ايزيدية تتحدث لـ “صالون سوريا” عن سبايا “داعش”

ايزيدية تتحدث لـ “صالون سوريا” عن سبايا “داعش”

خلال رحلة نقلها من دير الزور الى مدينة رأس العين شمال سوريا، اعتقلت قوات الأمن الداخلي (اسايش) التابعة للإدارة الذاتية الكردية الشابة الإيزيدية روزا أمين ذات العشرين عاماً مع مجموعة من عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي، بينهم نساء من التنظيم حاولنَ دخول المدينة عبر أحد تجار البشر للوصول إلى تركيا.
روَت روزا لـ “صالون سوريا” في قرية برزان الإيزيدية في ريف مدينة الحسكة، أنها كشفت عن هويتها لقوات الأمن الداخلي بأنها إيزيدية خُطفت من مدينة سنجار بشمال العراق مع شقيقتها وشقيقها الرضيع في الثالث من آب (اغسطس) العام 2014.
سُلِّمت الشابة الإيزيدية من قبل “أسايش- المرأة” في مدينة عين العرب ( كوباني) للبيت الإيزيدي في ريف الحسكة، بعد سنوات من فصول القهر والاسترقاق على أيدي عناصر “داعش”، والحرمان من العائلة.

أسواق الرِّق
بين أسواق النخاسة في سوريا والعراق، تنقّلت روزا وشقيقتها عشرات المرات من الرقة والموصل وتلعفر وريف الحسكة، وتضيف: ” نقلونا نحن الفتيات إلى ريف الحسكة، وبعد أسبوعٍ أعادنا عناصر داعش من الجنسية العراقية إلى العراق، فأخذوا العوائل إلى مدينة القيارة ونحن الفتيات نقلونا إلى مدينة الموصل، أما الشباب فأعادوهم إلى سنجار”.
احتُجزت روزا مع ثلاثة ألاف فتاة في مبنىً حكوميِّ في مدينة الموصل، وعُرضنَ كسبايا على أمراء وقادات التنظيم، وكان قائد كل كتيبة في “داعش” يختار 50 فتاة إيزيدية ويمنحها لجنوده كمستعبدات جنسية.
تقول روزا إنها اجتمعت بعائلتها في قرية كوجو في سنجار، إلا أن عناصر “داعش” عادوا لفصلها، هي وشقيقتها عن والدتها التي طلبت من عناصر التنظيم تركها لأنها طفلة، فضربوها ثم قتلوها مع عدد من النساء الإيزديات اللواتي رفضن اعتناق الإسلام.

الزواج بعراقي
اتّخذ “داعشيٌّ” عراقي يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً روزا جارية له وهي في الثانية عشر من عمرها، ووعدها بتحريريها في حال دخولها دين الإسلام وحِفظ تعاليمه وتأدية فروضه، وتعهّد بألّا يؤذيها في حال إشهارها إسلامها، فبات هاجس البنت الصغيرة خلال ستّين يوماً تنفيذ أوامره ليعتقها، إلا أنه اغتصبها ولم يرأف بصغر سنّها، فَعادَ وباعها لمقاتل آخر لينتهي بها المطاف بعد سنوات طويلة من البيع في أسواق النحاسة في منزل مقاتل من الجنسية اللبنانية، الذي أخذها بدوره معه إلى مدينة الرقة التي بدأت منها عملية البحث عن أفراد عائلتها والتقت بأخوتها وشقيقتها هناك عدة مرات.
فيما بعد، أجبرت الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي والمعارك التي شنتها “قوات سوريا الديمقراطية” ضد معاقل التنظيم في الرقة عناصر التنظيم على الهروب مع عوائلهم باتجاه دير الزور ومنها إلى الباغوز في وادي الفرات التي شهدت انهيار آخر جغرافية لما سُمّيت بـ “دولة الخلافة” في سوريا.
تقول روزا ، إنها انتقلت إلى الباغوز ومنها هربت بصحبة عناصر وعوائل التنظيم باتجاه إدلب ومن هناك إلى جرابلس وتركيا ورأس العين وتل أبيض ودير الزور.

أين يُحتجز المفقودين؟
وكشفت روزا أن تنظيم “داعش: يحتجز مختطفين ايزديين في مدن شمال غربي سوريا، مضيفة أن المختطفيين الايزديين يتوزعون لدى عوائل التنظيم المنتشرين في ادلب وجرابلس واعزاز والباب ورأس العين وتل أبيض وتركيا.
وأكدت الشابة العشرينية التي لايزال مصير سبعة من أفراد عائلتها مجهولاً، وأن المحتجزين الإيزديين يتلقّون بشكل دائم تهديدات بالقتل من قبل عناصر التنظيم في حال كشفوا عن هوياتهم حتى لأنفسهم، لذا فإن العديد منهم لازالوا في مخيم الهول بريف الحسكة الشرقي، ومخيمات بمدينة ادلب التي فرّ إليها قادات وأمراء داعش، وفي المدن السورية التي احتلتها تركيا، لكنهم خائفون من إظهار أنفسهم.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية قد تحدثت في مقال لها أن أكثر من 3000 من المختطفين الإيزديين في عداد المفقودين. ويُفترض أن غالبيتهم قد لقوا حتفهم، لكن يُعتقد أن المئات منهم لازالوا على قيد الحياة بحسب الصحيفة. وزادت أن “داعش” لازال يحتفظ بالإيزديين في سوريا أو تركيا. وأشارت الصحيفة إلى حالات قد تمتلك فيها أُسر الضحايا معلومات عن أماكن وجودهم، وأنهم كانوا على اتصال مع خاطفيهم من عناصر التنظيم، لكن مع قلّة الاهتمام من قبل الحكومات والجهات المعنية وغياب الدعم المادي حال تحرير المزيد من المغيبين.
ومازالت ضراوة الهجمات التي شنّها “داعش” ضد الإيزديين محفورة في ذاكرة ضحاياه، فشرع مقاتلو التنظيم بحملة إبادة جماعية ضد هذه الطائفة الموغلة في القدم، وبمخطط من زعيمه عبد الله قرادش الذي قُتل بداية شباط (فبراير) الماضي خلال عملية انزال جوي نفذتها القوات الامريكية في بلدة أطمة شمال غربي سوريا، وأمرهم بارتكاب سلسلة مجازر في سنجار.
وبحسب إحصاءات عراقية، تراوح عدد الضحايا بين الفي وخمسة الاف، أكبرها في قرية كوجو التي لقيّ مئات من رجالها حتفهم، فيما استعبد التنظيم أكثر من سبعة آلاف من النساء والفتيات جنسياً وجند مئات الأطفال الإيزديين في معسكرات عُرفت باسم “أشبال الخلافة” ودرّبهم على استخدام مختلف أنواع الأسلحة وأجبرهم على القتال كـ “جنود للخلافة” في العديد من الجبهات في كل من سوريا والعراق.

