الجيل الناقم الذي أنتجته الحرب

الجيل الناقم الذي أنتجته الحرب

الجيل الناقم الذي أنتجته الحرب

“لا يمكن حصر العقد والأمراض النفسية والاجتماعية والتشوهات السلوكية التي يعاني منها الأطفال السوريون منذ عدّة سنوات، من الاكتئاب وعدم القدرة على الفرح، والخوف من الآخرين ومؤاثرة العزلة وصعوبات التواصل، الكوابيس اليوميةٌ والهلع والرهاب والسلس البولي، إلى اضطراب الهوية والميل إلى إيذاء النفس”، تقول سعاد العاملة بمجال الدعم النفسي في دمشق و التي فضلت عدم ذكر اسمها.

تضيف سعاد “بعض الأطفالٌ يخافون من رؤية اللون الأحمر لأنه يذكرهم بالدماء التي رأوها، آخرون يعانون خوفاً دائماً من الموت، فأغلب من أعمل معهم جاؤوا من مناطق كانت مسرحاً للمعارك ونسيت شكل الحياة.”

لا يختلف حال الأطفال الذين قابلتهم سعاد عن عموم سوريا والتي صُنِفت خلال السنوات الماضية كإحدى أكثر مناطق العالم خطراً على الاطفال. تقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” إن نحو  ٢.٩ مليون طفل تحت سن الخامسة بدؤوا حياتهم في ظل الحرب وتشكل وعيهم في ظروف القتل والدمار، فيما نزح ولجأ أكثر من نصف العدد الإجمالي الذي يقدر بثمانية ملايين ونصف، وهو عدد أطفال سورية عام ٢٠١١.

ويشير التقرير، الذي صدر في آذار/مارس عام ٢٠١٨، إلى أن ستة ملايين سوري، بينهم ٢.٨ مليون طفل، تعرضوا للتهجير أكثر من مرة متنقلين بين عدة أماكن، و خمسة ملايين آخرين لجؤوا إلى دول الجوار وبلدان أخرى، نصفهم من الأطفال، منهم عشرة آلاف طفل غادروا سوريا دون عائلاتهم.

إضافة للنزوح والتهجير والهجرة، تقدر “اليونيسيف” أن ٣.٣ مليون طفل في سوريا اليوم باتوا عرضة لخطر مخلفات الحرب من الذخائر والألغام غير المنفجرة، بالإضافة لإصابة آلاف الأطفال بإعاقاتٍ جسديةٍ دائمة.

وفيما يخص الواقع التعليمي، حُرم أكثر من ثلاثة ملايين طفل من التعليم أو تسربوا من المدارس التي لم تتضرر من الحرب، فقد دمرت حوالي ٧٤٠٠ مدرسة أو خرجت عن الخدمة خلال سنوات الحرب، أي ثلث عدد مدارس سورية، وبهذا أصبح واحد من كل ثلاثة أطفال مهددين بالجهل والأمية.

اليتم والفقدان أيضاً طال نسبة كبيرة من الأطفال السوريين، حيث تشير التقديرات إلى أن قرابة مليون طفل فقدوا أحد والديهم أو كليهما، بالإضافة لفقدانهم لأشقائهم وأصدقائهم وأقربائهم، ما يعني أن ١٠٪ من أطفال سورية باتوا أيتاماً.

إضافة لما سبق، ولد جيل من الأطفال مجهولي النسب، مهددين بفقدان حقوقهم في المواطنة والتعليم والهوية. هم أطفال فقدوا آباءهم قبل أن يتعرفوا إليهم ثم تاهوا في زحمة الحرب والشتات، آخرون وجِدوا في الشوارع وكأنهم خلقوا من العدم دون أي أوراق تثبت هويتهم أو المكان الذي قدموا منه، أما الأكثر تصدراً للمشهد فهم من ولدوا نتيجة حالات الزواج العرفي وزواج المتعة غير المسجل بالمحاكم بالسورية، وخاصة في المناطق التي سيطرت عليها المعارضة وتنظيم داعش.

أمراض أفرزتها الحرب

أفرزت هذه الأهوال التي عاشها لأطفال السوريون أمراضاً نفسية وجسدية عديدة. تقول سعاد، “ما تعرض له بعض الأطفال من صدماتٍ ونكساتٍ أثَّر على نمو الدماغ ونشاطه، فباتوا يعانون من صعوبات التعلم والفقر العقلي، الكسل الذهني واضطرابات النطق. كما أثَّر الهلع والخوف المعششان في قلوبهم على تركيزهم وانتباههم، فهم يشعرون دائماً بأن خطراً ما يتربص بهم…” مضيفة  أن “هناك العديد من الأطفال ممن تعرضوا للعنف وتربوا على ثقافته فبات سلوكهم عدوانياً، يفرغون العنف الذي بداخلهم على زملائهم ويلحقون الأذى بهم.”

ويعاني آخرون من نوبات غضبٍ وتوتر ناتجة عن إبعادهم عن عاداتٍ أدمنوا عليها لفتراتٍ طويلةٍ كالتدخين وشم التنر والبنزين و(الشُعلة)، وهي عادات مدمرة للصحة والأعصاب تنتشر بين أطفال الشوارع والمشردين و تُشعرهم بشيءٍ من النشوة والاغتراب عن الواقع كي ينسوا قهرهم وآلامهم.

ومن التشوهات النفسية التي يعاني منها الأطفال أيضاً ما هو ناجم عن التعرض لحالات التحرش الجنسي في مراكز الإيواءٍ المؤقتة أو التجمعات السكنية المكتظة بالنازحين حيث تنام مجموعات كبيرة في غرف صغيرة.

من الأطفال أيضاً من تعرض للتحرش أو تم استغلالهم جنسياً مقابل المال خلال تسولهم في الشوارع ونومهم في الحدائق. تقول سعاد إن “أخطر مافي الأمر  أن بعض الضحايا باتوا يتحرشون بأقرانهم من كلا الجنسين، محاولين ممارسة ما تعرضوا له مع الآخرين، كما رصدنا حالات تحرش بين الأشقاء أنفسهم، من بينها مراهق حاول اغتصاب أخته كونه رآها تتعرض لذات الفعل خلال نومهما في الحديقة، كما أن  بعض الفتيات اللواتي تعرضن للاغتصاب بتن يخفن من رؤية الرجال ويصبن بحالات ذعرٍ مفاجئة حين يتذكرن ما حل بهن.”

أما عن الأمراض الجسدية المنشرة فهي الأمراض الجلدية، و سوء التغذية وفقر الدم وضعف النمو، فايروس التهاب الكبد الوبائي وضعف المناعة وغيرها، فكثيرٌ من الأطفال لم يحظوا بالرعاية الصحية المناسبة ولم يتلقوا لقاحاتهم خلال تواجدهم في المناطق الساخنة ودروب التشرد.

حاضرٌ ينذر بمستقبل قاتم  

في أحد مراكز دمشق المجتمعية الذي يستقطب أطفالاً نزحوا من مناطق الحرب والصراعات، أطفالٌ تجاوزا الثانية عشرة ولم يتعلموا القراءة والكتابة، بعضهم لا يعرف شيئاً عن الألعاب وقصص الأطفال، آخرون تعرفوا إلى الكرة وأقلام التلوين لأول مرة، لم يشاهدوا أي فيلمٍ من قبل، وبالكاد يعرفون التلفاز.

في دروس الرسم، حفلت أغلب رسوماتهم بصور الحرب ومشاهدها، يرسمون أسلحةً ودبابات وطائرات، بيوتاً مدمرة وعيوناً باكية وأطفالاً مشردين. أما في دروس الموسيقى فينعدم التفاعل والتناغم ويظهر فقر البديهة والموهبة. معظهم لا يحفظون سوى بضعة مقاطع من أغانٍ تحمل بمعظمها طابعاً دينياً. لم يشاهدوا آلةً موسيقية في حياتهم، ولم يستمعوا من قبل الى موسيقى وأغاني الأطفال.

في هذا السياق تتحدث ميساء المرشدة النفسية الاجتماعية: “تغلغلت الحرب في عالم الأطفال وألعابهم، فأصبحنا نجد أطفالاً في الشوارع والحدائق يحملون أسلحةً خشبيةً أو بلاستيكة ليخوضوا معارك قتالية مفترضة ضد الأعداء، يقتحمون أماكن وهمية باستخدام قاذفاتٍ ورشاشاتٍ صنعت من أنابيب بلاستيكية ومواسير مياه، ترمي حصىً وخرزاً بدل الطلقات، وينصبون حواجز افتراضية ليوقفوا أشخاصاً وهميين.”

