كيف يستحم أهل دمشق؟

كيف يستحم أهل دمشق؟

بالكاد خرجت من فمه عبارة “مسا الخير”، بينما كانت الابتسامة هاربة من وجهه. هكذا كان حال “أحمد” عندما أتى الى لقاء أصدقاء له في مقهى شعبي على أطراف دمشق، رغم أنه معروف بطبعه المرح ونكاته الظريف.
الوجوم الطاغي على وجه الطالب الجامعي، أثار الفضول لدى أصدقائه لمعرفة ما به، وما الذي قلب حاله، إذ بادروا بعد جلوسه على الكرسي مباشرة إلى توجيه الأسئلة إليه لمعرفة ما به ومنها: “شبك يا رجل؟، حدا معكر مزاجك؟، حدا زعجك ؟ رحلك شي؟، حدا من العيلة صرلوا شي؟، بدك شي؟، روّق يا زلمة. انسى، صحتك بالدنيا”.
صمت الشاب وعدم رده على الأسئلة، أثار فضول أصدقائه أكثر لمعرفة ما به، ومع إلحاحهم عليه، رد “أحمد” بالقول، “الحياة صارت كتير زفت. كتير مقرفة. يا جماعة حتى الحمّام (الاستحمام) صار بالزور. صار حلما”، ويضيف: “مي مافي، وإذ جبت مي مافي كهربا ولا مازوت ولا كاز ولا غاز، وشلون الواحد بدو يتحمّم”، ويتابع: “يا جماعة صرّلي تلت (ثلاثة) أسابيع بلا حمّام. ريحتي طلعة وصرت استحي من الناس”.
أحد الجالسين على الطاولة، بادر للتخفيف عنه بالقول، “روّق يا زلمة. كلو متلك. صحتك بالدنيا (…) بدك تنسى الحمّام صار رفاهية ممنوعة علينا. نيالك يلي عم تلحق تشرب مي، نحنا مية الشرب مو لحقانيين، وبمية يا ويلاه عم نعبّي كم قنينة”.

قائمة طويلة
“الاستحمام” الذي يبدو أنه أُضيف إلى قائمة أساسيات كثيرة خرجت من استهلاك وعادات الدمشقيين، ومنها “الإنارة الجيدة، وكأس ماء بارد في لهيب الصيف، والشعور بالدفئ في شتاء برده ينخر العظام، وطبخة محترمة، وملئ بطونهم بالطعام، ومشاهدة حلقة من مسلسل تلفزيوني، وكوي بنطال أو قميص، وركوب تكسي ووو”. وتشير تصريحات الحكومة إلى أنها كانت تحسدهم عليها وتمنّ عليهم بها على اعتبار أنها “رفاهيات”، سبب خروجه الرئيسي هو حصول أزمة حادة في توفير المياه للمنازل عبر الشبكة الحكومية، وزياد طين معاناة الأهالي بلة، بسبب انقطاع التيار الكهربائي في معظم أحياء المدينة لفترة طويلة تصل ما بين 6 – 10 ساعات (حسب تصنيف الحي وطبيعة سكانه)، ووصله لساعة يتخللها عدة فترات انقطاع، تمتد كل واحدة ما بين 5 – 10 دقائق، وذلك في بلد كانت المياه فيه قبل عام 2011 تصل إلى المنازل على مدار اليوم ، وتلبية الطلب على الكهرباء فيه عند مستوى 97 في المائة، لتنخفض حاليا إلى مستويات غير مسبوقة وتصل إلى نحو 15 في المائة، بحسب خبراء.
الحكومة التي دأبت على تحميل العقوبات الغربية مسؤولية أزمات توفر مقومات العيش الأساسية للمواطن الذي صارت حياته كلها أزمات “خبز، بنزين، مازوت، كهرباء، غاز منزلي، مياه، دواء، مواصلات، متابعة الدراسة، ثلج وووو”، أعلنت منذ فترة بعيدة عن برنامج تقنين للمياه في دمشق وريفها، بحيث تضخها إلى المنازل في أحياء العاصمة بشكل يومي لمدة أربع ساعات تختلف فترتها من حي لأخر، على حين يتحدث سكان من ريف دمشق بأن المياه لا تصل إلى منازلهم إلا يوم واحد أو يومين في الأسبوع ولمدة ساعتين أو ثلاثة، وتحل الطامة الكبرى على الأهالي إن كانت الكهرباء التي لا يرونها إلا ساعة واحدة كل يومين أو ثلاثة مقطوعة في فترة ضخ المياه.

شكوى بحرقة
“أم سمير” ربة منزل ولديها بنت وطفلان، تشكو بحرقة من عدم وصول المياه إلى منزلها في الطابق الثالث من البناء الذي تسكن فيه بأحد أحياء دمشق الجنوبية، وتقول بحسرة لـ”صالون سوريا”: “احيانا بتجي الكهربا نص ساعة لما بيكون دورنا بالمي، و(حينها) الجيران بتتسابق على تشغيل الميتورات (مضخات المياه)، لتعبئة الخزانات ونحنا بنشغل الميتور بس ما بتطلع المي لعنا لأنو ضعيفة، ومنروح نترجى هاد الجار وهادك الجار لنعبي من عندون كم بيدون للشرب والطبخ ودورة المياه”.
“المصيبة أنو مع قلة الحمام صارت الأولاد تهرش بحالها، وتحك برأسها وتنق بدها تتحمم” على حد تعبير ربة المنزل التي تضيف، “ما عندي قدرة أعبي كل يوم من الصهاريج (500 ليتر بـ5 آلاف ليرة)، وكل أسبوع أو أسبوعين ببعت واحد على بيت عمو وواحد على خالتو أسمو ساكنين بالأرضي بتجي المي عندون والكهربا أحسن شوي من عنا، وبتحمموا على الماشي، وأنا بدبر راسي كمان عند خواتي”.
الحال عند “فريدة” وهي أم لأربعة أطفال، وتعيش في حي يقع غرب العاصمة، أفضل نوعا ما، ذلك أنها تقطن في الطابق الأرضي وتتمكن “بطلوع الروح” في فترة ضخ المياه من الشبكة الرئيسية إلى المنازل من تعبئة حوالي نصف الخزان، لكنها تشكو لـ”صالون سوريا” من عدم تمكن أفراد العائلة من الاستحمام في يوم واحد وتقول، “مازوت ما عنا لنحمي الحمّام، وبنص ساعة كهربا ما بتلحق المي تسخن ودوبا تفتر فتور، وبحمّم كل يوم واحد بسطل مي، والله وكيلك طول (فترة) الحمّام الولد يصيح من البرد، وبس بدو يخلّص ويروح يلف حالوا بحرام. يعني الواحد شو بدو يعمل بعين الله”.

اربع خناقات
“أم وليد” لم تجد حرجا في الإفصاح لـ”صالون سوريا” عما يحدث في منزلها بسبب قلة المياه وصعوبة الاستحمام، وتقول “كل يوم عم تصير أكتر من 4 خناقات بالبيت والصياح بيصل للسما على دور الحمّام (الاستحمام)، بين الأولاد وبينهم وبين أبوهم، كلون بدون يتحمّموا بنفس اليوم، وأنا بقول للكل: هيك ما بيمشي الحال لا في مي تكفي ولا في كهربا ولا مازوت ولا غاز نسخن المي”، وتضيف “واحد بتحجج أنو بدو يروح على الجامعة، ووحده بقول بدها تروح لعند رفقاتها البنات، والزلمة بقول خلو شوية مي مشان الوضوء، وبالزور لحتى يهدى الوضع، ويتحمّم صاحب النصيب”.
الوضع السابق لا ينسحب على كافة السوريين، الذين تؤكد منظمات دولية وأبحاث ودراسات أن 94 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، فالنسبة المتبقية تتكون من الأغنياء القدامى و”أمراء الحرب” و”أثرياء الحرب” و”حديثي النعمة” و”المسؤولين الفاسدين”، وهؤلاء من البديهي أنهم يمتلكون مولدات كهربائية ضخمة وبعضها وضع أمام الأبنية في الشوارع لأنه لا مجال لوضعها داخل المنزل بسبب ضخامتها، وهم يمتلكون النفوذ الكافي للحصول على الوقود اللازم لتشغيلها، وبالتالي الحصول على كميات الماء التي يريدونها في ساعات الضخ وتسخين المياه من خلالها والاستحمام ببرميل وليس بسطل ماء، هذا إن لم يذهبوا إلى حمامات السوق التي تصل فيها أجرة الاستحمام للشخص الواحد ما بين 10 – 15 ألف ليرة.

* الصورة من “فرانس برس” في 16 ديسمبر

كيف يدير السوريون نفقاتهم اليومية

كيف يدير السوريون نفقاتهم اليومية

كشفتْ دراسة نشرتْها مُؤخَّراً صحيفة “قاسيون” التّابعة لـ “حزب الإرادة الشعبية في سورية” أنَّه مع انقضاءالعام 2021، وصل وسطي تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد إلى أكثر من مليوني ليرة ، أي مايعادل600 دولار أميركي، وهو مايزيد عمق الفجوة بين التكاليف المعيشيَّة والحد الأدنى لأجر العامل الذي “ارتفع ” بموجب المرسوم الأخير ليصل إلى مايقارب /93/ ألف ليرة ، أي أقل من 30 دولاراً.
أمام هذه الوقائع يتبادر إلى الذّهن سؤال عن الطريقة التي يدير فيها المواطن السوري نفقاته لردم هذه الفجوة ، الإجابة على هذا السؤال تكشف الحالة المزرية من الجوع والفقر والحرمان التي وصل إليها السواد الأعظم من الناس.

مشاهداتٌ مؤلمة
من المشاهد التي صادفتنا، امرأة تقف أمام بائع الخضار تتوسّل إليه ليعطيها حبة ليمون واحدة لتكمل طبخة “الملوخية ” لكنَّه يرفض ، بينما “ينتخي ” زبون أخر يقف في نفس المكان مُطالِباً البائع إعطاءها ما تريد وأنَّه سيتكفَّل بالحساب .
وبجانب إحدى الصيدليات، تقف فتاة صغيرة لاتتجاوز 12 عاماً تتوسل إلى رجل كبير أنْ يعطيها مبلغ خمسة الاف ليرة لتشتري لوالدتها المريضة الدواء، وعندما يعطف الشخص على الفتاة ويلبي طلبها يقوم الصيدلاني بتمزيق كرتونة الدواء حتى لاتفكر الفتاة ببيع الدواء لصيدلية أخرى وتقبض ثمنها.
اللافت في الأمر ، أنَّ البعض لا يبدو عليهم هيئة التسوُّل ، وربما لاتكون حرفتهم الأساسية، لكن الحاجة دفعتهم لطلب المساعدة. تقترب امرأة في عقدها الأربعين ثيابها نظيفة ومرتبة وبشرتها مرتاحة على عكس الصورة النمطية لغالبية المتسولات. تهمس في أذن أحد المارَّة تطلب مساعدة مالية لشراء طعام لعائلتها ، والبعض الآخر يستوقفك ليطلب منك ثمن “سندويشة فلافل” أو مبلغ 200 ليرة لأنه لايملك ثمن تذكرة للصعود في النقل الداخلي الذي يشبِّه أغلب السوريين الصعود فيه “بقطرميز المكدوس”، نظراً للكم الهائل من الازدحام في هذه الوسائل .
في دمشق كما في باقي المحافظات، ليس مستغربا ، أن تركب سيارة أجرة وتكتشف أن السائق خرّيج جامعي، أو موظف في جهةٍ حكومية، فرواتب الحكومة لا تكفي لسد نفقاتك ليومين.
“وما حدا عايش على راتبه اليوم”، هذا ما يؤكده طارق خرِّيج علم الاجتماع، فهو يعمل يوميا حوالي8 ساعات بعد الانتهاء من عمله في إحدى المؤسسات الحكومية لتأمين متطلبات عائلته، بينما لارا طالبة الهندسة المدنية ، تعلمت فن الوشم وهي تعمل في مركز تجميل تقول :”هذا العمل يؤمّن لي دخلاً مقبولاً لتغطية نفقات دراستي ومساعدة عائلتي” .
ارتفاع تكاليف المعيشة ، دفعت بعض العائلات لتوجه كامل أفرادها إلى العمل ، كما هو الحال مع عائلة أبو فراس الذي يعمل في أحد المطاعم بدمشق القديمة، بينما وجد عمل لابنه القاصر الذي لايتجاوز 15 عاماً عملاً في ورشة لتصليح السيارات. أما الزوجة فتعمل في تنظيف المنازل ، يقول لـ “صالون سوريا” : نزحتُ مع عائلتي خلال الأحداث من إدلب إلى دمشق واستأجرتُ منزلاً في ضواحي دمشق ، رغم كل ذلك فدخلُنا بالكاد يكفي تغطية نفقات الإيجار والدواء والطعام ،ومع أننا نتبع سياسة التقشّف فهناك الكثير من المواد الغذائية اُلغيَت من قائمة المشتريات كاللحوم والفاكهة وحتى منتجات الحليب والبيض.

