‘حان الوقت لـ ‘دايتون سوري

‘حان الوقت لـ ‘دايتون سوري

من شأن وجود نوع من الاتفاق بين القوى العالمية والإقليمية أن يكون حاسماً بصورة كبيرة، للتوصل لأي حل سلمي في سوريا. وكان ينبغي لذلك أن يكون واضحاً منذ بداية الصراع.

وسواء كان العالم مروعاً، أو متعاطفاً، أو غير عابئ، شهدنا جميعاً انتفاضة الشعب المسالم ضد الديكتاتورية الشرسة. وكان عصيان السخط والغضب فوق كل اعتبار. وأيضاً، كان يجب على المجتمع الدولي ولا يزال يتوجب عليه، التعامل مع التهديدات الإرهابية الفظيعة. لكن، من الصحيح كذلك أن الصراع في سوريا كان يدور دوماً حول مخاوف القوى السنية الإقليمية في المنطقة، وصعود النفوذ الإيراني فيها، والمصالح التركية الخاصة، ومخاوف دولة إسرائيل، واستعداد روسيا لتسجيل النقاط على حساب العالم الغربي، وتردد الولايات المتحدة المزري.

ومن الغريب بدرجة كبيرة تقويض هذا البعد الإقليمي والدولي على أيدي الأمم المتحدة. إذ ركزت الوساطة الأممية بالأساس على السعي اليائس نحو الحوار، وربما بعض أشكال التفاهم بين نظام دمشق وممثلي قوى المعارضة. وفي الأثناء ذاتها، لعب الروس دوراً كبيراً ورائداً في صياغة خريطة الطريق للأمم المتحدة، وكان ذلك في مقامه الأول لأجل استخدامهم المتكرر لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن. وفي المقام الثاني، بسبب الاستثمارات العسكرية الخاصة بهم على الأرض. وساد وهم كبير بشأن أن الروس كانوا في موقف يسمح لهم بقيادة الحوار السوري – السوري على مسار الحل النهائي الذي يتفق مع «السلام الروسي» المنشود. وتأييد هذا الوهم بعدد من النتائج الإيجابية النسبية لعملية آستانة، مع مساعدة من تركيا وإيران، والتي بلغت ذروتها في الطريق إلى مؤتمر سوتشي.

تبخر هذا الوهم بصورة أو بأخرى مع مرور الوقت. ويظن أحدنا أن الوقت قد حان لصياغة نهج بديل، يستند إلى ضرورة العمل على النظر في إمكانات الاتساق مع مصالح القوى الإقليمية والدولية. وما من شك أن هذا المقترح يبدو أكثر صعوبة من حيث التنفيذ – وقد يقول البعض إنه أقرب إلى المحال – من أي وقت مضى. وهو لا يزال غير صالح للتنفيذ من النهج الحالي بين الأمم المتحدة وروسيا.

دَعُونا في هذا المقام، نؤكد سببين أو ثلاثة تستحق الاعتبار من الزاوية «الإقليمية – الدولية». أولاً، لن يصدق أحد بعد الآن أنه بعد 7 سنوات من الكراهية والفظائع والموت والدمار، أن إجراء حوار بين النظام والمعارضة في سوريا، من دون إطار دولي مناسب، سيسفر عن شيء مثمر. ثانياً، كانت النتيجة الصافية لكل ما حدث حتى الآن هو التقسيم الحقيقي للبلاد إلى مناطق نفوذ متعددة. ولن يمكن لأحد الادعاء بأن هذه الوصفة موثوقة ومؤكدة لإعادة الاستقرار إلى ربوع البلاد. بل على العكس من ذلك، وهذه هي النقطة الثالثة، أننا الآن على مشارف مرحلة خطرة للغاية تكون فيها القوى الإقليمية والعالمية على حافة المواجهات العسكرية المباشرة، كما شهدنا في عفرين، ودير الزور، ويوم السبت الماضي بعد اختراق طائرة إيرانية مسيَّرة (من دون طيار) الأجواء الإسرائيلية.

وإيجازاً للقول، صار الأمر أكثر وضوحاً يوماً عن يوم أن التواصل والتنسيق، ونمط من أنماط التفاهم، هي من الأمور الحاسمة للغاية إن كان الهدف هو تفادي اندلاع حرب إقليمية في المنطقة. إذ إن نزع الصراع أو خفض التصعيد أو المساعي الروسية الحميدة لم تعد كافية بعد الآن.
ولقد أشار أحدهم بالفعل إلى أن الحوار الوثيق بين القوى العالمية والإقليمية قد يكون من المناسب إجراؤه الآن. كما صنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تماماً. إذ طرح اقتراح «مجموعة الاتصال» حول هذه «الصيغة» الجديدة. ولم يلق هذا المقترح الترحيب المنتظر، وربما ذلك بسبب أن موعده قد تأخر كثيراً؛ فلقد ترسخت بالفعل جملة من الأمور في أرض الواقع، وأصبح من المحال على فرنسا أن تتمكن من تغيير مسار العمليات الدولية الجارية (عملية جنيف، وعملية آستانة، وما سواهما). أو ربما بسبب أن المقترح لم يبلغ حد النضج السياسي بعد.

لكن، والآن، وبعد سقوط المقاتلات الروسية والإسرائيلية، والمروحيات التركية أيضاً، ومع مقتل المرتزقة أو الجنود الروس على ضفاف الفرات وفي غير ذلك من الأماكن، ومع تحطم الطائرة الإيرانية المسيّرة بالنيابة عن الدفاعات الجوية السورية، ينبغي على صناع القرار إدراك أن الوقت قد حان لالتقاط النفس العميق، ومحاولة التفكير في الأمر مرة أخرى. قد تكون هناك خطوة على المسار الصحيح من خلال إنشاء «مجموعة مصغرة» تحت قيادة الولايات المتحدة وتتألف من فرنسا، والمملكة المتحدة، ودول إقليمية أخرى.

فلقد اجتمعت هذه الدول في باريس على المستوى الوزاري يوم 23 يناير (كانون الثاني) الماضي. ولم تكن الغاية من هذه المجموعة المصغرة تشكيل مصدر بديل عن القيادة، ولكن مجرد المساهمة في أي عملية دولية مرتقبة. وإن تُمكّن من العثور على جسر التواصل، تحت ضغط الظروف الراهنة، بين هذه المجموعة وبين روسيا، يمكن التوصل إلى نقطة المنعطف المنشودة في الأحداث الجارية.

وإنْ تم التوصل إلى نقطة المنعطف تلك، فهناك أمران على قدر كبير من الأهمية. أولاً، غير مسموح بارتكاب أي نوع من الأخطاء على جدول الأعمال. والسؤال الأساسي المطروح حالياً يتعلق بمعرفة كيفية تجنب تحول حالة التقسيم الواقعية في سوريا إلى نزاع إقليمي أو على أقل تقدير تحولها إلى خطر إقليمي متصاعد ومستمر. ولا يعني ذلك أنه ينبغي لنظام دمشق أن يظل ثابتاً إلى الأبد من أجل الاستقرار، وأن يتم تجاهل الوصول إلى وقف ثابت للنار، بل يعني أنه يتعين معالجة الجوانب الإقليمية والجوانب المحلية للمأساة السورية معاً.

