جسدكِ خزانة كتبٍ

جسدكِ خزانة كتبٍ

أصوات

أصوات تأتي من النافذة على مهل

أصوات تأتي من خشب الباب

من الماء

من لحم الهواء

من الساعة التي على الحائط

مثل أفريقيا التي تزأر في الليل

مثل الغزلان التي تتفسخ تحت عين النسر

مثل العري الذي يتركه أنين الخشب

مثل قفل الباب الذي يرى كل شيء.

مثل المفتاح الذي في يدكِ

مثل الطوفان الذي يترك وراءه الوحل

يغرق كل شيء فيك

ويبقى البيت مثل عربات الغجر

.على ظهر الجبل

كتابُ العمى

جسدكِ ينتظرُ الطرواديين

.أن يوقفوا هذه الحرب

 ،جسدكِ خزانةُ كتبٍ مرصوفة بعناية شديد

.ألمسُهُ فيقع كتاب ” العمى ” لساراماغو عن الرف

أتأمل ساقيكِ المرفوعتين

،فتنزل طيورٌ جريحة من الصفحات

،ويعرقُ الكرسي

،ودفةُ الباب

.والرجلُ الوحيد الذي بقربكِ

كأس كونياك يصدع الرأس

تمام الساعة الثانية عشرة

أتأمل تلك الندبة على جلدكِ الشاحب

:ونحن نمشي وسط منهاتن

 .لقطة من فيلم

.في بار ” الحصان الأبيض ” صورة لديلان توماس مأخوذة من جريدة

،أجلس ُ في هذا المكان لا لتعمد ارتكاب أخطاء

فقط أتأمل البحيرة المرسومة على الجدار

.والحدقة السوداء للعصفور الذي يصدأ

.هنا أرى الحياة على حقيقتها مع خلفية موسيقية

بكلمات قليلة يمكنك أن تصف الشوارع الخالية

.وحشرجات الوحيدين آخر الليل

.الوحشة هي تلك البقعة الرطبة على طرف القميص

***

الحنين

،”أحاول التخلص من كل ذلك الهراء الذي اسمه ” الحنين

.مع ذلك يقفز فجأة كالصرصار من تحت السرير

***

انتحار فرانسيسكو أوذيل

أقرأ في الجريدة عن انتحار شاعر من نيكاراغوا

،اسمه فرانسيس أوذيل

هل تصدقين

 ،أن حياة الآخرين جحيم

.ربما نراها في كلام قليل

رأس السنة 2011

ترك وراءه قصائدَ كثيرةً

،كانت تنظر إليه وهو يترنح على باب غرفته

.بحبل قصير مشدود على عنقه

لم يرتجف

.ولم يتكلم

كالضوء، لا أفهم سرّ انكساري

كالضوء، لا أفهم سرّ انكساري

ثَمرة ٌ ناضجةٌ

امرأةٌ

بقلبٍ مفتوحٍ

وعينٍ واسعةٍ

،تهزُّ شجرة الروح

:يسقطُ كلُّ شيء أمامها

الحياةُ

العينُ

القلبُ

.الروح

بنظرةٍ طويلةٍ

وابتسامةٍ عميقةٍ

،تُودِّعُ الحياة

تُوَدِّعُ ما رأتْ

.وما سترى

بنظرةٍ عميقةٍ

وابتسامةٍ طويلةٍ

ترى كلَّ ما كانَ

.وما سيكون

ليستْ عرافةً

كانت حدساً

.يضيء

كانت

.ثمرةً ناضجةً

:فهمتْ كلَّ شيء قبل السقوط

عَجْزَ الانسان في أن يكونَ أو لا يكونُ

.عجزَ الطائر في أن يطيرَ أو لا يطير

،يا حياةً

يا تعباً تُتَرْجِمَهُ الصُّورُ

امرأة بقلبٍ مفتوحٍ

وعينٍ واسعةٍ

.رأتْ الحياة صوراً مرسومةً على وجهها


كلما  مرَّ أمل اصطدتهُ

ٍمثل شجرةٍ ميتة

مثل موجةٍ تضرب الشاطئ

مثل غريبةٍ

لا أرى الطفولةَ

ولا ملامحَها

ولا أمراضَها

لا أتذكّر لقاحَ الجُدري

َّولا السل

ولا الحصبةَ

.ولا أيامَ الفِطام

َيائسةٌ مثل ثدي امرأة لم تعرفْ الرضاع

مثل أرملةٍ تنتظُر غبارَ الربيع

.كلما  مرَّ أمل اصطدتهُ


كالضوء، لا أفهمُ سرَّ انكساري

أنا الطالعةُ من رَحِمِ الأرضِ

بدعائي أشقُّ السماء

في سطوعٍ أعلو

.وفي عتمةٍ أغفو

منحتُ الحديقةَ خُضْرتَها

والأشجارَ

،أولادي

.وَرثوا أقوى عظامي

في تصاعدٍ خفيفٍ أقطعُ المسافةَ

