رسالة مؤتمر بروكسل إلى دمشق: لا تطبيع ولا إعمار قبل التسوية

رسالة مؤتمر بروكسل إلى دمشق: لا تطبيع ولا إعمار قبل التسوية

أعرب جوزيف بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي في حديث إلى «الشرق الأوسط» يوم الثلاثاء، عن أمله بتقديم الجهات والدول المشاركة في مؤتمر بروكسل للمانحين الذي يعقد اليوم، التزامات توازي ما كان في العام الماضي وقدرها حوالي ستة مليارات يورو، لافتا إلى أن الأوروبيين قدموا حوالي 20 مليار يورو إلى سوريا والدول المجاورة منذ 2011.

وقال بوريل، الذي يشغل أيضا نائب رئيس المفوضية منذ تسلمه منصبه نهاية العام الماضي خلفا لفيدريكا موغريني، إنه «لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية» إلى المؤتمر على غرار السنوات السابقة، مضيفا «ربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط، وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وأشار إلى «ترحيب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر».

وأوضح ردا على سؤال أن «العقوبات الاقتصادية» الصادرة عن الاتحاد الأوروبي «تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب»، مؤكدا أنها «لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء (كورونا) في الآونة الراهنة»، مضيفا «يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية».

وأشار بوريل إلى أن قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي تضم حاليا 273 شخصية و70 كيانا بـ«هدف ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب القرار الدولي 2254 تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة». وزاد: «من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى مفروضة»، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي «سيشارك في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب 2254».

وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» عن بعد وتناول أيضا الحوار الروسي – الأميركي و«الانتخابات السورية»، عشية مؤتمر بروكسل اليوم:

 ما الذي تتوقعونه من مؤتمر المانحين في بروكسل المقرر انعقاده اليوم 30 يونيو (حزيران) الجاري؟ وكيف يختلف هذا المؤتمر عن مؤتمرات الجهات المانحة السابقة؟

– دخلت سوريا عامها العاشر من الحرب. وعلى مدار الأعوام التسعة الماضية، كان على نصف سكان البلاد النزوح من منازلهم. وتوفي أكثر من نصف مليون سوري. ولدينا جيل كامل من الأطفال السوريين الذين لم يعرفوا سوى الحرب. وجميعهم يستحقون مستقبلا أفضل ينعمون فيه بالسلام. وإننا نعتبر مؤتمر بروكسل المقبل من الأدوات الأكثر فاعلية في جذب انتباه العالم والمحافظة على اهتمامه بالحاجة الماسة إلى حل هذا النزاع المستمر ومواصلة تعبئة المجتمع الدولي بشأن الحل السياسي على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وهذه الطريقة هي السبيل الوحيد لاستعادة السلام والاستقرار إلى السوريين.

وإن المؤتمر المقبل، سيكون الحدث الأهم في العام 2020 من حيث التعهدات لأجل سوريا والمنطقة بأسرها، ومن حيث التعامل مع الاحتياجات بالغة الأهمية التي تمخضت عنها الأزمة الراهنة، لكنه يتجاوز مجرد كونه مؤتمرا اعتياديا للجهات المانحة، إذ إنه يتعلق بمواصلة الدعم، على المحاور السياسية والمالية، للبلدان والشعوب المجاورة لسوريا، الذين أظهروا قدرا كبيرا واستثنائيا من التضامن مع اللاجئين السوريين النازحين قسرا من ديارهم.

والمؤتمر، أيضا تحول إلى فرصة سانحة وفريدة من نوعها بالنسبة إلى المجتمع المدني السوري بغية الدخول في حوار مفتوح ومباشر مع مجتمع الجهات المانحة ومع البلدان المضيفة للاجئين السوريين. لم نتمكن من حشد الناس بصورة شخصية ومباشرة خلال العام الحالي، لكننا استطعنا ترتيب أسبوعا من الفعاليات المهمة، حيث تمكن الشباب السوري، والنساء السوريات، فضلا عن منظمات المجتمع المدني المختلفة من التفاعل والتشارك فيما بينها مع مختلف مكونات المجتمع الدولي. وهذا من الأمور بالغة الأهمية، ليس لأنهم يمثلون الأصوات الحقيقية الناطقة باسم الشعب السوري فحسب، وإنما لأنهم يحملون في طيات أنفسهم المفتاح في مستقبل أفضل لسوريا.

يأتي مؤتمر هذه السنة في وقت هناك أزمة اقتصادية و«كورونا» في سوريا؟

– هناك جملة من العوامل التي تثير المخاوف بشأن مؤتمر العام الحالي. ومن بينها التدهور الخطير للغاية في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في البلاد، والهجوم العسكري الأخير الذي شنه النظام السوري وداعموه، وتدمير وانهيار البنية التحتية المدنية في البلاد، فضلا عن كارثة وباء «كورونا» المستجد التي اجتاحت البلاد ولا تزال. هذه كلها من العوامل التي تزيد من تفاقم الظروف المعيشية بالنسبة للمواطنين السوريين. لقد فاض بهم الكيل بالفعل.

وبالتشارك الفعال مع منظمة الأمم المتحدة، التي تضطلع بدور حاسم وحيوي وكبير، فإننا لا ندخر جهدا في الوقوف إلى جانبهم والعمل على تحقيق آمالهم وأحلامهم في مستقبل أكثر سلاما وإشراقا.

 قدمت الجهات المانحة في مؤتمر العام الماضي مساعدات مالية بقيمة بلغت 6.2 مليار يورو. هل تعتقدون أنه يمكن تأمين نفس التعهدات في مؤتمر العام الحالي؟ وهل بإمكانكم الاستجابة لنداءات منظمة الأمم المتحدة من أجل المساعدات الإنسانية؟

– من المستحيل قبل المؤتمر، تقديم رقم محتمل بشأن التعهدات المالية من جانب الجهات المانحة خلال مؤتمر العام الحالي. كما أن المبالغ المالية الملتزم بها تتغير حتما من عام إلى آخر، ذلك حسب المقاربات المعتمدة لدى الجهات المانحة. لكننا، على غرار كل عام، يحدونا طموح كبير في دعم وإسناد الشعب السوري والمجتمعات المضيفة للاجئين السوريين في البلدان المجاورة. وإننا جميعا نواصل العمل سويا، وليس أقلها التفاعل المستمر مع الرئيس المشارك من الأمم المتحدة، ذلك بهدف ضمان أن المواطنين السوريين في كافة أنحاء سوريا، فضلا عن اللاجئين النازحين إلى بلدان الجوار في الأردن، ولبنان، وتركيا، يحصلون جميعا على الدعم والحماية المناسبة من المجتمع الدولي على مدى السنة القادمة بأكملها. وهذا هو أقل ما يمكن أن يتوقعوه، وأقل ما يمكننا القيام به لأجلهم.

ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟

– بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لقد قدمنا أكثر من 20 مليار يورو منذ بداية الأزمة السورية في صورة المساعدات الإنسانية، والاستقرار، والتنمية، والمساعدات الاقتصادية المختلفة. وإننا نُعتبر أكبر الجهات المانحة بالنسبة إلى الشعب السوري، من واقع ثُلثي الأموال التي جرى إنفاقها في مساعدة الشعب السوري والبلدان المجاورة لسوريا التي جاءت من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. وسنواصل الاضطلاع بدورنا في هذا المسار.

ومما يُضاف إلى الأزمة الإنسانية والاقتصادية غير المسبوقة، وكافة المآسي والمعاناة التي يكابدها الشعب السوري، فإن السوريين يعانون في الآونة الراهنة أيضا من عواقب وباء «كورونا». ومن شأن المؤتمر، أن يتطرق إلى هذه المسألة المهمة والملحة ضمن جدول الأعمال. وفي الاتحاد الأوروبي، لقد عملنا على تهيئة المساعدات الحالية كي تتسق وفق الاستجابة المطلوبة لهذه التحديات الجديدة والإضافية، فضلا عن العمل الجاد والمستمر لضمان وصول المعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين لها في سوريا.

 لماذا لم توجه الدعوة إلى الحكومة السورية لحضور مؤتمر؟

– على غرار ما خبرناه في مؤتمرات بروكسل الماضية ذات الصلة بالشأن السوري، لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية. وربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

ونص قرار مجلس الأمن بكل وضوح على أن «الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا». وهذه ليست من كلمات المجاملات اللطيفة من زاوية الاتحاد الأوروبي، بل إنها البوصلة التي تحدد اتجاهات مساراتنا إزاء القضية. ولا يحق لأحد أن يأخذ مستقبل سوريا رهينة. ولأجل هذا السبب، فإننا نضمن المساهمات ذات الفائدة مع المشاركة الكبيرة والفعالة من جانب المجتمع المدني السوري، استمرارا مع المشاورات المكثفة عبر الإنترنت في سوريا وفي المنطقة قبل عقد المؤتمر.

