مصائر زواج السوريات من المقاتلين الأجانب

مصائر زواج السوريات من المقاتلين الأجانب

الفقر وانعدام الأمن والاستقرار هو ما دفع أبو عمر (٤٥عاماً) من معرة النعمان لتزويج ابنته نسرين (١٧عاماً) من أول متقدم لخطبتها، وكان مقاتلاً مهاجراً يعمل ضمن أحد الفصائل العسكرية في المنطقة، لكن هذا الزواج لم يدم طويلاً فقد عادت نسرين إلى بيت أهلها بعد عام من زواجها بصحبة طفلها وذلك بعد أن انتقل زوجها للقتال على إحدى جبهات ريف حلب، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره بشكل نهائي، وقد تعددت الروايات بين مقتله وعودته إلى بلده.

نسرين واحدة من نساء كثيرات في إدلب وريفها وقعن ضحية الزواج المجهول من مقاتلين مهاجرين وأجانب، حيث بدأت تنتشر ظاهرة زواج النساء السوريات من المقاتلين الأجانب الذين بدأوا بالتوافد إلى سوريا منذ بداية النزاع للمشاركة في القتال، وانضموا إلى الفصائل الإسلامية المسلحة المقاتلة في المنطقة  وهؤلاء المقاتلون سرعان مابحثوا عن الزواج بعد شعورهم بأن بقاءهم في سوريا سيستمر لسنوات طويلة، لتقع كثير من النساء ضحايا الظروف الصعبة بعد مقتل الزوج أو اختفائه، ما يؤدي إلى أن تعيش هؤلاء النساء مع الأطفال الناتجين عن هكذا زيجات.

 حياة اجتماعية واقتصادية بالغة الصعوبة والتعقيد

أجبرت الظروف الثلاثينية رزان العبد من بلدة بنش على القبول بالزواج من أحد المقاتلين المهاجرين، فقد تقطعت بها السبل بعد وفاة والديها في غارة جوية، وبقيت وحيدة تتنقل بين بيوت إخوتها، وتقول رزان عن تجربتها: “كنت دائما أشعر بأنني عالة على الجميع، وبسبب تقدمي بالسن وافقت على الزواج بمقاتل يعمل ضمن فصيل هيئة تحرير الشام ويكنى بأبي طلحة الليبي وهذا كل ما أعرفه عنه، لأنه كان دائماً يتهرب من أي سؤال يخص تفاصيل حياته، ويغضب إذا سألته عن نسبه واسمه الحقيقي متذرعاً بأسباب أمنية، فكنتُ أخفي انزعاجي كونه كان يعاملني معاملة طيبة، استمر زواجنا قرابة العامين والنصف رزقت خلالها بطفلين.“

تصمت رزان قليلاً ثم تتابع بغصة : “خرج أبي طلحة في إحدى المعارك ليأتيني بعدها خبر وفاته، وجدتُ نفسي وحيدة مع طفلين مجهولي النسب، فبدأت أعمل في الأراضي الزراعية طوال النهار من أجل تأمين قوتي وقوة أطفالي الذين ليس لديهم معيل.”

تبين رزان بأنها دفعت ثمن قبولها بهذا الزواج الذي دمر حياتها، وأكثر ما يؤلمها ويشكل الهاجس الأكبر في حياتها هما طفلاها اللذان سيحرمان من جميع الحقوق المدنية في التعليم والتملك والرعاية الطبية والهوية كونهما دون نسب أو أوراق ثبوتية.

وإذا كانت رزان هي من وافقت على هذا الزواج بمحض إرادتها، فإن معظم حالات الزواج التي جرت في الشمال السوري لم تكن فيها الفتاة صاحبة القرار في اختيار شريك حياتها، حيث يقوم الأهل بتزويج بناتهم حتى دون أخذ رأيهن في كثير من الأحيان وهو ماجرى مع القاصر رولا (١٦عاماً) التي أجبرها والدها على ترك المدرسة بعد نزوحهم من بلدتهم خان السبل وإقامتهم في خيمة قماشية في بلدة كفرلوسين على الحدود السورية التركية. قام والد رولا بتزويجها من أحد أصدقاء أخيها المجاهدين ضمن صفوف جبهة النصرة وهو رجل سعودي ويكبرها بخمسة وعشرين عاماً، وذلك للتخلص من مصروفها والستر عليها في ظل حالة الفوضى والفلتان الأمني الذي يسيطر على المنطقة، ولاعتقاد الوالد أن هذا الزوج سيضمن لابنته حياة مرفهة، خاصةً وأن العريس السعودي رجل غني وراح يغدق عليها وعلى أهلها بالأموال والهدايا.  وظن والد رولا أيضاًبأن وجود هذا العريس بقربها وقرب أهلها سيؤمن لهم الحماية والسلطة في مجتمعهم، إلا أن اعتقاداته كلها كانت خاطئة، فبعد الزواج راح الزوج يعامله رولا معاملة قاسية، فكان متشدداً في كل الأمور، وألزمها بوضع النقاب، وحرمها من الخروج من المنزل أو حتى زيارة أهلها، وكان يعنفها باستمرار لصغر سنها وجهلها بمسؤوليات الزوج والبيت، وفوق ذلك كله طلقها بعد أن أنجبت منه طفلة، وعادت إلى خيمة أهلها مكسورة الخاطر مع طفلة مجهولة النسب ومحرومة الحقوق.

حملة “مين زوجك؟”

وردا على انتشار هذه الظاهرة أطلق ناشطون في إدلب حملة “مين زوجك؟” في عام ٢٠١٨ بهدف توعية النساء بمخاطر هذه الزيجات عليهن وعلى أطفالهن، وذلك من خلال فرق عمل موزعة على القرى والبلدات.

وتتنوع الأسباب والدوافع التي تحتم على الأهالي القبول بتزويج بناتهم مثل هذه الزيجات وقد أوجزتها الخبيرة الاجتماعية هدى العوض (٤٧عاماً)من مدينة إدلب بالقول: “أهم تلك الأسباب تكمن في الجهل وقلة الوعي، بالإضافة للفقر المدقع والحالة الاقتصادية السيئة التي تعصف بالأهالي، فضلاً عن عزوف معظم الشباب السوريين عن الزواج لما فيه من تكاليف باهظة في ظل البطالة وصعوبة تأمين فرص العمل ما أجبر معظم الشباب على الهجرة بحثاً عن الأمان والرزق. وهو ما يفسر كثرة هذه الزيجات التي تنتهي بالفشل غالباً أو بالطلاق أو مقتل الزوج أو تركه لعائلته والانتقال إلى أماكن أخرى بحكم تنقل تنظيمه المستمر، أو عودته إلى بلده الأصلي تاركاً خلفه عائلته وأطفاله، لتبدأ بعدها رحلة الضياع.

ويشرح المحامي نضال العمر (٤٠عاماً) من معرة مصرين في حديث خاص الأثر القانوني المترتب على زواج السورية من أجنبي بقوله: “الزواج يجب أن يكون مبنياً على الوضوح ومعظم هذه الزيجات تتم خارج نطاق المحاكم الشرعية، وغالباً دون أن يفصح المهاجر عن اسمه الحقيقي، والاكتفاء بالكنى والألقاب والأسماء المستعارة، وهذا الغموض يعتبر من محرمات الشريعة الإسلامية ومن مفسدات الزواج.”