هل تفكك روسيا شبكات المخدرات جنوب سوريا؟

هل تفكك روسيا شبكات المخدرات جنوب سوريا؟

ظهرت مؤشرات عن تنسيق بين عمان ودمشق بدعم موسكو لمحاربة تهريب المخدرات من سوريا الى الاردن بعدما بات اعلان الجيش الاردني عن احباط عمليات مسألة شبه يومية.
الجديد، ان سكانا محليين من مناطق تقع أقصى جنوب محافظة درعا شاهدوا مؤخراً وفداً روسيا يضم ضباطا وعناصر من الشرطة العسكرية الروسية وقوة أمنية تابعة للنظام السورية وقوات محلية من فصائل التسويات، تقوم بجولات على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن،لتفقد على طول الشريط الحدودي الشرقي مع الأردن الممتد من بلدة نصيب والمتاعية جنوب شرق درعا إلى منطقة خربة عواد جنوب السويداء التي شهدت اشتباكات في الأيام الماضية بين حرس الحدود الأردني ومجموعة مهربين، بالقرب من أحد المغافر الحدودية السورية وأودت بحياة جندي سوري واضرار في منازل المدنيين السوريين.

تعليمات روسية
جولة القوات الروسية مع القوات الحكومية والمحلية، جاءت ضمن المنطقة التي تشهد عادة عمليات تهريب باتجاه الأراضي الأردنية وبعد تزايد الحوادث الأمنية والاشتباكات في تلك المنطقة. وبحسب “شبكة درعا24” المحلية، فإن اجتماع أردنيا – سوريا عقد في الأردن بتاريخ 30 ديسمبر (كانون الاول) الماضي، لبحث تطورات المنطقة الجنوبية وملفات كان أبرزها الوضع الأمني في الجنوب السوري، وملف تهريب المخدرات على الحدود السورية- الأردنية، وضم الاجتماع مسؤولين من الأفرع الأمنية في درعا.
وابلغ مصدر خاص “صالون سوريا”، أن قادة الشرطة الروسية التي قامت بالجولة الميدانية على المخافر الحدودية مع الأردن مؤخراً، “وجهوا تعليمات لقوات الجيش السوري الموجودة في المخافر الحدودية مع الأردن بضرورة التصدي للمهربين وعمليات التهريب التي تتم في المنطقة، بينما تحدث عناصر الجيش للقوات الروسية عن ضعف الإمكانيات اللوجستية لديهم مثل أجهزة كشف حرارية أو كمرات مراقبة أو مراصد معزولة وغيرها من التجهيزات الضرورية في النقاط الحدودية”.
وأشار أن “عدة جولات روسية شملت مؤخرا نقاط حرس الحدود جنوب محافظتي درعا والسويداء، وأن الزيارة الروسية ليست الأولى من نوعها، علما ان الواقع لم يختلف في المخافر الحدودية أو تجهيزاتها. كما تصل دائماً برقيات استنفار للنقاط الحدودية في جنوب سوريا، لكن ضعف الإمكانيات والتقنيات وحتى تجهيزات المحارس ضعيفة تؤثر على قيام حرس الحدود بواجبها بحسب تعبيره”.

طرق التهريب
وتقوم عمليات تهريب المخدرات في الجنوب السوري، عبر منافذ غير شرعية وتعتبر المنطقة الممتدة من ذيبين شرق درعا إلى خربة عواد بالسويداء أبرزها والمنطقة الممتدة شرق خربة عواد والتي تشهد بشكل متكرر احباط محاولات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، بحسب تقارير إعلامية رسمية سورية وأردنية، وكانت تتم بواسطة سيارات أو عبر تحميلها على حيوانات أو بواسطة طائرات الدرون، أما من جهة معبر نصيب الرسمي فغالباً يتم تغليف المخدرات المهربة التي تضبط بعلب منتجات غذائية سورية.
وافادت “شبكة درعا24 ” المحلية بأن شحنات المخدرات تصل جنوب سوريا إلى منطقة اللجاة قادمة من لبنان أو من العراق، ويتم نقلها للجاة في درعا عبر سيارات لا تتعرض للتفتيش على حواجز النظام السوري، ومثل هذه الشحنات كان يصل من العراق عبر صحراء دير الزور إلى منطقة الميادين ومنها إلى اللجاة في درعا، إلى قرية كريم وجدل تحديداً في منطقة اللجاة، وأن الطريق الأشهر في نقل المخدرات هو طريق البادية الواصل إلى الحدود العراقية، وأن شحنات المخدرات التي كانت تصل إلى اللجاة لم تكن تتعرض للتفتيش رغم مرورها في مناطق وطرقات فيها حواجز تابعة للنظام أو مجموعات محسوبة على إيران، وأن المخدرات جزء منها يصل خام ويتم تجهيزه في مصانع محلية في منطقة اللجاة على شكل كبسولات ومكعبات لتصبح جاهزة للتهريب الخارجي والتوزيع المحلي.

عرض كبير
وبحسب ناشطين في جنوب سوريا، لو سألت عن مادة الحشيشة محليا في درعا والسويداء تستطيع الحصول عليها بكل سهولة، وانتشارها بات لافتا وعلنيا في المنطقة، وأنه ليس من المهم الأن الحديث عن المصدر الخارجي لهذه المواد أو طريقة جلبها للمنطقة، وخاصة أنه بات معروفا على مستوى العالم. وقال احدهم: “ما يهم المجتمع المحلي اليوم هو معالجة المشكلة الداخلية الأن بعد تفشي انتشار هذه المواد بشكل سهل، وذلك عبر تفعيل المحاسبة سواء للمصدر المحلي أو المروج، وأن تشمل المحاسبة كل الأطراف حتى إذا كانت محسوبة على سلطات أو شخصيات نافذة فيها”.
وقال خبراء ايضاً، أن الموقع الجغرافي لمحافظتي درعا والسويداء والانفلات الأمني الذي تشهدة المنطقة، و “غياب المحاسبة وانتشار الفقر والبطالة، والمحسوبيات سواء للسلطة أو شخصيات اجتماعية كان له السبب المباشر في انتشار وجلب المخدرات إليها، حيث تلاصق هذه المنطقة السورية الشريط الحدودي مع الأردن ومنها باتجاه دول الخليج العربي”. وافاد احدهم: “رغم أن عمليات التهريب موجودة منذ سنين وحتى قبل عام ٢٠١١، إلا أنها تزايدت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد عام ٢٠١٨، في ظل الأزمات الاقتصادية والأمنية التي تشهدها المنطقة الجنوبية وعموم سوريا، وأن المشكلات الاجتماعية التي أوجدتها المخدرات تصاعدت مؤخراً في المنطقة منها عمليات قتل واغتال وخطف وكشفت إحصائيات محلية في درعا والسويداء عن ارتفاع معدل ارتكاب الجريمة بسبب تعاطي المخدرات والادمان، حيث وثق ناشطون عمليات قتل قام فيها مدمنين على المخدرات ضحاياها أطفال تحت سن السادسة ونساء زوجات وشقيقات لمدمنين”.

