رحلة على طريق دمشق-القامشلي… وحواجزها

رحلة على طريق دمشق-القامشلي… وحواجزها

أكثر من 700 كيلو متراً، هي المسافة الفاصلة بين شمال شرق سوريا وجنوبها، لكن تلك المسافة ليست المعاناة الوحيدة لعابري ذاك الطريق الملتصقين بكراسيهم طوال الوقت، بل يضاف بينها ما يعانيه المسافرون براً من صعوبات فرضتها ظروف الحرب السورية وتبدل خرائط السيطرة بين أطراف الصراع.
اضطر علام (45 عاماً) وهو من مدينة القامشلي ومقيم في دمشق منذ حوالي العامين، للسفر إلى قريته في ريف القامشلي، ويقول لــ”صالون سوريا”: “خلال سفري شعرت وكأني غريب عن هذه البلاد بدءً من المعاملة السيئة على الحواجز وليس انتهاء بطرق تفتيش أقل ما يقال عنها تشبيحية” من حواجز المسلحين.

حواجز
تنتشر على طريق دمشق -القامشلي حواجز مهمتها “تشليح الناس وليس حمايتها”، بحسب إفادة علام، ويضيف، “أنَّ كل حاجز يتفنن في طريقة إذلال الناس وقهرها ناهيك عن مشقة الطريق وعناء ساعات السفر التي تصل لحوالي الــ 24 ساعة ذهاباً ومثيلتها إياباً”.
ويعاني مسافرون يسكنون في دمشق في تنقلهم إلى مسقط رأسهم في القامشلي وغيرها من مدن شمال شرق سوريا من -فرض الإتاوات عليهم ومن تعرض أمتعتهم الشخصية وما يحملونه من أغراض -للتفتيش من قبل حواجز الجيش السوري بشكل عشوائي يتلف أغراضهم وفقاً لعدد من المسافرين التقاهم “صالون سوريا”. وذكر الرجل الأربعيني أنَّ من بين أغراضه الشخصية التي تعرضت للتمزيق أثناء التفتيش من قبل أحد الحواجز “لحف وبطانيات” بحجة وجود شيء ما بداخلها. وقال: “لم يكلف العنصر نفسه حتى فتح الكيس وإلقاء نظرة عليه بل مزقه بسكين كانت بيده”. ويفيد بأن هذه الأغراض لها قيمة غاليه عنده كونها من تجهيزات عرسه منذ حوالي الخمسة عشر عاماً. لكن لا حول ولاقوه، وفقاً لتعبيره.

مضايقات
علام ليس حالة فريدة، بل هذا حال أغلب العابرين لهذا الطريق، فمنى ابنة مدينة الحسكة لم تنجُ من أسئلة عناصر حاجز أثريا عن سبب ذهابها لمدينتها، وتقول: “تولدي المسجَّل على هويتي مدينة دمشق” لكنها من سكان الرقة منذُ طفولتها حتى غادرت المدينة في العام 2013. وأضافت منى (33عاماً) وهو موظفة بنك خاص في دمشق لــ “صالون سوريا” بأنَّ “أخوها مسافر في الإمارات منذ العشر سنوات وطلب منها إحضار والدتها المقيمة في الرقة إلى دمشق بهدف ذهابها إلى دبي في زيارة لولدها”. وتقول بإنَّ من بين الأسئلة الموجهة لها تدخل في باب التحرش اللفظي والعنصري كــ “صبية حلوة متلك شو بياخدها على الرقة”.
وتذكر بحرقةً أنها لم ترَ والدتها منذ حوالي الثلاثة سنوات تجنباً للسفر إلى مسقط رأسها والمعاناة التي تحصل معها على طريق الرعب كما تصفه الشابة الثلاثينية.

اتاوات
أما خالد الشعيبي ورغم أنه يعمل قاضي في محاكم ريف دمشق بعد تخرجه من المعهد القضائي التابع لوزارة العدل فأن “حصانته القضائية لم تنجه من التفتيش والتفتيش”. يقول لــ “صالون سوريا”، ويضيف، “قام عنصر بتفتيش شنتاية لابتوبي وطلب مني تشغيله كي يرى ما يوجد بداخله”. وأفاد، بأنَّه شهرياً يسافر إلى الرقة ويتعرض لهذه المضايقات التي تختلف في طريق عودته إلى دمشق، إذ يضطر هنا لدفع (أتاوة) على بعض الأغراض التي بحوزته. ويقول لــ “صالون سوريا” ” في إحدى سفراتي جلبت معي تنكة زيت زيتون”، لكنَ العنصر قال له “الزيت ممنوع نقله بالبولمان”، وهي إشارةً إلى أن العنصر يريد “مصاري” بحسب تعبير القاضي الذي اضطر لدفع مبلغاً من المال 16 ألف ليرة”.
لا يختلف الواقع كثيراً على المقلب الآخر، حيث سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تنتشر حواجزها على طريق مناطق سيطرتها، ويقول الشعيبي لــ “صالون سوريا” “يمر سكان المنطقة الشرقية على حواجز قسد تقريباً بنفس إجراءات التفتيش وبعض المضايقات للشبان الذين هم في سن التجنيد”. ويؤكد، بأنَّ من يسافر من مناطق سيطرة دمشق وقيده المدني غير تابع للمنطقة الشرقية يحتاج إلى إجراءات روتينية وكأنك داخل إلى دولة أخرى، ومنها “الكفيل والشاهد” من أحد أبناء المنطقة.

طريق دمشق -القامشلي
في العام 2017 أُعيد فتح الطريق البري الوحيد الذي يصل مناطق شمال شرقي سوريا بالعاصمة، وذلك بعد سيطرة دمشق على أغلب المناطق الواقعة على طرفي الطريق والتي خسرتها في العام 2013.
ويشكل هذا الطريق البري منفذاً رئيسياً لأهالي الجزيرة للوصول للمحافظات والمناطق السورية الأخرى، إضافة للطريق الجوي عبر مطار القامشلي في الحسكة.
وتنطلق رحلات الحافلات من دمشق باتجاه القامشلي والرقة عبر طريقين لكل منهما، حيث يمر طريق دمشق -القامشلي من نقطة الانطلاق بدمشق عبوراً بحلب ثم القامشلي -قراقوزات، بينما يمر طريق دمشق -الرقة عبر أثريا وصولاً للطبقة ومنها إلى الرقة.

