“الميت لا يجر ميتاً”: عن تباين مواقف السوريين والسوريات من حرب غزة

“الميت لا يجر ميتاً”: عن تباين مواقف السوريين والسوريات من حرب غزة

يعرف السوريون\ات الحرب جيداً، اختبروها بكل عنفها، واختبروا كل أشكال القتل والتغييب والتدمير والجوع والنزوح واللجوء والموت داخل سوريا وخارجها. ماتوا على الحدود وفي البحر وفي بلدان الشتات الممتد. يعرف السوريون فلسطين جيداً، يعرفون شعبها ومعنى الحروب الطويلة والإصرار على حق البقاء أحياء على أراضيهم والتمسك بحق العودة.

ولكن معرفة الحرب لاتكفي للجمها. وإن كان لدماء الضحايا وخاصة المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ وعجزة قول بليغ وصريح دونما إفصاح: “يجب وقف هذه الحرب وفوراً.”

يمكن القول إنه ثمة تبدل شبه عام وخاصة في سورية في الموقف من الحروب، لم تعد الغالبية تراها حلاً ولا وسيلة لتثبيت الحقوق أو استعادتها، ومن كان يخاف متردداً في إعلان مسؤولية مشرعي القتل والتدمير عن دم الضحايا، بات يعلن موقفه بعالي الصوت، وإن شابَ ذلك بعض التردد خشية ردات فعل أولي الأمر.

ترددت عائشة في إعلان رفضها لحماس مع أنها افتتنت بطريقة الاختراق الفلسطيني، كان ثمة إبهار ينتصر لإرث طويل من الظلم والتمييز وهضم الحقوق الأساسية ونكرانها. يحيا السوريون كما جلّ أبناء منطقتهم في خضم هزائم داخلية وإقليمية. لا يملكون قرار الحرب ولا قرار السلم، ويعيشون في مواجهة ركون وصمت ممتد وضعيف، صمت مرتهن للأقوى ومتلاعب به.

 تخاف عائشة إعلان موقفها في بيئتها الضيقة لأنهم سيخونونها، سيعدونها ضد القضية الفلسطينية وضد أشقائها الفلسطينيين. حاولت أن تطرح وبشكل موارب فكرة الحوار، فكرة أننا تعبنا من حرب الاستنزاف الطويلة والتي تُقدم كمبررات لترك بلادنا ساحة حرب مستمرة، لكنها فشلت، لم تجدِ نفعاً كل محاولاتها لفصل حق المدنيين بالحياة والحماية عن التحكم بقرار المدنيين ومصادرته ضمناً وعلناً تحت شعارات كرهتها الشعوب وتحاول الهرب منها. لكن لا فكاك أبداً، كل طرف يعتبر المدنيين ملعبه، مساحة لصراعاته، ومداً بشرياً يحق له التصرف به، بل وإهداره، تصرخ عائشة لقد دفعنا طويلاً أثمان حروب بالوكالة يراق فيها دمنا وتهدر حيواتنا.

في الحقيقة يبدو أن اختلاف المواقف لم يكن يخص الموقف من الضحايا المدنيين أبداً، فالمواقف هنا حاسمة ضد الحرب وضد المعتدين وضد كل أشكال وأدوات القتل الهمجية والمنفلتة من كل الضوابط الإنسانية والأخلاقية، مواقف متضامنة مع المدنيين العزل حتى درجة التشارك في ذات السردية. يعرف السوريون\ات جيداً معنى هدم البيوت والنزوح واللجوء إلى المدارس والجوامع والشوارع، تقول سوسن: “عندما أرى الصور أستعيد رائحة البارود وغبار الهدم وتداهمني شراسة الخوف من كل شيء، لا شيء مجهول في ظل تغول مرعب يهدف إلى الإبادة دون أي رادع أو تردد أو التزام. لكن الرعب متجدد والموت عام مع أنه متعدد ومتنوع الأشكال.” وأضافت سوسن بأنها لم تعد قادرة على النوم منذ السابع من أكتوبر، خاصة بعد حادثة خسارة المراسل الصحفي وائل الدحدوح لأفراد من عائلته حيث لجأوا لأماكن وصفت بأنها آمنة، حادثة مأساوية ومثلها الكثير من الحوادث التي حفرت عميقاً في وجدان السوريين والسوريات وحرمتهم من النوم ومن راحة البال أيضاً، في ظل احتمالات حرب مفتوحة قد تطال سوريا أيضاً، لم يعد أحد قادراً على تقبل الحرب ولا استعادة أحداثها وتفاصيلها.

يرفض السوريون والسوريات الحرب وأي امتداد لها، لا قدرة  لهم على تحمّل خسارات مرهونة ومفروضة من قبل الأقوى.