وأكد العمر بأن المحاكم الشرعية المنتشرة في الشمال السوري لا تعترف بالزواج من أشخاص مجهولي الهوية، ولا تقر بتثبيت نسب الأطفال، الأمر الذي يترتب عليه حرمان هؤلاء الأطفال من أبسط حقوقهم وهي الجنسية والنسب والعائلة، ما ينذر بأنهم سيواجهون حياة صعبة بكل ما تعنيه الكلمة.

ويقترح المحامي كحل لهؤلاء إقرار قانون يسمح للأم السورية بمنح جنسيتها لطفلها وهو ما لم يحصل حتى اللحظة.

ووفقا لإحصائيات حملة “مين زوجك” فقد بلغ عدد النساء المتزوجات من مقاتلين أجانب حتى آذار ٢٠١٨حوالي ١٧٣٥سيدة، ونتجت زيجات ما يقارب ١١٢٤ امرأة من هؤلاء النساء عن أطفال والذين يُقدر عددهم  بحوالي ١٨٢٦ طفلاً.

قصة قصيرة: بيت…بيوت

قصة قصيرة: بيت…بيوت

الساعة الثانية ظهراً، الشمس كرة من نحاس أحمر، نسمة خفيفة غربية، والسيارات ليست كثيرة في هذا اليوم على طريق المطار. ذلك ما لاحظه محمد من موقعه في الصف الأخير من المدرج.
على منصة الشرف المسقوفة في الملعب البلدي الصغير في جرمانا، جلس عشرات الأشخاص، رجال نساء وأطفال. لم تكن هناك أية مباراة، والأطفال يقفزون كالكرات فوق العشب الصناعيّ على أرضية الملعب. الكبار كانوا ساهمين يحدقون في الفراغ، ويراقبون المشهد ببياض عيونهم، ويتدربون على الانتظار.

محمد، ممسك جواله القديم بيد، وسيجارة الحمراء الطويلة ترفض أن تنتهي بين أصابع يده الأخرى، وعيناه لم تعد تريا إلا أمواجاً سائلة، وأشياء ضاعت معالمها في النظرة الرطبة.

كانوا من الذين خرجوا من بيوتهم، ونزحوا إلى جرمانا. ظنوا أن القصة مسألة أيام، وأصبح الوقت من المطاط. تم تجميعهم وإيواءهم مؤقتاً، تحت مدرجات منصة الشرف في الملعب، حيث توجد غرف للكوادر الرياضية، وغرف لتبديل ملابس اللاعبين وحمامات مشتركة. الآن، أصبحوا هم الكادر كاملاً، وهم وحدهم اللاعبون الأساسيون. وأصبحت كلمة، مؤقتاً، الكلمة الأثقل وزناً في ضمائرهم المثقلة.

فتح محمد جواله، تأكد من وجود تغطية، وأشعل سيجارة أخرى. رن الهاتف رنة قصيرة، نظر باتجاه أطفاله فوق أرض الملعب. إنها زوجته تذكره بأن لا ينسى جلب حصتهم من الطعام.
الساعة الثالثة بعد الظهر، الشمس غيرت قليلاً من زاويتها، أصبح ظل المنصة أكثر طولاً، إلا أن الأطفال ما زالوا في الشمس. إنها ساعة توزيع الطعام. اجتمع الأطفال والنساء وبعض الرجال، حاملين قدورَهم، وصفائح الماء. كان غداء اليوم مؤلفاً من الأرز، حساء الفاصولياء مع البندورة، وربطة خبز.
أعطى محمد حصتهم من الطعام لزوجته، وعاد إلى المدرجات، يدخن ويتابع عد السيارات المارة على طريق المطار غير البعيد.

نزح محمد وزوجته وأطفاله الثلاثة، من قرية ليست ببعيدة عن جرمانا. وفكر لو أن المدرجات أعلى قليلاً، لاستطاع رؤيتها. غير أن المدرجات كانت أقل ارتفاعاً من مخيلته. كان يمتلك محلاً لتصليح الأدوات الكهربائية والإلكترونية، وعندما خرجوا فجراً من المنزل، بقي رجاء زوجته معلقاً في رأسه إلى الآن:

” عدني بأننا سنعود”

في تلك الليلة، كان صوت تكسير الزجاج في بيته يغطي على صوت الرصاص في الخارج. أخذت زوجته بتكسير كل الأواني الزجاجية، وتقلب كل ما تطاله يداها، كانت تصرخ، تبكي، وتكسر. ومع كل صحن يتفتت، تتفتت هي، إلى ملايين القطع. وعندما رجاها محمد بألا تفعل ذلك، قالت:

“لا علاقة لك، اتركني أفعل ما أشاء”

” لكنكِ سترعبين الأطفال النائمين”

“ألم يرتعبوا إلى الآن؟ وهل ناموا أصلاً؟ لقد قضوا الليل وهم يجفلون من صوت القذائف والرصاص”

” أرجوكِ، توقفي عن التكسير”

” أريد أن أحطم كلّ شيء، هل تسمع؟ كلَّ شيء. أليست صحوني، كؤوسي؟ أليس هذا جهاز عرسي؟ أتذكّر كل قطعة، كيف وفرتُ ثمنها واشتريتها. وكيف لمعتها ووضعتها في الفيترينة. ألا تذكر أنت؟..أنا أتذكر، كل قطعة لي معها قصة: الستائر، الصمديات، الطربيزات، طقم السفرة والكراسي، السجادة وحتى نزّالات الطعام. لي معهنَّ قصة: ثيابي، ثياب أولادي، ثيابك. قصة ماذا؟ قصة حب إذا شئتَ. والآن يريدون منّا أن نخلي البيت، بيتنا، وأن نخرج بثيابنا فقط. أريد أن أكسر كلَّ شيء، اريد أن أمزق حتى الثياب”

” أرجوك، يكفي”، وكان يبكي

“هل تصرخ فيَّ؟”

” أصرخ فيكِ ، فيّ، وفي كل العالم. لا أتذكر!! بلى أتذكر، ماذا تريدين مني أن أفعل؟ أحطم الجدران، أحرق الأبواب والنوافذ. أليسَ هذا بيتنا، بيتي، بيتكِ، بيت أطفالنا. هل أهدمه بيديّ؟”

تضحك زوجته بهستيريا وتقول:

” بيتنا؟ بيتي؟ بيتك؟ بيت الأطفال؟ والآن لم يعد كذلك”

“إنه بيتنا، وسيبقى، وسوف نعود إليه، ليست لنا علاقة بأي أحد، ولم نرتكب أي خطأ، ولن نذهب بعيداً. مسألة أيام فقط، وسيبقى كل شيء على حاله. ألا ترين هذه الشراشف؟ سأغطي بها كل الأثاث، والأجهزة، ولن تتلفها الغبرة. كل شيء سينتظرنا حتى نعود، سيحتفظ برائحتنا فيه، ورائحته فينا”

” نعم سنعود، ولن نجد لا رائحتنا ولا رائحته”

تصمت قليلاً وكأنها تأخذ نفسَاً:

” هل ترى ما هو مرسوم على هذه الصحون؟ “

“روميو وجولييت”

“كانوا عشاقاً؟”

” نعم”. وكان يكاد يلمس هدوءاً في صوتها، فيشرق قليلاً.