كما جرى ترتيب أيام من الحوار بصورة افتراضية في تاريخ 22 و23 يونيو الجاري، وكانت تتألف من مناقشات بين المجتمع المدني، والوزراء، وصناع القرار السياسي من البلدان المضيفة للاجئين، ومن الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمم المتحدة، وغير ذلك من الشركاء الدوليين المعنيين. ومن شأن هذه الإسهامات الجادة، أن تندرج ضمن الاجتماع الوزاري الخاص بالمؤتمر في 30 يونيو، إذ إننا نعتبر المجتمع المدني السوري، وعمال الإغاثة على أرض الواقع، والمنظمات النسائية والشبابية السورية، الممثلين الحقيقيين لمستقبل البلاد.

 كيف تفسرون المشاركة الروسية في المؤتمر المقبل رغم انتقاد موسكو المعلن لعدم توجيه الدعوة إلى الحكومة السورية؟

– على غرار ما تقدم في السنوات الماضية، جرى توجيه الدعوة إلى كافة أعضاء المجتمع الدولي ممن يملكون النفوذ القائم والتأثير الواضح في مجريات النزاع السوري الراهن، وممن أعربوا عن رغبتهم في دعم الجهود الدبلوماسية، اتساقا على نحو كامل مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية. وعلى هذا النحو، يرحب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر المقبل.

 يأتي المؤتمر المقبل إثر تجديد الاتحاد الأوروبي لحزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، ومع بدء دخول «قانون قيصر» الأميركي في حيز التنفيذ الفعلي. فهل لذلك من تأثير يُذكر على مجريات المؤتمر؟

– إن من بين الأهداف الرئيسية لمؤتمر بروكسل القادم هو إجماع المجتمع الدولي وراء العملية السياسية التي تهيئ منظمة الأمم المتحدة الأجواء لأجلها تحت قيادة سورية واضحة. الضغوط الدولية الممارسة على دمشق (ترمي) للضغط عليها للمشاركة الكاملة والصادقة في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الأمر الذي نحاوله راهنا من خلال حزمة العقوبات المفروضة، التي هي بالطبع جزء من هذه الجهود (الضغوط).

 أعلنت الحكومتان الروسية والسورية أن هذه العقوبات الاقتصادية من شأنها إلحاق الأضرار بتدفقات المساعدات الإنسانية والطبية إلى البلاد، فما هو ردكم على ذلك؟

– ليست العقوبات الاقتصادية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بالأمر الجديد ولا هي موجهة لاستهداف المدنيين في سوريا. بل إنها تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب.

والعقوبات الاقتصادية الأوروبية مصممة بحيث إنها لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء «كورونا» في الآونة الراهنة. ولا تحظر العقوبات الأوروبية تصدير المواد الغذائية أو الأدوية أو المعدات الطبية. وحتى بالنسبة إلى السلع ذات الاستخدام المزدوج التي من الممكن أن تحمل قدرا من المخاطر، مثل المواد الكيماوية الضرورية في الاستخدامات الدوائية، فهناك قدر متصور من الاستثناءات ذات الصلة بالأغراض الإنسانية.

لكن دمشق حملت العقوبات مسؤولية المعاناة. من يتحمل المسؤولية؟

– لقد كان الاتحاد الأوروبي – ولا يزال – أكبر الجهات المانحة على الصعيد الإنساني للأزمة السورية، مع جمع أكثر من 20 مليار يورو لهذه الأغراض منذ عام 2011 وحتى اليوم. وطوال كل هذه السنوات، وصل دعمنا الحيوي والمهم إلى الشعب السوري.

يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية. بل على العكس من ذلك، يرجع كل الفضل إلى المساعدات الدولية، إذ لا يزال من الممكن توفير خدمات الرعاية الصحية، أو الغذاء، أو التعليم، أو الحماية للأشخاص المعوزين في داخل سوريا.

كما يمكنني أن أضيف أيضا، أن النشاط التجاري ما زال مستمرا طوال فترة الحرب الماضية بين الاتحاد الأوروبي وبين سوريا. ولم يفرض الاتحاد الأوروبي أي نوع من أنواع الحظر أو الحصار على سوريا طيلة تلك الفترة.

ما الشروط التي يمكن للاتحاد الأوروبي بموجبها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق؟

– دخلت عقوبات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بسوريا حيز التنفيذ الفعلي اعتبارا من 9 مايو (أيار) في العام 2011 ردا على أعمال القمع العنيفة التي مارسها النظام السوري ضد شعبه، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين، وانتشار واستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب السوري. ولم تفرض العقوبات ببساطة، وإنما كانت نتيجة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب المحتملة، والجرائم ضد الإنسانية، والتي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان.

هناك قائمة طويلة من العقوبات؟

– تضم قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي حاليا 273 شخصية و70 كيانا. والهدف المقصود من وراء هذه التدابير هو ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة. من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى (مفروضة)، إذ إنها تُعتبر جزءا أصيلا لا يتجزأ من منهج الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقا إزاء الأزمة السورية. كما أن العقوبات محل المراجعة المستمرة من جانبنا بغية تقدير ما يتمخض عنها – ضمن أمور أخرى – من آثار وتطورات على أرض الواقع.

 ربط الاتحاد الأوروبي سابقاً أي مساهمة في إعادة إعمار سوريا بنجاح العملية السياسية هناك. ما موقفكم الحالي من إعمار سوريا؟

– كان موقف الاتحاد الأوروبي – وما زال – واضحا للغاية في هذا الشأن. الأوروبيون على استعداد تام لدعم مستقبل الشعب السوري ومساعدتهم في إعادة إعمار بلادهم، لكن هناك معايير لانخراط الاتحاد الأوروبي في ذلك. سيُشارك الاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإذا لم يكن الأمر على هذا النحو، فمن شأن كافة الجهود المبذولة على هذا المسار أن تذهب هباء. إذ تستلزم إعادة الإعمار توفر الحد الأدنى من شروط الاستقرار، والحوكمة، والمساءلة العامة، والتمثيل في السلطات الحاكمة. ولا تتوافر حالياً أي من هذه المعايير لدى سوريا.

 إذن، المساهمة تنتظر هذه المعايير؟

– لا يمكن على الإطلاق استثمار دعم الاتحاد الأوروبي لإعادة الإعمار في سوريا، في سياق من شأنه تأجيج عدم المساواة وما سواه من المظالم التي كانت موجودة قبل الحرب ولا تؤدي إلى المصالحة وبناء السلام والاستقرار. ولا تقتصر جهود إعادة الإعمار على مجرد إعادة بناء البنية التحتية والإسكان في البلاد – وإنما هي تتعلق باستعادة وصون النسيج الاجتماعي داخل سوريا، وإعادة بناء الثقة، مع تهيئة الظروف والأجواء التي من شأنها التخفيف أو الحيلولة دون تكرار أعمال العنف، فضلا عن الاستجابة للمظالم التي أطلقت شرارة النزاع في المقام الأول. ويستحق الشعب السوري أن يعيش في بلد يشعر فيه بالأمان، والحماية من قبل قضاء محايد، وتحت سيادة القانون، وحيث يمكن ضمان الكرامة الإنسانية.

 تشارك الأمم المتحدة في رئاسة المؤتمر. فما موقفكم بشأن جهود غير بيدرسن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا؟

– موقفنا لا يزال على حاله من أنه فقط الحل السياسي الذي يتحقق ضمن إطار مفاوضات جنيف برعاية منظمة الأمم المتحدة هو الذي من شأنه ضمان المستقبل السلمي لسوريا. وإننا نؤيد بالكامل أعمال الأمم المتحدة وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، السيد غير بيدرسن، في هذا الصدد. هذا، ويهدف مؤتمر بروكسل المقبل أيضا إلى حشد المجتمع الدولي وراء جهود الأمم المتحدة بغية التقدم في الحل السياسي.

ومن شأن المؤتمر أيضا أن يدعم ويؤيد دعوات الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، والمبعوث الخاص، السيد غير بيدرسن، من أجل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في سوريا، مع إطلاق سراح المعتقلين، لا سيما في ضوء جائحة فيروس «كورونا» الراهنة.

الحوار الاميركي – الروسي

أعلن الجانب الروسي استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة بغرض التوصل إلى حل سياسي في سوريا. فما موقفكم من الحوار الأميركي – الروسي بشأن القضية السورية؟

– أي تقدم يُحرز في مسار الوصول إلى حل سياسي للنزاع السوري، هو موضع ترحيب من قبلنا. إننا نصر ونؤكد على أنه لا تنبغي المساومة بشأن مبادئ محددة. وتساند كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأي حل يُطرح للصراع السوري لا بد أن يتسق مع هذا القرار.

