وجوه أخرى للتحرش

وجوه أخرى للتحرش

عبر وسائط النقل وفي داخلها تحدث عمليات تحرش مباشرة وغير مباشرة، ويتم التعامل معها بالصمت غالباً، وكم اضطرت نساء وفتيات لمغادرة وسائط النقل لعجزهن عن لجم أو رد واقعات التحرش ومحاسبة المتحرشين. تخاف النساء من المواجهة غالباً، والأكثر مدعاة للأذى هو تحميل المجتمع والضحايا لأنفسهن المسؤولية الكاملة عن وقوع التحرش.

على أحد مواقف الحافلات تتوقف سيارة خاصة حديثة وبحالة جيدة، يشير السائق لسيدة داعياً إياها لتستقل سيارته، بات المشهد طبيعياً في ظل زحمة المواصلات الخانقة، حتى أنه صار دارجاً ومقبولاً (رغم تحفظ البعض) أن تطلب بعض النساء من أصحاب أو سائقي السيارات العابرة التوقف، وخاصة في بعض المناطق المزدحمة أو المقطوعة والتي تنعدم فيها حركة المواصلات، عدا عن ارتفاع كلفة أسعار سيارات الأجرة بصورة غير قابلة للدفع أو حتى للتقبّل.

 لم تتردد السيدة بالصعود، كانت المرأة الوحيدة على الموقف وقدرت أن صاحب السيارة قد تعاطف مع وقوفها طويلاً في منطقة مزدحمة جداً، كما أن تطابق وجهتيهما شكل دافعاً قوياً ومطمئناً لتشاركه رحلته.

فور صعودها، عرّف الرجل عن نفسه، منح نفسه لقب المهندس وصرّح باستعراض مبالغ به: بأنه صاحب مكتب سياحي للرحلات الداخلية والحجوزات الفندقية. كان التقديم سخياً، يوحي بالاكتفاء وبالنزاهة، لكن المرأة شعرت بأن هذه المقدمة كانت فخاً، هي وبشكل شخصي لا تحب المكاتب السياحية ولا أصحابها، تعرف تماماً أن نشاط بعضها يتجاوز وظيفته الحقيقية، والأهم أنها غير مضطرة للتصديق. عرفت عن نفسها وعن عملها أيضا، لكنه قام فوراً بطلب رقم هاتفها مؤملاً إياها باستعداده لأي خدمة تطلبها خاصة وأنها امرأة وحيدة، أعلنت أنها ليست وحيدة أبداً! باتت كلمة وحيدة مدخلاً للتطفل، لفرض طلبات تبدو للمساعدة أو المساندة، لكنها في الحقيقة فخ ينصب شراكه المتلاعبون.

لم يغيّر جوابها شيئاً، أصّر وبسرعة على طلب رقم الهاتف فاعتذرت، أوقف سيارته على يمين الطريق وقال لها تفضلي! كان يقصد تماماً طردها! سألته بغضب: هل كانت الدعوة لمرافقتك إلى ذات الوجهة من أجل المساعدة أم من أجل رقم الهاتف؟ رد صارخاً وهو يشير لها بالمغادرة: (أنا ما بحب النسوان يلي بتستشرف علي)!

ثمة صورة نمطية يساهم الرجال في تعميمها وهي أحقية الأغنياء بالتحرش، وأحقية الشباب أو الأصحاء بالتحرش، يبدو أن كبار العمر وأصحاب الاحتياجات الخاصة والفقراء لا يحق لهم جميعاً التحرش، فهم وببساطة لا يملكون ما يمنحونه، هكذا يميل الجميع للتعبير مع أن هذا يتعارض قيمياً مع رفض المتحرش مهما كان وضعه المادي أو سنه أو شكله.

على زاوية ساحة شهيرة يتلاعب سائق ميكرو قديم الصنع بالأضواء في عز النهار، كان يقصد سيدة بعينها تقف بانتظار واسطة نقل، سخر رجلان واقفان من هزالة الموقف، قالا لبعضهما: ميكرو مهتري وعم يغمّز كيف لو معه مرسيدس! كان للسيدة رأي مختلف ولكنه مهين أيضاً: “زمّك (يعني قصير ونحيل القامة) وختيار على عيبه”! ابتعد الجميع عن إدانة التحرش المباشر عبر الدعوة غير المبررة من السائق لسيدة لا يعرفها، اتفقوا جميعهم على تقزيم السائق المتحرش وكأنه خارج دائرة من يحق له التحرش، وكأن التحرش فعل قوة لا يملكه إلا الأكفاء على فعله. يبدو أن المجتمع يبارك علناً التحرش لكن لمن يملك حق التحرش، إنها لمصيبة كبرى! كان بودي سؤال السيدة المعترضة على شكل الرجل والرجلين الساخرين من الباص الذي يقوده ذاك المتحرش عن موقفهما من التحرش ومن الرجل ذاته إذا ما تغير شكله أو عمر ونوع الحافلة التي يقودها.

ثمة مصيبة أخرى تحمي المتحرشين، وهي اتهامهم جميعاً بأنهم مرضى نفسيين، أي وبصريح العبارة فهم لا يتحملون نتائج تحرشاتهم ولا اعتدائهم الواقع مباشرة على النساء دون أي تفكير أو رادع. إن تعميم نظرية المرض النفسي هي محاولة فاشلة لحماية المتحرشين وإفلاتهم من العقاب، فلماذا لا تقع آثار أمراضهم النفسية إلا على النساء! وعلنا وفي الأماكن العامة وكأن النساء مستباحات بمجرد وجودهن في الفضاء العام، وكأن الرجال وحدهم من يحق لهم التحكم بالفضاء العام وممارسة كل الانتهاكات القانونية والاجتماعية والأخلاقية فقط بسبب هويتهم الاجتماعية! إن فائض القوة الذي يتربى الذكور متسلحين به يمنحهم قوة ودافعاً للتحرش دونما أي توقع للردع أو للعقاب.

يجلس الرجل على المقعد الجانبي، يضع على ركبتيه كيساً من النايلون الأسود، لا يسمح ضيق الحافلة بالتخلص من احتكاك ركبتيه بركبتي السيدة المجاورة له، لكنها لوهلة شعرت أن ثمة ما هو أبعد من مجرد احتكاك فرضه ضيق المكان، بخفة حاسمة مدت يدها والتقطت يده التي يلامس بها فخذ السيدة متخفياً بكيس النايلون. أمسكت السيدة بيده الآثمة، حاول سحب يده لكنها شدت عليها وصفعت وجهه بيده، ثم صرخت بالسائق ليتوقف فلم يستجب، حاول الرجل اتهام السيدة بالجنون وبأن لها خيالاً مريضاً، قال لها بثقة: “استحي على عمرك.” كان يقصد أنها في سن تجاوزت فيه التحرش بها، وكأن التحرش فضيلة أو وسيلة لتثبت المرأة لنفسها أنها جميلة أو تستحق التحرش! تناقض مرعب تفرضه حزمة من المغالطات، كأن تقول امرأة لرجل يتحرش بها: “عيب عليك أنا في مثل عمر والدتك”، وكأن للتحرش سناً أو عتبة أو مبرراً! غضبت السيدة بشدة، صفعته بيديها الاثنتين وقالت له: “لن أسمح لك بلمسي، حتى لو كنت عجوزاً، من قال لك بأنني أنتظر شهادتك لتثبت بأني امرأة!”

يتحول الازدحام إلى مناسبة سانحة تسهّل التحرش، يستغله البعض لممارسة التحرش الجسدي المباشر خاصة وأن التهرب منه أو نفيه سهل ومبرر ويمكن عزوه إلى الازدحام لا غير. في الباص الكبير يمرر شاب متحرش كف يده على فخذ شابة واقفة أمامه، تشعر بذلك، يتضرج وجهها باللون الأحمر من شدة الخجل، تحاول تغيير وضعية وقوفها لكن الازدحام الشديد لا يسمح لها بذلك والمتحرش لا يتوقف عن التحرش، بل يمنحه ارتباك الصبية ومحاولة الدوران في المكان فرصة للالتصاق بمساحة أوسع من جسدها. تتدخل امرأة جالسة في مواجهة الشاب، لكن كل ما تفعله هو أن تنادي الشابة لتقف بجانبها. تدخّل هش وضعيف، لا يعاقب الشاب ولا يردعه ولا حتى يفضحه، بل يدعوه وبثقة بالغة لينتقل إلى ضحية أخرى بعد نصف متر من مكان واقعة التحرش الأولى، تصرخ الفتاة به، لكنه لا يتأثر أبداً، ولا يظهر أي استجابة وكأنه غير معني بتاتاً بما يفعله من اعتداء صارخ، تغادر الفتاة الباص مرغمة والصمت سيد الموقف.

تتحول وسائط النقل إلى بيئة خصبة للتحرش، تعاني النساء من التحرش ومن الصمت على المتحرشين، تفتقد النساء بشكل عام إلى كل وسائل الحماية والدعم في مواجهة المتحرشين. ويصل التحرش حدوده القصوى عندما يستغل سائقو وسائل النقل حتى العامة وظيفتهم لحجز أماكن محددة لنساء أو فتيات محددات، وربما يطلبون بعدها أرقام هواتفهن الخاصة وقد يعرضون عليهن خدمات خاصة مقابل تنازلات من النساء أيضاً.