رحلة طويلة وغالية
قد تستغرق الرحلة من دمشق إلى القامشلي وبالعكس براً حوالي الـــ 18 ساعة، وقد تصل إلى 24 ساعة حسب ظروف الطريق وطريقة التفتيش على الحواجز والمعابر الواصلة بين بداية الخط ونهايته، على أنها كانت تستغرق حوالي الــ 9 ساعات قبل الحرب بالعام 2011.
وتبلغ قيمة التذكرة للشخص الواحد حوالي 32 ألف ليرة بحافلات رجال الأعمال و25 ألف ليرة بالحافلات العادية ويجتاز الراكب أكثر من 15 حاجزاً ونقطة تفتيش إضافة للحواجز الطيارة، أي غير الدائمة والتي تظهر فجأة على الطريق في حين كان سعر التذكرة قبل الحرب 500 ليرة.
بالمقابل، هناك من يسافر عبر الطائرة العسكرية التي تنقل بضائع مقابل 50 ألف ليرة وواسطة كي يحجز مكاناً. وهناك من يضطر نظراً لظروفه لدفع مبالغ مالية تتجاوز الـ 350 ألف ليرة للحصول على حجز طيران عبر شركة أجنحة الشام.

الجفاف يوقظ ترانيم تاريخية شرق سوريا

الجفاف يوقظ ترانيم تاريخية شرق سوريا

مع توالي مواسم القحط والجفاف وتأخر المطر لجأ أهالي قرى ديريك (المالكية) إلى إحياء طقس الأجداد زيوا القديم الذي يعود لقبل الميلاد، حيث يترنم الأطفال شمالي شرق سوريا بهذه الطقوس، التي مارسها المجتمع الكردي منذ قرون قد خلت لدرء الجفاف..
تتنوع سبل استعراض هذه الطقوس بين صنع دمية من الخشب والنسج الملونة، يتم رشها بالمياه من قبل الجدات، أما الأطفال فينظمون كرنفالات متنكرين بأزياء شعبية فيتم إلباس الصبيان ثياباً للنسوة أما الفتيات فيلبسن ألبسة صبيانية.
هذه العادة مارسها الشاب شيروان علي ( 49 عاماً) من قرية “وانكي” التابعة لمدينة ديريك في طفولته واليوم يحييها مع أحفاده بعد مواسم قحط توالت على مناطق الجزيرة السورية، السلة الغذائية لسوريا .
ويستذكر علي صوراً تعود لأكثر من 40 عاماً لقرويين يصنعون دمية خشبية يجوب بها الأطفال القرى المجاورة طالبين ما تيسر من بيوت الريفيين من الحلويات واللحم والقمح أو الشعير والحمص وغيرها من البقوليات ويتابع: “كنا نطرق كل الأبواب فتمنحنا ربات البيوت المتوفر لديها من محاصيل أرضها بعد أن ترش عروسة المطر أو كما نسميها في طقوسنا بزيوا بالماء فيدعون لها بالعمر المديد وبمواسم مطر عامرة ثم ينتقلون من بيت لآخر فرحين بثيابهم وقطع الحلوى المقدمة لهم، مردّدين أنشودتهم المعروفة “دم ودم كيسكي قدم سري سالي بني سالي خودي كوركي بدي كفانيا مالي”، والتي تجسد دعاء بمنح أصحاب البيت في أول السنة أو آخرها بمولود ذكر، لكن اليوم بات غالبية المحتفلين بزيوا يكتفون فقط بتقديم صنوف الطعام للأطفال”.

طهي الطعام
أبو شفان مزارع ستيني من قرية “ديرونا” في ريف مدينة القامشلي وأحد المشاركين في طقس زيوا الذي أقيم حديثاً في قريته، يوضح لصالون سوريا أسباب إحياء طقوس موغلة في القدم في المجتمع الكردي قائلاً: “نطلب رحمة السماء أن ننعم ببركات الغيث فحقولنا قد جفت وتأخر نزول المطر ونحن قلقون من خسارة مواسمنا التي ستضرّ بثروتنا الحيوانية فنحن فلاحون نقتات من أراضينا ومواشينا، وندعو الله أن ينعم علينا برحمته “.
وأشار أبو شفان إلى أن طقوس زيا اكتسبت أهمية كبيرة وعادت لتحيا من جديد خاصة عقب الانخفاض القياسي في معدلات هطول الأمطار.

زيا لتحقيق الأمنيات
لم تقتصر ممارسة طقوس زيا على جلب الأمطار كما سردت السيدة سميرة الموسى ( 68 عاماً) من سكان الميسلون في مدينة القامشلي وإحدى المشاركات في حيها الأسبوع الفائت. تقول لـ “صالون سوريا” إن لممارسة هذا الطقس دلالات أخرى: “لم تكن زيا عادة لجلب المطر فقط بل كان المتضرعون لله يطلبون أمنيات تخص كل امرأة عاقر، فيتوجه أطفال القرية أو الحي بأدعيتهم للرب كي يرزقها بمولود صالح لذا فمناسف الطعام كانت تقدم بداية للأطفال دون سن العاشرة ويطلب منهم الدعاء لهذه المرأة بأن ترزق بوليد ومن ثم يتناولون صنوف الأرز والبرغل ولحم الضان أو الدجاج ويبقى الكبار بجانبهم يحرصون على خدمتهم حتى انتهائهم من الطعام وبعدها يتقدم الكبار لتناول وجبتهم “.

سوريا على شفير مجاعة
حذرت تقارير أممية من تفاقم انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء سوريا ومن مجاعة محتملة تهدد البلاد مطالبة بتحرك سريع لإنقاذ أرزاق السوريين بسبب توالي سنوات القحط والجفاف.
حيث دعت دراسة حديثة لمعهد الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث إلى توجه عالمي لإنقاذ السوريين من مجاعة كبيرة خلال الفترة القادمة ووضع حلول سريعة لدرء السوريين من الانزلاق في الفقر المدقع وكشفت الدراسة أن أزمة فقر وجوع غير مسبوقة ستطرق أبواب مختلف المناطق السورية بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية والعقوبات وجائحة كوفيد19.

ملك الفخار في القامشلي… أرمني خائف على مهنته

ملك الفخار في القامشلي… أرمني خائف على مهنته

ما أن تذكر حرفة الفخار في ضواحي مدينة القامشلي وريفها، حتى تقفز في ذاكرة أهلها عائلة “الفاخوري” الأرمني العم ميساك انترانيك بيدروسيان، التي امتهنتها لسنوات طويلة. اذ تنتج عائلة ميسان (88 عاماً) أجود أنواع الفخاريات، وتعتبرها مصدر رزق رغم العوائق التي تعترضها في تصريف منتجاتها في الأسواق.
حافظ الجد انتراتيك، على إرث العائلة الثمين في تشكيل تحف وخزفيات فخارية زاهية تبهر الناظرين إليها، فهي شاهدة على براعة ما ورثه من آبائه وأجداده منذ ما يقارب 400 عام. وجابت عائلة بيدروسيان، معظم بلاد الشام قبل الحرب العالمية الثانية في رحلة للبحث عن قوت عيشهم، وانتهى بهم المطاف في مدن سورية عدة قبل محطة ترحالهم الأخيرة إلى مدينة القامشلي قبل 88 عاماً ليلد بيسان بموهبة فريدة امتزجت بشغف الفن وحب الحياة فكانت أسرتها الأخيرة التي لا زالت تواظب على ممارسة المهنة.

شغف المهنة
يقول العم “ميساك” لـ “صالون سوريا” بأن عائلته هي الوحيدة والمنفردة في صناعة الفخار، والتي حافظ على مزاولتها في المدينة منذ السنوات العشر الماضية ومقاومة انقراضها، حيث يقضي المسن الماهر برفقة ابنه انتون ساعات طويلة لا تعرف الكلل والملل داخل فاخورته الطينية البدائية، والتي توقن من يدخلها لأول مرة ٖبأن الزمن توقف لمئات السنين بين زوايا وجدران تلك الرقعة الصغيرة المجسدة للوحة طفولة “انتراتيك” وشبابه وخريف عمره مثابراً على اعتلاء منصة الدولاب الدائري ،متحكماً بالعجينة لتصبح طيعة بين راحتيه المجهدتين وهو يديرها كيفما شاء وسط عملية سيطرة مذهلة للفه لها بأطراف أصابعه في كل اتجاه ٖ مستمداً حنكته في هذا الفن منذ طفولته.

تجهيز الفخار*
يوضح “الفواخيري” المراحل التي تتدرجها العجينة الفخارية قبل انتهائها بشكلها الأخير قائلاً :”علينا الحرص في انتقاء نوعية الطين وغربلتها جيداً بالغرابيل الناعمة، ثم نقع الطينة في أحواض خاصة بها لثلاثة أو أربعة أيام، وبعدها نعجنها بأقدامنا لنحصل على العجينة المناسبة، وتقطيعها وتكويرها باليدين، فتسطيحها على سطح آلة المرجل وتدويرها بالرجل لنتمكن بعد ترطيبها بالمياه التحكم بأشكالها وتحويلها لصحون أو كؤوس أو جرار وغيرها من الفخاريات وأخيرا شوائها وتلوينها”.
تحتاج هذه المهنة لروح إبداعية في العمل ورغبة في التشكيل والرسم والتزيين، كاحتياجها أيضاً لأدوات أساسية يصفها “الفواخيري”، بالعديدة لـ “مهة فنية جميلة ومنهكة”، يحصيها الخزاف المسن بوجود “حوضين: واحد لوضع التراب أما الثاني، لتصفيته من الشوائب. القاعدة، الميل والقرص المعدني ودولاب خشبي لتدوير العجينة ليتم تقطيعها بلأرجل والخيط وفق الشكل المطلوب. ايضا، أكياس من الخيش لتنشيف الطين. دلو غميق وأباريق للقياس ووعاء بلاستيكي يملأ بالماء أثناء العمل على الدولاب ،قطع عدة من الإسفنج مختلفة الأحجام”.
هناك ايضاً، قطعة بلاستيكية ملساء وصغيرة الحجم لقطع زوائد العجين الزائدة والمتساقطة من الدولاب. إبر أو دبابيس للزخرفة، قطع معدنية للتلميس، أسلاكا قاطعة لنزع القدور عن الدولاب وفي النهاية الفرن أو الكور.

مهنة تقاوم الزوال
يحز في قلب العم “ميساك” ذهاب هذه الحرفة وغيرها إلى الزوال ودعا إلى التمسك بتراث الأجداد،فعائلته باتت الوحيدة الممتهنة لها والرافضة لزوالها. يتحدث عن صنعه لأنواع مختلفة من الفخار فمنها البورسلان ومنها الخزف الحجري المتسم بصلابته وألوانه البنية ،الحمراء،الرمادية،اليضاء والسوداء. ويعلل الفواخيري المسن أسباب ظهور صناعة الفخار في الماضي إلى افتقار الناس قديماً للأدوات المنزلية الضرورية. ويقول: ” فسدّت هذه المهنة حاجتهم الماسة في حفظ الطعام وطهيه وتخزين المياه والزيوت والعسل ،فصنعت الفخاريات لحفظ أدوية الطبابة الشعبية آنذاك ،ناهيك عن فوائدها الصحية”.
يتهافت زبائن ورشة “ميساك” لشراء تلك الأدوات الجميلة ذات الأشكال التراثية رغبة منهم في استحضار شيء من الماضي الجميل تعبق أسواقه برائحة مهنة تغنى بها الأجداد. ولا زالت مدينة القامشلي تزخر بالعديد من المهن التراثية والحرف الشعبية. وتعتبر صناعة الفخار أقدمها وأكثرها شهرة رغم تطور الأدوات والآلات المصنعة للفخار، إلا أن الطرق القديمة المقاومة للاندثار تبقى أجودها حتى يومنا هذا.

أدوية دمشق تُعمق جروح القامشلي

أدوية دمشق تُعمق جروح القامشلي

بعد إعلان نقيب الصيادلة في سوريا، وفاء الكيشي الخميس الماضي رفع أسعار جميع الأدوية بنسبة 30 بالمائة؛ قفزت في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي البلاد والخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بنسبة 60 بالمائة، تنقسم على نحوٍ تضم الزيادة الأخيرة وأجور النقل من دمشق والأتاوات التي يفرضها عناصر تابعون للحكومة، على المعابر والمنافذ الحدودية الواصلة مع مناطق الإدارة في معبري الطبقة جنوبي الرقة، والعكيرشي شرقي المحافظة.
وبعد ساعات من اصدار الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً، قضى بزيادة رواتب وأجور العاملين في الدولة المدنيين منهم والعسكريين نسبة 30 بالمائة، قالت وفاء الكيشي نقيب الصيادلة بسوريا في افادة صحفية أن أسعار جميع الأدوية رفعت 30 بالمائة، وهذه المرة الثانية خلال العام الحالي ترفع وزارة الصحة أسعار الادوية حيث كانت الأولى منتصف حزيران (يونيو) الماضي، ونشرت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، نشرة الأسعار الجديدة للأدوية التي تضمنت تعديل أسعار 13 ألف صنف دوائي.

