التعليم ضحية أخرى للحرب في سوريا

التعليم ضحية أخرى للحرب في سوريا

لا ينفصل واقع التعليم عن الحُطام السوريّ العام، ولكنه الأعظم خطراً والأكثر دواماً في آثار الحرب المُدمّرة فالحرب ستنتهي عاجلا أم آجلاً، لكن آثارها ونتائجها الكارثية ستظهر لعقود قادمة كما يحصل دوماً في كل الحروب التي تمزق المجتمع والدولة.

تبدو صورة الأطفال السوريين في بعض المدارس قاسية، التفاوت بين مستوى المعيشة الذي فرضه النزاع السوري واضح بين نازح أو “وافد” وبين ابن المنطقة نفسها. لم تعد الصورة موحدة للطلاب السوريين  فلكل منهم منهاجه ولكل منهم لباسه ولكل منهم بيئته ولغته الخاصة، فالأطفال النازحون المنقطعون عن المرحلة التعليمية كان لهم منهاجهم الخاص الذي فرضته وزارة التربية السورية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة التي تُعنى في شأن الطفولة العالمية “اليونيسيف” وجمعيات أهلية وهو ما يسمى برنامج التعليم الذاتي “الفئة ب” ضمن حملة هدفها إعادة الأطفال الأُميين والمُتسربين، الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و15 سنة، إلى مقاعد الدراسة. يعتمد المنهاج “ب”على تكثيف منهاج سنة دراسية كاملة بفصل دراسي واحد، حيث يتم اختيار المعلومات الأساسية التي يجب على التلميذ تعلّمها ليتمكّن من متابعة دراسته، ويخضع بعدها لامتحانات نهائية ليلتحق ببرنامج “الفئة أ” الموجود أساساً.

و في المدارس حيث يجتمع أبناء المنطقة الواحدة كما اعتاد السوريون فقد اختلف الوضع تماماً بعد الحرب حيث ضاعت الهوية السورية بعد أن جمعهم اللباس الواحد والمناهج الواحدة، وأصبح لكل منهم منهاجه ولباسه ولهجته الخاصة. لو أخذنا عينة من أطفال سورية، في مدينة طرطوس على سبيل المثال، تلك المدينة الهادئة التي ظلت بعيدة عن أجواء الصراع الدائر في سورية اكتظت بعدد كبير من النازحين من حلب ودير الزور وغيرها من المحافظات السورية التي تعاني ويلات الحرب، والتحق أطفالهم بمدارس المدينة وهنا غابت الشعارات عن اللُحمة الوطنية والتآخي والتعايش، فلا شيء جمعهم سوى المكان الذي فُرض عليهم أن يكونوا فيه.

تقول إحدى المعلمات: “قبل الأزمة كان يمكن القول إن عدد الطلاب مقبول لكن اليوم وبعد الأعداد الكبيرة التي أتت إلى هذه المحافظة أصبح هناك اكتظاظ سكاني خطير  في المحافظة وعدد طلاب كبير يفوق 70 إلى 60 طالباً في الصف الواحد مما يؤثر على مستوى الفهم والإدراك والمعلومات التي يمكن إيصالها للطلاب.”

وأضافت “إن وجود الأطفال الوافدين الفقراء مع الأطفال أولاد البيئة والذين تتوفر لهم ظروفٌ جيدة نوعاً،  زاد الوضع سوءاً للطرفين، فالطفل الفقير المُعدم الذي لا تتوفر له أدنى مقومات الحياة ويعيش في خيمة لا تستر أكثر مما تكشف كيف له أن يتماشى مع أطفال أفضل منه دراسياً واجتماعياً وبيئياً.”

وأشارت المعلمة إلى نقطة اعتبرتها مهمة جداً  ألا وهي نشاطات اليونسيف أو منظمة الهلال الأحمر المخصصة لهؤلاء الطلاب والتي تكون عبارة عن  درس رياضة وتقديم هدايا لهم وغالباً ما تكون عبارة عن جوارب، مشيرةً إلى أن مجرد خروجهم من الصف لوحدهم وتقديم هذه النشاطات لهم دون الأطفال الآخرين يبين للعلن أنهم وافدون منبوذون. وبحسب المعلمة فإنّ هؤلاء بحاجة إلى مدارس خاصة لمحو أميتهم ومساعدتهم نفسياً واجتماعياً للانخراط في هذه البيئة. وأردفت قائلة لا نستغرب أن يصبحوا خلية ناقمة على الدولة في الأيام القادمة لأنهم يعيشون في  تشرد وفقر وبعد الدوام أغلبهم مضطر للعمل في أماكن لا تناسب أعمارهم.

الأكاديمي السوري خلدون النبواني يقول: “الإحصائيات تشير إلى أرقام مرعبة بالنسبة لعدد الأطفال المحرومين من حقهم في التعليم سواءً من النازحين داخلياً في سوريا أو اللاجئين في دول الجوار والعديد من دول العالم، ولا يتوقف الأمر على حرمانهم من التعليم وإنما يتداعى في آثار الانحرافات الأخلاقية والسلوكية التي يعيشها من وجد نفسه منهم يقفز فجأة من طفل في مدرسة إلى عوالم الجريمة والقتل والسرقة والتسوّل”. وفيما يخص الآثار المترتبة على هذا الجيل أوضح النبواني أنه قد يتجلى ذلك في الآثار النفسية التي سرقت الأطفال من نومهم ليصحوا على أصوت الطائرات الهادرة والبراميل المتفجرة وأصوات الرصاص والسيوف والحقد ويشهدوا بأم أعينهم دمار بيوتهم وقتل أهاليهم وأقربائهم ورحيلهم المفاجئ عن بيوتهم.

وتأكيداً على ما ذكرناه بالنسبة للأطفال الذين نزحوا داخلياً في سوريا وانضموا إلى مدارس سورية أُخرى أفاد النبواني: “قد لا يكون انتقال التلميذ من مجتمعٍ ضيق لآخر عاملاً سلبياً بالضرورة بما يتضمن ذلك تغيير البيئة والرفاق والمدرسين واللهجة، بل على العكس كان يمكن أن يكون عامل غنى وثراء وتجربة جديدة لولا أن المجتمع السوريّ الآن يتغذى بالحقد وكراهية الآخر، أي كراهية السوري الآخر.”

معظم التلاميذ ولدوا في أتون الحرب أو ابتدأ وعيهم يتفتح في جحيمها وبالتالي تكون تجربة الانتقال هنا تجربة مليئة بالمصاعب النفسية القاسية جداً على الطفل.

وبحسب النبواني الطفل هنا لا ينتقل إلى وسط آخر سويّ قد يندمج معه بسرعة وإنما هو سيسمع ويرى أنه الغريب غير المرغوب فيه في المكان الجديد الذي اضطر إلى النزوح إليه مع ما تبقى من عائلته. سيواجه هذا الطفل دون شك بعدوانية “صاحب المكان” الذي سيفرض عليه قوانينه ويستهزأ باختلافه المتمثل خاصة في اللهجة ومكان السكن.

وعند الحديث مع أخصائي في علم الاجتماع في جامعة دمشق فضل عدم الكشف عن اسمه فإنّ واقع تعليم الأطفال في سورية وأثره على البلد مؤلم جداً ولا يمكن الحديث عنه بحسب تعبيره. كان الأجدى ان نسلط الضوء على هذه الكارثة الإنسانية التي ستحل بسورية فقبل بناء الحجر وجب بناء الإنسان وبحسب اليونسيف 45% من أطفال سورية خارج نطاق التعليم، جيل بأكمله أميّ لا يعلم شيئاً كيف له أن ينهض ببلد مدمر كلياً.