” أتذكر من أين جلبتَه؟”

” أذكر، من لبنان”

” إنه جديد وما زال في علبته”. تخرج الطقم كاملاً من العلبة. وتتابع:

” لن يكون هناك أصدقاء في السهرة، ولن نقدم الحلويات في هذه الصحون” . تضربه في الأرض وتتحول الصحون إلى طحين زجاجي.

“أرجوكِ”

” هل ترى هذه النرجيلة؟ طويلة مثل زرافة من كريستال. اشتريتها من الحميدية لكي نضعها على الشرفة وندخن. لا أريد أن أسمع صوت نفسَها في صدر أي أحد. هل تسمع. في صدر أي أحد”

وتنفجر النرجيلة.

” أرجوكِ، يكفي”. قالها بلا صوت.

“لا يكفي، الثياب، ثيابي، ثياب الأطفال، لا أريد أن أراها على أي جسد غير أجسادنا والصور، صورنا على الجدران والرفوف، سأحرق كل شيء..”

” الصور لا. سأخفيها في الحقيبة”

وبعد دقائق من صمت حاد. قالت:

“عدني بأننا سوف نعود”

جاء رنين الهاتف، الآن، برنة طويلة ينقذه من ذكريات تلك الليلة، ومن وعده أيضاً.

كانت الأخبار التي تلقاها جيدة، ولأول مرة، منذ ثلاثة أشهر، يرى بياضاً ضمن كل هذا السواد الذي أحاطهم منذ خروجهم في فجر تلك الليلة. لقد تمت الموافقة على تشغيله في معمل لتجميع الأجهزة الكهربائية براتب جيد.
ألقى نصف السيجارة، وهبط الدرجات قفزاً. على باب غرفة الحارس الأمني لمركز الإيواء، استوقفه المسؤول، أخبره بأنه يتعاطف معه، وأنه يسعى جاهداً لمساعدته في الحصول على الموافقة الأمنية التي تمكنهم من الخروج من المركز واستئجار منزل. لكنه قال بأن الأمر يحتاج إلى مبلغ من المال، ليس له بأية حال فهو يعتبر نفسه كأخ، وإنما لأشخاص مسؤولين عن ذلك ويتعاطفون معه أيضاً، وكل ما كان الدفع بشكل أسرع كان ذلك أفضل له. ومستمداً ثقة إضافية من الخبر الذي تلقاه للتو، ضمن محمد له ذلك، وأخبره بأنه سيدفع له فور استلامه الموافقة، وأن المبلغ جاهز.

“هذا ما كنت أريد سماعه”. قال الحارس.

وضغط على يده بقوة، كشعور متبادل بالتضامن.

كانت غرفتهم هي الأخيرة ضمن صف غرف تبديل الملابس، وكان الممر مملوءاً بحبال غسيل وثياب وشراشف وكأنه سفينة شراعية. وهواء مملوء بالدوار.
في غرفتهم، كان اللون الرمادي هو المسيطر، ككل الغرف. فرشات وبطانيات رصاصية من تلك التي توزعها الأمم المتحدة، بالإضافة إلى بعض الأشياء الضرورية الأخرى التي اشتراها بسعر رخيص من سوق الأشياء المستعملة. من ضمنها تلفزيون سيرونكس ملون 14 بوصة مع جهاز استقبال، كان التلفزيون مخصصاً لمشاهدة برامج الأطفال والأخبار، حيث ضمن له الحارس خط من الصحن اللاقط الخاص بغرفة الحراسة مقابل مبلغ من المال.

كانت زوجته وأولاده يتناولون طعامهم عندما دخل، ولمحت زوجته ظل ابتسامة وتغير في لون وجهه، حدقت فيه مطولاً، لم يستطع أن يصمت أكثر، أخبرها أولاً بخبر تشغيله، نهضت، احتضنته، عندها أخبرها بأمر الموافقة الأمنية. همست له:

” أخرجنا من هنا بأقصى سرعة”

ناولته صحناً أبيض مصنوعاً من الميلامين وملعقة. سكبت له الأرز مع الفاصولياء، وكانوا يتناولون الطعام بصمت. وشعر بمرارة فمه نتيجة التدخين المستمر.

قليلة هي المرات التي خرج فيها من الملعب، كان يشعر، في كل مرة يخرج فيها، أن الشوارع ترفضه، أن الجميع سيعرفون بأنه مهجَّر، بأنه غريب. على دوّار المصارف، القريب من الملعب، جلس على حافة رخامية، كان عدد المارة قليلاً، وخطر قذائف الهاون مازال مستمراً. كان يدخن وينظر إلى الأسفل، وكأنه لا يريد أن يعرفه أحد، أو أن يتعرّف إلى أحد.

رنَّ هاتفه للمرة الثانية اليوم، كانت المكالمة قصيرة، حادة ومؤلمة.

في تلك الليلة، بعد أن تركت زوجته ما لم تقوَ على تكسيره، خرجوا خمستهم فجراً، كأشباح، مشوا مع الناس التي تمشي باتجاه نقطة التجمع، أشباح تشبههم أيضاً، ومع كل خطوة كان البيت يبتعد حتى أصبح شبح بيت. ومع اتساع الضوء، كان المئات من الناس، يحملون حقائبهم، أمتعتهم وأولادهم ويسيرون. سيارات صغيرة وكبيرة، باصات وسيارات شحن، كلها مملوءة بحشد لا يعرف الطريق. كان التكهن سيد الحفلة.
على معبر الخروج انتظروا أربع ساعات حتى فرغ الجنود من تدقيق كل شيء، وكان هناك تعب وجوع وصراخ ونفاد صبر.
على الحاجز الآخر، انتظروا وقتاً أطول، وشوطاً جديداً من التدقيق. في حدود الرابعة عصراً وصلوا إلى مأواهم الأخير في الملعب البلدي الصغير في جرمانا. باقي الناس تقاسمتهم مراكز الإيواء.

أشعل سيجارة جديدة، نظر إلى السماء، كانت صافية ونفس النجوم كان يراها من سطح بيته. شعر بأنه لا بد وأن يبدأ من جديد، وأن يخفي أمر المكالمة عن زوجته خشية أن يفسد عليها فرحها البسيط هذا اليوم. كانت المكالمة قصيرة وحادة:
لقد أصيب بيتهم بصاروخ، وسوّي بالأرض والتهمت النار كل شيء.

حيتان في كأس ماء: ممدوح عدوان والحياة

حيتان في كأس ماء: ممدوح عدوان والحياة

كان يعشق الحياة. عبارةٌ غريبة ضمن سياق الثقافة العربيّة، عبارة عجائبيّة ضمن سياق الثقافة السوريّة على الأخص. لا مكان لعشق الحياة حين تكون مفردة «الموت» المفردة الأكثر تكرارًا على نحوٍ واعٍ ولاواعٍ في الأعمال الإبداعيّة السوريّة ولدى مبدعيها على السّواء. كان يقهقه في بلاد الابتسامات الشّحيحة، وكأنّه يرسم بحياته مقياس ڤلاديمر نابوكوف لتصنيف النّاس: كان نابوكوف يقسم النّاس إلى أولئك الذين يضحكون وأولئك الذين يبتسمون، وقد كان من أنصار الضاحكين؛ وكان ممدوح عدوان يقسم النّاس إلى أولئك الذين يضحكون وأولئك الذين لا يضحكون ولا يفهمون النّكتة، وقد كان من أنصار الضاحكين طبعًا. كان نابوكوف مولعًا بجمع الفراشات؛ رفاهية لا تُتاح لسوريٍّ مثل عدوان، فاكتفى بلملمة الدّقائق كي يعيش الحياة إلى أقصاها، ويعشق الحياة إلى أقصاها. لم يكن ساذجًا كي يُخدَع بقشور «التّفاؤل الثوريّ» الذي اجتاح الستينيّات والسبعينيّات، فحتّى هذا التفاؤل يفترض أّنّ الحياة ليست مكانًا للعشق بل للنّضال كي تحظى الأجيال اللاحقة (أيًا تكن تلك الأجيال المجهولة الغامضة) بحياة تستحق العيش. هذا ما يفترضه الأمر نظريًا على الأقل. لم تكن أعماله ذات تفاؤل ثوريّ، ولم تكن تفاؤليّة عمومًا، إنْ صحَّ تصنيف الأعمال وفقًا لمقدار تفاؤلها أو تشاؤمها. كانت أعماله ذات نبرة حزينة، مثل باقي الأعمال السوريّة العظيمة. الأمل طيف آخر قد يتبدّى وقد لا يتبدّى. ما ميَّزَ أعمالَه حقًا خيطٌ شفيفٌ لعشق الحياة. حتّى ضمن قنطار الكآبة والحزن والأقدار المقبضة، نجد أنّ شخوصه، بعضها على الأقل، تحتفي بالحياة عبر عيشها. يعشقون ويُعشَقون، يتخاصمون ويتصادقون، يأكلون ويشربون ويضاجعون بنهم أحيانًا. كانوا يعشقون الحياة على اختلاف أفكارهم وأخلاقهم وعوالمهم، كانوا يعشقون الحياة مثل مُبدِعهم. ما الذي رآه هذا الرجل كي يعشق حياةً محكومةً بالموت؟ ما كان عقدُ الستينيّات الذي أبصرَ أولى نتاجاته الإبداعيّة عقدًا مغريًا بالعيش، دع عنك عشق العيش. وما كان ساذجًا ليُصدِّق أنّ صحوة حياة السبعينيّات أكثر من محض نسمةٍ ستُبدّدها البزّات العسكريّة عقدًا إثر آخر. الثمانينيّات؟ جحيم لَفَحَ الجميع. التّسعينيّات؟ كان الشّاب قد بات كهلًا يدرك أنّ الأمل ليس إلا سرابًا إلهيًا أو شِعريًا. الألفينات؟ لم يشهد إلا أربع سنوات منقوصة منها، وقد كانت سنواتِ المرض الذي لن يُمهله طويلًا. ولكنّ الرجل بقي عاشقًا للحياة؛ يعشق الحياة حتّى بعد أن مات؛ بل إنّ عشقه لتلك الحياة المتملّصة من بين الأصابع تعزَّز أكثر بعدما مات. إثر رحيله عام 2004، دارت أغلب المراثي حول أشيائه التي كانت تُمثِّل جوهر عيشه: سيّارته الڤولكس ڤاگن الخنفساء، شَعره المُصفَّف بعناية، قهقهاته، سيگارته، كأسه، سنوات عُمره التي اقتطعها الموت بغتةً بالرّغم من عامٍ ونصف العام من الاستعداد للحظة الموت: استعداده هو واستعداد الآخرين. كانت مراثٍ ملموسةً عن أشياء ملموسة: ما اختطفه الموت فعلًا كان اختطافًا للسيّارة التي راكمتْ غبار وقوفها حتّى كاد يُمحى سواد بقع الخنفساء الحمراء اللامعة، اختطافًا لخصلات الشَّعر الجميلة التي تساقطتْ شيئًا فشيئًا كأوراق شجرة فاكهة، اختطافًا للقهقهات الصادحة في زمن اعتقال البسمة والضحكة، اختطافًا للتّبغ وللكحول اللذين واصلَ عدوان غبَّهُما كَمَنْ يُجرِّبهما للمرة الأولى، بشغف العاشق، عاشق الحياة، عاشق العيش. تخطر لي الآن بعض ردوده الساخرة الثّاقبة في حوار أُجري قُبيل رحيله ونُشر في جريدة «تشرين» بُعيد رحيله بأيّام. ما عدت أذكر ما إذا كان هذا الحوار حواره الأخير، وما عدتُ أذكر ما إذا كان الحوار ضمن الجريدة نفسها أم ضمن ملحق أدبيّ. كان الحوار يشغل وسط الجريدة تمامًا بحيث يمكن الاحتفاظ به منفردًا، كما فعلتُ إلى أن ضاع الحوار مع ما ضاع من مكتبتي القديمة. لن أدخل الآن في شجن ما كان وضاع، ورثاء المكتبة القديمة والبيت القديم، لأنّ ممدوح عدوان لا يحبّ هذا الجوّ الكئيب، ولعلّه سيشير إلى رأسه بأصابعه التي لا تفارق السيگارة ويقول: المهم الذاكرة، اكتب ما تتذكّره قبل أن تُبتلى بزهايمر. المشكلة أنّي ما عدتُ أتذكّر تفاصيل كثيرة من الحوار باستثناء أنّ الأسئلة كانت نمطيّة مكرورة ترفع الضّغط، غير أنّنا نقرأ الحوارات عمومًا، والحوارات العربيّة خصوصًا، للاستمتاع بالإجابات لا بالأسئلة. أتذكّر إجابتين بدقّة: أولاهما إجابة على سؤال تناولَ «أزمة الشِّعر»، إلا أنّ عدوان قلب السؤال رأسًا على عقب ليُذكّرنا بأنّ الشِّعر في أزمة دومًا، أو بالأحرى بأنّ الشِّعر لصيقٌ بالأزمة، يولد منها، بمعنى أنّ الشِّعر (الشِّعر الحقيقيّ لا النَّظْم) بضاعةٌ نادرةٌ على الدّوام، من أوّل أيّام الشِّعر إلى نهاية أيّام الدُّنيا. ولذا لا معنى للحديث عن «أزمة»، بل عن شعراء. فالقبائل كانت تحتفي عند بروز شاعر لها مع أنّ العرب كلّهم يقرضون الشِّعر تقريبًا؛ والمتنبّي، مثلًا، ليس شاعرًا فردًا ضمن صحراء تخلو من الأبيات والقصائد، بل كان واحدًا من بين عشرات أو مئات الشُّعراء، غير أنّه برز عنهم بعبقريّته وجموحه وتفرّده، وطالما أنّنا لا نتحدّث عن أزمة شعر أيام المتنبّي، ليس لنا أن نتحدّث عن أزمة اليوم، أو أزمة تخصّ الشِّعر العربيّ أو أيّ شِعر في هذا العالم. صحيحٌ أنّ نسبة الشِّعر الحقيقيّ قد تضاءلت إلا أنّ هذه طبيعة تقلُّب الأزمنة. ما الذي لم يتضاءل اليوم ضمن مجال الكتابة؟ وحين أنهى المُحاور أسئلته «العميقة»، قرَّر لسببٍ مجهول طرح سؤال عابر (أو لعلّ هذا ما ظنّه المُحاور) على عدوان الذي كان يصارع السرطان في أيامه الأخيرة يتمحور حول «سرّ» مواصلته التّدخين والشّرب بالرّغم من إصابته بالسّرطان. أجاب عدوان بهدوء عابث قلبَ فيه السؤال كعادته من «بالرغم من» إلى «لأنّ»، فأشار إلى أنّه بقي يدخّن ويشرب لعقودٍ وهو مطمئنّ، لمّ ينبغي عليه التخلّي عنهما الآن حين اقتربت ساعة الموت؟ تتلاقى الإجابتان في معنى واحد: ما جدوى الحياة إنْ كنّا سنفكِّر في الموت وننشغل به، وما جدوى الحياة إنْ كنّا سنواصل عيشنا ونحن محض نسخة متطابقة من الآخرين؟ حياتنا، وإنجازاتنا في هذه الحياة، وسيلتُنا الوحيدة لقهر الموت، لا بمعنى الانتصار عليه، بل بمعنى مخاتلته. وقد كان ممدوح عدوان أحد أجمل مَنْ خاتلوا الموت، وواجهوه ندًا لندّ.