وليس مستغرباً أبداً، أن يتدافع الركاب للفوز بمقعد في حافلة عامة بينما يقوم السائق بحجز المقعدين الأماميين لنساء لا يعرفهن من قبل أبداً، لكنه وبسبب الازدحام وصعوبة تأمين مقعد يبرر لنفسه دعوة نساء بعينهن للجلوس في هذه المقاعد دونا عن غيرهن، فقط لأنهن شقراوات مثلاً! و الطامّة الكبرى هي أن يتحول التحرش إلى امتياز، لا تعيه النساء وربما وإن وعينه يعتبرنه غير مكلف أبداً ولا ينتمي للتحرش كفعل اعتداء صريح وواضح لكنه مغلف بالصدفة أو بالرغبة بالمساعدة أو فعل الخير.

من المؤسف والضار جداً هو التعامل مع التحرش في وسائل النقل عامة أو خاصة وكأنه حل أو إجراء تلقائي وبسيط وبريء، وقد يخفف من سوء الأحوال العامة وخاصة أزمة النقل والمواصلات.

للتحرش وجه مباشر وصارخ وله آلاف الوجوه غير المباشرة والمتلاعب فيها وبالنساء من خلالها وخاصة التعامل معهن وكأنهن طرائد وقوعها محتم في حبائل المتحرشين، وجوه أخرى يتضافر فيها الاستخفاف مع ضعف النساء وخاصة في ظل سوء الأحوال العامة وغياب كل آليات الحماية والوقاية.

سعد الله ونوس: مسرحي بحجم وطن

سعد الله ونوس: مسرحي بحجم وطن

“نحن لا نصنع مسرحاً لكي نثبت فقط أننا لاحقون بركب المدنية، إننا نصنع مسرحاً لأننا نريد تغيير وتطوير عقلية، وتعميق وعي جماعي بالمصير التاريخي لنا جميعاً.. المسرح في الواقع هو أكثر من فن، إنه ظاهرة حضارية مُركبة، سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها”. ربما تلخص تلك الكلمات، وهي للمسرحي سعدالله ونوس، حجم المسؤولية الثقافية الكبيرة التي تحلى بها خلال مسيرته المسرحية، التي أبدعت مسرحاً جديداً، مسرحاً وجودياً فلسفياً يقوم على الجدية والوعي ويختلف عن مسرح الخطابة والتهريج، يؤمن بدور الفعل وتأثير الكلمة، يدافع عن قضايا الناس ويشجع المجتمع أن ينهض ويمتلك وعياً.

 ومنذ مسرحياته الأولى ظهر ونوس، الذي درس الصحافة في القاهرة بداية الستينيات، كأحد أعلام التنوير، كونه من أكثر الكتاب المسرحيين العرب التزاماً بالقضايا الوطنية العربية، بل كان، في كثير من الأحيان، صوت ضمير العديد من المثقفين ولسان حالهم، في زمن الصمت والعجز عن حرية التعبير. حَمَل عنهم عبء المواجهة مع السلطات السياسية والدينية، وعبَّر من خلال كتاباته بشكلٍ واضحٍ عن فكره اليساري دون مواربة، وبرز مسرحه كأداة لنشر التوجهات الفكرية والتنويرية وعكس ظروف العالم العربي وعرَّى واقعه السياسي، فعقب نكسة حزيران كتب ونوس مسرحية “حفلة سمر من أجل 5 حزيران”، التي جعلته من أبرز أعلام كُتاب المسرح، وتناول من خلالها واقع هزيمة العرب ووجع الشعب المهزوم. وعقب انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1987 كتب مسرحية “الاغتصاب” التي صورت الصراع العربي الإسرائيلي، من خلال رواية فلسطينية وأخرى إسرائيلية، يميز فيهما بين الصهيوني واليهودي ويوضِّح حجم المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال. وقد كان ونوس من أكثر الكُتاب مناصرة للقضية الفلسطينية، وذلك منذ بداية دراسته لفن المسرح في فرنسا أواخر الستينيات، حيث أحيا مع زملائه العديد من النشاطات السياسية والثقافية، التي كانت تهدف للتعريف بقضية الشعب الفلسطيني.

ومنذ بداياته خلق ونوس تقنيات وأساليب مسرحية جديدة، أهمها تقنية كسر الحاجز بين المسرح والجمهور، أو ما يسمى بهدم الجدار الرابع بين الممثل والمتلقي. ومن خلال هذه التقنية كان ونوس يحضُّ المتفرج على المشاركة في بناء الحدث المسرحي ويتوقع منه أن يُعبِّر عن رأيه، ونستند في ذلك إلى كلام ونوس: “المتفرج هو النصف الأساسي لأي عرض مسرحي، هو هدف العرض، وهو مسؤول عنه أيضاً، لذلك عليه أن يمارس حقوقه كاملة، أن يؤدي دوره بشكل تام وإيجابي. عليه أن يملأ حيزه في كل نشاط مسرحي، أن يقبل ويرفض، أن يضغط ويقاطع، أن يقول ما يريد ويصحح ما يُحكى له. باختصار ألا يكون سلبياً يأخذ ما يُقدم له دون اعتراض، ودون تمحيص”.   

في مسرحية “حفلة سمر” تكون الخشبة مضاءة منذ البداية والمسرح دون ستارة، مفتوح أمام الجمهور منذ دخوله إلى الصالة، فيما يجلس بعض الممثلين  بين الجمهور ليؤدون أدوارهم من هناك، وهو ما جعل العرض أشبه بمسرحية داخل المسرحية وفسح المجال أمام الجمهور ليتفاعل مع العرض وليكون جزءاً منه، وأعطى للحدث وللشخصيات بعداً اجتماعياً مميزاً.

التقنية ذاتها استُخدمت في مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” التي تدور أحداثها داخل مقهى شعبي، حيث صُممت الخشبة على شكل ذلك المقهى، الذي يضم حكواتياً وعدداً من الزبائن. ومن خلال تفاعل زبائن المقهى وتعليقهم على الحكاية، التي يرويها الحكواتي، وتدخلهم في مجريات الأحداث، عمل ونوس على توريط المتفرج وجعله طرفاً فاعلاً في العرض المسرحي، وفسح له المجال ليتدخل في مجريات الحدث وليتفاعل مع الشخصيات (زبائن المقهى) ويخلق حواراً معهم. 

تسييس المسرح

طرح ونوس مشروع تسييس المسرح ، بدلاً من المسرح السياسي، انطلاقاً من إيمانه بقدرة وأهمية هذا النوع من المسرح، الذي يقوم على فكرٍ نهضوي وتحريضي، في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية في العالم العربي. وهنا نستند إلى قوله: “على المسرح أن يُعلم الجمهور، ويعكس له أوضاعه بعد أن يحللها ويضيء خفاياها، وأن يحفز الناس على العمل، وأن يحثهم على أن يباشروا مهمة تغيير قدرهم الراهن. المسرح العربي الذي نريد هو الذي يدرك مهمته المزدوجة هذه: أن يعلم ويحفز متفرجه. هو المسرح الذي لا يُريح المتفرج أو يُنَفس عن كربته، بل على العكس هو المسرح الذي يُقلق، يزيد المتلقي احتقاناً، وفي المدى البعيد يهيئه لمباشرة تغيير القدر”.  وبهذا المعنى فإن وظيفة المسرح لا أن يُفرغ طاقات الجماهير ويرفه عنها وإنما عليه أن يشحن الجماهير ويحرضها على التغيير ويطور عقليتها ويستنهض طاقاتها، ليتشكل وعيها السياسي وتستفيق من تخديرها، وذلك على عكس المسرح “التنفيسي” الذي كان سائداً في مرحلة السبعينيات وتنحسر وظيفته  في إضحاك الجمهور والتخفيف عنه، وهو المسرح الذي كانت تستخدمه السلطات السياسية كأداة لإيهام الجمهور بأن هناك حرية تعبير عن الرأي. ولأن ونوس كان ناقداً لهذا النوع من المسرح جعل مسرحه أشبه بمنتدى سياسي واجتماعي يناقش أبرز القضايا والأسئلة الراهنة للجمهور،  ويقوم على شراكة وتفاعل بين الممثل والمتلقي ليتعلم كل منهما من الآخر. 

في مسرحية “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” كان ونوس يهدف لتحريض الجمهور على التعبير بحرية عن مواقفه ووجهات نظره حيال ما يجري فوق الخشبة، ويدفعه ليفكر بشكل نقدي تحليلي، ويميّز بين الكذب والحقيقة، ليس فقط أثناء العرض وإنما في الواقع أيضاً، فالعرض ينتقد الحكومات والزعماء السياسيين والمؤسسات الرسمية فيما يتعلق بالنتائج الكارثية المؤلمة لنكسة حزيران وآثارها السلبية على الشعب، الذي تجرع مرارة الهزيمة، والذي سيواجه مختلف أساليب القمع من قبل السلطات السياسية في حال عَبَّر عن استيائه مما جرى أو ناقش أسباب الهزيمة.

وفي مسرحية “الفيل يا ملك الزمان”  يحاول ونوس أن يحفِّز الشعب على تغيير واقعه، عبر انتقاده لسلبية هذا الشعب وإذعانه المطلق لسلطة الزعيم، وانتقاد خوفه  من الدفاع عن نفسه أو التعبير عن استيائه من الطغيان والظلم، والمطالبة بأبسط حقوقه المسلوبة. وتتحدث المسرحية عن فيل الملك، الفيل الذي عاث خراباً وفساداً في المدينة وأقلق راحة سكانها، ولكن الشعب المستاء من الفيل والمتضرر منه، وعوضاً عن تقديم شكوى للملك، اقترح تزويج الفيل تحت تأثير الخوف من عقاب الملك، وهو ما ساهم في مضاعفة آلامه وعذابه.  