وبحسب تصريح صحفي لوزير التربية السوري هزوان الوز فإنّ: “الأضرار التي لحقت بالقطاع التربوي خلال سنوات الحرب  كانت حوالي /8000/ مدرسة منها /1000/ مدرسة تحتاج إلى هدم وإعادة بناء إلى جانب تدمير العديد من الآليات والوسائل والتجهيزات التعليمية، وتحويل بعض المدارس إلى مراكز إيواء للمهجرين.”

و لم يتسن لنا معرفة النسب الحقيقية للمدارس المدمرة وعدد الأطفال خارج نطاق التعليم لرفض مصدر في وزارة التربية السورية التصريح عن ذلك، وكذلك المكتب المركزي للإحصاء في دمشق كانت إجابته أن ليس لديه معلومات حول ذلك. يبقى التعليم في سوريا القطاع الذي يفتقر أكثر إلى التمويل، على الرغم من الجهود المبذولة لتوفير دراسة غير منقطعة للأطفال السوريين، وكل هذا لا يمكن أن يشفى منه هذا الجيل الذي شهد الكارثة. سيدوم أثر ذلك طويلاً كندبة في الروح إن لم يتم إيجاد حلول ناجعة في المتابعة النفسية والتربوية، وغير ذلك سنلاحظ آثار الدمار في نفوس الأطفال وما يترتب عليها من عواقب قد يكون هذا الجيل نافذة مضيئة للمستقبل اذا استدركت الحكومة السورية معالجته وتعليمه أوقد يكون نقمة وحجر عثرة في وجها.

لماذا سوريا خارج تصنيف جودة التعليم العالمي؟

لماذا سوريا خارج تصنيف جودة التعليم العالمي؟

في سنغافورة التي بلغت نسبة الأمية فيها أكثر من 60 بالمئة سبعينيات القرن الماضي أصبحت الآن تضاهي في تقدمها العلمي والاجتماعي نظيراتها في العالم الغربي. لقد تنبهت حكوماتها المتعاقبة لحقيقة أن التعليم عامل حاسم في تطوير الإنسان. ولعبت الحاجات الاقتصادية في سنغافورة دورًا هاماً في تحديد مسارات سياسات التعليم. وأطلقت مبادرة “مدارس التفكير، تعلُّم الأمة” قائمة على أربعة مبادئ: إعادة النظر في أجور المعلمين, إعطاء مدراء المدارس مزيداً من الاستقلالية، استحداث التميز المدرسي، إشراف موجهين مختصون في استحداث برامج جديدة. حالياً سنغافورة حاضرة معروفة على مستوى العالم, واحتلت المركز الأول في مؤشر جودة التعليم العالمي للعام الدراسي الحالي.

شمل مؤشر جودة التعليم العالمي الذي صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) لعام الدراسي 2017-2018، حوالي 140 دولة. يرتب هذا المؤشر دول العالم وفق 12 معياراً رئيسياً وحوالي 40 معياراً فرعياً. هذه المعايير معايير دقيقة ومحددة بأسس علمية وتربوية وتعليمية رصينة، وهي ذات أهمية كبيرة، إذ أنها تُقدم معلومات تفصيلية ودقيقة عن واقع سير العملية التعليمية في البلدان التي يغطيها المؤشر، وتشمل: المؤسسات، البنية التحتية، الصحة والتعليم الأساسي، التعليم الجامعي والتدريب، بيئة الاقتصاد الكلي، كفاءة سوق العمل، تطوير سوق المال، الجاهزية التكنولوجية، حجم السوق، الابتكار، تطور الأعمال، كفاءة أسواق السلع.

أظهرت بيانات هذا المؤشر للعام الدراسي الحالي نتائج صادمة، وطبعاً نتائج هذا المؤشر ليست الوحيدة، إذ إن هناك العديد من المؤشرات العالمية والدراسات التي تبين وللأسف أن الواقع التعليمي المحلي السوري غارق في المشاكل، لذلك من السخرية أن ننسب هذه الدراسات والمؤشرات ومنها مؤشر دافوس إلى نظرية المؤامرة التي عودنا عليها المطبلون في الإعلام السوري الرسمي. هذا واقع أليم وعلينا أن نكون جريئين في الاعتراف بحقيقة تدني مستوى التعليم في سوريا فالأرقام لاتكذب، ولا تتموه. وهناك من الدلائل الواضحة التي نراها في حياتنا اليومية يمكن أن تؤكد صحة هذه المؤشرات، مثلاً أعداد الطلاب الهائلة في الصف الواحد، التسيب المدرسي، الغش الممنهج في الامتحانات، سوية الحالة المادية والمعنوية المتدنية للمعلمين، الضعف التكنولوجي وغيرها الكثير من المسائل. ومن نتيجة هذا التردي قامت معظم الأسر السورية على حساب قوتها ورفاهيتها بمحاولة سد التراجع التعليمي في المدارس، بطرق متعددة أوسعها انتشاراً الاعتماد على الدروس الخصوصية التي أصبحت حالياً ثقافة أسروية سورية عامة وهذا مكمن خطرها.

وفيما تسعى دول العالم بكل طاقاتها لتحقيق أفضل عملية تعليمية، لم نرى من المؤسسات التعليمية التشريعية أو التنفيذية في سوريا سوى الطابع الاستعراضي من قبيل شعارات التطوير والتحديث، والتقوقع في ايديولوجيات متصحرة مازالت تهيمن على البرامج والخطط وفق نظرية الرأي الواحد، يقودها مختصون من لون سياسي واحد معظمهم من منظومة إدارية شديدة الفساد والبيروقراطية. إن الهدف ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻰ للتعليم ﻫﻮ ﺗﺤﺮﻳﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ وتقدمه، وليس ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺃﻭ تطبيق الإيديولوجيا سواء كانت سياسية ام دينية، أو بناء المناهج وإنجازها وفق رؤية السلطة التي هي في سوريا تتبع حزب البعث، فالسلطة فانية أما الوطن فباق. النظام السياسي للاتحاد السوفياتي ذهب بينما المنهج التعليمي والعلمي لمؤسساته بقيت وحافظت من خلالها روسيا الحالية على تفوقها العسكري والفضائي ومجالات أخرى عديدة، أما في سوريا فالواقع  مزري ولم يتم النظر يوماً إلى التعليم كمحور من محاور التنمية. وفي الوقت الذي تُعتَبر دولة (عدوة) لسوريا كإسرائيل وزارة التعليم فيها على أنها واحدة من الوزارات الأربع السيادية، لم تنظر الحكومات البعثية المتعاقبة لأهمية هذه الوزارة، حتى أخصائيو التربية والتعليم المنوط بهم معالجة هذه المهمات، لم ينظروا بشكل جدي للمشاكل المتعددة الموجودة في النظام التعليمي المحلي.

والحقيقة أن المواطن السوري لم ير سوى أكذوبات التطوير والتحديث، إذ مازالت العملية التعليمية قائمة على الحفظ والتلقين لا على التفاعل والإبداع. فالعلم هو “طريقة وأسلوب للتفكير أكثر من مجرد كمية من المعلومات” على ما يقول المفكر كارل ساغان. والعلم حيادي ولا يمكن أدلجته، لكن في سوريا بدت المناهج مقيدة بالمنظور الإيديولوجي البعثي من جهة وبمفاهيم إخوانية إسلامية من جهة أخرى، فقد أدخلت وزارة التربية هذا العام ولأول مرة في تاريخ سوريا مادة “التربية الدينية” لطلاب الصف الأول الابتدائي، مع ملاحظة أن صورة الأم المحجبة تطغى على مناهج المرحلة الإبتدائية. حتى الكتب التعليمية العلمية لم تنج من هذه التأثيرات. مثلا في مادة العلوم للصف الثالث الثانوي العالمي نجد عبارة “سقطت نظرية داروين بينما ثبتت نظرية محمد.” وفي مادة الفيزياء للصف الثاني الإعدادي نجد عبارة “تمت التجربة بإذن الله.” ويطبع التأثير الديني سير الحياة المدرسية بشكل قوي، مثلاً نلاحظ على الأقل خلال العشر سنوات الماضية شلل المدارس في اليوم الذي يسبق والذي يلي عيد الأضحى، كما يُختصر الدوام المدرسي خلال شهر رمضان.

