تأثير الحرب على التعليم الحكومي

تأثير الحرب على التعليم الحكومي

حرمت الحرب نحو ثلاثة ملايين طفل سوري من التعليم، من بينهم ٨٠٠ ألف لاجئ في دول الجوار، وفقاً لليونسيف، فيما قُدرت أضرار قطاع التربية بأكثر من ٢٥٠ مليار ليرة سورية، من ضمنها ٧٤٠٠ مدرسة دُمرت أو خرجت عن الخدمة، وخلال سنوات الحرب استخدمت نحو ١٩٠٠ مدرسة كمراكز لإيواء الأسر النازحة، فيما تحول بعضها إلى مقرات عسكرية للاستخدامات الحربية.

وأدى نزوح مئات الآلاف من الطلاب إلى بعض المحافظات لتحميل مدارسها أعداداً تفوق طاقتها الاستيعابية، فباتت بعض الصفوف المجهزة لاستيعاب ٢٥ طالباً تستقبل نحو أربعين أو خمسين.

كما أجبرت ظروف النزوح وتدهور الوضع الاقتصادي، آلاف الطلاب على العمل والتسول خلال مراحل الدراسة، ليتمكنوا من متابعة تعليمهم وإعالة عوائلهم المعدمة، مما أدى إلى تراجع مستواهم العلمي والمعرفي، ليصبحوا عرضة للرسوب المتكرر.

معاناة أخرى طالت أطفال المناطق التي سيطرت عليها بعض الفصائل المسلحة المتشددة، حيث تلقوا في مدارسها مناهج تعليمية غير رسمية، ذات صبغة دينية في الغالب، مما جعلهم يخسرون عدة سنوات دراسية عندما عادوا إلى المدارس الحكومية، فالأخيرة لم تعترف بالتعليم الذي تلقوه خارجها، وأعادت أغلبهم إلى صفوف سابقة وأحياناً إلى الصف الأول.

وعن طريقة التعامل مع الطلاب المنقطعين عن المناهج الحكومية يقول موجه تربوي من مدرسة ابتدائية في ريف دمشق، فضل عدم ذكر اسمه، “أُخضع الطلاب النازحين من المناطق الساخنة إلى امتحان تحديد المستوى، عبر سبر معلوماتهم، ووضعوا على إثره في الصفوف المناسبة، وينطبق الأمر على طلاب المناطق التي عاد إليها التعليم الحكومي بعد رحيله عنها لسنوات، كالغوطة الشرقية وجنوب دمشق”. ويضيف الموجه التربوي “في مدرستنا أكثر من خمسين طالباً نازحاً في عمر الدراسة الإعدادية، يجلسون في مقاعد الصف الخامس والسادس، بينما اكتظت شعب الصف الأول خلال السنوات السابقة بالمئات ممن تراوحت أعمارهم بين الثامنة والعاشرة وأكبر من ذلك، وقد تأخر دخول بعضهم إلى المدرسة نتيجة ضياع وتلف أوراقهم الثبوتية جراء ظروف الحرب”.

خسائر في الكوادر التعليمية

خسر قطاع التعليم الحكومي خلال السنوات الماضية عشرات آلاف المعلمين، وأقرت نقابة المعلمين باستقالة نحو سبعين ألف معلم نتيجة ظروف الحرب المختلفة، فيما سافر الآلاف بطرقٍ غير نظامية تجنباً للموت والملاحقة الأمنية أو بحثاً عن مستقبلٍ أفضل. وبدأت الحكومة مع نهاية العام ٢٠١١ مسلسل فَصل المعلمين من وظائفهم لأسباب سياسية أو لرفضهم الالتحاق بالخدمة الاحتياطية، وقد امتنع أغلب المطلوبين للخدمة عن الذهاب لمدارسهم خوفاً من الإيقاع بهم.

وحتى اليوم تتوالى قرارت الفصل بحقهم، و آخرها صدر في آب/أغسطس ٢٠١٨، وقد شمل الفصل أكثر من مئتي معلم ومعلمة، منهم ٧١ من محافظة السويداء. وكانت السويداء خسرت سابقاً نحو١٥٠ معلماً نتيجة قرارت مماثلة، وفق تقديرات مدرس اللغة العربية حسام الذي كان واحداً منهم.