يصرخ السوريون\ات “لماذا تركت أهل غزة وحدهم يا الله!” وهم يعلمون أن الخسارات المتعاظمة والواسعة لن تغير الصورة العامة للمشهد الدامي ولا الوقع القاسي والتمييزي الظالم في أصله، بل ستترك ندباً غائرة لمئات السنين القادمة. بات الجميع يخاف من شدة العنف المتصاعد والمتسلسل والقاتل لأي أمل بالسلام والعيش الكريم والحفاظ على الحقوق وخاصة الحق بالحياة.

من جهتها، سخرت نهاد بمرارة فائقة من بعض الدعوات التي وجهت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لفتح معبر رفح لإجلاء الأجانب والجرحى والمرضى، أو لتأمين خط إنترنيت خاص لغزة لمتابعة ما يجري عن كثب ولإيصال الحقائق وعدم ترك أهل غزة في العتمة والصمت المطبق. يعرف الجميع أن النداءات الشعبية في بلاد لا يتم فيها احترام رأي شعوبها لن تصل أسماع أحد. لن يسمع أحد من المتنفذين أوأصحاب القرار أو المسؤولين أو القتلة، أصوات التضامن والمتضامنين في بلاد تسودها تقاليد ثابتة ومبرمة في إسكات كافة الأصوات المناهضة لتغول طرف ضد طرف أو للمطالبة بالحقوق المشروعة.

ثمة سبب آخر لاستنكاف السوريين والسوريات عن إعلان التضامن، رغم كل الخيبة والصدمة التي ألمت بهم من هول ما يحدث لأشقائهم وخاصة المدنيين العزّل، هم متعبون جداً، يتجلى نضالهم الحقيقي على أفران الخبز وفي الأسواق لتأمين الحد الأدنى من العيش وفي الشوارع البائسة بانتظار وسائل نقل لن تأتي أبداً، وإن وصلت ستصل بأسوأ حال وأرذل شكل. تقول لينا: “الميت لا يجر ميتاً، ونحن موتى على قيد الحياة، لابل يترجى بعض السوريين الموت باعتباره حسن الخاتمة والمنفذ الوحيد للراحة الأبدية والخلاص النهائي من ظلمة العيش وقساوته وانغلاق كل أبواب الانفراج.”

الدم ليس وجهة نظر، والسوريون والسوريات مجروحو الكرامة، لم يتضامن معهم أحد في موتهم، تركوا لوحدهم وفقدوا كل أشكال التضامن، ضاعت خارطة التضامن. من الصعب جداً أن ينسى الغرقى تنكر الآخرين لهم، وفاقد التضامن لا يعطيه ويعجز عن التضامن مع سواه.

يمكن اعتبار تغيّر مواقف السوريين والسوريات وتباين ردود أفعالهم محصلة طبيعية لسلسلة كاملة من التهميش والانزواء عن الشأن العام. الدم ليس وجهة نظر مطلقاً، لكن الموتى لا يمكنهم نقل الموتى الآخرين إلى المقابر. بلاد تحولت إلى قبر كبير، بلاد الأكفان أوطاني، وأهل غزة يُبادون بتعنت وهمجية غير مسبوقة يتحمل مسؤوليتها الجميع، والنأي بالنفس عن الإدانة مجزرة جديدة ومستمرة، وأشد أنواع القتل فتكاً هو الصمت، ومن يملك المقدرة على الفكاك من وصمة وعقدة الصمت قد يكون هو الناجي الوحيد.

شوايا سوريا

شوايا سوريا

تسكن مجموعة من القبائل العربية منطقة حوض الفرات والجزيرة السورية، إضافة لريف حلب الشرقي، وإدلب الجنوبي الشرقي، وشرق حماه وحمص، وهي قبائل لها امتدادها البشري نحو العراق وتركيا والأردن، وصولاً لدول الخليج. ورغم هذا الانتشار إلا أن سكان مناطق شمال شرق سورية فقط هم من يُعرفون باسم الـ “شوايا”، دوناً عن سواهم من بقية القبائل والعشائر العربية.

ويطلق على السوريين/ات من قبائل مثل “الجبور – العكيدات – البكارة”، مسمى الشوايا في حين أن أبناء/بنات هذه العشائر في العراق لم يُعرفوا بهذا المسمى قبلاً، وقليل منهم من يتداوله.

فاسم “شوايا” ليس له دلالة انتماء عرقي، أو ديني..

ابن خلدون.. أممية التوصيف

يقول ابن خلدون في مقدمته “ومن كان معاشه في السائمة مثل الغنم والبقر فهم ظعن في الأغلب لارتياد المسارح والمياه لحيواناتهم، فالتقلب في الأرض أصلح بهم، ويسمون شاوية، ومعناه القائمون على الشاه والبقر، ولا يبعدون في القفر لفقدان المسارح الطيبة”، ويمايز ابن خالدون “الشوايا” هم عن البدو بكونهم يعملون في تربية الإبل.