،متصالحةً مع نفسي

يتراءى لي

.لكنّني كالضوءِ لا أفهمُ سرَّ انكساري

.أحتاجُ سفراً طويلاً كي أعبرَ المتاهةَ

.من حرير الكلام أرسمُ ألواني

:أسألكَ أيها البحر الصامتُ

لماذا رمتْ أمي ثيابي؟

،لماذا لم تترك سوى صبيةٍ في قلبها يلعبون

حفاة إلا من حبِّها؟

صادقتُ الضياءَ حتى انفجرتْ عيني

صادقتُ البحار فأخذني الموجُ

صادقتُ الصحراء فابتعلني رمْلُها

.صادقتُ البعد فخاطبني: أنت أبعدُ مني


عاريات

يا شجَرةَ الصَّفْصَافِ لماذا تَشْهَقين؟

سألتْها المرأةُ التي تنامُ تحتها

أعاريةٌ أنتِ مثلي بلا أوراق؟

ضحكت الأرض من تحتهما

،وتكوّرت

.سبحان نسائي، خَلَقْتَهُنَّ عارياتٍ


عاشقةً كنت
 

.هبطتُ من القُرَى أجرُّ أحلامي

غيمةٌ مرَّتْ فوق رأسي المجنون

.وأوحت لأقدامي بالهرب

عاشقةً  كنتُ

أرسمُ أحلامي بقَشٍّ

بلا حبرٍ

.ولا قلم

أغيّرُ وجهي مثلَ أوراق الشَّجر

ٍ من خريفٍ إلى ربيع

.إلى مطرٍ

أغيّرُ وجهي

مثل البراري

ٍ من ذئاب

.إلى حجر

بيتي لا يطلُّ على ساحلٍ

بيتي لا يطلّ على غابةٍ

ٍ بيتي ليس في مرتفع

ولا في منخفضٍ

بيتي في مساحة التيه

.تسكنهُ امرأةٌ ضائعةٌ

أعرفُ الحبَّ

يجري كماءِ الجداول

أعرفُ  الحبَّ

.يَعصفُ مثل الرياح

أنامُ مثلَ غيمة ٍفي حُضْنك

تنامُ مثل ريحٍ في عينيَّ

أغرفُ من نَبعِ أيَّامي

ألمُّ الحَصى

.وأشربُ الرمْل

كلَّ يوم أنسجُ امرأةً جديدةً

أقنعها بالحُجَج

أحتال عليها لألف ِغايةٍ

…كي أحيا

سلامٌ على هذه المرأة التي تفتحُ أبوابَ الفجْرِ

وتغلقُ خلفَها أبواب َاللّيل

.وتنتظر أبواب الصَّباح ِكي تمضي إليها

الورودُ التي زرعناها

،تبكي

.يدٌ خائنةٌ مرَّتْ عليها

أخطائي تنام ُعلى كتفي

.كنتُ لها خيرَ صديقٍ

.سأزرع ورداً كثيراً

.سأزرعُ ورداً بعددِ أخطائي

سأحفرُ الأرضَ

أحاول أن أصلَ إلى العمقِ

.ربما أجدُ نَفْسيِ

تتفتحُ الأزهار حولي

بيضاءَ بيضاء

إنّه الربيعُ

سأغنّي أغاني الحب

سأغني أغاني الفقراءِ

سأغنّي أغاني المغدورات

:وأردّدُ

.كل نفس ذائقة الحُبّ

،تعبتِ المرأة التي تسكنُ الأرض

.تعب َنعاسها من الصُّراخ

عندما أستيقظُ أرفع ُستائرَ السَّماء

ألوِّح ُلها من الأرض البعيدة

هي تطل على مَدَاري

.وأنا أدورُ مع كواكبها

يا إلهَ الغَابات

احرسْني من الضوء

.لقد سرقوا عينّي

علامَ تستند البيوت؟

علامَ تستند البيوت؟

حاولنا ألّا يصير الصمت قيداً، خاصّةً ونحن نواجه به دخانَ المحرقة الذي يلفُّ البيتَ، ورشقاتِ الدم التي تسكبها الشاشات.

ابتدأتُ ترجمة فصلٍ جديد من أسرار الغابة، وتهيّأَتْ لحياكةِ جوربٍ من الصوف.

في المسافة الفاصلة بين كتفينا، على الأريكة القلقة، كانت الزفرات تتشابك ورفيفُ الأجفان يتموّج؛ مثلما تتبادل الأشجار بجذورها إشاراتٍ عن جفاف التربة، أو دنوِّ عاصفةٍ، أو هجمةِ دخيل. مسافة تصرّ على الهبوط يوماً بعد يوم، رغم تناقُصِ المقيمِينَ ونُدرةِ الضيوف، لأنّ كائناتٍ غامضةً تَنخر الخشبَ؛ وتيّاراتٍ خفيّةً تفتق المخملَ. كم مرّةً عاتبْنا السقفَ ونحن نرمّمها بالمسامير ونحشوها بالقشّ. في عينيها يقينٌ أنّ النعيم زال، وفي نبضان صدغيَّ رهبةٌ من تابوتٍ سينغلق.