المسرح أداة لنقد السلطات

 يعتبر ونوس من أهم الشخصيات الثقافية العربية التي جمعت بين التنظير والممارسة، عبر خطابه المسرحي الذي  ساهم في نشر قيم الوعي والحرية وكان ناقداً لجميع الأشكال السلطوية في المجتمع. ففي مسرحية” الملك هو الملك” ينتقد السلطة السياسية، وذلك من خلال قصة ملكٍ ظلم شعبه ظلماً لا يطاق، فانتشر الفقر وعم الجهل والتخلف بين الناس وبات الشعب يتضور جوعاً ويحلم برغيف الخبز، وكان من بين هذا الشعب رجل معدم يتمنى أن يصبح ملك البلاد  ليومٍ واحدٍ فقط، لكي ينشر العدل ويقضي على الجوع والفقر ويعيد للناس حقوقها المسلوبة، ولما ذاع خبر الرجل أمر الملك بإلقاء القبض عليه، وبدل أن يعاقبه أمر بتحقيق أمنيته وتنازل له عن العرش لمدة يوم، ولكن الرجل بمجرد أن وضع التاج على رأسه تغيرت أفكاره فجأة، فزاد الظلم ظلماً وفاقم واقع الشعب سوءاً. ما توضحه المسرحية هو أن صفات وممارسات الملوك ثابتة لا تتغير، فالملك هو الملك مهما تغيرت الوجوه والأسماء التي تشغل هذا المنصب.  

وفي مسرحية “طقوس الإشارات والتحولات“، وجه ونوس انتقاداته للسلطة الذكورية والدينية، وأظهر من خلال العرض موقفه الداعم للمرأة، التي تظهر معاناتها كضحية للسلطة الأبوية والزوجية، في مجتمع ذكوري يحرمها من ممارسة أبسط رغباتها في الحب فيما يبيح للرجل جميع أشكال المتع والرغبات الجسدية. المسرحية حملت خطاباً جريئاً ومناهضاً للعادات والتقاليد، يعري دور رجالات الدين ويفضح زيف ادعاءاتهم، وينادي بحرية جسد المرأة في ظل إذعانه للأعراف والقيم الدينية والقمع المجتمعي. كما يبرز العمل النوازع النفسية للشخصيات في علاقتها مع تحولات جسدها، ويقدم قراءة معمقة للجسد البشري وأبعاده العاطفية والروحية ويمنحه سمواً وتمجيداً، ويدعو لتحريره من رغباته في سبيل أن يصل لحريته. ومن خلال العرض كان ونوس يرسل أفكاراً وإشارات إلى الجمهور تحرض مخيلته وتدفعه لكي يتساءل ويعي الواقع الذي تعيشه المرأة.

أما في مسرحية “منمنات تاريخية ” فقد انتقد ونوس السلطات الثقافية والاقتصادية والمجتمعية، من خلال استدعاء الموروث التاريخي لمحاكاة الواقع الحالي بإسقاطات تاريخية، إذ يحكي العرض عن احتلال تيمورلنك لدمشق، ويفضح السلطة الاقتصادية بتحالفاتها المشبوهة مع التجار وأصحاب رؤوس الأموال، الذين خافوا على مصالحهم وتجاراتهم ليتحالفوا بدورهم مع رجالات الدين والمجتمع، الذين استغلوا سلطتهم لتحقيق مآربهم ومصالحهم الخاصة، فتخاذلوا جميعاً وأذعنوا للاحتلال وأسهموا بإسقاط دمشق بيد تيمورلنك.

مساهمات

 قدمت مسرحيات ونوس إسهامات كبيرة في تطوير الحركة المسرحية العربية وفي إنارة الوعي العام بقضايا التحرر وحرية التعبير والتغيير الاجتماعي. كما اشتهرت أعماله عربياً وعالمياَ وتُرجمت إلى عدة لغات ونالت الكثير من الجوائز العربية والعالمية، وأصبحت مرجعية مسرحية يتسابق المخرجون على تقديمها.  وإلى جانب ذلك أسهم ونوس في نهاية السبعينيات في إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية، وعمل مدرساً فيه، كما عمل مديراً للمسرح التجريبي في مسرح القباني وأسس مع صديقه المسرحي الراحل فواز الساجر عام 1977 فرقة خاصة تهدف لتقديم المسرح الوثائقي. وفي العام ذاته أسس مجلة “الحياة المسرحية” وشغل منصب رئاسة تحريرها منذ انطلاقتها وحتى عام 1988. ويعود له الفضل، إلى جانب بعض زملائه المسرحيين، في إقامة مهرجان دمشق المسرحي عام 1969 الذي حقق نجاحاً كبيراً على مستوى الوطن العربي، وقد قدم فيه مسرحيتين من أعماله: “الفيل يا ملك الزمان” إخراج علاء الدين كوكش، و”مأساة بائع الدبس الفقير” إخراج رفيق الصبان.

 وإلى  جانب إسهاماته المسرحية شغل ونوس منصب مدير قسم النقد في مجلة المعرفة الصادرة عن وزارة الثقافة عام 1964،  وعُيَّن رئيس تحرير لمجلة “أسامة” الخاصة بالأطفال، بين عامي 1969 و 1975، كما عمل محرراً وكاتباً في الصفحات الثقافية في عددٍ من الصحف العربية، كصحيفة الثورة والآداب، وشغل منصب مسؤول القسم الثقافي في جريدة السفير اللبنانية.

مقاومة المرض بالكتابة

عام 1992 أصيب ونوس بمرض السرطان وتوقع الأطباء أنه لن يعيش سوى  ستة أشهر، لكنه رغم ذلك لم يغب عن المشهد المسرحي، وكان يقاوم مرضه بسلاح الكتابة لنحو خمس سنوات،  كتب فيها أهم أعماله المسرحية. وفي عام 1996 كلفه المعهد الدولي للمسرح، التابع لليونسكو،  بكتابة رسالة يوم المسرح العالمي، التي ترجمت إلى عدة لغات، وأكد من خلالها عشقه وإخلاصه للمسرح، حيث يقول فيها: “منذ أربع سنوات وأنا أقاوم السرطان. وكانت الكتابة، وللمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي. طبعاً من الصعب أن أشرح للسائل عمق الصداقة المديدة، التي تربطني بالمسرح، وأن أوضّح له أن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيلي”. وفي الرسالة ذاتها كتب ونوس جملته الشهيرة الخالدة، التي أصبحت بمثابة حكمة يرددها الملايين في كل مكان: “نحن محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”. 

 توفي ونوس، ابن مدينة طرطوس، في 15 أيار عام 1997، عن عمر ناهز 56 عاماً، بعد صراع مع مرض السرطان استمر لأكثر من خمس سنوات، تاركاً وراءه نحو أكثر من عشرين عملاً مسرحياً، إلى جانب عشرات المقالات والأبحاث والدراسات المسرحية، وقد نشرت أعماله في ثلاثة مجلدات.

ونذكر هنا أبرز أعماله المسرحية وفق تسلسلها الزمني:  

مسرحية “ميدوزا تحدق في الحياة” 1963 (نشرت في مجلة الآداب)

مسرحية “جثة على الرصيف” 1963 (الموقف العربي- دمشق)

مسرحيتا “فصد الدم” و “مأساة بائع الدبس الفقير” 1964 (مجلة الآداب)

مجموعة من المسرحيات القصيرة بعنوان “حكايا جوقة التماثيل” 1965

مسرحية ” حفلة سمر من أجل 5 حزيران” 1968 (عرضت في سوريا، لبنان، السودان، العراق والجزائر. وترجمت إلى اللغة الفرنسية والإسبانية)  

مسرحية “الفيل يا ملك الزمان” 1969 (عرضت في جميع الدول العربية. وترجمت إلى الإنكليزية والروسية والبولونية)

مسرحية “مغامرة رأس المملوك جابر” 1970 (عرضت في سوريا، لبنان، العراق، مصر، الكويت،الإمارات، الجزائر، فرنسا، ألمانيا. وترجمت إلى الألمانية والروسية. كما تحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج محمد شاهين وإنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا عام 1974)

مسرحية “سهرة مع أبي خليل القباني” 1972 (عرضت في سوريا، الكويت وألمانيا. وترجمت إلى الروسية)

مسرحية “الملك هو الملك” 1977 (عرضت في سوريا، تونس، العراق، مصر، الإمارات،البحرين. وترجمت إلى الإنكليزية والروسية)

عرض “يوميات مجنون” للمسرح التجريبي 1977

مسرحية “رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقضة” 1978 (عرضت في سوريا، الكويت،لبنان، مصر، المغرب)

مسرحية “الاغتصاب” 1989 (عرضت في سوريا، لبنان، الأردن، مصر. وترجمت إلى الألمانية والإيطالية)

مسرحيتا “منمنات تاريخية” و “يوم من زماننا” 1993

مسرحيتا “طقوس الإشارات والتحولات” و “أحلام شقية” 1994

مسرحية “ملحمة السراب” 1995.

المراجع

١-سعدالله ونوس/ الأعمال الكاملة/ المجلد الأول (دار الأهالي للنشر والتوزيع- دمشق / الطبعة الأولى 1996).

٢- “رسالة يوم المسرح العالمي”، ص 17 من المجلد الأول / الأعمال الكاملة لسعدالله ونوس (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى1996).

٣-سعدالله ونوس / الأعمال الكاملة / المجلد الثاني (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى 1996).

٤- سعدالله ونوس/ الأعمال الكاملة/ المجلد الثالث (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى 1996).