ارهاق المرضى
في شارع الأطباء وسط السوق المركزية لمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، يجهد وائل الرجل الخمسيني البحث عن دواء لمرض أبنه الصغير المصاب بأذنه الوسطى، وقال بأن غلاء أسعار الأدوية في مناطق الإدارة وسط تدهور الأوضاع المعيشية وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية (الدولار الواحد يساوي 3550 ليرة)، يزيد من مشقات حياته وقال لـ “صالون سوريا”: “أسعار الأدوية غالية جداً وأنا موظف راتبي أقل من 100 ألف ووضعي لا يسمح، فمعاينة الطبيب ولائحة أدوية لشراء قطرة أذنيه ومخفض آلام تطلبت دفع مبلغاً كبيراً”.
وتصاعدت حدة أزمة نقص الأدوية في مناطق الإدارة الذاتية شرقي الفرات بعد إغلاق القوات الحكومية جميع المعابر البرية مع مناطقها منذ مارس (آذار) الماضي وتوقف دخول الأدوية إلى مناطق سيطرة قوات (قسد)، الأمر الذي دفع عناصر قوات حكومية لفرض رسوم وإتاوات باهظة وصلت إلى 50 ألف دولار أميركي.
وتقول سيدة تبلع من العمر ثلاثين سنة وتدعى فاطمة تتحدر من بلدة الشدادي جنوبي الحسكة، وكانت تحمل طفلها المريض وتبحث عن الدواء بشارع الأطباء لكنها فشلت في الحصول على خافض للحرارة في جميع الصيدليات، ونقلت بانها لم تجد دواء “تيمبرا” الخاص بخفض الحرارة التي بحثت فيها فاضطرت إلى شراء البديل، لكن بسعر مرتفع وذكرت في حديثها لـ(صالون سوريا) أن: “ابني أصيب بإسهال وارتفعت حرارته بشكل مخيف بسبب برودة الطقس وتقلب الأجواء، بحثت عن الدواء فلم أجده وأجبرت على شراء دواء شبيه لكن بسعر غالٍ جداً”.
فأدوية الأمراض القلبية والصرع إلى جانب قطرات الأذن وأدوية الأمراض الموسمية المعدية، من بين أهم الأصناف المفقودة في مناطق الإدارة الذاتية وأحياناً يظهر المستحضر الدوائي ويصبح رائجاً وموثوقاً ثم يعود ينقص فترات طويلة ليتم طرح مستحضر شبيه، لكن بأسعار مرتفعة ومتذبذبة، وعن أزمة نقص الأدوية وشحها يقول الصيدلاني عبد الحكيم رمضان الذي يمتلك صيدلته في شارع فلسطين التجاري وسط مدينة الحسكة ضمن قطاع الإدارة لدى حديثه الى (صالون سوريا)، الى إن المشكلة ليست بفقدان أدوية أمراض الجلطات والأمراض المزمنة وباقي الأمراض.
ويقول: “نعاني صعوبة في تأمين الدواء بسبب حصار معابر (الفرقة الرابعة) مع مناطق سيطرة الحكومة، وشراء المواد الأولية مربوطة بالدولار الأمريكي، يضاف إليها وجود المعامل والشركات بدمشق وحلب والتي تتحكم بتحديد الأسعار”، منوهاً بأن أغلب أدوية أمراض السكري والضغط وحبوب الغدة وقطرات الأذن والعين تتحكم بأسعارها الشركات والمعامل في المنشأ والصيدليات تضطر إلى شرائها محررة أي بسعر العموم، وأضاف رمضان: “هناك قطرات لمرض العيون سعرها في المنشأ 3500، لكن نشتريها بسعر مرتفع يصل إلى 5 ألاف وأحياناً 6 ألاف، وهذا يضاعف أسعار الأدوية هنا ونحن نبيعها بزيادة 500 ليرة يصبح سعرها مضاعف”.
رشاوي
منذ آذار (مارس) الماضي، تمنع القوات الحكومية عبور الشاحنات والسيارات التجارية الآتية من دمشق من إكمال وجهتها والدخول إلى مناطق “قسد”، وأغلقت معبري العكيرشي شرقي الرقة والطبقة التابعة للمحافظة ويقع جنوبي نهر الفرات، ويفرض عناصر تابعون لقوات الحكومة، إتاوات فردية وتجارية على حركة المرور قد تصل لآلاف الدولارات على شاحنات نقل البضائع والسلع الغذائية وشحنات الأدوية.
وقال معتمد أدوية يتحدر من مدينة الحسكة طالباً عدم الإفصاح عن هويته لأسباب أمنية، أن :عناصر من النظام أصبحوا يفرضون مبالغ مالية طائلة على شحنات الأدوية القادمة من معامل وشركات تصنيع الأدوية بدمشق والمتوجهة نحو مناطق الجزيرة، عبر منفذ الطبقة:، وقال: “يأخذون رشاوي على المتر الواحد مبلغ 500 دولار أميركي، وعادة الشحنة تكلف ما بين 25 ألف دولار إلى 50 ألفاً حسب الوزن والكميات، عدا أجور النقل وتكلفة توزيعها على المستودعات والصيدليات”، الأمر الذي يزيد من أسعار الأدوية في مناطق الإدارة بنسبة تصل إلى 30 في المائة من سعر التكلفة بالعاصمة.
أما نيجرفان الذي يمتلك مستودعاً للأدوية يقع في منطقة تماس تفصل مناطق سيطرة النظام عن مناطق نفوذ “الإدارة” قرب ساحة النجمة وسط الحسكة،قال أن زيادة ارتفاع أسعار الأدوية الأخيرة تزامنت مع فقدان الكثير من الأصناف، ويعزو السبب الى أن الشركات والمعامل رفعت الأسعار بعد القرار الأخير، وأكد أن أدوية الأمراض المزمنة شبه مفقودة وذكر بأن أصناف (كارباتيك 400) مفقود الذي يستخدم لمرضى الصرع، أما مسكنات الألم (دراما دول) و(ديازيبام) و(دورميتا) هي ايضاً مقطوعة، وقال في حديث لـ”صالون سوريا” انه إذا توفرت أصناف مماثلة “تكون أسعارها مرتفعة جداً يضاف لها أجور نقلها وشحنها من نقطة الاستلام”، لافتاً إلى أن السيرومات مصدرها تركيا وهناك أصناف من حليب الأطفال إيرانية الصنع، وبعض أدوية مسكنات الألم والمخفضات يكون مصدرها أجنبياً. وزاد: “الطلب يكون على الدواء السوري حتى ولو سعره مرتفع، فالمريض يثق بالصناعة الوطنية، لكن علبة الديالين كان سعرها بالجملة سابقا 1535 ليرة تباع اليوم 10500 ليرة، وكل أنبولة منها سعرها 2700 ليرة”.
ويشكو كثيرون من المرضى فقدان أدوية أمراض مزمنة مثل أدوية القلب والضغط وأدوية الكوليسترول، فضلاً عن القطرات والصرع، إضافة إلى أن بدائل هذه الأدوية غالية الثمن والمريض لا يأخذها إلا بعدما يرجع للطبيب، ونقل صاحب مستودع ثاني بالحسكة، أنه اتفق مع تاجر وصاحب شركة شحن على نقل دفعة من السيرومات من دمشق إلى مناطق الإدارة، وبعد حصوله على جميع الموافقات الأمنية واصطحابها معه وأثناء وصوله إلى حاجز رسمي عند مدخل بلدة الطبقة، أوقفه عناصر الحاجز وطلبوا منه دفع رشوة بقيمة 10 آلاف دولار أميركي، ليحتج سائق السيارة ورفض دفع المبلغ المطلوب، وقال: “السائق قال لهم إنها سيرومات وحجمها كبير وشحنة الأدوية كاملة لا تساوي 10 ألاف دولار”، غير أن عناصر الحاجز أجبروه بالعودة إدراجه.

مظلوم عبدي: خصوصية الأكراد في سوريا المستقبل

مظلوم عبدي: خصوصية الأكراد في سوريا المستقبل

كشف قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي في حديث إلى «الشرق الأوسط»، قيام القوات الأميركية بالانتشار في مناطق جديدة شرق الفرات بموجب قرار الرئيس دونالد ترمب لـ«محاربة داعش» وحماية الثروة النفطية، قائلاً إنه تبلغ أنهم سيدافعون عن قواته «ضد أي هجوم من أي طرف». وأوضح أن الوضع شرق الفرات «معقد أكثر بكثير من السابق» بسبب وجود القوات الروسية والتركية والسورية والتحالف و«لدينا مجموعات تنسق معها لتجنب حصول مفاجآت».

وقال إن قواته لم توافق على جميع بنود اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا بينها الإشارة إلى اتفاق أضنة، موضحاً: «تركيا تقوم بعمليات تغيير ديموغرافي وهدفها الأساسي التطهير العرقي (…) وسنعدّ أي دعم أو موافقة على الخطط التركية، بمثابة مشاركة مع تركيا في عمليات التغيير الديموغرافي والتطهير العرقي».

وأكد رداً على سؤال توقيعه مذكرة تفاهم مع مدير مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، قائلاً: «كنا طلبنا مراراً من الحكومة السورية نشر قواتها على الحدود لدحض الحجج (الذرائع) التركية لغزو الأراضي السورية. سابقاً، لم تتجاوب الحكومة. لكن بعد الغزو التركي الأخير تجاوبت مع ذلك، ووافقنا على نشر قوات الحكومة في جميع نقاط التماس بين قواتنا وقوات تركيا».

وقال عبدي إنه طالب خلال مفاوضات مع دمشق بالحفاظ على خصوصية «قوات سوريا الديمقراطية» التي تضم 110 آلاف مقاتل وعنصر في الأمن الداخلي، في «جيش سوريا المستقبل».

وسئل عن مستقبل الإدارة الذاتية، فأجاب أن المفاوضات مع دمشق «تتطلب وقتاً أكثر وحواراً أطول»، موضحاً: «المنطقة تحتاج إدارة ذات طابع سياسي».

هنا نص الحديث الذي أجري هاتفياً من القامشلي أول من أمس:

> الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرر الانسحاب في بداية أكتوبر (تشرين الأول) ثم تراجع عن ذلك. عسكرياً، كيف هو الوجود الأميركي وعلاقتهم معكم في الوقت الراهن؟

– الانسحاب الأميركي حصل من غرب شمال شرقي سوريا. حالياً، الأميركيون موجودون في شرق شمال شرقي سوريا، أي في محافظتي دير الزور والحسكة، أي الجزيرة. هناك إطار عسكري لوجودهم وهناك قواعد تحدد حركة القوات الأميركية في المنطقة. لديهم قواعد عسكرية محددة من الفرات جنوباً إلى الحدود التركية والمناطق النفطية في ديريك (المالكية) شمالاً، حيث صار لهم وجود جديد في هذه المنطقة وفي منطقة القامشلي.

> لديهم 600 جندي شرق الفرات، في أي قواعد؟

– لديهم قوات متحركة ويوجدون من حدود تركيا في المنطقة الشرقية إلى نهر الفرات. وجودهم مستمر. وفي شكل عام، بإمكاني القول إن القواعد العسكرية الأميركية من حيث العدد، بقيت كما كانت سابقاً.

> عدد هذه القواعد؟

– ليس لدي عدد محدد.

> بالنسبة إلى مذكرة التفاهم بين القوات الأميركية و«قوات سوريا الديمقراطية»، هل جرى أي تغيير في بنودها؟

– الأهداف نفسها لا تزال سارية، أي محاربة «داعش». وهناك هدف جديد هو حماية الثروات النفطية.

> عندما حصل قرار ترمب بالانسحاب تحدث بعض المسؤولين الأكراد عن «خيانة أميركية» و«طعنة بالظهر». هل هذا الشعور لا يزال مستمراً؟

– بالطبع، الانسحاب الأميركي المفاجئ خلق نوعاً من خيبة الأمل ونوعاً من عدم الثقة بالوعود (الأميركية) التي تم إعطاؤها سابقاً. نعرف أن التراجع عن قرار الانسحاب كان نتيجة الضغط من الرأي العام الأميركي والكونغرس وجهات أخرى والأصدقاء الآخرين في قوات التحالف الدولي ضد «داعش». هذا جعلنا نشعر بنوع من التفاؤل بوجود أصدقاء. أما في أميركا، فهناك من يريد الانسحاب وهناك من يريد البقاء حتى يتم تحقيق السلام في سوريا.

> حالياً، بعد قرار البقاء. هل هناك سقف زمني لهذا البقاء؟ أم أنه عرضة لتغريدة جديدة من ترمب؟ أم أنه مفتوح؟

– سابقاً لم يكن هناك أي جدول زمني والآن ليس هناك جدول زمني. هناك أهداف محددة، وهي القضاء نهائياً على «داعش» والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. هذا يعني أنه عرضة للتحليلات حسب الأشخاص.

> سابقاً، كانت «قوات سوريا الديمقراطية» تسيطر على ثلث سوريا ومعظم الثروات. حالياً، هذه المنطقة فيها 4 أطراف: قوات التحالف بقيادة أميركا، وهناك روسيا، وهناك تركيا، إضافة إلى قوات الحكومة السورية. في حال تعرضت «قوات سوريا الديمقراطية» للاعتداء من أي طرف، هل هناك ضمانات أميركية بالدفاع عنكم وعن قواتها ضد ذلك؟

– القوات الأميركية مسؤولة عن المناطق المنتشرة فيها. هم صرحوا بذلك وأكدوا ذلك، لكن أيضاً لدينا اتفاقات عدة. الاتفاقية التي عقدها الأميركيون مع تركيا في أنقرة، واتفاقية سوتشي بين روسيا وتركيا، وهناك تفاهم بيننا والقوات الحكومية السورية بضمانة روسيا وتفاهم معها.

هذه الأطر تحدد وجود هذه القوات في المنطقة. القوات التركية كانت تقوم بالاحتلال والغزو، لكن تم تحديد المناطق بالاتفاقيات التي ذكرتها. القصد من الجميع هو الوفاء بالالتزامات الموجودة في هذه الاتفاقات.

> سنأتي إلى هذه الاتفاقات. لكن سؤالي هو أنه في حال تعرضتم لأي هجوم من أي طرف من هذه الأطراف، فإن الأميركيين سيدافعون عنكم أم أن مهمة الأميركيين فقط حماية النفط وقتال «داعش»؟

– أستطيع القول: نعم عن هذه النقطة.

> أي، في حال تعرضتم لأي هجوم من أي طرف، فإن القوات الأميركية ستدافع عنكم، صحيح؟

– نعم، هناك تعهد في هذا المجال.

> بالنسبة إلى الوجود التركي شرق الفرات، هناك مذكرة أميركية وأخرى روسية مع تركيا، بحيث تم تحديد منطقة بين تل أبيض ورأس العين. هل تعدون هذين الاتفاقين مرضيين وجرى تنفيذهما؟

– دعنا نكون دقيقين. نحن وافقنا على البنود التي تتعلق بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات من مناطق معينة، وتم تنفيذ هذه البنود في شكل كامل من طرفنا. لكننا لا نقبل الوجود التركي وشرعنة الاحتلال التركي. لذلك لم نوافق على جميع البنود ولم يؤخذ رأينا في ذلك.

> لكن البنود المتعلقة بعمق انسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية والسلاح الثقيل، جرى تنفيذها وتركيا تقول إنها لم تنفذ كاملة؟

– بالعكس، الجانب التركي خرق هذه الاتفاقيات. في 17 أكتوبر (تشرين الأول) تم إبرام الاتفاقية (بين أميركا وتركيا)، ونحن قمنا بتنفيذ ما يتعلق بنا في شكل كامل. تركيا، هي التي راوغت نحو شهر واستمرت بالتقدم واحتلال مناطق خارج منطقة الاتفاق. من جهتنا، قمنا الوفاء بجميع البنود من الناحية العسكرية.

> سمعت أن روسيا تدخلت ووضعت حدوداً للتقدم التركي شرق الفرات وجرى الانتشار وفتح الطريق بين القامشلي وحلب. هل هذا صحيح؟ وهل أميركا لا تزال وسيطاً بينكم وبين تركيا؟

– هناك مفاوضات غير مباشرة بيننا وبين تركيا عبر الأميركيين وتتعلق بموضوع تنفيذ اتفاق أنقرة.

> حول ماذا؟

– حول الانتهاكات التركية لهذه الاتفاقية ومحاولات تركيا القيام بعمليات تغيير ديموغرافي في المنطقة التي احتلتها ومنع عودة النازحين إلى مناطقهم والاستيلاء على الممتلكات ومحاولة تهديد جلب آخرين إلى هذه المنطقة. كل هذه المسائل التزمت أميركا بتنفيذها، وهي ملتزمة بفرض التزام تركيا ببنود اتفاق أنقرة.

> تركيا تخطط بداية لإسكان مليون شخص بين رأس العين وتل أبيض. والرئيس رجب طيب إردوغان طلب في القمة الرباعية في لندن بداية الشهر المساهمة البريطانية والفرنسية والألمانية في تنفيذ الخطة. الأوروبيون يرفضون المشاركة في إعادة سوريين إلى غير مناطقهم. ماذا تبلغتم من حلفائكم الأوروبيين؟

– بالتأكيد، تركيا لا تقوم فقط بالتغيير الديموغرافي، بل بالتطهير العرقي.

>تطهير عرقي؟

– تركيا هدفها القضاء على الشعب الكردي. حالياً، تقوم بعمليات تغيير ديموغرافي وهدفها الأساسي التطهير العرقي. رأينا ذلك في عفرين. الشعب لجأ إلى مناطق مجاورة ويتم قصف يومي للمدنيين. ما تقوم به تركيا أمر غير مقبول ويجب ألا يحصل على أي دعم من أي جهة دولية كانت. وسنعدّ أي دعم أو موافقة على الخطط التركية، بمثابة مشاركة مع تركيا في عمليات التغيير الديموغرافي والتطهير العرقي.

> بالعودة إلى الاتفاقات. وقعت مذكرة تفاهم مع مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك لانتشار قوات حرس الحدود السورية على حدود تركيا وشرق الفرات. هل ممكن ذكر تفاصيل المذكرة؟

– هذا الاتفاق لا علاقة له بالغزو التركي. كنا طلبنا مراراً من الحكومة السورية نشر قواتها على الحدود لدحض الحجج (الذرائع) التركية لغزو الأراضي السورية. سابقاً، لم تتجاوب الحكومة السورية. لكن بعد الغزو التركي الأخير تجاوبوا (في دمشق) مع ذلك، ووافقنا على نشر قوات الحكومة في جميع نقاط التماس بين قواتنا وقوات تركيا. حالياً، ليست هناك أي نقاط تماس بيننا وبين الجيش التركي.

> هذا بموجب مذكرة بينك وبين اللواء مملوك…

– صحيح. هو وقع باسم الحكومة وضمانة روسيا.

> هل يتضمن هذا التفاهم أي تعاون بين «قوات سوريا الديمقراطية» وقوات الحكومة ضد الهجوم التركي؟

– بصراحة يجب أن تسأل هذا السؤال إلى الحكومة السورية. هي قادرة على الإجابة. حالياً وجود قوات الحكومة هدفه إعلان الوجود الرسمي على حدود تركيا. من المفروض أن تكون عملية مقاومة الاحتلال التركي، عملية وطنية مشتركة.

> هل طلبتم هذا من دمشق؟ وما الجواب؟

– أفضل أن تسأل السؤال لهم.

>إحدى أولويات روسيا لضمان الاتفاق بينكم وبين دمشق، هي تنفيذ اتفاق أضنة لعام 1998. صحيح؟

– صحيح.

> لكن كما نعرف أن اتفاق أضنة الموقع في 1998 يتضمن التعاون بين دمشق وأنقرة للتعاون ضد «حزب العمال الكردستاني» والتوغل شمال سوريا بعمق 5 كيلومترات. صحيح؟

– صحيح.

> إذن، هل أنتم قلقون من احتمال تطور المسارات لحصول تعاون مستقبلي بين أنقرة ودمشق برعاية روسية ضدكم؟

– أولاً، دعني أوضح نقطة. نحن لم نوافق على جميع النقاط في اتفاق سوتشي. قلنا ذلك، ونقول إنه لدينا تحفظات على بعض البنود بينها هذا البند. هناك بنود عسكرية وافقنا عليها وقمنا بتطبيقها في شكل كامل. لكن بعض الأمور وما يتعلق بمستقبل سوريا ومستقبل المنطقة (في شرق الفرات) نعدّها غير واقعية وغير صحيحة وتؤثر في شكل سلبي ولن نقبل بها.

بالنسبة إلى اتفاقية أضنة، نحن نعدّ أنه ليست هناك أي أرضية لتطبيق هذه الاتفاقية. اتفاقية أضنة هي بين الجانبين. على تركيا أن تلتزم بها بوقف دعم مجموعات «الإخوان المسلمين» والمعارضة التابعة لها، ويجب منع تدخل تركيا في سوريا ودعمهم.

هذا لا يمكن أن تقوم به تركيا حالياً. تركيا موجودة في سوريا بكامل قواتها وتقدم الدعم الكامل لما يسمى «الجيش الحر» و«الإخوان المسلمين». ليست هناك أي أرضية لتنفيذ اتفاقية أضنة.

> لكن جزءاً من الاتفاقية طبق؛ عمق الانسحاب والدوريات…

– هذا جانب عسكري. وكانت لدينا تحفظات على بنود أخرى.

> هناك حالياً قوات أميركية وأخرى تابعة للتحالف، وقوات روسية وتركية وسورية. هل أنت قلق من احتمال الصدام في هذه الصورة المعقدة والمتداخلة شرق الفرات رغم التفاهمات؟

– بصراحة الوضع معقد أكثر بكثير من السابق، ويمكن أن تحصل مفاجآت عسكرية، لكننا نحاول متابعة الأوضاع على الأرض لمنع حصول ذلك. لدينا مجموعات تنسق مع القوات الحكومية والروسية. ولدينا مجموعات تنسق مع القوات الأميركية. حتى الآن تقوم قواتنا بعملها على أكمل وجه لتجنب حصول مفاجآت.

> في مذكرة التفاهم مع دمشق، جرى الاتفاق على تأجيل مناقشة البعد السياسي. صحيح؟

– دعني أقول الأمور بصراحة: كان هناك وضع عاجل واستثنائي. كان هناك غزو تركي تطلب أن نقف معاً لوقف الغزو، فحصل تفاهم مع الحكومة السورية. بالنسبة إلى الاتفاقات السياسية، أظن أنها تتطلب وقتاً أكثر وحواراً أطول. لا بد أن تجتمع الوفود لفترة أطول للوصول إلى تفاهمات سياسية.

> سمعنا تصريحات مختلفة من دمشق حول العلاقة مع «قوات سوريا الديمقراطية»؛ أحدها الاستعداد لقبول اندماج هذه القوات فردياً ضمن الجيش، ما موقفكم؟

– موقفنا واضح جداً، هو أن «قوات سوريا الديمقراطية» هي قوات وطنية سورية وجزء من المنظومة الدفاعية السورية ونريد أن نكون جزءاً من المنظومة الدفاعية السورية في سوريا المستقبل، وأن يكون لها بعد دستوري أيضاً.

«قوات سوريا الديمقراطية» تشكلت خلال الحرب لحماية المنطقة عندما انسحب الجيش الحكومي، وهي تقوم بحماية المنطقة من الجميع داخلياً وخارجياً: القوات التركية والمجموعات الإرهابية. استطعنا الحفاظ على المنطقة وأثبتت صفتها الوطنية وقدراتها العسكرية. ونطلب أن يكون لهذه القوات نطاق طبيعي ضمن المنظومة الدفاعية السورية، هو أن تقوم بحماية هذه المنطقة التي حررتها في شمال شرقي سوريا وأن يخدم أفرادها ضمن هذه المنطقة ويقومون بواجبهم الوطني في هذه المنطقة كأحد تشكيلات جيش سوريا.

> ما عدد أفراد «قوات سوريا الديمقراطية» من جيش وشرطة؟

– الآن، القوات المسلحة وقوات الأمن زاد عددها بسبب الغزو التركي، حيث كان هناك استنفار لانضمام الشباب. عدد «قوات سوريا الديمقراطية» هو 80 ألفاً. ولدينا 30 ألفاً من قوات الأمن الداخلي. يعني إجمالي العدد هو 110 آلاف مقاتل وعنصر أمن.

> هذا يكفي لتشكيل فيلقين في الجيش؟

– نعم، صحيح.

> كيف يمكن عسكرياً الحفاظ على هذا الكيان ليكون مستقلاً عن الجيش؟

– هناك تجارب مختلفة في بلدان أخرى. هي قوات موجودة على الأرض ولا نقوم بتشكيلها، بل هي تقوم بواجبها الدفاعي وأصبح لديها ضباط وعسكريون خلال 8 أعوام. يمكن أن تكون على شكل فيلقين – كما ذكرت – أو قيادة عسكرية لمنطقة شمال شرقي سوريا ضمن 3 مناطق في جيش سوريا.

> هل طرحتم هذا على دمشق؟

– هناك حوار معهم. الآراء مختلفة ونهدف إلى الوصول إلى حل وسط مشترك.

> ما تصورك لهذا الحل الوسط؟

– أن تكون هناك خصوصية لهذه القوات وأن يخدم أبناؤها في المنطقة وأن تكون لها قيادة وأن تبقى القيادة الحالية وتخدم هذه المنطقة وتحافظ على هيكليتها، لكن يمكن أن يعدل ذلك بما يتناسب مع هيكلية الجيش السوري في شكل عام.

> هل طرحتم ذلك على روسيا؟

– نعم. الروس أيضاً لديهم رؤية إيجابية بالموضوع. هم يقومون بدور مساعد بهذا الأمر.

> هل روسيا تتفهم موقفكم أكثر من دمشق؟

– روسيا باعتبارها الدولة الضامنة، تحاول القيام بدور إيجابي للوصول بين الطرفين إلى حل يرضي الطرفين.

> هل يمكن تكرار تجربة «الفيلق الخامس» الروسي؟

– لا، نحن نتحدث عن قوات موجودة أساساً، حاربت الإرهاب والاحتلال وأثبتت نجاحها ولديها قيادات عسكرية ومؤسسات عسكرية ضخمة. هي موجودة وليس المطلوب بناء قوات جديدة (كما حصل في الفيلق الخامس الروسي في جنوب سوريا).

> ماذا عن موقف أميركا؟

– لا أظن أنهم سيعترضون على ذلك. إذا وصلنا إلى حل يرضي طموحاتنا.

> هناك من يقول إن «قوات سوريا الديمقراطية» هي قوات كردية عمادها «وحدات حماية الشعب» الكردية. ما تشكيلة القوات؟

– أسمع ذلك. هذه الاتهامات ليست صحيحة أبداً. بشكل أخص، الاحتلال التركي ينشر هذه الاتهامات الباطلة. «قوات سوريا الديمقراطية» هي قوات وطنية سورية بامتياز، فيها جميع مكونات الشعب السوري، العرب والأكراد والآشوريون والتركمان والأرمن. لهم ممثلون بالقيادة. نسبة العرب والأكراد مناصفة إلى جانب تشكيلات من المكونات الأخرى.

> لكن هناك من يقول إن نسبة الأكراد في شرق الفرات لا تساوي نصف الشعب. هناك اتهامات بأن الأكراد يسيطرون على مناطق عربية؟

– «وحدات حماية الشعب» الكردية قامت بداية بتحرير مناطق عربية من «داعش». هذا كان في البداية، لكن بعد تشكيل «قوات سوريا الديمقراطية» عبر تحالف جميع الفصائل بما فيها العربية، فإن تحرير المناطق العربية قامت به «قوات سوريا الديمقراطية». كما أن قيادة المجالس العسكرية في المناطق العسكرية مثل منبج ودير الزور والرقة والطبقة، أغلبها – إذا لم أقل كلها – من شباب المنطقة والمكون العربي. هم يقومون بقيادة تشكيلاتهم العسكرية.

> هناك من يقول إن مشروعكم الحقيقي هو الانفصال ونسخ تجربة كردستان العراق. ما ردكم؟

– الوضع مختلف جداً عن كردستان العراق. لها خصوصية وذات أغلبية كردية ساحقة. نحن في منطقة فيها كل المكونات وبعض المناطق ذات غالبية عربية، مثل دير الزور والرقة وغيرهما. لا يوجد أكراد فيها. أكدنا مراراً أنه ليس هناك مشروع انفصالي أو تشكيل دولة كما يقال. الأمر يتعلق بإدارة المنطقة من أبناء المنطقة. هذا كل ما في الأمر.

> الواجهة السياسية لكم هي الإدارة الذاتية وتقترحون الحفاظ عليها من الإدارة المحلية التي تقترحها دمشق. صحيح؟

– بالأساس، الموضوع لا يخص المصطلحات. الموضوع الجوهري أن المنطقة تحتاج إدارة ذات طابع سياسي. المنطقة تتطلب أن يكون لها جانب سياسي. اللامركزية سواء كانت محلية أم ذاتية يجب أن يكون لها جانب سياسي وأن ينتخب أبناء المنطقة إدارتهم ويديرون مناطقهم ويقومون بالواجب العسكري في مناطقهم وقوات الأمن الداخلي تحمي مناطقهم. النموذج الموجود حالياً، ليس انفصالاً. نريد الحفاظ عليه والاستمرار به بعيداً عن المصطلحات.

> ماذا عن الثروات الطبيعية في شرق الفرات من نفط وغاز وسدود. هل هذه ورقة تفاوضية مع دمشق؟

– قمنا بواجبنا الوطني بالحفاظ على هذه الثروة الوطنية في خضم هذه الحرب الكبيرة. لم نجعلها تقع في أيدي الإرهابيين ولا أن تستخدم ضد الدولة السورية. استطعنا الحفاظ عليها. نستطيع القول أيضاً إنه حتى الآن نتقاسم هذه الثروات؛ سواء الكهرباء أو السدود والثروات النفطية مع جميع أبناء الشعب السوري.

> النفط أيضاً؟

– حتى الآن، نحرص على أن يستفيد الجميع من هذه الثروات. رغم الحرب، قمنا بواجبنا حتى الآن إلى أن يتحقق هذا دستورياً.

> ماذا تقصد دستورياً؟

– دستورياً، أي أن يستفيد من هذه الثروات جميع أبناء الشعب السوري. هذه الثروات للدولة السورية. والدولة السورية يجب أن توزع الثروات على الجميع بشكل عادل. كل ما يقال حول احتكار الثروات الوطنية أو احتكار الثروات الموجودة، غير صحيح. حالياً، نقوم بتقاسم هذه الثروات مع الجميع وجميع المحافظات السورية في شكل مناسب.

> بما فيها الحكومة السورية، هناك نفط يذهب إلى مناطق الحكومة…

– نعم، بما في ذلك الحكومة السورية. الجميع يعرف ذلك. هذا يحصل في شكل غير مباشر. رغم عدم وجود أي اتفاقية بيننا وبين الحكومة، نحرص أن يستفيد من هذه الثروات جميع أبناء الشعب السوري، وهذا يجري حالياً. الكهرباء من سد الطبقة، تذهب إلى حلب وتستفيد منها المناطق الغربية. الثروات النفطية الموجودة في الجزيرة ودير الزور تذهب إلى المناطق الغربية (حيث تسيطر الحكومة).

> هل هناك أرقام عن إنتاج النفط؟

– لست خبيراً في هذا المجال، لكن نؤكد أن تقاسم الثروات يتم في شكل يصل إلى جميع المناطق.

> فيما يتعلق بالحوار مع المعارضة. أين هو؟

– أظن أن الضغط التركي أثر في شكل كبير على ذلك وعلى التقارب مع فصائل المعارضة المعتدلة المقبولين. الغزو التركي أثر وموقفهم (الفصائل المعارضة) كان منحازاً للغزو التركي.

> توقف الحوار؟

– ليس هناك أي تقدم حالياً. توقف الحوار.

> ماذا عن اتصالاتك بالرئيس ترمب واحتمال زيارتك لواشنطن؟

– الاتصال الأول مع ترمب كان لوقف الغزو التركي الذي كان جارياً. الرئيس ترمب وعد بأنه سيتحدث مع إردوغان لوقف الغزو. بعد ذلك، حصلت اتفاقية وقف النار (في أنقرة في 17 أكتوبر). الاتصال الثاني، كان ليعلمنا أن القوات الأميركية ستبقى وسنعمل معاً وسيكون هناك وجود أميركي في شكل رسمي. دعاني لزيارة واشنطن واللقاء به لبحث هذه الأمور.

> هل هناك موعد؟

– سنقوم بالزيارة في الوقت المناسب.

> هناك اعتراض تركي؟

– الآن، هناك عملية تغيير ديموغرافي في المناطق المحتلة سواء في عفرين أو غيرها من المناطق الجديدة. هذا أمر خطر جداً لا يستهدف الوجود الكردي فقط، بل الشعب السوري عموماً. هناك مطامع «إلحاقية» (توسعية) لضم أراضٍ سورية إلى تركيا ويجب على المجتمع الدولي والرأي العام العربي التوقف عند هذه المسألة ويكون هناك موقف حازم للضغط على المجتمع الدولي لوقف العملية التي تهدد مستقبل سوريا.

**تم نشر هذا المقال في «الشرق الأوسط».