بالنسبة إلينا في الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع النظام السوري، ومن ثم، لا يوجد التزام من جانبنا بتوفير التمويل الدولي لإعادة الإعمار، حتى يكون هناك انخراط حقيقي في عملية سياسية صادقة وشاملة وجامعة (تمثيلية). كذلك، لا يمكن للمجتمع الدولي دعم عودة اللاجئين إلى سوريا إلا بشرط ضمان سلامتهم، وكرامتهم، وأن تكون العودة من جانبهم طوعية غير قسرية.

هل تعتقدون أن صفقة أميركية – روسية حول سوريا ستكون كافية؟ وكيف ترون ملامح هذه الصفقة؟

– مرة أخرى أقول إن الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا، وهذا بالضبط ما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ولا بد للمفاوضات السياسية بشأن مستقبل سوريا أن تكون ملكا للسوريين وتحت القيادة السورية. ولقد أعلنت الولايات المتحدة وروسيا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، عن دعم وإسناد العملية السياسية الحقيقية والشاملة والجامعة (التمثيلية)، على النحو المقرر والمنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.

 توجد لدى سوريا، في الآونة الراهنة، ثلاث مناطق من النفوذ: في شمال شرقي البلاد، وفي شمال غربي البلاد، وفي بقية أرجاء البلاد. فهل يملك الاتحاد الأوروبي نفس الرؤية فيما يتعلق بهذه المناطق الثلاث؟

– الاتحاد الأوروبي لن يتراجع أو يتردد فيما يتعلق بالتزامه بشأن السيادة الكاملة، ووحدة الأراضي السورية وسلامتها. أما الترتيبات الدقيقة للحوكمة في سوريا، فهي مسألة يتخذ السوريون القرار فيها.

 ماذا عن الانتخابات الرئاسية السورية التي ستعقد في العام 2021 كيف ترون هذا الأمر؟

– الانتخابات ذات المغزى في سوريا، هي فقط تلك التي تُجرى على أساس دستور سوري جديد، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ومن شأن تلك الانتخابات أن تكون بمثابة فصل افتتاحي جديد بالنسبة للبلد وشعبه.

 لكن هناك انتخابات ستجري؟

– إذا ما أُجريت الانتخابات من قبل ذلك (ما ذكر سابقا)، فإنني أحض النظام السوري على أن يظهر التزامه بالانفتاح السياسي الحقيقي والأصيل، من خلال التأكد، على سبيل المثال، من إتاحة الانتخابات إلى كافة فئات الشعب السوري، بما في ذلك أولئك الموجودين في خارج البلاد، وأن تتسم الانتخابات بالحرية والنزاهة المطلوبة. ومع ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم ذلك مقام الحاجة الماسة إلى الانخراط الحقيقي في العملية السياسية مع التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

 كيف ترون سوريا بعد مرور عام من الآن؟

– أما بالنسبة إلى كيف ستبدو سوريا في عام من الآن، فإن هذا يتوقف بالأساس على مدى التزام النظام السوري بتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اعتبار أنه السبيل الوحيد والمقبول للمضي قدما. وليس ذلك لفائدتنا، أو لمصلحة داعميه (النظام)، وإنما هو لصالح جميع السوريين.

**تم نشر نسخة من هذا المقال في «الشرق الأوسط».

سوريا على حافة المجاعة

سوريا على حافة المجاعة

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات:”

أدى دخول “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين 2019” حيّز التنفيذ، الأربعاء 17 من الشهر الحالي إلى تداعيات اقتصادية عدة أبرزها الانهيار غير المسبوق تاريخياً لليرة السورية أمام العملات الأجنبية، حيث فقدت حوالي 70% من قيمتها منذ الشهر الرابع من العام الحالي، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنوني بالأسعار وغياب العديد من السلع والأدوية من الأسواق المحلية. وتزامن هذا الوضع مع تصاعد الأزمة بين بشار الأسد وزوجته أسماء، وابن خاله، رجل الأعمال، رامي مخلوف، وتعرض “العائلة الحاكمة” لهجوم هو الأوّل من نوعه من قِبل موسكو -الحليف الأقوى للنظام- ومؤسّساتها الإعلامية المقربة من الرئيس بوتين.

 وتتعمق المعاناة التي يعيشوها السوريون أكثر في ظلّ ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد. الجائحة التي خلفت حتّى الآن نحو 456 وفاة وأكثر من ثمانية ملايين إصابة مؤكدة في 210 دولة وإقليم حول العالم، بحسب موقع “ورلد ميتر” المختصّ برصد ضحايا الفيروس القاتل، حاول النظام الالتفاف عليها بنشر أنباء مفادها أنّ “سوريا ناجية من الوباء”، ليعلن تدريجياً عن وجود إصابات زعم أنّ جميعها لمواطنين قادمين من الخارج أو ممن خالطوهم.

تصاعد الأرقام المفزعة وما سببته من هلع حول العالم، وما رافقها من تصريحات لكبار المسؤولين الأمميين وقادة العالم، لم يكن دافعاً ليغير نظام الأسد من سلوكه في التعامل مع السوريين في ظلّ هذا التحدي الصحي المباغت، حيث تسجّل سوريا يومياً تصاعداً في أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس القاتل. حيث أعلنت وزارة الصحة مؤخراً عن تسجيل 9 إصابات جديدة في قرية واحدة فقط بمحافظة القنيطرة جنوب سوريا. وبينما بلغت الإصابات على الأقل 248 حالة، توفي منها سبع حالات على الأقل؛ إلّا أنّ كثيرين من الموالين والمعارضين السوريين ومنظمات صحية وحقوقية عربية ودولية، يشككون في صحة هذه البيانات بسبب غياب الشفافية وتكتّم النظام على الأعداد الحقيقية للإصابات في مناطق سيطرته، حيث أشارت العديد من التقارير إلى أنّ هناك مئات الإصابات وحالات وفيات في معظم المناطق والمدن والمحافظات التي يسيطر عليها النظام، والتي يتمّ تسجيلها على أنّها “فشل كلوي”، أو “ذات رئة”.

وفي حين تدعو حكومة النظام للالتزام بالإجراءات الصحية الوقائية من جائحة كورونا، وعلى رأسها التباعد الاجتماعي، ينظم حزب البعث (الحزب الحاكم) وجهات أمنية، مسيرات “قسرية” موالية في محافظة السويداء جنوبي سوريا، ليتبعها مسيرات ومهرجانات خطابية في دمشق وطرطوس وحمص وغيرها من المناطق الخاضعة لقوّات الأسد، كرد على الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد والغلاء وسوء المعيشة، والتي بدأت في السويداء، لتمتد إلى محافظة درعا وعدد من المناطق في العاصمة دمشق.

الوضع الصحي الكارثي في كافة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ترافق مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتراجع القدرة الشرائية لدى عموم السوريين. الفيروس القاتل، الذي يؤكد الأطباء وخبراء الصحة أنّ البشر بحاجة ماسة إلى تعزيز مناعتهم الذاتية لمقاومته، من خلال تأمين قوتهم من الخضار والفواكه واللحوم إلى جانب الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية والأدوية، يجعل من معظم السوريين فريسة سهلة لوحشيته. كيف لا والحال أنّ كيلو البندورة وصل سعره منذ قرابة الشهر إلى 700 ليرة، فيما وصل سعر كيلو البصل إلى 500 ليرة، وسعر كيلو البطاطا ما بين 500 و600 ليرة، في حين تجاوز سعر كيلو الليمون الـ 4000 ليرة، والبرتقال قرابة الألف ليرة، والتفاح 1700 ليرة.

أما كيلو اللحم الضاني فقد وصل إلى 18000 ليرة، ما جعل منه حلمًا من أحلام السوريين من البسطاء وذوي الدخل المحدود. وكذلك الأمر بالنسبة للحم العجل الذي تراوح سعره بين 13000 و14000 ليرة. ليصبح لحم الدجاج ملاذ السواد الأعظم من عامّة الناس رغم ارتفاع السعر عن غير المعتاد حيث وصل الكيلو من الفروج النيء حوالي الألفي ليرة.