يقول حسام عن تلك القرارات: “استبدل الكادر التدريسي القديم الذي يمتاز بخبراتٍ مشهود بها و بقدرات علمية وتعليمية بارزة، ليعيَّن بدلاً عنهم مدرسون هواة يفتقرون إلى أدنى الخبرات ويعاني معظمهم من صعوبة فهم المناهج الجديدة، فبعضهم لم يتلق تعليماً عالياَ أو لايزال طالباً جامعياً، دفع هذا بعض الطلاب إلى اللحاق بمدرسيهم المفصولين إلى بيوتهم لتلقي دروس خاصة، كحال طلابي”.

يُذكر أن طلاباً من مدارس السويداء نفذوا اعتصاماً أمام مديرية التربية، قبل نحو عامين، احتجاجاً على قرارات الفصل، حاملين لافتات تطالب بحقهم في التعليم وبإعادة المدرسين المفصولين إلى عملهم.

الواقع الاقتصادي للمعلمين يضّر بطلابهم

يضطر العديد من المدرسين العاملين في المدارس الحكومية لإيجاد عمل ثان ليؤمنوا فيه تكاليف الحياة الباهظة، فدخلهم لا يتجاوز الأربعين ألف ليرة سورية لا يكاد يكفي لدفع إيجاد منزل أو مصروف عائلة صغيرة.

مدرس الرياضيات سعيد، اضطر لفتح دكانٍ صغير ليعينه على تأمين لقمة العيش، يقول سعيد “نسيت أنني معلم، فأنا أمكث في دكاني، وسط الحسابات ودفاتر الديون ومجادلة الزبائن، أكثر مما أمكث في المدرسة أو حتى في البيت. كان راتبي كمدرس قبل الحرب ١٣  ألفا (٢٥٠ دولاراً)، بينما أتقاضى اليوم أقل من ٨٠ دولاراً”. وعن تأثير عمله كسمان على عمله كمدرس يضيف سعيد “بالتأكيد أثَّر على عملي كمدرس، وألحق ضرراً بالطلاب، فخلال تقديمي للدروس تطل صور الخضار والمعلبات والأسعار إلى ذهني، فتشوِّش على المعلومات التي أقدمها وأشعر بأن طاقتي معدمة وتفكيري وتركيزي مشتتان”.

وحال سعيد أفضل من زميله رأفت، مدرس علم الأحياء، الذي يعمل سائقاً لسيارة أجرة في دمشق طيلة فترة المساء، وعن ذلك يقول “دخلي كمعلم لا يكفيني لدفع إيجار منزلي، وبالمقابل تقدم لي التاكسي أكثر من ضعفي ذلك الدخل، فالتعليم بات أسوء مهنة يمكن مزاولتها”. ويضيف رأفت “طوال الحصص الدراسية أشعر بالنعاس والتعب، أعترف بأنني لا أنصف طلابي، ولكن كيف أنصفهم ولا أحد ينصفني؟ كيف لسائقٍ يعاني طوال النهار من التلوث السمعي والبصري والنفسي أن يكون مربياً للأجيال؟ هل أحضِّر دروسي وأنا أقود السيارة وأجادل الركاب على تعرفة النقل؟”

مناهج تقليدية وطرق تدريس عقيمة

استمر التعليم الحكومي على نهجه التقليدي من حيث المعلومات وطريقة نقلها للطالب بالرغم من التحديثات التي دخلت مناهجه في السنوات الأخيرة، ، كما لم يخضع كثير من المعلمين إلى أية دورات تأهيلية لتطوير أدواتهم ومهاراتهم التعليمية.

عن تلك المناهج تتحدث السيدة روعة، نائبة مدير مدرسة في دمشق: “تغير الشكل الخارجي للمناهج وطريقة إخراجها، لكن محتوى معظمها لم يأت بجديدٍ يواكب العصر الحديث بعلومه وثقافاته المتطورة، فهي تكتظ بمعلوماتٍ كثيفةٍ وجافة لا تفيد ولا تغني، تعتمد على الكم لا النوع، لتجعل الطالب يعيش حالة تناقضٍ وفصام، فهل يعقل في عصرنا هذا أن يدرس مادة التربية الوطنية القومية، والتربية الإسلامية ومواد أخرى مشابهة؟”

وعن الطرائق التدريسية المتبعة تضيف روعة “حتى اليوم تعتمد بمعظمها على الحفظ والتلقين، فلكي ينجح الطالب في الامتحان على دماغه أن يكون آلة تسجيل ليس إلا، يخزّن فيه جميع المعلومات الواردة في منهاجه الدراسي، بغض النظر عن فهمها واستيعابها، وبمجرد خروجه من الامتحان سينساها على الفور، فهو ضحية المنظومة التعليمية التي تخرج منها معلمه”. وترى روعة أن هذه الطرق “لا تحفز عقل الطالب ولا تطور قدراته العلمية والفكرية والإبداعية، كونها لا تطبق الأساليب التفاعلية التي تنمي مهاراته، وتشركه في المناقشة والتحليل واكتشاف المعلومة أو البحث عنها “.  

