التحالف الثلاثي: كيف تشكل؟ ماذا قصف؟

التحالف الثلاثي: كيف تشكل؟ ماذا قصف؟

شن «التحالف الثلاثي»، الأميركي – البريطاني – الفرنسي، فجر الجمعة / السبت هجمات منسقة على مواقع تتعلق بـ «برنامج السلاح الكيماوي السوري» في دمشق وحمص.
ورغم عدم وصول جميع حاملات الطائرات والمدمرات الأميركية إلى البحر المتوسط، استعجلت الطائرات البريطانية من قاعدتها في قبرص والمدمرات الأميركية والفرنسية في المتوسط توجيه حوالى ١٠٠ غارة. والاستعجال مرده سببان: الأول، شن الغارات قبل وصول مفتشين من «منظمة حظر السلاح الكيماوي» إلى دمشق اليوم. الثاني، قبل عودة مجلس العموم البريطاني إلـى الانعقاد الاثنين خصوصاً أن رئيسة الوزراء البريطاني تيريزا ماي قررت المشاركة دون استشارة البرلمان وهناك معارضة ضد القرار.

 

وهنا بعض النقاط في الطريق الى الغارات الثلاثية:

اتصالات وقرارات

التأم قبل يومين، كل من مجلس الأمن القومي الأميركي برئاسة الرئيس دونالد ترمب والحكومة المصغرة برئاسة تيريزا ماي، التي أكدت بعد اجتماع مطول مع فريقها «الحاجة إلى فعل (عمل) لتخفيف المعاناة الإنسانية وردع الاستخدام الإضافي للأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد». ثم اتصلت بالرئيس ترمب حيث «اتفقا على أن نظام الأسد قد وضع نمطاً من السلوك الخطر فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية».

وبدا أن ملف تسميم الجاسوس الروسي ووقوف ترمب مع لندن بمعاقبة موسكو دبلوماسياً لعبا دوراً حاسماً بقرار ماي الذهاب إلى المشاركة في العمليات العسكرية من دون اللجوء إلى مجلس العموم، على عكس ما حصل في 2013 عندما فشل رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون في الحصول على موافقة برلمانية. وبذلك بات هناك حلف ثلاثي من أميركا وبريطانيا وفرنسا التي كانت مبكرة في دعم الموقف الأميركي.

وكان لافتاً حصول اتصال أول أمس بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين وظهور قراءة مختلفة في باريس وموسكو بين تحذير الكرملين من «عمل متهور وخطير» في سوريا، وحديث الإليزيه عن ضرورة «الحوار» مع روسيا. كما أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حاول الدخول على خط التهدئة لدى إجرائه اتصالات مع ترمب وبوتين لحضهما على وقف التصعيد، مقترحاً البحث عن حل سياسي و«تنازل مؤلم» من موسكو لحلحلة الملف الكيماوي.

الحشد العسكري

أفادت صحيفة «ذي تايمز» أول أمس، بأن واشنطن بدأت نشر أكبر أسطول لها منذ حرب العراق عام 2003 في البحر المتوسط. وقالت إن ذلك يشمل 10 سفن حربية وغواصتين في البحر المتوسط ومنطقة الخليج، بينها المدمرة دونالد كوك التي تحمل 60 صاروخً توماهوك، إضافة إلى 3 مدمرات أخرى قريبة جداً. كما أن حاملة الطائرات «يو إس إس هاري تورمان»، التي تعمل بالطاقة النووية أبحرت مع 90 طائرة و5 سفن مرافقة، الأربعاء الماضي، من نورفولك بولاية فرجينيا إلى المتوسط.

إضافة إلى ذلك، كانت هناك قطع بحرية فرنسية، وقطعتان بريطانيتان وقرار لندن فتح قاعدتها في قبرص أمام الجيش الأميركي للتدخل في سوريا بشكل أوسع من مشاركة بريطانيا ضمن التحالف الدولي لمحاربة «داعش». وساهمت قاذفات من السلاح الجوي البريطاني.
وبحسب مسؤولين غربيين، فإن المحادثات بين المسؤولين العسكريين بين الدول الثلاث في اليومين الماضيين تناولت كيفية تنفيذ القرار السياسي، خصوصاً كانت تعقيدات متغيرة بسبب قرار “عدم الصدام” مع روسيا، لكن في الوقت نفسه ضرورة الاستعداد لاحتمال كهذا. وبحث المسؤولون ما إذا كانت بريطانيا ستشارك بطائراتها واحتمال استهداف هذه الطائرات من روسيا خصوصاً في ضوء الأزمة حول الجاسوس الروسي أو الاقتصار على فتح القاعدة البريطانية في قبرص، إضافة إلى ما إذا كان يمكن تحقيق الأهداف بغارات من طائرات أم بصواريخ من البحر المتوسط. واقترح مسـؤولون أميركيون انتظار بضعة أيام إلى حين وصول القطع البحرية الأميركية كي تتوفر الإمكانية العسكرية لتحقيق الأهداف والتعاطي مع أي تصعيد روسي، مع الأخذ في الاعتبار الالتزام بمبدأين سياسيين: عدم الاحتكاك مع روسيا وعدم سقوط ضحايا مدنيين. لكن لندن، التي لعبت دور في الحشد للضربات في ضوء ازمة الجاسوس الروسي والدعم الاميركي، قررت لعب دور أكبر في القصف واستعمال قاذفاتها.