كما ارتفع سعر الذهب ليصل ثمن الغرام الواحد، قبل دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ بأيّام، إلى أكثر من 110000 ل.س، فأغلقت معظم محلات الصاغة، بينما شنّت قوّات النظام حملة اعتقالات لمنع الإغلاق، ومنع البيع بغير السعر الرسمي.
حجم الكارثة هنا يكمن إذا ما علمنا أنّ متوسط أجر السوريين الشهري يتراوح بين 40 و60 ألف ليرة سورية (الدولار حوالي 3000 ليرة في السوق الموازي)، في حين يقدر «مركز قاسيون» مقره دمشق، متوسط إنفاق الأسرة بأكثر من 350 ألف ليرة ما زاد نسبة الفقر عن 83%.

وتضاعفت أسعار الدواء والغذاء والمواد الأساسية مثل الأرز والسكر والزيت خلال عام واحد في سوريا على خلفية العقوبات الأمريكية على النظام، والصراع الجاري داخل الدائرة الضيقة للحكم، أي بشار الأسد وزوجته أسماء و(شقيقه اللواء ماهر الأسد) من جهة، ورامي مخلوف ووالده (خال الرئيس بشار) اللواء محمد مخلوف، المقيم حاليًا في روسيا من جهة ثانية، للهيمنة على الاقتصاد السوري والاستيلاء على ما تبقى منه. ناهيك عن شح الدعم الإيراني، وتداعيات الأزمة المالية الحادّة في لبنان، وليس وانتهاءً بتفشي فيروس كورونا في سوريا.

  • خطر المجاعة يطرق أبواب السوريين..

المبعوث الأممي الخاصّ إلى سوريا، “غير بيدرسون”، حذّر قبل أيّام، من حدوث مجاعة في سوريا مع بدء تطبيق “قانون قيصر”، الذي يتضمن عقوبات أميركية تهدف إلى حجب إيرادات للنظام السوري، تزامناً مع انخفاض قياسي لليرة وانهيار شبه تام للاقتصاد السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد.

وخلال جلسة عبر الفيديو بمجلس الأمن الدولي، قال “بيدرسون”: إنّ “الوضع في سوريا يزداد سوءًا، حيث يعاني 9 ملايين و300 ألف سوري من انعدام الأمن الغذائي، وهناك أكثر من مليونين آخرين مهددون بذلك، وإذا تفاقم الوضع فقد تحدث مجاعة”.

وكان «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة حذّر، منتصف الشهر الحالي، من أن تطرق المجاعة أبواب سوريا بسبب استمرار التدهور الاقتصادي والمعيشي.

وقال المدير التنفيذي في «البرنامج العالمي»، “ديفيد بيسلي”، في حديث لصحيفة “ذا ناشيونال”، التي تصدر باللغة الإنكليزية في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، إنّ “استمرار تدهور الأوضاع في سوريا قد يجعل خطر المجاعة يطرق الأبواب”، مضيفًا أنّه “لا فائدة من إرسال الأموال للسوريين في الوقت الحالي”.

وأضاف “بيسلي”: إذا أرسلنا مبالغ نقدية للسوريين فلن يستطيعوا شراء أي شيء بها، لذا علينا إرسال مساعدات غذائية، خاصّة وأنّ الأرقام تشير إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار هناك”. مشيرًا إلى أنّ سعر السلة الغذائية التي يقدّمها «البرنامج العالمي» ارتفعت بنسبة 16% منذ آخر إحصاء شهري، مضيفًا أنّ التوقعات تشير إلى أن الأوضاع “ستزداد سوءًا”.

المسؤول الأممي، شدّد على أنّه “إذا استمر الوضع في سوريا بالتدهور، فإن إمدادات الغذاء ستتعطل، في البلد الذي دمرته 10 سنوات من الحرب، والمجاعة يمكن أن تطرق بابه”، داعيًا إلى “استبدال الأموال المرسلة بالمواد الغذائية”.

ووفقا لتصريحات أممية سابقة، فإنّ 83% من السوريين يرزحون تحت خط الفقر، في حين من المتوقع أن ترتفع النسبة مع دخول قانون “قيصر” حيّز التنفيذ.

القانون الأمريكي، الذي شبهه مقال في صحيفة “ليبراسيون”، نشر في الثامن من الشهر الحالي، بـ “حبل يلتف حول عنق الاقتصاد السوري، الذي يعاني أصلًا من مشكلات جمّة”.

ومما جاء في مقال الصحيفة الفرنسية، أنّه “بين العقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية والخلافات داخل الحاشية التي تحكم البلاد، ووسط انتقادات موسكو وطهران والتظاهرات الشعبية، يراكم النظام السوري المصائب”.

فيما بيّنت مجلة “بوليتيكو” الأميركية، في الوقت نفسه، أنّ “قرار الأسد بإقالة رئيس وزرائه عماد خميس الخميس 11 حزيران/ يونيو، مؤشر واضح على أنّ الانهيار الاقتصادي والمعارضة الصريحة الجديدة تشكل تحدّياً حقيقياً لشرعيته”.

وكان المتحدث باسم الأمين العامّ للأمم المتحدة، “ستيفان دوغريك” أكّد، في وقت سابق، أنّ “11 مليون طفل وامرأة ورجل في سوريا بحاجة لمساعدة إنسانية عاجلة.”

وأشارت تقديرات «البرنامج العالمي»، مؤخراً، إلى أنّ “إجراءات العزل العامّ المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، ستؤثر على نحو ثمانية ملايين سوري، الأمر الذي يجعلهم يعانون من نقص الأمن الغذائي”.

  • تنبؤات دولية بتداعيات كارثية..

منذ مطلع العام الحالي، تتوالى تحذيرات المنظومة الأممية وفي مقدّمتها «منظمة الصحة العالمية»، والمنظمات الدولية ومنها منظمة «أطباء بلا حدود»، من خطورة الوضع الصحي في سوريا، والتنبؤ بتداعيات كارثية حيث إجراءات حكومة النظام ليست على قدر المسؤولية، ناهيك عن عدم وقف إطلاق النار واستمرار العمليات العسكرية لقوّات النظام والطيران الروسي في الشمال السوري، وخروج مظاهرات احتجاجية ضدّ فساد نظام الأسد وارتفاع الأسعار الغير مسبوق في تاريخ السوريين المعاصر.

لا يخفى على أحد أنّ النظام الصحي في سوريا أصبح اليوم منهاراً تماماً بسبب استنزاف موارده البشرية مع موجات اللجوء باتجاه البلدان الأوروبية والاسكندنافية، ومن ثمّ استهدافه عسكريًا في العديد من المدن من قبل النظام وخاصّة المدن التي خارج سيطرته العسكرية، والتي تقسم الآن إلى مناطق الشمال السوري، التي تشمل إدلب وريف حلب وتخضع لسيطرة قوّات المعارضة السورية المسلّحة، وتعتمد على الدعم التركي بشكل رئيسي. ومنطقة “الإدارة الذاتية الكردية” في شمال شرقي سوريا، والتي تسيطر عليها “قوّات سوريا الديمقراطية” (قسد) بدعم من الولايات المتحدة، والتي أكّد تقرير لـ«مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا» (OCHA) و«الصحة العالمية» وفاة أوّل مصاب بفيروس كورونا في مدينة القامشلي بريف الحسكة، في 18 نيسان/ أبريل الماضي.

وتمّ تسجيل أوّل إصابة بالفيروس في مناطق سيطرة النظام في الثاني والعشرين من شهر آذار/ مارس الماضي لشخص قادم من خارج البلاد، فيما تمّ تسجيل أوّل حالة وفاة في التاسع والعشرين من الشهر ذاته.

  • عجز هائل في القطاع الصحي السوري..

صنفت «منظمة الصحة العالمية» عقب تفشي جائحة كورونا عالمياً، سوريا على أنّها من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في إقليم شرق المتوسط​​، “نتيجة للتحدّيات في النظام الصحي الناتجة عن أكثر من 9 سنوات من الحرب في البلاد”. بحسب تصريح لممثل المنظمة الأممية في سوريا، نعمة سعيد عبد، أعلنه في 03/04 الماضي.

ووفقاً لـ «لجنة الأمم المتحدة الدولية المستقلة للتحقيق بشأن سوريا»، فإنّه “لا تعمل في سوريا الآن سوى 64% من المستشفيات و52% من مراكز الرعاية الصحية، كما فرّ 70% من العاملين الصحيين من البلاد”.

وكشفت دراسة مفصلة عن الاستعدادات الصحية السورية للتعامل مع وباء فيروس كورونا، أعدّتها “كلية لندن للاقتصاد” London School of Economics، ونشرت في 25 آذار/ مارس 2020، أنّ “عدد المشافي الحكومية الإجمالي 111 منها 58 فقط تعمل بشكل كامل و27 تعمل بشكل جزئي و26 مدمرة بالكامل”.

فيما بيّن تقرير للأمم المتحدة، نشر في مطلع الشهر الثالث من العام الجاري، أنّ “70% من العاملين في القطاع الصحي قد غادروا سوريا”.

