حكاية فرح

حكاية فرح

كان يا ما كان، كان المجتمع السوري مجتمعاً يملؤه فرح خفيف، كان الناس يذهبون ويجيئون حتى تغيرت أحوال البلاد والعباد، ما عادت سورية كما كانت، جاء ألعن الأزمان وأبشع الأزمان وأكثرها قسوة وتوحشاً؛ فأرهق الحزن السوريين ومثَّل بهم واستولى على أجسادهم، فتعودوا امتصاص مدامعهم ومواجعهم حتى أنساهم هذا الزمن الأسود حليب أُمهاتهم الأبيض، صاروا يعيشون ظروفا تجعل الحياة لا الموت هي الأصعب على الاحتمال. أطفال سورية اليوم تحت السكين تترنح طفولتهم بين كافة أنواع البشاعة من اعتقال واغتصاب وقتل وتعذيب. برغم وجود عشرات الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تحميهم في النزاعات المسلحة. أوضاع الأطفال السوريين صعبة ولاتبشر بالخير، فالأمر لا يحتاج إلى بلورة سحرية للتنبؤ بهذه النتيجة المأساوية.

“لا مكان للأطفال”، جملة تختصر تقريرا مطوَّلا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، حول معاناة الأطفال السوريين في ظل الحرب التي تعصف بالبلاد منذ العام 2011 وحتى الآن.

يقول المدير الإقليمي لليونيسيف في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خيرت كابالاري، إن “عمق معاناة أطفال سورية لم يسبق لها مثيل فملايين الأطفال فيها يتعرضون للهجوم بشكل يومي، وقد انقلبت حياتهم رأسا على عقب.”

الأرقام صادمة، والحرب لم تترك مكاناً للأطفال.

في تقريرها الأخير الذي أصدرته في النصف الثاني من العام الماضي، تقول اليونيسيف أن ما يُقارب ٨.٤ مليون طفل سوري تأثروا بسبب النزاع الدائر في بلادهم ما يعني نحو ٨٠ بالمئة من مجموع الأطفال في سورية. وتشير اليونيسيف في تقريرها إلى أن الأطفال يشكلون نصف أعداد اللاجئين في دول الجوار السوري، بينهم أكثر من ١٥ ألفا عبروا الحدود من دون ذويهم. ويلفت التقرير إلى أن هنالك نحو ٢.١ مليون طفل سوري في داخل البلاد و٧٠٠ ألف طفل في الدول المجاورة لم يلتحقوا بالمدارس. كما تكشف أرقام اليونيسيف عن وجود مليون طفل سوري “يتيم” فقدوا أحد والديهما أو كليهما بسبب الصراع الدائر في البلاد منذ بدء الأزمة السورية وحتى الآن. حيث تعتبر سورية بحسب اليونيسيف بؤرة خطر على الأطفال، يلاحقهم الموت فيها فهنالك العديد من الأطفال فقدوا حياتهم في الصراع الدائر في البلاد.

هو الموت عينه الذي لاحق فرح تلك الصغيرة التي يئن قلبها شوقاً إلى والدتها وخربشاتها على جدران بيتها. فرح ذات السنوات الست تخاف أحلامها التي ترى فيها دوما مسلحين يصوبون قذائفهم إلى منزلها.

كان يوماً صيفياً دافئاً لكن المطر لم يعد مقتصراً على فصل الشتاء. في ذلك اليوم رأت فرح تلك الأشياء الغريبة تتساقط من السماء، أزاح صوت القذائف عن السماء أصوات العصافير وضحكات الأطفال. انهمرت قذائف الهاون، رحلت عائلة فرح لكن فرح كانت محظوظة بأن تعيش لموعد آخر. في زمن الموت، فرح ما زالت على قيد الحياة فيا لها من نعمة.

حكاية فرح

فرح طفلةٌ وديعةٌ شُجاعةٌ جميلةٌ ذاتُ ذكاءٍ خارق، وعينينِ من عسَلٍ وغمازة، من شُرفَةِ منزِلِ عمِها في حي المشتَل بدمشق، والذي انتقلت إليه بعد أن حصد الموت جميعَ أفرادِ أُسرَتِها، تُشاهِدُ فرَح القذائِفَ المُنقضَّةَ على الأهالي والمنازِل، فرَح لم تكُن خائفة من هذهِ الصاروخات، هكذا كانت تُسَميها.

تحدثت فرح مرةً كيفَ جاءَتِ الشمسُ كَفراشةٍ ووقفَت على نافِذتِها، أمسكًتْها فرح بِكَفِها الصغيرةِ البيضاء، قالت لها إن “كُنتِ تُحبينني أيتُها الشمس، فاذهبي إلى البحر ونامي طويلاً حتى لا تأتي الصاروخات وتضرِب الأطفال تحتَ ضَوئِكِ.”

إنَهُ زمنُ النارِ والقتل، وزمنُ الأهوال، يُفطِرُ السوريونَ في الصباح القذائِف وفي الظهيرة يتَغذونَ القنابِل وفي المساء يتعشَّون بالسياراتِ المُفخخة.

رَحلَتْ فرح عِندَما اخترقَت قذيفةُ هاوِن شُرفةَ غُرفَتِها، عادَت فرَح إلى الرَحِمِ التي خرَجَت منها. هل راودتها فِكرَةُ الموت؟ هل خطرَت ببالِها؟ تِلكَ الصغيرةُ التي كانت وردَةً لم تتفتَح، مليئةً بالحياة، هل أشاحَ الموت بوجهِهِ عنها وهوَ ذاهِبٌ إليها حتى لا يتألَم وهوَ يقطِفُ روحَها؟

سوريةُ اليوم تنزِفُ أكبدةً وأمعاء، في سورية صارَتِ الشوارِعُ والأرصفةُ حمراء، في سورية ما أكثرَ الواقفين اليوم أمامَ حجرَينِ منَ الرُخام يقرؤونَ الفاتِحَة، يقرؤونَ أبانا الذي في السماء. كم تُشبهينَ الوطنَ يا فرَح وكَم يُشبِهُكِ الوطن، يُقال إنَ الموتَ رفيقُ الجمال وجميلةٌ أنتِ حتى في موتِكِ، فحتى الموت اكتمِلَ بِكِ.