“طوقُ النَّجاة ”
يساهم المغتربون وخاصة مَنْ هاجروا خلال الحرب بإيقاف نزيف أسرهم المالي في الداخل. وبحسب مصدر رسمي فإن نسبة كبيرة من المواطنين يعتمدون على ما يرسله أقاربهم المتواجدين في الخارج لتحسين أوضاعهم المعيشية. ورجَّح المصدر أنَّ مبلغ الحوالات التي تدخل سوريا خلال اليوم الواحد يصل لما يقارب5 ملايين دولار. كما أنَّ الفارق بين سعر صرف الدولار الرسمي الذي يصل لـ2500 ليرة والسوق السوداء الذي تجاوز عتبة الـ/2500 / ليرة شجَّع على تسليم الحوالات خارج القنوات الرسمية ، وتحاول الحكومة باستمرار ضبط هذه الظاهرة وملاحقة المتعاملين بها نظراً لما يضيع على الخزينة العامة من القطع الأجنبي بهذه العملية.
أمَّا حسام، فلديه ابن في أوروبا يرسل له أموالا عن طريق أحد الوسطاء، يرفض استلامها عبر شركة الصرافة بسبب الفارق بين سعر السوداء والسعر الرسمي، مُعتَبِراً أنَّ هذا الفارق يساعده كثيراً في تغطية نفقات المعيشة المرتفعة، وهذه الأموال هو الأحقُّ بها من غيره .
“أم سعيد”، لديها أخٌ مُقيمٌ في بلجيكا يرسل لها بشكل شهري مبلغ/ 300 / دولار يساعدها في تسديد إيجار المنزل الذي تسكنه ونفقات لعلاج ابنها الذي يحتاج إلى غسل كلى. تقول :”أدعو لأخي بالتوفيق ليل نهار. لولاه كنت تبهدلت وعم أشحد بالشوارع وأمام باب الجامع”.

شرعنة الفساد
الهوَّة الكبيرة بين الإيرادات والنفقات شجَّعتْ موظَّفي القطاع العام وخاصة الخدمية على “الرشوة ” فيكفي أن يدفع طالب الخدمة مبلغاً من المال لموظف حكومي ليمُنَح استثناءً ويحصل على الخدمة التي يريدها بزمن قياسي.
أحد الموظفين فضَّل عدم الكشف عن اسمه قال: “الراتب لايكفي، نعمل حوالي 8 ساعات مقابل أجر زهيد ،الزيادة الأخيرة على الرواتب لا تكفي لشراء فروج وصحن بيض ،لذلك أقوم بتسهيل معاملة البعض مِمَّن يطلبون السرعة في الإنجاز ولا يريدون الانتظار لوقت طويل ، ويصل ما أتقاضاه من المتعاملين 5 أضعاف دخلي الشهري ،ربما لاتكون هذه الطريقة سويَّة ومُوافِقة للقوانين والأخلاق ولكن لدي أطفال أريد تربيتهم”.
شهدتْ في الآونة الأخيرة أغلب المناطق السورية ازدياداً في جرائم سرقة المنازل والدَّراجات النارية وإطارات السيارات والأجهزة الخليوية ، إضافة إلى جرائم القتل بدافع السرقة ، إذ أعلنتْ وزارة الداخلية السورية مؤخرا ، تفاصيل جريمة قتل أب على يد ابنه المُدمِن، بدافع سرقة مبلغ زهيد يبلغ أقل من 100 دولار أميركي.
كما سجل قسم الإحصاء في إدارة الأمن الجنائي منذ بداية العام الحالي وحتى شهر آب (اغسطس) الماضي 366 جريمة قتل و3663 حالة سرقة، وبعض الجرائم بقيادة نساء .
بعض السوريات لم يجدن سبيلاً للعيش سوى بيع أجسادهن مقابل المال، وتتحدث وسائل إعلام محلية باستمرار عن تفشّي ظاهرة الدعارة، كما أعلنت وزارة الداخلية أكثر من مرة إلقاء القبض على شبكات دعارة.
باحث اجتماعي أشار أنَّ انخفاض مستوى المعيشة وارتفاع نسبة البطالة دفع البعض للبحث عن مصادر غير مشروعة لتأمين دخلهم، لافتاً أنَّ غياب الرقابة الأسرية والتنشئة الاجتماعية الخاطئة للأبناء والتفكك الأسري وارتفاع حالات الطلاق دفع الأبناء للوقوع فريسة الجريمة والدعارة ، مُشدِّداً على ضرورة تطبيق أحكام القوانين الرادعة تجاه كل فعل جرمي يمس الحق العام للمجتمع وأفراده ومكافحة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي وزرع القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية منذ مرحلة الطفولة المبكرة .
تؤكد الجهات الحكومية أن تداعيات الحرب والحصار الاقتصادي المفروض على البلاد، إضافة إلى سيطرة القوى المدعومة من الخارج على الثروات الزراعية والنفطية في شرقي الفرات وشمال إدلب ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي على حد كبير. وبحسب المعلومات، كانت سورية في تصدِّر القمح الفائض بإنتاج /4 /ملايين طن وتستهلك مليونين ونصف طن، وتنتج زيت الزيتون والخضار والحمضيات ،والتي كانت تمثِّل 10% من صادراتها. أما القطن والصناعة النسيجية فكانت تشكل نسبة 20% من الصادرات. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أنَّ تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع الأسعار الجنوني ، وهجرة الكوادر العاملة في القطاع الزراعي والصناعي زاد من ارتفاع كلف الإنتاج ،مما ساهم إلى حد كبير بتدني الإنتاج والأجور .