الدراسة البريطانية، التي اعتمدت على التقارير السورية وتقارير «الصحة العالمية» وكذلك بيانات الأمم المتحدة، أوضحت أنّه “باستثناء محافظة إدلب يوجد 465 سريرًا للعناية المركزة في مشافي حكومة النظام و650 سريراً في القطاعين الحكومي والخاصّ”. مقدّرة أنّ 53% من هذه الطاقة مستخدمة (حتّى نهاية الأسبوع الثالث من شهر آذار/ مارس الماضي، مما يترك حوالي 305 سريرًا للعناية المركزة (مع أجهزة مساعدة على التنفس، يضاف لهذا الرقم 20 سريراً في محافظة إدلب، مما يجعل إجمالي المتوفر 325 سريراً مع أجهزة مساعدة على التنفس”.

كما بيّنت الدراسة أنّ “القدرة القصوى للقطاع الصحي السوري، العامّ والخاصّ، على التعامل مع مصابي وباء فيروس كورونا المستجد هي استيعاب 6500 مصاب فقط، منهم 325 في العناية المركزة”. مشيرة إلى أنّ “هناك تفاوت كبير في قدرة المحافظات السورية على استيعاب مرضى هذا الفيروس القاتل، القدرة الأعلى هي في دمشق حيث يمكن استيعاب حوالي 1920 مصاب بينما تنخفض القدرة في حلب إلى 100 فقط وفي دير الزور إلى صفر”.

دراسة “كلية لندن للاقتصاد” شدّدت على أنّه “سيكون من الصعب تطبيق الحجر الصحي مع وجود 83% من السوريين تحت خط الفقر”. محذّرة من أنّ “انتشار الوباء في بلدان مثل سورية واليمن والصومال وليبيا يمكن أن يقود إلى استمرار انتشار وباء فيروس كورونا عالمياً لفترة أطول”.

ورغم الخوف المتزايد من تفشي فيروس كورونا المستجد في الشارع السوري، في ظلّ غياب الثقة بين الحكومة وعموم السوريين حول مدى انتشار الوباء، ونقص الإمكانيات الطبية جراء الفساد في كلّ مفاصل الدولة الرئيسية، وكذلك التقصير من قِبل المنظمات والجمعيات الإغاثية، تغيب المبادرات المجتمعية ودعوات التكافل الاجتماعي لسدّ الحاجات والمستلزمات الضرورية لمنع انتشار الفيروس، خاصّة تجاه النازحين داخلياً من المناطق التي تعرضت لدمار كبير.

كيف يؤثر «كورونا» نفسياً واجتماعياً على السوريين

كيف يؤثر «كورونا» نفسياً واجتماعياً على السوريين

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات:”

تتشابه الأوبئة مع الحروب من ناحية النتائج، إذ سرعان ما تلقي بظلالها على الفرد فتترك بصماتها الاجتماعية العاجلة وندوبها النفسية الآجلة، تقتلع عادات بعينها لترسخ محلها سلوكيات أخرى جديدة مرهونة بكينونة الوباء، لتبقى تغيراتها الاجتماعية والنفسية التي خلفتها محفورة في وجدان وبنية المجتمع الموبوء لأجيال طويلة. يعود الإنسان في هذه الفترة إلى النكوص والعودة إلى غريزته القبلية، مهما بلغ من الحضارة مبلغاً كبيراً، فيلجأ إلى أساليب دفاعية تدل في مجملها على الأنانية الفردية وتغليب المصلحة الخاصة على العامة، يصاحبها سلوكيات مبالغة في التمادي في حماية النفس من أي خطر وجودي وتتجلى في حمى الشراء والعنصرية والأخذ بنظريات المؤامرة لتتطور إلى سقوط العقلانية والتقوقع خلف الخرافات لتنتهي إلى التعصب الديني وتبني فكرة الانتقام الإلهي وغيرها.

عدوى الخوف الجماعي

تولد الأوبئة حالة من الخوف الجماعي تنتقل كالعدوى وهو عادة ما يظهر بقوة عند حلول الأزمات، وهذا الشعور المبرر يخضع لما يسمى بـ “غريزة القطيع”. وحسب ما توضح دكتورة في علم الاجتماع هناء برقاوي: “يشعر الفرد بالخوف لمجرد التماسه خوف الآخرين، ملتقطاً هذه العدوى حتى لو كان متأكداً أنه بخير وبمأمن عن الوباء، فيمتثل لسلوك الجماعة، ويتماهى معهم دون أي تفكير أو تخطيط ، فيذوب معهم، محيداً تفكيره الفردي، إذ ينجم عنها غالباً سلوكيات متناقضة تؤثر سلباً على منظومة القيم كتكريس للأنانية الفردية دون التفكير بالآخر، وتغليب المصلحة الخاصة على العامة، وهو ما شاهدناه في سورية، فمثلاً أصيب العديد من الأشخاص بهرع الشراء، فبدأوا باقتناء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه من سلع غذائية ومعقمات وشراء الفائض عنهم في حمى هستيرية ولهاث وراء التخزين والتكديس، دون أن يفكروا بحصول غيرهم على حاجياتهم، ما يفسح المجال لصعود قيم في غاية الأنانية والرغبة بالاستحواذ وحب الذات على حساب قيم أخرى كالافتداء والشعور بالآخر”.

تصاعد المنحى الديني

يشهد الفرد أثناء تفشي الأوبئة تغيراً ملحوظاً في نمط السلوك الديني، ما يشبه الارتكاسة الدينية حيث يبدأ تدريجياً بالتخلي عن بعض معتقداته والتشكيك في قدرتها على حمايته من الأمراض والطعن في كونها تمائم تصونه من الأشرار، لأنها خذلته في مكان ما. في المقابل، يربط العديد بين عبادة الله وطاعته وبين الوباء، فيجدون أن غضبه تجسد على هيئة وباء سوف يفتك بالبشرية جمعاء، ما لم يعود العبد إلى ربه وتقوية أواصره الدينية، فنرى مثلاً أفراداً يتضرعون إلى الله ويعودون إلى ممارسة شعائرهم الدينية التي انقطعوا عنها كثيراً، بالرغم من كونهم  أصلاً أناساً غير متدينين، إلا أن شدة الوباء وحصده للأرواح توقظ فيهم النزعة الدينية وتخلق شعوراً ضمنياً بالحاجة الملحة إلى التمترس خلف تعاليمه، إذ أنهم يلجؤون إليه (للدين) بصفته طوق النجاة الوحيد والمخلص  النهائي من الوباء. وتشرح ذلك الدكتورة في علم الاجتماع هناء برقاوي: “تزداد الرغبة عند الأشخاص اللا متدينين في ظل تفشي الأوبئة بممارسة الطقوس الدينية، فيميلون إلى التقرب إلى الله إيماناً منهم أنه من أرسل لهم هذا الوباء وبلجوئهم إليه يستطيعون رفعه وأن ما من طريقة أخرى قادرة على دحره، كما أنهم يرون في الطقوس الدينية وسيلة معنوية للنجاة تمنحهم شعور بالطمأنينة وتخفف من معاناتهم، فمن كان لا يصلي يتحول في هذه الفترة إلى متدين دؤوب يجد في الدين طريقة للتخفيف من عبء الخوف والتوتر، وهو يعد من أهم التغيرات الاجتماعية التي تُحدثها الأوبئة وتزرعها في تربة المجتمع”.

عادات اجتماعية إيجابية زرعتها كورونا سهواً

أدخلت جائحة “كورونا” عن غير قصد عادة جديدة طارئة على المجتمع السوري، قد تفتح الباب أمام إعادة صياغة العديد من العادات الاجتماعية المتجذرة فيه. وتصف برقاوي هذه العادة بـ “الإيجابية” وهي إقامة حفلات الزفاف على نحو ضيق كبديل للأعراس الضخمة وأقل كلفة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين سيضطرون إلى إلغاء موعد الزفاف والوقوع فريسة الانتظار. وتعقب الباحثة: “فضل العديد من هم على أهبة الزواج إحياء زفافهم على الضيق بدلاً من التأجيل والانتظار مطولاً حتى انحسار الوباء الذي لا يعرف له موعد، وحصرها فقط بدائرة المقربين، ما قد يرسخ  لاحقاً عادة جديدة لم نعتد عليها من قبل، والتخلي تدريجياً عن مواصفات العرس الضخم  دون مغالاة وبذخ، والأمر ذاته ينسحب على مجالس العزاء، لتقتصرالتعازي على الهاتف والرسائل النصية والالكترونية”.