هذي حِكايَةُ فرَح.

وتستمرُ الحكاية فنرى ونسمعُ ونقرأُ كُلَ يومٍ عن فرحٍ جديدةٍ ترحلُ مع الراحلين.

ولكِن لو سُئِلنا يوماً عندما كانت فرَح تحت السكين عندما تشظّى لحمُها الحي، ماذا كُنا نفعل فبماذا سنُجيب ؟ بماذا سنُجيب؟

نيابة عن فرح وعن أطفال سورية وجهت اليونيسف نداء للعالم لتحقيق الآتي:

  • حل سياسي وفوري للنزاع.
  • وضع حد لجميع الانتهاكات.
  • الوصول غير المشروط والمستمر لجميع الأطفال المحتاجين، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون تحت الحصار.
  • توفير الدعم المستدام للحكومات والمجتمعات المضيفة للاجئين من أجل الأطفال المعرضين للخطر، بغض النظر عن وضعهم.
  • استمرار الدعم المالي لمواصلة تقديم المساعدة للأطفال المحتاجين داخل سورية وفي الدول المجاورة.

نحن لا نكتشف قارة جديدة إذا قلنا إن الأطفال في سورية يعيشون أزهى عصور الانحطاط في هذا الزمن الموحش.. هو قدر سورية ألا تنزف سماؤها عرقا ومطرا بل أكبدة وأمعاء، وقدر بعض المدن ألا تنبت الأرض فيها أشجاراً بل شقائق نعمان حمراء قانية وابتسامات وزهرات جميلة من دم أطفال شهداء، تقول الوثائق بأنهم ميتون، لكن الله يقول هم أحياء عند ربهم يرزقون.. فتوقفوا عن تشبيك أذرعكم والنظر إلى سورية تحترق، فبإمكانكم أن تمدوا إلى أطفالها أيديكم، فالطفل السوري مازال يموت، فلنجعل من حمايته هدفاً عاجلاً لنبقى ويبقى الأطفال السوريون على قيد حياة وقيد أمل، فيبدو أن هؤلاء الأطفال لايملكون خيارا سوى الانتظار.. الأمر ينجح أحياناً.

خلفية الهجوم التركي على الخاصرة الكردية

خلفية الهجوم التركي على الخاصرة الكردية

رغم القصف والدمار الذي خلفه الهجوم التركي على قرى مدينة عفرين، وبعد ستة عشر يوماً خرج الآلاف من أهالي المدينة بالغناء والموسيقا يتحدون المدفعية والطيران التركي منددين بهذا العدوان الهمجي على الأهالي.

تكاتف عرب المدينة وكردها يداً بيد لمواجهة هذه الهجمة البربرية التي استهدفت منازل المدنيين ومحلاتهم. هناك يقين أنّ هذا الهجوم بتعاون فصائل تدعمها تركيا ليس فقط ضد حزبٍ بعينه كما تزعم أجهزة اعلام تركية وأنصارها؛ وإنما هو امتداد لمشروعٍ عثماني جديد بالتحالف مع جماعات كالإخوان المسلمين في سوريا لاستهداف مواطني عفرين وكردها. اذ ان تاريخ هذه الهجمة لم يكن مفاجئاً لأهل عفرين الذين كانوا شهود عيان على هجوم فصائل معارضة (كجبهة النصرة وغرباء الشام) في بداية الثورة السورية بقيادة نواف البشيرالعائد لحضن نظام الأسد مؤخراًعلى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة. رسخت تلك الهجمة بالنسبة لأهالي المنطقة أنّ تركيا صاحبة مشروع توسعي يستهدف الكيان الكردي بغض النظر عن تواجد ميليشيات كردية في المنطقة.

ربما كان أغلب السياسيين والمثقفين الكرد على دراية كاملة بأن روسيا ستعقد الصفقة الملائمة لها آجلاً أم عاجلاً مع أي طرف للاستغناء عن عفرين التي كانت من حصتها مقابل انتشار القوات الأمريكية في كوباني (عين العرب) والقامشلي، وبذلك لم يكن انسحاب النقطة العسكرية الروسية من كفرجنة/عفرين أمراً غريباً، وخاصة أن الروس لم يكونوا يوماً ما حلفاءً جديين للأكراد في الشرق الأوسط، وبذلك كان الضوء الأخضر الروسي والرمادي الأمريكي للتركي كافياً بتوريطه بمقتلة محتومة في عفرين، تلك الخاصرة الرخوة دولياً جغرافيا التي لجأت تركيا لضربها بتحالف مع مقاتلين سوريين. من هنا كانت المعادلة واضحة بالنسبة لأهالي عفرين ونظرتهم وموقفهم من الهجمة التركية بالبقاء والمقاومة، حيث أن جنديرس، الناحية التي تقع على بعد ما يقارب ١٥ كلم من مركز المدينة، كانت لهاحصة الأسد” من هذا الاستهداف العشوائي التركي، حيث دمر الطيران والمدفعية التركية أجزاء كبيرة من الناحية، وكان الاستهداف بشكل عشوائي ينطلق من المركز أو النقطة التي خصصت بين روسيا وتركيا لخفض التصعيد في مناطق التوتر، وهي النقطة المطلة على جنديرس من طرف جبل الزاوية، حيث استخدمت لقصف الأهالي بالمدفعية وتدمير ما يقارب ٤٠ في المئة من ناحية جنديرس الخالية من المقرات العسكرية.

رغم ذلك أصرّ بعض أهالي المنطقة على الصمود والبقاء في أقبية منازلهم هرباً من القصف العشوائي، هنا يقول أحد سكان جنديرس من المكون العربي: “كنا نعيش بسلام مع أهالي المنطقة من السكان الأصليين والنازحين إليها من ريف حلب، لكن المدفعية التركية ولا أدري لماذا كل هذا الحقد استهدفتنا بشكل قبيح فدمرت كل منازلنا ومحلاتنا، رغم ذلك لم نغادر بيوتنا لأننا سكانها وأهلها، ولن تستطيع المدفعية التركية أن تنزع منا حق الحياة فيها، سندافع عنها بأشجارنا وزيتوناتنا، ونقول لكل العالم أننا طلاب حرية وسلام، ولسنا طلاب القتل والإجرام.”

