الفقر يدفع النساء لبيع شعرهن في سوريا

الفقر يدفع النساء لبيع شعرهن في سوريا

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا”المعاناة اليومية في سوريا

تعد السنة الأخيرة من أسوأ الأعوام اقتصادياً التي مرت على سوريا خلال سنوات الحرب مما زاد من تأزم الوضع المعيشي لمعظم الأسر، ووصول نسبة الفقر إلى 90 في المائة مع انعدام فرص تحسين دخل الأسرة والارتفاع الفاحش في الأسعار. أدى هذا الوضع إلى لجوء الكثير من النساء إلى بيع  شعرهن أو  شعر بناتهن بسبب الحاجة المادية لتغطية نفقات الاحتياجات الأساسية من توفير المازوت للتدفئة أو مستلزمات المدارس أو بسبب الحاجة لتأمين دواء وعلاج أو حتى لتوفير الطعام.

فاطمة أم  لثلاث فتيات، واحدة منهن من ذوي الاحتياجات الخاصة وتحتاج إلى علاج ودواء بشكل مستمر؛ أجبرتها الظروف الاقتصادية السيئة إلى بيع شعر ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات. وتقول السيدة الثلاثينية: “اضطررت لقصه وبيعه لأحضر الطعام والدواء لها ولأخواتها، وبسبب اضطراري للمال قبلت بيعه بثمن بخس رغم أنه كثيف وطبيعي منسدل لأسفل ظهرها، في البداية لم تقبل المسؤولة في مركز الحلاقة والتجميل شراءه بسبب العروض الكثيرة التي تأتيها من قبل النساء لبيع شعرهن، وعندما رأته وافقت على شرائه ولكن بمبلغ زهيد.” وتضيف بحرقة: “لو كان في حقيبتي ثمن ربطة خبز لما قمت ببيعه حينها.”

قبل عامين كانت تجارة الشعر الطبيعي في سوريا تقتصر على البيع والشراء في صالونات الحلاقة والتجميل وبشكل محدود. أما في الفترة الأخيرة مع  تزايد عروض بيع الشعر بشكل كبير، أصبح هناك من يعمل في بيع وشراء الشعر من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حسب “هادي” الذي يملك صالون للحلاقة النسائية في المزة والذي أضاف: “خلال السنة الأخيرة زاد بيع الشعر بشكل كبير، سابقاً كان يعرض علي شراء الشعر قرابة السبع مرات في الشهر، أما خلال السنة الأخيرة  فقد  بلغت عروض البيع نحو 50 مرة شهرياً من مختلف المحافظات عبر الصفحة الرسمية للمركز.”

ويشير “هادي”  أنه في بداية العام الدراسي ومع تزايد المصاريف بالنسبة للعائلات السورية تزامناً مع الظروف الاقتصادية المنهارة في البلاد، تزايد  بشكل ملفت عدد النساء اللواتي يعرضن شعر بناتهن للبيع، ومعظمهن كان يبيع شعر ابنته ليشتري لها المستلزمات الدراسية من قرطاسية وغيرها. ويشارك “هادي”  إحدى القصص الإنسانية التي صادفته: “في بداية العام الدراسي زارتني سيدة تطلب قص شعر ابنتها البالغة من العمر 9 سنوات لبيعه. عندما بدأت في القص، بدأت الفتاة بالبكاء وقالت لوالدتها أنها سوف تشتري بكل المبلغ أغراض المدرسة، لتبدأ السيدة بالتحدث عن ظروفها المادية وحاجتها للمال وعدم وجود معيل مع الارتفاع الفاحش بالأسعار مما اضطرها لبيع كل أغراض منزلها وما تملك”.

يُباع الشعر الطبيعي بالغرام، ويختلف سعر الشراء حسب نوع الشعر، ويتراوح سعر الغرام من 200 إلى 400  ليرة شراء من صاحبة الشعر، و يباع أيضاً بالغرام من 3000 إلى 3500  ليرة سورية ( 1 دولار). أقل وصلة شعر يبلغ سعرها في السوق 700 ألف ليرة سورية (230 دولاراً) وقد تصل للمليون ليرة (330 دولاراً) في الصالونات التي تقع في الأحياء الراقية.

تشتري الوصلة من صاحبة الشعر بين 70 – 100 ألفاً وتباع بين 700 ألف إلى المليون حسب وزنها وطولها، والطلب الكبير يكون على شعر الأطفال لأنه يكون كثيفاً وغزيراً ويكون طبيعياً غير معرض لصبغ أو حرارة السيشوار، وعلى أساس ذلك يقدر نوع الشعر كنخب أول أو ثاني أو ثالث.