هذا وقد يخلق فيروس كورونا أثراً عفوياً للأفراد السوريين، بحيث يدفعهم لا شعورياً لتبني فكرة التباعد الاجتماعي واتخاذها كسلوك دائم حتى بعد تقهقر الفيروس، وذلك ما سماه الدكتور في علم النفس جميل ركاب بـ “الفقاعة الحيوية” ويقصد به “بالمجال الذي يشعر به الفرد بعدم الأمان بعد اختراق الآخر له، وهو ما يتجلى في وسائط النقل العامة وعدم ترك مسافة أمان بين الأشخاص تحفظ سلامتهم الصحية لتفادي العدوى وانتقال الأمراض كالإنفلونزا مثلاً، ما يغير من الطقوس الاجتماعية”.

تأثيرات كورونا على السوريين… لا جديد تحت الشمس

بالرغم من أن السوريين استقبلوا الزائر الجديد (كوفيد 19)  بكهول  مرهقين وطاقة مستنفدة بعد 9 سنوات حرب منهكة واجهوا خلالها شتى أنواع الموت والويلات والحصارات، واختبروا خلالها حظراً اقتصادياً لا يختلف كثيرا ً في مضمونه عن الحظر الذي عايشوه في ظل “كورونا”، إلا أن الأخير تمكن من بسط هيمنته وفرض آثاره النفسية والاجتماعية على خصوصية المجتمع السوري حال جميع الدول الموبوءة، فاستطاع كوفيد 19 من  كسر روتين حياة السوريين حسب كلام ركاب: “تعود السوريون في حياتهم السير وفق نظام يومي بوتيرة محددة بصورة روتينية صعب اختراقها، كالاستيقاظ في ساعة معينة، ثم الذهاب إلى العمل، والزيارات الاجتماعية الكثيرة يليها قضاء بعض الأمور، فجاء الفيروس ليضرب النظام اليومي”. هذا ولم تتوقف مهمة كوفيد 19 بحصد أرواح السوريين، بل امتد ليحصد أرزاق العديد منهم وإلزامهم منازلهم، ما رفع من مؤشر الفقر والبطالة، وذلك حسب ركاب.

“كلما قل الوعي برزت الحاجة إلى فرض القوانين”، هذه العبارة تنطبق على  المجتمع السوري بحسب رأي الدكتور ركاب، إذ أن الأولوية كانت للقانون وكلمة الفصل، لا سيما في ظل الأزمات، لكن هذا لا ينفي وجود وعي لدى  بعض الشرائح السورية والتي يقل عندهم سلوك عدم الاستجابة لقوانين الحجر الصحي وتكون أكثر التزاماً وتقيداً بإجراءات السلامة.

الانجرار بسهولة وراء الشائعات

تبدو مقولة أن “الكذب والشائعات يمكن أن يدوروا حول العالم قبل أن تنطلق الحقيقة  وتصل إلى الباب” مناسبة جداً في أوقات الأزمات والأوبئة، إذ كثيراً ما يصاحب الأوبئة وقلة المعلومات عنها، موجة عنيفة من الإشاعات التي يطلقها البعض وينجرف خلفها العديد من الناس ممن يتملكهم الخوف فيتلقون الإشاعة ثم بدورهم يقومون بنشرها دون التأكد من دقتها، ما يفسح المجال لصعود نظرية المؤامرة والاعتقاد بوجود مكائد تُحاك ضد شعب بعينه، أو دولة ولعل الاتهامات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية من جهة وبينها وبين إيران من جهة وبينها وبين بعض اللبنانيين، خير مثال على ذلك.

في كتاب “الأوبئة والمجتمع” لـ”فرانك سنودين”، يُشير الكاتب إلى أنه حينما انتشر وباء الكوليرا ظهرت في فرنسا نظرية مؤامرة بأن الوباء من صنع الإنسان، إذ انتشرت إشاعة مفادها أن حكومة الملك “لويس فيليب” تضع مادة الزرنيخ في آبار المياه، ومع انتشار الوباء وموت حوالى 20 ألف فرنسي اندلعت موجة عنف ضد الحكومة من قبل الشعب. هذا المثال التاريخي يُنبئ بأن آثار الكورنا على سوريا قد تتطور وتتفاقم أكثر وأكثر خلال الأسابيع والأشهر القادمة.

الحكومة تضع الكرة في ملعب الشعب: النجاة فردية!

الحكومة تضع الكرة في ملعب الشعب: النجاة فردية!

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات

“قرر الفريق الحكومي المعني بإجراءات التصدي لوباء كورونا خلال اجتماعه اليوم إلغاء حظر التجول الليلي المفروض بشكل كامل”. بهذا التصريح المقتضب طالعت الحكومة السورية شعبها بقرارها الصادر عن ما تسميه “الفريق الحكومي المعني بإجراءات التصدي لكورونا”، لكن غاب عنها أن التسمية خاطئة من أساسها، كان الأجدر بها تسميته “الفريق المعني بمكافحة الوباء”، لا التصدي له في بلد تمارس فيه “لجنته المتصدية” تجاوزات وأخطاء وحدها كفيلة بانتشار الفايروس في أي لحظة، ما لم يتم تعديل معظم الإجراءات الارتجالية الحالية، والسابقة، وغالباً اللاحقة.

بتتابع لحظي تكفلت صفحة رئاسة مجلس الوزراء السوري، على موقع Facebook، بنشر كل ما صدر من قرارات عن الفريق الحكومي، وسرعان ما نشرت قرارهم الثاني المتعلق برفع حظر التنقل بين المدن، وبين المدن والأرياف، وكذا القرار المرفق بالسماح بفتح المحلات التجارية من الثامنة صباحاً وحتى السابعة مساء. ولم تنس الحكومة أن توجه صفعة للسوريين العالقين في الخارج حيث “تقرر استمرار قرار تعليق قدومهم إلى إشعار آخر، على أن يتم مناقشة هذا الموضوع بعد معالجة جميع الحالات وانتهاء مدة الحجر للمتواجدين في مراكز الحجر”. وكذلك الداخلون إلى سوريا بطرق غير قانونية، فهؤلاء يحجرون لـ14 يوماً، ثم يتم تحويلهم للقضاء، وأيضاً إعادة دوام الجامعات التي يصل تعداد طلاب بعضها إلى عشرات الآلاف، وذكر الفريق أن دوام الجامعات يبدأ من التاسعة والنصف صباحاً، وحتى التاسعة والنصف مساء، وهو أمر غير مسبوق حتى قبل بداية الحرب في سوريا.

إلى جانب كل ما ذكر، أصدرت الحكومة الكثير من القرارات المتعلقة برفع الحظر وآليته، وهي بمجملها قرارات متخبطة، وبعضها متناقض، على ما يقول الكثير من الناس، ومنهم رؤى التي تشكو: “الحكومة تقرر، والشعب ينفذ، والكورونا على وشك أن ينتشر” وتضيف: “خلص إذا بدهم يانا نموت منزت حالنا تحت شي سيارة، مو حابة اعطيهن فرصة ليموتوني بالكورونا”.

قد يكون ما ذكر أعلاه من قرارات مقبولاً لدى بعض السوريين، ولكن قسماً كبيراً رفضه، وعبر عن رفضه على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت منبراً ومكاناً يؤخذ به لقراءة المزاج العام، سيما في سوريا، حيث لا منابر أخرى ليعبر الناس فيها عن آرائهم، ولكن الحكومة تركت الباب مفتوحاً لاحتمال إعلان حظر تام وكامل في أي لحظة، وفق المتغيرات وأهميتها، على ما قالته في تصريح لاحق.

رفض واستنكار

قد يكون لا حصر لما قاله السوريون هازئين بالقرارات هذه، متسائلين كيف يُرفع الحظر وقد بلغ مصابو سوريا بالفايروس 122 مواطناً، بينما كان الحظر مطبقاً بشدة منذ نهاية آذار\مارس وحتى 15 أيار\مايو، حيث سجلت البلاد لذاك التاريخ 50 إصابة فقط، وبعدها سجلت أكثر من 70 إصابة في 12 يوماً، فرفع الفريق المعني الحظر دفعةً واحدة.

” يا أما نحن عايشين ببلد وحكومتنا ببلد تاني، أو أن حكومتنا مبسوطة بالكورونا وحابة تجربه”، يقول ماجد مكملاً: “خلص وصلنا لمرحلة ما بقى قادرين نفهم الحكومة ولا نتفاهم معها، كيف عندن كل هالقدرة يجربوا فينا”. ولا تختلف ريم مع ماجد، فهي ترى أيضاً أن ما يحصل غير منطقي متسائلة عن آلية هذه القرارات: “مين أعطى لهاد الفريق صلاحية التجريب والاجتهاد، هاد وباء عالمي أصاب الملايين، على شو معولة حكومتنا، على وعينا، طيب نحن أثبتنا أننا بلا وعي، شوف مناظر الطرقات بعد ما انرفع الحظر”.