كان عليَّ أن ألتقيها قبل جفاف الأنهار، فأقتبسَ طواعيةَ اليدين للمخيّلة، وتَمضيَ القامة بين المتاهات مثل سهمٍ ليّنٍ خبير، ويتّقدَ الذهن من طلاقة المُحيّا.

ساعاتٌ، لا المسلّةُ تَضلُّ ولا الخيط ينعقد.

يغيب المعدن تحت الحبكات، ثم يَبْرز لامعاً مثلما يَعرض الطفل للشمس مهاراتِه الجديدة في الغوص والعوم. تكاد تُسْمَعُ من عناق اللونينِ همهماتُ راقصينِ حافيينِ في قاعةٍ خاوية.

لمن ستكون الغلبة؟ للناريِّ الملتفّ كلدغات الشهوة، أم للَّيْليِّ الحائم كفراشات الظنون؟

واضحٌ أنّ الأحمر سينفرش لباطنِ القَدم ويطوِّق الكاحلَ، أمّا الأسود فيكفيه أن يتقن ما نُذِر له: كُحْلاً يَحرس، وزنّاراً يغوي.

كلما تعثرتُ بمصطلح أو حيّرني لغزٌ من حياة الشجر، خرجتُ إلى الشرفة آملاً أن يعيْنني المشيُ على الاشتقاق، ويَكشفَ لي قمرُ الشتاءِ الصلةَ بين جَرْس الكلمة ومعناها، ويسجدَ الغيم هناك على جذوع السنديان المبقَّعة بدماء رُفقائي.

لا داعي للقياس! سبحان من أسرى بالضمير من الأنامل إلى الأهداب، فصارت النظرةُ ميزانَ ذهب.

لو لم تُزَمَّ كلُّ فردةٍ بوردة، لسكبتُ فيهما ما يسكبه حرّاس القلعة في أبواق النصر.

غداً سوف تضحك وهي تجرّبه أمام ابنتنا، متّخذةً من باب الشرفة المشمس مرآةً. ستتعالى ضحكاتهما عفواً، ولن أبوح بسرّ هذه الدغدغات.

                                             -2-

في غيابه، أنبأَني البرْدُ أنّ الضوء نصالٌ في الظهر؛ والظلمةَ درعٌ مسموم.

نذرتُ، إنْ عاد، ألّا ألتمس من الموسيقى شيئاً غير النَّسيان.

رشيقٌ منعزل. أصغرُ من لهفة الواصل، وأكبر من كفِّ المودِّع. يحلّق مفرَداً بمساراتٍ قوسيّة منخفضة، كالرشقات التي تنثرها النافورة في باحةٍ مُطفأة. ويستقر منزوياً شِبهَ ساجد، لاهياً عن أي خطَر، منشغلاً بذاته. يسبل جناحيه في الفيء، ويموّج رأسَه في الشمس.

كلما مسَّه شعاعٌ أطلق صفراتٍ رنّانة يمتزج فيها مرَح العابثِ بتمتمة الزاهد، ويختلط عزمُ رافعِ الأعمدة بشجنِ التائهِ وسط الأنقاض. في إيقاعها المعدني السريع امتنانٌ للنهار، وفي صداها الحجري المترنّح رهبةُ من الليل. موجَزةٌ كرسائل اللَّهَب، كثيفةٌ كرشفة النبيذ، صريحةٌ كعتاب المطر للنافذة.

لا يلبث فوق الغصن غير دقائق، يقتات من قشر الزيتونة ما يعينه على الرحيل؛ وينهل من ضميرها ما يستدلّ به على خطّ الإياب.

لسوادِ إهابِه ونصوعِ عنقِه وتَراخي ذيلِه، أطلق عليه أبناء الريف الساحليّ اسمَ《 الرُّوَيْهِب 》تصغيراً يجمع بين الدلال والإجلال لاسم الراهب، وغبطةً لِما في حياة هذين الكائنين من خفّةٍ وغموضٍ وثقة.

أديْنُ له بقدرتي على احتمال لدغاتِ الضجر، والحذَرِ من نوايا الخريف، وتأويلِ رؤى الأمواج.

كم بيتاً تماسَكَ وصفا لأن صفراته شدّت الضلوعَ و مسّدت الرُكب وسكّنتْ رجفاتِ الشفاه!

يهبنا هذا الرنينُ اللمّاع يقيناً بأن صدوع أمسنا المهجور آيلةٌ للالتئام، وتقْنِعنا هذه البحّة اللّدنة أنّ رطوبة الملجأ شفاءٌ لحرقات الخدود من لفحات البادية.