السويداء على حافة مرحلة جديدة؟

السويداء على حافة مرحلة جديدة؟

تشهد محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، حالة من الانفلات الأمني وانتشار السلاح والجريمة وحوادث الخطف والاغتيال، حيث توثق شبكات اعلامية محلية تصاعد خلال الأشهر الأخيرة بارتفاع هذه الحوادث، وسط غياب التعاطي المجتمعي والحكومي لإيجاد حلول لهذه المشكلات.
مؤخراً، ظهر توجه جديد لدى السلطات السورية ممثلة بالأجهزة الأمنية والشرطية في المحافظة بتعاطي جديد مع المشكلات الأمنية التي تظهر في المحافظة، بعد أن كانوا مبعدين عن التدخل أو التعاطي معها. وبدأ ذلك الابتعاد في المحافظة، وفق ناشطين، من السويداء في عام ٢٠١٤، حيث نأت الأجهزة الأمنية والشرطية عن التدخل المباشر في الحوادث الأمنية التي تشهدها السويداء سواء حالات القتل او الخطف والاشتباكات العائلية أو قطع الطرقات، وكانت المجموعات والتشكيلات المسلحة المحليةتبعد هذه الأجهزة الأمنية عن دائرة المشكلة أو الصراع. على سبيل المثال كانت مجموعات محلية في السويداء تقوم بقطع أحدى الطرقات وتقدم على خطف ضابط أو عناصر من الجيش السوري مقابل اطلاق سراح أحد ابناء السويداء تعرض للاعتقال، ودرجت هذه العادة دون تدخل من السلطات الأمنية والشرطية في السويداء منذ عام ٢٠١٣، وحتى هذه المجموعات لم تكن تتوجه إليها أو تجعلها طرف بالخلاف الناشئ.
لكن ما حدث مؤخراً، وفقاً لريان معروف مدير تحرير شبكة “السويداء 24” في حديثه “لصالون سوريا”، ظهور بوادر مرحلة جديدة من تعاطي السلطات الأمنية والشرطية في السويداء، حيث شهدت السويداء تدخل قوات حفظ النظام التابعة للشرطة المدينة في عدة حوادث أمنية لم تكن تتدخل فيها سابقاً، واشتبكت عدة مرات مع مجموعات محلية مسلحة من أبناء السويداء، كما استقدمت قوى الأمن الداخلي 150 عنصراً من المهام الخاصة وحفظ النظام من دمشق إلى السويداء وعززت مناطق تواجدها والمراكز الحكومية ومنها المشفى الوطني.
كما عادت معظم قوات الجيش إلى ثكناتها في السويداء، ويبدو أن المجموعات المحلية رافضة لطريقة التعاطي الجديد حتى المجموعات المحلية التابعة للأجهزة الأمنية اشتبكت معهم، ووقع قتلى وجرحى بين المجموعات المحلية التابعة لجهاز الأمن العسكري وقوات حفظ النظام بعد أن شنت مجموعة محلية من أبناء السويداء هجوم على مبنى قيادة الشرطة في المدنية في 22 ديسمبر (كانون الاول)، حيث شهدت المنطقة بعد منتصف اليل اشتباكات استمرت لساعات، وسط حالة من التوتر واستخدام السلاح الخفيف والمتوسط والقذائف الصاروخية استهدفت قيادة شرطة المحافظة، أدت إلى مقتل عنصر من جهاز الأمن السياسي وإصابة ضابط برتبة نقيب، وشهدت المنطقة استنفار وانتشار عسكري عقبت الاشتباكات واستهداف قيادة الشرطة.
وجاء ذلك على خلفية مقتل قيادي محلي في مجموعة تابعة لجهاز الأمن العسكري في السويداء صباح وإصابة 3 أخرين. بعد اشتباكات وقعت عند دوار الباسل في عند مدخل مدينة السويداء صباح يوم 22 ديسمبر 2021، بعد أن حاولت عناصر المجموعة قطع طريق شهبا وخطف عناصر تابعة للنظام بهدف الضغط على النظام للإفراج عن أحد أبناء السويداء الذي اعتقل في العاصمة دمشق قبل أيام. لكن مجموعة من قوات حفظ النظام هاجمت المجموعة المحلية التي قطعت طريق شهبا صباح الاثنين، وحدثت مواجهات واشتباكات بعد رفض المجموعة المحلية فتح الطريق والاستجابة للمطالب بمغادرة المنطقة. ما أدى إلى مقتل القيادي ومصادرة سيارته ثم ألقت قوات حفظ النظام جثته بعد ساعات على قارعة الطريق ما أثار غصب مجموعته. ودفعها للانتقام، بحسب تعبيره.
وعلى أثره دفعت القوات الأمنية بالمزيد من العناصر والآليات إلى مبنى قيادة الشرطة والمحافظة بعد الاشتباكات، وعقد أعضاء اللجنة الأمنية التابعة للنظام اجتماع على خلفية التطورات الأخيرة التي شهدتها المحافظة، كما وردت برقية استنفار لجميع الوحدات الأمنية والعسكرية وتعليمات بالتعامل الفوري مع أي هجوم على المراكز الأمنية والحكومية في السويداء.
وأوضح أن التطورات الأخيرة في السويداء لا تزال قيد الاحتواء، فالصراع لا يزال على نطاق ضيق ولم تتدخل أي مجموعات محلية أخرى في السويداء بالمشكلة حتى الأن مثل مجموعات “رجال الكرامة” الأكثر انتشار وثقلا في السويداء، وما يزال حصر المشكلة القائمة بين مجموعات محلية مسلحة بعضهم محسوب على جهاز الأمن العسكري من جهة، والقوى التابعة لوزارة الداخلية من جهة أخرى، بعد أن بدأت الأخيرة نهجاً جديداً في الأسابيع الأخيرة من خلال استخدام القوة والتدخل المباشر في الحوادث الأمنية خصوصاً في مدينة السويداء.
وما تم تداوله عبر وسائل إعلامية عن دخول قوات من الفرقة الرابعة إلى محافظة السويداء خلال الأيام الماضية غير صحيح حتى الآن. وأن التعزيزات التي وصلت إلى المحافظة من قوى الأمن الداخلي خلال الشهر الماضي تابعة لوزارة الداخلية من المهام الخاصة وقوات حفظ النظام فقط.
وتكررت في محافظة السويداء مؤخراً عمليات والهجمات من مجموعة محلية مسلحة على مراكز حكومية وأمنية تابعة للنظام السوري في السويداء ولم يكن الهجوم الذي وقع قبل أيام على مركز قيادة شرطة المحافظة الأول من نوعه، حيث سبقه حادثة هجوم أخرى من مجموعة محلية مسلحة على المراكز الأمنية ومبنى المحافظة في 25 نوفمبر الماضي.
ووفقاً لآراء العديد من سكان السويداء المحليين،أن الاجراءات الجديدة إذا كانت سوف تطبق القانون على الجميع فإن المجتمع مع القانون وتطبيقه وسيكون أساساً ومساعد في تطبيقه، على ألا يستثنى من أحكامه أشخاص ومؤسسات سواء تابعة أو محسوبة للدولة السورية أو للمجتمع، وأن الحد من التعاطي السلس، وارد في كل المجتمعات والدول، ولكن دون ظلم وتعسف، ولكل زمان ومكان موقفه وطريقة لتعاطي معه، والموقف والحدث هو من يحدد الطريقة الأمثل لكيفية حل القضية، مؤكدين على حرمة الظلم والتعدي من وعلى كل الأطراف سواء محلية أو حكومية. وأن الابتعاد عن الحوار والتفاهم يخلق الصدام في كل المسائل الدولية والإقليمية والمحلية وحتى على مستوى العائلة البسيطة.
وبعد الحوادث الاخيرة التي شهدتها السويداء خرجت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء ممثلة بسماحة الشيخ حكمت الهجري ببيان حملت فيه الحكومة مسؤولية القرارات التي وصفتها أنها “لم تناصر تضحيات الأهالي ولا أدت واجبها في حمايتهم وإعانتهم، بل عاملتهم بزيادة الجبايات والتحصيل بكل الأسباب وأدق التفاصيل ورفع الأسعار فجأة بلا ضرورة”.
كما توجه البيان لأهالي السويداء، قائلا ان ” جهات أعادت زرع الإرهاب من الداخل وحرمت السكان لذة العيش بمقدرات وخيرات الوطن”. ودعا البيان أبناء الطائفة أن “لا يكونوا من المفسدين الذين يبررون فسادهم بالظروف والحصار الخارجي، وألا يكونوا حلولا لمشكلات احد، ولا حقول معارك لتحقيق مبتغى، ولا مجندين بيد احد بحجة حفظ الأمن والأمان، وألا يدمروا بيئتهم بحجج تقصير أو فساد الدولة. ويعتبر الشيخ حكمت الهجري شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا ويحظى بمكانة اجتماعية كبيرة في سوريا”.