زيارة الى رئة دمشق.. وغوطتها

زيارة الى رئة دمشق.. وغوطتها

رغم مرور سنوات على استعادة الحكومة السورية سيطرتها على غوطتي دمشق الشرقية والغربية، فأن المشهد في الغوطتين المعروفتين قبل الأحداث بأنهما جنتان من جنان الأرض لاتساع البساتين الخضراء فيهما وجمال أشجارهما المتنوعة ومياههما الوفيرة، لا يزال كالح السواد من دون ظهور ملامح أي تحسن، إذ تحولت المساحات الخضراء إلى قفار، ومشهد الدمار والركام والبيوت المتهالكة والطرقات السيئة يطغى على مدنهما وسط انعدام شبه تام لأبسط مقومات العيش.
وتمتد الغوطة الغربية من ربوة دمشق غربا وجنوبا وتحيط حيي المزة وكفر سوسة في دمشق ببساط اخضر، وتضم العديد من المدن والبلدات والقرى، أبرزها داريا ومعضمية الشام والكسوة وصحنايا والأشرفية وسبينة ووادي العجم والهيجانة ويمر بها نهر الأعوج، وتشتهر بكافة أشجار الفاكهة والبساتين والمروج وزراعة مختلف أنواع الخضار.

مدينة العنب
وتعد مدينة داريا أكبر مدن الغوطة الغربية وعرفت خلال الأحداث بـ«أيقونة الثورة»، وتقع على بعد 8 كلم جنوب العاصمة دمشق، وتبلغ مساحتها 120 كلم مربع، وكان معظم سكانها يعملون بالزراعة، وأطلق عليها كثيرون «مدينة العنب» لشهرتها بزراعة جميع أنواعه، وتعرف أيضا بـ«مدينة المتنزهات»، وقد استعاد الجيش النظامي السيطرة عليها في آب (أغسطس) 2016، بعدما سيطرت فصائل المعارضة المسلحة عليها لنحو أربع سنوات، وذلك اثر حملة عسكرية مسعورة شنها ضدها أسفرت عن تهجير نحو ألفي شخص من مقاتلي المعارضة وعائلاتهم نحو الشمال السوري، ومقتل 2712 شخصاً، بحسب فريق التوثيق في داريا، إضافة إلى دمار نسبة كبيرة من المباني السكنية والبنى التحيتية والمزارع والمنتزهات والمعامل.
وبخلاف ما تقوله الحكومة منذ زمن بعيد بعودة الحياة الطبيعية إلى مناطق المدينة كافة، فإن المشهد على أرض الواقع في داخلها يؤكد عكس ما تروجه الحكومة، إذ لا تزال أكوام الركام موجودة على جانبي طريق مدخلها الشمالي على أوتوستراد المتحلق الجنوبي وأغلب المباني على الجانبين مدمرة ومجرف الكثير منها، وحركة السيارات والمارة ضعيفة.
المشهد في مدخل المدينة الشرقي المتفرع عن أوتوستراد دمشق – عمان الدولية يبدو أفضل قليلا عما هو عليه في المدخل الشمالي، إذ أن هناك حركة أكثر للسيارات والمارة في بداية الطريق المؤدية إلى وسط المدينة ويصل طولها ما بين 3 و4 كيلومترات وتتموضع عليها حواجز عدة للجيش والقوى الأمنية.
وتشاهد في هذه المنطقة الممتدة من بداية الطريق وحتى منتصفها تقريباً عدد من المحال التجارية وقد عاودت نشاطها، مع وجود حركة للمارة وإن كانت خجولة، كما يلاحظ أن معظم الأبنية سليمة ومأهولة وقد طال الدمار عدد قليل منها، على حين لا تزال معظم المنتزهات ومزارع العنب والفواكه الأخرى التي كانت موجودة على جانبي الطريق خلف المحال التجارية والأبنية، غارقة بالدمار، بينما يقتصر مشهد الخَضار على بقع صغيرة للغاية مزروعة ببعض الخضراوات، بعد أن كانت المنطقة يضرب بها المثل كمنطقة للتنزه ويؤمها الآلاف، خصوصاً في أيام العطل الرسمية للترويح عن النفس، بسبب جمال مزارعها ومتنزهاتها.
في وسط المدينة عند “دوار الباسل”، حيث نصبت عناصر الجيش النظامي حاجزاً ضخماً، وتتفرع منه طرقات رئيسية تؤدي إلى أحياء عدة في المدينة، منها النكاشات والشاميات وشريدي، يبدو حجم الدمار أقل من الموجود في طريق المدخل الشمالي، وكثير من الأبنية الطابقية لا تزال قائمة، لكنها أُعيدت إلى ما قبل مرحلة الإكساء (على العظم) من جراء عمليات النهب و«التعفيش»، مع وجود شقق مسكونة في عدد من الأبنية، لكنها قليلة جداً؛ الأمر الذي دل عليه رؤية ملابس منشورة على بعض الشرفات.
وتبدو حركة المارة في شوارع المنطقة التي تم فتحها بشكل جزئي ضعيفة، وتقتصر على عدد قليل من الشباب وكبار السن من الرجال والنساء، ويقول رجل خمسيني لـ”صالون سوريا” بحذر وهو يسير في الطريق بسبب انتشار العناصر الأمنية والمخبرين: «العيشة هون صعبة جدا. لأنو مافي كهربا ولا مي ولا سرافيس ولا تلفونات ولا تغطية موبايل، ويلي بصعّب العيشة أكثر أنو مافي ناس»، ويلفت إلى أن عائلات كثيرة عادت إلى بيوتها عندما سمحت الحكومة بذلك ولكن معظم تلك العائلات «هربت لأنو ما بينعاش هون، وبقيت بعض العائلات وعائلتي منها، لأننا ما بنقدر ندفع ايجارات». ويشير إلى معاناة مريرة للكثير من العائلات عندما تريد الذهاب إلى مدينة دمشق بسبب عدم وجود وسائل نقل عامة، ويضيف «الواحد لما بدوا يروح بيهكل هم من قبل بنهار وبالزور بدبر حالوا مع سيارة طالعة أو سوزوكي أو ميتور (دراجة نارية) ».