تزامنت الهجمة التركية الشنيعة مع حصارٍ كامل على المدينة، فبالإضافة إلى حصار فصائل معارضة والجيش التركي للمدينة، لم يسمح النظام لأهالي عفرين بالعبور باتجاه محافظة حلب عبر الممر الوحيد الذي يربط عفرين بحلب، فكان شريكاً للتركي بذلك في قمع الأهالي ودفعهم إلى الهلاك والموت. إلا أن إرادة الحياة كانت أقوى لدى هؤلاء، ففتحت المنازل وأقبية المحلات في مركز عفرين لتستقبل النازحين من القرى التي تتعرض للقصف، وقامت المشافي والعيادات الطبية باستقبال الجرحى والضحايا من المدنيين بإمكاناتهم المتواضعة، وليصل عدد الجرحى في مشافي عفرين حتى تاريخ ٥ شباط\فبراير إلى ما يُقارب ١٧٠ جريحاً و٧٠ قتيلاً، هذا كله وسط كادر طبي قليل كان يداوم ٢٤ ساعة. ورغم عدم توفر المعدات الطبية اللازمة بسبب الحصار المفروض عليها وتخاذل منظمات الإغاثة الدولية، يقول الدكتور خليل صبري، مدير مشفى عفرين: “اكتظ مشفى آفرين بالجرحى والمصابين، ووصل بنا الحال أن نستخدم كل مرافق المشفى لمداواة الجرحى وتأمين العلاج اللازم لهم، ولكن رغم مناشداتنا منذ أول عدة أيام من الهجمة للمنظمات الطبية الدولية بالتدخل وتقديم المعونة لم يتعاون أحد معنا، واستطعنا بقدراتنا البسيطة علاج ما يزيد عن ١٥٠ جريحاً ماعدا الذين قتلوا في هذه الهجمة على المدينة.”

بعد مرور ستة عشر يوما على الهجوم خرج أهالي المدينة إلى شوارع عفرين المركز حاملين آلة البزق والطبول يغنون منددين بالهجوم التركي، ورافعين شعار الزيتون سلاماً لكل أهالي المنطقة، يقول أحمد أحد المشاركين المستقلين في مظاهرة عفرين: “نحن خرجنا اليوم لنرفع صوتنا عالياً بأن أصوات قذائف الدبابات التركية وشعارات الإسلاميين المهاجمين على منازلنا لن تخيفنا، لقد دخلوا القرى الآمنة الخالية من المواقع العسكرية ونهبوا منازلها واحتجزوا أهلها، وكل ذلك يمدنا بالكثير من المقاومة والعزيمة للدفاع عن كرامتنا وأرضنا كرداً وعرباً، نحن أهالي عفرين ولن نسمح لبعض المرتزقة بدعم جوي تركي هدم منازلنا وهدر المزيد من الدماء.”

في الواقع مستوى التكافل الاجتماعي الموجود حالياً في عفرين ليس له علاقة بطبيعة الكرد أو سكان المنطقة، بل هي قناعة راسخة بأن المحتل التركي والمرتزقة من الكتائب السورية المتحالفة معهم لن يجلبوا سوى الدم والقتل لأهل عفرين بكافة طوائفهم ومشاربهم الدينية والحزبية، وخاصة مع تزامن ذلك مع تصرفات المهاجمين في القرى التي احتلوها في الأيام الأولى من الهجمة، باحتجاز الشباب وتكسير محلات الكحول ونهب معاصر الزيتون، كان كافياً لتشكيل صورة بأن القادم ليس لديه نية سوى القضاء على المنطقة بمن فيها، فكانت المقاومة من العسكر والمدنيين.

الأيام القادمة ستكون كفيلة بتوضيح الصورة بشكل أكبر، ولا سيما أن الضغط الروسي –  التركي يركز على تسليم المنطقة لقوات النظام لو بشكل جزئي من خلال الدوائر الرسمية ورفع علم النظام في المنطقة، لكن من المؤكد أن أهالي عفرين لن يسمحوا باحتلال التركي لأراضيهم التي زرعت منذ مئات الأعوام بأشجار الزيتون رمزاً للحب والسلام فيها.

سوريا في أسبوع، ١٢ شباط

سوريا في أسبوع، ١٢ شباط

مصيدة الطائرات
5-11  شباط/ فبراير  2018

ليس سراً أن سوريا تحولت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي. وفي هذا الأسبوع أسقطت أربع طائرات غير سورية وجرت خمسة صراعات خارجية في سوريا. أسقط معارضون قاذفة روسية في ريف إدلب، وقصفت قاذفات أميركية موالين للقوات الحكومية السورية شرق نهر الفرات، وأسقط مقاتلون أكراد مروحية تركية قرب عفرين شمال حلب. واعلنت اسرائيل اسقاط طائرة “درون” ايرانية  فوق الجولان، ودمرت مضادات سورية  طائرة “إف – 16” إسرائيلية.

تجاوز “الخطوط الحمراء” في سوريا
10 شباط (فبراير)

أسقطت الدفاعات الجوية السورية “سام 5” طائرة إسرائيلية من طراز”إف-16″، أثناء عودتها من غارة على القاعدة الجوية “تي-“4 في وسط سوريا.  وتمكن الطياران من القفز من الطائرة وأصيبا بجروح أحدهما في حالة خطيرة. وآعلنت إسرائيل شن ضربات “واسعة النطاق” استهدفت مواقع “إيرانية” في عمق الأراضي السورية، بعد إسقاط  الـ “إف 16”.

وتضمن التصعيد تجاوزا للخطوط الحمراء في سوريا التي كان يعتقد أنها خاضعة لقواعد اشتباك محددة فرضها الوجود العسكري المباشر لروسيا منذ نهاية 2015. 

وأكد مسؤولون أن مضادات جوية تابعة لدمشق أسقطت الـ “إف 16″، وذلك في أول حادثة من نوعها منذ نحو 30 سنة، فيما أشار الجيش الإسرائيلي للمرة الأولى صراحة إلى ضرب أهداف إيرانية في سوريا، موضحاً أن التصعيد بدأ مع دخول طائرة “درون” إيرانية الأجواء الإسرائيلية من الأراضي السورية .