ويبدو أن النظام السوري قد أدرك أهمية التربية والتعليم في تكريس سلطته فقط، حيث ومنذ بداية الألفية الجديدة وسحقْ ماسمي وقتها “ربيع دمشق”، لاحظنا استمرارية في سياسة القمع لكل ماهو يساري أو قومي علماني في مقابل تسهيل تمدد الفكر الديني. لاحقاً وخلال الأزمة السورية تعرض النظام لضغوط كبيرة فأصبح مجبراً على تلبية مطالب الإسلام الرسمي (المعتدل) لأنه يحارب الإسلام المتطرف المُمَثل بشكل رئيسي في “تنظيم الدولة الإسلامية” والتنظيمات المقربة من “تنظيم القاعدة” في سوريا. ويعتقد النظام أن استعداء الإسلام المعتدل لايصب في الوقت الحالي في مصلحته، لذلك ارتأى الدعم الكبير له، وهذا يفسر لماذا ميزانية وزارة الأوقاف كبيرة جداً وهي تعادل أقل بقليل مجموع ميزانيتي وزارة الصحة والتعليم العالي! ولماذا هذا التدخل الكبير لهذه الوزارة في إقرار المناهج. في المقابل طالما استخدم النظام الذي يُعد فيه حزب البعث واقعيا قائداً للدولة والمجتمع، الخطاب الثقافي واحتكار التعليم لخدمة قضيته الايديولوجية العربية عبر تضخيم الدلائل التاريخية، لابل تزييفها أحياناً، فمثلا نجد في مادة الثقافة للسنة الأولى في كلية الترجمة الصياغة (البعثية) للتاريخ العربي. تتحدث الفصول الأولى عن سيرة نبي الإسلام، بينما يتحدث الفصل الثاني عن التخلف الذي كان يعيشه الغرب وفساد الكنائس في العصور الوسطى وكيف ساهم الإسلام في نهضة الغرب وإنقاذه من الظلمات. في الفصل الثالث نقرأ كيف أخذ الغرب العلم والفلسفة من الدولة العربية الإسلامية. وفي القسم الأخير نجد ماقيل عن محمد من أقوال لكتاب وعلماء من الغرب. مثال آخر نجده في كتاب التاريخ للخامس الابتدائي -وهو تزوير صريح للتاريخ- عبارة: “أقبلت القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية على شكل موجات واستقرت في بلاد الشام والعراق وأنشأوا الحضارات الأكادية والبابلية والآشورية.” وبالرغم من محاولات وزارة التربية في سوريا خلال الفترة الأخيرة إبراز النزعة الوطنية في المناهج بتوليفة عربية إسلامية وإخفاء النزعة القومية البعثية التقليدية التي كانت سائدة سابقاً، إلا أن تأثير هذه المحاولات بقيت محدودة ولم تستطع أن تلامس الرموز القهرية للنظام والحاكمة للمجتمع السوري.

لقد أكملت الحرب على مستقبل العملية التعليمية في سوريا، إذ بينت المذكرة الإخبارية الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” أن عام 2016 هو الأسوأ لأطفال سوريا، وقالت إن نحو 2.7 مليون طفل بين سن الخامسة والسابعة عشر لايذهبون إلى المدارس، بينهم 600 ألف طفل لاجئ، وأن 1.3 مليون طفل آخرين معرضون لخطر التسرب. وقالت منظمة “أنقذوا الطفولة” أن أضرار قطاع المباني المدرسية لوحده تُقدر بنحو 3 مليارات دولار، وأدت الى انخفاض معدل التعليم في سوريا بمقدار 50% عن مستوياته قبل اندلاع الحرب السورية عام 2011. وبينت تقارير محلية لعام 2017 تعرض المرافق التعليمية على مستوى سوريا إلى نحو 4000 هجوم أدت إلى أضرار جزئية أو كلية لـ 2445 مدرسة. وأكثر المنشآت التعليمية ضرراً كانت المدارس الثانوية بنسبة 14.7% من مجمل المرافق التعليمية المتضررة كلياً، تليها المعاهد المهنية بنسبة 14.5%. كما أدت الحرب الى تحويل العديد من المدارس إلى مراكز إيواء للنازحين أو مراكز عسكرية. وبحسب معلومات صادرة عن وزارة التربية السورية تحولت حوالي 243 مدرسة من أصل 21 ألف مدرسة حكومية في أرجاء البلاد إلى مراكز إيواء، فيما قدرت وزارة التربية تكلفة الخسائر المادية لقطاع التعليم في سورية حتى عام 2015 بحوالي 50 مليار ليرة (حوالي 105 مليون دولار). وحيث أن التعليم هو استثمار مستقبلي قُدرت الخسارة المستقبلية بـنحو 5.4% من الناتج المحلي نتيجة حرمان الأطفال السوريين من التعليم. ويذكر تقرير “جيل سوريا الضائع” أنه: “وبالنظر إلى تجارب الدول الأخرى التي تأثرت بالنزاعات يمكننا التنبؤ بأن النزاع الحالي قد يؤدي إلى انخفاض معدل سنوات الدراسة بنصف عام على المدى الطويل. وعندما يطبق على امتداد التعداد السكاني فإنه يزيد من التكلفة السنوية على الاقتصاد السوري الى مافوق 1.26 مليار دولار أمريكي, أي 3.1% من إجمالي الناتج المحلي.”

من منتصف الثمانينات حتى بداية التسعينات، لعبت سوريا دوراً يعادل عشرة أضعاف حجمها على الساحة الدولية بحسب صحيفة دير شبيغل الألمانية عام 1985، وسميت بأنها أكبر دولة صغيرة في العالم كما قال أحد الدبلوماسيين الكبار في البيت الأبيض. من أسس لهذا الدور؟ طبعاً هي مجموعة من العوامل لكن أهمها كان الاهتمام بالعملية التعليمية والتدريب وتأهيل الكوادر. للأسف الشديد سوريا والعراق ومصر التي قادت التعليم عربياً منذ خمسينات القرن الماضي وحتى بداية الألفية الجديدة نجدها قد سقطت. مصر جاءت بالمركز قبل الأخير في مؤشر دافوس لعام2017، في حين لم تدخل سوريا والعراق في الترتيب أصلاً وذلك لافتقارهما بحسب التقرير: (لأبسط معايير الجودة في التعليم).

مرة أخرى لنكن جريئين ونقرأ مؤشر دافوس بواقعية بدلاً من الاستهزاء به، وإلهاء المواطنين بنظرية المؤامرة، وأن نقول صراحة أن هناك ضرورة قصوى ولا تقبل التأجيل لمراجعة السياسات الحكومية في سوريا في مجال التعليم, ووضع أسس اكثر انفتاحاً على العالم الذي بات يسبقنا كل يوم بخطوة. فالتعليم والعلم بالنسبة للمجتمعات هو أساس التقدم الحضاري وهذه بديهية. ولا يأتي العلم بدون التعليم الذي هو المحرّك الأساسي لتطور أي أمة. لذلك نرى بوضوح أن أحد أهم الفوارق بين المجتمعات المتقدمة والمتأخرة هو نسبة التعليم وجودته، ولا تبتعد القوة الاقتصادية والعسكرية وقوة العدالة وقوة النسيج المجتمعي كثيراً عن هذه المقارنة. وفيما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمته الأخيرة للشعب الروسي قبيل انتخابه للمرة الرابعة أن “التخلف العلمي يحمل مخاطر فقدان السيادة” نجد أن صور حليفه في دمشق قد تصدرت قاعات الجامعات الحكومية وجدران المدارس وبوابات المعاهد وقاعات التعليم وأروقة المختبرات في وقت أصبحت سوريا متخمة بالقواعد العسكرية الأجنبية الحليفة والعدوة.

