التعليم في “غيبوبة” الجنوب

التعليم في “غيبوبة” الجنوب

بدأ العام الدراسي الجديد في جنوب سوريا، بعد سيطرة النظام السوري عليه، ووعوده بتقديم الخدمات الأساسية للأهالي وعودة مؤسسات الدولة إليه بما فيها التعليمية، كما وعد النظام بتحسين الخدمات المقدمة في قطاع التعليم، الذي يعاني نقصاً حاداً في المستلزمات والوسائل التعليمية، وخاصة إثر تعرض العديد من المدارس للتدمير الكامل أو الجزئي.

يقول أحد الموجهين التربويين الذي فضّل عدم ذكر اسمه “تحول الواقع التعليمي هنا إلى مسألة ثانوية خلال الصراع، و لم يتم التعاطي معه كقطاع جوهري، فلم يتم ترميم أية مدرسة تعرضت للقصف أو التدمير حتى الآن، ولم يشهد القطاع التعليمي أي تحسن ملحوظ رغم بدء العام الدراسي الجديد”، ويعدد بعضاً من التحديات التي تواجه القطاع التعليمي “كغياب اللوازم اللوجستية في المؤسسات التربوية، ونقص المدارس والمراكز التعليمية، مما يولّد ضغطاً كبيراً في أعداد الطلاب بالمدرسة الواحدة، ويؤدي لاكتظاظ الأقسام الدراسية وعدم استيعاب الشعبة الدراسية (الصف الواحد) لأعداد التلاميذ فيها، حيث يتواجد في الصف الواحد ما يقارب ٥٠ طالباً، هذا عدا عن نقص الكوادر المختصة.”

وتشهد الكوادر التعليمية نقصاً حاداً نتيجة النزوح والأوضاع الاقتصادية والأمنية إضافة نتيجة لفصل عدد كبير من الموظفين الأساتذة، بسبب تخلفهم عن “الخدمة الاحتياطية” في الجيش السوري.

وإضافة للتحديات التي ذكرها الموجه التربوي، يعتبر التسرب التعليمي من أبرز المشكلات التي تواجه القطاع التعليمي في الجنوب، فقد أدت الأعمال العسكرية إلى نزوح  مستمر للأهالي متسببة بانقطاع التلاميذ عن مدارسهم، ولم تنجح محاولة بعض المنظمات الدولية لإنشاء مراكز تعليمية في استيعاب كافة الطلاب المتخلفين عن مدارسهم، والحد من ظاهرة التسرب. كما ساهم سوء الأوضاع الاقتصادية بتفاقم المشكلة، إذ تعاني العديد من العائلات لتأمين اللباس المدرسيّ الموحّد، أو القرطاسيّة والكتب.

ويقول أحد سكان ريف درعا إن الأهالي توقعوا هبوط أسعار اللباس المدرسي ولوازم القرطاسية وغيرها من أدوات المدرسة بعد تطبيق اتفاق تسليم المحافظة للنظام، إلا أن “الوضع بقي على حاله ولم تتم محاسبة المخالفين للأسعار والتجار الذين يبيعونها بضعف سعرها الحقيقي عن أسواق العاصمة دمشق.” واضطر العديد من الأهالي لإرسال أولادهم إلى المدرسة  باللوازم المدرسية القديمة المتوفرة سابقاً كاللباس أو القرطاسية.

وكانت الحكومة السورية قد طرحت قروضاً بقيمة ٥٠ ألف ليرة سورية، لمساعدة العائلات لشراء اللوازم المدرسية كافة من صالات “السوق السورية للتجارة”، إلا أن أعداد المستفيدين منه في مناطق جنوب سوريا كان قليلاً بسبب اقبال الناس الكبير، والخوف من عدم قدرتهم على دفع القسط الشهري نتيجة استمرار الركود الاقتصادي وندرة فرص العمل في المنطقة.

عن التحديات أيضاً يشرح أحد المدرسين المفصولين من عمله في القنيطرة “اضطرت كثير من العائلات لنقل أولادها بشكل يومي إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المدارس و التدريس حرصاً على مستقبل أبنائهم، أما البعض الآخر فقد اضطر إلى التعلم في مدارس لا تتوفر فيها أدنى الاحتياجات والمقومات التعليمية، نتيجة لضعف الحالة المادية” مضيفاً أن “رغم استمرار الطلاب بالحضور للمدرسة فإن العملية التعليمية ما تزال سيئة، وهذا يؤدي إلى تراجع مستوى التعليم والإقبال عليه، ويزيد من انتشار الجهل، وتسرب طلاب مرحلة التعليم الأساسي هو الأخطر.”

قبل أن يستعيد النظام سيطرته على المناطق الجنوبية كانت المراكز التعليمية والروضات تعمل مع مراكز للدعم النفسي في المدارس التي رممتها ونظفتها بنفسها. وبعد سيطرته بقيت حال المدارس المدمرة على حالها، وحظيت بعضها بدعم  لوجستي بسيط كترميم الواجهات التعليمية في الصف، وتوفير لوازم القرطاسية الخاصة بالمدرسة لا الطلاب، وطلاء الجدران.

وماتزال الحكومة تعد بتزويد المدارس بمقاعد جديدة، وبمادة الديزل في فصل الشتاء للتدفئة، كما تم رفع كتاب إلى الوزارة المختصة بعدد المدارس المدمَّرة والتي تحتاج إلى إعادة إعمار وتأهيل.

الجامعيون في الجنوب أيضاً دفعوا الثمن

نال طلاب الجامعة أيضاً نصيبهم من آثار الحرب، يقول ضرار- أحد طلاب جامعة دمشق المفصولين- “أنا مع أعداد كبيرة من الطلاب هنا توقفنا عن الذهاب إلى الجامعات فأغلبنا كان يتعرض لمضايقات أثناء السفر لدمشق لأننا من درعا حيث انطلقت الاحتجاجات، وكان طلاب درعا أول المستهدفين  في أي تحرك في الجامعات يناصر الاحتجاجات، مما أرغم العديد منا على الانصراف عن الدراسة والالتحاق بأعمال تساعدهم في تدبير تكاليف المعيشة.”