٥- “بيانات لمسرح عربي جديد” ص 15 من المجلد الثالث/ الأعمال الكاملة لسعدلله ونوس (دار الأهالي- دمشق/ الطبعة الأولى 1996).

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”

سوريا: موجات حر شديدة في ظل انقطاع الكهرباء

سوريا: موجات حر شديدة في ظل انقطاع الكهرباء

تزامنت موجات الحرارة المتتالية مع انقطاع التيار الكهربائي في عدة محافظات سورية أكثر من 20 ساعة يومياً، ما يحرم المواطنين/المواطنات من تشغيل وسائل التبريد أو التكييف إن توفرت، وما يزيد الطين بلة انقطاع الكهرباء بشكل كامل وعام نتيجة لتعطل إحدى محطات التوليد، مثلما حدث ذلك مرتين في شهر تموز الماضي.

وتتعرض البلاد لموجات حرارة قاسية، إذ سجلت (المديرية العامة للأرصاد الجوية) درجات حرارة مختلفة تجاوزت 40 درجة مئوية في عدة مناطق، ووصلت إلى أكثر من 45 درجة في بعض المحافظات خلال الأسابيع القليلة الماضية، بيد أن الحرارة الملموسة بلغت درجات أعلى بكثير.

ولمواجهة لهيب الصيف، تلجأ بعض الأسر إلى مصادر طاقة بديلة عن الكهرباء الحكومية لتشغيل المراوح؛ مثل “الأمبيرات” بمقابل أجر أسبوعي أو شهري ما يشكل عبئاً مادياً إضافياً، في حين يعتمد آخرون على البطاريات ذات السعات الكبيرة، لكن الفئات الأكثر هشاشة وفقراً قد لا تملك مثل هذه الخيارات عموماً.

ومن ناحية أخرى، يفضل مواطنون الذهاب إلى المسابح هرباً من القيظ، بينما تقصد عائلات سورية الحدائق العامة والمساحات الخضراء بدمشق مساء، ويلجأ أفراد للنوم على الأسطح أو شرفات منازلهم.

ومع فشل الثلاجات المنزلية في أداء وظائفها لانقطاع الكهرباء بشكل متواصل، يزداد الطلب على شراء قوالب المياه المجمدة من الدكاكين أو الباعة الجوالين بهدف تبريد ماء الشرب على الأقل، حيث وصل سعر القالب الواحد إلى 16 ألف ل.س في ريف دمشق.

الصحة

تعاني هناء (72 عاماً- ريف دمشق) من موجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي مثل غيرها من كبار السن، تقول هناء: “استحم بالماء البارد لتخفيف درجة حرارة الجسم، إنه الخيار الأفضل، لا يتوفر لدينا وسائل تبريد باستثناء مروحة صغيرة تعمل على الطاقة البديلة”.

وسجلت عدد من المراكز الصحية في ريف دمشق ودرعا مراجعات بسبب “ضربات الشمس”، وعلى الرغم من برامج التقنين الكهربائي إلا أن أغلب المراكز الصحية والمستشفيات تملك مصادر طاقة بديلة.

وفي زيارة لعدد من العيادات الطبية الخاصة في قلب العاصمة دمشق، يلاحظ أن المرضى يعانون من درجات الحرارة المرتفعة أثناء الانتظار ما إن يغيب التيار الكهربائي، وبشكل خاص في العيادات التي لا تحتوي على منافذ تهوية كافية أو لا تملك طاقة بديلة لتشغيل وسائل التبريد.

وذكرت مصادر طبية وإدارية في دمشق لـ “صالون سوريا” أن منظمات غير حكومية بدأت بتوفير مصادر طاقة بديلة لبعض المراكز الصحية في دمشق وغيرها بهدف استمرار تقديم الخدمات الطبية للمرضى، بينما يقول مواطنون في ريف درعا إن المشكلة لا تكمن بمصادر الطاقة دوماً، وإنما بخروج بعض المراكز عن الخدمة وقلة الكوادر الطبية والأدوية في القرى والبلدات النائية.

ضربة الحرارة!

وعن أضرار موجات الحر الشديد، يوضح الطبيب محمد الشعابين (داخلية- قلبية) في حديث مع “صالون سوريا” أن الحرارة المرتفعة تسبب ضغطاً استقلابياً وما يعرف بالإجهاد الحراري أو ضربة الحرارة، والسبب بذل الجسم جهداً لتخفيض حرارته.

وبحسب الطبيب المختص فإن أعراض ضربة الحرارة هي التعب الشديد، والتعرق المفرط، والدوار، وفقدان الشهية، والصداع، وتؤدي الضربة إلى اضطرابات النطق واختلاجات وتقيؤ وتشنجات عضلية، وقد تؤدي إلى الوفاة في حال لم تعالج بالسوائل الوريدية بشكل سريع.

ويحدد الشعابين الفئات الأكثر تأثراً بموجات الحر، وهم الأطفال والنساء الحوامل والعمال الذين يعملون تحت أشعة الشمس؛ فضلاً عن الرياضيين وكبار السن.

ويقول الطبيب: “يصاب مرضى السكري بالتجفاف ما يؤدي إلى حماضات سكرية ربما تفضي إلى الوفاة، كما أن التجفاف عامل مؤثر على مرضى القلب والكلى أيضاً، بينما يعاني مرضى (الربو) من صعوبة التنفس عموماً، وتسرع ضربات القلب”.

ويخلص أطباء سوريون مختصون في حديث مع “صالون سوريا” إلى أن عدم توفر وسائل تبريد كافية يؤثر على حفظ الأدوية، وقد يحتاج قسم منها للإتلاف سواء في الصيدليات أو في المنازل، وتتعرض الأغذية للتلوث ما يزيد من حالات الإسهال صيفاً، كذلك تسبب درجات الحرارة المرتفعة القلق والأرق ليلاً.

ويدعو الطبيب محمد الشعابين إلى تجنب التعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر لمن يستطيعون ذلك، إلى جانب الإكثار من السوائل والأملاح لتعويض شوارد الصوديوم التي تُستنزف عن طريق التعرق كيلا تسبب اضطرابات قلبية أو عصبية، إلى جانب تغطية النوافذ، لكن فعالية هذه الإجراءات تبدو منخفضة في ظل غياب وسائل تبريد جيدة.

من جهتها، تنصح وزارة الصحة السورية عبر صفحة مكتبها الإعلامي على “فيسبوك” بعدم التعرض المباشر لأشعة الشمس خصوصاً بين الساعة 10 صباحاً و4 عصراً، وتجنب المشروبات التي تحتوي الكافيين أو السكر لأنها تؤدي إلى فقدان السوائل من الجسم؛ علاوة على ارتداء ملابس قطنية خفيفة وفضفاضة، وفتح النوافذ لاسيما ليلاً عندما تنخفض درجة الحرارة، والاستحمام بالماء البارد.

تموز: الأكثر سخونة

وسبق أن حذّرت منظمات مختصة من ظاهرة الاحتباس الحراري. في السياق ذاته، وصلت مستويات الغلاف الجوي لغازات الدفيئة الرئيسية الثلاثة -وهي ثاني أكسيد الكربون، والميثان وأكسيد النيتروز إلى مستويات قياسية في عام 2021، وفقا لتقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).

وكانت (المنظمة العالمية للأرصاد الجوية) بالاشتراك مع خدمة “كوبرنيكوس” لمراقبة تغير المناخ الممولة من الاتحاد الأوروبي أصدرت تقريراً عن درجات الحرارة المسجلة في شهر تموز. وأظهرت بيانات سجلتها خدمة “كوبرنيكوس” أن تموز في طريقه ليكون الأكثر سخونة على الإطلاق، طبقاً لما نقل موقع (أخبار الأمم المتحدة) الإلكتروني.

الشحرور الذي غرّد خارج السرب

الشحرور الذي غرّد خارج السرب

ولد محمد شحرور في دمشق عام- ١٩٣٨ لعائلة متوسطة الحال. كان والده صباغاً وتلميذاً عند الشيخ الألباني، أتم تعليمه الثانوي في دمشق وحاز على الثانوية العامة عام 1958، وسافر بعد ذلك إلى الاتحاد السوفيتي لإكمال دراسته في الهندسة المدنية. تخرج بدرجة دبلوم عام ١٩٦٤ من جامعة موسكو، ثم عاد لدمشق ليُعين فيها معيداً في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق حتى عام ١٩٦٨. أوفد إلى جامعة دبلن بإيرلندا عام 1968 للحصول على شهادتي الماجستير عام ١٩٦٩ والدكتوراه في الهندسة المدنية- اختصاص ميكانيك تربة وأساسات عام ١٩٧٢، عُيّن في نفس العام مدرساً في كلية الهندسة المدنية جامعة دمشق لمادة ميكانيك التربة ثم أستاذاً مساعداً. افتتح مكتباً استشارياً لممارسة المهنة كاستشاري عام ١٩٧٣، واستمر يمارس عمله كاستشاري حتى سنوات حياته الأخيرة. قدم وشارك في العديد من الاستشارات الفنية لكثير من المنشآت الهامة في سوريا وله عدة كتب في مجال اختصاصه تعتبر مراجع هامة لميكانيك التربة والأساسات. توفي في ٢١-١٢-٢٠١٩ في أبو ظبي الإمارات العربية المتحدة.

لحظتان فارقتان أثرتا في مجرى حياته:

اللغة: فقد أثار انتباهه إتقانه للغة الروسية وفهمها فهماً تاما بوقتٍ لا يتجاوز العام، بينما لغته الأم، اللغة العربية لم يستطع فهمها. فقد كان يقرأ القرآن دون أن يشعر أنه فهمه فهماً دقيقاً.