كما تحول بعض الأطفال في مناطق الصراعات إلى أدواتٍ للقتل بعد غسل أدمغتهم وشحنها بالإيديولوجيات السياسية والدينية في ظل واقع تحكمه قوانين الحرب، منهم من عايش مظاهر القتل والإجرام حتى بات يراها شكلاً طبيعياً للحياة وممارسة عادية ومألوفة في المجتمع. “ترك هذا آثاره العميقة في سلوكياتهم وأنماط تفكيرهم، فمن رأى عائلته تقتل أمامه ومنزله يدمر فوق رأسه حمل في قلبه حقداً لا يزول ليتربى على ثقافة الثأر والإنتقام والتطرف. هناك أطفال تقمصوا شخصيات الجلادين والمسلحين والقتلة، اتبعوا فكر الجهاديين وعقائدهم الدموية التكفيرية، فحملوا السلاح قبل أن يحملوا كتاب المدرسة” تضيف ميساء.

وتتساءل “كيف يمكن للأطفال وهم أولاد مجتمعهم، والذي نشؤوا في حياة النزوح والفقر والتشرد، أو الذين تربوا على التسول في الشوارع حيث قانون الغاب، كيف سينسون ما حل بهم وإن أصبحوا كهولا؟” وتجيب ميساء بنفسها بأنهم سيكملون  بقية حياتهم “كشخصياتٍ مضطربة ومدمَّرة، محملة بالجراح وعقد النقص.”

دور النشر في سوريا ومحاولات النجاة

دور النشر في سوريا ومحاولات النجاة

لا تستطيع وأنت في الحلبوني الواقعة في قلب العاصمة دمشق إلا أن تتعثر بأحد الكتب المفروشة على الأرصفة،  لتبدأ عيناك برحلة البحث وسط المعروضات عن كتاب محدد فيخطف نظرك عنوان ثان أو تزكية لعنوان ثالث من لسان الباعة، وإطراء لرابع ينصح بقراءته لضرورات إجماع الذوق العام.

في الحلبوني التي ذاع صيتها لإحتضانها العديد من دور النشر والطباعة إضافة للمكتبات التي تتكئ على رفوفها نفائس الكتب والمراجع من مختلف الاختصاصات والعناوين النادرة، يشتكي صاحب إحدى بسطات الكتب المفروشة بعفوية على الأرض فيها، من ركود في حركة شراء الكتاب الورقي بعد أن أطاح به  الإلكتروني (pdf) الذي يتم توفيره للقارئ مجاناً.

يقول البائع متذمراً “أحيانا نبيع كتابين أو ثلاثة في اليوم الواحد وقد نبيع عشرة كتب بعد ساعات عمل طويلة، والسبب هو سهولة ومجانية تحميل أي كتاب صدر حديثا على الإنترنت بصيغة (pdf) مما تسبب بتراجع شراء الكتاب الورقي.”

يشير البائع إلى مساهمة ارتفاع أسعار الكتب المطبوعة في هذه الأزمة فقد يصل سعر الكتاب الذي لا يتجاوز ٣٠٠ صفحة إلى ٢٠٠٠ ليرة سورية “مما يجعل القارئ يحجم عن شرائه ليحصل على نسخته الإلكترونية مجانا.” ويروي البائع بأن إحدى القارئات أوصته على مجلدين للكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي غير أنها عدلت عن قرار الشراء بعد أن صدمت بالسعر العالي لهما و الذي وصل إلى ٣٠ ألف ليرة سورية.

تخضع أسعار الكتب بشكل عام لمزاج البائع فترتفع حوالي ٢٠٠ ليرة على بسطات الكتب تحت منطقة جسر فيكتوريا مقارنة بمثيلاتها في الحلبوني.

وقد ساهم غلاء المواد الأساسية للورق والحبر وارتفاع أجور المترجمين في ارتفاع سعر الكتاب، فعلى سبيل المثال وصل سعر طن الورق إلى ٣٥٠ ألف ليرة سورية فيما كان ٥٠ ألف ليرة قبل الحرب، أما أجرة المترجم حاليا فقد بلغت ٢٥٠٠  ليرة للصفحة الواحدة بعد أن كانت ٢٠٠ ليرة سابقاً.

إذا كان هذا حال الكتب، فما الذي حدث لدور النشر؟

تسببت الحرب السورية بهجرة العديد من دور النشر إلى ملاذ آمن يحمي كتبها من الموت، بينما صمد البعض القليل منها مجازفاً بالبقاء و نشر عناوين تقلصت للنصف قياساَ بماكانت تنشره قبل الحرب.   

النشر في الحرب

كرّست الحرب أزمة انكفاء النشر وانخفاض عدد الكتب المترجمة والمؤلفة، يقول صاحب دار كنعان للدراسات والنشر سعيد البرغوثي “أثرت الحرب على جميع مناحي الحياة ومنها الكتاب، كنا نصدر حوالي ٤٠ عنوان سنوياً بين المترجم والمؤلف، ليصبح الرقم أقل من ٢٠ سنوياً خلال السنوات الثماني الأخيرة”، واصفاَ الوضع بـ “الكارثي”.

وتحاول دار كنعان ذات الهوية السورية الفلسطينية التي أسست عام ١٩٨٩ في دمشق لاستدراك الخسائر الثقافية وترميم ما أنهكته الحرب، يقول البرغوثي “نحاول استدراك ما فاتنا من عناوين أثناء سنوات الحرب واللحاق بإيقاعنا السابق مع الحفاظ على طبيعة عملنا الجاد المتمثل بالكتب التنويرية الوجودية.”

وأصدرت دار كنعان في العام الحالي عدة كتب مترجمة عن اللغة الألمانية مثل “الطريق إلى شابلن” و”الاستيلاء على الأرض” و”المسخ والغائب”، كما أعادت طبع عناوين نفذت منها للكاتب طه حسين والناقد الروائي فيصل الدراج.

العناوين الرائجة فقط

يشير البرغوثي إلى أن أغلب المكتبات خلال سنوات الحرب لم تعد ترحب بجميع العناوين خوفا من كسادها وتكتفي باختيار عناوين محددة غالباً ماتتوافق مع طلبات الزبائن. تغيب أيضاً الكتب المنشورة عن الحرب السورية عن إصدارات دار كنعان فبحسب صاحب الدار “لا حصة للكتب التي تتناول الحرب السورية في كونها لم تنتهي بعد، وبطبيعة الحال هذه المهمة تقع على عاتق المؤرخين.”

يتفق بائعو الكتب على البسطات في الحلبوني مع صاحب دار كنعان في ترجيح اختيارات القراء، فالعديد منهم يكتفي بشراء وعرض الروايات الرائجة كروايات أليف شافاق وخالد حسيني وأدهم شرقاوي وروايات عبير وأحلام مستغانمي وغيوم ميسو وسواها، “لأن شراء روايات الكتاب غير المعروفين  يعد مغامرة قد تعرضهم للخسارة” بحسب أحد الباعة.

نضال البقاء

يقول سامي أحمد صاحب دار التكوين: “نشرنا عام ٢٠١١، ٤٠ عنواناً وواظبنا بصعوبة على هذا الرقم سنوياً باستثناء عام ٢٠١٢ الذي شهد ركوداً كبيراً بسبب هجرة العديد من المطابع خارج البلاد وبالتالي عزوف تجار الورق عن البيع، تسبب هذا بأزمة ورق، وعلى إثرها فكرت بالهجرة خارج سورية أيضاً، لكن الدار استأنفت نشاطها في الأعوام التالية لكننا مازلنا متأخرين عن أرقامنا السابقة، فالآن ننشر ٢٥٠ نسخة لكل عنوان بينما كنا ننشر ١٠٠٠ قبل الحرب.”

مكتبة النوري التي أسست عام ١٩٤٧ أيضاً مازالت تناضل للبقاء، ويرى صاحبها محمد  النوري أن الكتاب الورقي يحاول جاهدا الاحتفاظ بماء الوجه في ظل ظهور منافس شرس  له (الكتاب الإلكتروني)، كما طفت الكتب السياسية التي تدور في فلك الحرب السورية على سطح القراءة السورية.

يقول النوري “الكتب المتصلة بالحرب السورية فرضت نفسها على  واقع القراءة وهذا لا يمكن تجاهله.”

ويضيف “غالبا ما يجد الزبون الكتاب غاليا ويعدل عن شرائه بعد أن يحسب تكلفته مقارنة مع الراتب الذي يجنيه والذي غالبا ما يكون من أصحاب الدخل المحدود.”

لعنة الدولار أصابت أسعار الكتب

تضاعفت أسعار الكتب عشرات المرات بسبب انخفاض قيمة الليرة السورية، فالكتاب الذي كان يكلف ٢٠٠ ليرة سورية قبل الحرب  وصل سعره الآن إلى ٢٠٠٠ ليرة، أما أسعار المجلدات فجنحت نحو الأقصى لتعزز شعور المواطن السوري بالإفلاس، إذ بلغ ثمن مجلدات ميخائيل نعيمة ٧٠ ألف ليرة سورية، وحوالي ٢٥٠ ألف لجميع مجلدات الكاتب الروسي ليو تولستوي، في حين وصل سعر مجلدات فيودور دوستويفسكي إلى ٧٠ ألف.

ولهذا لا يجازف صاحب المكتبة بشراء أكثر من ٥ نسخة لكل عنوان  وينتظر بيعها ليشتري أخرى. هذا و توقفت العديد من الدور عن طباعة كتب تاريخية ودينية والروايات القصيرة بسبب ارتفاع سعر الورق  والحبر وتكاليف الشحن، فتكلفة الكتاب ارتفعت عشرة أضعاف في السنوات الثماني الماضية.

مطابع ودور نشر لفظت أنفاسها الأخيرة

العديد من مطابع الريف الدمشقي جف حبرها بسبب وقوعها على خط الجبهات وتعرضت للتدمير الكامل، المصير ذاته لاقته دور النشر، إذ تعرضت للحرق  وتحولت مستودعاتها لمخازن ذخيرة وأسلحة ومنصات لتراشق النيران والاحتماء منها، وعن ذلك يقول صاحب دار التكوين “كنا نتعامل مع مطبعة في منطقة القدم بريف دمشق لكنها دمرت بالكامل ما سبب لنا خسائر مادية كبيرة، عدا عن عملية البحث عن مطبعة ماتزال في الخدمة في ظل أزمة الورق.”

معارض الكتب، قوارب النجاة

المشاركة في معارض الكتب العربية أصبحت بمثابة القشة التي تنقذ دور النشر من الغرق وتساعدها للتعويض عن الخسارة المالية التي لحقت بهم بحسب صاحب دار التكوين.

وصل رصيد مشاركة  دار التكوين في معرض الكتاب الدولي في دمشق لقرابة ٤٠٠ عنوان  منها لأدونيس وفراس السواح و ديوان شعر لعصام التكروري وغيرهم، فيما طغت الكتب المترجمة مابين رواية وكتب فكرية بنسبة ٧٠٪ وسط مناخ تشوبه رقابة متشددة على مضامين الكتب وتعدد جهات المنع.

يقول أحمد “كنت على وشك الإنسحاب من المشاركة في المعرض بسبب تدخل وزارة الأوقاف والرقابة المتشددة، كما منعت وزارة الأوقاف بعض الكتب من المشاركة علماً أنها حصلت على موافقة طباعة من وزارة الإعلام  قبلاً، كما صدر قرار من وزارة الثقافة يقضي بمنع مشاركة الكتب الصادرة قبل عام ٢٠٠٨.”

الكتاب رفاهية ثانوية

يقول البرغوثي “إن الكتاب من آخر اهتمامات المواطن السوري نظرا لوجود أولويات أخرى عليه تأمينها، بالإضافة إلى دور التربية والتنشئة المنزلية وعدم تخصيص وقت محدد يوميا للطفل ليقرأ، لذلك نحن نعاني أزمة قراءة ومقولة أننا أمة لا تقرأ هي مقولة تنطبق علينا.”

ويلفت البرغوثي إلى أن دار كنعان كانت تصدر منذ نشأتها حوالي ٢٥٠٠ نسخة من كل عنوان ليتقلص هذا العدد إلى ٢٠٠ نسخة فقط في سنوات الحرب.

بدوره يؤيد سامي أحمد صاحب دار التكوين للنشر هذا مضيفا “اكتشفت من خلال خبرتي في مجال النشر عزوف المواطن السوري عن القراءة، لا بسبب الوضع الاقتصادي والقدرة الشرائية، بل لغياب السياسات الثقافية و ترهل النشاط الثقافي والترويج لثقافة الاستهلاك وتوجهه إلى القراءة الأفقية لا العمودية التي تستهدف العمق والمعرفة، مما خلق أزمة حقيقية في القراءة.”  

تسعيرة «التموين» الرسمية تبشر بانخفاضات مرتقبة لا تقتصر على السكر والزيت والمتة

تسعيرة «التموين» الرسمية تبشر بانخفاضات مرتقبة لا تقتصر على السكر والزيت والمتة

على خلاف المتوقع، لم يلق تخفيض أسعار السكر والزيت رضا أغلبية السوريين، الذين وصفوه بأنه «جبل تمخض عنه فأراً»، على اعتبار أن هاتين المادتين كانتا تباعان بسعر أقل، بينما هلل «شاربو المتة» لانخفاض أسعار مشروبهم المفضل إلى النصف تقريباً، لكن انتقادات المواطنين النابعة من «قلب محروق وجيب منتوف» لا تلغي أهمية قرار التخفيض الذي يعد خطوة إضافية صحيحة نحو هبوط تدريجي في سلم غلاء هذه السلع الأساسية وغيرها، ما يتطلب مواكبة للسوق وترك كلمة الفصل للمنافسة بغية حصول المستهلك على تخفيضات لاحقة، وهذه نقطة إيجابية ثانية تحسب لوزارة التجارة الداخلية خلال فترة قصيرة على أن تتبعها رقابة مشددة تضمن إلزام التجار بالتسعيرة الجديدة في ظل مسارعتهم إلى ابتكار حجج للتهرب من التقيد بتسعيرة الزيت والمتة تحديداً.

تخفيض بالقطارة
بين مهلل ومستنكر استقبل السوريون قرار تخفيض أسعار السكر والزيت والمتة، حيث أكدت حنان فتوح (موظفة) أن أسعار الزيت والسكر بموجب هذا القرار ارتفع سعرها ولم ينخفض، فقد اشترت ليتر الزيت بـ600 ليرة بانخفاض 50 ليرة عن تسعيرة التموين والسكر بـ280 ليرة بينما سعره حسب القرار 290 ليرة، وهنا تدخل سيدة أربعينية على الخط عند تسوقها في باب سريجة، أثناء رصدنا الأسعار من الباعة، لتؤكد شراءها كيلو السكر بمنطقة جرمانا التي تعد أسعارها «هاي» وفق قولها بـ275 ليرة، فعلى من يضحكون بهذه الأسعار التي تحاكي جيوب التجار وليس جيوبنا.
محمد مرعي موظف وأب لطفلين اعتبر تخفيض أسعار السكر والزيت ضحك على اللحى، متسائلاً: هل يعقل بعد انخفاض سعر الدولار واستقرار الأوضاع الأمنية أن يقتصر التخفيض على بعض القروش وبالقطارة، بينما حلّقت أسعارها عالياً عند ارتفاع سعر الدولار، في حين اعتبرت سلوى محسن (ربة منزل) التخفيض جيداً حتى لو كان محدوداً، فالرمد يبقى أفضل من العمى حسب قولها، متمنية أن تواصل الأسعار انخفاضها في القادمات من الأيام وعلى أن تقوم الرقابة التموينية بواجباتها في ضبط السوق ومحاسبة المخالفين.

المتة كلام آخر
حال السكر والزيت لا ينطبق على المتة، التي نال تخفيضها إلى النصف رضا محبيها، فعدّوه مناسباً لجيوبهم مع تمنياتهم بحصول هبوط أكبر في أسعارها مستقبلاً بعد ارتفاعها غير المسبوق، حيث بيّن حسن العلي (موظف) أن تخفيض سعر المتة يهم شريحة كبيرة من السوريين، وكان يفترض اتخاذه منذ فترة في ظل غلائها المبالغ فيه ولاسيما بعد استقرار سعر الصرف، لكن المهم حالياً انخفاض سعرها بشكل يمكننا من شربها دوماً والابتعاد عن الترشيد في شرائها، مشدداً على ضرورة قيام التموين بإلزام الباعة بالسعر الجديد، الذي ضمن لشريبة المتة شراء علبتين بدل واحدة فقط.
توافقه مروة الأحمد معبّرة عن فرحتها بطريقة طريفة بعد تهنئتها شريبة المتة على تخفيض سعرها: لحقوا شرب متة بعد هذا التخفيض، فحينما ارتفع سعرها لم ينقطع شريبتها عن شرائها، فكيف الآن، يجب علينا مكافأة التموين على هذا الإنجاز، الذي نتمنى أن يشمل سلعاً أخرى قريباً باعتبار أن الحبل على الجرار.
لكن انخفاض سعر المتة لم يرق لمستورديها وباعتها بحجة أن التسعيرة الجديدة ستعرّضهم لخسائر كبيرة ولاسيما في ظل وجود كميات كبيرة في المستودعات، معتبرين أن تسعيرة التموين بعيدة عن الواقع كلياً، حيث تم تسعير الطن بـ1000 دولار بينما يتم استيراده من الأرجنتين بـ3000 دولار حسب زعمهم.

الحبل على الجرار
«تشرين» جالت على بعض محال المفرق، وأسواق دمشق الشعبية كسوق باب سريجة، حيث أبدى بعض الباعة عدم معرفتهم بقرارات التموين الجديدة، مطالبين بالاطلاع عليها، وعند ذكر الأسعار الجديدة، بيّن أحد الباعة، الذي فضّل عدم ذكر اسمه حرصاً كي لا «يزعل» أصدقاؤه تجار الجملة ومنتجو المواد، لكنه أكد أن السعر يباع أقل من تسعيرة التموين بسعر 280 ليرة تقريباً، مع العلم أن تسعيرة «الشوال» حالياً بـ13 ألفاً و100 ليرة، ما يعني احتمالية أن يهبط سعره أكثر خلال الأيام القادمة، مشيراً إلى أن التجارة الداخلية وضعت هامش ربح معقول للتجار آخذة في الحسبان بعض التكاليف كأكياس تعبئة التغليف، والأكياس العادية للسكر الفرط، مشيراً إلى أن سعر التموين الجديد للسكر بـ290 ليرة قد يكون القصد منه السكر المغلف، لكون «الفرط» سيكون أرخص حتماً.
وعن أسباب انخفاض سعر السكر رد ذلك إلى وجود عدد أكبر من المستوردين والمنافسة في السوق بين التجار، فأحياناً تكون تسعيرة التموين أغلى من السوق عندما يضطر الباعة إلى تخفيض أسعارهم من أجل المنافسة بين تجار السوق نفسه، إذ لا يمكن التغريد خارج سربهم وإلا سيكون هناك خسارة محتمة.

وزير التجارة الداخلية: لا يفكرنَّ أحد في ليّ ذراع الدولة
بـاعـة الزيت يتهـربون مـن التسـعيرة بحجـة البضاعة القديمة ومستوردو المتة منزعجون
وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عبد الله الغربي في تصريح لـ«تشرين» أكد أن تطبيق قرارات تخفيض أسعار السكر والزيت والمتة سيتم خلال هذا الأسبوع، حيث عممت القرارات أمس من أجل البدء بتطبيقها على أرض الواقع.
وعند سؤاله عن كيفية إلزام التجار بالأسعار الجديدة، ولاسيما أن تجار الزيوت رفضوا تطبيق القرار على زيوت دوار الشمس بحجة أن السعر لا يتناسب مع سعر التكلفة، أكد أن الوزارة لديها البيانات الجمركية كاملة التي تبيّن أسعار التكلفة الحقيقة للزيوت المستوردة، وتالياً سيتم إلزام التجار بالتسعيرة الجديدة على زيت الصويا ودوار الشمس على اختلاف أنواعها.
وعن اعتراض مستوردي المتة وتجارها على سعرها الذي سيتسبب لهم بخسائر كبيرة، ولاسيما أنه بعيد عن الواقع -حسب ادعاءاتهم- رد وزير التجارة الداخلية قائلاً في نبرة لا تخلو من التهديد: نحن سنستورد المتة، حيث أجرينا اجتماعاً مع بعض التجار وقررنا استيراد المتة، التي ستنخفض أسعارها من خلال المنافسة حتماً، مهدداً التجار الذين لن يلتزموا بالتسعيرة الجديدة بقوله: لا أحد يفكر بلي ذراع الدولة، إذ سيتم فرض عقوبات مشددة على كل من لا يلتزم بالتسعيرة تصل إلى إغلاق المحال والمعامل ومصادرتها، فصلاحيات الوزير تتيح له فرض عقوبات معروفة للجميع يمكن اتخاذها لمن يفكر بعدم الالتزام بالأسعار الجديدة، مشيراً إلى أن السجال مع محال الشاورما استمر قرابة أسبوع ثم التزموا بعدها بالتسعيرة المقررة من وزارة التجارة الداخلية.
ولفت الغربي إلى أن الشهرين الفائتين مختلفان كليا ًعن السنوات السبع السابقة، فاليوم حساب التكلفة تغيرت كلياً بعد انخفاض سعر الصرف واستقراره، إضافة إلى أن الكهرباء متوافرة على مدار اليوم مع المازوت والغاز، وهذا انعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي، فلماذا لا يستفيد المواطن من هذا الوضع عبر تخفيض الأسعار، لافتاً إلى أنه خلال الفترة الماضية تمت مراعاة ظروف بعض المستوردين بمن فيهم مستوردو المتة بسبب الظروف الصعبة التي تعرضوا لها لكن اليوم اختلف الوضع كلياً ويجب تسعير معظم السلع وفق التكلفة الجديدة.

سيناريو الزيت
حدد قرار التجارة الداخلية سعر الزيت بـ650 ليرة، من دون التفريق بين زيت صويا ودوار الشمس، الذي يعد بطبيعة الحال أغلى من سابقه، وهو ما عدّه التجار نقطة للتحايل على عدم تخفيض سعر الأخير باعتبار أن مختلف أنواع زيت الصويا أرخص من تسعيرة التموين، وهنا يؤكد البائع نفسه ضرورة التفريق بين الزيت النباتي صويا مثال «سولينا وبروتينا» ودوار الشمس «الريف وفلورينا»، فالأول يباع بـ600 ليرة، بينما يباع النوع الثاني بسعر أغلى بـ700 ليرة أو أكثر، علماً أن مبيع الجملة لكل ليتر زيت يبلغ 665 ليرة بربح قرابة 35 ليرة فقط.
وفعلاً لاحظنا أثناء تجوالنا في سوق باب سريجة أن أغلبية الباعة يعزفون على هذا الوتر بغية التهرب من تخفيض أسعار زيت دوار الشمس، إذ يقول البائع الستيني الذي اكتفى بالتعريف عن نفسه بـ أبو محمد بضحكة: نبيع زيت الصويا أقل بـ50 ليرة وزيت دوار الشمس ـأغلى بـ50 ليرة، وتالياً «طلعنا خالصين وحدة بوحدة، وأكيد رح تسامحنا التموين» مؤكداً أن أسعار الزيت كانت أقل من تسعيرة التموين منذ فترة وليس من الآن.

حجة البضاعة المخزنة
قرار تسعيرة المواد الغذائية الثلاث عدّه باعة المفرق خارج حساباتهم حالياً لحين بيع البضاعة القديمة، علماً أننا وجدنا خلال جولتنا على بعض المحال قيام الباعة، ولاسيما في المناطق البعيدة عن مركز المدينة، ببيع هذه السلع بسعر أغلى بـ35 ليرة، فالسكر المعبأ يباع بـ330 ليرة والزيت بحوالي بـ675 ليرة، بسبب عدم وجود رقابة في هذه المناطق.
نسأل بعض الباعة في منطقة حي الورود- مشروع دمر عن الفترة التي يمكن التقيد بها بالأسعار الجديدة، ليتفق جميعهم على التأكيد أن ذلك يستلزم وقتاً لحين تصريف البضاعة القديمة المشتراة على سعر الصرف السابق، حيث توجد كميات كبيرة في المستودعات يفترض بيعها قبل التقيد بالسعر الجديد، معطين لأنفسهم مهلة أسبوع للتقيد بالأسعار الجديدة بغية بيع السلع الموجودة بمحالهم التي تصرف خلال أيام ثم يعاودون الشراء من باعة الجملة بالسعر الجديد.
الأمر ذاته أشار إليه بعض باعة سوق باب سريجة، الذين أشاروا إلى أن التسعيرة الجديدة لم تعمم عليهم لكن تطبيقها يستلزم وقتاً، وخاصة عند باعة الجملة بعد شرائهم كميات كبيرة من البضاعة لم تصرف، بشكل سيؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بهم حسب ادعاءاتهم، وهذا ينطبق تحديداً على المتة، التي انخفض سعرها إلى النصف تقريباً.

 تم نشر هذا المقال في «تشرين»

الغرب والسوريون: مبيعات الأسلحة الأمريكية والأوروبية للشرق الأوسط 2011- 2014

الغرب والسوريون: مبيعات الأسلحة الأمريكية والأوروبية للشرق الأوسط 2011- 2014

كَثُر الحديث في أوروبا والولايات المتحدة في العامين المنصرمين حول أعباء استضافة اللاجئين السوريين وغير السوريين، بينما غاب ذكر منحى آخر من تورط البلدان الأجنبية في الصراع ألا وهو حجم مبيعاتها للسلاح في الشرق الأوسط. فبين عامي 2011 و2014، وبناءً على تقديرات متحفظة، فقد كسبت أوروبا 21 بليون يورو من صفقات تجارة السلاح إلى الشرق الأوسط بينما اَنفقت 19 بليون على استضافة ما يقارب مليون لاجئ سوري. يجدر هنا السؤال: بالرغم من إدراكهم تبعات تدفق السلاح في إطالة الحرب، هل إختار السياسيون الغربيون المقايضة بين جني الأرباح لصالح صانعي السلاح مقابل تحميل دافعي الضرائب نفقات استضافة اللاجئين؟

على امتداد حقبة الحرب السورية، سهلت الدول الغربية الحصول على السلاح الغربي المنشأ لكافة فصائل المعارضة السورية التي تقاتل النظام السوري من جهة، ومن أجل تصفية الحسابات بين تلك الفصائل من جهة اخرى. على سبيل المثال، ذكرت تقارير صادرة في عام 2012 بأن الجماعات السورية استخدمت أسلحة سويسرية الصنع كانت بالأصل مباعة إلى الإمارات العربية المتحدة. ونتيجة لتلك التقارير خفضت بيرن من تصدير سلاحها إلى الإمارات من 132 مليون يورو عام 2012 إلى 10 ملايين يورو في العام 2013، لكنها عادت فزادت من صادراتها إلى 14 مليون يورو في العام 2014 . كذلك تم نقل أسلحة مصنعة في بلجيكا إلى مختلف الفصائل المتحاربة على الأرض السورية.