كما عمد بعض الطلاب لتحويل دراستهم إلى جامعات أقرب كفرع جامعة دمشق في درعا أو القنيطرة، والتحويل من فروع عملية إلى نظرية، باعتبار الأفرع العلمية تحتاج إلى لوازم لوجستية أسعارها مرتفعة، كما أنها تتطلب الحضور اليومي في الكلية وبالتالي توفير السكن والقدرة المادية على المعيشة و التنقل اليومي.

ويصل متوسط حاجة الطالب الشهرية لتكلفة الدراسة بالجامعات إلى ٥٠  ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ يكفي لتغطية الاحتياجات الضرورية فقط كالتنقل وشراء الكتب وملخصات المواد والقرطاسية، في حين لا يصل متوسط دخل الموظف السوري لهذا المبلغ.

كما تعرض عدد كبير من طلاب الجامعة في الجنوب للفصل بعد انتهاء المدة المحددة من الرسوب وفق قانون التعليم العالي للجامعات ، حيث يحدد القانون سنتين رسوب للطالب في السنة الدراسية الواحدة، وإذا تجاوزها الطالب يعتبر في حكم المفصول. وقد اضطر الكثير من الطلاب للانقطاع وفُصلوا نتيجة  خوفهم من الذهاب إلى مناطق النظام، لأنه أو أحد ذويه في المعارضة. ويتسبب الفصل من الجامعة بإلغاء إذن الحصول على تأجيل الخدمة الإلزامية للطلاب الشباب مما يحول الطلاب المفصولين جميعاً لمتخلفين عن الخدمة الإلزامية.

وأصدر مجلس التعليم في الشهر السادس من هذا العام قراراً يقضي بتسوية أوضاع طلاب الجامعات والمعاهد المقيمين في المناطق التي سيطر عليها النظام السوري حديثاً، واعتبر المجلس في قراره فترة انقطاع الطالب المسجل في الجامعات والمعاهد منذ العام ٢٠١٠-٢٠١١ وحتى العام الدراسي ٢٠١٦-٢٠١٧، كما عد العام الدراسي الحالي إيقاف تسجيل لمن يرغب.

ويعني هذا القرار أن السنوات السابقة لا تعتبر سنوات رسوب للطالب، فقد اعتبرها القرار بحكم إيقاف التسجيل في الجامعة، ودفع هذا القرار عدداً  كبيراً من الطلاب المفصولين في جنوب سوريا للعودة إلى جامعاتهم واستكمال عملية إعادة التسجيل، والحصول على إثبات تسجيل في الجامعة للحصول على تأجيل دراسي عن الخدمة الإلزامية مدته عام كامل.

إلا أن العديد منهم فوجئوا برفض شعبة التجنيد إعطاءهم التأجيل الدراسي لأن “معظم الطلاب الذين تم تسوية وضعهم في الجامعات قد تجاوزوا السن المحدد في قانون خدمة العلم السورية للحصول على تأجيل دراسي” بحسب قولهم وبهذا وجد الطلاب أنفسهم مجدداً أمام مشكلة جديدة تمنع استمرار تحصيلهم العلمي.

الحياة تعود لمدارس “درع الفرات” بعد جمود سنوات

الحياة تعود لمدارس “درع الفرات” بعد جمود سنوات

يواجه المعلم رجب الملاح (٢٧عاما) صعوبة بالغة في تلقين طلابه المعلومات، فهو يرى “أطفالا فقدوا طفولتهم، وتركز تفكيرهم على الحياة العسكرية متناسين الفكر والعلم بعد سنوات، فالحرب في مناطقنا انتهت لكنها مازالت حاضرة في نفوس طلبتنا” كما يقول إلا أنه مع ذلك مازال عازماً على تغيير سلوكهم وغرس حب التعلم والمعرفة داخل كل واحد منهم صغيرا كان أم كبيرا.

بعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم داعش على مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي تمكنت وحدات من الجيش السوري الحر مدعومة من القوات التركية من السيطرة عليها بعمليات أطلق عليها اسم “درع الفرات” بتاريخ ٢٩ مارس/ آذار ٢٠١٧.

خرج التنظيم الإسلامي المتطرف من تلك المناطق إلا أن آثاره السلبية ماتزال راسخة فيها، وخاصة على صعيد إضعاف العملية التعليمية، إذ  حارب التنظيم المعلمين والمثقفين الذين رفضوا الإنضمام لصفوفه مادفعهم للنزوح خارج مناطق سيطرته، مما ساعده على فرض وجوده فكرياً لا عسكرياً فقط. فالعديد من الأطفال في هذه المناطق لا يعرفون اللباس المدرسي، ولم يرتدوا بحياتهم إلا  لباس التنظيم الأسود.

ومع انتهاء عملية “درع الفرات” وطرد التنظيمات الإرهابية، أخذت الحكومة التركية على عاتقها إعادة تأهيل المؤسسات الاجتماعية والأمنية والعسكرية وعلى الأخص التعليمية المتعثرة أو المتوقفة تماماً منذ سبع سنوات.

وشكل بدء العملية التربوية التعليمية هذا العام انطلاقة للتعليم “نحو الأفضل” بحسب العديد من المدرسين في المنطقة وذلك بسبب الدعم التركي الذي تبنى دفع رواتب المعلمين وتلقينهم دورات مكثفة في التأهيل التربوي سيما وأن معظم المعلمين كانوا من المنقطعين عن التدريس لمدة طويلة، ولذا قامت السلطات المحلية بإعادة تأهيلهم ورفع مستواهم التعليمي.

عن التدريبات يقول المعلم الملاح لصالون سوريا “تركزت على طرائق التدريس وأهم مبادئ العملية التربوية، وامتدت لعشرة أيام متتالية، دربنا فيها محاضرين سوريين مقيمين في تركيا.”

وقد خضع أكثر من  ٦٠٠٠ معلم ومعلمة لتلك الدورات في مناطق درع الفرات كافة، وبإشراف التربية التركية، حيث تم وضع منهاج مخصص للدورة، وأقيم اختبار للمعلمين في نهايتها ليتم منحهم على إثره شهادة تمكنهم من ممارسة عملهم التربوي في مدارس منطقة درع الفرات، كما تم تسجيل المعلمين في سجلات التربية التركية.