ثانياً، ينبغي للتقارب بين روسيا والولايات المتحدة والمجموعة المصغرة المذكورة، عند مرحلة من المراحل، أن يسفر عن عقد مؤتمر على غرار «دايتون» بشأن سوريا. وكان اتفاق دايتون قد وضع حد النهاية في عام 1995، للحروب المندلعة في الاتحاد اليوغوسلافي السابق، لكن هذا المؤتمر المقترح، ولجملة من الأسباب، ليس النموذج المثالي لإنهاء حالة الحرب اللانهائية في سوريا. ولكن ما يمكن الاحتفاظ به من عملية دايتون، في الوقت المناسب بالطبع، أي بعد التحضير الدقيق للأمر، هو الأسلوب: أي الاجتماع الذي يجمع كل أصحاب المصالح على مائدة واحدة والمكوث في نفس الغرفة لأطول فترة ممكنة، ما دامت الحاجة دعت إلى إبرام اتفاق. أي اتفاق سلام لسوريا ولمنطقة الشرق الأوسط بأسرها.

– السفير الفرنسي السابق في سوريا
-خاص بـ«الشرق الأوسط»

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»

خلفية الهجوم التركي على الخاصرة الكردية

خلفية الهجوم التركي على الخاصرة الكردية

رغم القصف والدمار الذي خلفه الهجوم التركي على قرى مدينة عفرين، وبعد ستة عشر يوماً خرج الآلاف من أهالي المدينة بالغناء والموسيقا يتحدون المدفعية والطيران التركي منددين بهذا العدوان الهمجي على الأهالي.

تكاتف عرب المدينة وكردها يداً بيد لمواجهة هذه الهجمة البربرية التي استهدفت منازل المدنيين ومحلاتهم. هناك يقين أنّ هذا الهجوم بتعاون فصائل تدعمها تركيا ليس فقط ضد حزبٍ بعينه كما تزعم أجهزة اعلام تركية وأنصارها؛ وإنما هو امتداد لمشروعٍ عثماني جديد بالتحالف مع جماعات كالإخوان المسلمين في سوريا لاستهداف مواطني عفرين وكردها. اذ ان تاريخ هذه الهجمة لم يكن مفاجئاً لأهل عفرين الذين كانوا شهود عيان على هجوم فصائل معارضة (كجبهة النصرة وغرباء الشام) في بداية الثورة السورية بقيادة نواف البشيرالعائد لحضن نظام الأسد مؤخراًعلى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة. رسخت تلك الهجمة بالنسبة لأهالي المنطقة أنّ تركيا صاحبة مشروع توسعي يستهدف الكيان الكردي بغض النظر عن تواجد ميليشيات كردية في المنطقة.

ربما كان أغلب السياسيين والمثقفين الكرد على دراية كاملة بأن روسيا ستعقد الصفقة الملائمة لها آجلاً أم عاجلاً مع أي طرف للاستغناء عن عفرين التي كانت من حصتها مقابل انتشار القوات الأمريكية في كوباني (عين العرب) والقامشلي، وبذلك لم يكن انسحاب النقطة العسكرية الروسية من كفرجنة/عفرين أمراً غريباً، وخاصة أن الروس لم يكونوا يوماً ما حلفاءً جديين للأكراد في الشرق الأوسط، وبذلك كان الضوء الأخضر الروسي والرمادي الأمريكي للتركي كافياً بتوريطه بمقتلة محتومة في عفرين، تلك الخاصرة الرخوة دولياً جغرافيا التي لجأت تركيا لضربها بتحالف مع مقاتلين سوريين. من هنا كانت المعادلة واضحة بالنسبة لأهالي عفرين ونظرتهم وموقفهم من الهجمة التركية بالبقاء والمقاومة، حيث أن جنديرس، الناحية التي تقع على بعد ما يقارب ١٥ كلم من مركز المدينة، كانت لهاحصة الأسد” من هذا الاستهداف العشوائي التركي، حيث دمر الطيران والمدفعية التركية أجزاء كبيرة من الناحية، وكان الاستهداف بشكل عشوائي ينطلق من المركز أو النقطة التي خصصت بين روسيا وتركيا لخفض التصعيد في مناطق التوتر، وهي النقطة المطلة على جنديرس من طرف جبل الزاوية، حيث استخدمت لقصف الأهالي بالمدفعية وتدمير ما يقارب ٤٠ في المئة من ناحية جنديرس الخالية من المقرات العسكرية.

رغم ذلك أصرّ بعض أهالي المنطقة على الصمود والبقاء في أقبية منازلهم هرباً من القصف العشوائي، هنا يقول أحد سكان جنديرس من المكون العربي: “كنا نعيش بسلام مع أهالي المنطقة من السكان الأصليين والنازحين إليها من ريف حلب، لكن المدفعية التركية ولا أدري لماذا كل هذا الحقد استهدفتنا بشكل قبيح فدمرت كل منازلنا ومحلاتنا، رغم ذلك لم نغادر بيوتنا لأننا سكانها وأهلها، ولن تستطيع المدفعية التركية أن تنزع منا حق الحياة فيها، سندافع عنها بأشجارنا وزيتوناتنا، ونقول لكل العالم أننا طلاب حرية وسلام، ولسنا طلاب القتل والإجرام.”

تزامنت الهجمة التركية الشنيعة مع حصارٍ كامل على المدينة، فبالإضافة إلى حصار فصائل معارضة والجيش التركي للمدينة، لم يسمح النظام لأهالي عفرين بالعبور باتجاه محافظة حلب عبر الممر الوحيد الذي يربط عفرين بحلب، فكان شريكاً للتركي بذلك في قمع الأهالي ودفعهم إلى الهلاك والموت. إلا أن إرادة الحياة كانت أقوى لدى هؤلاء، ففتحت المنازل وأقبية المحلات في مركز عفرين لتستقبل النازحين من القرى التي تتعرض للقصف، وقامت المشافي والعيادات الطبية باستقبال الجرحى والضحايا من المدنيين بإمكاناتهم المتواضعة، وليصل عدد الجرحى في مشافي عفرين حتى تاريخ ٥ شباط\فبراير إلى ما يُقارب ١٧٠ جريحاً و٧٠ قتيلاً، هذا كله وسط كادر طبي قليل كان يداوم ٢٤ ساعة. ورغم عدم توفر المعدات الطبية اللازمة بسبب الحصار المفروض عليها وتخاذل منظمات الإغاثة الدولية، يقول الدكتور خليل صبري، مدير مشفى عفرين: “اكتظ مشفى آفرين بالجرحى والمصابين، ووصل بنا الحال أن نستخدم كل مرافق المشفى لمداواة الجرحى وتأمين العلاج اللازم لهم، ولكن رغم مناشداتنا منذ أول عدة أيام من الهجمة للمنظمات الطبية الدولية بالتدخل وتقديم المعونة لم يتعاون أحد معنا، واستطعنا بقدراتنا البسيطة علاج ما يزيد عن ١٥٠ جريحاً ماعدا الذين قتلوا في هذه الهجمة على المدينة.”