 الماركسية: فعلى الرغم من كون الماركسيين ملحدين إلا أنه وجد عندهم منطقاً متماسكاً ومع أنه غير مطابق للواقع حسبما رأى  إلا أنه عجز عن الرد عليهم من خلال ثقافته ذلك الوقت.

يضاف إلى ذلك ما آلت إليه حال العرب بعد هزيمة عام ١٩٦٧  والآراء التي ظهرت في أسبابها، فشيخُ جامع يقول هزمنا لأن النساء كاسياتٌ عاريات، وعلماني يرجع الهزيمة لصيام شهر رمضان، الأمر الذي جعله يدرك وجود خلل في نتاج العقل العربي سواء كان إلحادياً أو دينياً.

فكان أن بدأ في دراسة التنزيل الحكيم (على حد تعبيره) بعد عودته من موسكو وهو في إيرلندا بعد حرب عام ١٩٦٧ وقد ساعده المنطق الرياضي على هذه الدراسة، وقد توصل إلى نتائج جديدة مغايرة لما هو سائد في التراث العربي الإسلامي.

يصنف عمله بأنه محاولة شاملة للتوفيق بين دين الإسلام والفلسفة الحديثة، على ضوء التطورات العلمية والنظرة العقلانية في العلوم الطبيعية. فهو يرى أنه لا يوجد فرق بين ما جاء في القرآن الكريم وبين الفلسفة. وتنحصر بفئة الراسخين في العلم مهمة تأويل القرآن طبقاً لما توصل إليه البرهان العلمي. ودعا إلى فلسفة إسلامية معاصرة، تعتمد المعرفة العقلية التي تنطلق من المحسوسات. وينطلق من أن مصدر المعرفة الإنسانية هو العالم المادي وأن المعرفة الحقيقية ليست مجرد صور ذهنية بل تقابلها أشياء في الواقع الخارجي وهذا عين الحقيقة وهو بهذا على عكس الفلاسفة المثاليين القائلين إن المعرفة الإنسانية ماهي إلا استعادة أفكار موجودة مسبقاً.

كما يتبنى النظرية العلمية القائلة: إن ظهور الكون المادي كان نتيجة انفجار هائل، أدى إلى تغير طبيعة المادة. ويرى أن انفجاراً هائلاً آخر مماثلاً للأول سيؤدي حتماً لهلاك هذا الكون وتغيير طبيعة المادة فيه ليحل مكانه كون مادي آخر، وهو يعني بذلك أن الكون لا ينشأ من عدم (مع تأكيده أنه لا قديم إلا الله)، بل من مادة أخرى. وأن هذا الكون سيزول ليحل مكانه كون آخر من مادة مغايرة، وهذا ما ندعوه (الحياة الآخرة).

ركّز الدكتور شحرور في مشروعه الإصلاحي على المشكلة الجوهرية التي واجهت الفكر الإسلامي، وهي أن تعريفنا التراثي للإسلام هو الذي أوقع كل المتناقضات التي نعيشها في حياتنا، وجعلنا قاصرين عن مخاطبة العالم على أساس تصالحي وتعددي. فأعاد تعريف كلاً من المسلمين والمؤمنين، وهو بهذا يريد أن يجعل خطاب الإسلام عالمياً يتسع لغير المسلمين، وذلك بتوسيعه لتعريف المسلم ليشمل كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، وهذا التعريف يشمل غالبية سكان الأرض. بينما المؤمن من آمن بالله والرسالة المحمدية.

تابع شحرور مشروعه النقدي التحديثي للفكر الإسلامي، مضيفاً لبنة جديدة إلى المنهج الذي سعى من خلاله إلى إظهار عالمية الإسلام وإنسانيته بوصفه رسالة رحمانية، لا علاقة طاغوتية، فقد قدم مفهوماً معاصراً للحاكمية الإلهية التي وصفها أنها تمثل الميثاق العالمي الذي يمكن من خلاله تحقيق السلام في العالم، والولاء له هو ولاء للقيم الإنسانية، ويتجسد من خلال الانقياد الطوعي للحاكمية الإلهية، ويرى أن هذا الولاء هو الرادع لكل من تسول له نفسه ممارسة الطغيان وسلب الناس حرياتهم.

وبذلك يمكن القول إن شحرور عمل على إعادة تأسيس فهم ديني معاصر لا يتعارض مع ما توصلت إليه المعارف الإنسانية، باستعمال أرضية معرفية متطورة لفهم نصوص التنزيل الحكيم، وإعادة تأسيس فقه إسلامي معاصر يقدم رؤية مغايرة لعملية التشريع التي تتماشى مع التطور المعرفي لأي مجتمع، معتمداً التأويل ومسلطاً الضوء على مرتكزات التفكير الديني. ومن أهم هذه المرتكزات التي تناولها في فهمه الجديد للإسلام: 

أولاً: الإيمانيات

يرى د. شحرور أن آيات التنزيل الحكيم عبارة عن نصٍ إيماني وليست دليلاً علمياً، وعلى أتباع الرسالة المحمدية المؤمنين بالتنزيل الحكيم أن يوردوا الدليل العلمي والمنطقي على مصداقيتها، وفي ذلك تتمثل مهمتهم الأساسية، علماً أن كل الإنسانية تعمل على ذلك علمت ذلك أم لم تعلم. إن التاريخ الإنساني ككل في مسيرته العلمية والتشريعية والاجتماعية، هو صاحب الحق في الكشف عن مصداقية التنزيل الحكيم، وليس شرطاً أن ترد مصداقيته على لسان صحابي أو فقيه أو تابعي بل قد ترد على كل لسان يقرأ النصوص  قراءةً واعيةً ممنهجة.

إن الوجود المادي وقوانينه هما كلمات الله، وأبجدية هذه الكلمات هي علوم الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا والفضاء، وهذا الوجود مكتفٍ ذاتياً ولا يحتاج إلى شيء من خارجه لفهمه، وهو عادل في ذاته.

بما أن التنزيل الحكيم هو كلام الله، فوجب بالضرورة أن يكون مكتفياً ذاتياً، وهو كالوجود لا يحتاج شيء من خارجه لفهمه، لذا فإن مفاتيح فهمه ليست من خارجه بل هي بالضرورة من داخله، وانطلاقاً من أن أبجدية كلام الله هي فهم المصطلحات وفهم هذه المصطلحات يعتمد على تطبيق منهج معرفي في التعامل مع نصوص التنزيل الحكيم، وما دامت المعرفة أسيرة أدواتها فإن التنزيل الحكيم مطلق في ذاته، لكنه نسبي لقارئه لأن نسبيته تتبع تطور نظم المعرفة وأدواتها لدى الإنسان، وهذا ما أطلق عليه ثبات النص في ذاته وحركة المحتوى لقارئه ومن هنا نفهم لماذا كان النبي ممتنعاً عن شرح الكتاب إلا في الشعائر فقط

الأساس في الحياة هو الإباحة، لذا فإن الله هو صاحب الحق الوحيد في التحريم فقط، وأن المحرمات أغلقت في كتاب الله وحُصرت في ١٤ محرماً وبالتالي تصبح كل فتاوى التحريم لا قيمة لها، وكل ما عدا الله ابتداءً من الرسل انتهاءً بالهيئات التشريعية تنحصر مهمّته في الأمر والنهي فقط لأن كلاً من الأمر والنهي ظرفي زماني مكاني، والتحريم شمولي أبدي، لذا فإن الرسول لا يحلل ولا يحرم إنما يأمر وينهى. وكل نواهيه ظرفية لأنها عبارة عن اجتهادات، وهي قابلة للنسخ لأنها اجتهادات ظرفية إنسانية وليست وحياً.

إن محمداً قد جاء نبياً مجتهداً غير معصوم في مقام النبوة، وجاء مبلغاً ورسولاً معصوماً في مقام الرسالة. وهنا يفرق بين نوعين من السنّة:

1- السنّة الرسولية؛ وفيها توجد المحرمات ال14 لأن مهمة الرسول فيها تمثلت في تبليغ ما أوحي إليه من ربه فقط.

2- أما السنة النبوية فكانت مناط اجتهاده من مقام النبوة كقائد أعلى للمجتمع وبالتالي جاءت على شكل أوامر ونواهي ظرفية لزمانه. وعلى هذا الأساس فإن طاعته في حالتيه كرسول مُبلَّغ وكنبي مجتهد إنما جاءت لمقام الرسالة لأنّ الطاعة تكون للقانون لا للقوة.

ثانياً: اللغويات

النظام اللغوي لم ينشأ مكتملاً مرة واحدة بل نشأ واكتمل تدريجياً بشكل موازٍ لنشأة التفكير الإنساني واكتماله، وقد ركز الدكتور شحرور على التلازم بين اللغة والتفكير ووظيفة الاتصال منذ بداية نشأة الكلام الإنساني، وانطلق من أن اللغة الإنسانية كانت منطوقة في نشأتها الأولى، وأنكر ظاهرة الترادف العربية.

ثالثاً: الترتيل

الترتيل عنده هو رتب أو نظم الموضوعات الواحدة الواردة في آيات مختلفة من القرآن في نسق واحد كي يسهل فهمها. من هذا الفهم الجديد لترتيل القرآن جمع جميع الآيات التي وردت فيها لفظة (القرآن) والآيات التي وردت فيها لفظة (الكتاب) واستنطقها، فظهر حينئذ بجلاء الفرق بينهما. إن الكتاب عنده ينقسم الى ثلاثة أقسام من حيث الآيات ويصنفها على النحو التالي:

١-الآيات المحكمات التي تمثل رسالة النبي وقد أطلق عليها مصطلح (أم الكتاب) وهي قابلة للاجتهاد حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ماعدا العبادات والأخلاق والحدود.

٢- الآيات المتشابهات التي أطلق عليها  مصطلح (القرآن والسبع المثاني) القابلة للتأويل وتخضع للمعرفة النسبية وهي الآيات العقيدة.

٣-آيات لا محكمات ولا متشابهات وقد أطلق عليها مصطلح (تفصيل الكتاب).

ويبين لنا أن هناك فرقاً جوهرياً بين الكتاب والقرآن والفرقان والذكر؛ فالقرآن والسبع المثاني هما الآيات المتشابهات ويخضعان للتأويل على مر العصور والدهور، لأن التشابه هو ثبات النص وحركة المحتوى. القرآن فرق بين الحق والباطل أي أعطى قوانين الوجود أما الكتاب فعبارة عن تشريع، والذكر هو تحول القرآن إلى صيغة لغوية منطوقة بلسان عربي، وهذه الصيغة التي يذكر بها القرآن. الفرقان هو التقوى الاجتماعية، وهو الأخلاق المشتركة في الأديان السماوية الثلاثة لذا فرقها الله لوحدها وسماها الفرقان.

رابعاً: فهم الفرق بين الإنزال والتنزيل

يشرح الدكتور شحرور الفرق بين مصطلحي الإنزال والتنزيل في التنزيل الحكيم ويقول إن الفرق بينهما يعتبر أحد أهم المفاتيح الرئيسة لدراسة الكتاب بشقيه: النبوة والرسالة وله علاقة كبيرة بمبادئ التأويل.

إن النبي شرح الإنزال بقوله: (أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة).

 ؤيرى أن التنزيل: هو عملية نقل موضوعي خارج الوعي الإنساني.

والإنزال: هو عملية نقل المادة المنقولة خارج الوعي الإنساني، من غير المدرك إلى المدرك، أي دخلت في مجال المعرفة الإنسانية. ويكون هذا في حال وجود إنزال وتنزيل لشيء واحد مثل القرآن.

ويتابع فيقول: حتى يكون هناك حالة إنزال منفصلة عن التنزيل في القرآن، يجب أن يكون للقرآن وجود قبل ذلك. وهنا يظهر السؤال عن ماهية هذا الوجود وبأي صورة هو موجود؟ ويجيب شحرور على ذلك بأن القرآن هو كلام الله وكلام الله هو عين الموجودات ونواميسها العامة، والله مطلق وكلامه مطلق، فالقرآن موجود في لوحٍ محفوظٍ وفي إمامٍ مبين هو من علم الله، وعلم الله أعلى أنواع علوم التجريد، وفي حين أن أعلى أنواع علوم التجريد هو الرياضيات. يعني ذلك أن علم الله بالموجودات علم كمي بحت. وهذا القرآن الموجود في لوح محفوظ غير قابل للإدراك الحسي والتأويل، فعندما أراد الله إعطاء القرآن للناس حوله إلى صيغة قابلة للإدراك الإنساني النسبي، أي حصلت عملية تغيير في صيرورته، وهذا التغيير عُبر عنه في اللسان العربي في فعل (جعل)، إذ قال: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبيَّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وقال أيضاً: (إنَّا أَنْزَلناهُ قُرْآناً عَرَبِياً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلونَ). والإنزال هنا نقل غير المدرك إلى المدرك، أي كان القرآن غير مدرك (غير مشهر) فأصبح مدركاً. والتنزيل حصل عن طريق جبريل إلى النبي وهو الذي تم على مدى ثلاثة وعشرين عاماً. ففي القرآن تلازم الجعل والإنزال وحصلا دفعة واحدة، وافترق فيه التنزيل حيث جاء في ثلاثة وعشرين سنة.

أما فيما يخص أم الكتاب التي هي الحدود والعبادات والمواعظ والوصايا والتعليمات، وتفصيل الكتاب فيس لهما علاقة باللوح المحفوظ أي ليست من القرآن وإنما من الكتاب. ولو كانت في اللوح المحفوظ لكان الصوم من كلام الله وأصبح من ظواهر الطبيعة، لأن كلام الله نافذ وظواهر الطبيعة حقيقية موضوعية صارمة. ولصام الناس في رمضان شاؤوا أم أبوا. وكذلك مواضيع أم الكتاب.

إن هذه الفروق التي تطرق لها الدكتور شحرور بالغة الأهمية وهي من أكثر الأمور خطورة وتعقيداً في العقيدة الإسلامية، إضافة لعدم التفريق بين الرسالة والنبوة وبين الكتاب والقرآن جعل المسلمين أناساً متحجرين ضيقي الأفق، وضاع العقل نهائياً وضاع مفهوم القضاء والقدر والحرية الإنسانية ومفهوم الثواب والعقاب. واعتبر كل ما كتب في الأدبيات الإسلامية دون إظهار هذه الفرق ضرباً من العبث واللف والدوران.

خامساً: عدم الوقوع في التعضية

 التعضية هي قسمة ما لا يقسم، والتعضية في القرآن تعني أن الآية القرآنية قد تحمل فكرة متكاملة وحدها أو فقرة من موضوع كامل، وبعد الترتيل مثل آيات خلق الكون، ونظرية المعرفة الإنسانية فإن جمع كل مواضيعها يخرج الموضوع الكلي كاملاً.

سادساً: فهم أسرار مواقع النجوم

مواقع النجوم؛ هي الفواصل التي بين الآيات، هي من مفاتيح فهم القرآن وفهم آيات الكتاب كله، حيث جاءت مواقع النجوم بين آيات الكتاب كله وبالتالي كل آية تحمل فكرة متكاملة. وبهذه الطريقة يتضح المعنى ويزول العجب إذا فهمنا مبدأ الفكرة المتكاملة.

سادساً: قاعدة تقاطع المعلومات

و التي تقتضي انتفاء أي تناقض بين آيات الكتاب كله في التعليمات والتشريعات.


ويقدم شحرور فيما سبق تطبيق عملي لنظريته المعاصرة لعملية الاجتهاد في نصوص التنزيل الحكيم انطلاقاً من نسخ اجتهادات الإنسانية السابقة، وإعادة الاجتهاد فيه بروح معاصرة، بعيداً عن القراءة التراثية الأحادية، التي أوقفت التاريخ وصيرورته عند لحظة معينة، وجعلت من الثقافة الإسلامية هشة ضعيفة يستحيل صمودها أمام ثقافات الدول المتطورة الأخرى. وكمثال عن هذا نورد ما قدمه من رؤية للمرأة متكئاً على منهجه التأويلي :

 يرى شحرور أن الله ساوى بين الذكر والأنثى على المستوى الإنساني العاقل، وعلى المستوى البشري الفيزيولوجي، وخاطب المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات دون أفضلية لأحد الطرفين، وفي حين تم تكريس المرأة في الوعي الجمعي كمتاع وموضع شهوة، نرى التنزيل الحكيم يعبر بمنتهى الرقي عن العلاقة بين الرجل والمرأة،  فالزواج علاقة متبادلة من المودة والرحمة، وهو ميثاق غليظ تأخذه المرأة من الرجل أمام الله فلا ينقضه ولا يجمع بين زوجة وأخرى وإنما استبدال. والتعددية الزوجية التي تعتبر مأخذاً على الإسلام من قِبل مناهضيه لها شروطها، ولا تصح إلا بحالة الزواج من أرملة لديها أيتام، والهدف رعايتهم والقدرة على إعالتهم. وأما عن القوامة فهو يرى أن المجتمع الذكوري يأخذ بآية القوامة ويترك التأسي بالرسول، حيث كانت القوامة لزوجته خديجة، من حيث أفضليتها المادية.

وبما أن الزواج ميثاق غليظ، فإن فكه بيد الطرفين، وليس أحدهما فقط، وعبر التنزيل الحكيم عن ذلك بدقة، فإن أراد الرجل الطلاق فعليه التزام المعروف، وكما يحق للرجل يحق للمرأة، أما الاختراع المسمى (بيت الطاعة) فلا وجود له إلا في محاكمنا الشرعية. وما حدده الله للرجل والمرأة من لباس هو الحد الأدنى لما يجب تغطيته، ولم يفرض لباساً معيناً بشكلٍ أو لون. وما أمر به نساء النبي والمؤمنين المعاصرين له، هو لبس ما يكف الأذى عنهن، سواء الأذى الطبيعي أو الاجتماعي دون أن يترتب على ذلك ثواب أو عقاب. والإسلام في القرن السابع لم يحرر المرأة لكنه وضع حجر الأساس لذلك، تماشياً مع طبيعة المجتمع دون قفزات لا يمكن احتمالها، فأعطاها الحق السياسي منذ أول يوم للدعوة، وسمح للمرأة أن تقاتل وتهاجر وتناضل ولم يقل لها التزمي بيتك. فالنبي أقام دولته وفقاً لما يتناسب مع مجتمعه، فجرى اعتبار اجتهاداته ضمن تقييد الحلال وإطلاقه ديناً صالحاً لكل زمان ومكان. دون الأخذ بعين الاعتبار أنها اجتهادات ظرفية.

وينوه شحرور إلى أنه إذا كنا ندعو لدولة تحترم مواطنيها، علينا أولاً إعطاء المرأة حقوقها، ابتداءً من كونها مواطنة يحق لها ما يحق للرجل تماماً، ويجب عليها ما يجب عليه، انتهاءً بحقها في الحكم كمثيلاتها في العالم المتحضر.