وقد راح البعض وبنتيجة لمقدمة ابن خلدون لاعتبار كل سكان المناطق القريبة من الأنهار والذين يعملون بتربية الأغنام بـ “الشوايا”، وبتخصيص سورية أطلق المسمى على كل سكان حوض الفرات من جرابلس عند الحدود التركية وحتى البوكمال على الحدود العراقية، لكن هذا يتناقض وواقع الحال عند كل من البدو والشوايا، فالبدو ومنذ بداية حياتهم القائمة على الترحال بحثاً عن المراعي، يربّون الشياه (الأغنام والماعز)، وهم وإن كانوا يربّون قطعان من الجِمال والخيل العربي، فإنهم لم يستغنوا أبداً عن تربية الأغنام حتى يومنا هذا، كما أن سكان المناطق القريبة من الأنهار لم يكتفوا بتربية الأغنام، فهم يمتلكون قطعاناً من الجمال والخيل العربية أيضاً حتى الآن، ما يعني أن التسمية وفق ما ذكره ابن خلدون مايزت بين الفريقين لكثرة ما يربّوه وليس من باب الانفراد، وعليه هي ليست تسمية جامعة أو ملائمة للواقع المعاش في يومنا هذا.

إن فرضية ابن خلدون وفقاً لتوصيفه إن صحّ، يجب أن تكون شاملة لكل العرب، فسكان الريف المغاربي الذين يعملون بتربية المواشي، سيكونون مثل أقرانهم في اليمن والجزيرة العربية والعراق “شوايا”، وعليه فإن ما عناه مؤسس علم الاجتماع يمكن أن يطبّق على سكان أحواض الأنهار في الصين والهند وأمريكا اللاتينية، ولا ينحصر في المنطقة العربية، وبالتالي لن يكون الاسم مختصاً بشريحة مجتمعية تسكن شمال شرق سورية، وعليه فإن الاستناد لمقدمة ابن خلدون في التسمية التي تختص بالقبائل السورية ليست مسألة دقيقة.

المرجع الأقدم

تقول بعض المصادر التاريخية أن المسمى ظهر أول مرة في اللغتين الآشورية والسريانية القديمتين، إذ كان سكان الممالك القديمة يطلقون على سكان حوض الفرات لفظ “شاويو”، ومعناه “الكريم والمضياف”، لكن حصر ربط صفة الكرم بشريحة من القبائل العربية سينسف مضرب المثل العربي في الكرم في حكاية “حاتم الطائي”، الذي كان بدوياً وتحولت قبيلته “طيء”، بجزء كبير منها إلى الحالة المدنية حينما أصبح غالبيتها من الحضر الذين سكنوا القرى والمدن الكبرى (أكبر انتشار لها جنوب شرق مدينة القامشلي)، وستختص واحدة من سمات الشخصية العربية بشريحة ضيقة من القبائل على حساب ما يروى عن كرم البدو وقبائل الجزيرة العربية، وعليه فإن صح تاريخياً أن هذا اللفظ السرياني والآشوري أطلق على سكان حوض الفرات، فلكونهم كانوا الجيران الأقرب من القبائل العربية، وهو ليس تخصيصاً لهم، وإنما توصيفاً لشريحة مجتمعية جاورت الممالك الآشورية دون دراية من سكان هذه الممالك بحال بقية المجتمع العربي، كما أنه لفظ تعميم.

الشاوي دمشقي أم كويتي؟

ثمة مهنة قديمة في دمشق والمدن السورية الكبرى تعرف باسم “الشاوي”، وكان ممتهنها يقوم بالإشراف على نظافة قنوات الري ونقل مياه الشرب من نهر بردى إلى المنازل، والشاوي في منطقة عمله هو بمثابة ضابط الأمن المائي للمنازل والحقول الزراعية، وكان من مهامه أن ينظم عمل قنوات الري وكميات التدفق وأوقاته، ويمنع مرور أوراق الأشجار والأوساخ في قساطل المياه الواصلة للمنازل. وكان من فضل زيارات البدو إلى دمشق للتبضع والتجارة، أن تعرّفوا على مهنة الشاوي، ولكون البدو وحتى يومنا هذا يشعرون بشيء من التفوق على سكان القرى من القبائل لكونهم حافظوا على عاداتهم المجتمعية في مقابل تحول سكان حوض الفرات والجزيرة إلى الزراعة، أن سمحوا لأنفسهم بإطلاق مسمى “شاوي”، على المشتغلين بالزراعة لكونهم يقومون بفعل السقاية المشابه والمطابق لعمل الشاوي الدمشقي، من حيث شق قنوات الري والحفاظ على تدفق الماء إلى الحقول، لكن هذا التفسير ضعيف السند، فلا يمكن حصر مهن سكان الريف بالزراعة، فمنهم من يعتمد بشكل أساسي على تربية المواشي وتجارتها، إضافة لفرض المدنية لوجود مهن أخرى تعلموها من سكان المدن لضرورتها في حياتهم اليومية.