بعد مرور ستة عشر يوما على الهجوم خرج أهالي المدينة إلى شوارع عفرين المركز حاملين آلة البزق والطبول يغنون منددين بالهجوم التركي، ورافعين شعار الزيتون سلاماً لكل أهالي المنطقة، يقول أحمد أحد المشاركين المستقلين في مظاهرة عفرين: “نحن خرجنا اليوم لنرفع صوتنا عالياً بأن أصوات قذائف الدبابات التركية وشعارات الإسلاميين المهاجمين على منازلنا لن تخيفنا، لقد دخلوا القرى الآمنة الخالية من المواقع العسكرية ونهبوا منازلها واحتجزوا أهلها، وكل ذلك يمدنا بالكثير من المقاومة والعزيمة للدفاع عن كرامتنا وأرضنا كرداً وعرباً، نحن أهالي عفرين ولن نسمح لبعض المرتزقة بدعم جوي تركي هدم منازلنا وهدر المزيد من الدماء.”

في الواقع مستوى التكافل الاجتماعي الموجود حالياً في عفرين ليس له علاقة بطبيعة الكرد أو سكان المنطقة، بل هي قناعة راسخة بأن المحتل التركي والمرتزقة من الكتائب السورية المتحالفة معهم لن يجلبوا سوى الدم والقتل لأهل عفرين بكافة طوائفهم ومشاربهم الدينية والحزبية، وخاصة مع تزامن ذلك مع تصرفات المهاجمين في القرى التي احتلوها في الأيام الأولى من الهجمة، باحتجاز الشباب وتكسير محلات الكحول ونهب معاصر الزيتون، كان كافياً لتشكيل صورة بأن القادم ليس لديه نية سوى القضاء على المنطقة بمن فيها، فكانت المقاومة من العسكر والمدنيين.

الأيام القادمة ستكون كفيلة بتوضيح الصورة بشكل أكبر، ولا سيما أن الضغط الروسي –  التركي يركز على تسليم المنطقة لقوات النظام لو بشكل جزئي من خلال الدوائر الرسمية ورفع علم النظام في المنطقة، لكن من المؤكد أن أهالي عفرين لن يسمحوا باحتلال التركي لأراضيهم التي زرعت منذ مئات الأعوام بأشجار الزيتون رمزاً للحب والسلام فيها.

Anger in Damascus Over Sochi’s Closing Statement

Anger in Damascus Over Sochi’s Closing Statement

Neither Damascus’ participation — with a delegation of about 1,200 people — nor the boycott of the opposition High Negotiations Committee of the Sochi peace talks were not enough to change the outcome of the conference, as the active negotiations were going on in rooms and side tracks without Syrians, where the three “guarantor” countries — Russia, Iran and Turkey — agreed with the United Nations to formulate a closing statement, with each country nominating 50 members to the constitutional committee to be blessed by the international envoy Staffan de Mistura, resembling a tripartite division of the future Syrian constitution.

The Syrian government delegation could not take responsibility for the failure of Sochi, which was overseen by President Vladimir Putin ahead of the presidential elections on March 18. Damascus was angered by the conference’s results, one of the manifestations of which was that all the official and loyalist media in the Syrian capital published the closing statement without its introduction or political summary, and distorted the official document agreed upon by the guarantors’ statement.

According to information obtained by Asharq al-Awsat, Sochi’s results were achieved before the beginning of the conference, as marathon talks were held between Russian Foreign Minister Sergey Lavrov and United Nations Secretary-General Antonio Guterres at the end of last week, after the opposition High Negotiations Committee decided to boycott the conference. The United Nations tied its participation to a series of conditions, including that the conference was limited to a single session without forming institutions or committees, or repeating the scenario of the series of Astana meetings, in addition to the international envoy deciding the references, names and mechanisms of the constitutional committee process and selecting its members from a list submitted by the three guarantor countries, while also approving the 12 political principles which de Mistura had prepared and the head of the government delegation, Bashar al-Jaafari, had refused to discuss in the previous two rounds of Geneva talks.

The positive surprise was that the agreement between the United Nations and Moscow was realized. Attempts were made to change the text of the draft agreed upon but they did not succeed, especially when de Mistura raised the possibility of pulling out the morning of the opening. Therefore, in practice the objections and demands from members of the delegation coming from Damascus and the boycott of members of the armed groups and their return from the Sochi airport to Ankara did not have an impact, as the Turkish delegation undertook to speak in the opposition’s name, while Tehran and Moscow spoke for Damascus.

The Iranian news agency IRNA and the official Syrian news agency SANA yesterday published a closing statement for Sochi according to their interpretations, with the statement devoid of the introduction and summary which discuss a mechanism for forming the constitutional committee. SANA reported that “it was agreed that the ratio in the committee to discuss the current constitution was three supported by the government and three for other parties, with the committee comprised of 150 members, delegates to the Syrian-Syrian National Dialogue conference, with a chairman, his deputy and the secretary-general selected from the composition of the committee.” According to SANA’s interpretation, committee members shall take “a majority vote about the need for assistance from experts by way of offering consultation to the committee members.”

SANA also altered the closing statement, reporting that “it stressed the importance of preserving the army and armed forces and that it carry out its duties in accordance with the constitution, including protecting the national borders and people from foreign threats, and to fight terrorism to protect the citizens, wherever required, and for security and intelligence institutions to focus on preserving national security and working in accordance with the law.” The official document of the Sochi conference stipulated “building a strong army based on efficiency and carrying out its duties in accordance with the constitution” and that “the national security and intelligence agencies work to protect the country’s security in accordance with the principles of rule of law and protecting human rights according to the text of the constitution and the law, and the use of force must be limited to authorization from the relevant state institutions.”

This position reflected anger in Damascus at the results of the conference, for which officials tried to place red lines before participants traveled from the Syrian capital to the Russian resort city, compared with Iranian silence and partial publishing of the closing statement. A Western official said that Tehran “surprised those in attendance by accepting the statement in Sochi” before pointing to the Iranian media publishing the Damascus interpretation of the statement.

In contrast, Ankara announced its satisfaction with the conference’s results through a call between presidents Putin and Recep Tayyip Erdogan. The Turkish Foreign Ministry also issued a statement on its results and the “constructive approach.” A Turkish official said: “The most important results of the conference were the call for establishing a constitutional committee and selection of a group composed of 150 nominees for this committee, as the Turkish delegation which had been authorized to represent opposition groups that did not attend the conference submitted a list of 50 nominees in consultation with the opposition.” It is expected that de Mistura will form the constitution committee “seeking proportional representation of the opposition” and Ankara “will closely monitor the process of establishing the constitutional committee as a guarantor for the opposition.”

Western countries which participated as observers are monitoring the coming phase and the extent Moscow fulfills the results of the conference and uses its influence over Damascus and Tehran, which want to buy time until after Putin’s election on March 18 for Moscow to officially present a list of 150 nominees to de Mistura in order to begin his process of selection 45-50 members from the list of the guarantors, experts and politicians from abroad.

[This article was republished translated and edited by The Syrian Observer]

سوريا في أسبوع، ٥ شباط

سوريا في أسبوع، ٥ شباط

سوتشي ينتج لجنة دستورية برعاية أممية!
4 شباط (فبراير)

أثار “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في مدينة سوتشي الكثير من الجدل حول أمكانية انعقاده ودوره في الوصول إلى مدخل لاتفاق سياسي.