                                                  -3-

أتمتِمُ باسمكَ، لأن كل الأشياء فقدتْ أسماءها.

لأن الزمان استدارَ كهيئته الأُولى مبهَماً لاهباً.

لا لكي أقوى على النوم. ما أكرمَ السَّهَرَ ووجهُكَ سقفي!

ما أوهى مطارقَ الليلِ على قامةٍ شَدَدْتَها.

نهارٌ أنّى أطلقتَني: الطفلُ الذي كان يحبو حول الساقية، وكلّما رأى صورتَه لَطَمَ الماءَ.

الشابُّ الذي أبى، قبل أن يَغرق صاحباه، أن يخوض في نهرٍ لا يَبِيْنُ قاعُه.

المنفيُّ اللاهث بين الإسفلت والشمس: خفيفاً كسنبلةً فرَّتْ بها قَطاةٌ من بين المناجل.

تحت القضبان معصوبَ العينين، يمسُّ حفيفُ هذه الحروفِ خدَّيَّ؛ يرنُّ الموج في عظامي وتُنثَرُ على رُكبتيّ رسائلُ الزبد.

عندي، بَدَلَ البستانِ الذي أحرقوه، أصيصٌ في الشبّاك. إذا غفوتُ قبل أن أسقيه، نبَّهتْني لصلاةِ الفجر حمامة.

                                -4-

أمطرتْ في الصيف، لأن الصفحات التي كُتبتْ شتاءً شابَها الدمُ.

شاءت الريح أن تطوِّقَ الغيومَ الناشئة من لهاثنا، وتردَّها إلى الأرض بَرَداً يحرق وهديراً يجرف.

نَمَتْ لحزنِ أيلولَ مخالبُ، ولمّا تَظهرْ حبّةُ زيتون.

قد نجد لشقوقِ الأيدي والشفاه علاجاً. لكنْ، علامَ تستند البيوت إذا أنكرتنا العصافير؟

                            -5-

دامَ اهتزازُ الحبلِ فترةً أطول من التي سبَّبَتْها جفلةُ الطائر.

تلمّستُ موضعَ ارتطام رأسي بباب الشرفة، فهرّتْ منه قِطعُ كلسٍ رطب.

توتَّرَ الحبل. سَرَتْ فيه ذبذباتٌ متصاعدة. بدا عازماً على الإفلات من المسمارَين، راغباً في اللحاق بالراحل أو الالتفافِ على عنقي.

                                         -6-

مَنَّيْتِني ب《 هناك》. خالَطَ بحّتَكِ لهاثٌ كخفقان اللّهب، وربّما أَتْبَعْتِ الكلمةَ بإيماءةٍ للأعلى، مثلما يلوّح الطفل لغيمةٍ ارتدَتْ وجهَ أُمِّه قبل أن تتمزق.

تقولين《 هناك》، كأننا محمولون على أجنحة لا ملفوفون بسلاسل؛ كأن السفر أغنيةٌ لا انسلاخ، كأن مطارق الوقت تصير حريراً في بعض الأمكنة.

وحقِّكِ ما سبحتُ في نهرٍ إلّا جفَّ، ما استندتُ إلى شجرةٍ إلّا أُحرِقتْ، ما سامرتُ كتاباً إلّا دِيْسَ.

لا أعرف غير《 هناك》 واحدة، وكلُّ ما《 هنا》 كدْحٌ لها وفرارٌ منها ونِزاعٌ عليها. تلك التي تُنسَج أفياؤها من حسراتنا، وتُرفَع قبابُها من ارتجافات الرُّكَب، وتنبثق ينابيعها من نيران الشفاه.

إنّ في يأسي قوّةً لا تتقنها إلّا الموسيقى. وقد عهدتُ إليها رَفعَ قواعدِ غدي. فكثيرٌ ممّا قُدِّرَ عليّ يَمُوج الآن تحت الجلد، يهدر في دمي، يرنُّ في العظام.

                                       -7-

توقّعتُ من حديد الأعمدة أن يفقأ عيونَ سارقِيه، ويُنشِبَ في وجوههم وأيديهم براهينَ على بأسٍ أغرتنا به الكتب، وأرهبتنا منه الأسلحة.

أملتُ- على الأقلّ- أن يتناثر في العتمة كسهامٍ من الجمر إكراماً للنيران التي صهرَتْه، أو يتفتّتَ شظايا في باحات الكارثة وفاءً للظهور التي استندتْ إليه.

لا أنْ يلتوي ويتكوّم في الشاحنات كأكداس الحطب، ويتجرجرَ خلف العجلاتِ كأذيال قطيعٍ مفجوع.

هذا دليل على أن المواد التي أنشأْنا بها الأمسَ كانت غباراً. وإلى أن تُخرج لنا الأرض معدناً أعزَّ وأصلَب، سأنسج لي بيتاً من ضباب الأسئلة.

                              -8-

ابيضَّت الأجفان. كنتُ أظنها معصومةً، لا سيّما وهي بهذه الهشاشة والتبعثر والانطواء.

