمية لملئه بسرعة في الشرق الأوسط، وعلى رأسها تركيا والاتحاد الأوروبي.

لم تعد العلاقة بين قبرص وسورية مجرد مسألة دبلوماسية رمادية تُدار بهدوء خلف الأبواب، بل تحوّلت إلى ملف يتقاطع فيه الأمن والهجرة والسيادة البحرية، ويرتبط مباشرة بمستقبل الجزيرة نفسها. حين زار وزير الخارجية القبرصي، كوستانتينوس كومبوس، دمشق في شباط 2025، لم يكن يحمل رسالة بروتوكولية فقط، بل خطة مبدئية لإعادة وصل ما انقطع، بحثاً عن صيغة جديدة للتعاون وسط واقع متحرك ومعقّد.

في لقاءاته مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني، طُرحت ملفات حساسة تتعلق بإعادة الإعمار، والبنية التحتية، والاتصالات، وربط دمشق مجدداً بشبكات إقليمية أكثر استقراراً. وتم التحرك على مستوى الاتصالات مؤخراً، حيث طلبت وزارة الاتصالات السورية التعاون من سفير قبرص في دمشق، ميخائيل حجكيرو، لتحديث الربط الضوئي وتوسيع الحزمة الدولية، لمواكبة التطورات وتحسين واقع الاتصالات في سورية. 

شهد الحراك القبرصي تجاه سورية تزامناً لافتاً مع إشارات أوروبية أولية نحو تخفيف بعض العقوبات المفروضة على دمشق، ضمن نطاق محدود ومشروط، شمل القطاعات الإنسانية والتقنية. في الوقت ذاته، برزت في واشنطن مواقف جديدة توحي بإمكانية مراجعة تدريجية للعقوبات الأميركية، إذا ظهرت بوادر إصلاح سياسي ملموس داخل سورية. هذه التطورات، التي جاءت بالتوازي مع اجتماع رقمي ضم رؤساء فرنسا ولبنان وقبرص وسورية، فتحت أمام نيقوسيا نافذة سياسية نادرة لإعادة تعريف موقعها الإقليمي، واستثمار اللحظة لإرساء دور فعّال في مرحلة إعادة ترتيب توازنات شرق المتوسط.

ورغم أن الشراكة الاقتصادية تبدو في صدارة أولويات قبرص في علاقتها مع دمشق، إلا أن البُعد السياسي والأمني يظل جزءاً لا يتجزأ من نظرة نيقوسيا إلى الملف السوري. انسحاب إيران من الساحة السورية، ومحاولات إعادة توزيع النفوذ بين القوى الإقليمية، فتحا المجال أمام قبرص لتطرح نفسها كحلقة وصل محتملة بين سورية والاتحاد الأوروبي، ضمن مناخ جديد يُعاد فيه تشكيل التوازنات. لكن هذه الفرصة مشروطة بتعقيدات متزايدة، أبرزها ما يجري في البحر المتوسط، حيث يتحول الفاصل البحري بين قبرص وسورية إلى مساحة مفتوحة للتنافس الإقليمي. الاتفاقات البحرية التي تُناقش بين أنقرة ودمشق تثير قلقاً متصاعداً في نيقوسيا وأثينا، وتمتد أصداؤها إلى عمق القرار الأوروبي، ليس فقط بسبب احتمال رسم حدود بحرية جديدة دون تنسيق، بل لما تعكسه من تصاعد الحضور التركي في المشهد السوري، سياسياً وجغرافياً واقتصادياً.

الوجود التركي في الشمال السوري لم يعد مجرّد تدخل عسكري محدود بذريعة التصدي للكيانات الكردية التي تصنّفها أنقرة كـ”إرهابية”، بل بات أشبه بإعادة تشكيل ميداني متدرّج لواقع سياسي وإداري جديد. القواعد العسكرية تتكاثر، والإدارات المحلية تتماسك، فيما تنتشر المؤسسات الخدمية والتعليمية على نحو يعيد ترتيب البنى والانتماءات في تلك المناطق. في المقابل، يشهد الجنوب السوري حالة مختلفة من التمدد، لا تقل خطورة. هناك، توسّع إسرائيل رقعة نفوذها عبر أدوات غير عسكرية، من خلال عمليات مسح أمني ناعم، وعروض للمساعدات الطبية والدعم الإنساني، في مشهد يوحي بتثبيت حضور طويل الأمد بأدوات ناعمة هذه المرة.