اذ قاطع عدد من قوى المعارضة الاجتماع بما فيها “الهيئة العليا للمفاوضات”٫ وانسحب من المطار وفد من فصائل المعارضة المسلحة الذي حضر بـ “تشجيع” آنقرة وفوض الوفد التركي بتمثيله في المؤتمر. كما شارك المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا في المؤتمر. وانتقدت الولايات المتحدة وفرنسا المؤتمر وحضر بعضها بصفة مراقب. وظهر أن التوافق الروسي  – التركي ساهم في عدم انفراط عقد المؤتمر.

خلص المؤتمر إلى اصدار بيان ركز على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد الحكومة السورية ووفد معارض واسع التمثيل، ذلك بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية وذلك وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، وسيشرف دي ميستورا على اللجنة الدستورية. وركز البيان على أن “سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية قائمة على المواطنة المتساوية”، مشدداً على استقلالِها ووحدتها شعباً وأرضاً. كما ركز البيان الختامي على القيام بانتخابات ديمقراطية حتى يقرر الشعب السوري مستقبل بلده.  

وكانت الحكومة السورية قد رحبت بنتائج المؤتمر. وأشارت وزارة الخارجية أن المؤتمر يشكل خطوة هامة في المسار السياسي وأساساً لأي مفاوضات مقبلة. وبالرغم من مقاطعة “الهيئة العليا” للمؤتمر بسبب انحياز الجانب الروسي المشرف على المؤتمر لجانب النظام، بالإضافة للخشية من أنه محاولة للالتفاف على دور الأمم المتحدة في جنيف، فان رئيس “الهيئة” نصر الحريري رحب بمخرجات المؤتمر شريطة أن تتوافق مع قرار مجلس الأمن وضمان عملية الانتقال السياسي في سوريا.  

بدا ان هناك تنسيقاً وثيقاً  اذ عبر الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان عن رضاهما عن نتائج مؤتمر سوتشي في مكالمة هاتفية بينهما. وفي تناغم مع الموقف الروسي من التسوية في سورية، تراجعت تركيا عن إصرارها على رحيل الرئيس بشار الأسد، وأعلنت أن عليه الرحيل «في مرحلة ما»، مشددة على أولوية «انتقال سياسي» يؤدي إلى دستور جديد وانتخابات.

رويترز، الجزيرة، الشرق الأوسط، الحياة

“غصن الزيتون” غير الخاطفة
4 شباط (فبراير)

استمرت عملية “غضن الزيتون” التي تشنها تركيا بالتعاون مع فصائل في المعارضة السورية على منطقة عفرين التي تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب” الكردية. ولا تبدو المعارك تسير إلى حسم سريع فالتقدم التركي بطيء ولا اختراقات كبرى حتى الآن. لكن العملية أدت حتى الآن إلى قتل المئات بينهم مدنيون بحسب وكالة انترفاكس. وذكر مدير المستشفى الرئيسي بمدينة عفرين الأربعاء إن الإمدادات آخذة في التناقص في المستشفى الذي استقبل 48 قتيلا و86 جريحا منذ بداية الهجمات. (رويترز)  

وقال إردوغان إن الجيش التركي “بدأ السيطرة على الجبال… ويتقدم حالياً نحو عفرين”، في إشارة إلى قرب انتهاء العملية. وذكرت وكالة الأناضول للأنباء أنه بهذا الهجوم يبلغ عدد قتلى الجنود الأتراك سبعة السبت في إطار عملية “غصن الزيتون”. وبذلك ترتفع الحصيلة الاجمالية لخسائر الجيش التركي الى 14 قتيلا مما يشير إلى المواجهات الشرسة خلال العملية. (فرانس برس)

معركة سراقب… وإسقاط مقاتلة روسية
3 شباط (فبراير)

فرانس برس، الشرق الأوسط

تتقدم قوات النظام بشكل متسارع باتجاه مدينة سراقب حيث تمكنت القوات من السيطرة على مدينة أبو الضهور بعد السيطرة على المطار العسكري واتجهت نحو مدينة سراقب وسيطرت خلال الأيام القيلة الماضية على العديد من القرى والبلدات.

وتعرضت مدينة سراقب لقصف عنيف مما أدى إلى ضحايا بين المدنيين إضافة إلى استهداف مستشفى عدي في المدينة الأمر الذي أدانته الأمم المتحدة.  وقال بانوس مومسيس منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي للأمم المتحدة المعني بالأزمة السورية أن هذه كانت المرة الرابعة في عشرة أيام، التي تسببت فيها ضربات جوية في أضرار هيكلية كبيرة بمستشفى في سراقب.  وأوضح مومسيس، أن العام الماضي شهد 112 هجوماً موثقا على منشآت صحية في سوريا، فضلا ًعن 13 هجوماً على الأقل حتى الآن خلال 2018.

في إطار هذه العملية،  قُتل طيار روسي السبت بعدما اسقطت مقاتلته في محافظة ادلب شمال غربي سوريا، وإثر اشتباكه مع عناصر من الفصائل الاسلامية المعارضة على الأرض فيما أعلنت هيئة تحرير الشام مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة. وأعلن الجيش الروسي اثر اسقاط المقاتلة انه قصف “بأسلحة فائقة الدقة” المنطقة التي سقطت فيها الطائرة مؤكدا انه قتل “اكثر من 30 مقاتلا من جبهة النصرة” خلال هذه الضربة.

“الكيماوي” مجدداً
3 شباط (فبراير)

(رويترز)

قال مسؤولون أميركيون بارزون يوم الخميس إن الحكومة السورية ربما تكون في مرحلة تطوير أنواع جديدة من الأسلحة الكيماوية وإن إدارة الرئيس دونالد ترامب مستعدة للقيام بعمل عسكري مجددا ضد قوات الحكومة السورية إذا اقتضت الضرورة لردعها عن استخدام هذه الأسلحة.

وقال وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس إن الحكومة السورية استخدمت مراراً غاز الكلور كسلاح. وقبل ذلك بيوم قالت واشنطن إنها مستعدة لبحث اتخاذ إجراء عسكري إذا اقتضت الضرورة لردع الحكومة السورية عن شن هجمات بأسلحة كيماوية.

ونفت وزارة الخارجية السورية السبت اتهامات أمريكية بأن قواتها استخدمت أسلحة كيماوية في الغوطة الشرقية قرب دمشق ضد المعارضين الذين يسيطرون عليها قائلة إن الاتهامات أكاذيب لا دليل عليها. واتهمت موسكو واشنطن بالعمل لـ “شيطنة” دمشق و “افشال الحل السياسي”.

وكانت الإدارة الأميركية السابقة اعتبرت أن استخدام السلاح الكيماوي “خط أحمر”، وهددت بضربة عسكرية بعد استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة 2013، ونجم عن الضغط تسليم السلاح الكيماوي السوري إلى منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية في عامي 2013 و2014.  وتجدد قضية الكيماوي بعد استخدامه في خان شيخون وعلى إثرها قامت الإدارة الأمريكية الحالية بتوجيه ضربة عسكرية لمطار الشعيرات العسكري في حمص.   