وبعدما كانت المنطقة قبل اندلاع الأحداث مركزاً تجارياً كبيراً، تبدو الحركة التجارية فيها شبه معدومة؛ فمعظم المحال التجارية (الأثاث المنزلي، العصرونيات، المأكولات الجاهزة، والعصائر والسوبر ماركات..) دمرت واجهاتها ونهبت محتوياتها، على حين عدد قليل منها لا يزال مغلقا، بينما أقدم بعض أصحاب السوبر ماركات وهم يعدون على أصابع اليد على ترميم محالهم وإعادة افتتاحها.
ويؤكد أحد أصحاب المحال المغلقة لـ«صالون سوريا»، أنه لا يفكر نهائيا بالعودة وإعادة افتتاح محله، ويقول، «طالما ما في ناس بالبلد، لماذا أعود؟، لمن سأبيع البضاعة؟، هل اتركها واتفرج عليها»؟، ويضيف «العودة ستكون كلها خسارة بخسارة، وكل من عادوا وافتتحوا محالهم يؤكدون أنهم ما بيطلعوا باليوم حق غدا العيلة. هذا إذا ما كانوا عم يخسروا لأنو الألبان والأجبان وكثير من المواد بدها تبريد وما في كهربا، وأكيد عم يخرب كتير منها وبيكبوها».
في منطقة أحياء الخليج شمال غرب درايا والتي كانت تشتهر بمزارعها الجميلة، وخصوصاً منها العنب، لا يزال الدمار يطغى عليها وهي خالية من البشر والشجر، وسط معلومات من كثير ممن كانوا يسكنون فيها، بأن السلطات تمنع منعاً باتاً الأهالي من العودة إليها، ولا حتى زيارتها للاطلاع على ما آلت إليه أوضاع منازلهم وأراضيهم الزراعية.

رئة دمشق
لا يختلف المشهد كثيرا في الغوطة الشرقية التي كانت قبل الحرب  رئة دمشق و”متنزه” الدمشقيين والسوريين عموما وتقدر مساحتها بنحو 110كم مربع، وتمتد نحو الشرق والجنوب محيطة مدينة دمشق ببساط أخضر وتشتهر بكثافة أشجار الفواكه وتنوعها وزراعة مختلف أنواع الخضروات.
وتضم الغوطة الشرقية التي استعاد الجيش النظامي السيطرة عليها في عام 2018 بعد حملة عسكرية خلفت مئات القتلى ودمار وتهجير معظم سكانها الذين كان عددهم قبل الحرب أكثر من مليوني نسمة، العديد من المدن والبلدات والقرى منها دوما التي تعد مركزها الرئيسي، وعربين وسقبا وزملكا وجرمانا والمليحة وعقربا وحزّة وكفربطنا.
التطبيل والتزمير منذ زمن بعيد من قبل الحكومة بعودة الأهالي إلى مدن وبلدات وقرى الغوطة الشرقية، وأنها تعمل على إعادة الخدمات الأساسية إليها، ينفيه حديث كثيرون من أهالي المنطقة، ويقول احدهم لـ«صالون سوريا»، إن «كل ما تقوله الحكومة غير موجود على الأرض. الدمار والركام مازال موجودا في معظم المناطق، والناس الموجودة، منهم لم يخرجوا من بيوتهم أصلا، وهناك من عاد ليستر نفسه في ظل الغلاء الكبير، ولكن عدد من عادوا ليس كما تزعم الحكومة بأنه كبير». ويضيف «الناس الموجودة في الغوطة تعيش في بيوت متداعية، وما تم فتحه من طرقات في أغلبه جرى بجهود الأهالي على نفقتهم، وشبكات المياه والصرف الصحي لم يجر إصلاحها والكهرباء معدومة فكل يوم نراها ساعة أو نص ساعة وأغلب الأيام نراها ساعة كل يومين أو ثلاثة، والناس عايفة حالا فهي ما بتقدر تشترك بالمولدات الضخمة، ومع انعدام الكهرباء تنعدم المياه وخليها لله».
مواطن أخر من مناطق الغوطة الشرقية، وبعدما يؤكد لـ«صالون سوريا»، أن الناس أُصيبت بعقدة نفسية من جراء الانقطاع المتواصل للكهرباء وعدم توفر الماء والمواصلات، يقول، «بعد المغرب كثيرون لا يجرؤون على الخروج من منازلهم، فقد يقتل المرء ولا أحد يدري به مع تزايد عصابات السرقة والنهب وذلك يحصل رغم الانتشار الكبير لحواجز الجيش والأمن وعناصرهما في معظم المناطق»، بينما تتحسر سيدة من أهالي الغوطة الشرقية في حديثها لـ«صالون سوريا» على «أيام زمان (قبل الحرب) لما كانت الغوطة تعج بالناس من كل سوريا لتروّح عن نفسها بين البساتين وبين الشجر وجنب المي، أما اليوم يا حسرتي تعا شوف لا ظل بساتين ولا ظل شجر ولا ظل مي. كلو راح بالحرب».
وبينما يؤكد كثير من أهالي الغوطة الشرقية الذين يأتون إلى دمشق أنهم يجبرون على دفع إتاوات  عند خروجهم وحين عودتهم، يتحدث بعضهم عن استيلاء على منازل كثير من المهجرين .