سويسرا التي تفخر بكونها رمزا للحِياد، بلغت فيها عائدات السلاح المُصَدر إلى المنطقة ما بين عامي 2011 و 2014 ضعف ونصف الضعف مما أنفقته على إيواء 13,000 لاجئ سوري على أراضيها. الأمر ذاته ينسحب على بلجيكا حيث بلغت مبيعات السلاح فيها إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ما يقارب 1.18 بليون يورو، بينما أنفقت بما قيمته 0.71 بليون يورو فقط على إيواء 16,000 لاجئ سوري على أراضيها. سيُظهر هذا التقرير لاحقا أن هذه النسب كبيرة بشكل مذهل عند باقي الدول المنتجة للسلاح.

تهدف هذه الدراسة الموجزة إلى تقييم مبيعات السلاح الرسمية إلى الشرق الأوسط بين عامي 2011 و2014. ستركز الدراسة على الصفقات المبرمة مع الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والسعودية وتركيا، تلك الدول التي كانت لها علاقات مقربة مع الفصائل السورية المعارضة. سيتم مقارنة عائدات بيع السلاح مع تكلفة إيواء اللاجئين السوريين الذين ينشدون الحماية في تلك الدول التي كانت ومازالت تساهم في تصدير السلاح 1-آخذين بعين الإعتبار أن مقارنة بيع السلاح مع إيواء اللاجئين لا تشرعن أو تخفف من عدم أخلاقية تلك التجارة. سنقوم بجدولة منتجي السلاح والدول المستوردة له تحت شعار “أصدقاء سورية” بالإشارة إلى المجموعة التي تم تشكيلها عام 2012 من قبل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي والتي ضمت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وتركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية ومصر والأردن وندرج باقي الدول المصدرة تحت “أوروبا الشرقية”. لا بد من التنويه هنا أن الدراسة تركز على البلدان الغربية ليس لأنها المسؤولة الوحيدة عن تجارة السلاح، و لكن بسبب صعوبة الحصول على مصادر موثقة عن صادرات السلاح من الصين وروسيا وايران. وسنسعى إلى تزويد بعض التقديرات المعقولة بحسب البيانات المتوفرة. غير أن عدم الأخذ بهذه الأرقام في حساباتنا لن يؤثر على الفكرة الأساسية لهذه الدراسة وهي العلاقة المتوقعة بين تدفق السلاح الغربي إلى منطقة الشرق الأوسط وموجة اللاجئين .

اعتَمدت هذه الدراسة على التقارير الوطنية الرسمية التي تحصي قيمة السلاح المرخص للتصدير وليس السلاح الذي تم بالفعل إنتاجه وشحنه إلى الدول المستوردة. يَكمُن الفرق هنا بأنه قد تتم الموافقة على رخص التصدير في عام محدد بينما قد يتأخر التسليم لعدة أعوام وذلك نتيجة دورة إنتاج السلاح. إضافة إلى ذلك، نشير إلى أن أرقام مبيعات السلاح الرسمية هي تقديرات متحفظة مع العلم أن اثنين بالمائة على الأقل من تجارة السلاح هي غير معلنة وتتم بصفقات من خلف الستار. و كما سنُظهر لاحقا، فإن هناك أدلة قوية تشير إلى أن بعض البلدان تُصَدر السلاح إلى الشرق الأوسط دون أن ينعكس ذلك في سجلاتها الرسمية.

في تقدير تكلفة إيواء اللاجئين اعتبارا من نيسان 2011 (2)، افترضنا أن الحكومات استمرت بدعم اللاجئين بدءا من قبول لجوئهم ولغاية نهاية فترة إعداد هذه الدراسة (تموز 2016) 3. كذلك، بحال عدم توفر البيانات الدقيقة لبعض الدول حول تكلفة استضافة اللاجئين، تبنينا التكلفة الأسبانية لإيواء الفرد علما أن التكاليف المعيشية في جنوب أوروبا تقارب مثيلاتها في أوروبا الشرقية 4. سوف نبني النقاش استنادا
إلى الجداول والرسومات البيانية والملحقات التالية المعدة من قبل المؤلف 5.

الجدول رقم 1 : تصنيف الدول

تصنيف الدول-التي تتعدى صادرات السلاح فيها 100 مليون يورو أو تلك التي يتجاوز طالبو اللجوء فيها 100,000 من حيث نسبة الدخل من تجارة السلاح بالمقارنة مع الإنفاق على اللاجئين في تلك الدول .

[1] بالنظر إلى أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن صربيا قد سجلت رقما كبيرا وصل إلى 300 000 طلب لجوء بين عامي 2011 و 2016. يبدو أن الوضع في بلغراد يمثل حالة خاصة نجمت عن أن دول الجوار مثل هنغاريا وكرواتيا -المتموضعتين على طول الطريق المؤدي إلى أوروبا الغربية قد أغلقوا حدودهم مما لم يترك الخيار لصربيا إلا أن تقبل اللاجئين المتواجدين على أراضيها. بالمقارنة وتبعا لما قاله وزير الداخلية ستيفانوفي، هناك 500 لاجئ فقط طلبوا اللجوء، و250 اختاروا البقاء. بالرغم من ذلك، فإن تقارير منظمة العفو الدولية تشير إلى أن أعداد الأشخاص الذين تم ايقافهم وهم يعبرون الحدود الصربية- الهنغارية قد ارتفع أكثر من 2500% بين 2010 و 2015 ( من 2,370 إلى 60,602 ). نجم ذلك عن قفزة حادة في أعداد طالبي اللجوء في صربيا. لمواجهة هذه الأعداد، أعلن الاتحاد الأوروبي بأنه سيدعم صربيا بأكثر من 3.8 مليون يورو وذلك لتوسعة الملاجئ المؤقتة والأعتناء بالنفايات والصرف الصحي والحاجات الأخرى. مؤخرا صرح الرئيس الصربي توميسلاف نيكولك بأن صربيا تتوقع إيواء بين 5000 و 6000 مهاجر (من مختلف الجنسيات)، مشيرا أنه كما لم يكن الاتحاد الآوروبي غاضبا من هنغاريا على طريقة تعاملها مع المهاجرين،ف لن يكون غاضبا من صربيا أيضا.

[2] تظهر الإحصائيات الرسمية في كندا قيمة المعدات العسكرية المصدرة فعليا وليس رخص التصدير لتلك المعدات كما يتم في باقي الدول تحت الدراسة. يعكس ذلك أرقاما أصغر من باقي البلدان. لقد أضحت كندا في الواقع، ثاني أكبر مصدر إلى الشرق الأوسط في عام 2015 بعد الولايات المتحدة.

تبعا للحسابات التي أجريناها، فقد أنفقت أوروبا والولايات المتحدة وكندا منذ عام 2011 ما قيمته 20.1 بليون يورو لاستضافة مايقارب المليون لاجئ سوري خلال خمس سنوات. في الوقت ذاته، أمعنت مصانع السلاح الغربية بتزويد المعدات العسكرية إلى الشرق الأوسط والتي ذهب جزء كبير منها إلى الحرب السورية. وقد علق مدير المكتب الأوروبي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR على هذه النقطة بنعت صناعة السلاح بانها “ تقتل وتخلق لاجئين“.

“أصدقاء سورية” أو الأنصار التقليديون لصناعة السلاح

المصدر الأول للسلاح في الشرق الأوسط يبقى بلا منازع الولايات المتحدة، و هي ترى نفسها الأقل اهتماما بالكوارث التي تسببها عبر الإقليم. ولأسباب جغرافية على أقل تقدير، فان أمواج اللاجئين الفارين من الصراعات في سوريا و الشرق الأوسط عموما، تبدو أيضا بعيدة عن الشواطئ الأمريكية! تأتي الديمقراطيات الأوروبية الرائدة في الدرجة الثانية بعد الولايات المتحدة في توريد السلاح للمنطقة (لغاية 2014) وهي سريعة في تلبية حاجة مشتري السلاح الكبار في الشرق الأوسط. وفي هذا الشأن، عندما يتعلق الأمر بتجارة السلاح، يبدو أن القانون الدولي والقوانين القومية بالغة المرونة في مصلحة إتمام الصفقات .

مع بداية ما يسمى “الربيع العربي”، أظهرت الحكومات الغربية ابتهاجها لانتشار الديمقراطية في الشرق الأوسط. بالرغم من ذلك، بعد عام واحد من إشراقة “الربيع العربي”، زادت تراخيص بيع السلاح للمنطقة من الإتحاد الأوروبي بنسبة 22% ومن الولايات المتحدة بنسبة 300%. أما الأنظمة الخليجية القلقة من المد الذي اجتاح المنطقة، فقد أطلقت حملة “الثورة المضادة” وانضم الغرب لدعم هذه الحملة وتزويدها بالتجهيزات العسكرية (من ضمن مساعدات أخرى). والحرب في سورية لم تُستثن من ذلك.