وأفيد بأن الغارات الإسرائيلية استهدفت مواقع شرق حمص فيها قوات إيرانية وعناصر من “حزب الله” اللبناني. وشنت المقاتلات الإسرائيلية موجة ثانية من الغارات على “12 هدفاً إيرانياً وسورياً بينها 3 بطاريات صواريخ مضادة للطائرات، و4 أهداف إيرانية غير محددة”، بينها قاعدة “تيفور” في وسط البلاد، حيث يقيم خبراء روس وإيرانيون.

واذ قال “حزب الله” ان التصعيد  الاخير “تحول” في الصراع، احتفل سوريون في دمشق بإسقاط الطائرة الاسرائيلية.  

وأعلنت واشنطن دعمها لـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، مؤكدة أنها تسعى إلى جهد دولي أكبر “للتصدي لأنشطة إيران الخبيثة”، فيما دعت موسكو “جميع الأطراف إلى ضبط النفس.”

تحليل:  

تردد في أوساط دبلوماسية حصول اطلاق دولية  للوصول بهدوء وتدرج إلى “قواعد اشتباك” جديدة جنوب سوريا تتعلق بانتشار “حزب الله” وفصائل تدعمها إيران وسلاحها للدفع بانسحاب المقاتلين الأجانب وتنفيذ “هدنة الجنوب”، إضافة إلى بحث مصير اتفاق “فك الاشتباك” في الجولان وعمق انتشار “القوات الدولية لفك الاشتباك” (إندوف) ومهماتها وسلاحها بين الجولان ودمشق.

نزيف الغوطة الشرقية…المستمر
8-9-10 شباط (فبراير)  

شهدت الغوطة الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة سقوط أكبر عدد من القتلى في أسبوع واحد منذ عام 2015 جراء قصف تشنه القوات الحكومية ما أدى إلى مقتل 250 شخصاً في الأيام الخمسة الماضية بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان صرح السبت أن الضربات الجوية السورية والروسية على مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة أسفرت عن مقتل 230 مدنياً خلال الأسبوع الماضي في أحداث تعد من أسوأ أعمال العنف في الصراع السوري وقد تصل إلى حد جرائم الحرب، وتابع “بعد سبعة أعوام من الشلل في مجلس الأمن، يصرخ الوضع في سوريا لإحالة الأمر للمحكمة الدولية ولبذل جهد على نحو منسق.”

تقوم فصائل المعارضة بإطلاق قذائف هاون على العاصمة الجنائية السورية والتي أدت إلى سقوط 5 قتلى وعدد من جرحى بين المدنيين، بحسب وكالة سانا السورية الرسمية.

وتعيش الغوطة الشرقية في حصار محكم منذ وفي ظل الحصار المحكم على المنطقة منذ 2013 وتعاني من ارتفاع اعداد الضحايا، عجز الأطباء والمسعفين عن القيام بمهامهم جراء النقص في الادوية والمستلزمات الطبية.

أخفق مجلس الأمن الدولي في اجتماع عقده الخميس  في التوصل الى نتيجة ملموسة حول قضية إعلان هدنة إنسانية في سوريا، بناء على طلب السويد والكويت حيث يزداد الوضع خطورة في مناطق عدة أبرزها الغوطة الشرقية قرب دمشق.

ويدرس مجلس الأمن الدولي المطالبة بوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً للسماح بأرسال المساعدات الإنسانية وإجلاء المرضى والمصابين. ويدعو مشروع القرار “كل الأطراف إلى رفع الحصار فوراً عن المناطق السكنية بما في ذلك الغوطة الشرقية واليرموك والفوعة وكفريا.”

وتؤيد الولايات المتحدة وفرنسا مشروع القرار وتركز على احتمالات استخدام النظام السوري للكلور في هجماته على المعارضة بالإضافة إلى تصعيد القصف وزيادة الضحايا من المدنيين.

وكان خبراء جرائم الحرب في الأمم المتحدة قد ذكروا يوم الثلاثاء إنهم يحققون في عدة تقارير بشأن استخدام قنابل تحوي غاز الكلور المحظور ضد المدنيين في بلدتي سراقب في إدلب ودوما في الغوطة الشرقية بسوريا.  

استنزاف تركيا
7-10 شباط فبراير

قُتل 11 جنديًا تركيًا السبت بحوادث عدة، وهي أكبر حصيلة قتلى بصفوف الجيش التركي منذ بداية هجومه على عفرين بشمال سوريا في 20 كانون الثاني/يناير. وقد أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم مقتل عسكريَّين تركيَّين اثنين عندما تم إسقاط مروحية عسكرية تركية.

وفي وقت لاحق أعلن الجيش التركي أن تسعة عسكريين قُتلوا بحوادث عدّة، من دون أن يوفّر مزيدًا من التفاصيل. كما أشار إلى أن 11 جنديا تركيا اخرين قد أصيبوا بجراح. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أروغان من جهته انه تم شل حركة 1141 “ارهابيا” خلال العملية في شمال سوريا، ويشمل هذا العدد القتلى والجرحى والمعتقلين.

ويستمر التصعيد في جبهة عفرين وسط اتهامات تركيا للولايات المتحدة بدعم الفصائل الكردية، وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة تعمل ضد مصالح تركيا وإيران وربما روسيا في سوريا حيث ترسل إمدادات عسكرية لمنطقة تحت سيطرة قوات يهيمن عليها الأكراد. وأضاف “يعني هذا أن لديكم حسابات ضد تركيا وإيران وربما روسيا” وكرر دعوته لسحب القوات الأمريكية من مدينة منبج بسوريا. (رويترز) واستنكر الاتحاد الأوربي الهجوم التركي على عفرين واعتبره “وسيلة غير فعالة” لتعزيز الأمن التركي. (عنب بلدي)

ومن جهة روسيا فقد نقلت وكالة الإعلام الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله يوم السبت إن تشكيل منطقة لخفض التصعيد في عفرين بسوريا سيكون موضع بحث في محادثات آستانة للسلام. كما التقى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بالرئيس الإيراني حسن روحاني في طهران الأربعاء وسط تصاعد التوتر بشأن سوريا، حيث تطالب طهران تركيا بوقف عملية “غصن الزيتون”.

