سوريا بعد عقد… بلاد تنزف بلا حدود

سوريا بعد عقد… بلاد تنزف بلا حدود

مر عقد على بدء الاحتجاجات السلمية في سوريا، ضمن موجات «الربيع العربي». يختلف السوريون على موعد الذكرى، كما يختلفون حول أمور كثيرة أخرى. وخلال السنوات العشر الماضية، تغيرت أمور كثيرة في الجغرافيا والعسكرة والنسيج الاجتماعي، وفي السياسة. ربما شيء وحيد لم يتغير كثيراً، ألا وهو المعاناة.

يتجادل السوريون حول الكثير من الأمور، وتفرقهم قضايا ومسائل، لكنهم جميعاً يشعرون بأنهم في مأزق، داخل البلاد وخارجها، مع أو ضد، عمل سلمي أو عنفي، في مناطق الحكومة أو خارجها. وبصرف النظر عن اللغة و«الداعم»، فهناك جامع واحد: المعاناة. قد تختلف درجاتها، لكن من الصعب العثور على شخص لم يتأثر بشكل مباشر في السنوات العشر المنصرمة. الاستثناء الوحيد هو فئة، قلة قليلة، استفادت في مكان وخسرت في أمكنة، استفادت في الجغرافيا وخسرت التاريخ، أو كسبت الجغرافيا وخسرت المستقبل.

تطوي سوريا اليوم عشر سنوات وتبدأ سنة جديدة. إنها مناسبة للعودة إلى جذور الأزمة ومراجعة ما حصل بالعقد الأخير مع محاولة لاستشراف السنوات المقبلة.

– كيف بدأت؟

موجات «الربيع العربي»، بدأت شرارتها في نهاية 2010 في تونس وشمال أفريقيا. تأخر وصولها إلى سوريا. بدأت تجمعاتها بوقفات احتجاجية أمام السفارة الليبية في دمشق، لدعم الانتفاضات الأخرى، في «تحدٍ حذرٍ» للسلطات المقيمة في البلاد منذ عقود. كانت الهتافات تخاطب تونس وطرابلس والقاهرة، لكنها كانت «تتحدث» مع دمشق. همّ النشطاء كان نقل الشرارة إلى البلاد. ويقول الحقوقي مازن درويش لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن السؤال كان: «من هو البوعزيزي السوري؟»، في إشارة إلى البائع التونسي المتجوِّل الذي أضرم النار في نفسه في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، وشكّل ذلك شرارة انتفاضة تونس.

وفي اعتقاده أن الشرارة كانت على جدران مدرسة في درعا جنوب البلاد، كُتب عليها: «أجاك الدور يا دكتور»، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد، ومصير نظيره التونسي زين العابدين بن علي. واعتقل فُتيان من درعا وتعرضوا للتعذيب؛ ما دفع المحتجين للخروج إلى الشارع. خرجوا في درعا، وتظاهر آخرون في سوق الحريقة وسط دمشق في 17 فبراير (شباط). لكن اليوم الذي خرجت فيه المظاهرات في شكل متزامن هو 15 مارس (آذار) 2011، ما اعتبره كثيرون تاريخ «بدء الانتفاضة السورية».

كُسر جدار الخوف، وتحطم الصمت، واتسعت المظاهرات. تصاعدت مطالبها بسبب العنف والدعم الخارجي، من شعارات محلية مطلبية، إلى لافتات سياسة تطالب بـ«إسقاط النظام». وبلغت المظاهرات ذروتها في يوليو (تموز) 2011 بمسيرة ضخمة في حماة، وقف فيها سفراء، بينهم السفير الأميركي روبرت فورد. وتركت زيارته إلى المدينة يومها، انطباعاً بأن حلفاء المظاهرات يؤيدون شعاراتها ويدعمون «إسقاط النظام». وجاء تصريح الرئيس باراك أوباما في أغسطس (آب) 2011 عن «تنحّي الأسد» ليعزز هذا الانطباع الخاطئ.
– كيف تحولت إلى العسكرة؟

تراكمت مجموعة من الأسباب للانتقال إلى العسكرة. بداية، واجهت قوات الحكومة وأجهزة الأمن المظاهرات بالعنف والسلاح و«البراميل» والقصف والحصار واتهامات بـ«مندسين» بالقيام بذلك. وتحدث كثيرون عن إطلاق آلاف المعتقلين من المتطرفين كانوا في سجون السلطات، عدد كبير منهم قاتل الأميركيين في العراق بعد 2003، واستغلوا تجاربهم التنظيمية والقتالية في التوسع في الأرض. وهذا الأمر وضع الغرب بين خيارين: النظام أو «داعش».

في المقابل، تشكلت كتلة «مجموعة أصدقاء سوريا» التي دعمت المعارضة، بدءاً من المنشقين عن الجيش، الذي شكلوا «الجيش السوري الحر». كما كان لافتاً أثر الانقسام بين الدول الداعمة للمعارضة ووجود اتجاهات مختلفة فيها. ودعمت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) في نهاية 2012 برنامجاً سرياً لدعم المعارضة انطلاقا من الأردن وتركيا.

وخفت صوت المحتجين سلمياً، في وقت ذهب الدعم الخارجي إلى لاعبين آخرين، داعمين في معظمهم للنزاع المسلح. وفي 2012، حذر أوباما الأسد من استعمال الأسلحة الكيماوية، وقال إنها «خط أحمر». ويقول خبراء ومسؤولون غربيون، إنه عندما تجاوز النظام هذا الخط بعد عام، عبر هجوم كيماوي استهدف الغوطة الشرقية قرب دمشق في أغسطس 2013، امتنع أوباما عن القيام بتدخل عسكري انتظره كثيرون.

بالنسبة لكثيرين، كان تلك نقطة فارقة. كانت الفصائل المعارضة قد تمكنت من إلحاق خسائر كبيرة بالجيش السوري، الذي أضعفته أيضاً الانشقاقات. في المقابل، ساهم التدخل المبكر لإيران وميليشياتها و«حزب الله» في لجم تقدم المعارضة. لكنّ توصل روسيا وأميركا إلى اتفاق بنزع السلاح الكيماوي في سبتمبر (أيلول) 2013 وعدم استعمال القوة، أصاب المعارضين وحلفاءهم بالإحباط. والتطور الأهم هنا هو بدء تمدد تنظيم «داعش» والفصائل المتطرقة في البلاد، بحيث زادت سيطرتها على نصف مساحة سوريا.

– متى ولماذا تدخلت أميركا وروسيا؟

أمام تقدم «داعش» في سوريا والعراق في 2014، شكلت أميركا تحالفاً دولياً للقتال ضد هذا التنظيم، يضم حالياً نحو 80 دولة ومنظمة. وحددت أميركا هدفها بمحاربة «داعش»، وقلّصت دعمها للمعارضة في قتال قوات الحكومة. وفي بداية 2014، تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. وكان هذا أيضاً منعطفاً؛ إذ إنه بدأ الربط بين أوكرانيا وسوريا. وقتذاك، لم تمارس روسيا أي ضغط على الوفد الحكومي السوري في مفاوضات برعاية أممية لتطبيق «بيان جنيف» الصادر في يونيو (حزيران) والقاضي بتشكيل «هيئة حكم انتقالية».