المتنفس الأزرق

اللافت في بعض التعليقات والتدوينات على موقع Facebook هو جرأة الناس على رفض كل ما يحصل، وعادة لا يحصل هذا في بلد كسوريا، واتضح ذلك من تعليقاتهم المباشرة على صفحة رئاسة مجلس الوزراء، حيث قال محمد أشرفي في تعليق له: “يا عمي خلصونا بقى من كورونا، واجتمعوا لتوقفوا انهيار المواطن، اجتمعوا لتوقفوا انهيار البلد، اجتمعوا واعملوا أي شي منيح، مشان الله لا بقى تجتمعوا مشان كورونا”. أما أسماء الدغيم فكتبت: “حلو، بيعدوا بعض وبتنتشر الكوارث، برافو”. وعلاء الدين لم يوفر فرصة للتندر على الفريق قائلاً: “3 إصابات: حظر تجول ووقف الشغل والمدارس والجامعات وكل الحياة أما122  إصابة: الغاء حظر التجول ورجعت الجامعات ووسائل النقل”، وختم تعليقه: “مين لعبان بإعدادات سوريا”. وهنا وجد الكثير من السوريين العالقين في الخارج مكاناً لإرسال آمالهم لحكومة بلادهم أن تعيدهم بسرعة إلى وطنهم، كما قالت شامية علبي: “رجاء ساعدونا بالعودة إلى الشام نحن الزوار العالقين في السعودية بدنا نرجع لعائلاتنا ووظائفنا بسوريا”.

بعض القبول

في تعليقها على صفحة رئاسة الوزراء قالت غزل: “أحلى خبر، أي هيك ها”، أما ريمه الفائز فقد كانت سعيدة: “صار فيي اطلع ع اللاذقية أخيراً”، وتساءل محمد عبيد في تعليق لا يخلو من السخرية: “يعني هلأ منطلع لبرا ونمشي قدام دوريات الشرطة وما بيحاكونا”.

لارا واحدة من المعجبين بالقرارات الصادرة، وتعتقد أن خنق الشعب كما حصل خلال فترة الحجر لن يفيد بشيء، وتقول لنا: “بدنا نتنفس، رح نموت ببيوتنا من الخنقة، يعني خلص شو رح نستفيد، هيك هيك العالم شالحة الكمامات ولا متقيدة أبداً بمعايير السلامة الصحية”. ويتفق مازن معها في تصريحه لنا: “ليش الحبسة بالبيت إذا في عالم خير الله برا مو قابضة القصة وعم تتابع حياتها ولا كأنو في شي”، وتساءل مازن: “انحجر واحبس حالي والعالم برا كأنها ناطرة الكورونا، أي خلص ما بتروح غير عليي شهرين قاعد بالبيت والناس برا بلا وعي”.

الوعي السوري مع وقف التنفيذ

ما أن أعلنت الحكومة الحظر في نهايات آذار\مارس الماضي، حتى راح السوريون يبحثون عن أول شيء يهمهم، وهو استثناء التجوال وغيره من الاستثناءات التي كانت تمنح غالباً بناء على العلاقات والمعارف، وكأن إجراءات الحكومة كانت من باب الخجل أمام دول العالم، غير المكترثة أصلاً؛ ففي الأيام الثلاث الأولى كانت وزارة الداخلية تنشر يومياً أعداد من تم توقيفهم لخرق حظر التجوال، ولكن فجأة توقفت أخبار هؤلاء الذين يجب إيقافهم إذا ما خرقوا الحظر، يبدو أن الفريق إياه قد اقتنع بأن الكثير من الإجراءات مبالغ فيها، فالسوري يكفيه ما يكفيه مما عاشه خلال السنوات الماضية.

صار بعض الناس يستمتعون بخرق الحظر، فالسوري في الداخل يستلذ بأفعال بعينها وهي ظاهرة سورية غير سليمة وترتبط بمفرزات الحرب: “كوصف نفسه بأنه لن يتجرأ أحد عليه”، وعلى هذا نقيس، فشوارع النهار مزدحمة أيما ازدحام، ففي الشهر الأول من الحظر كان يمكن أن تشاهد ارتفاعا نسبياً في معدل ارتداء الكمامة والقفازات بين الناس، في الشهر الثاني صرت محتاجاً للبحث والتدقيق لتعثر على شخص يرتديها، المسألة مرتبطة بالوعي، وربما بحالة التنصل من المأساة، كما أشار “فرويد” مراراً في مؤلفاته.

المأساة الكوميدية

هل يمكن تصديق أن الناس خرجت لتحتفل بإلغاء الحظر، نعم، سجل ناشطون مقطعا مصوراً يظهر آلاف السوريين متجمعين في حي الشعلان الدمشقي وهم يرقصون ويمرحون محتفلين بقرار الحكومة. هؤلاء عينة حقيقية لم تدرس أبعاد القرار، ولا يعرفون من أصدره غالباً، ولكنهم سعيدون على مبدأ الأعمى الذي يقود أعمى، فكل تجمع ولو بدأ صغيراً فسيكبر ويكبر، فضول السوريين يفعل أكثر، ولو أنهم قاربوا الأمر من زاوية أخرى، فهم كان مسموحاً لهم بالتحرك أساساً لغاية السابعة والنصف مساء، ولكن العتب على حكومة جعلت كثيراً من رعاياها يقبلون ما لا يفهمونه.

الحكومة في واد والشعب في واد

ليست هذه أول مرة تصدر فيها الحكومة قرارات “اعتباطية”، وأكيد أنها لن تكون الأخيرة، وقد يكون من الظلم في مكان تعميم الأمر على جميع الوزراء فيها، فثمة وزراء يقومون بعملهم التنفيذي بجدية بعيداً عن الحياة اليومية المباشرة، ولكن هذا ليس موضوع بحثنا، المهم في الأمر هو ما يقوله الناس في الطرقات، لا أحد راض، لا أحد مرتاح، حس الانتقاد بلغ مستويات غير مسبوقة، لقمة العيش لدى الجميع هي الأولوية هذه الأيام. ورغم ذلك فإن ما يحصل في ملف فايروس كورونا ينذر بوقائع سوداء، على اعتبار أن أدنى حقوق السوري أن يسأل عما يحصل مؤخراً، فكيف يخرج شخص من الحجر الصحي الذي يستمر 14 يوماً، يخرج ليكتشف لاحقاً أنه مصاب بالفايروس بعد أن خالط من خالطهم. حصل هذا قبل أيام فعلاً، ومثله ربما حالات ستتكشف مع الأيام، وربما لا، العلم عند الحكومة ، والتي حاولت مستدركةً تحت ضغط الناس أن تبرر الأمر بتصريح يقول: “نتيجة التحليل للحالة الأخيرة كانت سلبية، وعاد للمنزل، ثم ظهرت عليه الأعراض، وتبين إصابته بالفايروس، فقمنا بعزله”، ولكن بعد ماذا، بعد اختلاطه بأهله وسواهم. في حين أشارت “منظمة الصحة السورية”، وهي منظمة محلية غير رسمية أن “هذه الحالة بالتحديد غير مبشرة بالخير، فاحتمال أن يكون هناك عدة حالات مشابهة بين الذين تم تخريجهم من الحجر، وبالتالي من الممكن قريباً أن نرى الكثير من الإصابات المحلية”، وأكملت المنظمة: “نحن اليوم أمام خطر أكبر من ذلك الذي كان مع تسجيل أول إصابة، وقتذاك خضعنا لكثير من إجراءات الحظر ونسبة لا بأس بها من الالتزام، لكن اليوم نحن أمام احتمال انتشار الوباء دون قوانين مساعدة”. ومن باب المنطق يسأل الناس كيف يخرج من لديه واسطة من الحجر بعد  3 لـ 4 أيام فقط، حتى في هذه هناك وساطات (توصيات) في بلد الوسايط؛ فيوماً بعد يوم يتكشف أن كل شيء في هذه البلاد محكوم بالمعارف حتى الكورونا، الفايروس الذي يخشى خبراء انفجار إصاباته بأي لحظة. في ظل كل تلك المعطيات التي صارت أمراً واقعاً في بلد غير مهيأ لأي حدث طبي أكان بسيطاً أم خطيراً، فالإمكانيات الطبية تكاد تكون معدومة، وهذا ما تجلى من سوء مراكز الحجر والتأخر في أخذ المسحات الطبية والكثير من الأمور التي لا تبدأ من الأدوية ولا تنتهي عند التجهيزات.