ويبدو ان “الخط الأحمر” يشمل فقط السارين وليس الكلور، بحسب مسؤول أميركي.

قصة قريتين

قصة قريتين

قبل أي شيء في الحرب يتجمد الإحساس بالزمان والمكان معاً وتضأل المساحة التي يقف عليها المرء حتى تكاد تختفي. الطرقات المألوفة للعين المجردة بين المدن والقرى ستتبدد وتصبح رهينة الخيال، فتلك السهوب والبيوت والمنحدرات المترامية  ستختفي تحت وطأة الخوف والهلع وفقدان الأمان. المسافة التي كنت تقطعها برفة العين صارت تحتاج لأيام وربما أسابيع وسنوات طويلة، أو ربما لن تراها بعد ذلك أبداً. غرق كل شيء في الجحيم السوري، والمدن الكبرى أخذت نصيبها من الانقسام الاجتماعي الكبير والدمار والصور الملتقطة مروعة جداً بحيث يخال المرء أن الذي يحدث لا علاقة له بالواقع، فقط محض خيال مبني في سيناريو فيلم رعب. مدن وقرى مترامية الأطراف كأنها تقيم أعمدتها على أرض كواكب بعيدة .

في أتون طاحونة هذا الصراع الذي بدأ في نقطة وانتهى في مجرة حسابات الدول ومصالحها وصراعاتها، بينما الكائن والمواطن البسيط الذي كان يصرخ في الشوارع للحرية انتهى به الأمر يصرخ لرغيف الخبز. بقي الريف المحيط بالمدن مرهوناً بشكل كبير للتحولات المفاجئة التي قد تحدث في أي لحظة. دفعت الأثمان الكبيرة مقدماً دماً وتشريداً وسجوناً جاهزة والخريطة التي درسناها على مقاعد الدراسة وحفظنا سهولها وجبالها وأنهارها ستختفي وتصبح مجرد ذكرى. مناطق كثيرة في الريف البعيد والقريب واجه الأهالي فيها أقدارهم لوحدهم عزلاً في عراء مرسوم بالدم والهلع والجوع.

في محاولة لتسليط الضوء على بعض هذا الريف المسكوت عنه وعن عذابات سكانه، ولجذب الأنظار إلى ما آلت إليه الأمور فيه بعيداً عن الخطاب الرسمي لأي طرف من الأطراف المتصارعة، فثمة من يدفع الثمن عنهم جميعاً، والذي يتدفأ في الفنادق وغيرها ويصرخ وراء الميكروفون، ليس كمن يقف في البرد كالحطبة التالفة في مهب الريح.

ع. الداغستاني من دير فول وسمير تسي من بئر عجم حاولا أن يحكيا عن قريتيهما، و بعضاً من التراجيديا التي عايشاها دون نقصان باليوم والساعة والدقيقة والثانية. ليست فانتازيا أو حكايات للتسلية المبرحة. إنها قصص الموت السوري اليومي وهي رواية الجرحى والمفقودين والمظلومين والهاربين من العسف والقذائف الطائشة والموت الحتمي. قريتان طحنتهما الرحى السورية الهائلة فيما يحاول شاهدان أن يسردا ما شاهداه وشهدا عليه وكيف كان عليهما أن يتركا كل شيء وراءهما ويغذان الخطى باتجاه المجهول الذي لا يعرفان عنه شيئاً.

دير فول: الموت البطيء

سمير أباظة مجنون القرية يختصر كل التفاصيل الكثيرة التي يمكن سردها هنا. سمير الذي كان يدور في أحياء وشوارع دير فول، يحمل لافتة صغيرة يمشي وهو يصرخ: “حرية، حرية” سيجدونه مسجى فيما بعد على ناصية شارع من الشوارع بعد يوم قصف شديد وفي جسده أكثر من رصاصة وآثار شظايا بادية عليه.

تقع دير فول في ريف حمص الشمالي وهي قرية صغيرة سكانها من الأقلية الداغستانية وتضم أيضاً بعض التركمان والبدو. عدد سكانها لا يتجاوز ال ٦٠٠٠ نسمة. منهم البعثي والشيوعي والمستقل. لم تسلم القرية من الطيران الحربي وانتقام داعش والنصرة وتحولت إلى مسرح عمليات عبثي اضطر فيه الأهالي إلى مغادرتها نحو القرى المجاورة مثل عين النسر والمشرفة والسلمية والمخرم الفوقاني. انتفضت القرية وتعرضت لمضايقات أمنية وملاحقة أبنائها.

قال لي: “أنا في السويد الآن لكنني دائماً حين أنام أجد نفسي في الحلم على أحد حواجز النظام.” على الطريق الرئيسية من جهة ساقية الري باتجاه قرية عسيلة ومنذ نيف من الزمن تم غرس أشجار سرو سُرقت فيما بعد وبيعت في أكياس نايلون وصل فيه سعر كيلو الحطب إلى ٣٠٠ ليرة سورية. حتى شجر الزيتون المثمر والذي يقدر عمره بحوالي ٢٥ سنة تم تحطيبه وبيعه في الأسواق . كانت عملية التصحير ممنهجة. وهكذا انكشفت الأرض لمرمى المدافع والرشاشات والصواريخ. والذي بقي من أهل القرية سينامون تحت الأرض خوفاً من القصف .والمصدر الغذائي الرئيسي كان البرية.

دخلت داعش إلى القرية بعد انقطاع عام للكهرباء عبر حواجز النظام وارتكبت مجازر بحق الشيوعيين والبعثيين في القرية ثم تم فرض النقاب والجلباب على النساء. كما أنها انسحبت من القرية انسحاباً ملغزاً أيضاً. استطاعت بعض الكتائب الصغيرة هناك وبعض كتائب الجيش الحر وقسم من وجوه القرية وكبارها بإدارة شؤونها من ماء وكهرباء ومحاولة تأمين بعض المواد الغذائية الأساسية عبر المساعدات. بالنسبة للمياه ومصادرها فهي جوفية، لأستخراجها نحتاج إلى مولدات كهربائية، هنا كانت تتم رشوة الحواجز حتى تصل الكهرباء لبضع ساعات قليلة ومن ثم يتم استجرارها. هذا بالنسبة للآبار التي يملكها الأهالي، لكن هنالك بئر مياه للبلدية تتم الإستفادة منها في حال كانت الكهرباء موصولة أيضاً.

لم يشفع الجذر الداغستاني للقرية ولا وجود أكثر من ٤٠ ضابطاً من شبانها في الجيش النظامي حتى في ظل التسويات. بقي الذي بقي فيها يواجه مصيره لوحده، والمساعدات التي تصل لاتذكر وكانت تحدث في إطار الدعاية الإعلامية وتبييض الوجه لا أكثر. قصفت دير فول بالصواريخ والقنابل الفوسفورية والعنقودية والفراغية.