كان سيفرح حتمًا حيال هذه الاحتفاءات لأنّها احتفاءات بالحياة (حتّى لو كانت حياةً ماضية) أكثر من كونها حديثًا عن الموت (حتّى وإنْ كان حقيقةً حاضرة). يدرك عدوان أنّ الحياة، لا الموت، هي ما يستحق الكتابة. فالموت ليس إلا تذكيرًا بالحياة، بما كان وما لم يكن، بما صار وما لم يصر. تضاعفَ جمال الاحتفاءات/المراثي حين تركَّزت لاحقًا على تنوُّع نتاجه المدهش. فهذا التنوُّع – في ذاته – برهانٌ آخر على عشق عدوان للحياة، لحياةٍ أخرى، حياة الكتابة حيث خلق حياة موازية. لم يترك عدوان جانبًا من جوانب هذه الحياة الموازية إلا وجرَّب فيه، لعب فيه، عبث فيه، أعاد تشكيله. لعب بالشِّعر وفيه، وفي الترجمة، وفي المسرح، وفي الرواية، وفي الصحافة، وفي السيناريو التلفزيونيّ، وفي المقالات الثقافيّة. ولكنّ المراثي تلاشت وبهتت مع مرور الأيام إلا حين يتذكّر أحدهم ذكرى ولادته أو رحيله، وتضاعفت وطأة التّلاشي حين ترافقت مع تلاشي أعماله التي لم تحظ معظمها بإعادة طباعة. نجتْ بعض التّرجمات، وبعض كتب المقالات، ورواية «أعدائي»، وبعض ذكريات السيناريوهات. نجت لا لأنّها أفضل نتاجاته كما غربلها الزّمن بالضّرورة، بل لأنّها أكثرها رواجًا. يُشار إلى طبعة للأعمال المسرحيّة الكاملة صدرت عام 2006، إلا أنّي لم أصادفها، وباتت قراءاتي معتمدة على ما قُرصِن من المسرحيّات القديمة، وما تسلَّل إلى المكتبات من نُسخ مستعملة. ولم يبق من الشِّعر إلا مجموعته الأخيرة «قفزة في الهواء» التي صدرت في ذكرى رحيله العاشرة عام 2014، ومختارات صدرت عام 2017، وربّما نفد هذان الكتابان أيضًا. طبعة «دار المدى» لأعماله الشعريّة الكاملة اختفت منذ سنوات. كانت طبعةً جميلة ضمن سلسلة أعمال شعريّة كاملة لعدد من الشّعراء: نزيه أبو عفش، محمد الماغوط، سنيّة صالح، أدونيس، سعدي يوسف، نفدت هي الأخرى، لولا تدارك أدونيس وسعدي يوسف أمرهما حين أعادا طباعة أعمالهما طبعة جديدة قبل بضع سنوات. حين أتذكّر أيّة قصيدة من قصائد هؤلاء الشّعراء أو أعيد قراءتها، أستعيد تلك الطبعة ذاتها. قرأتُ قصائد عدوان عام 2005 أو 2006. كانت تجربة لن تتكرّر. قرأتُ القصائد بتتابع جنونيّ وكأنّما الدّنيا ستنتهي خلال أيام. ما زلتُ أظنّ أنّ المقالات وبعض المسرحيّات، لا القصائد، أعظم ما كتب عدوان. لعلّ رأيي سيتغيّر لو أُتيحت لي فرصة إعادة قراءة القصائد كاملةً اليوم. ولكنّ هذا كلّه ليس مهمًا الآن. المهمّ هي حياة عدوان، وعشقه لتلك الحياة، وبراعة تبيان عشقه لها حين كتب عنها في كتابته عن أصدقائه الراحلين. تُقرأ مراثي عدوان، التي نشر بعضها في كتاب «جنون آخر»، بوصفها سيرةً ذاتيّةً مبعثرة كتب فيها عدوان نفسَه وحياتَه بقدر ما كتب الآخرين. هنا، فقط، يُزاح عشق الحياة قليلًا، أو ربّما يتخفّى قليلًا، ليواجه عدوان الموت بالكتابة، بالحياة، تحديدًا حين كتب عن سعد الله ونّوس الذي اختطفه الموت قبله بسبع سنوات. ليست مقالته القصيرة أعظم ما كُتب عن ونّوس بطبيعة الحال، إلا أنّ فيها التقاطات بارعة لم أجدها عند غيره. كتب عدوان عن ونّوس، وعن نفسه، وعن سوريا، وعن الثقافة، وعن معنى أن تكون كبيرًا بين الكبار، وكبيرًا بين الصغار.