كان يعتمد في سوريا في صنع وصلات الشعر أو الباروكات على الشعر المستورد من الهند والبرازيل الذي يخضع لمعالجة ويقوى ويصبح صالحاً لمدة سبع سنوات؛ بينما الشعر المحلي لا يخضع لمعالجات مما يجعل استمراريته لا تتجاوز السنتين في حال تم الاعتناء به. وبسبب الظروف الراهنة وصعوبة استيراد الشعر من الخارج، وحتى في حال الاستيراد فبعد الجمركة يصبح ثمن وصلات الشعر مرتفعاً جداً مما يقلل الطلب عليها. لذلك ومع انتشار ظاهرة بيع الشعر أصبح الإقبال على الشعر المحلي أكبر حسب أحد العاملين في تجارة الشعر الطبيعي مع الإشارة إلى نوعية الشعر السوري الممتازة وانخفاض سعره مقارنة بالمستورد.

مع ازدهار تجارة الشعر الطبيعي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من المجموعات والصفحات العامة لعروض البيع والشراء، تحوي منشورات بيع الشعر الطبيعي وأغلبهم  لفتيات صغيرات ترفق مع صورة لشعر الفتاة قبل قصه ويطلب تسعيره، مع إرفاق عبارات مثل “جاهز للقص عند طلب الزبونة” أو تنشر صور لضفائر شعرهن مقصوصة  لإيجاد السعر الأفضل. تقول سناء (40 عاماً) والمقيمة في جرمانا في ريف دمشق، والتي عرضت شعر ابنتها للبيع مع إرفاق صورة لضفائر شعرها الذهبي الطويل: “عرضت شعر ابنتي للبيع لأجمع لها المبلغ اللازم لإجراء عمل جراحي في العين اليمنى ولم أكن أرغب بقبول المساعدات المادية من أحد، لتبدأ التعليقات السلبية والشتم من بعض الناس دون الالتفات لسبب وراء ذلك”.

يدير هذه المجموعات أشخاص يعملون كصلة وصل بين البائع والشاري، وجد هؤلاء مهنة جديدة تدر عليهم  دخلاً إضافياً. فمثلاً (هدى “22 عاماً” التي تدرس في كلية الهندسة المقيمة  في منطقة “دف الشوك” في ريف دمشق) أنشأت مجموعة على الفيسبوك تشتري من خلالها الشعر الطبيعي  وتبيعه، وجدت من خلالها مردوداً مادياً يساعدها على تغطية نفقاتها الجامعية، وتشرح الشابة: “بعد شراء الشعر والاتفاق على المبلغ، نقوم بمعالجة الشعر وحبكه ليصبح جاهزاً لنقوم ببيعه.”

تشير الشابة إلى أن انتشار بيع الشعر الطبيعي سبب ارتفاع السعر التي تحصل عليه صاحبة الشعر عما قبل السنتين الماضيتين، لأن النساء أصبحن يعرفن أن الشعر يباع بالغرام بينما قبل ذلك كانت السيدة تبيع شعرها بالجدولة كاملة بمبلغ معين، فأصبح سعر وصلات الشعر مغرياً نوعاً ما للنساء اللواتي يعانين من ضائقة مالية.

على طرقي البحرية: مجموعة شعرية جديدة للشاعر السوري أسامة إسبر

على طرقي البحرية: مجموعة شعرية جديدة للشاعر السوري أسامة إسبر

يصدر قريباً عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في الأردن مجموعة شعرية جديدة بعنوانعلىطرقي البحريةللشاعر والمترجم السوري المقيم في أميركا أسامة إسبر. 

تجدر الإشارة إلى أن أسامة إسبر، شاعر ومترجم سوري يعمل محرراً في موقع “جدلية” وموقع “تدوين للنشر”  وكصحفي ومترجم مستقل. صدرت له أربع مجموعات شعريّة هي “شاشات التاريخ”، “ميثاق الموج”، “تتكررفوق المنفى”، و”حيث لا يعيش”. كما صدرت له مجموعتان قصصيتان هما “السيرة الدينارية” و”مقهى المنتحرين”.

ومن أحدث ترجماته عن الإنجليزية “الكاتدرائية و”أساليب شائعة” لريموندكارفر، رواية “أسنان بيضاء” لزيدي سميث، “الفناء الإسمنتي” لإيان مكيوان، ورواية “التراب الأميركي” لجينين كمنز، ورواية “كندا” لرتشارد فورد، ورواية “توقيعه على الأشياء كلّها” لإليزابيث جلبرت، جوزف أنطون (سيرة ذاتية) لسلمان رشدي وغيرها من الكتب الأخرى.