غطاء أميركي روسي لحوار سوري-كردي

غطاء أميركي روسي لحوار سوري-كردي

تشجيع الحوار بين دمشق والقامشلي، نقطة ثانية يتوافق عليها الأميركيون والروس، إضافة إلى بند إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين، ما يرجح عقد جولة تفاوضية جديدة بين الأكراد والحكومة السورية، بعد زيارة وفد من «مجلس سوريا الديمقراطية» الكردي – العربي برئاسة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، وبعد لقاء مبعوثي الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف في 10 من الشهر الجاري.
هذه الجولة، التي تجري بـ«غطاء» أميركي و«رعاية» روسية وسط توقعات مختلفة من دمشق والقامشلي وموسكو إزاء مستقبل الوجود العسكري الأميركي، يتوقع أن تتناول قضايا كبرى مثل مستقبل «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) و«الإدارة الذاتية»، وأخرى عملياتية تخص المساعدات والخدمات، والانتشار العسكري لـ«ردع» بشأن توغل تركي جديد.
خلفية المفاوضات
جرت جولات تفاوضية عدة بين مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووفود كردية، بينها وفد سياسي برئاسة إلهام أحمد وعضوية سيهانوك ديبو، ووفد عسكري ضم قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، أو قائد «وحدات حماية الشعب» سيبان حمو، في نهاية 2016 و2017، وفي 26 يوليو (تموز) 2018 و8 أغسطس (آب) 2018، وأكتوبر (تشرين الأول) 2019.
وبعد قرار الرئيس دونالد ترمب سحب قواته من قسم شرق الفرات، وتوغل تركيا بين رأس العين وتل أبيض، زار حمو القاعدة الروسية في حميميم، ثم دمشق، والتقى بحضور قادة في الجيش الروسي مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك ووزير الدفاع العماد علي أيوب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. كما زار حمو العاصمة الروسية في 29 ديسمبر (كانون الأول) 2019، والتقى وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف ورئيس غرفة العمليات في هيئة الأركان سيرغي رودسكوي.
وسلم الوفد الكردي الجانب الروسي مبادرة تضمنت 11 بنداً، 6 منها تلبي مطالب دمشق، وهي أن «سوريا دولة موحدة، والاعتراف بحدودها الدولية وأنها دولة مركزية وعاصمتها دمشق»، وأن «الرئيس المنتخب، أي الرئيس بشار الأسد، هو رئيس كل السوريين»، وأن «الثروات الطبيعية هي ثروة وطنية لكل السوريين». وتناول البند الرابع الاعتراف بـ«السياسة العامة للبلاد المسجلة في الدستور»، والخامس الاعتراف بـ«علم واحد» للبلاد، وهو العلم الرسمي للجمهورية العربية السورية بموجب الأمم المتحدة، إضافة إلى بند سادس يقر بـوجود «جيش واحد» للدولة.
كما تضمنت المبادرة 5 بنود «تلبي مطالب الجانب الكردي»، أولها إلغاء «قانون الطوارئ» بموجب تعديل الدستور، وإصلاح دستوري يؤدي إلى دستور توافقي، وقانون أحزاب وقضاء نزيه ومستقل، و«الاعتراف بالإدارة الذاتية» شمال شرقي البلاد، و«إلغاء جميع إجراءات التمييز تجاه الشعب الكردي»، وتجاوز «الإجراءات الظالمة»، وبينها الإحصاء الاستثنائي للعام 1962 وحرمان آلاف من الجنسية، إضافة إلى إلغاء «الضغط الأمني» ضد الأكراد. وتضمن البند الرابع «اعتراف الدولة المركزية بالأكراد مكوناً رئيسياً من مكونات الشعب السوري» مثل باقي المكونات، إضافة إلى بند خامس نص على «تحديد المالية – الموازنة لكل المناطق، بما فيها المناطق الكردية».
واستند الموقف الكردي إلى «أدوات ضغط»، بينها وجود الجيش الأميركي، وسيطرة حوالي مائة ألف مقاتل من «قوات سوريا الديقراطية» على ثلث البلاد (المساحة الإجمالية 185 ألف كلم مربع) ومعظم الثروات الاستراتيجية من نفط وغاز ومياه وزراعة شرق الفرات، إضافة إلى دعم روسي ظهرت معالمه في تسليم وزارة الدفاع مسودة دستور للأطراف السورية في 2017، نصت على «جمعية مناطق» إلى جانب البرلمان، فيما اعتبر قبولاً للإدارة الذاتية واللامركزية في سوريا.
يضاف إلى ذلك أنه بعد قرار ترمب في نهاية 2019، وقع عبدي وسبان ومملوك مذكرة تفاهم تضمنت نشر قوات من الجيش وحرس الحدود في مناطق عدة على الحدود وشرق الفرات، وهي المنطقة التي تقلصت حصة الأكراد وأميركا فيها لصالح توسع حصص دمشق وأنقرة وموسكو.