إذن، الحكومة كعادتها رمت الكرة في ملعب السوريين، وكأنها تقول لهم، النجاة فردية، كل شخص فيكم مسؤول عن نفسه، مُتم أم عشتم، هذه قضيتكم وحدكم.

عيد الفطر في سوريا زمن الكورونا: فرحة مقننة

عيد الفطر في سوريا زمن الكورونا: فرحة مقننة

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “الحرب على كورونا: معركة جديدة مصيرية للسوريين\ات

“عيد بأي حال عدت يا عيد”، هذا مطلع من قصيدة للمتنبي في هجاء أحواله التي تزامنت مع قدوم العيد، ويبدو أن معظم السوريين يتبنون بحسرة هذه المقولة التي تعكس بدقة سوء أوضاعهم في ظروف الحجر الصحي وسط مخاوف من انتشار كورونا الذي اتفق حدوثه مع أهم مناسبة يحتفل بها السوريون في عيد الفطر. وقد غيرت ضرورة اتباع إرشادات السلامة العامة من عاداتهم المحلية وفرضت عليهم واقعاً جديداً وعادات معينة تُغير من طقوس الاحتفال بالأعياد وكل ما اعتادوا عليه خلال عقود، من زيارات أهلية وعناقات بالجملة وقبلات حارة والتنزه في الحدائق، جميعها عادات نسفت من قاموس السوريين هذا العام، ليقتصر الوضع على رسائل معايدات من خلف شاشة الجهاز الخليوي والاستعانة بإيموجي العناق الافتراضي الذي أدرجه مؤخراً الحائط الأزرق كبديل للعناق الحي.  ناهيك عن الأعباء المادية لتكبد نفقات الحلوى وملابس العيد، حيث أصبحت هذه الأشياء صعبة المتناول لا يصل إليها إلا بمشقة شديدة قليلٌ من الناس. وأكثر من يعاني العوز والقلة جراء الظروف الحالية هم الشريحة التي تعمل في وظائف مياومة حيث يحصل هؤلاء الناس على قوت عملهم يومياً وانقطع مصدر رزقهم بسبب جائحة كورونا.

اضطرت سماهر التي تعمل سكرتيرة في عيادة الطبيب إلى أخذ سلفة مالية من عملها لكي تتمكن من شراء ملابس جديدة لابنتها الوحيدة فراتبها لا يصمد حتى منتصف الشهر، لكنها لم توفق كثيراً فاضطرت إلى أن تقصد سوق البالة، وتقول عن وضعها: “ذهبت أمس إلى السوق بعد أن أخذت سلفة بقيمة 15 ألفاً على راتبي عند طبيب العيون الذي أعمل لديه واشتريت بها بنطال، جينز بـ 10 آلاف ليرة، أما الباقي فاشتريت به قميصاً قطنياً من سوق الملابس المستعملة لأن ثمنها أرخص”.

 أما سلمى فليست بأفضل حال، فقد اشترت ثياب العيد لطفليها بالتقسيط بعد معركة طويلة خاضتها في إقناع البائع الذي استسلم أخيراً ووافق على بيعها رأفة بحالها، وتوضح معاناتها: “لم يتوفر معي المال الكافي لشراء الملابس، إلا أن البائع وافق على بيعي إياها بالتقسيط على دفعتين بعد أن أعطيته مبلغ 10 آلاف ليرة كدفعة أولى، والثانية بعد العيد مباشرة”.

 أما رهف فلم تتمكن من اقتناء ثياب جديدة لابنتيها بسبب توقف زوجها عن العمل على خلفية جائحة كورونا، وتُفسر حالها: “لم أشتر لطفلتَي أي ملابس جديدة هذا العيد، واكتفيت بثيابهما القديمة، فلدينا أولويات أخرى كدفع أجرة المنزل ومصاريف الطعام والشراب، لاسيما أن عمل زوجي تراجع كثيراً خلال فترة الحجر الصحي، حيث يعمل خياطاً وبقي محله مغلقاً لمدة شهر ونصف، أما راتبي الذي لا يتجاوز 25 ألف ليرة كسكرتيرة طبيب نسائية لا يكفي لسد نفقات أول أسبوع من الشهر”.

 وبالنسبة لفراس الذي يعمل في مكان يحسده عليه الكثيرون، وهو موظف في بنك خاص، فقد اضطر إلى المفاضلة بين صيانة سيارته وشراء الملابس، مرجحاً الكفة الأولى، علاوة على الأسعار الجنونية التي تحتاج إلى راتب بأكمله لشراء بدلة كاملة (بنطال ـ كنزة ـ حذاء)، ويعقب بالقول: “بالرغم من أن راتبي يُعد جيداً، لكنني لا أستطيع تحمل نفقات تصليح السيارة وشراء الملابس في آن معاً، فالأخيرة أصبحت غالية جداً لا تتوافق مع نوعيتها الرديئة التي تهترئ بسرعة، وفي حال قررت شراء ثياب فستكون حتماً من البالة لسعرها المناسب وجودتها المتميزة ناهيك عن التزامات أخرى أكثر أهمية كدفع أجرة المنزل أو توفير بعض النقود للزواج”.

سياسة التقنين لحلوى العيد 

اعتاد بعض السوريين على شراء حلويات العيد من المحلات، إلا أن البعض منهم تخلى عن هذا الخيار خوفاً من انتشار فيروس كورونا أولاً، ولغلاء سعرها ثانياً. أما من كان معتاداً على صنع الحلوى في المنزل فاتبع سياسة التقنين في المقادير بسبب كلفتها الباهظة، كسمر التي قلصت كمية الحلوى إلى النصف، حيث تَعَوَّدَت على إعداد كميات كبيرة إلا أن هذا العيد كانت تجربتها مختلفة وعن هذا تقول: “لا قيمة للعيد بدون حلوى، لم أعتد على صنع كميات صغيرة منه، ولكن يبقى أفضل من صنع لا شيء، فأسعار مكونات الحلوى باهظة للغاية لا يمكن تكبدها، أما شراؤها جاهزة فسعرها مضاعف، حيث بلغ سعر كيلو المبرومة 35 ألف ليرة “. في حين استبعدت شيرين مادة الفستق الحلبي من لائحة حلويات هذا العام نظراً لكلفتها العالية التي يصل سعر الكيلو الواحد منها إلى راتب موظف لمدة شهر والاستعاضة عنها بالتمر: “اكتفيت هذا العيد بصنع الحلويات المحشوة بالتمر والجوز فقط وبكميات مقننة على غير العادة، أما تلك المملوءة بالفستق فنسفتها من قائمتي فور علمي بسعر الكيلو الذي بلغ 45 ألف ليرة”.

هذا واتجهت بعض العوائل السورية ممن لا يستطيعون تكبد نفقات الحلويات إلى ابتكار وصفات تقشفية والاستعانة بالمواد الأولية وتقديمها إلى مائدة الضيوف كحلوى تقول لانا وهي أم لثلاثة أطفال: “استعنتُ بوصفة جدتي البدائية وغير المكلفة والتي تُدعى التمرية حلوى الفقراء، وهي عبارة عن كرات من التمر يوضع معها ملعقة من السمن لجعلها متماسكة، ثم دحرجتها بوعاء من السمسم أو جوز الهند، بعد ذلك توضع  في الفرن ثم  يرش عليه بعض السكر، فالرمد أفضل من العمى”.

مسافة أمان

قررت ميس شراء منامة للمنزل لكونها على يقين بأنها لن تخرج خلال أيام العيد، فساعات حظر التجول تبدأ من الساعة السابعة مساء وهو الوقت الأمثل للخروج، لينحصر الأمر على استقبال الضيوف من المقربين، وهو ما يستدعي شراء منامة بمظهر لائق، بينما تؤيدها نيرمين فتنشر منشور على (الفيسبوك) تسأل فيه بجدية بالغة عن محل لبيع ملابس نوم أنيقة وبأسعار مناسبة واتخاذها كملابس للعيد.

أما فيما يتعلق بالزائرين فأعدادهم انخفضت هذا العام، واقتصرت لائحة الضيوف على المقربين جداً ورافقها إرشادات بإطلاق القبلات الهوائية دون لمس الشخص وعدم المصافحة مع الحرص على ترك مسافة أمان بين الضيوف. ويقول غيث عن واقع العيد في زمن الكورونا: “فرض علينا فيروس كورونا عادة جديدة مغايرة لتلك التي اعتدنا عليها وهي المصافحة والتقبيل المبالغ فيه، خاصة وأن هذه العادتين تدلان في مجتمعنا على التعبير عن مشاعر الود والمحبة للآخر، كنا جالسين ومسافة متر تفصل بين أفراد عائلتي، فنحن مجبرون على تفهم الواقع المفروض، لكننا في الوقت ذاته تعودنا عليه”.