وصل سعر بيضة الدجاج إلى ٩٠ ليرة سورية وربطة الخبز ٣٠٠ ليرة وجرة الغاز ٤٠٠٠ ليرة وتنكة زيت الزيتون٣٠٠٠٠ ليرة ومع انحدار قيمة الليرة السورية لم يجد السكان ما يسد رمقهم. حتى الفرن الوحيد الذي كان يؤمن للأهالي بعض الخبز سيُقتل صاحبه في ظروف غامضة. والدواء ممنوع منعاً باتاً تداوله أو دخوله وبالتحديد أدوية الجروح والالتهابات، ومن يتم القبض عليه وفي حوزته أي كمية مهما كانت قليلة سيُعدم على الفور ميدانياً. القصف لم يتوقف والجثث ستراها مرمية في الطرقات أينما اتجهت. تم تهجير ثلاثة أرباع القرية فانتشروا في المدن والبلاد القريبة والبعيدة منهم من رحل إلى سلمية وحماه وتركيا والأردن وألمانيا والسويد. التهجير كان محكماً وعاماً. والذين خرجوا لم يكن لديهم أي فكرة إلى أين هم ذاهبون. تُركت القرية إلى قدرها ومصيرها. في يوم من الأيام وبعد قصف شديد تهجّرنا مع الأغنام والأبقار والكلاب، حتى أن ابني لمح الكلب المعروف في القرية والملقب بكاسر في قرية مجاورة يقف تحت شجرة تين ضخمة وحيداً، ويتابع قائلاً: “انظر أبي حتى كاسر هاجر أيضاً.”

في بيت تسكنه امرأة مسنة تم قصفه رأت المرأة الشمس تلمع في مرآة جيرانها. في يوم آخر تم قصف بناية يقطنها صديق لي. هذا البيت إن كنت أتذكر شيئاً منه أنه طيلة ثلاثين عاماً كانت تتكوم أمامه تلال الرمل والنبكة والإسمنت والنحاتة وقطع البلوك والبلاط ولا شيء غير ذلك، كل هذه السنين وهو يبني بيت العمر كما يقولون. في النهاية سيسقط صاروخ عليه، بينما عائلته كانت خارج البيت للصدفة، وكان صديقي يقف على سلّم العلية الحديد. دُمّر البيت بأكمله بينما سلّم الحديد الذي يقف عليه صديقي سيبقى سليماً وينجو، وهو يقيم الآن في تركيا بعيداً عن البيت وعن دير فول.

بئر عجم : البيت الذي تركناه وراءنا

في بئر عجم القرية الشركسية الهادئة في هضبة الجولان والتي لا يزيد عدد المقيمين فيها عن ٤٠٠ نسمة، احتلتها اسرائيل سنة ١٩٦٧ ثم تم استعادتها ضمن الاتفاقيات التي جرت تلك الفترة مع سوريا تحت مظلة الرعاية الدولية. سمير تسي الذي ترك كل شيء في دمشق وبنى بيتاً كبيراً مع أرض مساحتها لا يستهان بها غرسها بكل أنواع الأشجار المثمرة والزيتون وليبدأ حياة جديدة مع عائلته، يشتغلون في الأرض وتربية المواشي والدجاج والزراعة صيفية كانت او شتوية. مثابة حلم لا يضاهيه شيء هذا البيت أو جنة صغيرة لبقية العمر الذي بقي. على الماسينجر ومن فرنسا حيث انتهى به المطاف الآن يخبرني عن الذي حدث وعن تلك اللحظات التي بدأت فيها الأشياء تتغير، فلغاية شهر آب ٢٠١٢، على حد تعبيره، لم يكن هنالك أي حراك شعبي كون المنطقة عدد سكانها قليل جداً، لذلك لم يكن هنالك أي تواجد عسكري أو أمني يذكر. كان شباب القرية يذهبون إلى العاصمة للمشاركة بالمظاهرات فمنهم من اعتقل ومنهم من يعود آخر النهار. اختلفت إيقاعات الحياة رويداً رويداً حتى دخول المرحلة المسلحة التي امتدت ووصلت إلى جباتا الخشب التي سيطر عليها الجيش الحر وطرد منها كل رموز النظام، ثم وصلوا إلى قرى مثل مسحرة، أم باطنة، العجرف، ثم أعداد من تجمعات نازحي  ببيلا والسيدة زينب وخان الشيح التحقوا بالجيش الحر الذي سيدخل بعدها إلى قرية رويحينة بنهاية شهر أيلول ٢٠١٢ لبضع ساعات ثم ينسحب منها. اما التواجد العسكري للجيش النظامي في هذه المنطقة فكان ضمن المسموح فيه على أساس اتفاقية فصل القوات بين سوريا وإسرائيل. منطقة فصل القوات عرضها ١٠ كم وطولها ٧٠ كم ممنوع فيها تواجد أي مظهر عسكري سوري، وكانت تحت إشراف قوات الآندوف الأممية.

انسحب عناصر الجيش الحر من رويحينة بدون سابق إنذار ولم يتركوا أي أثر وراءهم، وفيما بعد أصبحت تظهر بعض علامات لوجودهم في الأحراش الواقعة غرب قرية بئر عجم على خط تماس وقف إطلاق النار مع إسرائيل، أعدادهم لم تكن معروفة لكنهم لم يتجاوزوا الخمسين فرداً، الإمدادات اللوجيستية كانت تأتيهم من دمشق ومن القرى الواقعة على طريق دمشق – القنيطرة وكانت تمر عبر حواجز المخابرات بكل سلاسة. أحد المطاعم في دمشق كان يرسل في سيارة مغلقة وجبات أطعمة وسندويتشات هامبرغر وبيبسي وسلطة وصهريج بنزين كلها كانت تمر عبر الحواجز التابعة للجيش السوري.

هنالك برج خاص بمديرية زراعة القنيطرة لمراقبة الأحراش من قبل موظفين تابعين للمديرية الذين لاحظوا بعض الأشياء والأمور التي لم يكن يشاهدونها من قبل مثل ( عظام خرفان، بقايا سندويش، علب كولا…إلخ)، وصل الخبر للمفرزة العسكرية الموجودة بقرية بريقة فأتى ثلاثة عناصر صف ضباط واتخذوا موقعاً  لهم على طريق مقبرة بئر عجم وبدؤوا باطلاق النار باتجاه البرج، علماً أن المسافة ١٥٠٠م ومدى البندقية المجدي فقط ٥٠٠ م، ولم يكونوا على أية حال يشاهدون أهدافاً. بعد ساعتين ستنتهي الذخيرة فيذهب العناصر لمقابلة الأهالي أمام المسجد وبعض الدكاكين يخبرونهم بأن مهمتهم انتهت والآن جاء دورهم، أي سكان القرية، بأن لايستقبلوا أياً من عناصر الجيش الحر إذا نزلوا من الأحراش إلى القرية. لم تمض أيام حتى أتى الجيش الحر إلى القرية القديمة واستولى عليها ثم القرية الجديدة كذلك الأمر ومبنى البلدية وهكذا تمددوا حتى وصلوا إلى طريق بريقة حتى اقتربت المسافة بينهم وبين مفرزة المخابرات السورية بما لا يتعدى المئة متراً. استولوا كذلك على مقسم الهاتف في بئرعجم فانقطعت الاتصالات واعتمدوا إعدادية الشهيد نزار حاج حسن مقر لهم. بعد ٢٤ ساعة بدأت قذائف الهاون تنهمر على القرية بشكل متقطع، وفي الليل كان اللواء ٦١ يرمي القنابل المضيئة أما ضربات المدفعية فكانت تأتي من اللواء ٩٠، كل هذه القذائف كانت ترمى بشكل عشوائي على منازل المدنيين هناك. الفرصة الوحيدة المتوفرة لهروب العائلات ونزوحها من القرية كانت حين يتوقف القصف. في أحد الأيام اتصل بي ضابط برتبة عقيد ولا أدري من أين أتى برقم موبايلي وبدأ يسألني عن أعدادهم ومواقعهم ونوع أسلحتهم. قلت له: نحن لا نعرف أين هم، نتسمر في بيوتنا ولا ندري ماالذي يحدث في الخارج والقذائف تنهمر علينا. قال لي: “يجب أن تتحملوا القصف حتى يتم تصحيح الهدف.” أعاد الإتصال بي مرة ثانية وكرر نفس الأسئلة . خلال يومين سيشتد القصف ويصبح كثيفاً ومتلاحقاً.