وهناك من يرجع المسمى إلى أصل استخدام كلمة “شاوي”، في الكويت، وهو الشخص الذي يقوم برعي مواشٍ لا يملكها مقابل أجر متفق عليه مع المالكين، لكن المسمى يجانب الصواب أيضاً لذات الأسباب التي تنفي احتمالية إعادة المسمى لـ “الشاوي الدمشقي”، فمن غير المنطقي تعميم مسمى مهني محدود على شريحة مجتمعية واسعة تسكن ما يقارب ثلث الأراضي السورية.

منطق وعاطفة

تشير بعض المراجع التاريخية إلى أن القائد الفرنسي للحملة الفرنسية التي دخلت مدينة “دير الزور”، وكانت قواتها مؤلفة من حوالي 300 مقاتل، كان يتدخل بشؤون المنطقة وبدأ بالتضييق على سكانها، ونتيجة لعدة أسباب تحرّك مجموعة من الثوار المتحدرين من قبيلة “العنابزة” و “البوخابور”، لمهاجمة المطار العسكري واقتحامه، قبل تمكنهم من قتل قائد الحملة وإحراق عدة طائرات فرنسية، ثم التوجه نحو قلب المدينة لاقتحام المراكز التي يسيطر عليها الفرنسيون

 وحسب المصادر التاريخية فإن ثورة العشائر انطلقت  ليل 16 أيلول من العام 1921، ويعد أول تحرك عسكري ضد الاحتلال الفرنسي بعد معركة ميسلون، وتسببت هذه الليلة بدفع الفرنسيين لإرسال حملة ضخمة من حلب تضمنت كتائب من السنغاليين والجزائرين المجندين في صفوفها، ونتيجة لشراسة النيران التي أُطلقت على بعض القرى، لجأ الثوار إلى معارك يمكن وصفها بالاستنزاف، وقد كانت هذه المعارك سبباً لإطلاق وصف “شاوي”، من قبل جند القوات الفرنسية على الثوار مشبيهن إياهم بمقاتلي قبيلة “الشاوية”، الذين كانوا قد واجهوهم في الجزائر، والوصف كان نتيجة للملابس التي يرتديها الثوار أو لطريقة القتال والإغارات البرية التي نفذوها آنذاك، وقد كان احتكاك سكان المدينة بالمجندين فرنسياً من عرب وسنغاليين سبباً في التقاط التوصيف (شاوي – شاوية – شوايا).

يقول أحد معمري ريف دير الزور الشرقي خلال حديثه لـ “صالون سوريا”، في البوكمال هناك منطقة تعرف باسم “قبور الانكليز”، وفي “خشام”، الواقعة شرق الفرات هناك أرض تعرف باسم “قبور السنغاليين”، وهي منطقة دَفن فيها الثوار قتلى الاحتلال الفرنسي من السنغاليين (وهو توصيف لكل أصحاب البشرة الداكنة الذين كانوا ضمن صفوف القوات الفرنسية بغض النظر عن جنسيتهم الأصلية)، ويشرح أبو محمد بأن اسم “شوايا” لم يكن يطلق على كل أبناء العشائر، حتى يمكن القول أن أبناء العشيرة الواحدة ليسوا كلهم شوايا، لقد كان توصيفاً أطلقه الفرنسيون، والتقطه السكان لاحقاً وبدؤوا بتداوله، ثم أخذوا بتعميمه على سكان الريف عموماً حتى ممن لم يشتركوا في القتال آنذاك، وورثه أبناء الريف”.

بالمقاربة يبدو أن هذا السبب أو الجذر التاريخي أقرب للمنطق في أصل التسمية المقرونة بسكان مناطق ريف “دير الزور: ومن ثم “الحسكة” و”الرقة”، ولعله الأقرب للعاطفة الجمعية لأبناء المنطقة أيضاً، لكن التنميط الذي لاحق الـ” شوايا”، من قبيل التخلف المجتمعي وعدم الاهتمام بالنظافة الشخصية، والعادات البالية وصولاً لوصفهم بممارسة الجنس مع الحمير، حوّل لفظ “شوايا”، من إيجابية توصيف الثوار ضد الاحتلال إلى سلبية وسم سكان ثلاث محافظات من سورية بعدد هائل من النمطيات، ما شكّل خطاب كراهية ضدهم، لم يكن ليواجهه سكان المنطقة غالباً إلا بخطاب كراهية مضاد.

” المحرم الشرعي”.. عقبة جديدة تعيق تحرك النساء

” المحرم الشرعي”.. عقبة جديدة تعيق تحرك النساء

لم تستطع سهير الزعرور (27 عاماً) الالتحاق بزوجها المقيم في تركيا بعد أن منعها حاجز “هيئة تحرير الشام” أو ما يسمى بـ”مكتب أمن الحدود” من العبور بطريقة غير شرعية، لا حفاظاً على سلامتها وسلامة أبنائها، وإنما لعدم وجود محرم (رجل من عائلتها) يرافقها في رحلتها.

تقول سهير التي عادت تجر أذيال خيبتها بعد أن كانت متحمسة لدخول تركيا ولم شمل العائلة، أن أحلامهما اصطدمت بوجود “المحرم الشرعي”.