يكتب عدوان عن رحيل ونّوس بوصفه نقطةً فاصلة في تاريخ ثقافة، نقطة تُميِّز المياه الشاسعة  حيث تتنافس الحيتان فَتَهِبُ المياهَ من عنفوانها؛ وتُميِّز المياه الضحلة، كأس الماء الصغيرة الشّحيحة، حيث لا مكان للحيتان، بل لأسماك صغيرة تافهة لا تدرك ضيق عالمها فتظنّ تلك الضّحالة هي الكون بأسره. حيتان في كأس ماء، هذا ما كان عدوان يرى نفسه وأمثاله النّادرين ممّن صمدوا في زمن الضّيق. أدرك عدوان احتماليّة تضاؤل أحجام هؤلاء النّادرين بعد رحيل ونّوس، فالحوت «يحتاج إلى مناخ وبيئة من الحيتان. ولكي تكون كاتبًا كبيرًا يجب أن يكون حولك شعب يستوعب كاتبًا كبيرًا، وكتّابٌ كبار يساعدونك على فرض قيمتك من خلال سعيهم لفرض قيمتهم هم.» لا حيتان في كأس ماء، ولا غابات في صحراء. لن تكون للشاعر قيمة حين تتمحور الأسئلة عن «أزمة الشِّعر»، ولن تكون له قيمة لدى قرّاء يقرؤون القصائد بمسطرة الاقتباسات. كان عدوان يرثي نفسه حين رثا ونّوس، كما نرثي أنفسنا مع كلّ راحل من الراحلين الذين يختطفون ذكرياتنا/ذكرياتهم معهم فنتضاءل حتّى لو لم نكن كتّابًا، كبارًا أو صغارًا. لا حاجة لأن تكون قريبًا من المبدع كي ترثيه. أتذكّر هنا تعليقًا ساخرًا لصحفيّ تحوَّل روائيًا ثمّ قرَّر استنساخ ألبرتو مانگيل، أو صورته الظاهريّة بطبيعة الحال، انتقدني حين كتبتُ قبل سنوات عن عدوان. كان يفترض عدم أهليّتي للكتابة عن عدوان لأنّي لم أكن أحد ندماء سهراته. نكتة دفعت جميع ندمائي في سهرتي السابقة للقهقهة بمن فيهم إنكيدو الذي لا يقهقه إلا نادرًا. ولكنّها كأس الماء الضحلة مرةً أخرى. إنْ كان عدوان أدرك انمساخ البحر الشّاسع إلى كأس ماء بعد رحيل ونّوس، فأيّ ماء بقي لنا الآن بعد أن رحل عدوان والماغوط وسنيّة صالح وهاني الراهب، إنْ اكتفينا بالسوريّين؟ لعلّ السّرطان الذي نهش جسد ونّوس أطلق بذوره في جسد عدوان، غير أنّ عدوان لا يكترث للرثاء في ذاته، بل يذكّر نفسه ويذكّرنا بوجوب عشق الحياة حتّى لو كانت طيف حياة في بلاد الضيق. ما دفعه لعشق الحياة أكثر، ولعشق ونّوس أكثر، هو أنّ ونّوس حوَّل سنوات الموت إلى حياة جديدة بالمطلق. كان نتاجه في سنواته الأخيرة أعظم ما كتب على الإطلاق، ولذا مضى إلى الموت بثقةِ المحارب الذي نفض غبار آخر انتصاراته. يذكّرنا عدوان أنّ الموت أضعف من أن نشغل أنفسنا به؛ الحياة أقوى وأجمل وأشدّ إغواء، ولذا لا بدّ من اعتصار دواخلنا قبل أن يعتصرنا الموت. لا بدّ من أن نواجه الموت بكبرياء «لأنّنا لم نترك وراءنا ما لم نعشه، وما لم ننجزه، وما لم نستمتع به. ثمّ نتقدّم لمواجهة الموت مُتخَمين بالحياة». ماذا بشأن ما لم ننجز، ما حلمنا بإنجازه؟ ينفض عدوان السؤال كما ينفض دخان سيگارته التي لم تنطفئ، ليذكّرنا أنّ ما بقي ليس لنا، بل لمن بقي وراءنا كي يبنوا عليه (وهذا نادر)، أو يدمّروه ليشيّدوا ما هو أفضل (وهذا أندر)، أو يهدموه لمجرّد الهدم كما فعلت أجيال متلاحقة طوال عقود وهي تسبح في مستنقعات الضّحالة (وهذا ما يحدث في الغالب).

ما الذي رآه هذا الرجل كي يعشق حياةً محكومةً بالموت؟ رأى الحياة، وتجاهلَ الموت، ببساطة.

*تنشر بالتعاون مع جدلية.

سوريا بعد عقد… بلاد تنزف بلا حدود

سوريا بعد عقد… بلاد تنزف بلا حدود

مر عقد على بدء الاحتجاجات السلمية في سوريا، ضمن موجات «الربيع العربي». يختلف السوريون على موعد الذكرى، كما يختلفون حول أمور كثيرة أخرى. وخلال السنوات العشر الماضية، تغيرت أمور كثيرة في الجغرافيا والعسكرة والنسيج الاجتماعي، وفي السياسة. ربما شيء وحيد لم يتغير كثيراً، ألا وهو المعاناة.

يتجادل السوريون حول الكثير من الأمور، وتفرقهم قضايا ومسائل، لكنهم جميعاً يشعرون بأنهم في مأزق، داخل البلاد وخارجها، مع أو ضد، عمل سلمي أو عنفي، في مناطق الحكومة أو خارجها. وبصرف النظر عن اللغة و«الداعم»، فهناك جامع واحد: المعاناة. قد تختلف درجاتها، لكن من الصعب العثور على شخص لم يتأثر بشكل مباشر في السنوات العشر المنصرمة. الاستثناء الوحيد هو فئة، قلة قليلة، استفادت في مكان وخسرت في أمكنة، استفادت في الجغرافيا وخسرت التاريخ، أو كسبت الجغرافيا وخسرت المستقبل.

تطوي سوريا اليوم عشر سنوات وتبدأ سنة جديدة. إنها مناسبة للعودة إلى جذور الأزمة ومراجعة ما حصل بالعقد الأخير مع محاولة لاستشراف السنوات المقبلة.

– كيف بدأت؟

موجات «الربيع العربي»، بدأت شرارتها في نهاية 2010 في تونس وشمال أفريقيا. تأخر وصولها إلى سوريا. بدأت تجمعاتها بوقفات احتجاجية أمام السفارة الليبية في دمشق، لدعم الانتفاضات الأخرى، في «تحدٍ حذرٍ» للسلطات المقيمة في البلاد منذ عقود. كانت الهتافات تخاطب تونس وطرابلس والقاهرة، لكنها كانت «تتحدث» مع دمشق. همّ النشطاء كان نقل الشرارة إلى البلاد. ويقول الحقوقي مازن درويش لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن السؤال كان: «من هو البوعزيزي السوري؟»، في إشارة إلى البائع التونسي المتجوِّل الذي أضرم النار في نفسه في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010، وشكّل ذلك شرارة انتفاضة تونس.

وفي اعتقاده أن الشرارة كانت على جدران مدرسة في درعا جنوب البلاد، كُتب عليها: «أجاك الدور يا دكتور»، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد، ومصير نظيره التونسي زين العابدين بن علي. واعتقل فُتيان من درعا وتعرضوا للتعذيب؛ ما دفع المحتجين للخروج إلى الشارع. خرجوا في درعا، وتظاهر آخرون في سوق الحريقة وسط دمشق في 17 فبراير (شباط). لكن اليوم الذي خرجت فيه المظاهرات في شكل متزامن هو 15 مارس (آذار) 2011، ما اعتبره كثيرون تاريخ «بدء الانتفاضة السورية».