و نتيجة لواقع العملية التعليمية نجد اليوم طلاباً تجاوزوا المرحلة الابتدائية لا يجيدون القراءة أو الكتابة بشكل جيد، ويعجزون عن حل مسائل حسابية بسيطة، فيما نجد تدنياً كبيراً في مستوى اللغات الأجنبية عند أغلبهم، ما يضطرهم فيما بعد لتعلمها من جديد عبر المعاهد الخاصة.

بالنظر إلى الظروف السابقة بات من الصعب على معظم الطلاب النجاح دون الاستعانة بالمدرسين الخصوصيين أو بالمدارس والمعاهد الخاصة، التي انتشرت بكثرة في السنوات الماضية، خاصة المعاهد التي تقدم دورات متابعة وتقوية لجميع المواد، وهو واقع جعل معايير النجاح والتفوق حكراً على الأثرياء فقط.

واقع التعليم في الجزيرة

واقع التعليم في الجزيرة

تعرضت كناز، ٢٩ عاماً، للاستجواب والمضايقات الأمنية التي استمرت لثلاثة أشهر من قبل المخابرات السورية في دمشق، إثر تقرير أمني بامتلاكها كتب كردية لتعليم اللغة، وكادت هذه التهمة أن تؤدي لفصلها من الجامعة وحرمانها من إكمال تعليمها العالي. كانت كناز آنذاك طالبة جامعية في سنتها الأولى تدرس الأدب الإنجليزي بجامعة دمشق، ولأن لغتها الأم محظورة كانت مضطرة لدراستها سراً.

تروي كناز: “اكتفت المخابرات بفصلي من المدينة الجامعية، وهددوني إذا ورد تقرير ثاني بنفس السياق سيتم فصلي نهائياً”، اليوم بعد عشرة أعوام من هذه الحادثة تعمل كناز مدرّسة للغة الكردية في مدرسة صقر قريش بمدينة القامشلي، فهي تدرس طلاب المرحلة الأساسية بلغتهم الكردية الأم. ويمتد دوام كناز من الساعة ٨ صباحاً حتى ١ ظهراً، عدا أيام الجمعة والسبت والتي حددتها الإدارة الذاتية الكردية عطلة رسمية في جميع المدارس والدوائر التابعة لها.

تقول عن هذا “شعوري لا يوصف! أن أدرس الكردية للتلاميذ وأعلمهم لغتنا الأم، التي كنا محرومين منها طوال حياتنا وكان حلماً صعباً، لكنه اليوم قد تحقق أخيراً”. مشيرة لقلة الكوادر والمختصين نتيجة عقود “القهر والكبت الثقافي، التي مارستها الأنظمة المتعاقبة وحزب البعث الحاكم” بحسب تعبيرها.

حُرم أكراد سوريا على مدى عقود طويلة من القراءة والكتابة بلغتهم الأم وبلغت سياساته العنصرية ذروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ عندما منع قرار أصدره وزير الإدارة المحلية في النظام السوري الأكراد السوريين من التحدث باللغة الكردية في المدارس والدوائر الحكومية.

ومنح انسحاب قوات النظام من أنحاء كثيرة من سوريا بداية العام ٢٠١٤، الأكراد فرصة لتشكيل إدارات ذاتية في ثلاث مناطق يشكلون فيها غالبية سكانية، وهي إقليم الجزيرة في محافظة الحسكة وإقليم كوباني (عين العرب) التابعة لريف حلب الشرقي، وإقليم عفرين ويقع في ريف حلب الشمالي، هذا قبل أن يسيطر عليها الجيش التركي بالتعاون مع فصائل سورية موالية له، وذلك منتصف مارس/آذار من العام الجاري.