وتفرض سلطات الأمر الواقع في إدلب العديد من المُحددات والقوانين على الحريات الشخصية، لا سيما فيما يتعلق بالنساء، مما زاد من معاناة النساء اللواتي يعشن حالة من التخبط والتضييق عليهن والتدخل في شؤونهن وحرياتهن الشخصية من قبل عناصر أجهزة ” هيئة تحرير الشام”.

باسم الدين تقيد الأخيرة تحركات النساء وتحد من أنشطتهن، وتتدخل بأدق تفاصيل حياتهن من خلال قائمة من الممنوعات التي اعتمدتها في سبيل ذلك، كحظر الاختلاط بين الجنسين في مدارس الأطفال منذ الصغر، وحتى في مختلف مجالات العمل أو الحياة اليومية دون وجود محرم، فضلًا عن ملاحقة “المتبرجات” وغير الملتزمات بـاللباس الشرعي.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد عمدت هيئة تحرير الشام إلى استئناف نشاط “جهاز الحسبة” أو ما يعرف بـ “سواعد الخير”، تحت مسمى “مركز الفلاح” في مناطق نفوذها، وذلك بعد إيقافها لمدة عامين نتيجة “ضغط شعبي ومظاهرات كبيرة طالبت بإخراجهم”.

وتتكون “سواعد الخير” من مجموعة دعاة وداعيات من جنسيات مختلفة، تتجول في شوارع إدلب بدعم من كتائب أمنية تابعة لهيئة تحرير الشام، وهي “تتدخل في الحياة العامة للسكان وتفرض عليهم قيوداً وأنماطاً معينة في السلوك” بحسب المرصد.

وكما حال سهير، كذلك منعت رابعة الصفو( 29عاماً) من السفر إلى مكان عملها، لعدم وجود المحرم الذي سيرافقها خلال رحلتها الشبه يومية من إدلب إلى مدينة سلقين.

تقول رابعة “إن ما تفعله هيئة تحرير الشام جراء التدخل في شؤون النساء يمنع خروجهن، ويحد من فرص عملهن وسط الظروف الصعبة التي تعيشها غالبية النساء، وخاصة الفاقدات للمعيل وسط الفقر والغلاء والنزوح”.

مشيرة إلى أنها اضطرت نتيجة منعها السفر بمفردها للانتقال والإقامة في مدينة سلقين، لتكون قريبة من مكان عملها في إحدى منظمات المجتمع المدني، ما أجبرها على دفع بدل إيجار للمنزل الجديد بعد أن كانت تسكن مجاناً في بيت أحد أقربائها بمدينة إدلب.

لكن التنقل ضمن المنطقة الواحدة حتى له محدوديته. لم تتوقع فاتن الزريق (22 عاماً) أن توضع في موقف محرج كالذي تعرضت له من قبل جهاز الحسبة التابع لهيئة تحرير الشام حين استوقفتها عناصرهم وسألوها عن سبب تجوالها في شوارع إدلب بلا محرم مساءً، و”بصعوبة” سمح لها بمتابعة طريقها بعد “محاضرة طويلة، وتهديد ووعيد بألا تعيد الكرة ثانية” كما تصف.

تعمل فاتن في إحدى صالات الحفلات في مدينة إدلب، وعملها يحتم عليها العودة ليلاً بعد انتهاء عملها في الصالة، وتتقاضى لقاء عملها راتباً شهرياً يساعدها في الإنفاق على طفليها اليتيمين، بعد وفاة والدهم بالقصف الذي طال مدينتهم سراقب أواخر عام 2019.

تقول فاتن لـ”صالون سوريا” ” ليس كل من يمشي في شوارع المدينة ليلاً شخص سيء أو بلا أخلاق، نحن نوضع دائماً موضع المتهم لمجرد خروجنا بأنفسنا وبلا محرم” وتتساءل ” هل على فاقدة المعيل مثلاً أو ممن ليس لديها محرم بالأصل يرافقها في جميع شؤون حياتها أن تنصاع لأوامر هيئة تحرير الشام وتمنع نفسها من الخروج، وإن فعلت ذلك من ستراه سيساعدها ماديا؟ هل ستمنحها الهيئة ما تقتات به مع أطفالها “.

المرشدة النفسية والاجتماعية هلا غنوم (31 عاماً)، تحدثت عن تهميش المرأة ومعاناتها من التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وحرمانها من الموارد والفرص مقارنة مع الرجال الذين يتصدرون مواقع أعلى وأكبر.

وأرجعت الأسباب إلى “التدخل في شؤونهن وتحركاتهن والحد من نجاحاتهن من قبل سلطة الأمر الواقع من جهة، وغياب وعي مجتمعي كامل لأهمية وجود المرأة في أماكن متنوعة تختلف عن الصورة النمطية للمرأة التي يتوجب عليها فيها أن تكون ربة منزل وحسب ، وهو ما يجبرها على المشي بخطوات بطيئة لكيلا تكون بمواجهة المجتمع” بحسب قولها.