رحل الشحرور مخلفاً إرثاً معرفياً غنياً ومن أهم مؤلفاته:

1-(الكتاب والقرآن- قراءة معاصرة)، عام 1990

2- (الدولة والمجتمع)، عام 1994

3- (الإسلام والإيمان- منظومة القيم)، عام 1996

4-(نحو أصول جديدة لفقه الإسلامي)، عام 2000

5-(تجفيف منابع الإرهاب)، عام 2008

6-(السنة الرسولية والسنة النبوية- رؤية جديدة)، عام 2012

وأجرى عدد من اللقاءات المتلفزة نذكر منها:

لقاء ضمن برنامج (روافد) على قناة العربية عام 2010

لقاء صمن برنامج (ضيف ومسيرة) على قناة فرانس24 عام 2016

برنامج (النبأ العظيم) على قناة روتانا خليجية عام 2017

برنامج (لعلهم يعقلون) على قناتي روتانا خليجية وأبو ظبي عام 2018

برنامج (التفكير والتغيير) وبرنامج (رؤية معاصرة) على مواقع التواصل الاجتماعي.

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”

صباح فخري.. مدرسةٌ غنائيةٌ شاملة ومسيرةٌ حافلة بالفن والإبداع  

صباح فخري.. مدرسةٌ غنائيةٌ شاملة ومسيرةٌ حافلة بالفن والإبداع  

 “مؤسس الطرب، صناجة الغناء العربي، أمير الطرب، العندليب، بلبل الشرق، عرَّاب الطرب السوري، كروان سورية، قلعة حلب الثانية، ملك الطرب الأصيل، زرياب حلب، أيقونة الطرب”. تلك بعضٌ من الألقاب الكثيرة التي لُقِّب بها الفنان السوري الكبير صباح فخري، الذي شَكَّل بفنه هويةً سوريةً جامعة لكل السوريين، على اختلاف ذائقتهم وثقافتهم وتوجهاتهم الفكرية، وكان من أكثر الشخصيات الفنية العربية تأثيراً في الجمهور العربي، ومن الفنانين القلائل الذي دخل صوته إلى بيوت أغلب الناس، فهو الحارس المُخلص لتراثهم الغنائي الأصيل، والذي أعاد إحياء كنوزه ونوادره وقدمه لهم بشكل معاصر، أغنى روحه وأصالته، مضيفاً لمساته الفنية البديعة، التي ساهمت في إيصاله إلى العالمية.

ولد صباح الدين أبو قوس (الاسم الحقيقي لصباح فخري) في مدينة حلب عام 1933 لأبوين مُنشدين، يُجيدان ويعشقان فنون الغناء الصوفي والطربي، فاعتاد، منذ طفولته المبكرة، حضور جلسات الإنشاد وتربى على سماع أنغام وإيقاعات الأناشيد الصوفية والأذكار والموشحات، التي حرَّضت عنده موهبة الغناء وساهمت في صقلها وتنميتها، فبدأ يغني في الموالد والأفراح والمآتم في العقد الأول من عمره، كما ساعدته إمكانيات صوته الشجي المطواع أن يعمل كمؤذِّنٍ في بعض الجوامع، كجامع الروضة، فكان أصغر مؤذنٍ يدخل جامعاً.  

وخلال دراسته الابتدائية تعلم أسس ومبادئ اللغة وعلم البيان والتجويد، وهو ما أكسبه مهارة فائقة في لفظ ونُطق الحروف، ساهمت في دعم موهبته الغنائية. كما برزت حينها موهبته الفريدة في الحفظ، حيث تمكن من حفظ القرآن الكريم وبعض دواوين كبار الشعراء، هذا إلى جانب الكثير من الأغاني والقدود والمواويل.

بدأ دراسته الموسيقية في المعهد العربي للموسيقى في حلب، حيث تتلمذ على يد كبار شيوخ الفن، كالشيخ عمر البطش وعلي الدرويش ومجدي العقيلي، فتعلم دراسة فن الموشحات والأدوار والقصائد الغنائية، والمقامات والإيقاعات العربية ورقص السماح، إلى جانب تعلمه الصولفيج الموسيقي والعزف على آلة العود. وخلال فترة دراسته في المعهد شارك في الكثير من الحفلات الغنائية وجلسات الإنشاد بصحبة شيوخ الطرب في الزوايا والتكايا، وقبل أن يبلغ الثالثة عشرة من عمره  وجد نفسه يُغني أمام رئيس الجمهورية شكري القوتلي، خلال حضوره لإحدى الحفلات في حلب عام  1946، فكان ذلك الحدث محطة مفصلية في حياته. ثم  جاء لقاؤه بعازف الكمان الشهير سامي الشوا ليُشكل منعطفاً هاماً في مسيرته الفنية، وذلك بعد أن أعجب الشوا بموهبته النادرة وطبيعة صوته الساحرة، فصار يصطحبه معه ليُغَني  في حفلاته الفنية في عددٍ من المدن السورية. وخلال زيارتهما لدمشق التقيا بالزعيم الوطني فخري البارودي، مؤسس المعهد الموسيقي الشرقي، الذي سعى من خلاله لإعادة الاعتبار للموسيقى العربية، فشكل ذلك اللقاء نقطة تحول في حياة الطفل صباح الدين أبو قوس، حيث كان حينها يُفكر بالسفر إلى مصر، برفقة الشوا، لاستكمال دراسته الموسيقية هناك، كحال معظم مطربي ذلك الزمن، لكن الزعيم البارودي، الذي تمسك بموهبة الطفل وآمن بقدراته الصوتية، أثناه عن تلك الفكرة وأقنعه بالبقاء في دمشق وإتمام دراسته الموسيقية الأكاديمية في المعهد، ثم تبناه فنياً، فخصص له مرتباً شهرياً خلال فترة دراسته، ودَعَمه ليقدم بعض الأعمال الغنائية في إذاعة دمشق، فازدادت شهرته وقدم أولى حفلاته في القصر الرئاسي في دمشق عام 1948، وقد حضرها الرئيس شكري القوتلي ورئيس الوزراء جميل مردم بيك. ومنذ ذلك الحين أصبح اسمه الفني صباح  فخري، نسبة إلى عرَّابه فخري البارودي الذي كان له بمثابة الأب الروحي.        

مدرسة غنائية متفردة وشاملة

خلال مسيرته الفنية لم يَحصر قدراته الصوتية في لونٍ غنائيٍ واحد، كحال كثير من الفنانين، بل اختار جميع الألوان والقوالب الغنائية العربية، كالموشح والدور والقد والقصيدة  والموال، وقد ساعدته عذوبة حنجرته وقدراته الصوتية الاستثنائية وبراعة نُطقه  لحروف اللغة العربية على غناء أصعب الأعمال وإضفاء قيمة جمالية كبيرة عليها، فقدم مدرسة غنائية متفردة وشاملة تناسب جميع الأذواق. ورغم اختلاف جذور أغانيه وتاريخها الزمني، وتنوعها بين الفصحى والعامية واللحن السلسل والمعقد، إلا أنها قُدمت بالحرفية الغنائية والروح  الطربية ذاتها،  فهو لم يكن يسعى لإطراب جمهوره وحسب بل كان يُطرب نفسه بنفسه، فينتقل، خلال وقوفه على المسرح، من غناء القد إلى الطقطوقة ثم الموشح فالدور والموال، في انتقالٍ سلسٍ، يُبقي الجمهور في جوٍ واحدٍ من التفاعل والنشوة.

ولم يكتف صباح فخري بتقديم التراث الحلبي أو السوري فقط، بل نَهل من كنوز التراث العربي الأصيل على اختلاف جذوره وتنوعه الجغرافي، فأعاد إحياء أهم وأجمل الأعمال الغنائية لعظماء الفن، وقدمها للناس بأفضل أداءٍ فنيٍ ممكن، فأغنى بها مكتبة الموسيقى العربية، وجعل كبار المطربين  يتهافتون على غنائها اقتداءً به. فإلى جانب القدود الحلبية  التي اشتهر بها وحَفظها جمهوره الواسع عن ظهر قلب، غنى فخري  أبرز موشحات رائد المسرح العربي وعبقري فن الموشحات أبو خليل القباني, ومن بينها: موشح يا غصن نقا ، يا من لعبت به شمول ، ما احتيالي ، كللي يا سحب  و ما لعيني أبصرت . هذا بالإضافة لبعض أغانيه الشهيرة كأغنية يا طيرة طيري يا حمامة  ، يا مال الشام  ، صيد العصاري ، يا مسعد الصبحية  وعالهيلا الهيلا .  

ومن أعمال كبير الوشاحين السوريين الشيخ الحلبي عمر البطش، غنى صباح فخري عيون الموشحات ومنها: موشح يمر عجباً ، في الروض أنا شفت الجميل ، قلت لما غاب عني ، هذي المنازل ، سُبحان من صورك ، قم يا نديمي ، مُنيتي من رُمتُ قربه ، يا ذا القوام ، و داعي الهوى . وإلى جانب ذلك غنى موشح أيها الساقي ،  لو كنت تدري  و أنت سلطان الملاح  للملحن الكبير مجدي العقلي، والعمل الغنائي التراثي الفريد فاصل إسق العطاش  للمؤلف محمد المنجبي الحلبي، والأغنية الطربية الشهيرة ابعتلي جواب  للملحن بكري الكردي، والتي أصبحت من أشهر وأجمل أيقونات الطرب العربي الأصيل.  