وفرضت الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة -وتضم مدينتي الحسكة والقامشلي وبلداتها وريفها- تدريس المنهاج الكردي إلى جانب المناهج العربية والسريانية في جميع المدارس والمجمعات التربوية في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية العربية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

ومنعت الإدارة الذاتية أيضاً تدريس المنهاج الحكومي وتوزيع الكتاب الرسمي في المدارس الخاضعة لنفوذها، ومنذ ربيع ٢٠١٤ تقوم لجنة تتبع لها بتأليف منهاج دراسي جديد لمكونات الإقليم يشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية إلى جانب العاشر الثانوي، وطبعت لهذا الغرض نحو ٢٢٥ طناً من الكتب المدرسية، تم توزيعها على التلاميذ هذا العام.

افتتحت هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة خلال العام الدراسي الجديد ٢٠١٨/ ٢٠١٩ قرابة ٢٤٠٠ مدرسة لاستقبال الطلاب، وتقول رئيسة اللجنة سميرة الحاج علي  لصالون سورية إن المدارس “تبدأ من مرحلة رياض الأطفال، والتعليم الأساسي من الصف الأول للسادس الابتدائي،إلى جانب مرحلة التعليم الإعدادي من السابع للصف التاسع، وهذا العام قمنا بضم الصف العاشر الثانوي لمنهاجنا.”

وأشارت إلى أن “الصف العاشر سيدرسون بذات المدارس الحكومية، وما تبقى صفوف الحادي والثاني عشر الثانوي، سيكملون تعليمهم وفق المنهاج الحكومي، كونهم درسوه منذ البداية، وحرصاً منا لإكمال تعليمهم العالي.”

وتم فصل العملية التربوية في مناطق الإدارة الذاتية عن وزارة التربية والتعليم في حكومة النظام، بحسب الحاج علي، وبالتالي فإن الشهادة الصادرة من الإدارة غير معترف بها من قبل دائرة الامتحانات السورية. عن الحل لهذه المشكلة تقول الحاج علي: “نعمل على ربط حلقات التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية بالمرحلة الجامعية والمعاهد المتوسطة ضمن مناطقنا، حالياً لدينا جامعتان في الجزيرة، وجامعة ثالثة في كوباني، إضافةً لمعاهد متوسطة تشمل معظم التخصصات.”

وعن التعاون المحتمل مع الحكومة السورية بالمجال التعليمي كشفت رئيسة لجنة التربية والتربية والتعليم بأن الاجتماع الذي عقده ممثلون من مجلس سورية الديمقراطية مع النظام السوري في شهر يوليو/تموز الماضي لم يتطرق الى عملية التربية والتعليم أو المنهاج المدرس في شرق الفرات، وشددت قائلة: “أي اتفاق مستقبلي يجب أن يعترف بالمناهج والخطة الدراسية التي نعمل عليها، وعلى الحكومة أن تصادق على الجامعات التي افتتحت في مدينتي القامشلي وكوباني والمعاهد المتوسطة التابعة للإدارة.”

وعن أبرز التحديات والمصاعب التي تواجه العملية التربوية خلال الأعوام الماضية، لفتت الحاج علي: “كان هناك نقص في المقاعد الدراسية العام الماضي وهذا العام، حتى أن قسماً من الطلاب أجبروا على الجلوس على الأرض، كما واجهتنا مشكلة طباعة الكتاب المدرسي، لكن هذه السنة تجاوزنا أغلب المشاكل.”

ويرتاد نحو ربع مليون طالب وطالبة مدارس الإدارة الذاتية، وبلغ عدد الكادر التدريسي للعام الدراسي الجاري قرابة ٢٥ ألف مدرس ومدرسة، خضعوا لدروس ودورات تعليمية في أكاديمية تأهيل الكوادر الدراسية التابعة للإدارة وتشمل جميع المراحل التعليمية. وبلغ عدد طلاب مدرسة صقر قريش لهذا العام نحو ألف تلميذ، يدرس نصفهم في الفوج الصباحي، والنصف الآخر في المسائي.

لورين (١١ سنة) تدرس في الصف الخامس الابتدائي، وقد باشرت دوامها بشكل رسمي منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، بابتسامة عريضة تقول “أنا سعيدة لأنني أدرس لغتي الأم، في البيت أبي وأمي يتحدثون الكردية، ونحن هنا نتعلم الدروس بالكردية، أنا سعيدة للغاية.”

إلا أن معلمة لورين وتدعى هولير (٢٧ سنة) لم تخفِ تدني مستوى اللغة عند الأهالي؛ الأمر الذي دفع الكادر التدريسي والهيئة الإدارية إلى استخدام أدوات ووسائل حديثة لتعليمها للطلاب، وتشرح: “يأتي التلميذ للمدرسة ونعلمه كل شيء، كون والديه لا يجيدان الكتابة والقراءة بالكردية بشكل سليم، نضطر إلى إعادة ومراجعة اللغة بشكل دوري حتى يتعلموا كل شيء لخلق جيل جديد.”