حرائق تبدل وجه دمشق

حرائق تبدل وجه دمشق

على وقع ألسنة النار المتصاعدة، كان الخبر يتصاعد ويتسع: “حريق في زقاق المحكمة”. أعمدة خشبية عريقة تأكلها النار، تسقط قطعا متفرقة. كان موتها مضاعفا. احتراق، فسقوط ينهي عمرها الذي عاشته متصلة ببعضها وكاملة من جدار إلى جدار. وصلت الأخبار، انه “ماس كهربائي”، اشتعل في أحد المحال وانتقل إلى خمسة أخرى. وفاة عامل إطفاء، وثلاثة من الباعة وأصحاب المحال في المشفى.
رتابة الخبر، واعتياد توارد الأخبار السيئة في ظل وضع عام غير مستقر ينذر دوما بالأخطار، لا تخفف من فداحة المشهد في اليوم التالي، محال الزقاق كلها مفتوحة. اعتاد “الشوام” على ملاحقة أرزاقهم حتى وسط الحرائق. في مقدمة السوق، حطب محترق، بات بلا هوية وبلا تاريخ. رائحة الحريق تعبق في المكان، ثلاثة محلات فارغة من بضاعتها. محلان مغلقان ومحل يرتب أصحابه وعماله القماش من جديد. يبدو أنهم لم يناموا ليلهم، بقوا هنا لتنظيف المحل والرفوف وإعادة ترتيب الأقمشة عليها. نظرة إلى الأعلى، تلسعك قشعريرة مؤلمة، السقائف المليئة بالبضائع بلا سقف، بلا بضاعة، بلا رائحة التخزين والنفتلين. يبدو أنها قد فارقت الحياة دونما رجعة.

لامكان للفرح
أغلب المحال في زقاق المحكمة، ملك لعائلة واحدة، تتكرر الكنية على واجهات المحال، كلهم أخوة وأبناء عمومة. ويعتبر زقاق المحكمة سوقا موازيا لـ “سوق الحرير”، و “سوق تفضلي يا ست” أو “خان الجمرك” و “سوق الصوف”، لكنه يختص ببيع أقمشة البرلون والتنتنة والريكامو المطرز والنايلون السميك والرقيق وكلف قمصان النوم وقمصان النايلون الداخلية النسائية الطويلة والتفريعات. وتتواجد فيه بعض الورش الصغيرة لصناعة الجوارب المنوعة والمصنوعة من القطن أو القطن الممزوج أو من الأقمشة التركيبية، لكنه يصنف على أنه “سوق الدراويش”، سوق الأقمشة الأقل سعرا وربما بنفس الجودة، لكن لكل سوق زبائنه.
في سنوات الحرب تراجعت مبيعات تجار السوق بشدة، وتراجع الإقبال على السوق بفعل توقف مناسبات الأفراح ونزوح البعض وحصار البعض الآخر. وبسبب هجرة وغياب الفنيين مثل معلم الحبكة ومعلم القص والدرزة الخاصة بهذه الصناعة التقليدية والمميزة، وبسبب طبيعة الأقمشة المستعملة والتي تتطلب حياكة حرفية وأدوات وصنعة خاصة، أضاف الباعة أصنافا جديدة إلى تجارتهم لجذب جمهور جديد من الزبائن، مثل الأقمشة الرخيصة والتي تشترى بالكيلو أو بالبالة أي بالحاوية، وتحتوي على مزيج من أنواع الأقمشة للفساتين والسراويل والسترات والستائر وكلف المعاطف والتنانير والقمصان، كما أضاف منتجو وباعة الجوارب بضائع جديدة إلى محالهم مثل القبعات الصوفية والشالات، لتعويض نقص الطلب على بضائعهم بسبب قلة الزبائن وبسبب نقص السيولة.
داهم البكاء سيدة تعمل خيّاطة فور دخولها إلى السوق، كانت على موعد مع أبي معتز البائع الذي وعدها بإحضار كلفة جميلة وجديدة لتفريعات العرائس التي دخلت حديثا على خط الخياطة المنزلية لارتفاع أسعارها جاهزة، كان محل أبا معتز محترقا بأكمله.
عبرت النساء عن تعاطفهن مع الباعة بعبارات: “الله يجبر كسركم، والله يعوض، والحمد لله على سلامتكم”. كان الجميع مكسورا وقلقا، أحد الباعة قال لسيدة عاندته في سعر بضعة أمتار من القماش: “اليوم في! بكرا الله يعلم”. أكثر من سيدة قالت له: “طول بالك”، فأجاب: “كلنا تحت ألطاف الله”، عشرات الألسن أجابت: “الله يتلطف!”. حوارية مسكونة بالوجع والود، خوف وحسرة وإصرار على الشراء والمضي بالحياة في كل تفاصيلها، ترقبا لساعة فرح أو حزن لا فرق، طالما تعاضد السوريون والسوريات فيما بينهم بسردية معممة، إيمانية، ومجبولة بالمحبة والمساندة، حتى لو بالكلمات والأدعية.

فتى يسأل
فتى في الرابعة عشرة من عمره، يسأل عن نوع محدد من قماش تول أسود، يفرد القماش على كف يده ويتفحصه بدقة، ويجيب بأنه يريد نوعا آخر. والدته خياطة، ترسله للتسوق بدلا عنها توفيرا في الوقت وكسبا لراحة نسبية، يقول للبائع: “”هذا تول خشن”، ولآخر بأنه “تول مفرّغ جدا”. ويقول لثالث بائع بأن ما لديه من تول “يتمزق بسرعة”. يبدو أنه قد اكتسب خبرة من والدته، يظنه أحد الباعة خياطا، فيجيب، بأنه لا يحب الخياطة أبدا، وسيصبح لاعب كرة سلة، ولكنه لا ينسى بأن يقول لهم: بأنه ممتن لأمه ومهنتها التي تعينهم على حياتهم القاسية، ويؤكد بأنها تتكفل بكل تكاليف عيشهم .
في زقاق المحكمة ازدحام كبير، سيدة تطلب وصلة لتنورة، يجيبها صاحب المحل بأن ما لديه من قماش لونه أكثر اسودادا من لون تنورتها. يجيبها بكل أمانة قائلا: “سيبرز الفرق واضحا بين اللونين”. تتحاور السيدة مع خياطة موجودة في نفس المحل، تقترح عليها وصل التنورة من الأعلى، حيث لن يظهر الفرق في اللونين بعد تغطيته بالكنزة. توافق السيدة على مقترح الخياطة، فيعاود البائع تقديم نصيحة جديدة قائلا: “البسي فوق التنورة قميصا طويلا، تضمنين حينها عدم ظهور أي فرق بدرجة اللون، وتمنحين التنورة قيمة أكبر”. وافقت السيدة ممتنة للبائع، واشترت ما يكفيها للوصلة.
ثمة تعاقد مألوف ومتكرر ما بين الباعة والزبائن وخاصة الزبونات الدائمات والخياطات، تعاقد يرحب بالنصيحة ويثمنها عاليا، وقد يصل في بعض الحالات لأن يقوم بائع بإرشاد بعض السيدات إلى خياطة محددة بالاسم والعنوان، إما لمهارتها بالشك أو قصات فساتين السهرة مثلا، أو لبساطة أجرها، أو لأنها مقطوعة وتحتاج دعما، كل التبدلات واردة، إلا تلك العروة الوثقى ما بين مستفيدين اثنين، اجتمعا على المودة والرغبة بالدعم، كل من موقعه.

تاجر وكأس شاي
يتجمع خمسة من تجار السوق على إحدى الزوايا، يشربون الشاي، يقول أولهم: ” أنا متأكد بأن فلانا (ويقصد أحد الباعة الذين احترق محله) لن يعود أبدا إلى السوق”. ويقول آخر بأنه قلق على سلامة بائع متضرر آخر: “من أسبوعين أجرى عملية قسطرة قلبية، أتمنى أن ينجو قلبه من هذه المحنة”.
يُجمع الباعة والزبائن على أن كل شيء يتبدل بقوة وخارج المتوقع. الجميع يشير إلى أن حجم التبدلات أكبر من قدرة الناس باعة وزبائن على تحملها أو تصديقها.
في بلد الحرائق، قد يقول البعض: ” إن ما بعد حريق زقاق المحكمة ليس كما قبله”. لكن حريقا جديدا قد يطوي صفحة الحريق الذي بات قديما، ليعبث بالحياة من جديد.
الخسارات كبيرة وفرص التعويض معدومة، والتعاضد والتكافل المادي بات عملة قديمة لا قوة فعلية لها اليوم، لأن أسسه ضعيفة جدا وتكاد أن تكون مستحيلة، بسبب العجز المتراكم للأفراد وبسبب غياب الحماية والتعويضات وغياب برامج التأمين والمساندة بتعويضات فورية أو متدرجة، عبر غرفة التجارة أو النقابات أو المؤسسات.
تقول زبونة دائمة لأحد المحال، بعد أن هالها ما رأته من خراب: “ميت لا يجر ميت”. يصمت البائع، بانفعال بالغ ويجيبها: “كلنا موتى”.
على بعد دكانين من مركز الحريق، يعتذر أحد الباعة من سيدة تطلب قماش بطانة، يقول لها نحتاج عشرة أيام لمعاودة البيع، ترجوه: “عرس ابني بعد أسبوع والخياطة طلبت مترا إضافيا”. يكرر اعتذاره ولكن بغضب، ويقول: “لم نصحُ من صدمتنا بعد، نحن عدة شركاء وعلينا جرد البضاعة وإحصاء كل ما خسرناه وكل ما تبقى من البضائع كي نصفي الذمم المالية”. ترحل المرأة صامتة دون أي رد. يعود الشاب إلى عمله وهو يقول، لفتى يمسك ورقة وقلما، سجّل: “ثلاث أثواب بطانة سميكة لمّيع عرضين”.
دمشق 30 أيلول 2021

Syria in a Week (12 – 18 March 2019)

Syria in a Week (12 – 18 March 2019)

The following is a selection by our editors of significant weekly developments in Syria. Depending on events, each issue will include anywhere from four to eight briefs. This series is produced in both Arabic and English in partnership between Salon Syria and Jadaliyya. Suggestions and blurbs may be sent to info@salonsyria.com.

In the Eighth Year!