فجوة عميقة
أظهرت المفاوضات الكردية – السورية عمق الفجوة بين الطرفين. ذلك أن دمشق ترفض ضم «قوات سوريا الديمقراطية» ككتلة عسكرية في الجيش، وتقترح حلها وذوبانها في الجيش، كما أنها تتمسك برفع العلم الرسمي في كل أنحاء البلاد، وبأن الأسد هو الرئيس السوري، إضافة إلى رفض «تقديم تنازلات دستورية» للأكراد أو الاعتراف بـ«الإدارة الذاتية»، مع استعداد لقبول مبدأ الإدارات المحلية بموجب القانون 107 وتخصيص حصص مدرسية للغة الكردية.
أما بالنسبة إلى الثروات الاستراتيجية الموجودة شرق الفرات، فإن دمشق تريد أن يكون قرارها مركزياً، مع إعطاء حصة أكبر من عائداتها للمنطقة. يضاف ضمناً إلى ذلك أن دمشق تريد أن يكون الحوار مع الجانب الكردي باعتباره طرفاً وليس الطرف الوحيد الذي يمثل الأكراد.
وإزاء التشدد السياسي الاستراتيجي، هناك مرونة في دمشق في الوصول إلى صفقات عملياتية، إذ لم تمنع التوصل إلى اتفاقات وصفقات مثل تمرير نفط خام إلى مصفاة حمص أو بانياس لتكريره وإعادة جزء منه، أو تشغيل سدود للطاقة وللمياه، واتفاقات اقتصادية تخص المحاصيل الرئيسية.
من جهتها، بقيت «الإدارة الذاتية» تراهن على الجانب الروسي. وفي صيف العام الماضي، جرى توقيع مذكرة تفاهم بين «مجلس سوريا الديمقراطية»، برئاسة إلهام أحمد و«حزب الإرادة الشعبية»، بقيادة قدري جميل. وفسر مراقبون أكراد المذكرة بأنها تضمنت الاعتراف بـ«وحدة سوريا أرضاً وشعباً»، وأن «الإدارة الذاتية جزء من النظام الإداري»، وأن «قوات سوريا الديمقراطية» جزء من جيش سوريا الوطني.
وخلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، أبدى «استعداد بلاده لمواصلة العمل من أجل تهيئة ظروف ملائمة للتعايش المنسجم والتقدم لكل المكونات الدينية والعرقية في المجتمع السوري». كما أكد أن «الوثيقة» التي لم تكن روسيا «طرفاً فيها»، ووقعت في موسكو «أكدت الالتزام بمبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية». لكن وزير الخارجية السوري وليد المعلم رفضها، وقال رداً على هذه المذكرة إن «أي اتفاق يتعارض مع الدستور السوري لا ندعمه». وكانت دمشق رفضت «مسودة روسية» للدستور تضمنت تأسيس «جمعية مناطق» يشارك فيها الأكراد.
جولة جديدة
منذ لقاء القمة بين بوتين وبايدن في جنيف منتصف يونيو (حزيران) الماضي، عقدت ثلاث جولات غير علنية بين مبعوثي الرئيسين في سويسرا. وتمثل الهدف الرئيسي في الاتفاق على تمديد قرار دولي للمساعدات الإنسانية «عبر الحدود» و«عبر الخطوط» في بداية يوليو الماضي. لكن، في هذه المنصة ومنصات أخرى، كان بينها زيارات بواسطة إلهام أحمد إلى واشنطن وموسكو، تجددت الدعوات إلى استئناف الحوار بين دمشق والقامشلي. وأظهرت هذه المناقشات أن هناك رغبة روسية – أميركية باستئناف الحوار السوري – الكردي، بحيث تشجع واشنطن الأكراد على ذلك بـ«رعاية» روسية. وهناك قناعة واسعة بأن مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك من أكثر المتحمسين لذلك.
وهناك مستويان للجولة الجديدة من المفاوضات بين دمشق والقامشلي:
– مستوى عملياتي، مثل تشغيل معبر اليعربية على حدود العراق، بإدارة سورية – كردية، لإيصال المساعدات الإنسانية، وتنسيق ميداني عسكري بما يحول دون توغل تركي إضافي، باعتبار أن عدم حصول ذلك هو نقطة تفاهم أميركية – روسية حالياً، إضافة إلى صفقات خدمية واقتصادية لصالح الطرفين.
– مستوى سياسي، يخص نقاطاً رئيسية تتعلق بمستقبل «الإدارة الذاتية» وعلاقتها مع الدولة المركزية، و«قوات سوريا الديمقراطية» ودورها في الجيش، والقومية الكردية حيث لاتزال الفجوة كبيرة حولها، مع جسر الفجوة إزاء قضايا أخرى مثل وجود العلم السوري والرئيس السوري والموقف من الأكراد عموماً.
ولا شك أن النظرة إلى مستقبل الوجود العسكري الأميركي من جهة والتفاهمات الأميركية – الروسية من جهة ثانية والتفاهمات التركية – الروسية – الأميركية، تخيم على الموقف التفاوضي لكل من دمشق والقامشلي.