وأثارت خطوة الإدارة الذاتية في تطبيق المنهاج الكردي انتقادات وجدلاً واسعاً، وقد رفض ريزان (٤٢ سنة) وينحدر من مدينة القامشلي إرسال ابنه الناجح للصف التاسع الإعدادي إلى مدارس الإدارة، ويعزو السبب الى: “لا أريد أن يكون مستقبل ابني مجهولا، فالشهادة غير معترف بها، والكادر التدريسي غير مؤهل.” بدلاً من ذلك يرسل ريزان أبناءه الى مدرسة حكومية داخل سيطرة القوات الحكومية، إذ يحتفظ النظام السوري بمربع أمني في مدينتي الحسكة والقامشلي تدرس المنهاج الحكومي.

فهو يرى أن تعلم  الكردية دون اعتراف دولي بها ليس له قيمة، ويقول : “لكردية غير معترف بها بالجامعات السورية، ولا في أي دولة ثانية، أخشى أن هذا الجيل الذي أجبر على ارتياد المدارس الكردية قد دمر مستقبله وحُرم من إكمال تعليمه العالي.”

و يستخدم أكراد سوريا الأحرف اللاتينية في الكتابة والقراءة، إذ تندرج اللغة الكردية ضمن مجموعة اللغات الهندو- أوروبية، ووضع قواعدها الأمير الكردي جلادت بدرخان المنحدر من جنوب تركيا، ونشر كتابه “الأبجدية الكُردية وأسس القواعد الكُردمانجية” الذي صدر سنة ١٩٣٢ بدمشق، ولا يزال يعد من أمهات الكتب والمراجع الكردية.

انتقادات وتحذير من الأدلجة

تتبع “مؤسسة تأليف المناهج” لهيئة التربية والتعليم لدى الإدارة الذاتية، وهي مركزية على مستوى المدن والبلدات الخاضعة لـقوات سورية الديمقراطية، ويتم تدريس المنهاج المقرر بثلاث لغات وهي اللغات الرسمية لدى الإدارة: “الكردية والعربية والسريانية”، فالطالب يدرس لغته الأم، وطالب العربية يدرس مادة لغة كردية ومادة ثانية سريانية، ومثله الطالب الكردي والسرياني يتعلم لغة المكون الآخر.

والكتاب المدرسي موحد في جميع المدارس الخاضعة لنفوذها، و قالت إدارة مؤسسة المناهج في رد خطي لموقع صالون سورية: “تضم المؤسسة ثلاث لجان كردية وعربية وسريانية وهي المكونات الرئيسية لشعوب الإدارة، يتم تأليف الكتب وفق مفهوم التعايش وتقبل الآخر وترسيخ القيم.”

وذكرت المؤسسة بأنهم ألفوا مناهج خاصة للمرحلة الثانوية بفرعيها الأدبي والعلمي، “لكن الخطة لتدريس هذا المنهاج اقتصرت على الصف العاشر الثانوي، وهي في طور تصحيح الأخطاء للمكونين العربي والكردي، أما المكون السرياني فقد شرع هذا العام بتأليف المرحلة الثانوية.”

من جهة أخرى نشر الكاتب واللغوي إبراهيم خليل كراساً نقدياً عرض فيه جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية التي وردت في الكتب المدرسية لدورة العام ٢٠١٥-٢٠١٦، وعن هذا الكراس قال لصالون سورية: “ركزت فيه على ضرورة إزالة الإشارات الإيديولوجية الحزبية التي لا تتناسب مع التعليم المدرسي العام، وأعتقد أنه كان حرياً بالقائمين على العملية التربوية الحفاظ على تدريس مادة واحدة باللغة الكردية في جميع الصفوف والمراحل، ومحاولة انتزاع اعتراف رسمي من وزارة التربية السورية، ومنح المادة علامة مخصصة في الجلاء المدرسي.”

وقدم العديد من الأهالي شكاوى لوجود أخطاء لغوية ونحوية في المناهج الدراسية، اعترفت بها إدارة مؤسسة المناهج وردت: “نحترم ملاحظات الأهالي ونأخذها على محمل الجد، نعم نعترف بوجود أخطاء في المنهاج ونجتهد لتلافيها، ولكن علينا ألا ننسى بأن الظروف التي يتم التأليف فيها صعبة والفترة الزمنية قصيرة.”