15 March 2019

During theeighth yearof the Syrian tragedy, the Syrian government was able to retake control of eastern Ghouta in April before a snap recapture of al-Rastan and Talbieseh pocket, and then in June, it took control of Daraa, the opposition stronghold, in the south. In September, Russia and Turkey made a deal on Idlib and the opposition-held northwest of Syria, which calmed frontlines but Tahrir al-Sham seized control of much of the area and violence continued. The Syrian Democratic Forces, backed by the international coalition, took control of the last area under ISIS control in eastern Syria. The United States decided to leave some troops in Syria after it had previously declared their withdrawal.

 

Brussels III for Announcements

Reuters

14 March 2019

The United Nations won almost seven billion dollars in aid pledges for Syria on Thursday, in light of the continued Syrian crisis and divisions concerning how to deal with the Syrian government. The emergency aid pledges came at a conference at which Western donors have had to wrestle with the question of whether to begin providing reconstruction assistance.

The United Nations is seeking $3.3 billion for aid to people inside Syria and $5.5 billion for refugees in the region this year. It drew more in pledges than last year when it asked for a similar amount but received less than two-thirds of its request.

The European Union, the world’s biggest aid donor, pledged 2 billion euros ($2.26 billion) for this year, a sum which includes money already agreed for Syrian refugees in Turkey under a deal with Ankara to take in Syrians.

Mark Lowcock, the UN under secretary general for humanitarian affairs, said that emergency aid would not solve the Syria crisis. “It requires a political solution,” he said. That underscored Europe’s dilemma in its efforts to isolate the Syrian government. The EU has repeatedly made longer-term reconstruction support conditional on a UN-led peace process to end a war that has killed hundreds of thousands of people. Germany, France, Britain, and the Netherlands are forthright in defending a policy of withholding reconstruction money until a transition begins that would lead to Assad leaving power. However, if that were not to happen, European diplomats say they would see it as Russia’s responsibility to seek a solution, given its outsized military role and support for Assad. “The road to stability runs through Moscow,” a European diplomat said.

 

The United States “Sells Out” the Golan!

Reuters

11, 13 March 2019

The US State Department changed its usual description of the Golan Heights from “Israeli-occupied” to “Israeli-controlled” in an annual global human rights report released on Wednesday. The move came amid intensified efforts by Israel to win US recognition of its claim to sovereignty over the strategic plateau it captured from Syria in the 1967 war and effectively annexed in 1981, a step not recognized internationally. There was no immediate comment from Israeli leaders on the US terminology change, which stopped short of a formal declaration accepting the territorial claim.

The Golan–like the West Bank and Gaza Strip, territories also taken by Israel in the June 1967 conflict–is regarded internationally as occupied under a UN Security Council resolution passed later that year.

On Monday, Republican US Senator Lindsey Graham toured the Golan with Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu and pledged to lobby the Trump administration to recognize the area as belonging to Israel.

Breaking with a decades-long policy, and drawing Palestinian accusations of pro-Israel bias, President Donald Trump recognized Jerusalem as Israel’s capital in 2017. He moved the US Embassy to the contested holy city from Tel Aviv last year.

A Crossing Between the Euphrates Shield and the Government

Enab Baladi

17 March 2019

The “National Army” openedAbu al-Zandain crossing between government-held areas and the Euphrates Shield areas in the northeastern countryside of Aleppo. The spokesman for the “National Army” Major Yusuf Hammoud said on Sunday that the “National Army” took the decision to open the crossing after consulting with its brigades. The crossing will stop the increased profits gained by Kurdish forces because vehicles leaving the area towards the Syrian government areas had to pass through Manbej, and therefore, were subject to increased taxes. The proceeds of the crossing will go for all formations of the “National Army,” and will not be restricted to one brigade, which will provide support for the region. The crossing lies west of al-Bab city near al-Shamawieh village, which is controlled by the Syrian government.

Al-Baghouz

Reuters

11 – 17 March 2019

The Syrian Democratic Forces (SDF) said on Sunday over sixty thousand people, mostly civilians, had flooded out of the Islamic State militant group’s last enclave in eastern Syria since a final assault to capture it began over two months ago. Among them were five thousand militants, the SDF said.

SDF spokesman Mustafa Bali said hundreds of militants and their families had surrendered overnight in the spot where hardline insurgents have been mounting a desperate last-stand defense. “We had expected the surrender of a large number of terrorists and their families but only a small group came out,” Bali said.

Artillery shelling and airstrikes resumed on Sunday afternoon after a lull in fighting. The SDF said one thousand and three hundred and six “terrorists” had been killed alongside many who were injured in the military campaign that began on 9 January, while eighty SDF fighters had been killed and sixty-one injured. The SDF said another five hundred and twenty militants had been captured in special operations in the last Islamic State bastion.

Former residents say hundreds of civilians have been killed in months of heavy aerial bombing by the US-led coalition that has razed many of the villages in the area along the Iraqi border. The coalition says it takes great care to avoid killing civilians and investigates reports that it has done so.

Delayed Turkish Attack

Reuters

13 March 2019

The United States is not discussing a Turkish offensive in northeast Syria with Turkey and believes no such operation is needed to address Ankara’s security concerns, a US official toldReuters on Wednesday, dismissing media reports to the contrary. A Turkish defense official was cited by Turkish state media on Tuesday as saying Ankara was discussing with the United States and Russia a potential offensive in a region of northeast Syria controlled by Kurdish-led fighters.

French Children of ISIS!

Reuters

15 March 2019

France saidon Friday it had brought back five young children from camps in northern Syria, but repeated its position that adult citizens who had joined ISIS abroad should stay where they were and face justice. The children were either orphans or unaccompanied in the camps, the foreign ministry said in a statement. Western nations have been wrestling with how to handle suspected militants and their families seeking to return from combat zones in Iraq and Syria, as well as those in detention, as ISIS teeters on the verge of defeat.

French government policy had been to refuse taking back fighters and their wives. But officials say US President Donald Trump’s announcement that he was pulling troops out of Syria is forcing a rethink.