جولة في ركام مخيم اليرموك…عاصمة الشتات

جولة في ركام مخيم اليرموك…عاصمة الشتات

شكل ما حدث في “مخيم اليرموك” جنوب دمشق والمعروف بـ“عاصمة الشتات الفلسطيني”، خلال سنوات الحرب، من سيطرة فصائل المعارضة المسلحة عليه أواخر العام 2012، ومن ثم “هيئة تحرير الشام” و“داعش”، ووصولا إلى العملية العسكرية التي شنتها دمشق وأفضت إلى استعادة السيطرة عليه ودمار جزء كبير من أبنيته وبناه التحتية وأسواقه التجارية وبنيته الديموغرافية، نكبة وفاجعة مؤلمة لنازحيه ما تزال ماثلة حتى الآن.
أسئلة كثيرة يطرحها أغلبية النازحين من “مخيم اليرموك” حاليا، منها: هل ستحقق عودتهم إلى منازلهم وجاداتهم؟، وهل سيعود المخيم منطقة حيوية وقلب دمشق التجاري كما كان؟، وهل فعلا سيعود المخيم “عاصمة الشتات الفلسطينيين” ورمز لحق العودة إلى فلسطين؟
ويعتبر “مخيم اليرموك” من أبرز مناطق جنوب العاصمة، ويتبع إدارياً محافظة دمشق، ويشكل بوابتها من الجهة الجنوبية، ويقع على بعد أكثر من سبعة كيلومترات جنوب دمشق، وتصل مساحته إلى نحو كيلومترين مربعين. ويحده من الجهة الجنوبية “الحجر الأسود”، ومن الجهة الغربية حي “القدم” ومن الشرق حي “لتضامن” ومن الشمال منطقة “الزاهرة”.

النشأة
وتم انشأ “مخيم اليرموك” عام 1957 على بقعة زراعية صغيرة، ومع مرور الزمن تحول إلى أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا ودول الجوار، وراح اللاجئون يحسّنون مساكنهم ويشيدون الأبنية الطابقية لتتسع للعائلات الكبيرة والمتنامية، وبات كمنطقة حيوية تستقطب السوريين من الريف للعيش فيها، لقربها من دمشق، ووصل عدد اللاجئين الفلسطينيين فيه قبل الحرب المستمرة منذ عقد من الزمن إلى أكثر من 200 ألف لاجئ من أصل نحو 450 ألف لاجئ في عموم سورية، حتى لُقّب ب”عاصمة الشتات الفلسطيني”، علما بأنه يوجد في سوريا وحدها خمسة عشر مخيما تتوزع على ست مدن. وإلى جانب اللاجئين الفلسطينيين كان يعيش في “مخيم اليرموك” نحو 400 ألف سوري من محافظات عدة، وكان منذ ستينات القرن الماضي يتمتع بخصوصية إدارية مُنِحت له بقرار رسمي بأن تديره “لجنة محلية” بشكل مستقل.
وتسارع التطور العمراني في المخيم في بدايات القرن العشرين وتحسنت الخدمات بشكل ملحوظ فيه، وتم افتتاح العديد من المراكز والمؤسسات الحكومية والأسواق التجارية لدرجة بات منطقة حيوية جدا أكثر من أحياء وسط العاصمة التي استقطب تجارها لفتح فروع لمحالهم التجارية فيه للاستفادة من الكثافة السكانية وجني أكبر قدر ممكن من الأرباح في أسواق باتت الأكبر والأكثر حيوية في العاصمة السورية.
وبعد التوسع الكبير الذي طاله، بات “مخيم اليرموك” يقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول هو “مخيم اليرموك”، ويمتد بين شارعي اليرموك الرئيسي غرباً وفلسطين شرقاً، ومن مدخل المخيم شمالاً وحتى شارع المدارس جنوباً منتصف المخيم، والثاني منطقة “غرب اليرموك” وتمتد من شارع اليرموك الرئيسي شرقاً وحتى شارع الثلاثين غرباً، ومن مدخل المخيم شمالاً وحتى سوق السيارات جنوباً، وأما القسم الثالث فيسمى منطقة “التقدم» وتمتد من سوق السيارات شمالاً وحتى مقبرة الشهداء جنوباً، ومن منطقة دوار فلسطين شرقاً وحتى حدود المخيم المحاذية للحجر الأسود غرباً.
وكان سوق شارع اليرموك الرئيسي للألبسة والأحذية والصاغة والمفروشات والمأكولات الجاهزة من أهم أسواق المخيم، حيث كانت العديد من محاله تفتح على مدار اليوم، بينما يعتبر سوقا شارع لوبية وصفد من أهم أسواق الألبسة الجاهزة، على حين كان سوق الخضار في شارع فلسطين من أكبر أسواق العاصمة ويؤمه الدمشقيون من معظم أحياء العاصمة.
وبمجرد الوصول إلى “مخيم اليرموك”، والدخول في شارع اليرموك الرئيسي من مدخله الشمالي، كان المرء يواجه سيلاً بشرياً تتزاحم أقدامه على الأرصفة لإيجاد مكان لها وتتقدم ببطئ كالسلحفاة، في وقت لا يختلف المشهد في سوقي لوبية وصفد، حيث يبدو الشارعان والمحلات أكثر اكتظاظا، لدرجة أن الكثيرين كانوا يصفون المشهد هناك بـ”يوم الحشر”.
وإن كان سر الإقبال على أسواق “مخيم اليرموك” من قبل الباعة، هو استثمار الاكتظاظ السكاني الكبير فيها، بطرح البضائع بأسعار أقل مما هي عليه في أسواق أخرى وفق أسلوب “ربح أقل وبيع أكثر”، فإن إقبال المواطنين عليها من كل حدب وصوب كان سببه تنوع المعروضات وأناقة المحال والعاملين فيها والأهم من كل ذلك تدني الأسعار عما هي عليه في أسواق وسط العاصمة.
النكبة.