كما انتقد أكاديميون ومختصون تربويون “أدلجة” مناهج الإدارة الذاتية وانحيازها لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” ،وهو أحد أبرز الأحزاب المهيمنة على الإدارة الكردية، وبخاصة فيما يتعلق بنشر صور زعيمه الروحي عبد الله أوجلان، ومقاتلين يظهرون باللباس العسكري الموالي للحزب.

ويرى الدكتور فريد سعدون أنّ هذه الإدارة تغامر بمستقبل الطلاب، وقال “إن مسؤولي الإدارة لم يقدموا أية ضمانات لتحصيل الطلاب تعليمهم العالي أو ضمانات قانونية للاعتراف بشهادتهم، وبذلك تخلق مشكلة تهدد المجتمع بأكمله، كما أننا لا نعلم من هي الجهة التي تضع هذه المناهج، ولا الجهة التي تشرف عليها.”

وفي ردها على وجود الاشارات الأيديولوجية وصور مقاتلين عسكريين، تضيف المؤسسة في ردها: “نعم هناك صور ذات مدلول فكري معين لم تأت بشكل متعمد أو ترويج لفكر بعينه، سنعيد ترتيب المنهاج وتصويبه وحذف كل دلالة تشير لهذا الفكر أو ذاك، غايتنا العلم والعلم فقط.”

لكن الدكتور فريد سعدون وفي ختام حديثه شدد بأن: “سلطة الإدارة الذاتية هي سلطة أمر واقع مؤقتة وغير معترف بها سورياً أو دولياً”، منوهاً: “إذا تغيرت موازين القوى على الأرض فإن جميع هؤلاء الطلاب الذين التحقوا بمدارس الإدارة سيفقدون مستقبلهم التعليمي.”

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

واقع التعليم في سوريا مُزْرٍ ومأساوي، فقد دُمرت البنية التحتية للتعليم وشُرِّد الطلاب أو تسربوا، وهاجر من هاجر وبقيت آلاف المدارس المدمرة والتي لم تُرمَّم بعد شاهداً على حجم المأساة التي حلت بالتعليم.

فرض تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نصوصه المدرسية وأخضع المدرسين لدورات تدريبية حين كان يحتل الرقة، وفرضت تركيا لغتها في مناطق درع الفرات، في خطوة اعتبرها البعض تمهيداً للتتريك والضم فيما اعتبرها البعض الآخر حلاً أنعش التعليم.

كما أُدخلت اللغة الروسية في التعليم في المناطق الحكومية وصارت الكردية لغة المناهج في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. ورأى البعض في هذا رسائل سياسية واضحة تعكس الواقع القائم في سوريا. وفي جنوب سوريا، توصل الأهالي إلى حلول تتماشى مع الواقع المرير فيما انتقل الميسورون إلى مناطق أخرى من أجل أولادهم.

وكي نلقي الضوء على التعليم وما حدث له نتيجة للحرب المدمرة التي دارت رحاها في سوريا، قمنا في صالون سوريا بإعداد طاولة مستديرة حول واقع التعليم في جميع المناطق السورية، كي نقدم صورة عن واقع التعليم والحلول التي لجأ إليها السوريون والسياسات التي تتحكم بالعملية التعليمية وكل ما يتعلق بهذا الموضوع.

كما يدعو صالون سوريا الكتاب والباحثين والصحفيين السوريين إلى المساهمة في مناقشة هذا الموضوع وطرح التصورات والآراء حول كيفية النهوض بالتعليم في ظل الواقع المتردي الناجم عن الحرب، وأن يدلوا برأيهم في ما يجب فعله في هذا المفصل التاريخي الخطير في تاريخ سوريا الحديث من أجل إنقاذ التعليم والذي يعني إنقاذ المجتمع السوري من السقوط في هاوية التخلف والجهل.

سينشر صالون سوريا المساهمات التي تصله تباعاً ويقوم بتفعيل الروابط.

التعليم في مدينة الرقة السورية بعد طرد داعش منها
كمال شيخو

الحياة تعود لمدارس درع الفرات بعد جمودها لسنوات
هادية المنصور

واقع التعليم في الجزيرة السورية
كمال شيخو

التعليم مازال في غيبوبة في الجنوب السوري
رياض الزين

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية
حمد المحاميد

تدهور قطاع التعليم في مخيمات الشمال السوري
سونيا العلي

تأثير الحرب على التعليم الحكومي
عامر فياض