هذا النوع من التدخل المزدوج، شمالاً وجنوباً، يعيد إلى الأذهان في نيقوسيا تجربة عام 1974، حين فُرض واقع انقسامي في قبرص عبر سيطرة تركية غير معلنة، أخذت شكل إدارات محلية واجهية. ويشير خبراء أمنيون قبارصة إلى أن ما يحدث اليوم في سورية يحمل ملامح مشابهة، ما يجعل الملف السوري في صميم الحسابات القبرصية، ويُضاعف من يقظة نيقوسيا تجاه أي تغيّر يمس سيادة الدول أو يعيد رسم خرائط النفوذ والديموغرافيا في الإقليم.

وفي مقابل هذا الامتداد التركي والتوغل الاسرائيلي، تحاول قبرص أن تُفعّل أدواتها المتاحة. موقعها الجغرافي يمنحها فرصة لعب دور وسيط إقليمي، لا سيما أنه بات يُنظر إليها من قبل الأوروبيين كقاعدة للمراقبة وجسر للطاقة ونقطة ارتكاز بين ثلاث قارات. في ظل هذا الإدراك الجديد، بدأت نيقوسيا تفكّر بصوت عالٍ: كيف يمكن تحويل هذا الموقع إلى أداة تأثير؟ كيف يمكن ربط البحر بالتعاون لا بالصراع؟ وهل يمكن تأسيس شراكة مع سورية، لا تعادي الموقف الأوروبي والجيران، بل تُكمل مساراته عبر أدوات عملية أكثر مرونة؟

أحد الأبواب المطروحة يتمثل في تعزيز التعاون الاقتصادي والتقني بين نيقوسيا ودمشق، انطلاقاً من البنية التحتية وقطاع الاتصالات، وهي مجالات لا تخضع مباشرة للعقوبات، ويمكن من خلالها بناء ثقة ميدانية. كما يمكن دفع رجال أعمال قبارصة إلى استكشاف فرص ما بعد الحرب، في إطار قانوني يراعي الالتزامات الأوروبية والأمريكية لكنه لا يعطّل المبادرة.

في الوقت ذاته، تحتاج قبرص إلى أن تخرج من مربع ردّ الفعل في ملف ترسيم الحدود البحرية، وتتقدم بمبادرة تفاوضية شاملة تشملها مع تركيا وسورية واليونان وربما مصر، تحت إشراف أوروبي، لإعادة تنظيم المصالح البحرية في شرق المتوسط. هذه المبادرة يجب ألا تقتصر على منع التصعيد، بل أن تبني مشاريع مشتركة في الطاقة والبنية التحتية، وتحوّل البحر من ساحة مواجهة إلى ممرّ مصالح متبادلة وقد تكون باريس عرّابة هذه الخطوة كما شهدنا في اتصال الأوروبيين مع الرئيس الشرع وبحضور الرئيس اللبناني من خلال الاجتماع الرقمي عبر الفيديو.

إن المراهنة على الجمود أو الحذر الزائد، في لحظة تعيد فيها دول المنطقة رسم خرائطها، قد لا يفضي سوى إلى العزلة. ما يجري في طرطوس من انطلاق قوارب اللاجئين، وما يُبنى في جرابلس أو تدمر أو ريف حمص من قواعد “دفاع مشترك” مع تركيا، وما يُتداول في أنقرة ودمشق من تفاهمات بحرية، وما تقوم به إسرائيل من مسح أمني جنوباً.. كلها إشارات إلى أن الأمور تتحرك بسرعة، وأن من لا يواكبها بخطط واقعية سيتحوّل إلى مجرّد مراقب بلا أثر.

لذلك، من المفيد أن يفكر صناع القرار في نيقوسيا ببعد استباقي، لا يتأخر في انتظار التحولات بل يشارك في صنعها. قبرص تمتلك شبكة علاقات أوروبية، وموقعاً استراتيجياً، ومرونة دبلوماسية، وكلها عناصر يمكن أن تُستخدم لصياغة تفاهمات جديدة أكثر عدلاً واستقراراً.

أما في دمشق، فإن التعامل مع قبرص بوصفها شريكاً لا تابعاً، وفتح قنوات صريحة حول الملفات البحرية والأمنية، قد يمنح الحكومة السورية فرصة لإعادة التموضع الإقليمي من موقع الفاعل لا المتلقّي. فكلما ازدادت القوى المتوسطة بين سورية وأوروبا، كلما تقلّصت الحاجة للوصايات الدولية أو المحاور المغلقة.

المتوسط يُعاد تشكيله اليوم، فيما تقف قبرص وسورية أمام اختبار تفاهم يتجاوز خطوط المياه، ليطال التاريخ والجغرافيا ومستقبل المنطقة. هذا التفاهم، إن لم يُبنَ على قاعدة من المصالح المتبادلة والاحترام المتوازن، فستكون الفوضى المقبلة شاملة، وقد تغرق القوارب مهما اختلفت دوافع ركابها قبل أن تلامس ضفة الأمان.

في الخلفية، تتصاعد موجات اليمين المتطرف، وتتشدد السياسات الأوروبية في وجه الهجرة، بينما تتفاقم الضغوط الاقتصادية، ما يجعل الملف السوري في قلب المأساة. وسط هذا المشهد، تتحرّك عواصم كبرى كباريس وبرلين نحو مقاربات أكثر واقعية تجاه دمشق، بينما تبدأ نيقوسيا، بحذر محسوب، اختبار مرونتها الخاصة في مواجهة ما هو آت.

ظاهرة التكويع السورية على مستوى الأفراد والمنظمات

ظاهرة التكويع السورية على مستوى الأفراد والمنظمات

بعد سقوط الأسد المفاجئ عم ابتهاج لدى غالبية الشارع السوري بكافة أطيافه، حتى لدى من عرف بالموالاة وبعضهم ممن كان يعلن تأييده الكامل للنظام، ولهذا سرعان ما بدأ جرد حسابٍ للمواقف خلال أربعة عشر عاماً من الحرب السورية. وانبرى من يود سلب ليس المؤيدين فقط محاولة التعبير عن فرحهم، بل حتى كل من بقي بالبلاد أو لم يتعرض لأذى النظام ومن صمت عن المقتلة السورية معتبرين ذلك تغيير مواقف، متناسين الأسباب التي تركت الناس بين سندان النظام ومطرقة بطشه، وأن صمت الكثيرين تحت سقف النظام كان دافعه الأول الخوف من بطش النظام الأسدي الذي أدرك الجميع وحشية منظومته الأمنية بعد فتح السجون.

 وظهر حس السخرية من المؤيدين وخاصة الشخصيات العامة من فنانين ورموز عرفت بتأييدها الكامل للنظام المخلوع في مصطلح التكويع، وهو لفظ عامي يعني تغيير الموقف والالتفاف 180 درجة لتغيير جهة السير عند حدوث طارئ.

تأذى من ذلك كثيرون ممن فرحوا حقاً بسقوط النظام وكانوا قد وصلوا إلى أوج المعاناة الاقتصادية وبدأوا بالتململ منذ فترة ليست بالقليلة قبل سقوطه، ولا يحق لأحد أن يتجاهل كثيراً من الأسر التي باعت منازلها لتستطيع تهريب أولادها إلى خارج البلاد هرباً من خدمة العلم التي صارت كابوساً. ومع سحب حق إشهار المواقف ضد النظام بعد سقوطه في عبارة لازمة: “وين كنتو في السنوات الأربع عشر الماضية حين كان الأسد يقتلنا”، كان من الطبيعي أيضاً أن تتوقف الأنظار عند تناسي مواقف أشخاص كانوا داعمين للنظام، بل في مكنته العسكرية وقبول وجودهم مجدداً، وظهورهم العلني إلى جانب شخصيات في الإدارة السياسية وفي نشاطاتها دون خجل. 

ويبدو أن هذا التكويع صار أسلوباً سورياً، فمن الملفت للانتباه اليوم بعد ما جرى في الساحل السوري أن كثيراً من الشخصيات في المقلب الآخر موجودة في أوربا بدأت تمارس نفس السلوك، إذ بعد أن كانت تمارس الخطاب الطائفي والتجييش والحض على القتل والانتقام حتى وصل بها الأمر إلى حد التفاخر بالإبادة للطائفة العلوية، والتحريض عليها علناً دون خجل، ظهرت بعد أيام متباكية ومعتذرة بعد أن اكتشفت أن الدول الأوربية لا ترضى بهذا السلوك وتعتبر ذلك خطراً على أمنها و فعلاً بدأت بملاحقة من يثبت أنه يفعل ذلك لإعادته إلى بلاده.

ما الذي يجعل السوريين على مفترق طرق:

إن صمت الحكومة والإدارة السياسية الجديدة عن محاكمة ومحاسبة رموز وداعمي النظام القديم ترك للشارع الشعبي مهمة منح الانتماء الوطني للبعض وسحبه من الآخر حسب رؤية متحركة وليست ثابتة إذ هي عرضة للمزاج والمنظور الشخصي والطائفي ولا يحكمها القانون. ولعل هذا تبدى للبعض على أنه حالة ديموقراطية في التعبير، ولكنه في الحقيقة لا يتماشى مع سلوك الدولة التي عليها أن ترعى عقداً اجتماعياً يصون ويحمي المجتمع والحقوق على قدم المساواة والعدالة مع جميع المكونات. ولهذا كان شعار العدالة الانتقالية ملحاً لإنقاذ الشارع السوري من الانقسام والتردي في مهاوي التخوين والإقصاء.   

والجدير بالذكر أن سكان حي التضامن خرجوا في تظاهرة رافضة لظهور المسؤول عن مرتكبي مجزرة التضامن مع مسؤولين من الإدارة الجديدة في الحي وأصدرت مجموعة السلم الأهلي بياناً ضد ذلك.

هذا الانقسام بالشارع السوري كان سببه تأخر القضاء عن القيام بمهمته في تحقيق العدالة الانتقالية التي كانت ستكون فيصلاً في وضع الإدارة الجديدة أمام مسؤولياتها في المجتمع الجديد، وسحب شهادات الانتماء للوطن من يد جهة معين منه.   

 أما عن ظاهرة التكويع الجديدة الحاصلة بين المحرضين على الكراهية كما وصفتهم الدول الأوربية، فهي تعكس ما وقع فيه الشباب المهاجر من انغماس شديد بالفكر المتطرف الإقصائي والحقد الطائفي الكبير، والقدرة على تسويغ العنف بمبرر ديني وإلهي. لا نختلف أن النظام السابق زرع الحقد الطائفي ليحافظ على بقائه لكن التطرف استلمه ورعاه واستثمره في نهجه ومشروعه على مدى السنوات الأربعة عشر السابقة وذهب به نحو تشويه حقيقة الصراع بين السلطة والشعب إلى صراع بين طائفتين. ورغم حجم الدعاية للتطرف الديني الكبير في الخارج، لم تقم أوربا بمحاصرة هذا الفكر إلا في الإطار الذي يخدم مصالحها فهي تخاف على نفسها منه ومن العمليات التي يقوم بها من حين لآخر لكنها حريصة على تصديره إلى بلدان العالم الثالث حين تود توظيفه في سياستها.

 تتفق نسبة عالية من السوريين على أن هذا الفكر الحاقد غريب عليها وأنهم يميلون للتعايش إلا أن قمع السلطة التي احتمت بالطائفة العلوية جعل الطرف الآخر يميل للاحتماء بالفكر الديني الذي يتراوح بين الاعتدال وبين التطرف. وكما قال المفكر محمد كامل الخطيب إن الإنسان عند فقدانه الانتماء للمواطنة سيلجأ للانتماء الذي يحقق له الأمان من انتماء طائفي أوديني أو قبائلي أو عائلي لأن هذا يحقق له الأمان في ظل غياب الانتماء للوطن وغياب المنظمات والأحزاب السياسية التي تهتدي بفكر سياسي يقوم بوضع هدف للنضال والسعي إليه.

منظمات مدنية تحض على الكراهية و العنف والتجييش الطائفي :

 لم يقتصر التشوه على الحياة السياسية ومستوى الأفراد، بل تعدى ذلك إلى المنظمات المدنية التي عليها أن تكون حيادية وتحافظ على دورها الإنساني وأهدافها التي ترعاها منظمات عالمية وتقرها حقوق الإنسان.

 ظهر منذ فترة فيديو لفريق يدعى عبق يعمل في منطقة الباب وريف حلب يقوم بتوزيع وجبة إفطار على الناس المارين في الشوارع، كتب على أكياس الوجبة عبارات طائفية وتحض على العنف.

 وبعد أن تمت إدانة ذلك بشدة من قبل صفحات التواصل الاجتماعي قدم الفريق اعتذارين متتاليين عن فعلته، ثم قيل إنه تم إيقاف عمل الفريق ونشر نبأ اعتقال أفراد منه ليظهر مرة أخرى في صورة متداولة تحت عبارة ساخرة من نبأ الاعتقال.

  ليس هذا بالتحديد ما يثير الاستنكار لدى المتابعين، بل لأن سخرية الفريق من نبأ اعتقاله لا تعني فقط الاستمرار بالنهج والقناعة بهذا الفكر بل هو أيضاً شبه تنصل من الاعتذارين وعدم اعتراف بالخطأ الذي تم ارتكابه بل وتحدي للرأي العام.

كانت عملية سقوط النظام السوري مدوية وكاملة كبنيان سياسي لكن متى يسقط بناء التعصب والإقصاء الذي غرسه أولاً النظام داخل الأفراد وأفرزته سنوات الحرب منذ اندلاع الثورة مع كل معاناة الناس الممتدة عبر هذه السنين، وهل ستقوم السلطة الجديدة بما يخفف الاحتقان خاصة بعد الإبادة الجماعية التي جرت في الساحل السوري على خلفية تأجيج الوضع الأمني من قبل شرذمة فتيحة وأعوانه. هل ستكون لدينا سلطة تتجه نحو بناء الدولة التي تحقق أماني كافة أفراد المجتمع؟