وإذ واصل حلفاء المعارضة دعمها عسكرياً ومالياً، بحيث تراجعت مناطق الحكومة إلى حدود 15 في المائة في ربيع 2015، بعد خسارة جنوب درعا ومناطق إدلب، وجد الرئيس بوتين فرصة سانحة سارع لاستغلالها، وتمثلت في التدخل العسكري المباشر. هذا التدخل جاء بعد رجاء من قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في صيف 2015 إلى الكرملين، للإسراع في التدخل و«إنقاذ الحليف السوري». والصفقة كانت كالآتي: روسيا في الجو، إيران على الأرض. والهدف: إنقاذ النظام – الحليف دون غوص روسيا في «المستنقع السوري»، كما حصل للاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

التدخل الروسي الحاسم في سبتمبر 2015، غيّر المعادلات في الميدان تدريجياً لصالح الأسد، بعدما كانت قواته قد فقدت سيطرتها على نحو 85 في المائة من مساحة سوريا، تشمل مدناً رئيسية وحقول نفط. ووصلت فصائل المعارضة إلى مشارف دمشق. وبدعم من طائرات وعتاد ومستشارين روس، وبمساندة من مجموعات موالية لطهران، على رأسها «حزب الله»، استعاد الأسد زمام المبادرة، ونفذت قواته حملة انتقامية، متبعة سياسة «الأرض المحروقة» لاستعادة المناطق التي خسرتها.

– لماذا توغلت تركيا؟

قال الأسد في فبراير 2016، إن هدفه ليس أقلّ من استعادة كامل الأراضي السورية. وقال «سواءً أكانت لدينا القدرة أو لم تكن، هذا هدف سنعمل عليه من دون تردّد. من غير المنطقي أن نقول إن هناك جزءاً سنتخلّى عنه».

في نهاية 2016، بدأت الكفة تميل لصالح النظام؛ إذ استعاد الأحياء الشرقية من حلب. وتكرر هذا المشهد بـ«استسلام» مناطق معارضة أخرى جنوب البلاد ووسطها، بموجب اتفاقات تسوية تضمنت إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين إلى محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، حيث يقيم قرابة ثلاثة ملايين نسمة حالياً، نصفهم نازحون تقريباً، في ظروف صعبة، تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً).

لكن هذه الاستعادة للأراضي، أدخلت البلاد في مرحلة جديدة، وهي تأسيس «مناطق النفوذ». وفي مايو (أيار) 2017، أسست روسيا مساراً جديداً مع تركيا وإيران يتمثل بـ«عملية آستانة». وكان الهدف، عسكرياً، التوصل إلى اتفاقات «خفض التصعيد» في درعا وغوطة دمشق وحمص وإدلب. عملياً، أدى هذا إلى مقايضات بين المناطق: مقابل استعادة شرق حلب، دخلت فصائل موالية لتركيا إلى شمال حلب، وشكلت «درع الفرات». ومقابل استعادة الغوطة وحمص، دخلت فصائل موالية لتركيا، في عملية «غصن الزيتون»، إلى عفرين، شمال حلب، في بداية 2018.

وأمام الدعم الأميركي لأكراد سوريا في قتال «داعش» شرق الفرات، خفضت تركيا سقف توقعاتها للعودة إلى المصالح الاستراتيجية، وهي منع كيان كردي على حدودها الجنوبية. فـ«درع الفرات» قطعت الطريق أمام تواصل كيان كردي من شرق الفرات إلى غربه، و«غصن الزيتون» قطع أوصال إقليم كردي محتمل. وتكرر هذا المشهد أيضاً في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما تدخلت تركيا شرق الفرات وقلصت مساحة مناطق كانت تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا.

إضافة إلى التوغل التركي ضد الأكراد، اتسع القلق الإقليمي من النفوذ الإيراني في سوريا. وبدأت إسرائيل بشن غارات على «مواقع إيران» لمنع تموضعها في سوريا، كما أن أميركا وروسيا والأردن توصلت في منتصف 2018 إلى «صفقة الجنوب» التي تضمنت إبعاد إيران وميليشياتها عن الجولان والأردن، وعودة قوات الحكومة السورية إلى ريفي درعا والقنيطرة.

– كيف تأسست «مناطق النفوذ»؟

استقرت المعارك والمقايضات على ثلاث مناطق: منطقة للحكومة بدعم روسي – إيراني، وتشكل نحو 65 في المائة من سوريا، وتضم معظم المدن والناس، ومنطقة للأكراد بدعم أميركي وتشكل 23 في المائة من البلاد، وتضم معظم ثروات البلاد الاستراتيجية، وأخيراً منطقة لفصائل للمعارضة تدعمها تركيا وتسيطر على ما تبقى من البلاد، وهي تتاخم القاعدتين الروسيتين في طرطوس واللاذقية غرب البلاد، وقاعدة للنظام السوري.

وبعد جولة معارك في بداية العام الماضي، توصل الرئيسان بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى هدنة في إدلب، في 5 مارس 2020، واستغل الجيش التركي ذلك ونشر نحو 15 ألف جندي وآلاف الآليات وعشرات النقاط والقواعد العسكرية في شمال غربي سوريا.

لأول مرة منذ 2011، لم تتحرك خطوط التماس لأكثر من سنة، أي منذ بداية مارس 2020. ويبدو احتمال شنّ قوات الحكومة هجوماً، لطالما هدّدت به، مستبعداً في الوقت الحاضر. ويقول محللون، إنّ من شأن أي هجوم جديد أن يضع القوتين العسكريتين، أي روسيا وتركيا، في صدام مباشر، في وقت تقوم بينهما علاقات استراتيجية أوسع من إدلب.

وفي هذه «المناطق الثلاث»، هناك الكثير من المقاتلين والقواعد العسكرية ومئات نقاط المراقبة تحت مظلتين جويتين أميركية شرقاً وروسية غرباً، بحث جاز القول بوجود خمسة جيوش في البقعة السورية، وهي الأميركي، والروسي، والإيراني، والتركي، والإسرائيلي.

أيضاً، تقاسمت هذه الأطراف السيطرة على الحدود والمعابر. وقال الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش، إنّ القوات الحكومية «تسيطر على 15 في المائة فقط من حدود سوريا». ويستنتج أن «الحدود هي رمز السيادة بامتياز، وبطاقة أداء النظام لا تزال فارغة تقريباً على تلك الجبهة». وتسيطر القوات التركية والأميركية والكردية والمجموعات المدعومة من طهران، بحكم الأمر الواقع، على ما تبقى من الحدود.

-الى أين؟

عليه، باتت البلاد بشكل غير رسمي مقسمة رسمياً إلى مناطق نفوذ متعددة، وتسيطر قوى متناحرة بشكل أحادي على معظم حدودها. وما على السوريين، الذين تتعمق جروحهم وتتفاقم معاناتهم إلا انتظار الفرج القادم من الآخرين وتفاهماتهم وصفقاتهم. وصدق قول أحدهم في دمشق «انتهت الحرب، بمعنى توقف القتال والمعارك، لكن جراحنا ما زالت تنزف».

كيف تستفيد روسيا من “خنق” سوريا… اقتصاديا

كيف تستفيد روسيا من “خنق” سوريا… اقتصاديا

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

برر السفير الروسي في دمشق الكسندر يفيموف سبب عدم تقديم بلاده الدعم المالي للنظام السوري، وصرح أن الوضع صعب للغاية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، ووصف حال الاقتصاد السوري بالاستنزاف العام، وأضاف أنه رغم أهمية الدعم متعدد الأوجه، إلا أن روسيا تعمل على تعزيز جهودها العسكرية لمحاربة الإرهاب. ونوه أن روسيا نفسها تحت تأثير العقوبات، وتعاني ركوداً اقتصادياً بسبب جائحة كورونا، على الرغم من إعلان روسيا عن مشاريع استثمارية كبيرة في سوريا والتي لم تدخل حيز التنفيذ بعد.

ليس خافياً على أحد، أن سلسلة الأهداف التي تسعى لها روسيا من تواجدها في سوريا، تذهب أبعد من النظام واستمراره.  ففي الوقت الذي يشكل لها النظام ضمان استمرار المصالح الروسية وتمددها، تشير الوقائع، على أنه كلما ضعف النظام واستنزف قدراته كلما قويت شوكة روسيا وازدادت مكاسبها العسكرية والاقتصادية والسياسية، حيث لا انفكاك ولا بديل للنظام السوري عن الدعم الروسي، خاصة مع زيادة الخناق على الدعم الإيراني للنظام، سواء بسبب العقوبات والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران، أم بسبب الاتفاق على تحجيم الوجود الإيراني بالاتفاق بين أمريكا وإسرائيل وروسيا، عبر مسلسل طويل من الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية. هذا الواقع المعقد يجعل من حلم تمدد إيران وتوسعها في سوريا كابوساً؛ فالتواطؤ الروسي مع هذه الضربات يسعى لإضعاف وتحجيم إيران، وإعادة اقتسام الغنائم لصالح روسيا.

في الوقت ذاته تعمل روسيا على احتواء إيران، ووضعها تحت جناحيها لتدور بفلكها، بعد أن سدت جميع المنافذ بوجهها، و أضعفت هامش مناوراتها. فروسيا التي تسيطر على الأرض بقواعدها العسكرية، وتتدخل على الصعيد العسكري لخلق معادلات جديدة تزيد من نفوذها وتوغلها في مفاصل الحياة السورية وتدخلها في هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يضمن ويعزز سيطرتها.

سلم تطور العلاقات الاقتصادية الروسية مع سوريا

منذ بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015عملت روسيا إلى جانب الدعم العسكري على تمتين العلاقات الاقتصادية التي كانت متواضعة بين الجانبين، وعملت على تأسيس علاقات اقتصادية طويلة الأمد. من المعروف أن دمشق احتفظت دوماً بعلاقات سياسية جيدة مع موسكو، لكن علاقاتهما الاقتصادية اكتسبت أهمية أكبر بعد اندلاع الاحتجاجات في 2011 ؛ فوفقاً لبيانات رسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وسوريا في العام 2010 نحو ‏مليار دولار أمريكي، لكنه ارتفع بعد اندلاع الاحتجاجات في عام 2011 إلى نحو 2 مليار دولار.

في عام 2013 وقعت الحكومة السورية اتفاقاً مع شركة “سيوزنفتاغاز”   (Soyuzneftegaz)  الروسية من أجل الحفر والتنقيب عن النفط والغاز، قبالة الساحل السوري، وفقاً لعقد يستمر لمدة 25 عاماً.

هذه الاتفاقية تحقق أحد أهداف روسيا للاستثمار في قطاع الطاقة السوري، حتى يكون لها حصة فيه بدلاً من التنافس معه، باعتبار أن سوريا مكان محتمل، لمرور شبكة أنابيب النفط والغاز إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، وهو ما يهدد هيمنتها على تصدير الغاز للقارة الأوروبية.

بعد أن تمكن النظام بمساعدة حليفيه روسيا وإيران، من استعادة سيطرته على نسبة 70 بالمائة من أراضي سوريا، وفي سياق عملية التفاوض المتعثرة، دخلت روسيا في سباق التنافس مع إيران، على اقتسام الكعكة السورية، وكان واضحاً أن روسيا تقبض ثمن كل خطوة تدعم بها النظام، واتجهت بقوة نحو الاقتصاد حيث استطاعت روسيا، استمالة حيتان المال، وصبت سيولتهم المالية في بنوكها، وعقدت ما شاءت من صفقات وعقود، ترهن فيها البلد لمصالحها.

أخذت تطالب النظام بمستحقاتها من الديون قبل أن يدخل قانون قيصر حيز التطبيق، وروسيا عالمة بحجم الخلاف بين حيتان المال ورامي مخلوف في الصراع على الحصص، والتنافس على النفوذ الاقتصادي. وتبين مع الوقت كيف أن روسيا أخذت تلعب على التناقضات القائمة بين مخلوف والسلطة، لتصل الى مبتغاها ليس المالي فحسب، بل السياسي أيضاً في سوريا.

واستغلت روسيا فترة السبات الانتخابي في أمريكا التي امتدت لمدة ستة أشهر، وأصابت السياسة الأمريكية الخارجية بالشلل، لتعزيز مكانتها واستثمار نفوذها وفرض وقائع جديدة، حيث زار لافروف على رأس وفد روسي دمشق وشدد حينها على أن إعادة الإعمار في سوريا لها أولوية، بعد أن انتصرت على الإرهاب بدعم روسيا.

وبالفعل، وقعت روسيا مع النظام عدة اتفاقيات استراتيجية، في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية في البحر المتوسط، واستخراج الفوسفات من مناجم الشرقية في تدمر، كما وقعت “ترانس غاز” مع حكومة النظام اتفاقية لاستئجار مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً.

ولم تقتصر الاتفاقيات بين الطرفين على البترول والغاز والطاقة وحسب، بل شملت جوانب أخرى، منها الحبوب والأغذية، حيث بموجب هذه الاتفاقيات، أصبحت روسيا الدولة الأولى في تصدير مادة القمح لسوريا، إضافة إلى الاتفاق على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص بكلفة 70 مليون يورو، ما يعني أن القمح الذي يشكل المادة الأساسية في قوت السوريين، بات بيد روسيا بشكل شبه تام.

 إضافة لذلك حازت على اهتمام القيادة الروسية عقود إعادة الإعمار، وكشفت مؤسسة الإسكان على لسان مديرها “أيمن مطلق” على أنها توصلت مع شركات روسية إلى مراحل متقدمة من النقاش حول المشاريع الإسكانية. وأعلن في وقت لاحق ممثل مركز المصالحة الروسي، على أن بلاده تقوم بدراسة مشاريع، تتعلق بإعادة الإعمار، بهدف عودة اللاجئين. وهكذا استطاعت روسيا أن تعقد من الاتفاقات ما تريد، وترهن سوريا مقابل تعهدها بدعم وجود النظام، لكن لو فرضنا أنها تخلت عن النظام، ونكصت بوعدها هل بإمكان النظام أن يفعل شيئاً! إلى أين المفر! ما يراهن عليه النظام هو أن روسيا لن تجد بديلاً أفضل منه، ولن تتخلى عنه! إلا أن روسيا التي أبرمت هذه الاتفاقيات لتصبح أوراقا إضافية بيدها، فعلت ذلك لتثبت قدرتها على التحكم بالنظام والضغط عليه لتساوم المجتمع الدولي على مستقبل سوريا، بانتظار معرفة وجلاء الموقف الأمريكي الجديد، بقيادة الرئيس بايدن. نعم أبرمت روسيا هذه الاتفاقيات مع وقف التنفيذ، بحجة قانون قيصر الذي يسلط سيف العقوبات على الدول والشركات التي تدعم النظام السوري، فهي لن تستطيع إدخال المواد والأجهزة التي تمكنها من تنفيذ هذه المشاريع! أما النظام فما دفعه إلى إبرام هذه الاتفاقيات هو الأزمة السياسية والعسكرية والاقتصادية وضرورة تحقيق الاستقرار للبدء بإعادة الإعمار، خشية من تجدد اندلاع النزاعات المسلحة خاصة مع أمريكا.

استثمار روسيا للواقع الاقتصادي المزري لخدمة أهدافها

عمل النظام السوري بشكل مستمر على نقل عبء الأزمة الاقتصادية الخانقة، والعقوبات المفروضة عليه إلى عاتق الشعب السوري، حتى أصبح أكثر من 80 بالمائة منه مهدداً بالجوع، وصارت سوريا بأسفل قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم. حاول النظام الاستثمار بوضع الشعب المزري، ودعا إلى زيادة الدعم والمعونات  سواء من الدول على شكل مساعدات أو من اللاجئين بضخ العملة الصعبة إلى أهاليهم في سوريا لإنقاذهم من الموت جوعاً، حتى أن النظام استخدم وباء الكورونا من أجل الضغط على الخارج لدعمه ورفع العقوبات عنه. إضافة لذلك استغل النظام الوضع المعيشي الصعب وانهيار الاقتصاد وتفشي البطالة، لعسكرة الشارع والتجنيد في صفوف الجيش.

أيضاً عملت روسيا على استغلال الوضع الاقتصادي المذري، لتحقيق أهدافها في التغول أكثر في المجتمع السوري، وتعزيز نفوذها العسكري والأمني. فمنذ أن بدأت روسيا تدخّلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015 عملت على خضوع النظام السوري عسكرياً وأمنياً لقراراتها، لكن ذلك لم يمنعها من المضي في مسار موازٍ لتشكيل كيانات عسكرية تابعة لها، بصورة مباشرة، لضمان الولاء العسكري لها على المدى الطويل.

وتحقيقاً لهذه الاستراتيجية، شكلت روسيا فرقة النمر بقيادة الضابط البارز في قوات النظام سهيل الحسن، وأغدقت عليه العتاد والدعم. كما أنشأت الفيلق الخامس، الذي فتح أبوابه للمتطوعين والمنشقين سابقاً، وحتى للمقاتلين السابقين في صفوف الجيش الحر، ممن انخرطوا في التسويات والمصالحات في المناطق التي كانت يُهجَّر سكانها، وذلك كملجأ لهم يعيدهم إلى النظام، ولكنه يحميهم من انتقامه في الوقت نفسه. وبناء على ذلك يعد الفيلق الخامس تشكيلاً عسكرياً كبيراً، تابعاً للنظام السوري رسمياً، ويأتمر بأوامر قاعدة حميميم الروسية عملياً، ويتلقى من روسيا دعماً مادياً ولوجستياً وعسكرياً، ويوجد في عدة محافظات سورية.

 تجنيد الشباب السوري كمرتزفة

إن البطالة والفقر المدقع والوضع الاقتصادي المزري، كانت من أهم العوامل لنجاح روسيا في تجنيد آلاف المرتزقة وإرسالهم إلى الجهة التي تريدها، بما يخدم مصالحها وسياستها التوسعية عبر العالم، حيث كشف تقرير مفصّل صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، عن قيام شركات أمنية روسية بتواطؤ مع النظام السوري بتجنيد ما لا يقل عن 3 آلاف مقاتل سوري، لغرض القتال في ليبيا، دعماً لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، ضد قوات “حكومة الوفاق”.

انتشرت عمليات التجنيد في كافة المحافظات السورية، ولاقت رواجاً كبيراً بدءاً من مدينة السويداء وانتقالاً فيما بعد إلى القنيطرة ودرعا ودمشق وريفها (جنوباً)، وحمص وحماة (وسط)، والحسكة والرقة ودير الزور (شمال شرق البلاد)

 ورغم المصير الأسود الذي ينتظر هؤلاء المرتزقة، والنيل من سمعتهم وانتمائهم الوطني إلا أن الظروف الاقتصادية المزرية، والرواتب المغرية التي قدمتها روسيا لهم، كانت كفيلة بجذبهم وتجنيدهم ليشكلوا ظهيراً عسكرياً لدعم روسيا ليس في الداخل السوري فحسب، بل خارج الحدود.

 الخلاصة

استنزفت روسيا  النظام رغم الأزمة الخانقة التي يعيشها، حين طالبت بديونها ثمناً للسلاح الذي استخدم لاستعادة المناطق وحماية النظام. ورهنت سوريا عبر الاتفاقات والعقود والقواعد العسكرية، بالمقابل كان دعمها المالي والاقتصادي محصوراً بالقوى الموالية لها التي تأتمر بأمرها كقوات نمر والفيلق الخامس والمرتزقة. وبعد كل ما حصلت عليه وكل الوعود التي قدمتها لدعم النظام، أخذت تُحمل النظام مسؤولية الوضع الاقتصادي القائم، وتتخلى عن التزاماتها اتجاهه، لتترك الباب مفتوحاً على المساومات والضغوط بما يناسب مصالحها.

هل هو “الفصل الاخير” من المفاوضات السورية-الاسرائيلية؟

هل هو “الفصل الاخير” من المفاوضات السورية-الاسرائيلية؟

كانت سوريا وإسرائيل، بفضل وساطة أميركية، على حافة توقيع اتفاق سلام في نهاية فبراير (شباط) 2011، قبل اندلاع الاحتجاجات ضمن «الربيع العربي». صاغ الوسيط الأميركي مسودة اتفاق «ذهبت أبعد بكثير من أي ورقة سابقة»، وتضمنت قطع دمشق لـ«العلاقات العسكرية» مع طهران و«حزب الله» اللبناني، و«تحييد» أي تهديد لإسرائيل، مقابل استعادتها مرتفعات الجولان السورية المحتلة من إسرائيل، إلى خط 4 يونيو (حزيران) 1967.

هذا ما أكده لـ«الشرق الأوسط» مسؤولون كانوا منخرطين في المفاوضات التي قادها المبعوث الأميركي فريد هوف بين الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وتضمنت عقد جلستين على الأقل مع وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، والمستشار القانوني رياض داودي، بحضور السفير الأميركي السابق روبرت فورد. وكان الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ونائبه وقتذاك جو بايدن (الرئيس الحالي)، على علم بهذه المفاوضات السرية، مع انخراط كبير من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. ولم يتوفر تعليق رسمي على مضمون هذه المفاوضات من دمشق التي تعلن دائماً التمسك بـ«استعادة كامل الجولان» و«العلاقة الاستراتيجية مع إيران».

– عرض مثير

كان وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري قال في كتابه «كل يوم هو يوم إضافي» إن الأسد بعث إلى الرئيس أوباما مقترحاً لإقامة سلام مع إسرائيل، وإن نتنياهو عندما اطلع على الاقتراح وجده «مثيراً للدهشة». وقال كيري إنه في عام 2009، بينما كان يتولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، زار دمشق وتناول في اجتماع مع الأسد أموراً عدة، بينها اتفاق السلام مع إسرائيل، في ضوء أن المحاولات السابقة في ظل حكومات إسحق رابين وشيمون بيريز وإيهود باراك وأولمرت ونتنياهو (خلال فترته الأولى بين 1996 و1999) انتهت بالفشل.

وقال كيري: «سألني الأسد ما الذي يحتاج إليه الأمر للدخول في مفاوضات سلام حقيقية، على أمل ضمان عودة الجولان التي فقدتها سوريا لحساب إسرائيل عام 1967، أجبته بأنه إذا كان جاداً، فعليه تقديم مقترح غير معلن. وسألني عن الصورة التي ينبغي أن يكون عليها الاقتراح، فشاركت معه أفكاري. وبالفعل، أصدر توجيهات إلى أحد كبار مساعديه بصياغة خطاب من الأسد إلى أوباما». وكتب كيري أنه في هذا الخطاب، طلب من أوباما دعم محادثات سلام جديدة مع إسرائيل، وأعلن «استعداد سوريا لاتخاذ عدد من الخطوات، مقابل عودة الجولان من إسرائيل».

وبعد اجتماعه مع الأسد، توجه في اليوم التالي جواً إلى إسرائيل، وجلس مع نتنياهو الذي كان قد عاد إلى السلطة بعد 10 و«أطلعته على خطاب الأسد، فشعر نتنياهو بالدهشة من أن الأسد على استعداد لقطع كل هذا الشوط الطويل، والوصول إلى نقطة أبعد بكثير عما كان على استعداد لتقديمه من قبل».

وذكر كيري أنه بعدما عرضه على نتنياهو، حمل «عرض الأسد» إلى واشنطن، وحاولت إدارة أوباما اختبار مدى جدية الرئيس السوري، من خلال طلب اتخاذ «إجراءات لبناء الثقة» تجاه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، بينها وقف بعض شحنات الأسلحة لـ«حزب الله»، الأمر الذي لم يحصل. وكتب كيري: «أتذكر أنني سمعت أن الأسد استمر في نمط السلوك ذاته تماماً تجاه (حزب الله) الذي أخبرناه أن يتوقف عنه؛ كان ذلك خيبة أمل، لكنه لم يكن أمراً مفاجئاً».

– ضربات إيرانية

بعد انطلاق مفاوضات السلام عقب مؤتمر مدريد للسلام في 1991، جرت محاولات بين سوريا وإسرائيل بلغت ذروتها مع رابين عبر مفاوضات ما يعرف بـ«أرجل الطاولة الأربع»: الانسحاب، وعلاقات السلم، وترتيبات الأمن، والجدول الزمني، وتضمنت اجتماعات بين رئيسي أركان سوريا وإسرائيل، ومفاوضات سرية وعلنية تضمنت الالتزام بـ«الانسحاب الكامل» من الجولان، وبحث إقامة «علاقات سلم طبيعية» وترتيبات أمنية، والبحث في فتح سفارات وبوابات حدودية على الخط المفترض لـ4 يونيو (حزيران) 1967.

وبعد اغتيال رابين في نوفمبر (تشرين الثاني) 1995، حاول بيريز «التحليق في السماء باتفاق سلام مع سوريا»، واستعجل المفاوضات وصولاً إلى معاهدة. وفي بداية 1996، بدأت مفاوضات ثنائية، لكنها انهارت بعد عمليات انتحارية في تل أبيب وعسقلان والقدس. وقتذاك، أبلغ الوفد الإسرائيلي نظيره السوري، في جلسة تفاوض بأميركا، أن «إيران تقف وراء الهجمات لإفشال المفاوضات»، وأنه «يجب أن تدين سوريا العمليات الإرهابية»، حسب قول مصدر مطلع. انهارت المفاوضات، وذهب بيريز إلى عملية «عناقيد الغضب» في لبنان التي أخرجته (بيريز) من الحكومة.

وبعدما تسلم نتنياهو الحكومة 1996، «فاوضه» الرئيس الراحل حافظ الأسد، عبر رجل الأعمال الأميركي رونالد لاودر على اتفاق تفصيلي «متقدم جداً» عام 1998. كما أن خليفة نتنياهو، إيهود باراك، عرض لدى استئناف المفاوضات، وانعقاد لقاء بينه وبين وزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع، برعاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الانسحاب من الجولان حتى خط 4 يونيو (حزيران)، مقابل السلام وترتيبات الأمن. وعقدت جلسات عمل تفصيلية في شيبردزتاون، قرب واشنطن، مع تركيز على ملف المياه الشائك، حيث قال الإسرائيليون إن «المياه خط أحمر»، وقدم الأميركيون وقتذاك «ورقة عمل» كانت بمثابة مسودة اتفاق سلام.

باراك أبلغ الأميركيين في ختام جولة المفاوضات في بداية 2000 بأنه لا يستطيع عقد اتفاق سلام بسبب «الوضع الداخلي المعقد» الذي يستدعي ذهابه إلى إسرائيل، ثم العودة إلى بلدة شيبردزتاون لاستئناف المفاوضات، لكنه لم يعد.

وفي مارس (آذار) 2000، كانت آخر محاولة في عهد الأسد (الأب) الذي كان يعاني من مشكلات صحية، عبر لقائه كلينتون في جنيف. أيضاً انهارت القمة السورية – الأميركية بعد 20 دقيقة، جراء الخلاف حول الوصول السوري إلى شاطئ بحيرة طبريا، وعرض كلينتون خريطة لخط 4 يونيو (حزيران) وشاطئ طبريا أمام الأسد كان قد رفضها سابقاً.

وتسلم بشار الأسد الرئاسة في منتصف 2000. وبعد دخول سوريا في عزلة، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 2005، قدمت دمشق مرونة بالتعبير عن رغبتها في مفاوضات مع تل أبيب لـ«فك عزلة واشنطن عبر عملية تفاوضية مع تل أبيب». وقتها، رعت تركيا في 2008 محادثات وصلت إلى حد التفكير بترتيب مفاوضات مباشرة، بوساطة هاتفية من رجب طيب إردوغان والأسد وأولمرت نهاية 2008، قبل أن تنهار بقصف إسرائيلي لقطاع غزة نهاية ذاك العام.

انتهت العزلة الأوروبية، ثم الأميركية، وجاء روبرت فورد سفيراً أميركياً إلى دمشق. وفي 2010، بنت واشنطن على جهود سابقة، بينها جهود أنقرة، ورغبة إدارة أوباما بتفعيل مسار السلام، وتعيين مبعوثها جورج ميتشل لاختبار مسار التفاوض السوري – الإسرائيلي. واتسمت المحاولة الأخيرة بالسرية. وكان عدد العارفين بمسار التفاوض محدوداً في كل دولة. ومن الجانب الأميركي، كان على علم كل من أوباما وبايدن وكلينتون، ومستشار الأمن القومي توم دونيلون، والسفير الأميركي في تل أبيب دان شابيرو، والسفير الأميركي في دمشق روبرت فورد. ومن الجانب السوري، علم بالمفاوضات بدرجات متفاوتة كل من الأسد والمعلم وداودي، حيث عقدت جلسات بين المعلم وداودي وهوف وفورد. وفي إسرائيل، حصرت لقاءات هوف بنتنياهو في مقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء، بحضور باراك وزير الدفاع.

– الأسد-هوف

آخر لقاء ضمن هذه الوساطة، كان بين الأسد وهوف في 28 فبراير (شباط) 2011، أي في خضم «الربيع العربي» الذي غير نظامين في ليبيا ومصر، وبدأت مظاهراته في دمشق. وروى هوف الذي عمل على صوغ مسودة الاتفاق أن الأفكار تضمنت تخلي دمشق عن «العلاقات العسكرية» مع طهران و«حزب الله»، مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الجولان إلى خط 4 يونيو (حزيران).

وكان هوف، القائد السابق في الجيش الأميركي الخبير في مجال ترسيم الحدود بالمناطق المتنازع عليها، أول شخص رسم على الأرض خط 4 يونيو (حزيران) في بدايات تسعينيات القرن الماضي. ويروي فورد لـ«الشرق الأوسط» أن هوف لدى وصوله إلى دمشق، طلب عدم حضور لقائه (هوف) مع الأسد، وأنه وافق على ذلك شرط أن ينام هوف في منزله، مقر السفير الأميركي في دمشق. وقال: «اتصلت به هاتفياً على خط مفتوح كي تسمع المخابرات السورية حديثنا، وقلت: أنا موافق شرط أن تنام في مقر الإقامة الخاص بالسفير، أنت ومساعدك، كي يعرف السوريون أننا فريق واحد. وهذا ما حصل. كما أن هوف أخبرني بمضمون اللقاء، وأترك له ذكر تفاصيل ما حصل في اللقاء مع الأسد، والمفاوضات عموماً».

وقد تضمنت وثائق هوف، حسب تقارير إسرائيلية نشرت في 2012، أن المفاوضات اعتمدت على استعداد نتنياهو للعودة إلى حدود 4 يونيو (حزيران) 1967، ما يعطي دمشق السيطرة الكاملة على الجولان، مقابل اتفاق سلام شامل، يتضمن «توقعاً» إسرائيلياً بقطع العلاقات بين سوريا وإيران.

وحسب اعتقاد مسؤولين مطلعين على مضمون المحادثات، كان هوف «مقتنعاً بأن اتفاق السلام ممكن، بحيث ينهي الأسد علاقته مع إيران و(حزب الله)، ويتحول في تحالفاته إلى أميركا والدول العربية المعتدلة». وقال أحد المسؤولين لـ«الشرق الأوسط»: «لم أشاهد مسودة اتفاق سلام؛ كانت بداية للتفاوض، وليس النهاية». وذكر مسؤول آخر: «لم يكن واضحاً أن الطرفين اتفقا على جدول زمني محدد، أو توصلا إلى حل مسألة المياه في الجولان. سوريا كانت تقول إنه لا حق لإسرائيل بالمياه وراء خط 4 يونيو (حزيران)، فيما كانت إسرائيل تقول إنه حتى لو يكن لديها جيش وراء خط 4 يونيو (حزيران)، فإنها تريد حضوراً لوجيستياً يسمح بالوصول إلى المياه». وكان الخلاف حول المياه وشاطئ طبريا أحد الأسباب التي أدت إلى انهيار قمة الأسد – كلينتون في مارس (آذار) 2000، حيث أصر الرئيس السوري الراحل على «وضع قدميه» في مياه البحيرة، الأمر الذي رفضه باراك وقتذاك، بل أقام الإسرائيليون طريقاً محيطاً بالشاطئ يجعل الوصول السوري إليها متعذراً دون اتفاق لا يشوبه أي غموض.

هناك من يقول إن وساطة هوف كانت «شرطية – افتراضية»، كما حصل في منتصف التسعينيات، عندما قاد وزير الخارجية الأميركي الأسبق وارن كريستور مفاوضات تحت عنوان «ماذا لو؟»، تضمنت اقتراحاً للأسد: «ماذا لو تعهد رابين بالانسحاب الكامل من الجولان؟ هل أنت مستعد لعلاقات سلام (تطبيع)؟». وقتذاك، وضع رابين في جيب كريستور «وديعة رابين» التي تضمنت الاستعداد للانسحاب الكامل من الجولان، إذا وافق الأسد على مطالب تتضمن علاقات السلم وترتيبات أمنية. ويقول أحد المسؤولين إنه في وساطة هوف، أبدى نتنياهو «الاستعداد للانسحاب الكامل من الجولان، إذا وافق السوريون على اتفاق سلام يتضمن تغيير التوجهات الإقليمية، وقطع العلاقات مع إيران».

وقال مسؤول أميركي سابق على اطلاع على الملف لـ«الشرق الأوسط»: «فيما يتعلق بجدية الطرفين، لا شك في ذلك أبداً. المفاوضات كانت شرطية: الإسرائيليون كانوا يريدون تغييراً استراتيجياً في التوجه السوري، وسوريا كانت تريد إعادة كل الأراضي حتى خط 4 يونيو (حزيران)، وقد حصل كثير من التقدم من الطرفين». وزاد: «أميركا لم يكن لديها أي شك بجدية المفاوضات. الأسد ونتنياهو كانا جديين لمعرفة إلى أي حد سيذهب الطرف الآخر. أيضاً كان هناك تقدم كبير من نتنياهو في موضوع الأراضي أكثر من أي وقت سابق. لقاء هوف مع الأسد في 28 فبراير (شباط) أعطى إشارة واضحة لما يمكن للأسد أن يقوم به».

ويحرص الأميركيون على القول إن المسودة الخطية للاتفاق كانت أميركية، وهو «أمر مهم، ذلك أن المبعوث الأميركي ميتشل لم يقم بصوغ أي ورقة بين نتنياهو والرئيس محمود عباس (أبو مازن)». أيضاً، هناك تأكيد أميركي على عدم حصول لقاء مباشر سوري – إسرائيلي، بل كان التفاوض عبر هوف.

– بناء ثقة

تكتسب المحاولة الأخيرة من المفاوضات أهمية عشية الذكرى العاشرة لاندلاع الاحتجاجات السورية، خصوصاً أن موسكو (اللاعب الرئيسي في سوريا) تقود وساطة لـ«بناء الثقة» بين دمشق وتل أبيب، تضمن عناصر بينها صفقة تبادل الأسرى، وإعادة رفاة جنود إسرائيليين، ورعاية عودة العمل بـ«اتفاق فك الاشتباك» في الجولان 2018، وإبعاد إيران وميليشياتها عن جنوب سوريا.

وهناك أهمية أخرى بعد تردد أنباء عن اهتمام دول عربية بفتح أقنية بين دمشق وتل أبيب، أو عقد اجتماعات سرية لاختبار إمكانات عقد اتفاق سلام، و«الابتعاد» عن إيران، مقابل تقديم «حوافز» مالية تخص إعمار سوريا وحل مشكلاتها الاقتصادية.

لم تبد تل أبيب اهتماماً علنياً بالمفاوضات السياسية، خصوصاً بعد إعلان الرئيس دونالد ترمب تأييد «السيادة الإسرائيلية» على الجولان في 2019، واستمرارها في شن غارات على «مواقع إيرانية» في سوريا. كما أن دمشق لم تبد اهتماماً علنياً باتفاق سلام لا يتضمن «الانسحاب الكامل» من الجولان، و«تغامر فيه بعلاقتها الاستراتيجية مع إيران».

ومن جهته، قال فورد لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون صعباً على الأسد حالياً توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، إلا إذا حصل في المقابل على الكثير، لأنه يحتاج حالياً إلى الدعم من إيران وميليشياتها و(حزب الله)؛ إذا خرجوا من سوريا، فمن سيساعد النظام على السيطرة على البادية السورية وحمص والسويداء وجزء من درعا؟». وأضاف: «هل ستحصل دمشق على مساعدات مالية غربية حتى لو وقع الأسد اتفاق سلام وفتح سفارة إسرائيلية في دمشق؟ من الصعب تدفق الأموال وإزالة العقوبات بعد كل الجرائم التي حصلت في سوريا. من الممكن إزالة بعض العقوبات الأميركية الخاصة بإدراج منظمات إرهابية أو التدخل في لبنان أو بعض الاستثناءات، ووصول مساعدات عربية أو أوروبية، لكن قانون قيصر (الذي بدأ تنفيذه منتصف العام الماضي) لن يلغى ببساطة»، متابعاً: «لن يكون هناك تعاطف في أميركا مع الأسد، حتى لو تم توقيع اتفاق سلام. هناك حدود لما يمكن أن يقدم في مقابل أي اتفاق سلام».

في المقابل، قال مسؤول عربي مطلع على موقف دمشق: «صعب أن يقبل النظام توقيع اتفاق سلام دون ضمان واضح باستعادة كامل الجولان. صعب أيضاً أن يبتعد النظام كلياً عن إيران».

وبين الموقفين، يقول مسؤول كبير مطلع على الوضع في سوريا وإسرائيل والمنطقة وأميركا: «ربما كان ذلك الفصل الأخير في جهود البحث عن اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، كما عرفناه في العقود الماضية. قد يحصل، في أحسن الأحوال، تفاهم أو اتفاق جديد، لكنه مختلف عما قرأناه وفاوضنا لأجله لعقود».

  • نقلا عن “الشرق الاوسط”
لماذا كشفت روسيا الآن «أسرار» الجاسوس كوهين في دمشق؟

لماذا كشفت روسيا الآن «أسرار» الجاسوس كوهين في دمشق؟

الكشف في روسيا عن تفاصيل جديدة عن الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، المعروف باسم «كامل أمين ثابت»، بينها صور نادرة له في أحد شوارع دمشق، و«تصادف» تجسسه وإعدامه مع وجود عميل لـجهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي) في العاصمة السورية ومغادرته إياها سنة إعدام كوهين في 1965، طرح أسئلة عن الدور الذي تلعبه موسكو حالياً في إعادة رفاة الجاسوس من دمشق، تلبية لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من الرئيس فلاديمير بوتين.

معروف أن كوهين تعرف على الملحق العسكري في السفارة السورية في الأرجنتين، أمين الحافظ الذي عاد إلى دمشق في 1962 وأصبح رئيساً بعد تسلم حزب «البعث» الحكم في 1963. (الحافظ نفى قبل سنوات، حصول لقاء بينهما). وكان كوهين، دخل البلاد باسم كامل ثابت أمين قبل عودة الحافظ، وأقام في حي السفارات في دمشق ونسج شبكة علاقات مع النخبة السورية، حصل تضارب حول عمقها وأهميتها، إلى حين كشف أمره وإعدامه في منتصف 1965.

كوهين، الذي كان يطلق جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) عليه «رجلنا في دمشق»، نسجت حول دوره قصص كثيرة، تناولت أهمية «معلومات» عن تحركات عسكرية للجيش السوري في الجبهة نقلها إلى تل أبيب، عبر بث إشارة ورموز من منزله قرب مقر القوى الجوية السورية وسط دمشق، إضافة إلى دوره في ملاحقة «نازيين» كانوا يقيمون في العاصمة السورية.

كما تعددت الروايات حول كيفية الكشف عنه، بينها وصول معلومات من الاستخبارات المصرية أو احتجاج سفارات مجاورة لمنزله بسبب تشويش على إرسالها. ورجح خبراء سوريون دور اللواء أحمد السويداني، رئيس الأركان لاحقا، خصوصاً أنه «شكك في كوهين من اليوم الأول، وكان له دور محوري في اعتقاله والكشف عن هويته». كما تداول آخرون قصصاً عن دور لخبير إشارة سوفياتي وسيارة رصد سوفياتية في «ضبطه بالجرم المشهود»… قبل محاكمته من صلاح الضلي ثم إعدامه علناً في ساحة المرجة، رعم «مناشدات» قادة غربيين.

كتب عن كوهين الكثير في العقود الأخيرة، كما أن «نيتفلكس» أنتجت مسلسلاً عنه باسم «الجاسوس»، لكن قناة «روسيا اليوم» باللغة الإنجليزية، قدمت فيلماً تضمن عناصر جديدة تنشر للمرة الأولى. الفيلم يتضمن الكثير من الوثائق والصورة، وتبدأ القصة بالحصول على فيلم من محل لبيع القطع الأثرية في سانت بطرسبرغ، تضمن صوراً لشوارع دمشق.

مفتاح القصة، أن الفيلم تضمن صورا لشخص يسير في أحد شوارع دمشق، يعتقد أنه «شارع 29 أيار» الذي أصبح لاحقاً مقرا للمركز الثقافي السوفياتي/الروسي. هذا الشخص هو إيلي كوهين. من هنا، تنطلق القصة المثيرة، خصوصاً لدى البحث لمعرفة الشخص الذي صور الفيلم عبر الوصول إلى أقاربه. تبين، أن الشخص هو بوريس بوكين، حيث تخبر إحدى قريباته أنهم باعوا شقته وأثاثها بما في ذلك الكاميرا والفيلم. ولدى التحقق في سجلات وزارة الدفاع، تبين أن بوكين حصل على ثلاث ميداليات من «النجمة الحمراء» وهو كان تخرج من كلية عسكرية سوفياتية وتخصص في الإشارة والاتصالات.

كان لافتا تزامن وصول بوريس وإيلي إلى دمشق. المثير أنه بين تقارير التجسس التي أرسلها كوهين عبر الترميز السري، واحد عن وصول 150 خبيرا عسكرياً سوفياتياً في لحظة كان الصراع الغربي – السوفياتي على سوريا في خواتمه لصالح موسكو بعد وصول «البعث». والمثير أيضاً، أن «الموساد» علم بوصول بوريس إلى دمشق. هنا، كان الطرفان يلاحقان النازيين في ظلام العاصمة السورية.

وتضمن الفيلم أيضاً، مقابلة مع سيرغي ميدفيدكو ابن ليونيد الذي كان «صحافياً، وربما جاسوسا» أيضاً في شوارع دمشق. ويعرض الفيلم لقطات إعدام كوهين ووضع جثمانه في الكفن من زوايا تصوير من سطح بناية تطل على المرجة، ربما تعرض للمرة الأولى، حيث يتذكر سيرغي كيف ركض أحدهم إلى منزلهم في دمشق للقول إن كوهين «أعدم، أعدم».

كوهين ألقي القبض عليه بعد تعقب إرسال الشيفرة من سيارة متخصصة جاءت من الاتحاد السوفياتي. من غير المعروف ما إذا كان بوريس لعب دورا في الكشف عنه. لكن المثير أن مهمته في دمشق انتهت مع إعدام الجاسوس الإسرائيلي… وعاد إلى موسكو. بعدها بقيت سوريا في المحور السوفياتي رغم التغييرات في موسكو.

في العقود السابقة، كانت دمشق توازن بين الغرب والسوفيات – الروس. وفي نهاية 2015، تدخل الجيش الروسي في سوريا وأقام قاعدتين عسكريتين. حالياً، باتت موسكو توازن بين دمشق والعواصم الأخرى، وتتوسط في ملفات كثيرة. ويقيم بوتين علاقة خاصة مع إسرائيل. نتانياهو يريد توظيفها في إعادة رفاة كوهين كما حصل مع جندي إسرائيلي قتل في لبنان في 1982 وأعيد رفاته بوساطة الرئيس الروسي في بداية 2019.

ونقل عن ضابط رفيع سابق في دمشق، قوله إن رفات كوهين «كان مكانه يتغير كل أسابيع». أما الضلي رئيس المحكمة، فقال لي في 22 مارس (آذار) 2004 إن كوهين «كان مدفوناً بعد إعدامه في كهف على طريق الديماس لكن بعد فترة أخذ الرفات ودفن في مكان آخر غير معروف» وأن أغلب من يعرف أين دفن «تسرح من الجيش أو ذهب أو ترك منصبه».

*من “الشرق الأوسط”

صفقة «انسانية» بين سوريا واسرائيل؟

صفقة «انسانية» بين سوريا واسرائيل؟

منذ دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى اجتماع طارئ للحكومة، مساء الثلاثاء، تصاعدت توقعات باحتمال أن يكون ذلك مرتبطاً بـ«صفقة تبادل» توسط فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تتضمن إطلاق سراح إسرائيلية «اُعتُقلت بعد دخولها بالخطأ إلى القنيطرة» والحصول على معلومات عن رفات إسرائيليين في سوريا، مقابل إفراج تل أبيب عن سجناء سوريين في معتقلاتها، كما حصل في صفقة سابقة رعتها موسكو بين تل أبيب ودمشق في 2019.
وما زاد من أهمية «الرسائل السياسية» لذلك، كلام المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرنتييف في ختام اجتماع «الضامنين» لمسار آستانة (روسيا، إيران، تركيا) في سوتشي أمس، وجود اتصالات روسية – إسرائيلية لـ«تخفيف التوتر ونزع فتيل التصعيد» مع التحذير من «ضربة جوابية» من دمشق على الغارات المتكررة.