وفي تطور مواز قال قائد في التحالف العسكري الداعم للنظام السوري يوم الاثنين إن الجيش السوري ينشر دفاعات جوية جديدة وصواريخ مضادة للطائرات على الجبهات في منطقتي حلب وإدلب. وقال القائد العسكري “الجيش السوري يستقدم دفاعات جوية جديدة وصواريخ مضادة للطائرات إلى مناطق التماس مع المسلحين في ريفي حلب وإدلب بحيث تغطي المجال الجوي للشمال السوري.” وهو ما ينذر باحتمالات تصعيد على جبهتي ريف حلب وإدلب.  

تثبيت اميركي  لـ “الخط الأحمر”
8 شباط/ فبراير

قال التلفزيون الرسمي السوري يوم الخميس إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم “داعش” قصف قوات موالية للحكومة شرقي نهر الفرات في محافظة دير الزور بشرق البلاد ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى. ووصفت بيانات أذاعتها محطات التلفزيون القصف بأنه “عدوان جديد” و”محاولة لدعم الإرهاب.”  

وقال دبلوماسيون ان هذا استهدف تثبيت “الخط الأحمر” لمنع موالين دمشق عبور نهر الفرات الى مناطق تحت سيطرة قوى تدعمها اميركا.

وكان مسؤول أميركي صرح أن أكثر من 100 مقاتل من المتحالفين مع الرئيس السوري بشار الأسد قُتلوا بعد أن أحبط التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقوات محلية مدعومة منه هجوما كبيراً ومنسقاً.

ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء عن وزارة الدفاع قولها يوم الخميس إن الهدف النهائي للولايات المتحدة في سوريا ليس محاربة تنظيم “داعش”، لكن الاستيلاء على أصول اقتصادية. وأضافت أن المقاتلين السوريين الذين استهدفهم التحالف بقيادة واشنطن لم ينسقوا أنشطة استطلاعهم بشكل مسبق مع روسيا.

قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن الولايات المتحدة لا تسعى لصراع مع قوات الحكومة السورية لكن من حقها الدفاع عن النفس. كما وصف وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس محاولة هجوم على قوات أمريكية وقوات تدعمها واشنطن في سوريا بأنه “مربك” قائلا إنه لا يعرف ما الذي يدفع قوات موالية للحكومة السورية لمحاولة تنفيذ الهجوم المنسق.

“داعش” نحو إدلب
10 شباط

سيطر الجيش النظامي السوري على الجيب الذي يحاصر فيه عناصر من “داعش” بعد أن نقل تركيز المعارك من جبهة سراقب نحو المنطقة المحاصرة بين أرياف حماة وحلب وإدلب. وأعلن سيطرته على كامل الجيب المحاصر. وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن الجيش ترك ممراً لعناصر داعش للعبور إلا إدلب حيث اشتبك عناصر داعش مع مقاتلين في المعارضة في محافظة إدلب.

وقامت تركيا خلال الأسبوع السابق بإقامة موقع عسكري في شرق إدلب في مواجهة قوات النظام تطبيقاً لاتفاق خفض التصعيد. وقد قتل أحد الجنود الأتراك في هجوم بالصواريخ وقذائف المورتر في شمال غرب سوريا خلال إقامة هذا الموقع العسكري. وهو ثاني هجوم في غضون أسبوع يتعرض له جنود أتراك يحاولون إقامة موقع قرب خط المواجهة.  

وكان الأسبوع الماضي شهد تطوراً خطيراً من خلال إسقاط طائرة حربية وروسية من قبل فصائل المعارضة باستخدام صواريخ مضادة للطيران تحمل على الكتف، وعلى إثر ذلك قامت روسيا بشن غارات انتقامية في إدلب. حيث ذكرت مصادر بالدفاع المدني إن الغارات الجوية قصفت بلدتي كفر نبل ومعصران بالإضافة إلى مدن سراقب ومعرة النعمان وإدلب وإنه تم الإبلاغ عن سقوط العديد من القتلى وعشرات من الجرحى مع رفع رجال الإنقاذ الأنقاض.

أيُها المَوت توقَف عَن التَحديق في أطفالِنا وارحَل بعيداً

أيُها المَوت توقَف عَن التَحديق في أطفالِنا وارحَل بعيداً

المَكان: الأرضً التي غَدا أطفالًها وجبةً يوميةُ شهيةً للموتِ والاغتصاب.

الزَمان: زمنُ النار وزمنُ القتلى وزمنُ الأهوال، زمنُ العار.

الحَدَث: نظرةٌ حزينةٌ منكسرةٌ لطفلٍ امتلأ قلبُه رُعباً بعدَ أن تعرضَت طفولَتَهُ للاغتصاب.

مشهدُ الإذلالِ الأبشع منَ الموت

في ذلك الصباح الحزين المُخَضبِ بالدمعِ وبحيراتِ الحُزن ما كانَ عقلي يعمل، ساعةُ القلبِ وحدَها كانت تدُقُ بِخَفقاتٍ مجروحةٍ تكاُد الروحُ تخرجُ فيها من بين دَفتي الصدر, وأنا أرى هذا الطفلَ الذي تعرضَ للاغتِصاب. في هذا الزمن السوري المستباح في هذا الزمن السوري المُفتت كالغُبار يُغتَصبُ الأطفال السوريون ويُرمَونَ في الشوارعِ لا شيءَ يَحميهم أو يُغطيهم سوى الغطاء الجوي للكرة الأرضية.

الأطفالُ السوريون اليوم تحتَ النار طفولَتُهم  تترنحُ ودَمُهُم ينهمرُ في ظلِ انحطاطٍ سياسيٍ وانحطاطٍ اجتماعيٍ وانحطاطٍ اقتصادي وحربٍ أهليةٍ وقمعٍ وإرهابٍ وقتل وسجونٍ ومُعتقلاتٍ وتصفياتٍ سريةٍ وطوائفَ وعشائرَ وجنرالاتٍ يتحكَمونَ بِرقابِ البشرِ القطعان, كُلُّ شيءٍ في سورية مُباح لِأنَ القانون مُستَباح, الإنسانُ في سورية خانعٌ ومهزوم ومُستَلب ومُزَعزع الروح، فالليلة وكُل ليله وفي جميعِ الأوقات دماءُ السوريين مَهدورة لا يعرفون متى وبأيِ أرضٍ يموتون لكنًهم يعرفون أنَّ الموتَ ينتظرُهُم هُناك.

مُحَمَد هذا الطفل، نموذجٌ لِأطفالِ سورية المُطوقين في جَفن الردى الذي ينهشُهُم حتى لَتبدو حياتُهم ضرباً مِنَ الحُلُم يُستَعادُ كًشريطٍ سينمائيٍ جميل مُفعمٍ بالأسى وفُقدانٍ الذاكرة فيصيرُ الموت هوَ الحقيقة وليسَ الحياة، هَكذا يزحفُ الموتُ نحوَ الأبرياء نحوَ الأطفال بلا عقلانية وعشوائية ومجانية.

كُلُّ طفلٍ في سورية قًدّ يكونُ مُحَمَد

أطفالُ سوريةَ اليوم تحتَ السكين تتلوى أجسادُهُم الرقيقة من الجوعِ والقَتلِ والإرهابِ والاغتصاب، أجسادُهُم وهي تَتَمزقُ وتُغتَصب وحدَها تصرُخُ في زحمةِ الموت هل تُرى لا يستَحقُ أطفالُ سوريةَ غيرَ الموتِ في هذا الزمَن الأَعمى؟ في زمنِ “العار”، هل هُناك من أملٍ لِأطفالٍ يحيون في قلبِ هذا الجحيم ؟ وهل ينبَغي إن كُنا صادقين أن نَشعُرَ بِنَبضةِ تفاؤُل تحتَ غمرةِ هذا الاجتياح البربري للموت اللاعقلاني المُنفَلِت من عِقالِه على سطحِ الأرضِ السورية ؟

مُحَمَد مَلأت الجراحاتُ وَجهَهَ وجَسدَه وكأنَ سادياً هوَ مَن انتزَعَ مِنهُ براءتَهُ، كانَت ترتَمي مِن عَينيه الرائِعَتين ظلالُ الحُزنِ العَميق تُحِيطُهُما أشعةُ الخوفِ فتُعطي لِنَظرتِهِ عُمقاً، كانَت عيناهُ تقولان كَم هوَ مُخجِلٌ ومُحزِنٌ أنَّ كثيرينَ مِنَ السوريينَ اليوم يَحسُدونَ الكِلاب.

حِزبُ الصَمت

قيلَ يوماً لا تخشَ أصدقاءك فأقصى ما بِإمكَانِهم خيانتُك ولا تخشَ أعداءكَ فأقصى ما يستطيعون اغتيالَك بل اخشَ اللامُبالين مَن يقولون امشِ الحَيط الحَيط وقُل يا ربِ السَتر، مَن يقولون مَن يأخُذ أُمنا نُسميهِ عَمنا، مَن يقولون العَين لا تُقاوِمُ المِخرَز، مَن يقولون “الإيد اللي ما فيك تَعضها بوسها وادعي عليها بالكسِر”، فَصمتُهُم يُجيزُ الخيانَة ويُبررُ القَتل.

وقفتُ قليلاً لِأرى ما سَيفعَلُهُ السوريون لِهذا الصَغير، مُحَمَد المُغتَصَب، بعضُهم مَرَّ قائِلاً إِنّا لله وإِنّا إليهِ لَراجِعون ولا حَولَ ولا قوةَ إلا بالله ناسياً صوتَ الأجدادِ الصارخِ بالخليفةِ والله لو وَجدنا فيكَ اعوجاجاً لَقومناهُ بِحَدِ السُيوف وبعضُهُم مَرَّ دونَ فِعلٍ أو حتى ردِّ فِعل وكأنَّ مُحَمَداً كانَ يَعتَمِرُ قُبَعَةَ الإِخفاء وكَأنَّ الذَبحَ والقتلَ والاغتصاب صارَ أمراً عادياً لا تَستوقِفُنا بشاعتُهُ وأفضَلُهُم أحضرَ شَرشَفاً وغطى بِهِ بَراءَةَ مُحَمَد مُغطياً بِذلِكَ عارَنا.

الوَطنُ يَتمَزقُ أشلاءً، وأطفالُ سوريةَ يُحرَمونَ مِن بَراءَتِهِم ومَعَ ذلِك فالمواطِنُ السوري المُحايِد لا يَصرُخ، بل يصمت، يَبيعُ ويَشتري ويَهرُبُ بَعيداً عَن النارِ اللافِحةِ يقولُ “ما دَخَلني فَخار يكسِر بَعضو.”

أَيُها الموت تَوقَف عَن التَحديقِ في أطفالِنا وارحَل بعيداً

مُحَمَد طِفلٌ في عُمرِ الفاجِعَة، مُتعَبُ المَلامِح، مَذعُورٌ كذئِبٍ جَريح، بِوَجهِهِ المُحترِق مِن وَهجِ الشَمس، تَعَرَضَ كَما كَثيرونَ غيرُهُ مِن أطفالِ سوريةَ لِلإذلالِ الأبشَعِ مِنَ الموت “الاغتِصاب”، عَورَةُ مُحَمَد المَكشوفَة كَشَفَت عوراتِنا، عَرَتنا، كَسَرَت كِبرياءَنا،  تَصرُخُ بي عَيناه أَن “لا يُلامُ الذِئبُ في عُدوانِهِ… إِن يَكُ الراعي عدوَّ الغَنَمِ.”

عصيرُ الحياةِ المُر وعجينَةُ الموتِ اليومي تَقذِفُ حِمَمَها إلى كُلِّ الجِهات، والموتُ يَفعَلُ في أطفالِ سوريةَ فِعلَ المُتوالية الحِسابية فَهوَ ما إِن بَدأَ لَم يترُك لِطُفولَتِهِم فُسحَةً لِالتِقاطِ الأنفاس فَصارَت حُدودُهُم كَما يَقولُ الماغوط مِنَ الشِمالِ الرُعب ومِنَ الجنوبِ الحُزن ومِنَ الشَرقِ الغُبار ومِنَ الغَربِ الأطلال والغِربان بَعدَ أَن غَدَت طُفولَتُهُم وَجبَةً يَومِيَةً لِلموتِ والاغتِصاب.

في أعماقِ مَن تَبقى على هذهِ الأرضِ السوريةِ المُستباحةِ مِن أطفال صَرخَةٌ تَنشُدُ الحَدَ الأدنى مِن حياةِ الحُريَةِ والكرامَةِ والمُستَقبَل فَذاكِرةُ الأطفالِ حَيَةٌ لا تنسى الإرهابَ والخوفَ والتجويع.

وَرَقَةُ التوتِ الأَخيرة

أيُها الصامِتونَ في كُلِّ مَكان على أرضِ سوريةَ قِفوا وألقوا نَظرةً خاطِفَةً على ما كُنتُم عليه وما أنتُم عَليه الآن مِن نِعَمٍ ومباهِجَ ومَسرات، أينَ كُنتُم تَسكُنون وتُقيمون وأينَ صِرتُم تَسكُنون وتُقيمون، ماذا كُنتُم تأكُلون وماذا صِرتُم تأكُلون، كُلُّ هذا لم يأتِ مِن فَراغ بَل هوَ نِتاجُ رَبيعِ الدَّمِ الذي أغرَقَ السوريينَ في الفَقرِ والجَهلِ والمَرَضِ والجوعِ والتَخَلُف.

أيُها المُسَلَحونَ الأكارِم، أياً كانَتِ انتماءاتُكُم وطوائِفَكُم وأهدافَكُم وأنواعُ أسلِحَتِكُم، تابعوا أعمالَكُم ولا تُبقوا على شيءٍ في سورية… دَمِروا مَصانِعَها، اهدِموا مساكِنَها لا تَترُكوا في سوريةَ إلا الدُخان والخَرائِب… ولَكِن فَقَط تَرَفقوا بِالأطفال، فما جَريمَتُهم إن وُلِدوا في سوريةَ وفي هذهِ المَرحَلة؟

في عَصرِ الموتِ السوري يُولَدُ أطفالُ سوريةَ في زَحمَةِ الموتِ مَذعورين ويَرحلونَ في زَحمَةِ الموتِ مَذعورين. مسكينٌ يا مُحمَد، مِسكينُ أيُها الطِفلُ السوريُ الجَريحُ المُتعَب كَم مِنَ التزويرِ والتشويهِ يُرتَكبانِ بِحَقِ طفولَتِكَ بينما نَحنُ مُنشَغِلونَ بِآخِرِ وَرَقَةِ تُوتٍ تُغَطِّي عَوراتِنا.

تراجع روسي عن «لجنة الدستور» في وثيقة سوتشي

تراجع روسي عن «لجنة الدستور» في وثيقة سوتشي

“توصل المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مع الجانب الروسي إلى مسودة نهائية لـ«وثيقة سوتشي» لمؤتمر الحوار السوري، حصلت «الشرق الأوسط» على نصها؛ تضمنت موافقة موسكو على شرط الأمم المتحدة، بترك تشكيل «اللجنة الدستورية»، وتحديد مرجعيتها وآلية عملها وأعضائها إلى دي ميستورا، وعملية جنيف برعاية الأمم المتحدة، في وقت علم أن المدعوين إلى المؤتمر تبلغوا خلال لقاء موسع في دار الأوبرا بدمشق «الخطوط الحمر»، بينها «رفض بحث صوغ دستور جديد والجيش والأمن» والتمسك بمبدأ «تعديل الدستور الحالي».

عليه، تراقب دول غربية، بينها أميركا وفرنسا وبريطانيا، التي قررت المشاركة على مستوى منخفض، وبصفة مراقبين، ما إذا كانت موسكو ستحصل على موافقة تركيا وإيران على الصيغة النهائية لـ«وثيقة سوتشي» اليوم.

وقال مسؤول غربي لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن وزير الخارجية وليد المعلم ومسؤولاً أمنياً اجتمعا في قاعة واسعة في دار الأوبرا في دمشق، بمئات المدعوين إلى سوتشي، قبل توجههم إلى سوتشي. وقرأ المسؤولان على الحاضرين أسماء اللجان المنبثقة من المؤتمر، كان بينها «لجنة رئاسية» ضمت عشرة أسماء، بينهم الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي صفوان القدسي المنضوي تحت لواء «الجبهة الوطنية التقدمية» (تكتل أحزاب مرخصة) ورئيسة «منصة آستانة» رندة قسيس ورئيس «تيار الغد» أحمد الجربا ورئيس اتحاد نقابات العمال في دمشق جمال القادري والأكاديمية أمل يازجي (من الحزب القومي السوري الاجتماعي) ومييس كريدي (معارضة الداخل). وكان بين الأسماء التي تليت قائد «جيش إدلب الحر» فارس البيوش ورئيس تيار «قمح» هيثم مناع ونقيب الفنانين زهير رمضان.

وقرأ أحد المسؤولين، بحسب المسؤول الغربي الذي اطلع على مضمون اللقاء، «لجنة مناقشة الدستور الحالي»، وتضم 25 عضواً، بينهم عضو الوفد الحكومي إلى جنيف النائب أحمد الكزبري والشيخ أحمد عكام ورئيس مجموعة موسكو قدري جميل ورندة قسيس وأمل يازجي، إضافة إلى «لجنة التنظيم» و«لجنة الإشراف على التصويت».