حتى لو كان القفل مجرَّدَ زخرفة، لا بدَّ من أن يحطّمه السارق: إمّا عند الدخول استقواءً على العتمة، أو عند المغادرة انتقاماً من خيبة المسعى.

                        -9-

صحيحٌ أن الولد طيرٌ، لكنّ الأب شجرة. عنيدان في المهبّ، طيِّعانِ إذا رنّت الأجراس.

لَيْلَ واكبكِ المطر، حمدتُ المُنشئَ على ما وُهِبْنا: طلاقة الجناحين، واستقامة الجذع.

فلا أثْنَتْكِ المسافةُ عن اللهفة ،

ولا زادني فراغُ العشِّ إلّا ابتكاراً الخفيف.

                    -10-

حالَما أهيّئُ حقيبةَ السفر، تضجُّ العصافير على الشرفة.

أحَدُها( ولا أعرف إن كان هو دائماً نفسَ العصفور) يلتصق بفجوةٍ رطبةٍ في الحائط، نافضاً جناحيه، صافراً بنزَق.

عصافيرُ أخرى تتناتفُ كسرةَ خبزٍ قُربَ الباب،  مع أنّ الفتات منثور.

تتزاحم على دمعةٍ من مطر الليل، والنهرُ تحتنا.

تتراجفُ في ظلِّ الكرسيّ، والشمسُ غامرة.

تَكرَّرَ هذا المَشهد صباحاتٍ عديدة، حتى ظننتُ أنها تفتقد شيئاً في غيابي، أنها تدرك من حرارةِ زفراتي إلى أين أنوي، أنّ شِجارها استبطاءٌ وصَخَبَها رسالة.

                      -11-

لم يفاجئني سؤالكَ:《 من نحن؟》، بل ظنُّكَ أنّ لديَّ جواباً.

وددتُ لو أتْبَعتَ ميمَ الحيرةِ بالألِفِ الذاهلة كأجنحة اللّهَب، لا بهذه النُّونِ المطمَئنّة كقاع الهاوية!

ثلاث قصائد

ثلاث قصائد

أرضي المشعّة 

أرضي المشعّة كشامةٍ على كتفِ نبيّ، صارت كُحلاً لريشِ الغراب.

بيتي الفتيُّ كصفيرٍ في الغابة، سَكَتَ سكتةَ الطفلِ بين العجلات والإسفلت.

نَومي الأخَفُّ من خاتَمٍ ضائع، ثَقُلَ كمعطف المنفيّ. ظاهرُه ذكرى، وباطنُه عارٌ.

أصابعي التي حرَّرتْ سواقيَ وصدَّتْ سيولاً، عَلاها ما يعلو قضبانَ سكّةٍ مهجورة.

ما تعلّمتُه يجفُّ ويُساقِطُ على رأسي شظايا من طلاءِ سقفٍ رَطب.

تبقّى لي من الأصدقاء صبّارةٌ في الشرفة، وقلمٌ أسيِّجُ به البساتينَ التي تورق في منامي.

أقلّب الصوَرَ مثلما يتشاغل الطفل المحموم عن صدوع الجدران( وما يهبُّ منها، وما يُعَشِّش فيها) بالأخيلة التي يرسمها لهَبُ المدفأة.

” طَلَعنا بثيابنا”. جملةٌ عارية، الفعل فيها براءةٌ والاسم إدانة.

مسمارٌ من جمرٍ أدقُّه في جدار الريح، معلناً الإقامةَ تحت سقف المطر.

نقمةٌ أَرْكزُها بين الدوّامات أوتاداً لخيمةِ الممكن.

حبلٌ من ضباب أنشر عليه، كلَّ فجرٍ، غسيلَ الروح.

موجَزٌ لأخبار الطوفان أبثُّه، بما نما لي من أجنحةٍ، نقْراً على شبابيك الليل.

كففتُ عن يا و أيُّها.. لأنّ كلَّ مُنادَى قيدٌ.

كرهتُ السَّفَرَ منذ صار جبيني طريقاً.

لا أقول كغيري:” إنّ المطر في الغربة سياطٌ، والسماء فولاذٌ، والريح ندّابة”.

البصيرُ أسيرٌ أينما حلَّ. والطبيعة براءٌ ممّا نكابد ونُضمر،

وكثيرٌ من المجازات التي نتباهى بابتكارها هناك، هي وقائعُ نتبارى على النجاة منها هنا.

هنيئاً، إذاً، لمن أعانهم التيّار على حسم الصراع بين الرغبة في أمان الجسد، والخوفِ من ذهول الروح.

والرحمة لمن تاهوا مؤْثِرينَ طيشَ الأعماق على حكمة الضفاف.

مَن أنكَرَ منكم مشهداً، فليغيِّرْ قَلْبَه.

من استطابَ فيئاً، فلا يَغْفُ.

ارفعوا قواعدَ الجديد من كثبان الحيرة، لِدوا ما تثقون أنّه لن يُدحى عجيناً في هذا الفرن.

الصَّمتَ الصمت. فكم تُبِّلَت الأضاحي بأناشيد الحالمِين!

كلَّ مساءٍ أتسلّق هذه الربوة الشائكة لأَشهدَ تلاطُمَ الموج.

ما الذي يجنيه نَزيلُ المنفردة من مشقّة التطاول إلى الكوّة، حين يهرول السجناء في باحة التنفّس؟

هذا هو المضمار الذي يركض فيه الزمن حول ذاته.

نزواتُ الماء تَقرض مُثُلَ اليابسة العليا، طيورُ الآتي تجوِّفُ فزّاعاتِ الحاضر.

لكنني هنا أنسلخُ عمّا كنتُه، وأتعلَّم ألّا أُكابرَ كي أكون.

ما ينقشه الموج في الصخر يمحو صوتي، أمّا الزّبد فيُهِيلُ على لياليَّ ترابَ الفجر.

بعد قليل، يشعل الصيّادون فوانيسَهم، وتنشر الريح أرَجَ رايتي الوحيدة: قميصِ الغائب.

لن أبرح هذا الساحلَ ما دام القمر فوقه شبيهاً بوجه الفقير الصارخ أمام السّاطور.

سأشتري، كلَّ يومٍ، من بائع الخسّ والزّعتر ذي النداء العذب حِمْلَ كتفين؛ فقد تَذبلُ الحارةُ إذا نوى الرحيلَ.

أحسنَ صاحبُ هذه الشقّة المفروشة حين لم يَترك لنا فيها أيّةَ مرآة.

يقال إنني كنت، ذات يومٍ، طفلاً. لا أعرف كيف تجرّأتُ على ذلك.

أحمدُ اللهَ أنْ بَرَّأَ الينابيع التي ولدتُ قُربها من كلِّ دمٍ، فَلَمَّا شاءوها مغسلاً للمسالخ: غارتْ.

آملُ ألّا أموت قبل أن أنهي مخطوط هذه الرواية عمّا جرى في وادي النَّمل حين مرَّ موكب سليمان.

اللاذقية- حزيران-2015

الخسوف الدامي

اقترب القمر، والساعةُ معطَّلة.

ليلُ الرهائنِ ليلُنا. افتتَحه حَمَلةُ الأقفال بألعاب النار، كي تدرك السماءُ أنّ هذه البقعة من الأرض قُسِّمتْ ميداليّاتٍ بين أحزمتهم؛ فلا جدوى من تغيير فصولها أو إمطارِها بالنيازك.

واختتمتْه الأشباح  بالعواء الرصاصيّ، عَلَّ الأرَقَ والبرد يُنضجان الطرائدَ الهزيلة ريثما تَبرأ الضباعُ من تخمتها.

كيف نبصر النهارَ، وفِدْيتُنا أكبر ممّا في خزائن الشمس؟

نحن الجوقة الهائمة بين كواليس المأساة.

أسلَمَتْنا مقصّاتُ تشرين لشَفراتِ كانون، وأدَّينا ما علينا:

رمَّمنا بالأنين جدرانَ هذا الحبس،

أرجَحْنا رؤوسنا أكياسَ تمارين لكلِّ سفيهٍ موشومِ الزندَين،

نَحَتْنا ظلالَنا كثباناً تجوِّفُها القوارض الفالتة من أسطول الطاعون،

فتحنا الصدور مضماراً لسباق التتابع بين أكَلة الأكباد وناهشي القلوب،

تَداوَلْنا أسماءَ المبايَعِينَ تمائمَ ضدّ كلِّ هوى ورصْداً من كلِّ أمل،

ضَفرنا شرَرَ الأحداق أكاليلَ لأطياف المغيَّبين.

لم نعرف من الجهات إلا ذلك المدى الصاخب الحنون الذي يندب فيه البحرُ على الغرقى،

ولم نَنَلْ من الهواء إلا ما يعيننا على الصفير في البرد.

وقد آن لنا أن نقف على المنصّة.

لن نتزاحم على الكوى بعدما صار المطر قضباناً والليل جلّاداً،   

ولن نلوذ بالعتمات باذِرِينَ نقمتَنا تحت الشراشف.

صرختُنا كَسَرتْ مغاراتِ الجليد، وجباهُنا بساتينُ البرق.

فاسمعوا.

منذ ضاع الخاتَم

تَسندين الليلَ بأيدٍ كثيرة.

دعيهِ لقَدَره.

الصبحُ أَولى بهذا التَّعَبْ.

      *

أَذِنَتْ لي سماءُ الخريف بالنِّسْيان.

كانت رُكبَتُكِ بعيدةً،

فأَوْكلتُ خدِّيْ إلى شفرات الريح.

    *

بشفتيَّ رسمتُ الأرجوحةَ.

منذ ضاع الخاتَم،

صار إصبعُكِ دفتري.

    *

جئتِني من المنام حافيةً.

لا شمسَ هنا ألمُّ منها جورباً،

ولا الرَّمْلُ هناك يصدُّ البحرَ عن خِفَّيْكِ.

   *

أُهديَتْ لمَلاكَيْ كتفيكِ شامةٌ.

تُغْني الأيمنَ عن التدوين،

وتُعِيْنُ الأيسرَ على المحو.

    *

راعي حلالِكِ في العاصفة.

موعودٌ بالأزرق منذ صيفَيْن.

ثَنِّيْها لتجفَلَ من نارهِ الذئاب.

       *

أهلُكِ مَن سَيَّجوا البساتينَ بالرُّمّان.

الدمعةُ التي أقفَلتْ بابَهم،

حِبْرُ غيمةٍ ظلَّلَتْ نبيّاً.

    *

كيف لمن يستضيف بَردانةً أن ينام؟

قلتُ لحمامةٍ لاذتْ بهذا السقف:

لن أعود فأخطوَ على رماد جيراني.

    *

أسبِلِيْهِ. لا تُبالي بهذا الدُّوار.

اعتادت الأرض، كلما كَشَفتِ،

أن تؤنِّبنا على ما قَطفنا.

        *

أنزلَتْني أدراجُ النَّغَمِ إلى قاع البحيرة.

بماذا وَعَدَ البدْرُ هذه الأحجارَ

حتّى تورَّدتْ كمخملِ أُذنيكِ؟

      *

غِيْبي عن بالِ الخزّاف.

كلما مَوَّجَ خصراً تَجَعَّدَ الطينُ.

زفرَتُهُ، وهو ينقش السُّرَّةَ، جرحتْ كلَّ القوارير.

      *

أرضُنا السَّهَرُ. لم نبذر غيرَ التمتمات.

لأنّ الخوف من الرَّعد يُبقيكِ على صدري،

أدَّيْتُ معهم أمسِ صلاةَ المطر.

   *

يستعين الغيمُ بما نَشَرتِ في الشُّرفة،

كي تَعْذرَ الأرضُ خضوعَه للشمس.

يرتجف الحَبْلُ، قَبْلَ أن تَلُمِّي، ولو لم يَمْسَسْهُ طير.

     *

كلّما لَوَّعتِ مرآةً، كسرَتها الأشباح.

الأجنحة التي استدرجتْها جُزُرُ مناماتِك،

أسَّسَ بعضُها عائلةً فوق حطام سفينة.

     *

عبثاً نَفركُ الزيتونَ الذي اندسَّ تحت أظافرنا.

فوق البساط رمى البرقُ أجراسَ المدينة الخاوية.

تحسَّرتِ لأنهم لن يُخرجوا الأولادَ غداً إلى الباحة.

           *

لو عَلِمَ تشرينُ رهبَتَكِ من الجراح،

ما شَقَّقَ هذه الرمّانة.

قَطَفتُها كي لا توقظكِ العصافير.

       *

قلتِ: لا تَمزجِ القصيدةَ بالدَّم،

واتركنا نصغِ لقطارات المطر.

من بحَّةِ صفيرِها أيقَنّا أنّ الصُّوَرَ ضاعتْ.

    *

أوقدتُ اسمي بأنفاسي.

إذا أطفأَتْهُ الريحُ، فهذا مصيرُ كلِّ لَهَبْ.

وإذا تداولَتْهُ الليالي، فلِشِدَّةِ عتمتِها لا لإعجازِ ضوئه.

اللاذقية- ت2-2017

ثلاث قصائد

رنين اليقظة

( كونشيرتو الكمان ليوهان برامز/ الحركة الأولى)

بماذا تَعِدني الموسيقى؟

أهي هروبٌ، شفاءٌ، تَخَطٍّ؟ أمْ ألَمٌ واستبصارٌ وتِيْه؟

تلطمني، ترجُّ صدغيَّ، تفتل قامتي، تنشر ذراعيَّ في العراء، تمسِّد ما ضاع وتَنْفُضُ ما تبقّى. أسلاكٌ دافئة بين القلب والأنامل، حطّت عليها طيور وغادرتْ أخرى. تَبرد فروةُ رأسي، تَخِزني أنفاسي، أكاد- في الهنيهة الفاصلة بين السكون والرنين- أَخْمشُ كلَّ شيء، ألوِّحُ لأيِّ شيء، أتّكئُ على لا شيء.

تتراجف الأوتار مثلما تستقبل شفاهُ المحمومين الفجرَ،

مثلما تستجمع يدُ العائد لهفتَها لتَعبرَ الصقيعَ الفاصل بين جيب المعطف وقفلِ بابٍ ليس خلفه أحد.

تتردّد الخطوات قبل أن تزيح الأشواكَ النامية على العتبة،

ترفرف الأجفان عازمةً على تأثيث الفراغ بظلالِ مَن غابوا.