– ماذا حصل؟
بعد اجتماع (الثلاثاء)، فرض وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس حظراً عن نشر أي معلومات عن الاجتماع. قيل في وسائل الإعلام، إن الأمر يخص «ملفاً إنسانياً توسطت روسيا في شأنه». وذكرت صحيفة «هآرتس»، أن الاجتماع تناول «مسألة أمنية حساسة».
كان نتنياهو تلقى اتصالاً من بوتين، وتحدث غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي مع نظيريهما الروسيين سيرغي شويغو وسيرغي لافروف. وكتب غانتس في العاشر من هذا الشهر، على موقع «تويتر»، أنه بحث مع نظيره الروسي «استمرار الحوار المهم بين روسيا وإسرائيل بهدف ضمان أمن العسكريين»، إضافة إلى مناقشة «الجهود الإنسانية في المنطقة ومحاربة الإرهاب».
وفي 15 الشهر الحالي، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بسقوط «قتلى من جنسيات غير سورية جراء قصف إسرائيلي على مناطق قرب دمشق»، لافتاً إلى أن الغارات أسفرت عن «تدمير مستودعات أسلحة وصواريخ تابعة للإيرانيين». وفي اليوم التالي، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس لوكالة «تاس» الروسية، «لدينا آلية للتنسيق التكتيكي وتفادي الصدام مع العسكريين الروس، وهي تعمل جيداً جداً، ولدينا خط ساخن يعمل دائماً، ونعتبر أن كل ذلك يتسم بالأهمية الاستراتيجية». وأشار إلى أن «الجيش الإسرائيلي يأخذ بعين الاعتبار أمن الكوادر العسكريين الروس في سوريا».
من جهتها، بعثت دمشق رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، حذرت فيها «إسرائيل من التداعيات الخطيرة لاعتداءاتها المستمرة على أراضيها تحت ذرائع واهية».

– بحث في مخيم
أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أمس، بأنه «يجري العمل على تحرير سوريين من أبناء الجولان المحتل من سجون الاحتلال». وزادت «عملية التبادل تتم حالياً عبر وساطة روسية لتحرير نهال المقت وذياب قهموز في عملية تبادل يتم خلالها إطلاق سراح إسرائيلية دخلت خطأ في منطقة القنيطرة حيث تم اعتقالها».
كان نادي الأسير الفلسطيني أعلن، الأربعاء، أن إسرائيل قررت الإفراج عن قهموز «بموجب صفقة تبادل». وأضاف، أن «إدارة سجون الاحتلال استدعت قهموز لإبلاغه بقرار الإفراج عنه إلى سوريا؛ ذلك بموجب صفقة بين سوريا وإسرائيل بوساطة روسية».
ويُعتقد أن هذه «الصفقة» قد تساهم في تراكم جهود أوسع ترعاه موسكو. وفي بداية الشهر، أكد شهود في مخيم اليرموك مشاهدتهم سيارات روسية بحماية أمنية سورية مشددة يفتشون في إحدى مقبرتي المخيم، وسط أنباء عن «استئناف البحث عن رفات جنود إسرائيليين فُقدوا في سهل البقاع اللبناني في عام 1982».
كان موقع «صوت العاصمة» المعارض، قال إن «الروس يستخدمون عربة طبية لجمع عينات من الجثث بهدف تحليل السلسلة الوراثية (دي إن إيه)». وذكرت، أن القوات الروسية قد أخرجت بالفعل من القبور العديد من الجثامين، وأجرت تحليل السلسلة الوراثية، قبل إعادتها إلى القبور مجدداً. وقال الشهود، إن «طوقاً أمنياً ضُرب حول المقبرة».
في معركة «السلطان يعقوب» في يونيو (حزيران) 1982 خلال اجتياح لبنان، خسرت إسرائيل 20 جندياً وفقدت 3 جنود. وقالت مصادر، إن الجنديين الذين بحث الروس عن رفاتهما هما يهودا كاتس وتسفي فيلدمان. وفي تلك المعركة، استولت القوات السورية على 8 دبابات إسرائيلية، عرضت إحداها في متحف بموسكو، قبل أن يقوم بوتين في عام 2016 بإعادتها إلى إسرائيل استجابة لطلب نتنياهو.
وفي أبريل (نيسان)، سلمت وزارة الدفاع الروسية إسرائيل رفات الجندي زكريا باومل الذي قُتل في «السلطان يعقوب»، بعد مراسم «احتفالية» في موسكو عقب نقل الرفات من مخيم اليرموك على أيدي خبراء روس.
في المقابل، أفرجت تل أبيب عن الأسيرين السوريين أحمد خميس وزياد الطويل. وفي بداية 2020، أُفرج عن سجينين سوريين، أحدهما صدقي المقت الذي كان يمضي عقوبة بالسجن بعد إدانته بـ«التجسّس» لحساب دمشق. وقال مكتب نتنياهو وقتذاك، إنّ الإفراج عن المقت وزميله أمل أبو صالح «بادرة حسن نية» بعدما استعادة رفات باومل.

– بناء ثقة
إلى جانب رفات جنودها، لا تزال تل أبيب تطالب باستعادة رفات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي أعدم في دمشق عام 1965، وطلبت وساطة روسيا في «حل لغز» مصير الطيار رون أراد، الذي فُقد بعد إسقاط طائرته في لبنان عام 1986. ويسعى نتنياهو إلى تحقيق «إنجاز» قبل الانتخابات في الشهر المقبل.
من جهته، قال «المرصد»، «بعد مرور أكثر من 15 يوماً على نبش مقبرة مخيم اليرموك، من المفترض أن الجانب الروسي قد توصل لنتائج حول رفات جندي إسرائيلي، وسط أنباء أن الرفات الذي يتم البحث عنها قد تكون لكوهين»، حيث جرى نبش عدد كبير من القبور وإجراء تحليل «DNA».
وكانت روسيا توسطت لعقد صفقة مع أميركا والأردن نصت على «تخلي» واشنطن عن دعم المعارضة السورية في درعا والقنيطرة قرب الجولان، مقابل عودة رموز الدولة والجيش إلى الجنوب وتسهيل الجيش الروسي إعادة العمل باتفاق «فك الاشتباك» في الجولان ونشر الشرطة الروسية نقاطاً لتستأنف «القوات الدولية لفك الاشتباك» (أندوف) عملها في الجولان. كما رعت موسكو إبعاد ميليشيات تابعة لطهران عن «خط فك الاشتباك» وتفكيك أسلحة ثقيلة تابعة لها، وجددت ذلك قبل أيام، بدعم تمدد قوات الحكومة من غرب درعا باتجاه الجولان.
وترددت أنباء في الفترة الأخيرة، عن وجود مساعٍ لاختبار احتمال استئناف مفاوضات السلام بين دمشق وتل أبيب، في وقت تتمسك تل أبيب بهضبة الجولان لـ«أسباب أمنية»، في حين تطالب دمشق باستعادتها، وأعلنت مع موسكو رفض قرار الرئيس دونالد ترمب دعم السيادة الإسرائيلية على الجولان المحتلة منذ عام 1967.
ويُعتقد أن «الصفقات الإنسانية» المتكررة برعاية روسية، ترمي إلى «بناء الثقة» بين الطرفين لنقل الأمور من المستوى الأمني والعسكري والإنساني إلى السياسي، الذي هو أكثر تعقيداً لارتباطه بأمور إقليمية أكبر، بينها وجود إيران في سوريا، الذي تطالب تل أبيب وواشنطن بأنهائه أو «منع تموضعه».

*من “الشرق الاوسط”