وترى الغنوم أن المرأة في إدلب بحاجة لإتاحة الفرص ومنحها مساحة أكبر للتحرك والعمل وإثبات ذاتها، وخاصة بعد أن وجدت نفسها أمام مسؤوليات لم تعتدها سابقًا، كإعالة أطفال أو معاقين أو إخوة أو أهل بمفردها.

وبحسب تقرير صدر عن الأمم المتحدة في تشرين الأول 2021 بين أن سوريا تعد من أخطر الدول على المرأة، حيث احتلت سوريا المركز الثاني في ذيل “مؤشر السلام والأمن للمرأة” (WPS)

ووفق المؤشر، فإن سوريا هي الأسوأ عالميًا فيما يتعلق بالعنف المنظم، والأسوأ إقليميًا فيما يتعلق بسلامة المجتمع. وحلّل المؤشر وضع المرأة في ثلاثة أبعاد، هي الإدماج (التعليم، الإدماج المالي، التوظيف، استخدام الهاتف المحمول، التمثيل البرلماني)، والعدالة (عدم وجود تمييز قانوني، الانحياز، القواعد التمييزية)، والأمن (عنف الشريك، سلامة المجتمع، العنف المنظم).

الحياة البرية في سوريا ضحية الحرب

الحياة البرية في سوريا ضحية الحرب

لم تسلم الحيوانات من نيران الحرب السورية، إذ باتت الحياة البرية في سوريا مهددة بعد تراجع وانقراض العديد من أنواع الحيوانات، ما دفع نشطاء وجمعيات بيئية لدق ناقوس الخطر.

وحسب العديد من المهتمين بالحياة البرية فإن هناك تراجعاً بأعداد الحيوانات بشكل كثيف، بسبب الحرائق والتعدي على المساحات البرية والأحراش، موطن الحيوانات، سواء من خلال التحطيب الجائر أو تحويل الأحراج إلى أراضي زراعية.

حيوانات مهددة بالانقراض

أصبحت العديد من الحيوانات في سوريا تصنف بأنها مهددة بالانقراض، أو انقرضت بالفعل نتيجة الحرب وما رافقها من التعدي على المساحات الخضراء وعمليات الصيد الجائر.

“الجمعية السورية لحماية البرية” تعمل على رصد وحماية الحيوانات النادرة أو المهددة بالانقراض في مناطق الحكومة السورية، يقول مسؤول التنظيم في هذه الجمعية اسبر الريم: “إن الدب السوري من ضمن الحيوانات المنقرضة بالنسبة لنا، رغم الحديث عن مشاهدات له بعدد من المناطق ولكن لا يوجد شيء موثق”.

ويبين اسبر  أن آخر المشاهدات للدب السوري كانت من سنوات عدّة، رغم وجود روايات بأنه موجود بجرود القلمون الشرقي أو المناطق القريبة على عرسال بريف دمشق.

وبالنسبة للغزال السوري أو اليحمور يقول اسبر إنه: “عانى كثيراً وخاصة أنه حساس بالنسبة للبيئة التي يعيش فيها، وتزامن ذلك مع تراجع المساحات الخضراء إثر الحرائق وعمليات التحطيب بكثافة، وملاحقته من قبل بنادق الصيادين ومحاولة الإمساك بصغاره بغرض قتلها أو بيعها دون وجود أي رقابة على ذلك”.

وقبل عامين تواصل أشخاص مع الجمعية من قرية الطارقية بريف مشقيتة في اللاذقية بعد مشاهدتهم لغزال مصاب بين الأحراج، عن ذلك يروي اسبر “شُكلت غرفة طوارئ من الجمعية توجهت إلى المكان، وتمكنت من إنقاذ الغزال بالتعاون مع مديرية الزراعة والاعتناء به، وبعد مدة قصيرة تم إطلاقه مجدداً بالمنطقة نفسها”.

كذلك يذكر إسبر أن عدد الطيور تراجع بشكل كبير، كما هو حال السناجب والخنزير البري وخاصة في المناطق التي كانوا يعيشون فيها.

بدوره يؤكد الباحث والناشط البيئي جورج داوود عدم وجود إحصائيات لأعداد الحيوانات التي انقرضت أو مهددة بالانقراض في سوريا، كونه أمر يتطلب إمكانيات فنية ومادية عالية وهي غير متوفرة.

ويشير داوود إلى وجود العديد من الأنواع المهددة بالانقراض، والمسجلة على القوائم الحمراء العالمية للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، منها السلحفاة الإغريقية التي كانت موجودة سابقاً بكثافة، ولكن أعدادها في تناقص واضح بسبب جمعها والاتجار بها دولياً وبشكل غير قانوني؛ إضافة إلى أنها تعتبر حساسة جداً لتغيرات البيئة والمناخ.