الأهداف

جرت محادثات بين واشنطن وباريس ولندن وبين المؤسسات في كل دولة إزاء الأهداف المحتملة، وما إذا كان المطلوب «ردع» دمشق عن استخدام الكيماوي أو «معاقبتها» على استخدامه أو «تدمير المصانع ووسائل النقل والمطارات المنخرطة في هجوم دوما أو قبله وبعده». وطرح مسؤولون أوروبيون على واشنطن أبعاداً سياسية مثل ضرب قوات الحكومة قرب مناطق حلفاء واشنطن شرق الفرات أو جنوب سوريا. كما اقترحت باريس على واشنطن أن تكون الضربات «ضمنت استراتيجية سياسية ترمي إلى البحث عن حل سياسي وسوريا الغد».

واقترح إسرائيليون في الوقت نفسه استهداف مواقع تابعة لإيران أو «حزب الله»، الأمر الذي حذر منه بوتين لدى اتصاله برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أيام، إضافة إلى تسريبات إيرانية من أن طهران سترد على استهداف خبراء طائرات «درون» في قاعدة «تيفور» وأن «حزب الله» أو إيران قد يستغلان التصعيد الثلاثي لاستهداف مواقع إسرائيلية وتصعيد الحرب إقليمياً بالتزامن مع نية ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي. وبرز احتمال حصول مواجهة إيرانية – إسرائيلية مباشرة بعد «حرب بالوكالة» سابقاً.

وبحسب المعلومات، بقي الرئيس ترمب متمسكاً بقراره أن تكون الضربات متعلقة فقط بـ “البرنامج الكيماوي وتجنب التصعيد مع روسيا”، لكن «مع توجيه ضربات أكثر من عقابية كما حصل في أبريل (نيسان) العام الماضي وأكبر من الردع». وقال دبلوماسي: «بعد التصعيد العسكري والحشد في المتوسط، لم يقبل ترمب أن يكون مثل الرئيس باراك أوباما بأن يقبل تسوية هشة والتراجع عن الخط الأحمر»، لافتاً إلى «شعور ترمب بأن بوتين لم يلتزم بتعهداته إزاء الملف الكيماوي» بموجب اتفاق البلدين في نهاية ٢٠١٣.

الأدلة

الرئيس الفرنسي يقول إن لديه «الدليل» حول استعمال الكيماوي، أو الكلور على الأقل. وقال مسؤولون أميركيون إن لديهم أدلة عن استعمال الكيماوي، في حين قالت رئيسة الوزراء البريطانية أول من أمس، إن «نظام الأسد لديه سجل حافل في استخدام الأسلحة الكيماوية، ومن المرجح جداً أن يكون النظام مسؤولاً عن هجوم دوما». لكن أشارت إلى «مثال إضافي على تآكل القانون الدولي فيما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيماوية، الأمر الذي يثير قلقنا جميعاً». ولم تتحدث ماي عن وجود «دليل» لديها، لكن ربطت بين هجوم دوما واستهداف الجاسوس الروسي في لندن، الأمر الذي قاله أيضاً وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أمام الكونغرس مساء الخميس.

وكان لافتاً، ان البيت الابيض اعلن قبل شن الغارات وجود “دليل” على استعمال الكيماوي. وقال ماتيس بعد القصف ان هناك دليلاً علـي استعمال “الكلور على الاقل من دون استبعاد السارين” في تراجع عن موقفه اول امس بعدم وجود دليل.
في المقابل، أشارت موسكو إلى أن الهجوم في دوما «مسرحية»، بل إن وزارة الدفاع الروسية قالت إنه مفبرك من الاستخبارات البريطانية، بالتزامن مع نتائج تقرير منظمة حظر الكيماوي عن تسميم الجاسوس الروسي. ودعت موسكو إلى انتظار نتائج تحقيق مفتشي «منظمة الحظر» الذين سيدخلون برعاية الجيش الروسي إلى دوما. وتتفق موسكو ودمشق في نفي الاتهامات الغربية باستخدام الكيماوي في دوما وغيرها.

وعلى عكس خان شيخون التي كانت متصلة بتركيا، ما وفر لدول غربية نقل مصابين عبر إدلب إلى خارج سوريا، فإن مدينة دوما منعزلة عن العالم الخارجي وكانت هناك صعوبة في نقل أدلة إلى مختبرات غربية، ما يطلب انتظار نتائج زيارة «المفتشين» الدوليين الذين يحتاجون نحو أسبوعين للوصول إلى نتائج.

وعليه، كانت التوقعات تراوحت بين حصول «ضربة رمزية» من البحرية الموجودة حالياً في المتوسط وانتظار المدمرات لبضعة أيام وتوجيه ضربات أعمق وأوسع تناولت «8 أهداف قرب دمشق وحماة وحمص». وكان القرار ببدء القصف على موقع في دمشق وموقعين قرب حمص.

تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط»