مهرجان للأدب وفن المرأة في القامشلي

مهرجان للأدب وفن المرأة في القامشلي

في رقعةٍ صغيرةٍ من بلدٍ أنهكته الحروب، يُنسج الأمل بأيدي نساءٍ تحدين تجاعيد الحياة وعذاباتها، لتحكن مطرزات وترسمن لوحات وتدون قصائد وحكايات نابضة بالحب وتصنعن مجسمات فنية سهرن عليها أياماً وليال، ولتتبنى أعمالهن شعار “المرأة روح الحياة وأبجدية الأدب”.

في جناح الأعمال اليدوية  تعرض ” شهرزاد سليمان” نتاجات أفكارها من فن تدوير مخلفات البيئة  من بقایا الأخشاب والزجاج والخیش والعبوات الفارغة و شرائح النحاس والكرتون المضلع لتخرج منها تحفاً ومجسمات فاكهة وصوان ومعلقات جدارية وصحون للزينة وعلب ضيافة.

يحظى الفن النسائي من خلال المعارض المنظمة باهتمامٍ يفوق ما يتم تقديمه من خلال نشاطاتٍ فردية في مجالات عديدة وفي صناعاتٍ وفنون تراثية نادرة، وحرف يدوية أعدن إليها بريقها ونفضن الغبار عن فنون الأجداد التي يكاد يطويها النسيان.

تهدف التظاهرة  الثقافية التي باتت تقليدا سنوياً إلى تشجيع و تطوير النشاطات  النسائية وفرصة لخلق فضاء نقاش و حوارٍ بين نساءٍ فاعلاتٍ في المجال الأدبي والفني من مختلف الأجيال وتبادل الخبرات والآراء بغية إبراز دور النساء في الساحة الثقافية والفنية ليقدمن صوراً إنسانية متفردة تكتمل به منظومة العقل الإبداعي للمرأة الفنانة.

تعليق: لامار ٲرْكَندي

تصوير ومونتاج: جوان تحلو

معيلات صغيرات يخضن غمار مهن ذكورية

معيلات صغيرات يخضن غمار مهن ذكورية

تدير وجهها المُغبر بابتسامة لا تفارقه نحو عجلة السيارة، تنحني نحوها وبأناملها الصغيرة تفكها لتعيد تركيب الأخرى الجديدة.

بيان، اسم يعرفه كل من يقصد مخيم “سردم” لنازحي عفرين الواقع في منطقة ” الشهباء”. نزحت بيان، أحد عشر عاماً، للمخيم مع عائلتها بعد سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا على مدينتها عفرين.

عملت الطفلة بيان في ورشة تصليح عجلات العربات والدراجات، لتساعد والدها في تأمين قوت عائلتها المكونة من ثمانية أشخاص، وتحفظ كرامتهم من العوز، وهي تداوم مع والدها يومياً منذ أن فتح الأب ورشته في المخيم قبل أشهر وفي كثير من الأحيان لا ينتهي عملها حتى المغرب.

خاضت بعض الفتيات أعمالاً تُعتبر “ذكورية” بحسب الأعراف والتقاليد تحدياً لها وشغفاً بتلك المهن، أو بسبب قسوة الظروف المفروضة عليهن. إلا أن المجتمع لم يتقبل هذا، تقول بيان “الكثيرون ينظرون لي نظرة دونية أرفضها، فأنا أملك إمكانيات لا تقل عما يملكه الرجل.”

وتؤيد سيلفا، ١٦ عاماً، التي تعمل كسائقة للمركبات والشاحنات الكبيرة، رأي بيان ورفضها لنظرة المجتمع لعملهن. بدأت سيلفا بقيادة العربات الكبيرة هذا في مدينة “عامودا” منذ أن كانت في التاسعة من عمرها، وهي تتفاخر بأنها أول صبية تقود التركس في المنطقة.

“استصعبت في البداية قيادة المركبة بحجمها الكبير، وبالإضافة للصعوبة التقنية للقيادة، كان صعباً علي أيضاً تحدي عالم العمل الذكوري، إلا أن تشجيع والدي لي ساعدني، كما أنه لم يمانع عملي معه رغم أني أصغر بناته”، تقول سيلفا.

وعن أسباب دخولها لهذا المجال تروي سليفا “كان والدي هو معيلنا الوحيد، بعد انضمام شقيقي الوحيد لوحدات حماية الشعب الكردية، ووفاته في إحدى المعارك ضد تنظيم داعش، توجب علي أن أحل مكانه في العمل، لسد مصاريف دراستي الثانوية، إضافة لدراسة شقيقاتي الثلاث الجامعية.”

الانتقادات اللاذعة لخروجهن عن المهن التقليدية للنساء، لم توقف بيان وسليفا عن القيام بأعمالهن، ولم تؤثر على عزيمة بتول سعيد التي استمرت بالعمل كبائعة في محل للوجبات السريعة في مدينة القامشلي. وبدأت بتول، سبعة عشر عاماً، عملها في المحل منذ أربع سنوات، بعد نزوحها من مدينة حلب مع شقيقاتها الثلاث، وأخيها الصغير ووالدها.