اخترنا القصيدة التالية من المجموعة الشعرية:

 خطوات من زبد

القمرُ فوقكَ يُضيءُ نفسهُ،

وعلى مذبحكَ

تقدّمُ الأمواجِ أضحياتها لإلهٍ من رمل.

أنظرُ إلى ضوء الشمس المائلة للغروب

وهو يسرق تقاطيع الأشياء
وأقول:
هل أسمع صوتَ بحركَ يتموّج
أم اضطراب أعماقي؟
أراك منفصلاً عني
معلقاً كلوحةٍ في فضاء
أحاول أن أقرأه بلغةٍ،
ابنةِ اللحظة،
فيغلبني الصمت.
يا شاطئ أسيلومار
أشعر كأنني أسيرُ
على شاطئ حياتي
بخطواتٍ من زبد. 

********

ظلال

 كان لظلالنا حضورٌ،

آثارُ أقدامٍ على الرمال.

كانت دليلاً على أن أجسادنا مرَّتْ من هنا،

تحت شمس الظهيرة،

التي كانت تسوقُ قطيع الظلال

بأسواطٍ من الضوء،
كي تعانق الأمواج

في حفلاتِ الزبد.
كان المحيط يتسلّى بأعشابه
يرسم بها أشكالاً

سُرعان ما يمحوها،

ولم يكن يجاريه في مهنته أحد.

********

قطعة خشب

 قطعةُ خشبٍ

طرحَها البحرُ على الرمال.

كانت فيما مضى طريقاً مُورقاً

سارت عليه الثمار.

كانت متكأً
عتبةً لحضورات أطلّت بوجهها.

كان اللحاء متقشّراً

بدا كبشرةٍ

تتجمّع فيها فراغات المنفى.

شعرتُ لوهلةٍ أنها يد

حركّت أصابعها كي تصافحني

وصدقاً شعرتُ بملمس تلك الأصابع

وسرتُ على الشاطئ كالمجنون

باحثاً عن عودٍ أو غيتار

ورقة أو قلم

كي أنقلَ الرسالة.

********

 جناح محلق

 ثمة مدنٌ

تقرأ شهواتها

في جناحٍ مُحَلِّقٍ

تتعرّى في النهار

تُبرِّدُ البيرة متلهّفةً

كي تَروي ظمأها

وتمسح الرغوة وهي تبتسم
ثم تعيش لحظتها
في رقصةٍ أو أغنيةٍ أو عناق.

 ثمة مدنٌ

تتمدّد على شواطئها وتسترخي

تمسّد ظهر الضوء كأنه كلبٌ.

علامة حُبّ

علامة حُبّ

لن يهزمنا جيشُكِ أيَّتُها العمَّة الغرابة.

لا حاجة لي بحافِلةٍ؛

أحملُ المحطّاتِ على ظَهري

وأربطُ القطارَ الأخيرَ

بإصبعِ ريحٍ تتخاصَرُ مع حُلمي.

ما أن مررتُ أمامَ الأبوابِ المصقولةِ بالخوف

حتّى اهتزَّتْ أقفالُها كعروشٍ تنهارُ

جناحايَ قلادةُ الغُيومِ

وقلبي وشمُ الأسئلة.

القُبَّعةُ فوقَ رأسي خُدعةٌ

ظلُّها هو المعنيُّ بالأمرِ

أنْ يُغطّي سهلاً من الأنسامِ

وتلالاً من العُشبِ الطَّموح.

في مُحيطِ كُلِّ أُغنيةٍ جزيرة

تستطيعُ الرُّسوَّ بسلامٍ

لكنَّ خُطايَ التي التحقتْ بالمُوسيقى

لن تكفَّ عنِ البَحث

عن لحنٍ غريب.

الحيادُ يُعطِّلُ المشاعرَ

أنا كُلِّيّ في مدىً

ولو كنتُ بعضي

لقتلني المللُ المُزهرُ كسلاسلَ.

_ بمَ أُكافئُ الطّائِرَ القادمَ من المجهول..؟!!

… حمَلَ لي علامةَ حُبٍّ

وطمأنني بالاقتراب

وأنَّ قفزاتي القادمة ساحاتُ تجريبٍ أخضر

وأنَّني مهما كنتُ أسيرَ عاصمتي

سأجدُ في النِّداءِ ملاذاً لانزياحٍ خاطف.

لفظتانِ هادئتانِ معكِ

قد تكفيانِ لزيارةِ الوردة

ثُمَّ تجاوزها

إلى حيثُ يتعرّى الرّحيقُ

ويكشفُ عن سرِّه.