وتولت وزارة التربية التركية مسؤولية ترميم المدارس المهدمة وإنشاء أخرى جديدة في كل من جرابلس والباب ومارع وإعزاز وقباسين، لتلبي احتياجات الطلاب الذين ازدادت أعدادهم، واعتمدت على معايير التعليم في تركيا، ليبلغ عددها ١٨٠ من أصل ٥٠٠ مدرسة، وتركز الدعم على تقديم المستلزمات والتجهيزات الدراسية من كتب و قرطاسية ومقاعد، إضافة لتجهيز البناء الخارجي والداخلي للمدارس.

لغة وتعديلات تركية على المناهج السورية

فرضت التربية التركية على المكاتب التعليمية في مجلس “محافظة حلب الحرة “ومختلف المجالس المحلية الأخرى إدراج اللغة التركية ضمن المناهج الدراسية ابتداء من المرحلة الإبتدائية وحتى المرحلة الثانوية وذلك اعتباراً من العام الدراسي الحالي ٢٠١٧/٢٠١٨.

وتم الإبلاغ عن هذا القرار  خلال اجتماع عقده ممثلون عن الحكومة التركية في كل من مجمع إخترين، إعزاز، مجمع الباب، جرابلس، بزاغة، الراعي، وكافة المدارس بالقرى التابعة لهذه المجمعات بريفي حلب الشمالي والشرقي والممتدة من مدينة إعزاز شمال حلب إلى مدينتي جرابلس والباب شرقي حلب بالإضافة إلى مدينة عفرين.

يوضح المعلم مصطفى النابلسي (٣٥عاما) بأن لتلاميذ المرحلة الابتدائية حصتين لغة تركية أسبوعيا، بينما يحضر طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية ثلاث حصص دراسية للغة التركية.

ويقول النابلسي “يقوم معلمون سوريون بتدريس اللغة التركية وهم من المعينين ضمن الكادر التعليمي من حملة الشهادة الثانوية الذين خضعوا لامتحان اللغة، ومن حملة الشهادة التركية التي تخولهم تعليم المادة في المنطقة”، كذلك أدخلت التربية تعديلات على المناهج كافة تراوحت بين الحذف والإضافة والتنقيح والاستبدال مع الحفاظ على المحتوى العلمي بشكل كامل مثل الفيزياء، الرياضيات، العلوم ،الكيمياء ، واللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وتركزت التعديلات على مواد التاريخ والجغرافية والقومية، إذا ألغيت المادة الأخيرة بشكل كامل، وتم تنقيح منهاج التاريخ “بما يبلور الصورة التركية” فقد تمت  إزالة كل الكلمات التي تشير إلى معنى الاحتلال العثماني واستبدالها بالحكم العثماني.

إضافة إلى ذلك يؤكد النابلسي بأن خرائط سوريا الموجودة في كتب المعارضة لم تعد تحتوي على لواء اسكندرون الذي ضمته تركيا في ثلاثينات القرن الماضي، ويعزو النابلسي هذا التوجه لكون تركيا هي المقر الأساسي للحكومة المؤقتة ومكان طباعة المناهج المدرسية المرتبطة بها، كما يتم تدريس مناهج الحكومة المؤقته في بعض المدارس السورية ضمن تركيا.

يقول أحد الطلاب في المرحلة الإعدادية ويدعى سليم الرشيد (١٤عاما) بأنه يرغب بتعلم اللغة التركية منذ زمن وبأن إدخالها للمنهاج من شأنه أن يساعده على تحقيق ذلك، ويضيف “ربما أستطيع في المستقبل إكمال دراستي في الجامعات التركية كما يفعل الكثيرون من الطلاب السوريين، وتعلم اللغة التركية هنا من الآن سيسهل علي الأمر.”

يوافق الطالب بهاء البيطار (١٦عاما) على رأي زميله سليم ويقول “اكتساب لغة إضافية مع اللغات العربية، الإنجليزية والفرنسية سيمنحنا مزيدا من المعارف والخبرات، فتعلم لغات جديدة يمكن الفرد من التحدث بأكثر من لغة في وقت واحد، لتصبح اللغات عنوان ثقافة وتنور للشخص وانفتاحه على العالم.”

ويتابع  بهاء ممتدحا اللغة التركية “اللغة التركية بحروفها اللاتينية الـ٢٩ لغة تحمل في طياتها معانٍ لم نألفها في بلدنا، لغة لم يسبق أن درسناها في مدارسنا ولم يخطر ببالنا يوما أن تكون اللغة التركية قدرنا القادم.”

من جهتها تشجع معلمة اللغة التركية هبا العدنان (٢٨عاما) على تعلم اللغة الجديدة قائلة “ما المانع من تعلم لغة جديدة، سيكون بالإمكان التعرف على ثقافة أخرى، وعادات ممتعة وغريبة لم تسمع عنها، اللغة ليست مجرد حروف مصفوفة بل هي تاريخ بذاته، وجغرافية منوعة.”

العام الدراسي في عفرين

عاد أطفال مدينة عفرين شمال سوريا أيضا إلى مقاعدهم الدراسية بدعم تركي،  وذلك بعد أن سيطرت عليها قوات المعارضة بدعم تركي بعملية “غصن الزيتون” في ١٨ مارس/ آذار ٢٠١٨، وقد أوكلت منطقة عفرين إداريا إلى ولاية هاتاي التركية، بينما تعود مرجعية مدن وبلدات ريف حلب “درع الفرات” إلى ولاية غازي عينتاب التركية.

وبدأت المجالس المحلية التابعة لتركيا، استعدادتها لإستقبال العام الدراسي الجديد في مدارس عفرين الشهر الماضي، حيث تم تطبيق مناهج تعليمية أقرتها حكومة الإئتلاف في غازي عنتاب على طلاب المدارس، وهي مواد دراسية تطبع تحت إشراف وزارة التربية والتعليم التركية ،وتبرز فيها دور تركيا وثقافتها كدولة عظمى وتمجد فترة الحكم العثماني للمنطقة. وكما مدارس “درع الفرات” يتم تخصيص دروس باللغة التركية ضمن هذه المدارس مع وجود مادة واحدة للغة الكردية.

نائب رئيس المجلس المحلي في منطقة شيا أحمد خليل قال “إن اللجان التابعة للمجالس تجري جولات على مدارس المنطقة لتفقدها، وتقدير الأضرار التي لحقت بها تمهيدا لإصلاحها، علما أن الكثير منها تم تحويلها إلى مقرات عسكرية أو مراكز إعتقال سابقاً.”

وأضاف خليل بأن بقية المدارس غير المستولى عليها من قبل الفصائل السورية والقوات التركية باتت جاهزة لاستقبال الطلاب وتم تأمين كافة متطلبات التعليم واللوازم الدراسية التي تحتاجها.  وقد بدأت أربع مدارس جديدة بالعام الدراسي الحالي إلى جانب ١١ مدرسة أخرى، بتطبيق ما درج على تسميته “بالتعليم العاجل” لغرض إعداد الطلاب.

مدير التربية والتعليم في مدينة بزاغة صالح عقيل يقول “إن الكوادر التعليمية تنقسم إلى مدرسين ومجازين وطلاب معاهد، وتقوم مديرية التربية بإجراء دورات متتالية لهم بهدف رفع السوية التعليمية من الناحيتين التعليمية والتربوية وصقل مهاراتهم بشكل عام تحت إشراف أساتذة مختصين.”

من جهته أوضح فوزي السايح مسؤول التعليم في مدينة الباب أنهم يقومون باستقبال الطلاب المنقطعين عن المدارس بعد إخضاعهم لفحص من أجل تحديد مستواهم التعليمي، ليتم وضع الطالب بالصف المناسب بحسب النتائج ليكمل تعليمه. كما تم في الباب أيضاً افتتاح مراكز لمحو الأمية لكل مدرسة تحوي صفوفاً فارغة.

وقامت بلدية كتشي أوزان التابعة لبلدية العاصمة التركية أنقرة بترميم مدارس قرية شوارغة الجوز التي تقع على بعد ٥ كيلومترات عن مركز ناحية عفرين، حيث عادت تلك المدارس لاستقبال التلاميذ ووفر فريق بلدية كتشي أوزان القرطاسية واللباس للطلاب.

أحمد القاوقجي (٤٠عاما ) وهو والد أحد الطلاب يروي لصالون سوريا “لم يتمكن أبنائي من الدراسة سابقاً إذ عمد تنظيم البي كي كي لفرض تعليم اللغة الكردية بدلا من العربية، علماً بأن معظم أهالي المنطقة هم من العرب، ولذا أنا ممتن للحكومة التركية التي كانت سببا بعودتهم للدراسة.”

ولحل أزمة البطالة في المنطقة افتتحت التربية التركية مراكز للتعليم الشعبي في مناطق درع الفرات والتي قدمت تعليما خاصا وجديدا من نوعه في المنطقة، يهتم بالمهن الشعبية المتنوعة كالخياطة وصناعة المعجنات والحلويات وعدد من المهن الأخرى التي من شأنها فتح المجال للشباب لإيجاد فرص عمل جديدة.

وفيما استحسن العديد من أهالي المنطقة الإجراءات التركية لكونها أعادت لهم الأمن والاستقرار ونشطت الحياة العامة إلا أن البعض الآخر رأى في الإجراءات التي تتخذها فرضاً للهيمنة والاحتلال التركي لمناطق سورية عديدة.

فقد انتقد الحقوقي علي الرشيد (٣٩عاما) الممارسات التركية قائلاً “إنها تسعى لتتريك المنطقة في محاولة لفصلها عن سوريا الأم وضمها للأراضي التركية على غرار لواء اسكندرون، فهي تتحكم بشكل كامل بالعملية التعليمية في مناطق نفوذها المباشر في الشمال السوري، وعلى الرغم من تدريس مناهج الحكومة المؤقته ذاتها في مدارس هذه المناطق إلا أنها تغيرت فيها بعض المضامين والإشارات السياسية.”

ويرد المدرس علاء المحسن (٣٠عاما ) أحد المدرسين في ثانوية جرابلس، على ذلك قائلاً “إن العملية التعليمية في المناطق الواقعة تحت السيطرة التركية شهدت افتتاح العديد من المدارس لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الطلاب، إضافة إلى محاولات لإعادة الطلاب المنقطعين عن الدراسة، و افتتاح مراكز لمحو الأمية، فتركيا ساهمت بإنعاش المنطقة وبعثت الحياة فيها، على الأقل على صعيد عودة أبنائها للدراسة.”

التعليم في  الرقة بعد طرد “داعش” منها

التعليم في الرقة بعد طرد “داعش” منها

في مدرسة عمر بن عبد العزيز بشارع النور غربي مدينة الرقة، يجلس تلاميذ تتراوح أعمارهم بين ٧ سنوات و١٥ سنة في الفصل الدراسي نفسه، بعد أن فتحت مدرستهم أبوابها أخيراً الشهر الجاري بجهود محلية من قبل متطوعي منظمة شباب أوكسجين. وأطلقت المنظمة مبادرة “التعليم لا يؤجل” بالمشاركة مع منظمات مدنية محلية، وبتنسيق مع لجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المدني لتحول بناءً مهجوراً تتكدس داخله أكوام من الأنقاض والركام خلال شهرين لمدرسة تستقبل طلاب المرحلة الأساسية.

وبعد تنظيفها وإصلاحها بمساعدة أهالي الحي، عاد التلاميذ إليها مجدداً يجلسون على مقاعد قديمة وصف دراسي لا باب فيه أو شباك إلا أن بناء المدرسة كان بحالة جيدة.  والتحق ٥٠٠ طالب بدوامهم المدرسي في السادس عشر من الشهر الجاري، عند إعلان لجنة التربية والتعليم بداية العام الدراسي الجديد، وذلك بعد أن حُرم أطفال الرقة من إكمال تحصيلهم العلمي أثناء سيطرة مقاتلي تنظيم داعش على مدينتهم بين يناير/كانون الأول ٢٠١٤ وأكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٧حيث تم طردهم من قبل قوات سورية الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي.  

تلاميذ يتحدون ظروف الحرب

يدخل الطفل سليمان – ١٠ أعوام- لأول مرة في حياته للفصل المدرسي ويجلس على المقعد الدراسي مبتسماً، ويقول سليمان المتحدر من مدينة الرقة “كنت أحلم بأن أجلس قرب تلميذ على مقعد، وأحمل كتبي المدرسية وأكتب اسمي عليها.”

أما الطفلة سعاد- ١٢ عاماً-  والتي حُرمت من التعليم طوال السنوات الماضية، فجلست في المقعد الأمامي قرب طالبتين، ورغم ضيق المكان بدت علامات السعادة على وجهها لتقول: “هذا بيتي الثاني، فالحرب حرمتنا منه، وأنا أرغب بأن أصبح طبيبة في المستقبل لمعالجة المرضى.”

ولم يخفِ والد سليمان، محمود (٤٢ سنة)، خشيته على مستقبل ابنه بعدما دخلت الحرب عامها الثامن، ووصف حماسه للعودة للمدرسة قائلاً: “عادةً كان ابني يسهر معنا لوقت متأخر، لكن ما إن عرف بافتتاح المدرسة حتى نام الساعة ٩ مساء، واستيقظ مع بزوغ الفجر بنشاط وحماس.”

بينما أعربت والدة الطفلة سعاد وتدعى جواهر (٣٨ سنة) عن فرحتها بعودة ابنتها لإكمال تحصيلها العليمي قائلة: “أشعر بفرحة كبيرة كنت محرومة منها لسنوات، مشاهدة ابنتي تلبس زي المدرسة وتذهب برفقة صديقاتها إلى المدرسة لا تقدر بثمن.”

وحول داعش -خلال سيطرته على المدينة- المدارس والمجمعات التربوية الى مقرات عسكرية أو سجون سرية، من بينها مدرسة عمر بن عبد العزيز والتي تعرضت لشظايا غارة جوية أدت الى تدمير جزئي في بناء المدرسة بحسب ما يروي سكان الرقة.

ولإعادة المدارس لسابق عهدها قامت منظمة شباب أوكسجين بترميم المدرسة وتنظيفها بدعم مادي من برنامج “إنجاز” الممول من الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن المدارس ليست جاهزة تماماً فهي مازالت تعاني من نقص في اللوازم التعليمية، وغياب دورات المياه ونقص في المقاعد الدراسية، إلا أن الطلاب يتحدون هذه الصعوبات ويلتزمون بالذهاب للمدرسة يومياً.

وعن تعويض سنوات الدراسة الفائتة للطلاب المتأخرين عن المدرسة يقول مدير المدرسة عيد المحمد (٥٤ سنة) “إن لجنة التربية والتعليم المؤلفة من أخصائيين تربويين، تقوم بإجراء سبر معلومات للطالب، ويتم تحديد المستوى بحسب هذه الاختبارات، ليوضع في الصف المناسب لعمره، نظراً لتوقف العملية التربوية لأربع دورات متتالية”، منوهاً الى توافد الأهالي لتسجيل أبنائهم وسط فرحة وسعادة. ويضيف: “المدرسة افتتحت بعد انقطاع طويل، ولم يتمكن بعد عدد من الأهالي العائدين حديثاً من تسجيل أبنائهم.”

وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، تبلغ مساحتها نحو ٢٧ ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها قبل ٢٠١١ نحو ١٠٠ ألف نسمة، ومنذ بداية الشهر الجاري وبعد عودة ثلث سكان المدينة هناك ١٢٥ ألف طالب مسجلون في قيود لجنة التربية والتعليم في الرقة؛ ارتاد نحو ١٠٠ ألف طالب منهم الصفوف الدراسية وجلسوا على مقاعدهم في ثاني أسبوع من العام الدراسي الجديد.

وأعربت جواهر (٤٣ سنة) من سكان حي الرميلة، عن سعادتها لرؤية ابنها أحمد البالغ من العمر (١٣ سنة) وهو يحمل حقيبته الدراسية مرة ثانية، ويذهب مع أصدقائه الى مدرسة عمر البحتري كل صباح، وتقول: “أحمد وأصدقاؤه كانوا يمضون معظم الوقت في ألعاب الحرب وتشكيل مجموعات مسلحة ويصنعون الحواجز العسكرية من أعواد الخشب”، مضيفةً: “كانت هذه الألعاب شغلهم الشاغل سابقاً، أما اليوم فيواظب أحمد على المدرسة وعند المساء يقوم بمراجعة وظائفه وينام مبكراً.”

الدمار، أبرز التحديات

“وافتتحت اللجنة ٢٨١ مدرسة في الرقة وبلداتها، منها ١٨ داخل المدينة يداوم فيها اليوم حوالي ٣٠ ألف طالب في ثاني أسبوع من العام الدراسي” كما يقول التربوي علي الشنان رئيس لجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني. ومجلس الرقة المدني هو المجلس المحلي المعني بإدارة شؤون المدينة بالتنسيق مع قوات سورية الديمقراطية والتحالف الدولي.

وكانت مديرية التربية والتعليم في الحكومة السورية قد رفضت الاعتراف بالمدارس في الرقة بعد سيطرة قوات سورية الديمقراطية على مدينة الرقة في أكتوبر/تشرين الثاني العام الفائت، كما ترفض الاعتراف بالمدارس الخارجة عن سيطرة القوات النظامية الموالية للأسد وبذلك لم ترسل إليها أية لوازم تعليمية،

كما امتنعت عن إرسال الكتب والمناهج المقررة، إلا أن منظمة “اليونيسيف” التابعة للأمم المتحدة، ساعدت في فتح عدد من المدارس وقدمت الكتب والمقررات المدرسية، كما دعمت بعض المنظمات المدنية مالياً لتقوم بأعمال الصيانة والتنظيف.

وعن المنهاج المعتمد في مدارس الرقة، ذكر الشنان إنه المنهاج الحكومي الصادر عن مديرية التربية في دمشق، مشدداً: “قمنا بحذف كل الدروس التي تمجد الأشخاص والأحزاب، والتي تدعو إلى التطرف الديني”، في إشارة إلى دروس مادة القومية والتاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي تمجد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وابنه بشار الأسد وحزب البعث الحاكم.

وأكد الشنان عدم حصول لجنة التربية والتعليم ومجلس الرقة المدني على أي دعم من الحكومة السورية لإعادة افتتاح المدارس وعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، قائلاً: “لا يوجد أي تنسيق بيننا وبين وزارة التربية في حكومة النظام، مجلس الرقة وبالتنسيق مع مجلس سورية الديمقراطية وبدعم من التحالف الدولي تولى مهمة إعادة طلاب الرقة لمقاعدهم الدراسية.”

وبحسب رئيس لجنة التربية والتعليم، تم تفعيل جميع صفوف مرحلة التعليم الأساسي من الأول للصف الخامس، إلى جانب تفعيل مرحلة التعليم الإعدادية والتي ستبدأ بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني . وانتهت اللجنة من ترميم وتنظيف ست مدارس ثانوية بالتعاون مع منظمات مدنية، لكن العمل مايزال جارياً لاستقبال الطلاب وتسجيلهم في المرحلة الثانوية.

وعن أبرز التحديات التي تواجه العملية التربوية في الرقة، ذكر الشنان بأنها تنحصر في حجم الدمار الذي تعرضت له المدارس جراء العمليات القتالية الدائرة في محيطها، وقال: “يضاف لها نقص تجهيزات المدارس وغياب دورات المياه، ونقص الأبواب والنوافذ كل هذه الأمور تشكل معوقات وتحديات نحاول جاهدين إصلاحها وتجاوزها.”

“التعليم لا يؤجل”

أطلقت منظمة “شباب أوكسجين” بالتعاون مع منظمات مدنية محلية، مبادرة “التعليم لا يؤجل”، للمساهمة في عمليات ترميم وتنظيف مدارس الرقة وريفها، وقال بشار الكراف مدير المنظمة: “بعد الإعلان عن العام الدراسي الجديد، وجدنا إقبالاً كبيراً من الأهالي لتسجيل أبنائهم، وبما أننا نعلم أن معظم المدارس نالها الخراب والدمار، قررنا المبادرة للمساهمة في عمليات التنظيف.” وقد تضررت معظم مدراس الرقة إما جزئياً أو تدمرت تدميراً كاملاً  لتخرج من الخدمة نهائياً، كما انتشرت فيها الألغام ومخلفات الحرب التي لم تنفجر.

وأشار الكراف إلى تعاون إدارة المدرسة والكادر التدريسي والأهالي الذين شكلوا فرق تنظيف للمساعدة في أعمال النظافة والترميم، وقد بلغ عدد الطلاب المستفيدين من مبادرة “التعليم لا يؤجل” سبعة آلاف طالب بحسب الكراف، وتضع المنظمات المدنية العاملة في المبادرة خطة ليصل العدد إلى عشرة آلاف طالب.

وإلى جانب منظمة “شباب أوكسجين”؛ تلقت منظمة “وفاق” الدعم من برنامج “إنجاز”، وافتتحت مدرسة في مخيم عين عيسى للنازحين، و مدرسة مزرعة حطين والأسدية بريف الرقة، كما تولت منظمة “نما لتشجيع ودعم التطور الديمقراطي” مهمة تنظيف مدرستي السلام والكواكبي للتعليم الأساسي داخل الرقة بجهود فردية من قبل متطوعي المنظمة. وكذلك شاركت منظمة “رؤية” وجمعية “نساء للسلام،” ومنظمة “نداء”، ومنظمة “وقاية”، وجهات مدينة محلية أخرى من الرقة في المبادرة، في تنظيف ١٢ مدرسة موزعة في داخل أحياء الرقة وإزالة الأنقاض والركام منها.

وفي المناطق التي دُمّرت مدارسها بالكامل تم تحويل بعض المنازل لمدارس كما يروي سعدون (٤٥ سنة) الذي يسكن في حي الدرعية غربي مدينة الرقة، “لم يبق من مدرسة المنطقة سوى الأطلال، لذا قام مجلس الرقة ولجنة التربية باستئجار ثلاثة منازل، وحولوها لمدرسة أخذت تستقبل الطلاب في ثلاثة أفواج، دوام صباحي وثاني عند فترة الظهر وآخر مسائي نظراً لكثرة الأعداد.”

وتقول هند محمد مديرة جمعية نساء للسلام في حديث لـصالون سورية أن عدد المستفيدين “بلغ ١٢٠٠ تلميذ والحملة تتم بالتعاون والتنسيق مع منظمات مدنية من جهة، ولجنة التربية والتعليم بمجلس الرقة المدني من جهة ثانية.”

وبدأت حملة “التعليم لا يؤجل” مع بداية العام الدراسي الجديد، وأطلقت المنظمات المدنية هاشتاغ على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم #بمشاركتنا-مدارسنا- أجمل .

مدارس بألوان الفرات

بدورها، أكدت ميادة الشيخ إبراهيم الرئيسة المشتركة للجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المحلي، أن اللجنة نجحت في افتتاح ١٨ مدرسة من أصل ٣٢ داخل أحياء الرقة، وقالت في حديثها لـ”صالون سورية” بأن: “أعمال النظافة تمت بالتنسيق مع فرق إزالة الألغام، نجحنا بافتتاح المدارس بعد تأمينها وترميمها وتنظيفها، وعادت للخدمة وتستقبل الطلاب من جديد.”

ولفتت الشيخ إبراهيم إلى أن لجنة التربية قامت بافتتاح ١٢ مركزاً تدريبياً لتأهيل الكادر التدريسي، “الكادر خضع لدورات تأهيل للتعرف على كيفية تدريس الوسائل والطرائق الحديثة في العملية التربوية، ومواجهة التحديات والعقبات بعد ٣ سنوات من حكم تنظيم داعش” كما تقول.

وتروي المدرسة وفاء (٣٧ سنة) كيف قام عناصر داعش بتغيير ألوان المدارس وكسوها بالسواد، وقالت: “أول خطوة يجب إعادة طلاء المدارس بألوان فاتحة وزاهية تعكس روح أهالي الرقّة الحقيقيّة.” و بقيت المعلمة وفاء المتحدرة من الرقة، تدرّس في مدارس المدينة قرابة ١٠ سنوات، قبل نزوحها صيف العام الماضي وعودتها بعد انتهاء العمليات القتالية.

واليوم بدأت وفاء دوامها في مدرسة البحتري في حي الرميلة، كما تعمل إلى جانب الكادر التدريسي على تهيئة نفسها لكيفية التعامل مع الطلاّب الذين عاشوا في ظلّ حكم (داعش)، وتقول “التوحّش والإجرام كانا سمتي حكم داعش وأثرا على جيل الأطفال، سأعمل بكلّ طاقاتي لاستيعاب هذا الجيل، وتغيير سلوكه نحو الأفضل، لأن أفكارهم هدامة.”

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

مائدة مستديرة: واقع التعليم في سوريا

واقع التعليم في سوريا مُزْرٍ ومأساوي، فقد دُمرت البنية التحتية للتعليم وشُرِّد الطلاب أو تسربوا، وهاجر من هاجر وبقيت آلاف المدارس المدمرة والتي لم تُرمَّم بعد شاهداً على حجم المأساة التي حلت بالتعليم.

فرض تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) نصوصه المدرسية وأخضع المدرسين لدورات تدريبية حين كان يحتل الرقة، وفرضت تركيا لغتها في مناطق درع الفرات، في خطوة اعتبرها البعض تمهيداً للتتريك والضم فيما اعتبرها البعض الآخر حلاً أنعش التعليم.

كما أُدخلت اللغة الروسية في التعليم في المناطق الحكومية وصارت الكردية لغة المناهج في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. ورأى البعض في هذا رسائل سياسية واضحة تعكس الواقع القائم في سوريا. وفي جنوب سوريا، توصل الأهالي إلى حلول تتماشى مع الواقع المرير فيما انتقل الميسورون إلى مناطق أخرى من أجل أولادهم.

وكي نلقي الضوء على التعليم وما حدث له نتيجة للحرب المدمرة التي دارت رحاها في سوريا، قمنا في صالون سوريا بإعداد طاولة مستديرة حول واقع التعليم في جميع المناطق السورية، كي نقدم صورة عن واقع التعليم والحلول التي لجأ إليها السوريون والسياسات التي تتحكم بالعملية التعليمية وكل ما يتعلق بهذا الموضوع.

كما يدعو صالون سوريا الكتاب والباحثين والصحفيين السوريين إلى المساهمة في مناقشة هذا الموضوع وطرح التصورات والآراء حول كيفية النهوض بالتعليم في ظل الواقع المتردي الناجم عن الحرب، وأن يدلوا برأيهم في ما يجب فعله في هذا المفصل التاريخي الخطير في تاريخ سوريا الحديث من أجل إنقاذ التعليم والذي يعني إنقاذ المجتمع السوري من السقوط في هاوية التخلف والجهل.

سينشر صالون سوريا المساهمات التي تصله تباعاً ويقوم بتفعيل الروابط.

التعليم في مدينة الرقة السورية بعد طرد داعش منها
كمال شيخو

الحياة تعود لمدارس درع الفرات بعد جمودها لسنوات
هادية المنصور

واقع التعليم في الجزيرة السورية
كمال شيخو

التعليم مازال في غيبوبة في الجنوب السوري
رياض الزين

التعليم في مناطق النظام… واقع متدهور وحلول اعتباطية
حمد المحاميد

تدهور قطاع التعليم في مخيمات الشمال السوري
سونيا العلي

تأثير الحرب على التعليم الحكومي
عامر فياض

القانون٣١، وزارة أوقافٍ أم وزارات..؟

القانون٣١، وزارة أوقافٍ أم وزارات..؟

رغم التعديلات التي أجراها مجلس الشعب على بعض مواده، بقي القانون ٣١، الناظم لعمل وزارة الأوقاف، كابوساً مرعباً للعديد من السوريين، فمعظم تلك التعديلات وصِفت بأنها “لغوية ولفظية، شكلية وسطحية” لم تحدث فرقاً نوعياً في جوهره، ليبقى مثيراً للجدل حول آلية وطبيعة تطبيقه وما يخبئ في عمقه، إذ رأى فيه البعض نهجاً دينياً يسعى إلى “سَعوَدة” و”أفغنة” سورية.

المحامي وليد يرى أن هذا القانون “يمنح وزارة الأوقاف صلاحيات وغطاءً قانونياً للتدخل في كل ما يتعلق بالمجتمع، ويسمح لها ببسط نفوذها على معظم مناحي الحياة، ما يجعلها أقرب إلى دويلة مستقلة، تمتلك مؤسساتها الخاصة وقرارها المستقل وتتمتع بأجهزتها الإدارية والمالية.” فالقانون لا يكتفي بـ[إحداث مديريات للأوقاف في المحافظات] (المادة ٩٠)، إنما يخول الوزير ومجلس الأوقاف المركزي [إحداث شعب وقفية ملحقة بمديريات الأوقاف، وذلك للإشراف على أماكن العبادة ومتابعة العقارات الوقفية، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي] بحسب المادة ٩٤. هذا يعني أن الوزارة “أوجدت لها منابر فكرية في كل مكان، عبر شبكة من المؤسسات الإيديولوجية، التي ستنتشر في معظم المدن والبلديات، قد تحاكي تجربة شُعَب حزب البعث التي توغلت في كل مفاصل المجتمع، كما أن هذا الأمر قد يجعل بعض الأديان والطوائف الأخرى تحذو حذو نظيرتها الإسلامية وتسعى لتشكيل مديرياتها وشعبها ولجانها الخاصة، أي مزيد من المؤسسات الدينية” بحسب المحامي وليد.

وفي السياق ذاته تقول المادة ٩٧ [ تُشكَّل بقرار من الوزير بناءً على اقتراح مدير الأوقاف لجان تُسمَّى “لجان الأوقاف” ملحقة بمديريات الأوقاف، تتولى الإشراف على حسن سير الشعائر الدينيَّة في نطاق عملها، ومتابعة عقارات الأوقاف والمحافظة عليها، والإبلاغ عن التعديَّات والتجاوزات عليها]. وأثارت هذه المادة الجدل الأكبر عند منتقدي القانون إذ وصف البعض تلك اللجان بـ”جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.” وهنا يتساءل المحامي وليد: “هل تحتاج بعض العقارات الوقفية التي يحميها الناس فطرياً ويرونها أماكن مقدسة إلى لجان للأوقاف؟” مضيفاً “ما هي طبيعة عمل تلك اللجان في المناطق ذات الاعتدال الديني والتنوع الطائفي؟ هل ستقوم بمنع المشروبات الكحولية والتدخين، ومراقبة غير الصائمين ومن لا يذهبون إلى الجامع، والتدخل في طبيعة اللباس، خاصة عند النساء؟”

وتحظى أيضاً الوزارة بامتيازات خاصة، فبحسب المادة ٦٥ [تعفى العقارات الوقفية في جميع معاملاتها من الضرائب والرسوم كافَّة أياً كان نوعها، وتُعفى من تقديم الكفالات والتأمينات والسلف بأنواعها]. كما يمكن للوزارة وفقاً للمادة الثانية: [التنسيق مع وزارتي الإعلام والثقافة للإشراف على البرامج الخاصة بالعمل الديني في وسائل الإعلام كافةً، وكذلك المطبوعات الدينية].. أما الامتياز الأكبر فهو ما جاء في المادة ٨٦: [لمجلس الأوقاف المركزي أن يؤسس شركات تجارية مملوكة له من نوع شركات الأموال، تعمل وفق أحكام قانون التجارة والشركات والقانون المدني، للإستثمار وإدارة الأوقاف].

