من أجل ماذا خرج الشعب السوري؟

من أجل ماذا خرج الشعب السوري؟

“بابتسامة الواثق من كلامه 100%، المعارض التاريخي، عضو المجلس، نائب رئيس، الناطق باسم، في مقابلة تلفزيونية مع  إحدى محدثات نعمة المعارضة، الهاويات، عضوة منصة، الغرّة، يرد بصيغة السؤال، غير أنه، وهذا ما تقوله لنا ابتسامته، لم يكن يبغي جواباً بل تسديد ضربة قاضية تنهي المباراة: “وهل تظنين يا سيدتي، أن الشعب السوري قد خرج من أجل دولة علمانية؟” وبالفعل، حارت عارضة آخر صيحات أزياء المعارضة، جواباً، فترددت، وتلعثمت، وتأتأت.. بينما أعلن المعارض العتيق انتصاره الساحق، على المعارضة العلمانية، وعلى جميع المعارضات الطفيلية، وعلى النظام السوري، وعلى العالم، بتحويل ابتسامته المائلة إلى ابتسامة العريضة غطّت القسم الأعظم من الشاشة.

لم يخطر على بال المعارضة الاستعراضية، لم تسعفها تجربتها الغضة في الظهور الإعلامي، أن ترد وتقول: “ولكن بالتأكيد لم يخرج الشعب السوري من أجل دولة دينية!”

فإن كان طرح السؤال: “من أجل ماذا خرج الشعب السوري؟”، من حق الجميع، فأنا، أحسب أحد السوريين، الذين يرون أن من حقهم تقديم إجابة، ولو بسيطة عليه. ليس لأني منذ سنة 2000، وبعد توقيعي على بيان 99 مثقفاً سورياً، تركت أفضل ما أستطيع فعله، الشعر الذي كنت أردد أنني لم أخلق إلاّ لأكون شاعراً. وانقلبت للكتابة المباشرة عما كنت أقف على حدوده، حريصاً على عدم تخطيه، في شعري ورسمي، نصوص من الصعب تصنيفها، تحت السياسة وفوق سياسية عن الشأن السوري العام، في العديد من الصحف والمواقع العربية، وذلك دون نجاح لافت، لدرجة أن أحد رؤساء التحرير، قال لي إنه عندما يحاول قراءتها، توجعه مصارينه. بل أيضاً، لأنني شهدت بهاتين العينين الفانيتين، المئات والألوف من أبناء مدينتي يمضون في الشوارع وهم يعلنون مطالبهم، بالصيحات والصرخات، أو باللافتات الصغيرة والكبيرة. شاهدتهم عن قرب حتى إنني كنت أرى الضوء الذي كان يشع من عيونهم، شاهدتهم وضرب كتفي بأكتافهم مراراً، وسمعت، كما سمع الجميع، ورأيت، كما رأى الجميع، ماذا كانت مطاليبهم، ومن أجل ماذا خرجوا من بيوتهم، ونزلوا إلى الشوارع، واحتلوا الساحات، مخاطرين بأمانهم وحياتهم. حتى إني التقطت صوراً يستطيع الناظر إليها أن يرى ماذا كانت هذه المطالب، التي أجزم، أنه لليوم لم تستطع المعارضات، بكل تشكيلاتها، وبكل مفوهيها، الذين أشبعونا تصاريح وبيانات خلال كل هذه السنين السبع، لا تحديدها بشكل أمثل ولا تجاوزها بشكل أفضل. والصورة المرفقة، تعطينا فكرة واضحة كفاية، عما أحاول تبيانه. وهكذا، بدءاً من يمين القارئ:

1- (لا للتدخل الخارجي) وكأنه كان واضحاً لهم أنه لن يتدخل أحد سوى من أجل مصالحه الخاصة.

2- (نعم لحرية الرأي والتعبير)

3- اللافتة الأعلى: (الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين….)

4- (لا لتسلط أجهزة الأمن) وكأنهم يعترفون بضرورة تلك الأجهزة واحتجاجهم ينصبّ على تسلطها.

5- (لا خوف بعد اليوم). لطالما اعتبرت هذا أسّ الزلزال السوري.

6- (We want Freedom) وكأنهم يظنون أنفسهم، يتظاهرون في شوارع سان فرانسيسكو!؟.

7- (لا لتسليح الشبيحة) ما أعتبره رفضاً لكل تسليح، فلا يرفض تسليح سواه إلاّ الأعزل والمسالم.

8- (المساواة في فرص التوظيف) وبذلك يبينون أنه لم يكن هدافهم تخريب مؤسسات الدولة.

10- (قانون الطوارئ وقانون الإرهاب، وجهان لعملة واحدة) نعم هناك بين هؤلاء الشباب من يتابع ويفكر.

11- (كل ما نحتاجه يا سيادة الرئيس..الحرية. الأمور كلها تحل بالحرية)

9- (لا للطائفية..نعم للحرية). أرجأت هذه اللافتة للختام، لأنها تظهر الرفض الصريح للطائفية، الناتج، عن معرفة واعية أو غير واعية، بأنها أكبر عائق في نجاح الحراك وتحقيق أهدافه، وذلك في تحطيمها للجامع الوطني الذي يحتاجه وينشده، وبهذا أرى أن الشبهة الطائفية التي رغب البعض بإلصاقها بالسوريين، وخاصة في مراحل الحراك الباكرة؛ أتت تحديداً من رفضه لها.

وهكذا لا يوجد، ولا يمكن تصور وجود، في الحيز المكاني-الزماني (اللاذقية- 28 آذار 2011) الذي التقطت فيه هذه الصورة، أيّ شعار أو رمز أو لافتة دينية من أي نوع. فما بالك براية سوداء خُطّ عليها (لا اله إلا الله محمد رسول الله). وإن نظرت ملياً إلى وجوه وثياب هؤلاء الناس، فلن تجد أي أثر لتعصب مذهبي أو حتى لتدين ظاهر، فكيف، يا سيدي المعارض، تراهم يطالبون بدولة وهابية أو إخوانية أو داعشية.

السوريون، يا سيدي المعارض، أناس خرجوا مطالبين بحياة أفضل للجميع، ووطن أفضل للجميع. وللأسف، الكثيرون منّا نسوا هذا، أو..تناسوه.”

 تم نشر هذا المقال في «هنا صوتك»