رهانات خاسرة

رهانات خاسرة

كان الرِّهان على وعي وترابط المجتمع السوري في بداية الحرب رهاناً خاسراً بكل المقاييس، بل لم يكن أكثر من وهمٍ إعلامي ومحاولةٍ لتمييع الحقيقة وغضِّ النَّظر عن الأزمات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع السُّوري وعن تأصُّل الحساسيات الطَّائفيَّة والمناطقيَّة بين أبناء الوطن الواحد.

والحرب تؤدي بالضرورة إلى إخراج ما هو مظلم في كلِّ مجتمع، فالودعاء البسطاء أيام السِّلم هم ذاتهم الذين لم يتأخروا عن حمل السِّلاح وانزلقوا بسلاسةٍ وخفَّةٍ إلى الخندق الأقرب إليهم على ضفتي الصِّراع، وهُمْ ذاتهم الذين أحرقوا بيوتاً ونهبوا ممتلكاتٍ ودمروا عائلاتٍ بأكملها؛ ففجأةً أصبح الجَّارُ صاحب الابتسامة العريضة جلاداً بذقنٍ تلامس سرَّته، والصَّديق الذي قاسَمَنا رغيفنا طواعيَّة بالأمس القريب، ارتدى المموَّه وأصبح يسرق الرَّغيفَ عنوةً.

كان واضحاً خلال الشُّهور القليلة الأولى أنَّ السِّلاح سيتحوَّل إلى سلعة متوفرة ومتاحة للجميع تباع كما تباع الخضراوات على النواصي، والأكثر وضوحاً أنَّ الدبابات التي غادرت مواقعها والطائرات التي فارقت مرابضها كانت تنذر بسنينٍ عجاف، وأنَّ مسار الحِراك قد تحدد ليكون حِراكاً عسكرياً دينياً بغيضاً وحرباً ضروساً بين جيشين سيقف فيها العامَّة على الحياد ريثما تمتد لهم يدٌ لتجرَّهم إلى جبهةٍ أو إلى زنزانة، وعلى الرغم من هذا السقوط الكبير لحلمنا بحراكٍ مدنيٍّ قادرٍ على رسم مستقبل بلادنا بقيَ الرِّهان على نبذ العنف من المجتمع قائماً، وبعنادٍ لا طائل منه أصرَّ المؤمنون بميل السُّوريين للسِّلم وأنا منهمعلى هذا الرِّهان، وخسرنا جميعاً.

للأمانة؛ لقد خاننا حدسنا، فلم نتوقع أنَّنا نمتلك كلَّ هذه المقوِّمات لتدمير أنفسنا، ولم نتوقع أنَّنا نمتلك هذا القدر من الطَّائفيَّة والعنصريَّة تجاه بعضنا، بل كنَّا مخدوعين بالدِّعاية البراقة التي سوَّق لها الإعلام الرَّسميحول الوعي واللُّحمة الوطنيَّة والتَّعايش، أمَّا اليوم فقد أصبحنا على يقين أن الحديث عن التَّعايش واللُّحمة الوطنيَّة يتناسب طرداً مع افتقاد هذه المعاني.

لا تعايش الآن في بلادنا ولا لُحمة وطنية ولا مجال لاستخدام هذه الخدعة ثانية على الأقل في المدى المنظور، هذا الواقع الذي يخبرنا به الشارع السُّوري المنقسم بشِدَّة والمصطفِّ في خنادق أملتها عليه الطوائف والمناطق والمصالح قبل أن تصبح الحرب مهنة وننقسم ببساطة إلى محارب وهدف، ولكم أن تتخيلوا كمية الكراهية التي تعاظمت في نفوسنا خلال سنين الحرب الطويلة والقاسية، لكن السؤال الجوهري: هل كانت هذه الكراهية وليدة الحرب ونتيجتها أم أنَّها سابقة على الحرب وكانت تنتظر فرصة لتعبر عن نفسها بالطريقة البشعة؟!.

لم أدرك مدى الكراهية التي نخبئ إلَّا عندما رأيت المشاجرات بين الهاربين السُّوريين إلى لبنان والتي كادت أن تصل حدَّ القتل، هذه المشاجرات كانت ناتجة بالظاهر عن اختلاف في الانتماء السياسي، لكنها في الباطن كانت نتيجة مباشرة لاختلاف الطوائف أو المناطق أو الطبقات الاجتماعية.

هناك في بيروت في مشروع أبراجٍ سكنية قيد الإنشاء يشكِّل السوريون 60% من عماله كنت أنا هارباً أعمل كعاملٍ غير محترف، وعلى جدران المراحيض التي هي عبارة عن مستوعبٍ معدنيٍّ قذر تم تثبيته على عَجلٍ فوق قطعٍ من الطوب الاسمنتي وتركيب ثلاثة مراحيض لتكفي أكثر من ألف عاملعرفت إلى أيِّ مدى نحن محمَّلون بالغل!

هؤلاء العمال الذين يعانون الأمرَّين نتيجة استغلالهم وقسوة ظروف العمل لم يتمكنوا من التخلي عن انتماءاتهم حتَّى في المراحيض، فافتتحوا نقاشاً ساخناً على الجدران، كلُّه شتائم وعبارات حملوها معهم من دمشق على غِرار الأسد أو نحرق البلد، جايينك، يلعن روحك إلخ، إلى جانب مجموعة كبيرة من العبارات الطائفية التي تساعد في فهم التركيبة الطائفية للمتحاورين، ووصل الأمر عند بعضهم إلى تحديد موعد للخصم للنزول إلى الحلبة!

هذا الاحتقان غصَّت به الحناجر فلم يترك الغاضبون سبيلاً لتفريغ غضبهم إلَّا وسلكوه، والمشكلة الأكبر أن الحقد بين المدنيين على بعضهم لاعتبارات سياسية في الظَّاهر هو أكبر بكثير من العداء الذي بين المسلحين على الجبهات، فالمصالحات تسير على قدمٍ وساق بين الدَّولة والمعارضة المسلَّحة في غير منطقة، بينما تتسع الفجوة بين الأهالي دون أن يعبأ أحدٌ باتساعها.

كنَّا نتمنى وما نزال لو أنَّ دعاية الوعي والتَّرابط واللُّحمة والتَّعايش حقيقة، لكن سطحية هذا الطَّرح تجبرنا على مواجهة الواقع والتَّفكير بجدية بالطريق الذي يجب أن نسلكه لتقليص الفجوة بين أبناء الوطن الواحد، وهي فجوة تتسع دون حدود ما لم تجد رغبة تعاكسها وتجبرها على الانكماش، أو توقف اتساعها على الأقل، فنحن الآن لسنا معنيين بتطبيب جراحات الحرب وحسب، بل أمامنا إرث ثقيل من الكراهية التي حملناها معنا عقوداً طويلة، وكنا كمن يخفي الأوساخ تحت السّجادة ويدَّعي نظافة بيته.

بإنكارنا البريء لوجود الطائفيِّة والعنصريَّة ومحاولتنا التهرب من مواجهة الحقيقة بتجميلها والتعتيم على المناطق المعتمة من واقعنا كنَّا ودون أن ندري نجهِّز أنفسنا لننفجر كراهيَّةً حين تتاح الفرصة؛ وقد أتيحت، وأكثر ما نحتاجه الآن هو أن نتعرَّف على بعضنا من جديد، وأن نعترف أنَّ الأمان لم يكن إلَّا وهماً، وأنَّ الوعي لا يمكن أن يتولد بمجرد ادِّعائنا أنَّه موجود، بل يحتاج إلى جهدٍ وإرادة جبَّارة لإعادة خلق المفاهيم التي من شأنها أن تنحِّي الكراهية جانباً وتعيد بناء الشَّراكة التي افتقدناها.

الخروج من عقدة الأكثرية والأقليات

الخروج من عقدة الأكثرية والأقليات

-I-

لا يخفي المشهد الحالي في سورية أبعاده، وإلى حد كبير مآلاته المتوقعة، فهو احتلال من جيوش جنسيات متعددة، الواضح أن النظام متحالف مع بعض أطرافه تحالفا عضوياً، يحاول أن ينتزع لنفسه البقاء على أكبر قدر من مساحة سورية، ولو كان مجرد منتدب عليها، فالاحتلالات لا تسمح بأكثر. بالنسبة لما يزيد عنها، يراهن النظام على الوقت وتغير الظروف الدولية، بعدما استعاد قدرته على الإيحاء بأنه اجتاز مرحلة الخطر نهائيا، وحان الوقت ليضع اللمسات الأخيرة لسورية الأسد؛ دولة متجانسة. أما عن مدتها فيأمل أن تكون أبدية بموجب حق التوريث. ليس في هذا التشخيص مبالغة، النظام يعمل جاهدا على زرعه في رؤوس السوريين، أشبه بقدر لا منجاة لهم منه.  

ما دام السوريون مغيبين عن طاولة المفاوضات، فالأمور السيئة، تتجه نحو الأسوأ؛ الطاولة لن تكون سوى طاولة مساومات حول حصص النفوذ. يديرها الروس بموافقة الأمريكان، أو عدم موافقتهم، سيتولون توزيع الحصص آخذين بعين الاعتبار مصالح كل دولة وما بذلته من جهد في عدم سقوط النظام، تحت غطاء مكافحة الإرهاب، سواء كان بميليشياتها، أو تحالفها سراً أو علناً، وربما بدعمها أو بصمتها. والاتجاه الراهن ينحو إلى ألا يكون للسوريين وجود فعلي على الطاولة لئلا يتعقد الحل.

يستحيل استعادة سورية إلا إذا كان للسوريين الدور الأكبر في تقرير مصير بلدهم، وان تكون لهم الكلمة الأولى والأخيرة في رسم مستقبله. ولا يمكن تمرير هذا الحل إلا برفع أيدي الدول الأجنبية عن سورية، وألا يكون لهذا النظام مكان سوى قاعات المحاكم الدولية الجنائية.  

أما الادعاء بأن السوريين عاجزون عن تولي أمورهم، فعجزهم ليس إلا منعهم عن ممارسة حقوقهم السياسية منذ ما يقارب خمسة عقود.   

-II-

إذا كان هناك حل، فلا شك أن يعي السوريون الدروس المؤلمة للسنوات الست الأخيرة، إضافة إلى ما قبلها؛ السنوات الأربعين من حكم الأسد الأب والأبن. فالبقاء الذي سعى إليه كلاهما أظهر انه استمر بجيش عقائدي من دون أية عقيدة سوى الدفاع عن الأسرة الحاكمة ضد الشعب، والأجهزة الأمنية التي كانت أدوات للقمع والابتزاز والقتل، والاستعانة بشبيحة النهب.

رأيي أن الحل ليس غائباً عن أذهان السوريين، ثمة شبه إجماع على مجتمع مدني ودولة القانون، تقوم على أسس من العدالة والمساواة، تحفظ لهم حياتهم وممتلكاتهم وأديانهم من التعدي عليها.

-III-

إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، وهو المتوقع، فلا استقرار، والانفجار أو الانفجارات قادمة لا محالة. الجرائم القديمة أضيفت إليها جرائم جديدة، تعتبر الأسوأ في تاريخ العالم: نحو مليون شهيد (دونما تمييز بين ضحايا المعارضة والموالاة، كلهم سوريون)، وما يزيد عن ستة ملايين نازح ومشرد ولاجئ، وخراب شامل (حتى لو استثنينا شوارع وأحياء بعض المدن مع باراتها ومطاعمها ودور اللهو العامرة، والمعارض المفبركةالخ).

إنها جرائم يجب المحاسبة عليها، لا أن تبقى معلقة، أو يجري تزويرها. مأساة حماه انتظرت ثلاثين عاما حتى تفجرت. أما المأساة السورية الحالية، فلن تنتظر طويلاً الحل العادل الذي لن يأتي تلقائياً. لذلك المستقبل مفتوح على حرب عصابات، والصوملة، أوأفغانستانسورية.  حرب ستدوم عشرات السنين ما دام وقودها متوافراً؛ المظالم والسلاح.

إن فرض حل قسري تغيب عنه العدالة، لن يمر إلا بإغفال المسبب الأكبر لهذه المآسي التي طالت شعبا بأسره. ما جرى لا يمكن لفلفته بأوامر، ولو كانت دولية.

-IV-

لم تقدم الأغلبية من المثقفين شيئا جيداً للربيع الذي صنعه الناس وحدهم، سوى هذا اللغو المتواصل منذ بداياته حتى انقلابه إلى جحيم.  كانوا مشتتين ومشرذمين ينشدون الأمان، فقادهم إلى تأييد النظام. كان الصمت أجدى.

ما يجب قوله هو، قبل أن يسهم المثقف بتحرير شعبه، عليه التحرر من التبعية، تبعية الدول والأحزاب والشعاراتولذلك لم يكن دفاعه عن مواقفه المخاتلة، إلا بالتذرع بعلمانية مطاطة، والإسلام السياسي، واليسار المريض، والقوميات المتشنجة، والإيديولوجيات المغلقة، ودعاوى مكافحة الإرهاب باستراتيجيات تفوقه إرهاباً يدفع أثمانها المدنيون.

السؤال: هل نريد سورية موحدة، سورية من دون دكتاتور؟ عدا هذا تعتيم على قضية الوطن. الإجابة عنه تكون بالتفكير جذرياً بعدم إيجاد المبررات لنظام قام على الانقلاب، أوصلنا الى الدكتاتورية ومسلسل التوريث وعبادة الرئيس، وإرهاب الدولة، وحرب أهلية وطائفية، كانت حرب إبادة، استعين بها بالميليشيات الدينية والمذهبية بإطلاق، دونما استثناء.

لا يمكن لمثقف ان يقدم لسورية شيئاً إن لم يقلع عن التبرير، والتذرع بالحياد، وادعاء التأمل والتنظير، والاختباء وراء الإنسانية بينما البشر يذبحون أمام عينيه. لا بد من اتخاذ موقف واضح، إن التحرر من ارتباطاته المنفعية ومخاوفه، ليست بتسويغ التعذيب والقتل بدعوي الأمن والأمان، ولا الحذاقة في كونه معارضاً وموالياً في آن واحد، كل هذا في النهاية ليس إلا خيانة للثقافة والبشر.

المثقف اليوم  أحوج ما يكون إلى الضمير.  

-V-

إذا اردنا معرفة منشأ التشنج الطائفي، فلنذهب إلى التاريخ، فهو حافل بمظلوميات السنة والشيعة والعلويين والإسماعيليين، والمسيحيينمظالم أصبحت في عهدة التاريخ، وحده يفصل فيها، ولن يكون بعثها على الأرض إلا لاستغلالها، بعدما أصبحت ملكاً لتاريخ لا يمكن التنصل منه، مهما يكن فهو تاريخنا، لسنا مسؤولين عنه جزائياً، ولا التطوع لحمل أعبائه الثقيلة المتوهمة. بالتالي لماذا يكون حاضرنا، أو يرسم مستقبلنا؟

المشكلة الطائفية موجودة هنا في داخلنا، وهناك من يستثمرها. يستفيد منها النظام بالتخويف من الأكثرية السنيةبتعاضد تحالف الأقليات، والميليشيات المذهبية لإشعال الفتنة. يتعيش كلاهما على مظلوميات تاريخية بابتداع مظلوميات جديدة، هي وصفة مضمونة لحرب أهلية تقوم على الذبح والتهجير.

على هذا الأساس، لا يمكن استبعاد أي فئة من السوريين من مستقبل سورية، بدعوي أنها أقلية، أو أكثرية يستحسن تهجيرها لتتساوي مع غيرها. إن وجود أي دين أو مذهب، ليس مرتبطاً بطائفيته ولا بتعداده، بقدر ما هو جزء لا يتجزأ من البلد.

سورية موحدة لن تكون بلا طوائف ولا بإلغائها أو التعتيم عليها، أو طمسها، وإنما بالخروج من عقدة الأكثرية والأقليات، والتذرع بالمظالم لارتكاب أبشع الجرائم. إن النظر إلى المختلف طائفيا على أنه الآخر، يوقعنا في أسر طائفية تحجب ما يجمعنا معاً وهو أننا بشر، لدينا انتماءات مفروضة علينا، أحدها الطائفة، لكنها لا تحدد أصدقاءنا ولا أعداءنا، ولا تؤثر في خياراتنا.

-VI-

المشكلة الكبرى أن انتزاع سورية من السوريين يلغي آفاق الحل، ولا يضع تصوراً قابل للحياة. وحتى إذا تجاوزنا الواقع السياسي المهلهل، والاحتلالات الناشئة عنه، واردنا اجتراح تصور ما، فنحن مضطرون الى تأمل الحاضر. المحبط، انه لا يبشر بتسوية تسمح لنا بالانتقال الى مستقبل لا يعيد الماضي، فالأوضاع الحالية تكرس تكراره. هذه الوصفة المريرة، يستحيل التكيف معها إلا باستبعادها كلية.

التفكير بسورية أخرى، هي سورية التي أردناها دائماً، قد تبدو اليوم أشبه بحلم، دولة ديمقراطية علمانية، يسود فيها القانون، لكن يجب ان نجعلها أمراً واقعاً، نعمل له ونسعى اليه. لذلك لا بديل عن متابعة الثورة السلمية، الحل الوحيد لسورية المستقبل.

المثقفون انحازوا لهذه الطائفة أو تلك

المثقفون انحازوا لهذه الطائفة أو تلك

-I-

كلما نظرتُ إلى ما يجري في سورية الآن يُخيل لي أنني أشاهد كابوساً فظيعاً، فيلم رعب وأكشن طويلاً.. مع هذا أعتقد أننا قد تخطينا ما هو الأسوأ في هذه الحرب نحو السيء وهذا ضمن الظروف الحالية أمر جيد نوعاً ما.

أعتقد أن الاستعمار مطلع القرن الماضي اشتغل بذكاء على إرباك هذه المنطقة لزمن طويل منذ تقسيمها بشكل غير منطقي، والتلاعب بحدودها، دول تم ابتكارها من خلال شخوطة أقلام على أوراق الخرائط مراعاة لمصالح دولية ذات أبعاد اقتصادية بالدرجة الأولى، وخلق كيان سرطاني (اسرائيل) مع ظهور النفط ونهاية الحرب العالمية الثانية، ووضع مجموعة ألغام تنفجر تواً في هذه الدول (ألغام دينية وقومية وجغرافية، ويمكن مائية أيضاً)، ثم وأد الديمقراطيات الأولى في هذه الدول، وتمكين العسكر عليها، والأحزاب الشمولية ذات العقلية الإلغائيةالخ مما أدى بنا لنصل إلى دول دونما ديمقراطية ومواطنة ومجتمعات متقدمة.. مهددة بأي لحظة تاريخية بالانهيار (كدول وكمجتمعات).

– II-

حالياً وبالدرجة الأولى على المدى القصير: يجب العمل على إيقاف إطلاق النار بشكلٍ نهائي وذلك من خلال قيام الجهات الخارجية المعنية بالحرب بالضغط على النظام والفصائل المسلحة، وثم مساعدة كل الأماكن المنكوبة وإعمارها وعودة أهلها لها.

على المدى البعيد، إخراج كل الأجانب من سوريا، ثم مرحلة انتقالية يتم خلالها انتقال السلطة وتداولها عبر انتخابات ديمقراطية، تقوم على أسس المواطنة وعلمانية الدولة وفصل الدين عن الدولة ضمن دستور جديد حديث يحترم كل أطياف المجتمع.

-III-

لا أعتقد أنه سوف يحدث أسوء مما حدث، أظن أن المرحلة الأسوأ قد مرتْ، من الوارد أن تظل الأوضاع سيئة لكن الأسوأ قد مضى.

-IV-

أعتقد أنه في الحروب لا يمكن للمثقف أوللثقافة عموماً لعب دور مهم، الأدوار الأهم هنا تكون للأسلحة والمسلحين من كافة الأطرافالخ.

وأظن أن عدم وجود دور فعال إيجابي للمثقف وللثقافة في وجه الحرب، يظل أفضل من الدور السلبي الذي برز مع بداية الحرب وخلالها كان يعلو ويعلو، دور سلبي لمثقفين كثر، عجزوا لأسباب عدة من الانحياز لبرنامج وطني ديمقراطي ينقذ البلد، قولاً وسلوكاً وتفكيراً، وإنما ــ بدور سلبي غريب ــ انحازوا لهذه الطائفة أو تلك.

عموماً، الثقافة تلعب دوراً مهماً في المجتمعات المستقرة، أعتقد حالياً أننا نحتاج لمؤتمر واسع للمثقفين السوريين من كل البلاد، من أولئك الذين لم ينحازوا للديكتاتورية، وأولئك الذين لم يشاهدوا في الفصائل المتطرفة حركات تحرر أو خلاص أو حرية.

-V-

هذا الأمر لا يمكن أن يتم دون إيقاف الحرب، ودون انتقال تدريجي للسلطة، ودون لجم كل الفصائل المتطرفة.. إن عبرنا كل هذه المعوقات يمكن العمل على بناء مجتمع جديد تسوده ثقافة التسامح من كل الأطراف التي تأذت من الحرب من هذه الطائفة أو تلك، من هذه القومية أو تلك، تماماً كتجربة جنوب أفريقيا، التي أوصلتها ثقافة التسامح لأن تصبح في مدة زمنية متواضعة لأن تكون أحد أكثر دول العالم تقدماً، بعد حرب وديكتاتورية عانتْ منها طويلاً.

-VI-

لا أستطيع أن أجزم بشكل نهائي كيف سوف يكون مستقبل سوريا، لا يقين لدى أحد في هذا الأمر، يمكن التقسيم، من الوارد كونفدراليةالخ.

يمكن للواحد هنا أن يتمنى فقط..

أنا أتمنى بعد كل هذا النزيف والخراب والدمار والتشرد والآلام والعذابات، أن نصل إلى دولة سورية تعوض إنسانها و مجتمعها عن كل ما مر به من كوارث في هذه السنوات السوداء القليلة.. تعويض بأن تنهض به وترتقي فيه بكل المجالات، دولة سيدة نفسها، ومجتمع سيد نفسه، وإنسان سيد نفسه.