وعندما وصلت العائلة للقامشلي وجدت بتول نفسها مسؤولة عن أسرتها، تحكي بتول قصتها قائلة “توفيت أمي في حلب بمرض السرطان، وأنا أكبر أخواتي، ولم يعد لنا أي معيل بعد أن تركنا والدي وتزوج من امرأة أخرى؛ فتوجب علي أن أجد عملاً مهما كلفني الأمر” وتضيف “جاء إلي جارنا عندها، وعرض علي العمل معه في مطعمه لبيع الوجبات السريعة، وعرض علي أجرة ٥٠ ألف ليرة سورية أي ما يعادل ١١٥ دولاراً، فلم أتردد في قبوله.”

لم تتخيل بتول نفسها تقوم بهذا العمل بحياتها إلا أنها ترفض تأطير المجتمع للمهن بحسب الجنس، وتعتبره أمراً رجعياً فعملها يحميها وأخوتها من العوز ويجعلها مستقلة بدلاً من انتظار كرامات الآخرين.

أما عنود حسين فقررت العمل في محل بيع الخضرة الذي يمتلكه زوجها ليث في مدينة “تل حميس”، متمردة على عادات وتقالید المنطقة التي ولدت وعاشت فيها.

وتؤكد عنود، سبعة عشر عاماً أن “النساء قادرات على النجاح في عملهن والبيت على حد سواء، فهن مهندسات وطبيبات وناشطات اجتماعيات، وموظفات وسياسيات وسائقات، إضافة إلى أنهن ربات بيت ناجحات.” وتضيف عنود: “النظرة الدونية للمرأة، انحسرت في الكثير من المجالات، بعدما أثبتت المرأة قدراتها في كل ميادين العمل.”

بدورها تبين الباحثة الاجتماعية أمل سعيد أن النظرة تجاه المرأة عموما “تطورت في السنين القليلة الماضية”، وعن العمل في المجالات التي تعتبر “ذكورية” تشير سعيد “استطاعت المرأة الخوض في أعمال كانت مقتصرة على الرجال فقط، وأثبتت قدرتها على منافستهم خصوصاً مع تزايد الحاجة المادية والوضع الاجتماعي وظروف الحرب، مما دفعها لمزاولة أي مهنة تجدها أمامها دون اعتراض، رغم الصعوبات وتدني الأجور.”

يوافق العديد من أهالي المناطق التي تعمل فيها هذه الفتيات على أن نظرة المجتمع للمرأة التي تخوض غمار الأعمال “الرجالية” تغيرت، وأصبحت مقبولة اجتماعياً أكثر من قبل، كما أن العديد يكن لهؤلاء الفتيات الاحترام لأنهن يتحملّن مسؤولية أسرهن المادية وهن في سن صغيرة أيضاً.

فيديو: المهرجانات تنعش الحركة الثقافية في المناطق الكردية

فيديو: المهرجانات تنعش الحركة الثقافية في المناطق الكردية

تتميز الفعاليات الثقافية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد في شمال وشرق سورية بالعديد من المهرجانات الفنية والمسرحية والأدبية وعلى مدار العام، والتي أنعشت ثقافة المنطقة التي أقصيت بصورة شبه كاملة قبل أزمة البلاد.

مهرجان الكتاب ضم سبعة عشر ألف عنوان في حقول “الفكر والأدب والفلسفة، والتاريخ، والسياسة، والترجمة”، إضافة إلى كتب الأطفال، وبمشاركة مختلف مناطق الشمال السوري، واستضاف نتاجات كتاب من “إقليم كردستان العراق، وشنكال، وتركيا، ولبنان، ومصر.”

البلدان والشعوب تحتاج إلى خبز ومسرح، لتنهض وتلحق بركب الحضارة، فكان للمسرح حصة الأسد من تلك المهرجانات.

باللغات الكردية والعربية والسريانية، ألقت المهرجانات بظلالها على القصة، والشعر، والموسيقا، والفلكلور؛ فتلك المهرجانات ليست حدثاً عابراً، بل شاهداً على سلك المسار الصحيح في نهضة المنطقة، وبناء العقول عبر اهتمامها بالثقافة.

القامشلي

اعداد: لامار اركندي

تصوير ومونتاج: جوان تحلو

فيديو: حانوت أبو آشور  مائة عام على قيد الحياة

فيديو: حانوت أبو آشور مائة عام على قيد الحياة

أبو آشور “أفرام يونان” الحفيد الذي ورث دكان جده الترابي القديم عن والده في سوق القامشلي الشعبي الذي يعود بناؤه إلى قرن تقريباً. مارس يونان صنعة جده ووالده في بيع الغرابيل والحبال وأدوات الزراعة  والبناء ومزاولة مهنة نجارة الخشب. يستخدم أبو آشور الأدوات ذاتها التي استخدمها جده ووالده .كالطاولة والسلم الخشبي والمقشرة اليدوية.

حافظ المحل على شكله القديم من الداخل بسقفه الخشبي والعلية الصغيرة التي استخدمت كمستودع لتخزين البضاعة. بقايا طلاء الكلس مازالت بادية على جدرانه الحانوت مازال يوصد ببابه الخشبي  وقفله القديم الذي صنعه الجد . يمقت أفرام فكرة هدم حانوته القديم وبناء آخر حديث فهو يعتبره إرثاً يعبق  بذكريات طفولته وشبابه وكنزاً ورثه وسيورثه لأبنائه وأحفاده.

القامشلي، صالون سوريا
اعداد: لامار اركندي
تصوير ومونتاج: جوان تحلو