الانبعاثُ من العدم سيرٌ إلى الموت، الركضُ على المرج زحفٌ إلى الهاوية. الخَلْقُ نَفْخٌ، والنفخُ نقصان. لهذا يتولّى البوقُ مهمّةَ البدء. ألسنةُ لهبٍ تشقّ قميصَ الليل، كلّما صدَّت لفحةً جذبتها الأحطابُ إلى سرير الرماد. طفلٌ غادر القبوَ بلا ذاكرة. بَردانٌ، وتقوده الشمس إلى رأس التلّ. يتمرّغ، يتدحرج غيرَ مُبالٍ: أَواكَبَهُ إلى السفح هديرُ الشلّالِ، أم فحيحُ الأفعى.

تعترض النفخةَ همهماتٌ من عدّة جهات.

بعضُها محاوَلةُ الموجِ فتْحَ ثغرةٍ في سور المَحرقة،

بعضها تَشابُكُ الأكفِّ قبل أن تُطْبِق السقوفُ على الأضلاع،

بعضها تَلاطُمُ الأشباحِ فوق شظايا القارب.

عتابٌ على البحر، فرارٌ من السماء، وعدٌ للأرض.

لأنّ( الفلوت) سؤالٌ مرير مثل لماذا؟ مديدٌ مثل أين؟  مرتابٌ مثل متى؟

بحَّتُهُ غامضة لكنْ كاشفة، صفيرُه مقيَّدٌ لكنْ ممزِّق. من تموُّجِ الهواءِ بين العتمة والضوء، من دأْبِ الرئتين الورديّتين على تضميد جراح المعدن؛ يصير للشهيق رنينُ اليقظة وللزفير صدى انكسار القيد.

حين أُزيحت الستارة لَيَّلَ الضباب، لحظةَ انشقَّ الأصيص ارتطمت البراعم بالزجاج.

من عدّة جهات. لأنّ شَجاهُ كامنٌ في كلِّ متحرّك، وخوفه مطوِّقٌ كلَّ آمِل، وحيْرَتهُ رائدُ كلِّ بصير.

تُزَمُّ الشفتان: فكثيرٌ من الشرفات لم يحتمل أمسِ لوعةَ الناجين،

تجنُّ الأصابع: فقد اشتعلتْ غابتانِ اليومَ،

تنقبض الأحداق: فغداً سيَغشانا الدم.

هاهي الكمنجات، وقد استيقظتْ ذاهلةً، تكرِّر آخرَ صرخات الجريح. تُضخِّمُها، تَطوف بها على الأرصفة، تضيء الأقبيةَ، تمزجها بكلِّ نسمةٍ، وتبدِّدُ يقينَ كلِّ غيمة.

لكنّ دَورها أبعَدُ من نواح الجوقة المُظلِّلة حوافَّ المشهد. إذْ لا منصَّةَ هنا غير حطام الأعمدة، لا شهود إلّا أطفالُ المكان الذين بَرَدَ بهم الزمانُ مخالبَه.

دَخَلْنا في الليل، أُلْبِسْنا معطفَه المقلوب، والتفَّتْ علينا الأكمام. ولنا، إلى أن يحين موعد الصدمات الشافية، أن نهذيَ بما نشاء.

مَن ذا يبالي بما كان لنا من أسماء وبيوت؟

مَن ذا يُصدِّق أننا شهدنا، مِراراً، ينابيعَ تفور وأشجاراً تُزهر؟

هي لا تمهِّد للكمان المنفرد مثلما تحفُّ الحاشية حول موكب سيّدِها، بل هو يبزغ من مركز الدوّامة، يشقّ طريقَه ملتاعاً من دون أن يزيح أو يزاحم. وبين موجةٍ وأخرى، ينزوي في ركن، منكبّاً على جراحه.

صِرْ يا قوسُ شَفرةً، إلى أن يحرق الأنينُ قشورَ هذه الجدران الرطبة.

ضجّي يا أوتارُ بما واجهَتْ به الأعشاشُ صليلَ الفؤوس، حتى تصهر الشمسُ حديدَ هذه الكُوى.

إذا أسَّسَ الفجرُ قريةً آمنة بين رُكبتَي تمثال، فلأنّ الكَمانَ سهران.

إذا تعثَّرَ الرعدُ بسقفِ مَنارةٍ قبل أن يلقي علينا رسائلَه، فلأنّ الكمان يَغرق.

إذا ردَّدتْ صنوبراتُ الجبالِ هديرَ قطاراتِ المنفى، فلأنّ الغيمَ سميعٌ للكمانِ مُجيب.

عاهدتُ الأرضَ، منذ كستني الموسيقى أجنحةً، ألّا أزيد جراحَها بخُطاي.

ورثتُ من نهر الطفولة أبوَّتَه للسواقي: يطلِقها في الحقول، ويسبقها إلى المَصَب.