«خطوط حمراء»

وفي اجتماع اخرى، جرى استعراض يستعرض المسؤولان «الخطوط الحمر» والتعليمات للمشاركين، ويؤكدا أن مسودة «وثيقة سوتشي» التي نشرتها «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، ليست دقيقة، بل تم توزيع المسودة من دون مقدمة البيان، وخاتمته، بسبب اعتراض دمشق على بنود فيها.
وشملت «التوجيهات» عدم قبول الحديث عن صوغ دستور جديد، والتمسك بتعديل الدستور الحالي للعام 2012، وفق الأصول والآليات في مجلس الشعب (البرلمان) الحالي، علماً بأن هذه نقطة خلافية مع باقي الدول، ذلك أن الأمم المتحدة وروسيا ودولاً غربية تتحدث عن «دستور جديد يمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة بموجب القرار 2254 وضمن عملية جنيف». و«نصح» المسؤولان، الحاضرين، بـ«رفض التطرق إلى الجيش والأمن» باعتبار أن أحد بنود البيان الـ12 تتعلق بالدعوة إلى «وضع الجيش تحت سلطة الدستور»، وأن «تعمل أجهزة الأمن بموجب القانون وقواعد حقوق الإنسان». ولدى التطرق إلى رئيس النظام بشار الأسد «تم التأكيد على أن الأمر يعود إلى الشعب السوري». كما شملت «النصائح» عدم التطرق إلى «أمور طائفية»، من دون أن تشمل التعليمات «رفض مصافحة المعارضين».

وإذ قررت واشنطن وباريس ولندن إرسال دبلوماسيين من مستوى منخفض بصفتهم «مراقبين» إلى سوتشي، أنجز دي ميستورا وفريقه التفاوض مع الجانب الروسي على صوغ البيان الختامي للمؤتمر بموجب تفاهمات سياسية بين الطرفين أدت إلى مشاركة المبعوث الدولي.
وكان اتفاق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على سلسلة من المبادئ، بينها أن يقتصر مؤتمر سوتشي على اجتماع واحد، لا يتضمن تشكيل لجان محددة، ولا خطوات تتعدى إقرار بيان متفق عليه وفق الصيغة الواردة الأخيرة، أدى إلى تكليف غوتيريش مبعوثه دي ميستورا بحضور «سوتشي» رغم تصويت «هيئة التفاوض السورية» المعارضة لصالح مقاطعة المؤتمر. ويعني اتفاق غوتيريش – لافروف طي صفحة اللجان التي قرر الجانب الروسي تشكيلها واقرار المبادئ السياسية الـ 12 التي سبق وان صاغها دي ميستورا.

عليه، تم تعديل مسودة البيان بحيث يتم الاكتفاء بإقرار مبدأ اللجنة الدستورية، على أن يحدد عددها وتوازناتها السياسية ومرجعيتها وآلية عملها من قبل الأمم المتحدة. وعلمت «الشرق الأوسط» أن موسكو رفضت الخوض مع أنقرة وطهران في مسودة البيان المتفق عليها مع الأمم المتحدة، خصوصاً الفقرة الأخيرة، ونصت على: «لتحقيق ذلك، اتفقنا على تشكيل لجنة دستورية من حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد واسع من المعارضة السورية لصوغ إصلاحات دستورية كمساهمة في العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة انسجاماً مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254». وزادت: «إن اللجنة الدستورية ستضم على الأقل ممثلي الحكومة والمعارضة وممثلي الحوار السوري – السوري في جنيف وخبراء سوريين وممثلي المجتمع المدني والمستقلين وقادة العشائر والنساء. وهناك اهتمام خاص لضمان تمثيل للمكونات الطائفية والدينية. وأن الاتفاق النهائي (على اللجنة) يجب أن يتم عبر عملية جنيف برعاية الأمم المتحدة، بما يشمل المهمات والمرجعيات والصلاحيات وقواعد العمل ومعايير اختيار أعضاء اللجنة».

وحلت هذه الفقرة بدلاً من فقرة سابقة كانت موسكو قدمتها، ونصت على: «وافقنا على تشكيل لجنة دستورية تضم وفد الجمهورية العربية السورية ووفد المعارضة ذوي التمثيل الواسع لتولي عملية الإصلاح الدستوري بهدف المساهمة في تحقيق التسوية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، لذلك فإننا نلتمس من الأمين العام للأمم المتحدة تكليف مبعوث خاص لسوريا للمساعدة في عمل اللجنة الدستورية في جنيف».

عملياً، تتجه الأنظار، بحسب المسؤول، إلى المرحلة المقبلة، خصوصاً على ثلاثة أمور: الأول، موافقة الدول الضامنة الثلاث، روسيا وإيران وتركيا، على مسودة البيان المتفق عليها بين موسكو وجنيف. الثاني، موقف دمشق والقادمين منها على الوثيقة، وما إذا كانت ستعتبر الاتفاق غير ملزم باعتبار أنه ليس بين المشاركين مسؤولون رسميون. الثالث، مدى تنفيذ دي ميستورا تشكيل اللجنة الدستورية. وبين الخيارات أن تختار الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، ثلاثة أضعاف أعضاء اللجنة، ثم يتم اختيار الأعضاء من قبل فريق دي ميستورا.

«فسحة» و«فراغ» في منتجع

بمجرد وصول المدعوين إلى سوتشي، بدأوا بنشر صور وفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، كان بينها فيديو لمشاركين في طريقهم من دمشق إلى المنتجع الروسي على البحر الأسود يغنّون أغنية «لاكتب اسمك يا بلادي».

كما نشروا صوراً ولافتات رفعت في مطار سوتشي، كانت واحدة عملاقة تتمنى «السلام للشعب السوري»، إضافة إلى فتيات وشباب روس في الزي التقليدي حاملين الحلويات والمشروبات للترحيب بالمشاركين.

وتضمن برنامج المؤتمر تفاصيل أمس واليوم، اللذين يتضمنان الكثير من «وجبات» الفطور والغداء والعشاء تتخللها «جلسات المؤتمر»، إضافة إلى وقت كاف لـ«الفسحة» و«وقت فراغ».

وإلى نحو 1600 تمت دعوة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والأمانة العامة للأمم المتحدة، فضلاً عن مصر والعراق ولبنان والأردن وكازاخستان والسعودية، لحضور المؤتمر بصفة مراقبين، إضافة إلى روسيا وإيران وتركيا كبلدان ضامنة لاتفاق وقف الأعمال القتالية والمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا.

وأفاد موقع «روسيا اليوم» بأن 500 صحافي يمثلون 27 دولة، يغطون المؤتمر.”

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»