كُسر جدار الخوف، وتحطم الصمت، واتسعت المظاهرات. تصاعدت مطالبها بسبب العنف والدعم الخارجي، من شعارات محلية مطلبية، إلى لافتات سياسة تطالب بـ«إسقاط النظام». وبلغت المظاهرات ذروتها في يوليو (تموز) 2011 بمسيرة ضخمة في حماة، وقف فيها سفراء، بينهم السفير الأميركي روبرت فورد. وتركت زيارته إلى المدينة يومها، انطباعاً بأن حلفاء المظاهرات يؤيدون شعاراتها ويدعمون «إسقاط النظام». وجاء تصريح الرئيس باراك أوباما في أغسطس (آب) 2011 عن «تنحّي الأسد» ليعزز هذا الانطباع الخاطئ.
– كيف تحولت إلى العسكرة؟

تراكمت مجموعة من الأسباب للانتقال إلى العسكرة. بداية، واجهت قوات الحكومة وأجهزة الأمن المظاهرات بالعنف والسلاح و«البراميل» والقصف والحصار واتهامات بـ«مندسين» بالقيام بذلك. وتحدث كثيرون عن إطلاق آلاف المعتقلين من المتطرفين كانوا في سجون السلطات، عدد كبير منهم قاتل الأميركيين في العراق بعد 2003، واستغلوا تجاربهم التنظيمية والقتالية في التوسع في الأرض. وهذا الأمر وضع الغرب بين خيارين: النظام أو «داعش».

في المقابل، تشكلت كتلة «مجموعة أصدقاء سوريا» التي دعمت المعارضة، بدءاً من المنشقين عن الجيش، الذي شكلوا «الجيش السوري الحر». كما كان لافتاً أثر الانقسام بين الدول الداعمة للمعارضة ووجود اتجاهات مختلفة فيها. ودعمت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) في نهاية 2012 برنامجاً سرياً لدعم المعارضة انطلاقا من الأردن وتركيا.

وخفت صوت المحتجين سلمياً، في وقت ذهب الدعم الخارجي إلى لاعبين آخرين، داعمين في معظمهم للنزاع المسلح. وفي 2012، حذر أوباما الأسد من استعمال الأسلحة الكيماوية، وقال إنها «خط أحمر». ويقول خبراء ومسؤولون غربيون، إنه عندما تجاوز النظام هذا الخط بعد عام، عبر هجوم كيماوي استهدف الغوطة الشرقية قرب دمشق في أغسطس 2013، امتنع أوباما عن القيام بتدخل عسكري انتظره كثيرون.

بالنسبة لكثيرين، كان تلك نقطة فارقة. كانت الفصائل المعارضة قد تمكنت من إلحاق خسائر كبيرة بالجيش السوري، الذي أضعفته أيضاً الانشقاقات. في المقابل، ساهم التدخل المبكر لإيران وميليشياتها و«حزب الله» في لجم تقدم المعارضة. لكنّ توصل روسيا وأميركا إلى اتفاق بنزع السلاح الكيماوي في سبتمبر (أيلول) 2013 وعدم استعمال القوة، أصاب المعارضين وحلفاءهم بالإحباط. والتطور الأهم هنا هو بدء تمدد تنظيم «داعش» والفصائل المتطرقة في البلاد، بحيث زادت سيطرتها على نصف مساحة سوريا.

– متى ولماذا تدخلت أميركا وروسيا؟

أمام تقدم «داعش» في سوريا والعراق في 2014، شكلت أميركا تحالفاً دولياً للقتال ضد هذا التنظيم، يضم حالياً نحو 80 دولة ومنظمة. وحددت أميركا هدفها بمحاربة «داعش»، وقلّصت دعمها للمعارضة في قتال قوات الحكومة. وفي بداية 2014، تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا. وكان هذا أيضاً منعطفاً؛ إذ إنه بدأ الربط بين أوكرانيا وسوريا. وقتذاك، لم تمارس روسيا أي ضغط على الوفد الحكومي السوري في مفاوضات برعاية أممية لتطبيق «بيان جنيف» الصادر في يونيو (حزيران) والقاضي بتشكيل «هيئة حكم انتقالية».

وإذ واصل حلفاء المعارضة دعمها عسكرياً ومالياً، بحيث تراجعت مناطق الحكومة إلى حدود 15 في المائة في ربيع 2015، بعد خسارة جنوب درعا ومناطق إدلب، وجد الرئيس بوتين فرصة سانحة سارع لاستغلالها، وتمثلت في التدخل العسكري المباشر. هذا التدخل جاء بعد رجاء من قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في صيف 2015 إلى الكرملين، للإسراع في التدخل و«إنقاذ الحليف السوري». والصفقة كانت كالآتي: روسيا في الجو، إيران على الأرض. والهدف: إنقاذ النظام – الحليف دون غوص روسيا في «المستنقع السوري»، كما حصل للاتحاد السوفياتي في أفغانستان.

التدخل الروسي الحاسم في سبتمبر 2015، غيّر المعادلات في الميدان تدريجياً لصالح الأسد، بعدما كانت قواته قد فقدت سيطرتها على نحو 85 في المائة من مساحة سوريا، تشمل مدناً رئيسية وحقول نفط. ووصلت فصائل المعارضة إلى مشارف دمشق. وبدعم من طائرات وعتاد ومستشارين روس، وبمساندة من مجموعات موالية لطهران، على رأسها «حزب الله»، استعاد الأسد زمام المبادرة، ونفذت قواته حملة انتقامية، متبعة سياسة «الأرض المحروقة» لاستعادة المناطق التي خسرتها.

– لماذا توغلت تركيا؟

قال الأسد في فبراير 2016، إن هدفه ليس أقلّ من استعادة كامل الأراضي السورية. وقال «سواءً أكانت لدينا القدرة أو لم تكن، هذا هدف سنعمل عليه من دون تردّد. من غير المنطقي أن نقول إن هناك جزءاً سنتخلّى عنه».

في نهاية 2016، بدأت الكفة تميل لصالح النظام؛ إذ استعاد الأحياء الشرقية من حلب. وتكرر هذا المشهد بـ«استسلام» مناطق معارضة أخرى جنوب البلاد ووسطها، بموجب اتفاقات تسوية تضمنت إجلاء عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين إلى محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، حيث يقيم قرابة ثلاثة ملايين نسمة حالياً، نصفهم نازحون تقريباً، في ظروف صعبة، تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً).

لكن هذه الاستعادة للأراضي، أدخلت البلاد في مرحلة جديدة، وهي تأسيس «مناطق النفوذ». وفي مايو (أيار) 2017، أسست روسيا مساراً جديداً مع تركيا وإيران يتمثل بـ«عملية آستانة». وكان الهدف، عسكرياً، التوصل إلى اتفاقات «خفض التصعيد» في درعا وغوطة دمشق وحمص وإدلب. عملياً، أدى هذا إلى مقايضات بين المناطق: مقابل استعادة شرق حلب، دخلت فصائل موالية لتركيا إلى شمال حلب، وشكلت «درع الفرات». ومقابل استعادة الغوطة وحمص، دخلت فصائل موالية لتركيا، في عملية «غصن الزيتون»، إلى عفرين، شمال حلب، في بداية 2018.

وأمام الدعم الأميركي لأكراد سوريا في قتال «داعش» شرق الفرات، خفضت تركيا سقف توقعاتها للعودة إلى المصالح الاستراتيجية، وهي منع كيان كردي على حدودها الجنوبية. فـ«درع الفرات» قطعت الطريق أمام تواصل كيان كردي من شرق الفرات إلى غربه، و«غصن الزيتون» قطع أوصال إقليم كردي محتمل. وتكرر هذا المشهد أيضاً في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، عندما تدخلت تركيا شرق الفرات وقلصت مساحة مناطق كانت تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من أميركا.