المُقامُ يضيقُ

بألوانِ المَجازِ

والأشواقُ تتَّسِعُ

كحقلِ ألغامٍ مُموَّه.

يخطر في ذهني أحياناً

يخطر في ذهني أحياناً

I

يخطرُ في ذهني أحياناً أننا وُلدْنا من الريح

أو على ظهور الأمواج وهي تَجْمحُ

أننا أتينا مع ضوء الفَجْر إلى لحظاتنا

وتَساقَطْنا مع الأمطار

أو ربما وُلدنا من ضوءٍ هربَ من الشمس

 كي يُضيء لحظته ويثملَ بنفسه

من الدوران السريع لجناحيْ الطائر الطنان

أو من ارتعاشِ جناح فراشةٍ

وربما مكثْنا قليلاً في أوراق الأشجار وثمارها

وفي مياه الينابيع.

وعلى الشواطئ التي غادرْناها

وُلدَ أطفالٌ آخرون

ما يزالون هناك،

 لا يفكرون بمن خرجوا منهم ورحلوا.

 

II

الشاطئُ الذي غادرْتهُ

أراد أن يحبس صوتيَ في أصدافه

بعد أن منحني أجنحةً وأخذ مني الفضاء.

أقول له الآن:

شاطئي آخرُ حانةٍ خرجتُ منها

أوّل حانة سأدخلها

آخرُ كتاب قرأتهُ

وآخر موسيقا سمعتُها أو سأسمعها.

شاطئي امرأةٌ أعانقها الآن.

 

III

المدينةُ التي درستُ فيها أربع سنوات

 على شاطئ المتوسط

لم يسافرْ منها شيءٌ معي.

نزلتُ من سفينتها

وهي تُبحر دون خريطة أو بوصلة

 في بحر ماضيها. 

 

IV

المدينة التي عشتُ فيها عقدين من عمري

عاصمةٌ تغنّى الشعراءُ بجوامعها وأسواقها ونسوا آلامها.

تخيّلوا الماءَ يجْري في نهرها

ولم يروا الذبول في أوراق أشجارها.

المدينةُ التي يتغنّى الشعراءُ بشموخ جبلها

ولا يريدون أن يروا أنها في الهاوية

آثرتْ ألا تسافر معي

أن تبقى جامعاً أو سوقاً

أن تظلَّ نهراً متخيلاً في قصائد الشعراء

زقاقاً أو مئذنة في صور السائحين

سجادةً على جدار

 أو جرّة فخار على الطاولة.

المدينةُ التي عشتُ فيها عقدين من عمري

 لم تكن حيةً في داخلي

لم أسمع فيها إلا الموتى

يُلقون مواعظهم على الأحياء.

 

V

المدينة التي رحلتُ إليها

تلبسُ في الشتاء ثوباً أبيض

فتخالها ممرضةً في مستشفى كوني

وحين تلمحُ الأضواء تنزلقُ على صدْرها الثلجي

لا تعرف إن كانت تنير الدروب أم تُعْتمها.

التقيتُ فيها مرة بكاهنٍ نذرَ حياته للمشرّدين

كان يجمع التبرعات ويموّل صالة تقدم الطعام والسرير لهم مجاناً.

سألني: ما رأيك بشيكاغو؟

قلت: مدينة كريمة، لا تُشْعركَ بأنك غريب.

علتْ وجهه ابتسامة غامضة، وقال:

أريدك أن تأتي معي في أحد الأيام كي ترى شيكاغو.

حين ذهبتُ معه رأيتُ مدينةً أخرى

 تضع أبناءها في برادات الشتاء وتنساهم.

 

VI

أتمنى لو كان بوسعي

 أن أمسكَ الطفل الذي كنتهُ

 لحظةَ خروجهِ من الرحم

وأبلّلَ أصابعي بدم ولادته

 كي أتأكد أنني ولدْتُ

أنني لستُ نسمةَ هواءٍ.

ربما لم تحدث الولادة

ربما نحن قصصٌ رواها أحدٌ ما

ما يزال يرويها أحدٌ ما

كلماتٌ همستْها شفتا الريح.

 

VII

يحدث أن تختفي بلادكَ عن الخريطة

أن تتكسّر خطوطُ مدنها وقراها

أن تنخفض سماؤها كسقف زنزانةٍ

وتضيق وديانُها وجبالُها وسهولها

ولا تعثر على مهرب إلا في روحك الضالة.

أحياناً لا تعرف أين أنتَ أو من أنتَ

أو إلى ماذا تنتمي.