جدل التعليم في زمن الحرب السورية

جدل التعليم في زمن الحرب السورية

يُعدّ التعليم بكمّه ونوعه عموماً أداةً أساسيةً للدول لإنتاج هويةٍ وطنيةٍ ورفد الأجيال الناشئة بالإمكانات المعرفية والخبرات العملية الضرورية لبناء مستقبلها ومستقبل بلادها. من هنا فإنّ ما يواجهه النظام التعليمي والتربوي عموماً من تحدياتٍ لا يعد بالأمر السهل وخصوصاً في عصر انتشار المعرفة والتكنولوجيا وثورة الاتصالات والتواصل الاجتماعي المفتوح والتعدد في مصادر المعرفة وتنوعها، لذا كان لا بد من تطوير مناهج تعليمية متطورة تواكب هذه التغيّرات الجذرية المتسارعة. يُضاف إلى التحدّيات النظرية السابقة المهمة الأصعب التي تواجه أي لجنة تطوير للمناهج ألا وهي إعداد مناهج تعليمية في بلادٍ تعاني من تراجعٍ في معدلات التنمية وشرخ بين المعرفة والعمل.

أما في الحالة السورية، فإنّ تراجع النظم التعليمية وإهمال القطاع التعليمي وانعدام الاستثمار في ميادين المعرفة والبحث وهيمنة الأجهزة الأمنية والذي يعود إلى فترات ما قبل الحرب بوقتٍ طويل قد تلاه حرب أهلية مدمرّة وانقسامات حادة ضمن البيت الواحد، أمور جعلت صياغة مفاهيم متداولة كبديهيات كالوطن والهوية والجغرافية مسائل بالغة التعقيد والتشابك مع الظرف الراهن.

يُعتبر بناء المناهج وتطويرها مشروعاً تربوياً وسياسياً مقصوداً ومنظماً، ومعنى ذلك أنَ الأهداف المرجوة واضحة ومُحدّدة وكذلك الخطط والأنشطة والوسائل المناسبة لتحقيق تلك الغايات. إنّ وضع أي منهاج تعليمي يمر بمراحل متسلسلة، بحيث يبدأ من وضع الأهداف والغايات البعيدة والتي تحتاج لزمن طويل نسبياً لتحقيقها وهي مستمدة من السياسة العامة للدولة ومن فلسفة وقيم المجتمع إلى جانب القيم الأخلاقية والإنسانية العامة.

في ضوء ذلك يتم تحديد أهداف جزئية ومرحلية متفرعة عن الأهداف العامة حتى يصل الأمر إلى الهدف الذي يجب أن يتحقق من حصة دراسية واحدة. من هنا يتم بعدها اختيار محتوى المناهج والطرق والوسائل المناسبة، كما يتم وضع برنامج تقييمي ومراجعة دورية على مستوى المحلي (المنطقة، والمحافظة) والوطني (على مستوى البلد) لمعرفة مدى تحقق تلك الأهداف.

السؤال الإشكالي والمهم هنا: ما هي هذه الأهداف؟ وما هو المجتمع الذي تسعى المناهج التعليمية للوصول إليه؟ وفي سياقات طارئة، كالحرب مثلاً، هل يمكن فصل العملية التعليمية أو المناهج عن باقي مناحي الحياة أو عن مشاكل المجتمع وحاجاته؟ هل يمكن فصل العملية التعليمية عن الصدمات النفسية التي يعانيها الأطفال، أو عن الأرقام المقلقة حول نسبة الأطفال المتسربين من المدارس [1]، أو حتى مناهج تعليمية أخرى أو مُعدّلة [2] تمّ فرضها في مناطق خارج السيطرة الحكومية؟ هل يوجد إرادة حقيقية للتغيير؟ وكيف ستتم؟ وهل تعتبر المقارنات مع تجارب دول أخرى مشروعة وممكنة؟ ما جدوى الجدل القائم في سورية اليوم حول المناهج في ظل واقع سياسي واجتماعي واقتصادي منهار؟ ألا يقتصر تغيير المناهج على الشكليات فقط دون المساس بالجوهر والمضامين، لاسيما مع كثرة الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها؟ وهل من الممكن إلغاء مادة التربية الدينية والوطنية من المناهج وخصوصاً في المراحل الأولى؟ أسئلة كثيرة يمكن طرحها هنا ولكن في ظل الواقع السوري الراهن ما هو المستحيل وما هو الممكن؟

هنا، نحاول رصد الجدل الذي دار حول المناهج الدراسية الجديدة وتداعياته وردود الأفعال في سورية والإعلام.

وسائل التواصل الاجتماعية والتخبطات الوزارية

الجدل الحاصل في سورية اليوم حول المناهج الجديدة والانتقادات التي وجهت إليها كانت بتأثير ما نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من صورٍ لبعض الدروس والفقرات الإشكالية والتي اتضح أن الكثير منها كان مزوراً أو غير موجود في المناهج المفترضة. وبدلاً من قراءة المناهج  الجديدة (52  كتاباً)، والتي لم تشمل جميع المناهج التعليمية، ونقدها على أساس علمي ومنهجي والتركيز على صحة المعلومات وقيمتها [3]، تحوّلت المنشورات على  موقع “فايسبوك” إلى مقالاتٍ وأداةٍ صراعٍ جديدة حول جزئياتٍ عكست الاستقطابات الايديولوجية التي باتت متوقعة مسبقاً بين السوريين. فمثلاً اعترض مؤيدون للنظام للسوري على نشر قصيدة للشاعر ياسر الأطرش فتمّ إلغاء القصيدة واستبدالها بقصيدة أخرى بناءً على قرار وزاريٍ. يبدو الأمر للوهلة الأولى خبراً عادياً، لكن سبب الإلغاء يطرح علامات استفهام حول بديهيات كتعريف من هو السوري المنشود إعادة بنائه، فالقصيدة لم تُلغ بسبب عدم ملاءمتها لسنّ الأطفال أو نتيجةً لأخطاءٍ مطبعية بل بسبب ضغط شعبي من قبل مؤيدين للنظام السوري ممن رفضوا تدريس قصيدة لشاعر محسوب على المعارضة! الوزارة لم تبرّر سبب إلغاء القصيدة في القرار ولم تُشر حتى إلى اسم الشاعر أو إلى عنوان القصيدة وانما اكتفت بالإشارة إلى ورودها في الصفحة رقم (6) من كتاب التربية الموسيقية في الصف الأول، لكن القرار نفسه أورد القصيدة البديلة “وطني” بالكامل مع اسم الشاعر سائر علي إبراهيم. (الصورة رقم 1) [4].

الصورة رقم 1 : قرار وزاري ينص على إلغاء قصيدة لشاعر معارض

كما أصدرت الوزارة قراراً آخر قضى بإعادة لواء إسكندرون والجولان إلى خريطة سورية بعد اعتراضات على ورود خريطة في الصفحتين /169-204/ في كتاب مادة علم الأحياء والبيئة (كتاب الطالب والأنشطة والتدريبات) للصف الأول الثانوي لاتضمّ المنطقتين (الصورة رقم 2).

الصورة رقم 2 : قرار وزاري ينص على استبدال خريطة الجمهورية العربية السورية بالخارطة المرفقة بالقرار

في مقابلة مع التلفزيون الرسمي السوري أقرّ دارم طباع، مدير المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية، بوجود أخطاء في بعض الكتب الجديدة ونوه بدور وسائل التواصل في تسليط الضوء عليها مبكراً، لكن أكدّ في الوقت نفسه أن الخرائط كلها صحيحة. وفي إجابةٍ غامضة، أوضح طباع أنّ الخريطة التي أثارت الرأي العام كانت “تمريناً للطلاب ]حيث[ وُضعت الحدود فقط بدون الجوانب الأخرى، فكانت هي مأخوذ منها جزء كأن لواء إسكندرون غير موجود فيها. أعيد ترتيبها، أي يعني عبارة عن خط، أما الخرائط الأخرى بنفس الكتاب فكلها كاملة وفيها لواء اسكندرون ولا يُمكن لأحد أن يُقيمها  [المقصود أن يُلغيها].” [5] وفي لقاءٍ آخر مع البرنامج الأسبوعي “من الآخر” الذي يعدّه ويُقدّمه الإعلامي جعفر أحمد ويُبث على الفضائية الرسمية السورية و”سوريانا اف ام”، استهل مُقدّم البرنامج حلقته بقراءة عريضة من عشرة بنود باسم “الشعب السوري” وتُطالب، ضمن ما تطالب به، بمحاكمة مطوّري المناهج قبل أن يسأل، بنبرة أقرب لأسلوب المحقق، عن “الكوارث” التي حدثت. ومن جملة الأسئلة يتطرق أحمد مباشرة للشاعر المعارض مشككاً “هل وجود قصائد لياسر الأطرش تعزيز للانتماء الوطني؟” فيجيب طبّاع:

“هذه للأسف لم ينتبه إليها أحد، وكلهم ظنوه من أسرة الأطرش الكريمة [ملمحاً إلى  عائلة سلطان باشا الاطرش قائد الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي، من محافظة السويداء في حين أنّ الشاعر ياسر الأطرش من محافظة إدلب].”[6]

وبين  الاعتراضات التي أثيرت من مؤيدين ومعارضين على السواء بعض أغلفة الكتب المتداولة التي وُصفت بـ”المفزعة”[7]، فمثلاً كان هناك استهجان لوجود صورة على غلاف كتاب التاريخ لتمثال فسّره علمانيون بأنه مفزع وذو مضامين دينية واضحة من ذقنٍ طويلة وشاربين حليقين، في حين فسرّه إسلاميون متشددون بأنه “استعادة للوثنية” (صورة رقم 3)، وصورة لامرأة محجبة على غلاف كتاب اللغة العربية [8]، ليتضح الأمر بأنّ التمثال لحاكم مملكة ماري إيكو شاماغان (2453 قبل الميلاد)، وصورة المرأة هي لوحة للفنان السوري أدهم اسماعيل (صورة رقم 4 ).

[9] صورة رقم 3 : صورة أغلفة كتب التاريخ الجديدة، ويبدو الغلاف المثير للجدل في الوسط

 ووصلت تأويلات بعض المعارضين إلى حدّ اعتبار المناهج الجديدة استهدافاً لـ “الهوية العربية والإسلامية”. ففي لقاءٍ مع برنامج “هنا سوريا” الذي تبثه قناة “أورينت” المعارضة، وصف ضيف الحلقة مازن رشيد وهو مدرس لغة عربية مقيم في إسطنبول صور أغلفة المناهج الجديدة بأنها: “مشينة، وإنما هي إخفاء للحضارة العربية الإسلامية. إنما هي تواصل أو بالأحرى اتصال بالوثنية…هي رسالة واضحة للتخلص من المظلة العربية، هي رسالة واضحة للتخلص من المظلة الإسلامية، هي رسالة واضحة أيضاً للعمل لصالح الأجندة الشيعية والاشتراكية.“[10]

لكن من غير الواضح ما الذي لفت انتباه رشيد في هذه الأغلفة على أنه دليل واضح على تنفيذ أجندة “شيعية واشتراكية” وما الذي يجمع “الشيعية بالاشتراكية؟”

[11] صورة رقم 4 : صورة أغلفة كتب اللغة العربية وآدابها

تفاقمت ردود الأفعال حول الموضوع الى حدّ عقد جلسة مُساءلة لوزير التربية أمام مجلس الشعب (البرلمان) [12]، كما عُقدت حواراتٌ وندواتٌ تلفزيونية وإذاعية حول الموضوع عدا عن كمّ التعليقات والمقالات والعرائض والانتقادات التي انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي.

إنّ اعتبار التصريحات الرسمية بأنّ ما يجري من نقاشاتٍ وحواراتٍ أمر جيد ويُعزّز لغة الحوار هو أمرٌ مُستغرب تماماً. إذ من ناحية بُنيت العديد من المشاحنات على أسس مغلوطة أساساً كمشاركة صور لآيات تكفيرية من مناهج “داعش” أو مناهج من دول أخرى على أساس أنها صور من المناهج الجديدة، ومن ناحية أخرى يُعتبر إعداد مناهج التعليم من تخصص مؤسسات ولجان أكاديمية ومهنية تحتكر كافة الصلاحيات دون تدخل من أي جهة وأقصى ما يمكن الأخذ به هو مجموعة المقترحات التي يمكن أن تقدم من المُدرسين والموجهين.

أمّا محتوى المناهج وما تقدمه حتى وإن كانت بالغة الأهمية لا يمكن تقييمه إلا في سياق النظام التعليمي ككل، فالمدارس التي تُشبه الثكنات العسكرية إلى حدّ كبير والغرف الصفية المزدحمة التي قد تصل الى 50 طالباً، وخاصة بعد تهدم معظم المدراس جرّاء القصف والاشتباكات وحركات النزوح الداخلية، وقلة الوسائل التعليمية واستخدام طرق وأساليب تدريس غير ملائمة وقديمة تعتمد على التلقين المباشر والتحفيظ الحرفي، عدا عن واقع الطلاب والمدرسين النفسي والاقتصادي والرواتب القليلة، كل ذلك له انعكاساته المباشرة على نتائج التعليم. وبالتالي فإنّ أي محاولة جدية للنهوض بالتعليم والتربية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار كل تلك الأسباب والعوامل، بمعنى آخر يجب أن تطبق نظرية النُظم في التعليم باعتبار أنّ العملية التعليمية نظام متكامل له مُدخلات وعمليات ومخرجات وتقويم، وأنّ أي خلل في جزء من النظام سينعكس سلباً عليه ككل.

مناهج التعليم وصناعة الهوية

يُميز الفيلسوف الماركسي الفرنسي لوي ألتوسير (1918-1990) بين “جهاز الدولة القمعي” و”أجهزة الدولة الإيديولوجية،” التي تضم مجموعة من الأجهزة منها جهاز الدولة الإيديولوجي التعليمي الممثل بالمدارس [13]. لذا تحتكر الدول عملية إعداد المناهج الدراسية لتكوين هوية أفرادها القومية واتجاهاتهم السياسية، حيث يتم وضع المناهج بحيث تتوافق مع سياسة الدولة، أو بالأحرى النخب الحاكمة، حول القضايا الخارجية والداخلية وضمن رؤية تهدف إلى إعادة إنتاج علاقات الإنتاج.

من هنا تأتي إلزامية التعليم كجزءٍ من أدوات الدولة التي تُعلن سيطرتها على حدودها المُعلنة وتحتكر صياغتها لتحديد المسموح به من حيث اللغة الأم والتاريخ والجغرافية وهوية الدولة والمجتمع القوميتين (والدينية كما في معظم مناهج العالم العربي). كما تلعب التربية ومناهج التعليم دوراً كبيراً في إعادة إنتاج الأدوار الجندرية وتكريس الثقافة المهيمنة [14].

خلال فترة حكم الرئيس السوري (الراحل) حافظ الأسد (1970-2000)، كان يتم التركيز في مواد التاريخ والجغرافية واللغة العربية على المجتمع ككل ضمن إطار رؤية مُوحدة تعتبر المجتمع السوري مجتمعاً عربياً أولاً وجزءاً لا يتجزأ من وطنٍ عربي تعرّض لتجزئة استعمارية ومؤامراتٍ مستمرة أطاحت بمعظم المشاريع الوحدوية. كان على السوريين آنذاك مواجهة تناقضاتٍ وجودية، لكن بصمتٍ أو في سهرات البيوت الخاصة، جراء حفظ دروسٍ تتعلق بممارسة الديمقراطية الشعبية وحكم الشعب وحكم القانون وحياتهم الفعلية وسط ثقافة الخوف اليومية من سطوة الأمن والفساد وقصص المعتقلين والمختفين قسرياً. واختزلت مشاكل المجتمع على ضرورة مواجهة التحديات الخارجية “الراهنة” والظروف “الاستثنائية” التي تعيشها الأمة. كما مثّل فرض اللباس العسكري الموّحد والمنظمات المؤدلِجة كطلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة كإطارٍ أوحد لتنظيم نشاطات الطلاب حتى على مستوى الفن والشعر والموسيقا، بالإضافة إلى معسكرات الصاعقة والمعسكرات الإنتاجية خلال المرحلة الثانوية وفرض معسكرات التدريب الجامعي على طلاب الجامعة (الذكور) جزءاً من عملية عسكرة المجتمع ككل وفرض هيمنة الدولة الشمولية على مستوى المؤسسات والأفراد على حساب تطور الطفل والمراهق نفسياً وفكرياُ، وقد شملت هذه السياسة “التربوية” أجيالاً بكاملها. كما مثّلت مادة التربية القومية الإشتراكية (الصورة رقم 5) الدليل الإيديولوجي المؤطّر لأي رؤية سياسية منشودة من قبل دولة الحزب الواحد، على الأقل على المستوى النظري والرسمي، أما على مستوى الممارسة الفعلية فلم تكن بالنسبة لمعظم الطلاب أكثر من مادة للنجاح أو مجرّد كتاب حزبي. ورغم التوجه العلماني الشكلي، بحكم سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم المطلقة على كافة قطاعات ومؤسسات الدولة، بقي تدريس التربية الدينية الإسلامية والمسيحية جزءاً أساسياً مفروضاً، وليس اختيارياً، على الطلاب.

الصورة رقم 5 : صفحة من فهرس كتاب “التربية القومية الاشتراكية” للصف الثالث الثانوي العام والفني والمهني والشرعي. من إصدارات المؤسسة العامة للمطبوعات والكتب المدرسية للعام الدراسي 1996-1997 أرشيف خاص

كان الهدف من المناهج التي سادت خلال تلك المرحلة إعادة تشكيل مجتمعٍ من لونٍ واحد وتأطيره بمفاهيم موحدة تتماشى مع الإيديولوجيا السياسية المهيمنة وطبيعة نظام الحكم الموجود بغض النظر عن التعقيدات الطبقية والمجتمعية التي تتفاوت من محافظة إلى أخرى بما فيه التنوع الاثني والطائفي. وتعتبر القضية الكردية أحد أهم الأمثلة على ذلك. إذ رغم وجود إرثٍ ثقافي ولغوي مختلف فإن المناهج الموضوعة لم تراع ذلك فكانت اللغة العربية هي لغة التعليم ومُنعت اللغة الكردية من المدارس بشكل كامل مما عرّضهم لتهميشٍ وتغريبٍ مضاعف. فمن ناحية، كان العديد منهم أبناءً أو أقارب أو جيراناً للأكراد المجرّدين من جنسيتهم بسبب إحصاء عام 1962، الذي تمّ في عهد حكومة الانفصال، ومن ناحية ثانية، فُرض عليهم تبني هوية ولغة واحدة بدلاً من الاعتراف بهويتهم كجزءٍ أساسي من الهوية السورية. ولكن مع تبدّل الأوضاع السياسية اليوم نرى أن أول ما فعلته الإدارة الذاتية الكردية [15] هو فرض مناهج تعليم خاصة على الصفوف الثلاثة الأولى الابتدائية (خلال العام الدراسي 2015-2016) تعتمد اللغة الكردية لأول مرة في سورية، وتم تبرير هذه  الخطوة بأنها ضرورية وأساسية لـ “استعادة الهوية الكردية.” [16] وقد شهدت هذه الخطوة اعتراضاتٍ ورفضاً من قبل بعض الأهالي مما أدى إلى إغلاق بعض المدارس كما في حي غويران في الحسكة [17]. كما أدت التجاذبات والخلافات المستمرة بين مديرية التربية، بوصفها مؤسسة حكومية رسمية، وهيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية [18] إلى تأرجح مستقبل طلاب تلك المناطق بين كفة التوافق السياسية بين كافة الأطراف من ناحية، وبين خطر عدم الاعتراف بشهاداتهم في حال انهياره مما يُهدّد الآفاق المستقبلية للطلاب الراغبين باستكمال دراساتهم الجامعية على المدى البعيد. لذا مازالت مناهج التعليم التي تُقرّها وزارة التربية معتمدة إلى حدٍّ كبير، مع بعض التعديلات، حتى في المناطق خارج السيطرة الحكومية. فمثلاً قامت “هيئة الشام الإسلامية” التي تأسست في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 باعتماد المنهاج السوري الرسمي وإعادة طباعته، بعد حذف مادة التربية القومية الاشتراكية، التي بات اسمها “التربية الوطنية،” وكل ما يتعلق بحزب البعث الحاكم في سورية وعائلة الأسد، وقامت بتوزيعه على بعض المخيمات في الداخل وحلب (قبل أن تفقد المعارضة سيطرتها على المدينة) وبعض المدارس في المدن التركية  [19].

يُضاف إلى جميع التحديات السابقة هوية الأفراد، كسوريين، في فترة ما بعد الحرب حيث يعيشون ويعشن خضمّ مرحلةٍ من الهويات المتصارعة في مرحلة تعتبر أساسية لتكوين شخصيتهم/ن وتوجهاتهم/ن وأفكارهم/ ن.

المناهج الجديدة: صعوبات الحياة والبحث

في زيارة قمتُ [20] بها لإحدى المدارس في مدينة السويداء في 28 أيلول (سبتمبر) 2017، توجهتُ للإدارة لأسأل عن إمكانية اطلاعي على بعض المقررات القديمة في أرشيف المدرسة لتصويرها بغية إجراء مقارناتٍ مع زميلي في البحث، لكنّ المديرة أخبرتني بوجود تعليمات تقتضي بإتلاف الكتب كل خمس سنوات  لكنها اقترحت عليّ بأن أسأل عامل النظافة في المدرسة لأنه يجمع الكتب المعدة للإتلاف ليستخدمها للتدفئة. وعندما سألت أقاربي وأصدقائي عن كتبهم المدرسية (قبل عام 2000) تراوحت إجاباتهم بين تصريف هذه الكتب قبل سنواتٍ طويلة، أو منحها لآخرين عندما كانت معتمدة من قبل الوزارة، أو أنهم استخدموها مع دفاترهم القديمة للتدفئة خلال الشتاء القاسي الذي شهدته المنطقة في السنوات الماضية [21]. وعندما سألتها عن رأيها في المناهج الجديدة أجابت:” بصراحة لم أجد اختلافاً كبيراً بين المناهج القديمة والجديدة باستثناء كتاب الموسيقا للصف الأول الذي كنا نحلم بوجوده في أيامنا وبعض الأساليب الجديدة في تدريس المواد.”

وقد طلبت مني المديرة أن أتوجه بسؤالي للمعلمات في المدرسة. ذهبت إلى غرفة الإدارة حيث وجدت معلمتين تتبادلان أحاديث جانبية، وبعد أن بادرتهنّ بالتحية توجهت بالسؤال لإحداهنّ فعدّلت من جلستها ومن نبرة صوتها وأجابت بعباراتٍ جاهزةٍ كما لو أنها كانت تخاطب موجهاً موفداً من التربية: “المناهج جيدة وغنية، وقد قمنا باتباع دورةٍ لاستخدام أساليب التدريس الجديدة كالتعلم باللعب والنشاط والتعلم الذاتي وإثراء ذكاء ومعارف الطفل ومهاراته.”

وعندما طلبت منها أن توضح لي الأمر بالأمثلة وحول الآلية التي سيتم أو تتم عبرها تطبيق هذه الأساليب في المدرسة، حاولت التهرّب من الإجابة عبر سرد مشاكل التدريس وضعف الإمكانيات المتاحة. حاولت استقصاء آراء مدرسين آخرين وكانت إجاباتهم/ن متفاوتة بين التعاطي الجدي والنقدي وبين الاكتراث وفقدان الأمل في أي مستقبل مع تردي الأوضاع الاقتصادية وحالة الحرب والتمزق الاجتماعي. فبحسب تامر (اسم مستعار، 34 عاماً، مدرس مادة التاريخ لمرحلة التعليم الأساسي) المشكلة ليست بالمناهج ولا بالمدرسين وإنما في “جيل الطلاب الذي لا يريد أن يتعلم ولا يعرف قيمة العلم” معقباً بنبرة متحسرة “في أيامنا كنا نحلم بربع المتوفر لدى هؤلاء الطلاب، ورغم ذلك كنا ندرس وننجح رغم كل الصعوبات. حالياً يوجد مشاكل كثيرة ضمن الأسرة وبين الأهالي مما ينعكس مباشرةً على المدرسة، ماذا بوسع المدرس أن يُصلح لُيصلح؟”

الأمر الذي أثار دهشتي هو عدم إشارة تامر الى ظروف الحرب، فرغم كل الصعوبات التي عايشناها لا يُمكن مقارنتها بالأوضاع الكارثية الحالية.

كما التقيت بربيع (اسم مستعار، 45 عاماً، موظف، سائق في مديرية الزراعة) وسألته عن المناهج الجديدة باعتبار أن أولاده مازالوا طلاباً في المدارس الحكومية، فأجابني بصراحة: “تباً لهذا البلد وللمدراس ولمن فيها، لولا إلزامية التعليم لكنت أخرجت أولادي منها وعلمتهم إتقان مصلحة حرفية يعيشون منها. يكفي أنهم يعرفون القراءة والكتابة، ما الذي سيجنونه من العِلم؟ في هذه البلاد العلم لايُطعم خبزاً، وحتى لو درسوا وتخرجوا من الجامعات ماهي فرص العمل المتوافرة؟ إما أنهم سيُعلّقون هذه الشهادات على الجدران ويجلسون دون عمل، أو سيعملون بأعمال البناء، وبأحسن الأحوال قد يعملون في وظيفة حكومية وبراتب شهري لايُعادل حالياً ما قد يجنيه أحدهم في يوم إذا أتقن مصلحة!”

في إجابة تتوافق مع هموم ربيع اليومية، استغرب حسن (اسم مستعار،31 عاماً، مدرس مادة اللغة عربية لمرحلة التعليم الأساسي) سؤالي قائلاً: “بصراحة لا يهمّني الموضوع، هل أنت جاد بسؤالك؟  سيبقى الوضع أعوجاً ولن يتصلّح مهما حاولنا. أنا أعطي الدروس المُكلّف بها وأعمل ما بوسعي، ولكن الأهم هو هذا الراتب في نهاية الشهر. وكما تعلم فأنا أعمل سائقاً لسيارة أجرة كل مساء لأؤمّن مصاريفي ورغم أنّ الراتب لايساوي هراءً إلا أنه يبقى مصدراً ثابتاً ومضموناً كل شهر.” أما منال (اسم مستعار، 31 عاماً، صحفية مستقلة) فقد استنكرت هدر الأموال العامة على تطوير المناهج على حساب الاستثمار فيما قد ينفع الناس الذين يرزحون تحت ضغوط اقتصادية بالغة الصعوبة.

الإشكاليات المثارة حول المناهج السورية القديمة منها والجديدة كثيرة، ولكن حسب رأي رامي (اسم مستعار، 36عاماً، معلم موسيقا لمرحلة التعليم الأساسي) هناك مفاصل حساسة ومهمة تتلخص بأمرين: الأول يتعلق بتعليم الدين في المدارس، والثاني يتعلق بتنمية القدرات الإبداعية والفنية والنقدية للطلاب. وشرح رامي ما يقصده بالتأكيد ضرورة الربط بين منطقية العملية التعليمية والمعلومات التي يكتسبها الطالب بما يحترم عقله وتفكيره بالدرجة الأولى “فكيف لطالب أن يخرج من درس العلوم مثلا وقد تعلم نظرية دارون عن أصل الأنواع والتطور وفي نفس الوقت تُعلمه دروس الدين نقيض ذلك وتقول له بأن آدم وحواء هم أصل البشرية. أو كيف له أن يدرس في الجغرافية والفيزياء حركة الكواكب وكروية الأرض ونشوء الكون وطبيعة المادة والعناصر، ليصطدم بمن ينفي كل ذلك. فالتناقضات العقلية والمعرفية وحتى النفسية عند الطفل ستكون كارثية.” ويضيف قائلاً: “لا يمكن أن نكون حالمين بإمكانية إلغاء الدين من المدارس أو علمنة المناهج ولكننا نستطيع أن نُعلّم قيماً أخلاقيةً تتضمنها الأديان بدلاً من التركيز على تعاليم الدين نفسه وبخاصة في المراحل الدراسية الأولى.”

ويذكر كاتبا هذه السطور خلال دراستهما الثانوية في السويداء، كيف أن أستاذ التربية الإسلامية كان يُدرّس مادة الرسم في الوقت نفسه ويمنع أي تصويراتٍ لكائناتٍ حية باعتبار أنها تضاهي ” خلق الله.” [22]

أما فيما يتعلق بتنمية الابداع والفن، استنكر رامي التقليل من أهمية دروس الرسم والموسيقا باعتبارها مواد ثانوية بالمقارنة مع المواد الأساسية وإهمال دورها الهام جداً في بناء وتوازن شخصية المُتعلّم وتشكيل وعيه. عدا عن ذلك “ماتزال الطرق المتبعة في التدريس بدائية لا تُنمّي مهارات التفكير الحر والحوار ولا تحفز على الإبداع.”

في المحصلة، يعكس الجدل الدائر حول المناهج التعليمية عدة نقاط لا يمكن عزلها عن سياق الصراع نفسه. أولاً، ينبغي في البداية الإقرار بأنّ أي تغيير طرأ أو يطرأ على مناهج التعليم يمسّ مباشرةً السوريين الذين مازالوا مقيمين في الداخل، سواء في مناطق السيطرة الحكومية أو في مناطق سيطرة المعارضة، وبدرجة أقل بكثير السوريين المقيمين في الخارج أو اللاجئين. لانقصد هنا إعادة إنتاج الفرز السائد، والإيديولوجي أساساً، بين “جماعة الداخل” و”جماعة الخارج”، وإنما الدفع نحو شيء من الانعكاسية في التقييم، فالملايين التي نزحت عن بلادها إما أنها قد سجلت أولادها في مدارس في مواطن اللجوء (خاصة في الدول الأوروبية وأمريكا) أو أنها تعاني انقطاعاً في سبل مواصلة التعليم (خاصة في المناطق العربية المجاورة). وبالتالي فإنّ تداعيات الجدل حول المناهج أكثر مصيرية على السوريين في الداخل، على الأقل على المدى القصير، وعلى الجميع على المدى المتوسط والبعيد.

ثانياً، مما لاشكّ فيه أنّ مناهج التعليم ليست فقط وسيلة تعليمية ولكنها أيضاً وسيلة سياسية وإيديولوجية بامتياز لذا تحتكرها الدول، أو تسعى لاحتكارها، وتفرض إلزاميتها لما لها من دورٍ جوهري في تكوين هويات متخيلة تنسجم مع رؤية وتطلعات النخب الحاكمة وتوجهات الدولة. [23] الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول فعالية المناهج وأهدافها المنشودة على المدى البعيد في ضوء الحرب المستمرة ووسط نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان. خلال الحرب الحالية ازدادت نسب التسرب المدرسي وخضع الأطفال في مناطق مختلفة، من ضمنها مخيمات اللجوء، إلى مناهج متعددة أو معدّلة أو مناقضة لما يحياه الطفل. فالتناقضات التي تزرعها هذه المناهج في أجيال الحرب تتفاقم مع التجربة الحياتية للأطفال أنفسهم، فلا يكاد يخلو بيت لم يفقد ضحية على يد أحد أطراف الحرب، ولا يقل الأثر النفسي لهذا الفقدان ولوم “الآخر” عن أثر العملية التعليمية نفسها. أخيراً، كما أشارت بعض آراء المدرّسين، لا يمكن اعتبار تطوير المناهج عملاً جذرياً مالم يتم توجيه النقد لجذور العملية التعليمية والتربوية، وإلا فإنه لن يقود إلا إلى حلقة مفرغة مفضياً إلى النتائج نفسها مهما كانت المناهج الجديدة غنيةٍ بالمعلومات والأساليب الجديدة.

هوامش:

1 من بين كل ثلاثة أطفال سوريين يوجد طفل غير ملتحق بالمدارس، وحوالي 1.4 مليون آخرين مهددين بالانقطاع عن الدراسة. يُضاف إلى ذلك تعرض مدرسة من بين كل أربع مدارس لأضرار، أو دمار، أو احتلال، أو إغلاق، أو إعادة الاستخدام كمأوى، أنظر:

UN Office for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA). 2017 Humanitarian Needs Overview: Syrian Arab Republic. December. 2016. p.11.

2 مازال المنهاج السوري الرسمي معتمداً في معظم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة مع بعض التعديلات في بعض المناطق تناولت حذف الإشارات لإنجازات حزب البعث ومنجزات الأسدين.  للمزيد يمكن الاطلاع على: درويش، صبر: العملية التعليمية في مناطق سيطرة المعارضة المعتدلة. سوريا حكاية ما انحكت. 21 حزيران، 2015.

3 كان المؤرخ السوري سامي مبيض قد انتقد سابقاً كتاب “تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر” المقرر في منهاج البكالوريا الأدبي والصادر خلال العام الدراسي 2014-2015 لما احتواه الكتاب من أخطاء تاريخية فادحة عدّد منها اثنتين وعشرين نقطة. انظر مبيض، سامي: تزوير كتب التاريخ المدرسية نتيجة خطأ أم جهل؟! … المؤرخون والمفكرون والسياسيون السوريون يغيبون عن المشهد التعليمي! صحيفة الوطن. 2  شباط، 2017.

كما حلّل الصحفي السوري سابقاً كتب مرحلة التعليم الأساسي (الصف الأول وحتى الصف التاسع) للعام الدراسي 2014-2015، انظر: درويش، صبر: العملية التعليمية في سوريا بين الحاضر وبين المستقبل المأمول. سوريا حكاية ما انحكت. 19 أيار، 2015.

4 وزارة التربية، الجمهورية العربية السورية: تشكيل لجنة خاصة لدراسة الملاحظات والمقترحات الواردة إلى الوزارة حول المناهج المطورة، 16 أيلول، 2017.

5 برنامج صباحنا غير: د. دارم طباع مدير المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية. قناة Saba7na Gheer على اليوتيوب .18 أيلول، 2017. الدقيقة 2:10-2:30.

6برنامج من الآخر: آزمة المناهج هل خطأ في الاختيار أم خلل في التفكير. الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون- سورية. 18  أيلول، 2017.  1:06:50-1:07:25

7 فاضل، عهد: ليس فيلم رعب.. بل أغلفة كتب تلاميذ سوريا!. العربية. 9 أيلول، 2017.  

8 عنجريني، صهيب: «داعش» والمناهج الجديدة: السوريون «يقصفون» عشوائيّاً. الأخبار. العدد 3274 الخميس 14 أيلول، 2017.

9 المصدر: الموقع الرسمي للمركز الوطني لتطوير المناهج التربوية.

10 برنامج هنا سوريا: “تثير الرعب” الصور الكاملة لمنهاج النظام الجديد!. أورينت نت. 11 أيلول، 2017.  الدقيقة 3:42-4:17.

11 المصدر السابق: الموقع الرسمي للمركز الوطني لتطوير المناهج التربوية

12 ديب، يسرى: «ضجّة» المناهج بين أسئلة مجلس الشعب وأجوبة وزير التربية. جريدة تشرين. 21 أيلول، 2017.

13 Althusser, Louis. On the Reproduction of Capitalism: Ideology and Ideological State Apparatuses, trans. and ed. G.M. Goshgarian (Verso, 2014).

14الجباعي، جاد الكريم: نحو مدخل اجتماعي للتربية والتعليم. جيرون. 12 آب، 2012.

15 خليل، إبراهيم: مناهج التعليم الكردية في الإدارة الذاتية. مدارات كُرد. 8 كانون الأول، 2015.

16 عثمان، أحمد: افتتاح المدارس في مدينة قامشلو مع المنهاج الكردي الجديد. نبض الشمال. 28 أيلول، 2015.

17 الأحمد، سامر: الحسكة: مناهج تربوية مسيسة تهدد مستقبل جيل بأكمله. المدن. 23 نيسان، 2017.

18 ملا رشيد، بدر: الواقع التعليمي في مناطق “الإدارة الذاتية”. مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. 15 تشرين الثاني، 2016.

19توزيع عشرة ملايين كتاب مدرسي في المناطق المحررة. عنب بلدي. العدد 217. 17 نيسان، 2017.

20 المقصود هنا الكاتب معتز الحناوي المقيم في السويداء (سوريا)، في حين يقيم الكاتب باسيليوس زينو في الولايات المتحدة.

21 الحناوي، معتز: سنديان السويداء ولعنة الحرب السورية. جدلية. 23  حزيران، 2017.

22 خلال أحد الدروس طلب الأستاذ نفسه أن نرسم رسماً حُراً أو أن ندرس لصفٍ آخر، فقمت برسم شخوصٍ كاريكاتورية بشرية على دفتر الرسم وعندما شاهدها خلال جولته بين الصفوف قام بتشطيب رسمي مما أثار دهشتي وغضبي. وعندما سألته عن السبب قال إنّ رسم الكائنات الحية حرام وأنّ المُصوّر يرتكب إثماً بمحاكاة الخالق في خلقه. كان تفسيره غريباً عليً ولم أستطع كبت ضحكةٍ لا إرادية مما استدعى طردي من الحصة (باسيليوس زينو، جرت الحادثة سنة 1998)

23 لانقصد القول هنا أن ميدان التعليم يقتصر على ما تفرضه الدولة ضمن مدراسها. ففي العديد من دول أمريكا اللاتينية، كالبرازيل، تمكن العديد من مجتمعات السكان الأصليين والمحرومين من الأراضي (التي سيطرت عليها الدولة بالقوة) من فرض نظام تعليمي تحرري يؤكد هويتها الثقافية في مواجهة فرض القيم النيوليبرالية على مجتمعاتهم، مؤكدين على أهمية التعليم “في الحراك” كجزءٍ أساسي من حركات اجتماعية مستمرة. للمزيد انظر:

Zibechi, Raúl. 2012. Territories of Resistance: A Cartography of Latin American Social Movements. Oakland, CA: AK Press. pp. 21-33.

معتز الحناوي وباسيليوس زينو