إضافة إلى التوغل التركي ضد الأكراد، اتسع القلق الإقليمي من النفوذ الإيراني في سوريا. وبدأت إسرائيل بشن غارات على «مواقع إيران» لمنع تموضعها في سوريا، كما أن أميركا وروسيا والأردن توصلت في منتصف 2018 إلى «صفقة الجنوب» التي تضمنت إبعاد إيران وميليشياتها عن الجولان والأردن، وعودة قوات الحكومة السورية إلى ريفي درعا والقنيطرة.

– كيف تأسست «مناطق النفوذ»؟

استقرت المعارك والمقايضات على ثلاث مناطق: منطقة للحكومة بدعم روسي – إيراني، وتشكل نحو 65 في المائة من سوريا، وتضم معظم المدن والناس، ومنطقة للأكراد بدعم أميركي وتشكل 23 في المائة من البلاد، وتضم معظم ثروات البلاد الاستراتيجية، وأخيراً منطقة لفصائل للمعارضة تدعمها تركيا وتسيطر على ما تبقى من البلاد، وهي تتاخم القاعدتين الروسيتين في طرطوس واللاذقية غرب البلاد، وقاعدة للنظام السوري.

وبعد جولة معارك في بداية العام الماضي، توصل الرئيسان بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان إلى هدنة في إدلب، في 5 مارس 2020، واستغل الجيش التركي ذلك ونشر نحو 15 ألف جندي وآلاف الآليات وعشرات النقاط والقواعد العسكرية في شمال غربي سوريا.

لأول مرة منذ 2011، لم تتحرك خطوط التماس لأكثر من سنة، أي منذ بداية مارس 2020. ويبدو احتمال شنّ قوات الحكومة هجوماً، لطالما هدّدت به، مستبعداً في الوقت الحاضر. ويقول محللون، إنّ من شأن أي هجوم جديد أن يضع القوتين العسكريتين، أي روسيا وتركيا، في صدام مباشر، في وقت تقوم بينهما علاقات استراتيجية أوسع من إدلب.

وفي هذه «المناطق الثلاث»، هناك الكثير من المقاتلين والقواعد العسكرية ومئات نقاط المراقبة تحت مظلتين جويتين أميركية شرقاً وروسية غرباً، بحث جاز القول بوجود خمسة جيوش في البقعة السورية، وهي الأميركي، والروسي، والإيراني، والتركي، والإسرائيلي.

أيضاً، تقاسمت هذه الأطراف السيطرة على الحدود والمعابر. وقال الباحث المتخصص في الجغرافيا السورية فابريس بالانش، إنّ القوات الحكومية «تسيطر على 15 في المائة فقط من حدود سوريا». ويستنتج أن «الحدود هي رمز السيادة بامتياز، وبطاقة أداء النظام لا تزال فارغة تقريباً على تلك الجبهة». وتسيطر القوات التركية والأميركية والكردية والمجموعات المدعومة من طهران، بحكم الأمر الواقع، على ما تبقى من الحدود.

-الى أين؟

عليه، باتت البلاد بشكل غير رسمي مقسمة رسمياً إلى مناطق نفوذ متعددة، وتسيطر قوى متناحرة بشكل أحادي على معظم حدودها. وما على السوريين، الذين تتعمق جروحهم وتتفاقم معاناتهم إلا انتظار الفرج القادم من الآخرين وتفاهماتهم وصفقاتهم. وصدق قول أحدهم في دمشق «انتهت الحرب، بمعنى توقف القتال والمعارك، لكن جراحنا ما زالت تنزف».

إعلان دورة تدريبة في العمل الصحفي للصحفيين والصحفيات السوريين الشباب المقيمين في سورية أو الدول المجاورة

إعلان دورة تدريبة في العمل الصحفي للصحفيين والصحفيات السوريين الشباب المقيمين في سورية أو الدول المجاورة

 سينظم “صالون سورية” دورة تدريبية للصحفيين والصحفيات السوريين الشباب المقيمين في سورية أو الدول المجاورة .”ورشة صالون سورية” هي عبارة عن مبادرة سورية ترمي إلى دعم العمل الصحفي بعيداً عن الاستقطاب وهي جزء من منتدى الكتروني باسم “صالون سورية”.

 بسبب الظروف الحالية المتضمنة انتشار فيروس كورونا ستكون الدورة التدريبية عبر المجال الافتراضي (أونلاين) وستستمر لمدة ثلاثة أيام، بإشراف زملاء مدربين سوريين وعرب وأجانب لتمكين الصحفيين والصحفيات السوريين الشباب في أربعة محاور:

  • المهنية والسياسة
  • الصحافة زمن الحرب
  • الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي
  • الأنواع الصحفية

تُشكل الورشة فرصة للصحفيين السوريين الشباب للحوار فيما بينهم حول الكتابة الصحفية ومهارات العمل ضمن الفريق واختبار الرغبة والقدرة على العمل الصحفي، إضافة إلى التشبيك مع صحفيين ومؤسسات عربية وعالمية.

في ختام الورشة، ستتاح للصحفيين الذين يظهرون قدرة مهنية فرصة التعاون مع “صالون سورية” من داخل سورية أو الدول المجاورة.

مكان وزمان الورشة: ١٩-٢١ حزيران (يونيو) الجاري عبر المجال الافتراضي (أونلاين). 

المؤهلات المطلوبة:

1- الصحفيين والصحفيات السوريين المقيمين في سورية ودول الجوار.

2- العمر بين ٢٠ و٣٩ سنة.

3- توفر الخبرة في مجال الكتابة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المسموع والمرئي.

4- توفر الخبرة في كتابة الأنواع الصحافية.

5- ستكون العربية هي لغة التدريب والكتابة، لكن يُفضل إجادة اللغة الإنكليزية.

يجب على جميع المتقدمين إكمال الطلب والرد على جميع الأسئلة، بما في ذلك تحميل السيرة الذاتية، رسالة توضح أسباب الاهتمام بموضوع الورشة، وإرفاق مقالة أو عينة كتابية. يرجى الضغظ على الرابط هنا:

https://www.salonsyria.com/application-form-journalists-training-workshop/#.WfnaL0yZNHQ

آخر موعد للتقديم الطلبات: حالياً باب التقديم مفتوح ونحن نستقبل طلبات. 

www.SalonSyria.com

يهدف “صالون سورية” إلى بناء وتطوير منبر إلكتروني باللغتين العربية والإنكليزية ويكون أداة لنشر القصص الصحفية ومنبراً يخدم فضاء للتواصل والنقاش بين شريحة واسعة من وجهات النظر في مكونات الطيف السوري.

ملاحظة: يُدرك مشروع “صالون سورية” وشركاؤه أهمية حماية معلوماتك الخاصة وأمانك الشخصي، لذا فنحن ملتزمون بحماية كل المعلومات التي نجمعها منك، ونتعهد أن لا نُشارك هذه المعلومات خارج نطاق فريق عمل “صالون سورية”.