بيع الحيوانات في الأسواق

عند تجوالك في مختلف المناطق السورية ستجد أماكن لبيع الحيوانات، والمشكلة أن العديد منها بري أي من المفترض أن يعيش في الغابات بموطنه الأساسي.

يروي اسبر: “منذ 5 أشهر وخلال جولة بالأسواق بدمشق، كان هناك بائعين بحوزتهم حيوانات برية غير أليفة مثل الثعالب والصقور، وكانت بحالة صحية سيئة، وموضوعة بأقفاص مخصصة للطيور”.

ويوضح اسبر أن أعضاء الجمعية اشتروا الثعالب وتمت معالجتها والاعتناء بها، وبعد أشهر عدة من الاعتناء والاهتمام بها، أُطلق سراحها في جرود معولا بريف دمشق موطن وجودها.

كما يلاحظ وجود طيور محلية المعروضة للبيع في الكثير من الأسواق، رغم أن العديد منا مهدد بالانقراض ولكن لا توجد أي رقابة عليها؛ وفق مسؤول التنظيم في الجمعية السورية لحماية البرية.

هجرة النحل والطيور

شهدت محافظات سورية في الآونة الأخيرة هجرة ونفوق عدد كبير من خلايا النحل، وخاصة في درعا والقنيطرة.

واشتكى العديد من المربين من فقدان خلايا نحل في مناطق نوى وخربة غزالة بدرعا، وكذلك في قرى الريف الشمالي بالقنيطرة.

وهذا ما أرجعته وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي إلى “قلة المرعى وعدم قدرة مربي النحل على ترحيل الطوائف خارج المحافظة والافتقار إلى تنوع مصادر حبوب الطلع، ووجود إصابة مرتفعة بمرض أكاروس الفاروا والتغذية على عجينة كاندي الملوثة بأبواغ فطر النوزيما مع الاستخدام العشوائي للمبيدات الذي تزامن مع التغيرات المناخية”.

وفي الوقت نفسه يواجه مربو النحل صعوبات عديدة منها ارتفاع أسعار المستلزمات الثابتة (الخلايا الخشبية، والسكر، والشمع) وضعف القدرة الشرائية، ما خفض عدد المربين إلى 14 ألف من أصل 25 ألف كانوا يعملون قبل عام 2011حسب مدير وقاية النبات في وزارة الزراعة إياد محمد، الذي بين أن إنتاج العسل تراجع من أربعة آلاف طن في العام الواحد سابقاً إلى ألف و500 طن فقط خلال 2020.

وفي الوقت نفسه تشهد سوريا موجة هجرة للطيور، حيث قل بشكل ملحوظ عدد الأنواع المحلية مثل (الشحرور والسمن)، على عكس الطيور المهاجرة التي تتخذ من سوريا استراحة وتكمل مسارها وفق اسبر.

التحطيب والحرائق

وتأثر الغطاء النباتي في سوريا بالحرب التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 10 سنوات، حيث تراجع بنسبة كبيرة، وارتفع معدل الحرائق في السنوات الأخيرة ما أثر بشكل كبير على الغابات والأراضي الحراجية، ورافق ذلك لجوء الكثير من السوريين إلى قطع الأشجار بغرض استخدامها للتدفئة في ظل ندرة المازوت وارتفاع أسعارها وازدياد ساعات التقنين.

كما بات بيع التحطيب مهنة للكثير ين في ظل تراجع الوضع الاقتصادي، حيث وصل سعر بيع طن الحطب إلى 400 ألف سورية في الأرياف، أما المدن فيصل فيها إلى 800 ألف ليرة.

ويبين اسبر أنه في حال استمرار الوضع على حاله فإن سوريا ستشهد خلال السنوات القادمة تراجعاً وانقراض الكثير من الحيوانات وخاصة النادرة منها، وما يرافق ذلك من اختلال التوازن البيئي.

الانتحار يفترس الأفقر في سوريا

الانتحار يفترس الأفقر في سوريا

كانت الطفلة تُجاهد حتى تبقى واقفة على قدميها بعد أن أعياها الجوع، أوقفت الشاب عدنان ز، وقالت له “حباب، الله يخليك اشتريلي صندويشة، وبعطيك الي بدك ياه”، يروي الشاب عدنان لـ”صالون سوريا”، مضيفاً “نهرتُها، وأشحت بوجهي عنها وأنا أتمتم, روحي عمو الله يعطيكي ويستر عليكي”. انفجر طوفانُ دمعٍ من مقلتيها لتنتهي الحكاية بمشهد جسد صغير يهوي فوق “جسر الرئيس” وسط العاصمة دمشق.

لم يتعرف أحد على الطفلة، ولم يعرف اسمها أحد، عاشت وماتت مجهولة.