ترى نفسك تغضّناً في ماء البحر

زبداً أو رملاً على الشاطئ

يلتصقُ به ضوءٌ مبلّل مجنون.

 

VIII

حين أعودُ من اللحظة التي أنا فيها

إلى لحظاتٍ عشتُها

أرى نفسي صياداً

 يرمي صنارته في الرمال.

حين أستعيد طفولتي

أشعر بملمس رمادٍ بارد على أصابعي.

ألمح قمراً ضيّع ضوءه

أفكر بالريح

بأشكالٍ تتفتّت في معدتها

الريح

التي تقتاتُ على الأشياء.

 

IX

في شيكاغو

تدفعني الريحُ أمامها في الشارع.

يكتسي وهْجُ بياض الثلج بضوءٍ

يغلّفُ المدينة بكفنِ ضباب أصفر.

ربما أستطيعُ أن أعلنَ ولادتي

في حانةٍ ما

أو في مخدعٍ ما

حين يتوهّج الضوءُ

لا من شَمْسٍ تشرقُ

بل حين ينزاحُ اللحاف قليلاً

عن جسدٍ عارٍ

وأسمعُ جريانَه

في عروقي.

 

 حزيران، 2020

 

 

 

 

 

كوَشَلٍ تحت شجرة الغَرَب

كوَشَلٍ تحت شجرة الغَرَب

١
لا أحد يعرف 
أن ظلّ ظلالكِ 
شجرة العيون 
التي تتحرك 
في حديقة ظهيرة 
كعربة مليئة بفاكهة أشواقي
ومزينة بقلائد الأميرات 
وأجزم بأن لا أحد يعرف 
أنني أرافق ظلالك المقدسة 
كذئب غير مرئي 
بعيوني وكل حواسي 
أحرس مناماتك 
كمذياعٍ متروك
بعناية شديدة 
على طرف سريرك 
المريض من شدة 
شوقي إليه.

-2-
لستُ وحيداً في الصحراء 
أبداً لستُ وحيداً 
لأنني الصحراء ذاتها 
وأنتِ شجرة الغرَب 
الوحيدة في هذا الشوق الواسع.

-3-
تسقط غيمةٌ طازجة 
على هيئة يمّ 
من أسفل عبوركِ 
على أحجار نهرٍ مريض 
مريض من عدم لفظك 
لاسمه في مكالمة هاتفية 
تحت شجرة الغرَب 
على ضفافه.

-4-
سأخترع شارعاً 
نتمشى فيه 
شارعاً لم يسبق 
لأحدٍ أن تمشى فيه قبلنا.
سأكتشف طرقاً جديدة 
في تحريك الغيوم 
وتساقط الأمطار والثلوج 
فوق الأرض.
سأخترع ليالي
غير التي عرفتها البشرية 
من أجل إشعال عظام الهدهد 
على شاكلة شموع 
أثناء محادثاتنا الهاتفية.

-5-
لو كنتِ موجودة 
في المكان ذاته 
هذا المساء 
لكان عدد ضحايا 
الحروب أقل في العالم 
هذا المساء.

-6-
لو كنتِ موجودة 
لما شعرتْ اليمامة 
بالوحشة 
على شجرة الغرَب الوحيدة 
في حدقة عيني المريضة.

-7-
لو كنتِ موجودةً
لكنتِ فهمت دلالات 
الكلمات الشعرية واللا شعرية 
في هذه الأمسية البائسة. 

-8-
لو كنتِ موجودة 
لكنتِ شعرت بتحيات الناس لي 
وأدركتِ مكائد نظراتهم أيضاً.
فقط لو كنت موجودة 
في المكان ذاته 
هذا المساء 
لكان صدري مأوى 
لجميع الطيور المتشردة 
في هذا الليل البارد.

-9-
لو كنت موجودة 
أو حتى فكرت بأن تكوني موجودة 
لما توقفتُ 
عن التدخين لحظة واحدة 
بالطريقة التي تحبينها 
لما كنتُ شعرت 
بالوحشة 
والجوع 
والبرد 
والعطش 
والضجر 
والتفاهة. 

هوامش

 الوشل: مجرى مائي هزيل ومتقطع.

الغَرَب: شجر الحور الفراتي.

 

*الصورة المرافقة هي لجدارية بارتفاع ثلاثة أمتار وعرض أربعة أمتار نفذها الفنان والشاعر دلدارفلمز بتقنية فريسكو في بداية حزيران ٢٠٢٠ على جدار إحدى الغاليريهات في مدينة زيوريخالسويسرية بإشراف الفنان كيتو سينو.