في أحد أيام الجمعة ٢-١١-٢٠١٢ أصبح القصف خفيفاً لمدة ساعة، فطلبت من جاري الكوسوفي، يحمل جنسية سورية، ويملك سيارتين، أن يأخذ زوجتي وابنتي إلى دمشق مع أفراد عائلته وبعض الجيران أيضاً. كانتا آخر سيارتين تغادران المنطقة. بعد ذلك لم يستطع أحد أن يغادر. بعد ذهابهم بحوالى نصف ساعة حاولت الذهاب مشياً إلى قرية رويحينة  التي تبعد ٢ كم وكانت تحت سيطرة النظام كي أشتري خبزاً ودخاناً لكن القصف اشتد وصار كثيفاً فعدت فوراً إلى البيت وتم إغلاق الطريق. ومن يومها تغيرت نوعية القصف من هاونات إلى مدفعية ودبابات. في قرية زبيدة الغربية شرق بئر عجم بحوالي مسافة كيلو متر واحد تتواجد سرية دبابات تقصف بلا هوادة، إلى القصف المدفعي (الهاوزر بعيد المدى) من قمة تل الحارّة إلى جميع أنواع القذائف منها الانشطاري والعنقودي والفسفوري. استمر الحال على ما هو عليه. وضعنا كمدنيين حدث ولا حرج: لاماء ولا كهرباء ولا طعام أو خبز، كنا نأكل العشب وأوراق الشجر.

يوم الإثنين ٥-١١-٢٠١٢ اتصل ابني بي حوالي الساعة التاسعة صباحاً من قدسيا وأخبرني أن ما يزيد عن ٥٠ شاباً شركسياً “في طريقهم إلى القرية لإخراجكم منها.” قلتُ له أن الوضع صعب للغاية ومن المستحيل دخولهم المنطقة، فهي على خط النار والقصف لا يتوقف. لكنهم أتوا من كودنة – بريقة وهي طريق فرعية. اجتمعوا مع قائد اللواء ٦١ وكان متواجداً أيضاً ضابط نمساوي رفيع المستوى من قوات الآندوف على آخر حاجز عسكري بقرية بريقة وجرت المفاوضات أن يسمح لهم بالدخول وإخراج ما يقارب ٣٠٠ فرد متوزعين في ملاجئ يلفها ظلام دامس. اتصل ابني بي مرة ثانية وقال لي “إن الجيش سمح لنا بالدخول ونحن في الطريق إليكم.” كررتُ انزعاجي ورفضي للفكرة بسبب القصف المتواصل وإن الليل اقترب. قال لي، “سيتوقف القصف الآن. ثم انقطع الاتصال بيني وبينه فجأة، واعتقدتُ أنه عاد إلى دمشق هو والذين معه ولم أدر ما الذي حدث بعد ذلك.

في صباح اليوم التالي ٦-١١-٢٠١٢ أتى إلى منزلي رجل من أهل القرية وكان معي إثنان من أبناء الجيران وصديق لي لواء متقاعد. ملامح الرجل لم تكن على مايرام، بدأتُ السؤال عن أحواله وأحوال عائلته، لكنه ظل متردداً وعلامات القلق والحزن بادية على وجهه: “ابنك ينال راح”، قال هذه العبارة وصمت. لم يخطر على بالي أنه يتحدث عن ابني للوهلة الأولى، لأنني اعتقدت أنه عاد إلى دمشق بعد إلحاحي عليه بالعودة. استطرد الزائر، “ابنك ينال استشهد الساعة ٣:٤٠ عصراً يوم ٥-١١-٢٠١٢. بعد ذلك اتصل بي الضابط العقيد وقال لي: “قتلنا ابنك، وبتعرف الوطن بدّو تضحيات” وكان قصده أن العصابات الإرهابية تقتل المدنيين. السيارات التي حاولت الدخول إلى بئر عجم عادت إلى قرية بريقة. وفي هذه الأثناء كان طاقم محطة الإخبارية التلفزيونية متواجداً هناك حين أتى الشاب الذي كان يقود السيارة التي أقلت ابني وثيابه مغطاة بالدم. أجبروا الشاب على تغيير ملابسه وأجروا مقابلة تلفزيونية معه تحت تهديد السلاح والضرب ثم أرغموه على القول أن العصابات الإرهابية قتلت ابني. مع العلم أن ابني جلس في المقعد الذي من جهة شرق الطريق، وشرق الطريق بين بريقة وبئر عجم تحت سيطرة الجيش النظامي. من هنا علمت أن الجيش هو الذي أطلق النارعلى ابني.

أخذوا جثته إلى مسجد قرية كودنة وتمت تسجيته هناك، بينما أنا محاصر حصاراً تاماً مع أهالي القرية. اتصلت بزوج ابنتي وسألته عن الجثة، جثة ابني. فقال لي أنه تم أخذ الجثة من قبل مديرية الصحة إلى مستشفى ممدوح أباظة في مدينة البعث. اتصلت بأخي وسألته: لماذا لم يتم دفن الجثة؟ فقال لي إنهم “لا يسلمون الجثة بسبب اختلاف الكنية.”

سألت أحد الموظفين بمحافظة القنيطرة وهو صديق لي أن يساعدني في هذا الأمر، فقال “تعالوا وخذوا الجثة.” اتصلت بأخي وطلبت منه أن يذهب ويستلم الجثة. ذهب أخي مع مجموعة من الشباب في قدسيا إلى مستشفى ممدوح أباظة واستلموا الجثة. ثم قال لي صديق ابني أنه حين النزول إلى قدسيا سيضعون الجثة في براد الجثث بجامع الجادات بقدسيا. رفضتُ ذلك مع إصراري أن يتم الدفن في نفس اليوم. قال لي، “بإمكاننا انتظارك حتى تخرج من الحصار وسيكون باستطاعتك رؤيته وحضور الجنازة والعزاء.” قلت، أنا لا أعرف متى أخرج من هذا الحصار، دعوا أمه وأخواته يرونه ثم ادفنوه اليوم.