حراك… وحرب
بعد اندلاع الحراك السلمي في عدد من المدن والمناطق السورية منتصف مارس (اذار) 2011 وتحوله إلى حرب طاحنة بعد عدة أشهر، تشكلت في “مخيم اليرموك” الذي يحمل رمزية لحق عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها عام 1948، مجموعات شبابية ضمت مواطنين سوريين ولاجئين فلسطينيين انحازات إلى الحراك الشعبي، وسط تحذيرات وتهديدات متواصلة أطلقها حينها مسؤولون للأهالي والفصائل الفلسطينية الموالية له من مغبة التعاطف مع ما يسميه “الإرهابيين” في المناطق المجاورة للمخيم وجعله حاضنة لهم، إذ كانت فصائل “الجيش الحر” في ذلك الوقت تسيطر على مناطق محيطة به منها “الحجر الأسود” وبلدتي “يلدا” و“بييلا” القريبة منه من الجهة الجنوبية الشرقية.
وفي منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2012 تمكنت فصائل “الجيش الحر” من السيطرة على المخيم، لتحل في اليوم التالي نكبة بسكانه تجاوزت في مآسيها نكبة عام 1948 ونكسة 1967، عندما أطلقت طائرات النظام ثلاثة صواريخ عليه أصابت إحدها مسجد عبد القادر الحسيني في “المخيم القديم”، حيث قتل وأصيب عشرات المدنيين، ونزح أكثر من 90 في المائة من سكانه.
ومع بقاء الوضع على هو عليه في داخل المخيم من سيطرة لـ“الجيش الحر”، وتمركز عناصر من الجيش النظامي والفصائل الفلسطينية على مدخله الشمالي لمنع تقدم الأول نحو قلب العاصمة وحصول اشتباكات بين الجانبين بين الحين والآخر، ظهرت في الداخل “جبهة النصرة“ التي تحولت فيما بعد إلى “هيئة تحرير الشام”، كما تشكلت فيه فصائل معارضة مسلحة أخرى منها فلسطينية وأخرى سورية – فلسطينية، أبرزها “كتائب أكناف بيت المقدس” و“أحرار جيش التحرير” الذي ضم عناصر منشقين من “جيش التحرير الفلسطيني”.

مفاوضات
لم يبق الوضع على ما هو عليه في “مخيم اليرموك” لفترة طويلة مع تردد أنباء عن مفاوضات تحصل بين بعض الفصائل ودمشق لاستعادة الأخيرة السيطرة عليه، إذ ظهرت صراعات داخلية على النفوذ بين الفصائل المتواجدة فيه، إلى أن هاجم المخيم في ابريل (نيسان) 2015 تنظيم “داعش” الذي كان يسيطر على “الحجر الأسود” وعدد مسلحيه في مناطق سيطرته بجنوب دمشق يصل حينها إلى نحو 2000 مسلح، وتمكن من إقصاء “كتائب أكناف بيت المقدس“ و“أحرار جيش التحرير“ وبقية الفصائل والسيطرة على أغلب مناطق المخيم وحصار “جبهة النصرة” في مربع “المحكمة” غرب اليرموك.
وبعد سيطرة داعش لم يحصل تطورات لافتة على مدخل المخيم الشمالي، حيث ظلت عناصر الجيش النظامي والفصائل الفلسطينية متمركز في مواقعها لمنع تقدم الأول نحو قلب العاصمة، مع حصول اشتباكات بين الجانبين كل فترة، حتى منتصف 2016 حين ابرمت دمشق اتفاقا مع “النصرة” للخروج من مربعها غرب اليرموك إلى إدلب، بينما بقي تنظيم داعش في داخل المخيم.
وفي مايو (أيار) 2018، ترددت بقوة أنباء عن توصل دمشق وداعش إلى اتفاق يقضي بخروج الأخير إلى البادية شرق سوريا، وفعلا حضرت عشرات الحافلات الكبيرة إلى مدخل المخيم لنقل مسلحي التنظيم من دون السماح للمدنيين أو الصحافيين التواجد في مدخل المخيم لتصوير عملية الخروج على غرار ما حصل أثناء خروج “جهة النصرة”.
لكن الأهالي والمتابعين لتطورات الأوضاع في المخيم، تفاجئوا في مساء اليوم نفسه الذي حضرت فيه الحافلات لنقل مسلحي “داعش”، بشن الجيش الحكومي وفصائل فلسطينية موالية له عملية عسكرية جوية وبرية عنيفة في المخيم “لتحريره” بعد فشل تنفيذ الاتفاق، وذلك بحسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية وفصائل فلسطينية موالية لدمشق.
وقد أنهت العملية سيطرة “داعش” على المنطقة، وتسببت بحجم دمار في المخيم يتجاوز نسبة 60 في المائة من الأبنية والمؤسسات والأسواق والبنى التحتية، بينما النسبة المتبقية تحتاج إلى ترميم كبير يكلف مبالغ مالية باهظة للغاية. وتحدثت لـ“صالون سوريا” مصادر أهلية ممن فضلت البقاء في داخل المخيم أثناء سيطرة فصائل المعارضة المسلحة وتنظيمي “هيئة تحرير الشام” و“داعش” (تُعدّ على أصابع اليد) لتدفع عن نفسها مأساة التشرد والنزوح والغلاء، وحضرت العملية العسكرية للجيش النظامي وحلفائه، أن “معظم الدمار الذي حصل في المخيم حدث أثناء العملية العسكرية الأخيرة”.
مخطط