سرديات الانتحار السوري

تتوالى اخبار الانتحار، من صبيةٍ رمت بنفسها من على شرفة منزلها في الطابق السادس بمنطقة الحمراء في دمشق، ورجل كبير بالسن وضع حدٍ لحياته بإلقاء نفسه من إحدى نوافذ مستشفى المواساة وهو عارٍ كما ولدته أمه. مراهقان انتحرا بتفجير قنبلة يدوية، وصبيةٌ انتحرت بعد أن قتل أخوها، الشاب الذي أحبها وأحبته. فما الذي أوصل السوريين لهذه الحال؟

الحرب، يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي زياد موسى لـ”صالون سوريا” مضيفاً: “في هذه البلاد التي تعصف بها الحرب تتزايد حالات الانتحار، فالمشافي في سوريا باتت تصلها بشكلٍ منتظم أجسادٌ محطمة لأشخاص حاولوا الانتحار”، وتتنافس حكايا المنتحرين/ات في القهر، ومن أقساها تلك التي أنهى فيها وائل أيوب وصديقه محمود أبو حسون وهما في الـ 17 و18 من العمر حياتهما أمام كاميرا الموبايل، صرخ الشابان: “سئمنا الحياة، سامحونا، أحزناكم كثيرا، ظروف حياتنا تسوء يوماً بعد الآخر، ليس لدينا الحق لنعيش”.

نعى المراهقان نفسيهما، قبل أن يخلعا مسمار الأمان من قنبلةٍ يدويةٍ كانا يحملانها، ليُقدما على الانتحار في حديقة الفيحاء بالسويداء، تاركين فيديو لعائلتيهما ورفاقهما.

في السويداء أيضاً وضع الشاب راغد سيف ذو الـ20 عاما حدا لحياته بتفجير نفسه بقنبلة لأنه لم يتمكن من الارتباط بمن يحب نتيجة الفقر، وفي حماة أقدم الشاب يزن كيوان من بلدة سلحب على قتل نفسه برصاصة في الرأس بعد أن أجهز على الشابة ساندي التي رفضت الزواج به، وفي اللاذقية انتحر الشاب طارق علي بإلقاء نفسه من على سطح مستشفى تشرين في المدينة، وفي دمشق انتحر الخمسيني حكمت علي بعد أن قتل مدير توزيع الغاز في منطقة نهر عيشة جنوب دمشق إثر غلاء سعر أسطوانة الغاز.

وصلت حالات الانتحار لذروتها في العام 2020 لتسجل 197 حالة، بحسب مدير عام الهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا الدكتور زاهر حجو، وأحصت الهيئة بحسب آخر الأرقام المتوفرة، منذ بداية العام 2022 وحتى الأول من آب الماضي، 101 حالة انتحار، 24 بالمئة منها لنساء و17 بالمئة لأطفال.

احتلت محافظة حلب المرتبة الأولى في تعداد المنتحرين بـ28 حالة، بينما جاءت محافظة ريف دمشق في المرتبة الثانية بتسجيل 21 حالة، ثم طرطوس بـ13 حالة، تلتها دمشق بـ11 حالة، ثم اللاذقية بـ9 حالات، والسويداء 7 حالات، فحماة 6 حالات، أما في مناطق سيطرة المعارضة شمال سوريا, فسُجلت منذ مطلع العام الحالي 31 حالة انتحار، بينها 11 طفلاً، و11 امرأة.

وبحسب ما كشفه الدكتور حجو، فإن محاولات الانتحار التي انتهت بالوفاة، تضمنت الانتحار بالشنق وهو الأكثر بواقع 60 حالة، والطلق الناري 21 حالة، وتناول مواد سامة 11 حالة والسقوط من على مرتفع 9 حالات، مؤكداً أن أعداد المنتحرين الحقيقية قد تتجاوز عشرة أضعاف ما يتم الإعلان عنه سنويا.

من جهته كشف مدير مستشفى ابن خلدون للأمراض النفسية في حلب الدكتور بسام الحايك لـ”صالون سوريا” عن إنقاذهم للغالبية العظمى من حالات الانتحار التي تصل لمستشفاهم أسبوعياً، مما يشير للعدد الكبير من المحاولات.

الأسباب

تقول الباحثة الاجتماعية غادة عبد الرحمن أن السوريين يعيشون ضمن ما يُعرف في علم النفس بمجتمع المخاطر، وهذا ما يجعلهم غير قادرين على استيعاب التسارع الرهيب للأحداث التي تحيط بهم وتدور حولهم.

وتضيف في حديثها لـ”صالون سوريا”: “الأسباب متعددة منها الهروب من جحيم الحرب، والظروف الاقتصادية والمعيشية، ونسب البطالة العالية، والقمع”، فيما يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي زياد موسى أن الأسباب السياسية بالدرجة الأولى هي التي أسهمت بشكل كبير في خلق ما ذكرته الباحثة غادة عبد الرحمن من أسباب.

في رسالة الوداع التي خطها محمد شرف 32 عاما قبل انتحاره كتب “إذا كنت لا أستطيع شراء اللباس المدرسي لأطفالي، إذاً لا معنى لحياتي”.