يوم الخميس ٨-١١-٢٠١٢ اشتد القصف صباحاً بشكل هستيري حتى الواحدة ظهراً ثم توقف فجأة ولم نر بعدها سوى سرايا من مشاة الجيش النظامي تأتي من شرق القرية ثم تتغلغل فيها بدون أن يطلق الجيش الحر أي طلقة باتجاههم وكان تعدادهم يقارب ال٨٠٠ عسكرياً، اعتقدنا كمدنيين أن اتفاقاً حصل بين الطرفين على عودة الجيش النظامي إلى القرية ويكون بعدها بمقدورنا مغادرتها . كانت أوهامنا هي التي تحدثنا بذلك، إنه اليأس وقد أطبق على رقابنا.

استولوا على القرية ودخل قائد الحملة مبنى البلدية يعلن الانتصار والتطهير. بعد ذلك سمعنا الرصاص يلعلع في السماء وبدأ العساكر يهربون وإذ بالجيش الحر يقوم بهجوم معاكس وقائد الحملة داخل مبنى البلدية لا يدري ما الذي يجري في الخارج إلى أن داهم بعض العناصر مبنى البلدية، فحاول الهرب إلى الجامع الذي بمقابل مبنى البلدية ثم صعد إلى المنارة وقذف بنفسه منها ومات. حين أتى الليل حاولنا الدخول مع مجموعة من المدنيين إلى ملجأ تحت أحد البيوت ثم صعدت أنا وشاب إلى البيت بحثاً عن الماء. كدنا نموت من العطش والجوع وكان الظلام دامساً ولم يكن باستطاعتنا إشعال قداحة لأن المكان سيتم قصفه على الفور. وبينما أنا على هذه الحالة وقعت يدي على كتف آدمية دافئة بعض الشيء، وإذ بعسكري متكور على نفسه يحمل بندقية ومعه ١٢ آخرين، هم بقايا المجموعة التي انسحبت ولا يعرفون أين يذهبون. طلبوا ماء وطعاماً. سألته، “أين طعامك وماؤك؟” نزلتُ إلى الملجأ وأخبرت من معي أن في البيت ١٣ عسكرياً هاربين.

اليوم التالي ٩-١١-٢٠١٢ السادسة صباحاً وقفت على باب الملجأ فرأيت مجموعات من الجيش الحر يبحثون بين البيوت عن الهاربين، وإن عرفَ العساكر المختبئون في البيت بالأمر سنتحول إلى دروع بشرية بين الطرفين فقلت للذين معي أن نهرب إلى البرية فخرجنا رجالاً ونساءً باتجاه قرية زبيدة، وفي طريقنا قبل مغادرة الحارة قابلتنا قوة من الجيش الحر وسألنا أحدهم “إلى أين أنتم ذاهبون؟” فقلت له، نحن لا نريد أن نبقى أكثر من ذلك، سنترك كل شيء هنا. في هذه اللحظات أتى عنصر من الجيش الحر راكضاً من جهة الملجأ الذي كنا فيه وأخبر قائد القوة بوجود عساكر في البيت الذي غادرناه فتركونا إلى سبيلنا وهجموا على البيت الذي يتواجد فيه العسكر. مشينا باتجاه البرية وكان الضباب كثيفاً ساعدنا على ألا يكتشفنا أحد  لكن ذلك لم يمنع الدوشكات من أن تقصف باتجاهنا لكننا لم نصب بأذى. صادفنا في الطريق حقل ألغام عبرناه ووصلنا إلى قرية زبيدة الغربية، استقبلنا أهالي القرية ثم انقسمت مجموعتنا إلى قسمين نساء ورجالاً. في الصباح تناولنا الإفطار وشحنّا الموبايلات وأخبرنا أهالينا في دمشق أننا خرجنا. بعد ذلك بدأت بقية الملاجىء التي في بئر عجم تخرج.

في ١٠-١١-٢٠١٢ خرج جميع المتبقين في القرية ولم يبق أحد هناك. بعد ذلك أخذني أحد الشباب إلى مدينة البعث التي تقع في الطريق قبل مدينة القنيطرة. كنت قد أخبرت ابنتي أنني خرجت من بئر عجم وعن مكان تواجدي. جاري الكوسوفي الذي أصبح يقيم في مدينة صحنايا عرف من زوجتي أنني في مدينة البعث فأتى بسيارته من صحنايا وأخذني إلى قدسيا حيث منزل أحد أقربائي. كان عزاء ابني منتهياً، فطلبت من أحد أصدقائه أن يأخذني إلى المقبرة لأرى قبره، فقال لي “إلى يوم غد.” لم أعرف لماذا إلى يوم غد. في اليوم التالي أخذني بالسيارة إلى المقبرة وأسرّ لي بعد ذلك أنه حصل لي على موافقة لرؤية القبر من مسافة ١٥ متراً فقط، وهذا ما حدث. ولم أستطع بعدها رؤية القبر لأنني لم أحصل على موافقة. بعدها بوقت قصير غادرت سوريا أنا وعائلتي إلى الأردن في ٢٦-١١-٢٠١٢. بقينا في عمان إلى تاريخ ٢٠-١٢-٢٠١٦ ثم غادرنا إلى فرنسا. علمت بعدها أن كتائب لجبهة النصرة تسيطر على القرية.

من حديث على الموبايل

-آخر مرة خرجت فيها من البيت في طريقي إلى بيت صديقي الكوسوفي، سمعتُ دوياً هائلاً، وإذ بقذيفتين ضربتا بيتي. ومن يومها لم أعد إليه. لم يبق لا سقف ولا حيطان ولا أبواب.

-مرة وقعت قذيفة على بئر عجم وكان هنالك ثلاثة شبان يدخنون أما باب أحد البيوت. صاروا قطعاً صغيرة لملمناها ووضعناها في أكياس نايلون.

٧-١١-٢٠١٢

في قرية بئر عجم خمسة ملاجئ فقط تنعدم فيها أي خدمات، لا ماء ولا كهرباء أو حمامات، بمساحة ١٠٠ متر مربع للملجأ الواحد. في أحدها انحشر عدد كبير من الأهالي مع بطانياتهم وبعض الفرش الإسفنجية وما تبقى من مؤن البيت. صدف وجود امرأة حامل في آخر أيامها بدأت تشكو آلام الطلق ووقعت على الأرض دون أن يكون هنالك أي مادة إسعافية أو حتى طبيب بين الموجودين. صرخت إحدى النساء الحاضرات وأقنعت المرأة التي على الأرض بأن لها تجارب كثيرة في التوليد، وعلى الفور تضامن الجميع ووضعوا ساترا من البطانيات وتمت عملية الولادة على أكمل وجه. كتم الجميع أنفاسهم خوفاً من طارىء ما قد يحدث حتى سمعوا بكاء المولود الجديد، وبعد يومين سنحت الفرصة للجميع بالخروج والتوجه مشياً على الأقدام إلى قرية زبيدة الغربية وسط الضباب والصقيع. الآن الرضيع وأمه ووالده في النمسا، والمرأة التي قامت بالتوليد في ألمانيا.

بني هذا النص على شهادة حية لكل من عامر الداغستاني من قرية دير فول وسمير تسي من بير عجم، وكلاهما قريتان سوريتان هُجر سكانهما بشكل كامل في سياق الحرب السورية. وينشر موقع صالون سوريا هذه المادة في سياق مشروع لكتابة قصص تروي ما جرى للقرى والمدن السورية منذ ٢٠١١ حتى الآن.