لقد تم انتقاد إدارة أوباما من جهات عدة لعدم تدخلها الفعال في سورية، فقد كان التدخل الرسمي المعلن للإدارة يدعي التركيز فقط على توريد السلاح غير القاتل إلى جماعات المعارضة. غير أن واشنطن تقوم بتوريد السلاح القاتل إلى شركائها العرب ، وتوافق في الوقت ذاته على إيصال هذه المعدات لسورية كموقع تسليم نهائي. وبالتالي، فان صواريخ تاو، المصنوعة في أميركا، والتي تم بيعها سابقا إلى السعودية وتركيا غالبا ما كانت تظهر في مقاطع فيديو يَنشرها مسلحون في سوريا .

بالنظر إلى الأرقام، فإن دول “أصدقاء سورية” قد غنمت ما قيمته 31.88 بليون يورو من مبيعات الأسلحة إلى الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت السعودية وتركيا، بينما أنفقت ما قيمته 10.45 بليون يورو على إيواء اللاجئين السوريين. باستثناء الأرقام الألمانية، فإن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا غنمت 27.92 بليون يورو من مبيعات السلاح مقارنة بما قيمته 1.18 بليون يورو اُنفِقَت على اللاجئين، أي أن هذه الدول كسبت 23 ضعفا من مبيعات السلاح.

يطرح المسؤولون في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية أسبابا عدة لتبرير مبيعاتهم للسلاح. بالنسبة للمستشارة الألمانية، سوق السلاح هو شأن استراتيجي: فقد دافعت عقيدة ميركل عن تصدير السلاح بحجة أنه أداة أساسية لحفظ السلام في البلدان التي لا يوجد فيها لألمانيا وجود فعال لكن حيث لها مصالح راسخة. وبناء على ذلك فقد طَلبت المستشارة باستمرار تسليم السلاح حتى يتمكن هؤلاء الحلفاء من إنجاز الأهداف المشتركة. أدى هذا، و في زمن المستشارة ميركل، إلى إتمام صفقة غير مسبوقة مقارنة بالحكوما ت المتعاقبة، وذلك ببيع 270 دبابة حديثة إلى السعودية، مع موافقة ضمنية من إسرائيل. علاوة على ذلك، بينما يدعي مراقبون ألمان أنه بحال امتنعت ألمانيا من توريد السلاح فستحل مكانها دول أخرى، فقد ناقش الصحافي الألماني يورغن غراسلين بأن عكس ذلك هو الصحيح: عندما رفض البرلمان الهولندي تصدير دبابات ليوبارد المستعملة إلى اندونيسيا، سارعت ألمانيا ووافقت على إتمام الصفقة ذاتها. وبالتزامن، فقد دعت مجموعات معارضة في ألمانيا إلى حظر شامل لمبيعات السلاح إلى السعودية بناء على انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان. دفع هذا ميركل ووزير الاقتصاد سيغمار غابرييل إلى إجراء “مراجعة نقدية” لمبيعات السلاح إلى الرياض وقرر في عام 2015 حصر الصادرات إلى السعودية بالأسلحة ذات الطابع الدفاعي فقط، متضمنة بذلك المركبات المدرعة الرباعية وأنظمة التزود بالوقود في الجو وقطع المقاتلات النفاثة وزوارق المراقبة والطائرات بدون طيار. بالرغم من حجم هذه المراجعات، ازدادت الصادرات الألمانية إلى السعودية من 179 مليون يورو إلى 484 مليون يورو في النصف الأول من عام 2016. إن استيعاب ألمانيا للجزء الأكبر من اللاجئين السوريين (نحو 400,000) لا يمنحها صك البراءة من الاستفادة من النزاعات في الشرق الأوسط وإطالة أمدها نتيجة توريد السلاح. إن عدم التطرق إلى هذه الحقيقة يكون مشابها ببيع الهيروين بالقرب من المدارس من ناحية، والتبجح في تحمل نفقات إعادة تأهيل بضعة أطفال من الإدمان من ناحية أخرى.

من الأسباب الأخرى التي تم التذرع بها لاستمرار تصدير السلاح هو التهديد الذي سيطال اليد العاملة المحلية بحال تطبيق القيود على تصدير السلاح. وتضافرت مراكز الأبحاث التابعة لتجارة السلاح مع وسائل إعلام التيار الرئيسي في دعم صريح لبيع السلاح: فقد أبدى مذيع الأخبار المخضرم وولف بليتزر من شبكة CNN الإخبارية قلقا غريبا من إمكانية إيقاف مبيعات السلاح إلى السعودية: ففي نظره، تبعات فقدان الوظائف لدى متعهدي الدفاع الأمريكيين تفوق أية حجة أخلاقية قد تثار في دعم السعودية في جرائم حربها في اليمن. وبغض النظر عن الناحية الأخلاقية، فإن وولف بليتزر يبالغ بتقدير إمكانية مصانع السلاح في خلق فرص العمل. في الواقع، في العديد من البلدان،يعاني قطاع صناعة السلاح لولا الدعم الحكومي : ففي ألمانيا مثلا، يعمل في صناعة السلاح 100,000 شخص بينما في قطاع الطاقة المتجددة، حيث يمكن استيعاب نفس المهارات، يتم خلق 300,000 فرصة عمل سنويا. وفي الولايات المتحدة، فإن تخصيص الإنفاق العام في الطاقة المتجددة اوقطاع الصحة اوالتعليم من شأنه أن يخلق فرص عمل أكثر ب 50 إلى 140 بالمائة مما لو كانت أُنفقت في القطاع الحربي.

من المُستغرب أن مسؤولين غربين آخرين يؤيدون بيع السلاح على أسس إنسانية: فقد قال وزير الخارجيةالبريطانية بوريس جونسون بأنه في حال توقفت بلاده عن تزويد السعودية بالسلاح، “فإن هناك عددا من الدول الغربية الأخرى سوف يسعدها أن تقوم بتزويدها دون أن يكون لديها معايير أو أي احترام للقانون الإنساني كما في بريطانيا”. أما بالنسبة لتقارير استخدام السعودية للأسلحة في جرائم حرب، فقد ادعى بعض الوزراء البريطانيون بشكل مثير للدهشة بأن التحقيقات الحكومية في السعودية (التي برأت الجيش السعودي) كافية ولا تستدعي المزيد من التحقيقات. وراح مسؤولون آخرون إلى أبعد من هذا في تبريراتهم، فقد قال مؤخرا وزير التجارة الأسبق في بريطانيا فينيس كابيل بأنه قد غرر به من قبل وزارة الدفاع ليوقع عقد بيع صواريخ بافواي 4 الموجهة بالليزر إلى السعودية لتستخدمها في قصفها لليمن. وقد أوقف فينيس كابيل الصفقة في البداية نظرا للمخاوف التي تشمل قتل المدنيين، لكنه عاد فسمح بها عندما وُعد بأنه سيتم التدقيق على الأهداف المحتملة، الشيء الذي تنفيه الآن وزارة الدفاع.

أخيرا، بالنسبة لبعض الساسة الأوروبيين، فإن مسألة تصدير السلاح يتم البت فيها على أساس نقدي بحت. فقد تفاخر رئيس الوزراء البريطاني السابق دايفد كاميرون بجهوده لمساعدة بيع “أشياء بارعة” مثل المقاتلات يوروفايتر تايفون إلى الرياض، في ذات اليوم الذي صوَت فيه البرلمان الأوروبي على حظر السلاح على السعودية نتيجة لقصفها اليمن. سارت خليفته تيريزا ماي على الخطى ذاتها في تصدير السلاح وقالت إن العلاقات الوثيقة بين لندن والرياض قد لعبت دورا حاسما في مكافحة الإرهاب وأن التعاون مع النظام السعودي “سيساعد على إبقاء الناس في شوارع بريطانيا بأمان“. ومن السخرية، أن السياسيين الذين يستخدمون واقع تدفق اللاجئين كأداة لزرع الخشية بين المواطنين، هم في الوقت ذاته الأكثر حماسا لصناعة الأسلحة: لا يسعنا هنا إلا استذكار رئيس حزب استقلال المملكة المتحدة UKIP في بريطانيا، نايجل فراج.

فيما يتعلق بفرنسا، تبدو العلاقات مع السعودية وطيدة على الدوام وقد قلد الرئيس هولاند الأمير محمد بن نايف وسام جوقة الشرف وذلك لقاء جهود الرياض ” في مكافحة الإرهاب والتطرف”. بحصيلة مبيعات السلاح التي فاقت 3 بليون يورو إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والأردن وتركيا، تكون فرنسا 6 قد أنفقت أقل من عشر هذا المبلغ (0.31 بليون يورو) على إيواء ما يقارب 12,000 لاجئ سوري. بالنسبة إلى إيطاليا، فقد اقترح رئيس الوزراء ماثيو رينزي إعفاء مصنعي المعدات العسكرية من دفع ضريبة القيمة المضافة وأن يتاح لهم التقديم على منح للأبحاث من الاتحاد الأوروبي. أحرزت إيطاليا رقما مذهلا بنسبة 24 ضعفا بين عائدات بيع السلاح وما أنفقته على 3,300 لاجئ سوري.

إن غالبية القادة الغربيين في البلدان المتقدمة في صناعة السلاح يدافعون بفخر عن شركاتهم المصنعة للسلاح. ويبدو إما أنهم مرتاحون لما يجري أو غافلون بسذاجة عن أية علاقة بين تصدير السلاح واللاجئين… فهم يرتعدون خوفا أمام أمواج اللاجئين غير المسبوقة على حدودهم. ولا بد أن نسأل: ماذا كان يمكن أن يتوقعوا؟

الأصدقاء الجدد، أو إحياء صناعة الأسلحة في أوروبا الشرقية

فتحت دول أوروبا الشرقية أبوابها على مخازن السلاح في يوغوسلافيا السابقة وأحيت صناعة الأسلحة المحلية لديها وذلك نتيجة الارتفاع الكبير في وتيرة تصدير السلاح إلى الشرق الأوسط. لكن وفي الوقت ذاته، فقد أبدت هذه الدول قدرا كبيرا من العنصرية حول اللاجئين الفارين من الحروب .

نشرت شبكة التحقيقات الصحافية البلقانية (BIRN) مع الOCCRP في تموز من عام 2016 تقريرا يفيد بأن بلدان أوروبا الشرقية الثمانية (البوسنة، بلغاريا، كرواتيا، تشيكيا، الجبل الأسود، سلوفاكيا، صربيا ورومانيا) قد وافقت على تصدير أسلحة وذخيرة منذ عام 2012 بما يقارب 1.2 بليون يورو إلى السعودية (806 مليون يورو)، الأردن (155 مليون يورو)، الإمارات العربية المتحدة (135 مليون يورو) وتركيا (87 مليون يورو).

يشير هذا التقرير أن صادرات هذه البلدان يتم توزيعها من قبل السعودية على حليفتيها الإقليميتين، الأردن وتركيا، اللتين تشرفان على مركزين لنقل السلاح عن طريق البر أو الجو إلى سورية. و بالتدريج، بدأت الأسلحة المصنعة في يوغوسلافيا السابقة تظهر بين أيدي العديد من المنظمات المسلحة حول مناطق النزاع في سورية. وقد تم توثيق توزيع هذه الأسلحة خلال حقبة النزاع من قبل اليوت هيغنز تحت اسم مستعار براون موزيس.

وفقا لذلك، أصبحت بلغراد وزغرب وبراتسلافا وصوفيا محاور رئيسية لتصدير السلاح إلى منطقة الشرق الأوسط. ففي العام 2015 بالتحديد، وافقت صربيا على تراخيص لتصدير ما قيمته 135 مليون يورو من السلاح إلى السعودية. بينما تم رفض طلبات مشابهة في عام 2013 وذلك تحت ذريعة الخوف من انتقال هذه الأسلحة إلى سورية. بناء على التقارير الصربية الرسمية، فان إجمالي قيمة تراخيص السلاح إلى السعودية التي تم رفضها في عام 2013 قد بلغت 22 مليون دولار7. وفي عام 2013 رفضت أيضاً الحكومة الصربية أربعة طلبات استيراد صفقات سلاح ومعدات عسكرية من المملكة المتحدة وبلغاريا وبيلاروسيا وجمهورية التشيك بما قيمته 9.9 مليون دولار كان من المزمع إعادة بيعها (عن طريق صادرات) إلى السعودية 8. بعد تحقيق أجرته شبكة الصحفيين الاستقصائيين في البلقان BIRN ظهر رئيس الوزراء الصربي الكسندر فوتتش في مؤتمر صحافي في آب 2016 وقال بأنه من خلال عمله كوزيرا للدفاع في عام 2013، كان “من الممكن” أن يكون قد تسلم تقارير استخباراتية بأن هذه الأسلحة قد تنتهي في سورية. وتابع قائلا: “لا تسألوني ماذا تغير. ففي عام 2015 لم أكن وزيرا للدفاع ولا أعلم [ماذا جرى]. وسوف أتحقق من ذلك”. وكان فوتتش صريحا في معرض قوله عن فوائد تجارة السلاح عندما قال في 2016: ” أنا أعشق عندما نصدر السلاح، يكون هذا تدفقاً للعملات الأجنبية”.

في العام 2015، ذكرت مؤسسة الإذاعة والراديو الوطنية في براتسلافا بأن “سلوفاكيا صدرت إلى السعودية 40,000 بندقية وأكثر من 1,000 مدفع هاون و14 قاعدة لإطلاق الصواريخ وما يقارب 500 مدفع رشاش ثقيل وأكثر من 1,500 RPG”. ودافع رئيس الوزراء عن صفقة السلاح هذه بقوله “إذا لم نبع لهم السلاح، فإن غيرنا سيبيعه، لكن لاتأتوا إلي متباكين إذا سبب النقص في الصفقات فقدان الوظائف”. رحبت سلوفاكيا فيما بعد بعدد ملفت من اللاجئين السوريين: 64 لاجئ فقط مما رتب عليها تكاليف بلغت 400 ألف يورو. بذلك يمكن لسلوفاكيا أن تحرز قصب السبق من حيث نسبة كلف اللاجئين إلى عائدات بيع السلاح والتي بلغت 284 ضعفا.

أظهرت البيانات الرسمية أن كرواتيا قد باعت بين 2013 و2014 بأكثر من 155 مليون يورو من الذخيرة والأسلحة الصغيرة إلى السعودية و أكثر من 115 مليون دولار إلى الأردن . وفقا للبيانات الرسمية لا يوجد تاريخ تجارة أسلحة بين كرواتيا و الأردن ففي الماضي اقتصرت هذه التجارة على بيع 15 مسدسا بقيمة 1053 دولار في 2001 إلى عمان. وفي حين لا تشير البيانات الرسمية إلى أي صادرات في 2012 بين كرواتيا و الأردن، وفق النيويورك تايمز تم تسجيل 36 رحلة جوية مكوكية بين العاصمتين خلال الفترة بين كانون الأول 2012 وشباط 2013 حيث نقلت طائرات الشحن الأردنية مشتريات سعودية ضخمة من زغرب إلى عمان. و وفقاَ لمشروع التغطية الصحفية لأخبار الجريمة المنظمة والفساد OCCRP فاقت قيمة الصادرات غير الرسمية إلى الأردن 6.5 مليون دولار في شهر كانون الأول 2012. يمكن بذلك أن نفترض بثقة عن واقع بيانات رسمية متحفظ جدا و عن وجود صفقات تتم من تحت الطاولة دون التصريح عنها البتة.

في السياق ذاته و كنقطة إضافية حول القوى غير المباشرة والفاعلة على المسرح السوري، فإن مجموعة CPR Impex 9 الصربية والشركة الإسرائيلية ATL Atlantic Technology قد اشتروا شركة الجبل الأسود لصناعات الدفاع MDI في شباط 2015 . واعتبارا من آب 2015 أبرمت MDI عدة صفقات تصدير أسلحة إلى السعودية شملت 250 طناً من الذخيرة و 10,000 من الأنظمة المضادة للدروع بما يفوق 2.7 مليون يورو. ونلفت الانتباه بأنه قبل 2015 ومنذ 2006 (تاريخ توفر التقارير)، لم تنجز الجبل الأسود أية صفقة أسلحة ذات أهمية مع الشرق الأوسط إلا لإسرائيل و اليمن في العام 2010.

أما بلغاريا، فقد سجل أكبر منتج حكومي للسلاح، مصنع VMZ-Sopot أرقاما قياسية : بعد أن أشهر إفلاسه عام 2008، راح المصنع يعمل بكامل طاقته منذ 2015 مسددا بذلك ديونه البالغة 11 مليون يورو ووفر من العام المذكور 1,200 فرصة عمل جديدة. إضافة إلى ذلك، فقد نمت المبيعات من قرابة 19 مليون يورو في النصف الأول من عام 2015 إلى 86 مليون يورو في النصف الأول من 2016. ارتفعت الأرباح الصافية لمصنع VMZ-Sopot إلى حوالي 600,000 يورو بعدما كان مديناً بمبلغ 35 مليون يورو. في حين استقبلت بلغاريا 18,000 لاجئ سوري، أظهر تقرير صادر عن المؤسسة الألمانية للاجئين بعنوان “الإذلال وسوء المعاملة وعدم الحماية” حقائق صادمة عن طالبي اللجوء في بلغاريا، حيث يتعرض اللاجئون لمعاملة غير إنسانية ومهينة من قبل الشرطة وحراس السجون متضمنا ذلك الابتزاز والتعذيب.

أما روسيا، وهي مورد أساسي للسلاح للحكومة السورية، فالبرغم من محدودية مصادر البيانات- نعلم أنه على الأقل 10 % من صادرات السلاح الروسي ذهبت إلى سورية: “يقال إن روسيا لديها عقود سلاح مع سورية بقيمة 1.5 بليون دولار لأنظمة صواريخ متعددة ولتحديث الدبابات والطائرات، و بهذا تضاعفت هذه الاستثمارات في الأسلحة الصغيرة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية”. علاوة على ذلك، فإن التدريبات العسكرية الروسية التي تُزود بها سورية منذ بداية الصراع يجب أن تُؤخذ بالحسبان. وبالرغم من الدور المباشر الذي لعبته روسيا في الحرب السورية، فقد قبلت 1395 لاجئا سوريا فقط بشكل لجوء مؤقت، و حتى انها رحلت أحد اللاجئين لديها.

من خلال انتقال كميات من السلاح ليست بالقليلة إلى الجماعات السورية اكتسبت بلدان أوروبا الشرقية دورا غير متوقع لكن هام في الحرب السورية. وبالرغم من ذلك، فقد سارعت هذه البلدان بدفع اللاجئين باتجاه أوروبا الغربية بعد أن أخذوا حفنة مضحكة من طالبي اللجوء على أراضيهم.

 نقاش مضلل –بمجمله

فيما تحظى صناعة السلاح بالاستحسان نظرا لدفعها عجلة الاقتصاد في البلاد المُصنعة، لا شيء يذكر عن الدمار الذي تسببه هذه الصناعة في أمكنة أخرى من العالم. مؤخراً، ومع الكميات غير المسبوقة للسلاح المباع إلى الشرق الأوسط والمنقول إلى سوريا، فقد بدأت الحقيقة تتجلى مع تداعيات أقرب إلى عقر دار البلاد المُصنعة. وأصبح لابد من أن يطرح نقاش من نوع آخر.

برؤية مغايرة، فإن دولا أخرى مثل البرتغال تعتبر قدوم اللاجئين فرصة لإحياء بعض المقاطعات في البلاد. في الواقع فإن لشبونة قد عرضت قبول ما يقارب 5,800 لاجئ إضافة إلى 4,500 لاجئ تمت الموافقة عليهم كجزء من نظام حصص اللاجئين في الاتحاد الأوروبي. تجدر الإشارة هنا أن البرتغال باعت بما قيمته 500,000 يورو من الأسلحة إلى الشرق الأوسط.

وبحسب فيليب ليغران، المستشار الاقتصادي السابق لرئيس المفوضية الأوروبية، فإن اللاجئين في الواقع لن يؤثروا على تخفيض الرواتب أو ازدياد معدل البطالة لدى البلدان المُضيفة. في الحقيقة، تُظهر الحسابات بأنه بالرغم من أن استيعاب أفواج اللاجئين سوف يزيد من الدين العام لدول الاتحاد الأوروبي بما يقارب 69 بليون يورو بين عامي 2015 و 2020، فإن اللاجئين وفي خلال الفترة ذاتها سوف يساهمون في نمو الناتج المحلي الإجمالي GDP بقيمة 126.6 بليون يورو. في الواقع، فإن استثمار مبلغ 1 يورو في استقبال اللاجئين يمكن أن يجني ما يقارب 2 يورو في العوائد الاقتصادية خلال خمس سنوات . أوضح ليغران أيضا كيف يمكن للاجئين أن يساهموا في حل مشاكل ديمغرافية وشيكة في أوروبا.

النقاش حول تدفق اللاجئين وما يترتب عليه من أعباء ثقيلة على المجتمعات هو إذا خاطىء. ليس فقط في أنه يلقي باللائمة على اللاجئين وهروبهم من الحرب المشتعلة في بلادهم ورغبتهم في الاستقرار، بل يتجاهل تواطؤ البلدان الغربية في جني الأموال من الحروب التي يفر اللاجئون منها. وزيادة على ذلك، يبقى السؤال عن الرابح من تجارة السلاح ما بين الحكومات التي توافق على الصفقات أو الشركات المصنعة، علماً بأن الحكومات هي التي تغطي نفقات إعادة توطين اللاجئين. فبدلا من توجيه الغضب والاعتراض إلى اللاجئين، يجب توجيهه إلى شركات صناعة السلاح وعلاقتها بصانعي القرار والسياسات الداعمة للحروب التي ينتهجونها .

بينما تم التركيز في نقاشنا على قضية اللاجئين السوريين وعلى الأسلحة التي تغذي الحرب في سورية، هناك صراعات أخرى في الشرق الأوسط تستحق التمحيص ذاته. إن مبيعات السلاح من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والتي تغذي الصراعات في العراق واليمن وليبيا يجب أيضا أن تؤخذ بعين الاعتبار في احتساب مديونية الغرب إلى الشعوب في العراق واليمن وليبيا. إن السبب في عدم انضمام اليمنيين إلى اللاجئين السوريين في أوروبا وغيرها من البلدان الغربية هو أن بلادهم محاصرة بريا من السعودية من ناحية و من حظر بحري خانق من ناحية أخرى. يوجد حاليا 3 ملايين يمني نازح   داخليا و 14 مليون يمني يعاني من شح الأمن الغذائي.

[اضغط/ي هنا للنسخة الإنجليزية من المقال]

هوامش:

1. تحليلاتنا تعتمد على بيانات مأخوذة من أبحاث متاحة للجميع تشمل المقالات وبيانات رسمية للاتحاد الأوروبي وبيانات منظمة الاقتصاد والتعاون والتنمية بالإضافة الى أبحاث قامت بها مراكز الأبحاث والمنظمات غير الحكومية حول تجارة السلاح. نرحب بأية معلومات إضافية من القراء والتي قد لا تكون متاحة الى العامة .

2. بداية توفر البيانات من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بخصوص اللاجئين السورين في اوروبا.

3.من أجل تفاصيل الاحتساب الرجاء الإشارة الى الملحق رقم 2

4. بلغت تكلفة اسبانيا 3329 يورو لايواء لاجئ واحد لمدة عام وانسحب ذلك على بوسنيا وبلغاريا وكرواتيا والجمهورية التشيكية وقبرص واليونان ومالطا والجبل الأسود ورومانيا وصربيا وسلوفاكيا وسلوفينيا.

5. حول موضوع مساهمات الدول الغربية في البرنامج السنوي للأمم المتحدة لخطة الاستجابة الإقليمية للأزمة السورية (Regional Response Plan, RRP) تهدف هذه الخطة الى تغطية حاجات اللاجئين والجماعات المضيفة لهم في الجوار السوري (الأردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر)والتي استقبلت نحو 4.8 مليون لاجئ. البيانات الموثوقة والمتناسقة حول حقيقة المساهمات الفعلية (مقارنة بالتعهدات) في هذا البرنامج محدودة وغير متكاملة لكافة الدول المانحة موضوع الدراسة خلال الفترة 2011 – 2016 وقد أدرجنا المساهمات الفعلية في الجدول رقم 1 أدناه معتمدين الأرقام المذكورة في خدمات التتبع المالي لدى
Financial Tracking Service OCHA. هذه المحدودية في البيانات لا تؤثر على حساباتنا التي تتناول مسألة إيواء اللاجئين في البلدان المصدرة للسلاح و ليس هؤلاء في بلدان الجوار السوري. في حين أن الضرائب في الغرب هي التي تمول النفقات في كلا الحالتين( دعم اللاجئين في الغرب وفي بلدان الجوار السوري )، لم تكن مسألة دعم لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر في استضافة اللاجئين مطروحة على بساط البحث في الغرب. بهذا المعنى، تهدف هذه الدراسة المساهمة في النقاش عن موجات اللاجئين في الغرب وعلى أرضه.

6. لقد لفت انتباهنا بأن أحد المصادر الحكومية الفرنسية أظهر أنه في عام 2014جنت فرنسا 3.6 بليون يورو في صفقات بيع السلاح إلى للسعودية بينما الرقم المعلن من قبل الحملة المناهضة لتجارة السلاح(CAAT) كان أقل من ذلك بكثير. بالرغم من أرقام أكثر تحفظاً لتلك المنظمة سوف نعتمدها في هذه الدراسة لإمكانية ودقة المقارنة مع باقي الدول .

“2013 Report On Performed Activities of Exports and Imports of Arms, Military Equipment, Dual Use Goods, Arms Brokering and Technical Assistance”, Serbian Ministry of Trade، Tourism and Telecommunications، Stockholm International Peace Research Institute, الملحق 10 صفحة 76

8. المرجع ذاته، الفقرة 11 الصفحة 27 والملحف 11، صفحة 77

9. تم توقيف صاحب شركة المدعو كوموغوراك في تموز 2014 من قبل البوليس الصربي بتهمة سوء الاستخدام المكتبي من خلال عدد من المناقصات العسكرية لتزويد معدات عسكرية فائضة خلال الفترة بين 2011 و 2013 . وقد اسقطت هذه الاتهامات فيما بعد، لكن من وقتها تم التحقيق معه من قبل الأمم المتحدة بزعم انتهاك عقوبات منع تجارة السلاح مع ليبيا.

[تُنشر هذه المقالة ضمن اتفاقية شراكة مع جدلية]
[.This article is published jointly in partnership with Jadaliyya]