مفاجأة
ومع بقاء “مخيم اليرموك” لعدة أشهر بعد استعادة دمشق السيطرة عليه غارقاً في الدمار، وعدم ظهور مؤشرات على إعادة إعماره وعودة سكانه، كان مفاجئا إصدار مجلس الوزراء السوري في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 قرارا يقضي بأن تحل محافظة دمشق محل “اللجنة المحلية” لمخيم اليرموك بما لها من حقوق وعليها من واجبات، وأن يوضع العاملون في اللجنة القائمون على رأس عملهم تحت تصرّف المحافظة، الأمر الذي أثار مخاوف لدى النازحين من نيات مبيتة حول مصير المنطقة.
وتعززت مخاوف النازحين مع كشف محافظة دمشق في مارس ( اذار) 2020 عن مخطط تنظيمي جديد لـ“مخيم اليرموك” من شأنه تغيير الواقع العمراني والديموغرافي للمخيم بعدما دمرت الحرب أجزاء واسعة منه وشردت سكانه بين نازحين في الداخل السوري ولاجئين في دول الجوار وبلدان غربية، وذلك رغم أن هناك مخطط تنظمي خاص به تم وضعه منذ العام 2004.
وحينها بات نازحو المخيم القاطنين في مناطق محيطة بدمشق ينعون في جلساتهم الخاصة المخيم الذي بنوه حجراً على حجر، خلال عقود من الزمن، في حال تنفيذ المخطط الجديد، بينما شن نشطاء منه هجوما عنيفا على محافظة دمشق، واعتبروا أن ما يجري بالنسبة للمخيم ليس مجرد عملية تنظيم، أو إعادة إعمار ما تدمر بقدر ما هو مرتبط بالوضع السياسي العام في المنطقة والعالم، في إشارة إلى التناحر الدولي الكبير الحاصل في سوريا، وحذروا من أنه قد لا يعود كأكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا، ورمز لـحق العودة إلى أراضيهم في فلسطين.
وعود
وعلى إثر ذلك تراجعت محافظة دمشق عن المخطط التنظيمي الجديد بعد رفضه من أغلبية كبيرة من النازحين، وأعلنت في بداية أكتوبر (تشرين الأول) 2020 عن قرار بإعادة أهالٍ إلى منازلهم، ووضعت 3 شروط لعودتهم؛ هي: “أن يكون البناء سليماً»، و“إثبات المالك ملكية المنزل العائد إليه”، و“حصول المالكين على الموافقات اللازمة للعودة إلى منازلهم”.
وبدأت المحافظة بعد ذلك في الشهر نفسه، تسجيل أسماء الراغبين بالعودة إلى المخيم، وتم منح بضعة مئات “موافقات أمنية” للعودة من أصل عدة آلاف تقدموا بطلبات، علما أن هناك 200 – 300 عائلة فقط تعيش في داخله، ومعظمها عائلات عناصر فصائل فلسطينية، وذلك وسط انعدام مطلق للخدمات والبنى التحتية. وخلال زيارات عديدة قام بها مسؤولون من المحافظة للمنطقة أكدوا أنها ستقوم بإزالة الأنقاض والركام وتأمين البنى التحتية وإعادة الخدمات للمنطقة.
وفي حين تم فتح الطرقات الرئيسية (شارع اليرموك، شارع فلسطين، شارع الثلاثين) على نفقة منظمة التحرير الفلسطينية، تفاجئ نازحو المخيم، بأن عملية إزالة الأنقاض والركام التي تقوم بها المحافظة من الطرقات الفرعية والجادات تقوم بها آلية أو آليتان، وفي أحسن الأحوال ثلاثة، بينما لم يتم البدء بإعادة الخدمات الأساسية، ووصفوا حينها عمل المحافظة بـ“المخزي”، والذي ترافق مع عمليات نهب وتعفيش كثيفة ومتواصلة، ومشاهدة شاحنات كبيرة تخرج وبشكل شبه يومي من مدخل المخيم الشمالي وهي محملة بالمواد المسروقة من حديد البناء المستعمل، وواجهات المحلات التجارية، وكذلك بقايا ما تبقى في المنازل من سيراميك وبلاط ورخام وأبواب خشب وحديد وأثاث منزلي، وسط حالة من التحسر تبدو على النازحين الذين يعانون الأمرين من ارتفاع إيجارات المنازل والأسعار وصعوبة الحياة المعيشية.

مطالب… وركام
ووسط تصاعد مطالبات الأهالي للحكومة بالإسراع في إزالة الأنقاض والركام وفتح الطرق وإعادة الخدمات، التقى وفد من “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”، برئاسة أمينها العام طلال ناجي الرئيس السوري بشار الأسد في بداية سبتمبر (أيلول) الماضي، وكشف الأول عن قرار للثاني بتسهيل عودة الأهالي إلى “مخيم اليرموك” بدءا من يوم 10 الشهر نفسه “دون قيد أو شرط”.
وذكر ناجي، أن القرار وجه الجهات المختصة السورية وبالتعاون مع الأهالي لإزالة الركام والردم من البيوت، تمهيداً لدخول آليات محافظة دمشق لإزالة الركام وتنظيف الشوارع الفرعية والحارات الداخلية، واستكمال مد شبكات المياه والكهرباء والهاتف، استعداداً لعودة الأهالي واستقرارهم في المخيم. وأشار إلى أن إزالة الركام ستتم بالتنسيق بين محافظة مدينة دمشق والفصائل الفلسطينية وسفارة دولة فلسطين، فيما تم تحديد الفترة الممتدة من 10 سبتمبر (أيلول) الماضي وحتى الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لإزالة الأنقاض من المنازل.
وأوضح، أن الأسد وجه الأمانة العامة السورية للتنمية بتوفير البيئة المناسبة لفتح بعض المحلات التجارية (سمانة، بيع الخضراوات والفواكه… إلخ)، ومساعدة أصحاب المحلات مادياً للقيام بتخديم المخيم.
وبينما تجري حاليا بوتيرة عالية عملية إزالة الأنقاض الردم وفتح الطرقات على نفقة “منظمة التحرير الفلسطينية”، بحسب مصادر عليمة تحدثت لـ”صالون سوريا”، وتشاهد بشكل يومي عشرات الشاحنات الكبيرة المحملة بالأنقاض والردم وهي تخرج من المخيم، تظهر على وجوه بعض المتوافدين إليه من النازحين ملامح الفرح، إلا أنهم يشكون من عدم تسهيل عودتهم إلى منازلهم، رغم صدور قرار رئاسي بتسهيلها “دون قيد أو شرط“، في إشارة إلى التدقيق الكبير في البطاقات الشخصية للراغبين بالدخول من قبل الحاجز الأمني في المدخل الشمالي، وعدم إلغاء شرط “الموافقة الأمنية“ للعودة، وأن الموافقات التي يحصلون عليها حاليا وبشق النفس هي “فقط لإزالة الركام من المنازل، ومن يدخل في الصباح يجب عليه الخروج مساء“.
عجوز في العقد السابع من العمر وهو يسير بخطى متثاقلة في شارع اليرموك الرئيسي باتجاه منزله لتفقده، رد بلهجة شعبية فلسطينية على سؤال لـ“صالون سوريا“، إن كان عاد إلى منزله، بالمثل العامي الشهير “لا تقول فول ليصير بالعدول“، في إشارة إلى استمرار المماطلة في إعادة الناس وعرقلتها، ويضيف: “شبعنا وعود وما رجعنا، وبعدنا عايشين على أمل الرجعة”.
وبكلمات عامية تحمل الكثير من المعاني السياسية يختم العجوز الذي يبدو من كلماته أنه مثقف وواعي لما يحصل حديثه بالقول: “خيا، يمكن أنا وأمثالي نرجع، بس الأكيد رح نموت وما ترجع أهالي اليرموك تلتم متل أول. رح نموت وتموت اجيال ورانا وما يرجع المخيم متل ما كان. وسلامة فهمك. نقطة انتهى”.