هذا الامتياز برأي المحامية نوال “قد يفتح باباً لفرص العمل، يضطر الباحثين عنها إلى الإذعان لسلطة الدين ليعملوا في تلك الشركات، التي يمكنها استخدام سلطة المال  لتحقيق أهداف ومآرب خاصة.” وتضيف نوال “بدلاً من تفعيل دور المجتمع المدني نرى القانون ينحيه جانباً، ليفعّل النشاط المجتمعي الديني، ما قد يؤثر على شكل وطبيعة ذلك المجتمع ويوجد شرخاً وانقساماً في بيئته ويؤسلم هويته المجتمعية” وعن ذلك تعطي مثالاً من بعض ما جاء في المادة الثانية: [تأسيس المبرَّات ودور رعاية الأيتام والمستوصفات والمشافي والمنشآت والمؤسسات والمراكز الخيرية والاجتماعية والاقتصادية التي تحقق أهداف الوزارة] وتتساءل “ماذا يعنى قيام المؤسسات الدينية على حساب المدنية؟ وما الهدف من إقامة مشاف ودور أيتام دينية؟ هل ستكون معنية فقط بالمؤمنين المنتمين إلى دين محدد؟” وتضيف المحامية نوال أن القانون لم يشر لطبيعة عمل تلك المؤسسات والمنشآت والمراكز والشركات، “التي قد تكون ذات طابع احتكاري وإيديولوجي، وتسعى إلى الانفراد بالعمل المجتمعي عبر وضع يدها على معظم مرافق المجتمع” بحسب تعبيرها.

القانون والعلوم الشرعية

وتنص الفقرة هـ من المادة الثانية من هذا القانون على [تطوير التعليم الشرعي في جميع مراحله، وإحداث المدارس والمعاهد الشرعية الإسلامية وتنظيم شؤونها وإدارتها وذلك بهدف إعداد نخبة من علماء الدين المتمكنين من أدوات الخطاب الديني، يقدمون البديل عن التطرف والأفكار المنحرفة والتكفيرية]، وعن هذا الفقرة ترد الدكتورة الجامعية غادة بقولها “المؤمن الحقيقي لا يحتاج إلى المدارس والمعاهد الشرعية ليتقرب من الله، ألا يكفي عدد المؤسسات التعليمية الشرعية والجوامع الموجودة في البلاد؟ لا ننسى أن التطرف جاء من بعض خريجي تلك المؤسسات.”

وتؤكد د.غادة أن “ما ذكر في الفقرة يقوي لغة الخطاب الديني على حساب اللغة الوطنية الجامعة، فالتصدي للتطرف والأفكار التكفيرية لا يأتي من خلال علماء الدين ومنابرهم، بل من خلال القانون وعلوم الأخلاق ونشر الوعي والأفكار المدنية التي تساوي بين الجميع، وأيضاً عبر تطوير الجامعات والمراكز العلمية، وعبر تربية الأجيال الصاعدة على ثقافة المواطنة والاعتدال والقيم المجتمعية المعاصرة لا على ثقافة التدين”. ويحظى (المجلس العلمي الفقهي) وفقاً للقانون المذكور، بدور اجتماعي فاعل ذي سلطة مؤثرة في المجتمع، فيما لا يوجد أي دور مشابه للنخب والمرجعيات الثقافية والعلمية في أي قانون.

ويولي القانون المدارس الشرعية أهمية كبيرة، ويساويها مع المدارس التعليمية الحكومية فالمادة٣٩ تقول: [يكون لكل مدرسة شرعية إسلامية موازنة خاصة تصدر بقرار من مجلس الأوقاف المركزي]. ووفقاً للمادة ٤٣ [تُعدُّ شهادتا الإعدادية الشرعية والثانويَّة الشرعيَّة مُعادلتين لشهادتي التعليم الأساسي والثانويَّة العامة “الفرع الأدبي” ويتمتَّع حائزوها بالامتيازات والحقوق ذاتها التي يتمتَّع بها حائزو الشهادات التي تمنحها وزارة التربية].

وحول ما سبق تتساءل د.غادة “هل يحتاج الطالب إلى كل تلك السنوات الدراسية لتحصيل العلوم الشرعية؟ ألا يكفي فرض مادة التربية الإسلامية على جميع الصفوف ووجود كليات الشريعة؟ وألا يكفي ارتياد المساجد ومعاهد تحفيظ القرآن أو النشوء في أسرة متدينة لكي يتعلم أصول الدين؟  أليس من الأفضل استخدام ميزانية المدارس الشرعية لدعم المؤسسة التعليمية الحكومية؟”

وفي السياق ذاته يتيح القانون للمدارس الشرعية استقطاب الطلاب من المدارس التعليمية الحكومية، إذ [يجوز انتقال الطلاب بين الصفوف المتماثلة في مراحل التعليم الأساسي والثانوي العام والشرعي] وفقاً للمادة ٤٤، وهو أمرٌ قد يزيد من نسبة إقبال الطلاب على تلك المدارس نتيجة التسهيلات والمغريات المقدمة لهم.

ويرى المُدرس مازن أن هذا الأمر “أشبه بزواجٍ بين المؤسسة التعليمية والدينية” وهو ينطبق على المعلمين أيضاً، فبحسب المادة 47: [يستفيد العاملون والمدرسون في المدارس الشرعية من جميع الامتيازات والحقوق والتعويضات التي يتمتع بها نظراؤهم في وزارة التربية] لذا قد يلتحق المدرسون التربويون بالمدارس الشرعية كي يحصلوا على دخلٍ إضافي، خاصة أن دخلهم الحكومي يكاد لا يذكر.