كما أضاء صباح فخري على أهم وأبرز مؤلفات كبار الملحنين المصريين، التي تعود لنهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث غنى من موشحات فنان الشعب سيد درويش: موشح يا شادي الألحان ، مُنيتي عَزَّ اصطباري ، صِحتُ وجداً ،  يا بهجة الروح ، زارني المحبوب ، حبي دعاني للوصال ، يا تُرى بعد البعاد ، نَبه النُدمان  و اجمعوا بالقرب شملي . وبالإضافة للموشحات غنى لدرويش أيضاً أغنية زوروني كل سنة مرة  ، طلعت يا محلى نورها ، و سيبوني يا ناس ، ودور  أنا عشقت  ودور ضيعت مستقبل حياتي ، الذي يُعد فخري أفضل من قدمه، بوضع لمساته الغنائية الساحرة، المتمثلة في تنويع طبقات الصوت، والتلوين في العُرَب الغنائية والتفريد في الآهات. وإلى جانب سيد درويش غنى فخري للملحن الكبير زكريا أحمد  دور إمتى الهوى ، ودور يا اللي تشكي من الهوى ، اللذان غنتهما أم كلثوم، فيما غنى للملحن الكبير محمد عثمان موشح ملا الكاسات  و أتاني زماني بما أرتضي ، ودور أصل الغرام نظرة  و ياما إنت وحشني يا قلبي

و قد ساهم فخري أيضاً في إحياء ونشر الكثير من الموشحات القديمة، التي يُنسب بعضها للفلكلور لعدم التأكد من صحة مؤلفها الأصلي، فأعاد توزيعها وغنائها بطريقته الخاصة التي أشبعتها غنى وجمالاً وساهمت في إيصالها إلى فئات كبيرة من الجمهور، ومن بينها: موشح أحن شوقاً ، جادك الغيث ،  بدت من الخدر ،  إملا لي الأقداح صِرفاً ، يا صاحِ الصبر ، حَيَّرَ الأفكار بدري ،  فيك كل ما أرى حَسن  ، أهوى قمراً ، غُضِّي جفونك يا عيون النرجس  و العناية صُدف .

ملحن عبقري

وإلى جانب براعته وعظمته في الغناء بَرَع صباح فخري في التلحين، فَلحَّن لنفسه أكثر من 25 عملاً، بين أغنية وموال وقصيدة، من كلمات كبار الشعراء. وقد تميزت ألحانه بطابعها الطربي الأصيل وتنوعها الغني والمُبتكر، الذي يُبرز روح وسحر المقامات الموسيقية العربية، وروعة الانتقال الذكي والرشيق بين مقامٍ وآخر، لذا تحول بعضها إلى مواد تعليمية ووسائل إيضاح لدارسي علم المقامات وفنون الأداء الصوتي في كثيرٍ من المعاهد، ليس السورية فحسب وإنما العربية، وقد زاد من عبقرية ألحانه أنه قدمها بأدائه الصوتي الرخيم، الذي يبقى محافظاً على بريقه ونقائه سواء غنى في أعلى الدرجات الموسيقية أو أدناها. ومن أبرز القصائد التي لحنها: قُل للمليحة  للشاعر الأموي مسكين الدرامي، نعم سرى طيف من أهوى  للشاعر العباسي البُصيري، حبيبي على الدنيا إذا غبت وحشةٌ  للشاعر الأيوبي بهاء الدين زهير، جاءت معذبتي  للشاعر والفيلسوف الأندلسي لسان الدين ابن الخطيب، أقبلت كالبدر  لأبي فراس الحمداني، يا من يرى أدمعي  لأحمد شوقي، انتهينا  لعبد العزيز خوجة،   أترع الكاس  لبدر الدين حامد، سمراء  لفؤاد اليازجي، و سلو فؤادي  لمحمد الهلالي.

وبالإضافة لتلك القصائد لحن وغنى الكثير من القصائد الفلكلورية الفصيحة والعامية، ومنها: بيضاء لا كدرٌ يشوب صفاءها ، يا حادي العيس ، أشوف جمال القمر ، من عيسهم ، يا لائمي بالهوى العُذري ،  يا سايقين النوق   و خمرة الحب  التي تعتبر من أشهر وأهم الأغاني الطربية الحديثة التي عشقها الجمهور العربي وغناها كبار المطربين.  

فنان متعدد   

وبالإضافة لمسيرته الغنائية الحافلة بالعطاء، بَرزت قدراته الفنية في التلفزيون والسينما، فوظَّف فنون الصوت والغناء في خدمة الأعمال التي شارك فيها، كالمسلسل التلفزيوني الوثائقي نغم الأمس الذي قدمه مع الفنان رفيق سبيعي والفنانة صباح الجزائري عام 1978، ووثَّق من خلاله نحو 160 عملاً غنائياً تراثياً، بين موشح وموال ودور وقد. كما شارك مع الفنانة وردة الجزائرية في مسلسل الوادي الكبير  عام 1974، وقدم فيه أكثر من عشرين عملاً غنائياً من ألحان كبار الملحنين السوريين، كمحمد محسن وعزيز غنام وعدنان أبو الشامات وأمين الخياط. هذا بالإضافة إلى السلسلة الوثائقية التلفزيونية الدينية أسماء الله الحسنى ، التي قدمها عام 1996 مع الفنانة منى واصف والفنانين عبد الرحمن آل رشي وزيناتي قدسية، والمسلسل الإذاعي “زرياب”، و فيلم الصعاليك الذي شارك فيه مع الفنان دريد لحام ونهاد قلعي ومريم فخر الدين عام 1965.

بعض إنجازاته الفنية

غنى صباح فخري على أكبر وأهم وأعرق مسارح الوطن العربي، وكان له الحضور البارز في أغلب مهرجانات الدول العربية وفعالياتها الثقافية، ومن بينها: مهرجانات بيت الدين وعنجر وعالية في لبنان، جرش وشبيب والفحيص في الأردن، قرطاج، سوسة، حلق الواد، الحمامات، صفاقس، والقيروان في تونس، ومهرجان الربيع في مدينة الموصل العراقية، وفاس في المغرب، والقرين في الكويت. هذا إلى جانب كونه من أكثر الفنانين العرب حضوراً على المسارح العالمية، خاصة في أوروبا وأمريكا، ومن أشهرها قاعة بيتهوفن في مدينة بون في ألمانيا، وقاعة نوبل للآداب في السويد، وقاعة قصر المؤتمرات ومعهد العالم العربي في باريس.

 وخلال مسيرته الفنية مُنح الكثير من الجوائز وشهادات التقدير العالمية. ومن أشهر إنجازاته دخول اسمه في كتاب موسوعة غينس للأرقام القياسية، بعد أن غنى لمدة عشر ساعات متواصلة، خلال إحدى حفلاته في العاصمة الفنزويلية كراكاس عام 1968، كما ورد اسمه في موسوعة مايكروسوفت “Encarta” بصفته واحداً من أهم رموز الغناء العربي الأصيل.

وفي أمريكا حصل على شهادة تقدير من محافظ مدينة لاس فيغاس مع مفتاح المدينة تقديراً لجهوده الفنية في إحياء وإغناء الحركة الفنية العربية، كما قُلد مفتاح مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان، ومفتاح مدينة ميامي في ولاية فلوريدا مع منحه شهادة تقديرية. فيما أقامت له جامعة كاليفورنيا حفل تكريم مُنح من خلاله شهادة تقدير لمساهمته في إحياء التراث العربي. وفي السويد حصل على شهادة تقدير في قاعة نوبل للآداب لإحيائه الطرب العربي الأصيل.

عربياً، قدمت له المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “”ALECSO الجائزة التقديرية مع درع المنظمة، ونال وسام تونس الثقافي، الذي قلده إياه رئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة عام 1975. وفي عُمان قلده السلطان قابوس وسام التكريم في عام 2000، كما منحته دولة الإمارات العربية جائزة الغناء العربي باعتباره أحد أهم رواد الغناء العربي الأصيل.

وفي مصر كرمته وزارة السياحة بجائزة مهرجان القاهرة الدولي للأغنية، تقديراً لجهوده الفنية، كما كرمه مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية ومُنح أكثر من كتاب شكرٍ لمساهمته، عبر سنوات، في إحياء أهم المهرجانات في مسرحي دار الأوبرا والجمهورية في القاهرة، ومسرح قصر المؤتمرات في الإسكندرية. وإلى جانب ذلك أقيمت له عام 1997 جمعية فنية حملت اسمه، وضمت محبيه ومريديه، فكانت أول جمعية رسمية تقام لفنان غير مصري.

 وخلال مشاركته في مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة في المغرب، قدم له رئيس جمعية فاس سايس وهي عضو في المنظمة العالمية لرسل السلام، التابعة لهيئة الأمم المتحدة شهادة تقدير وشكر، ومَنحه العضوية الفخرية لمجلس إدارة المهرجان، كما مَنحه محافظ المدينة شهادة شكرٍ وتقدير، مع العضوية الفخرية لمجلس المدينة وقلده مفتاح المدينة. 

توفي صباح فخري في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2021، عن عمر ناهز 88 عاماً، أمضاه محافظاً على قيم الفن الأصيل في زمن انتشار معايير الفن الاستهلاكي والرديء. وبقي طيلة حياته، وبعد وفاته، مرجعاً وقدوة وأمثولة لكثير من الفنانين الذين صاروا من مُريديه، ومازالوا يجاهدون ويسعون  إلى تقليده والتأثر به، بوصفه مدرسة فنية خالدة، فهو الذي قال عنه الموسيقار عبد الوهاب عندما التقاه لأول مرة :”مثلك بلغ القمة ولا يوجد ما أعطيك إياه”. 

*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ”