مياه الفرات ترسم خطوط النار بين حلفاء موسكو وواشنطن في سوريا

مياه الفرات ترسم خطوط النار بين حلفاء موسكو وواشنطن في سوريا

تتسابق القوى السورية وداعموها للسيطرة على تركة تنظيم الدولة الاسلامية / داعش في شرق سوريا بعد الانهيارات المستمرة في صفوف التنظيم الذي سيطر على تلك المناطق قبل حوالي اربع سنوات في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حدث بعد الحرب الأولى عندما تبارزت كبريات الدول للفوز بحصة الأسد من تركة السلطنة العثمانية المنهارة.

السباق للسيطرة على المساحات الأكبر وآبار النفط الغنية بها المنطقة الشرقية وإن بدا للمتابع العادي بين القوات المحلية السوري فإن الحقيقة ليست كذلك مطلقا فالسباق أولا وأخيرا بطله الولايات المتحدة وروسيا التي نزلت كل منهما الى الميدان السوري ولم تكتف بمناصرة حلفائها سياسيا واقتصاديا.

ومع تقدم المعارك ضد داعش وتوغل الجيش السوري وحلفائه شرقا  يتضح أكثر فأكثر التقسيم الواضح لميدان كل فصيل أو قوة على الأرض الذي اعتمد عليه بخطوطه المتعرجة وفق جريان نهر الفرات حيث اصطلح ( شرق وغرب ) بحيث تكون مناطق شرق النهر مع تعرجات لها لقوات سورية الديمقراطية وغرب النهر للنظام السوري وفق تفاهم روسي امريكي ، فالولايات المتحدة التي تدعم على الارض وفي الجو قوات سورية الديمقراطية لا تريد وجودا للقوات الحكومية السورية شرق نهر الفرات وهذا ما يؤكده المتحدث باسم قوات سورية الديمقراطية العميد طلال سلو بقوله “لن نقبل دخول قوات النظام السوري إلى شرق الفرات.”

قوات النظام السوري التي اجتازت مساحات واسعة في عمق البادية السورية لتصل إلى مدينة دير الزور وتفك الحصار عنها بدت للوهلة الأولى أنها قادمة لاجتياح دير الزور مدينة وريفا قبل أن تغير مسارها وتتجه شرقا دون الدخول في متاهات أحياء المدينة الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة وفي هذا السياق يقول اللواء في الجيش السوري سليم حربا.. “هدفنا التوجه شرقا لتحرير الميادين والبوكمال على التوالي بالتعاون مع أصدقائنا المتقدمين من الجنوب ما سيسهل علينا المهمة.”

تغيير مسار تقدم قوات النظام السوري تم الكشف عنه والتأكد منه بعد ساعات قليلة فقط على إعلان قوات سوريا الديمقراطية حملة أطلقت عليها “عاصفة الجزيرة” وهدفها بحسب العميد سلو “السيطرة على كل مناطق شرق الفرات بشكل كامل ولن نقبل دون ذلك ابدا.”

هذه التطورات المتسارعة تؤكد مرة جديدة عن تفاهم روسي أمريكي بخصوص مناطق السيطرة في المنطقة الشرقية وترجح فتح ملف مدينة الطبقة مجددا وتسليمها لقوات النظام السوري مع العديد من القرى والبلدات جنوب الرقة ليتحقق بذلك تقسيم مناطق النفوذ شرق سوريا بمسار نهر الفرات حصرا وجعله حاجزا مائيا طبيعيا. ويقلل اللواء حربا من أهمية عاصفة الجزيرة وخطورتها ويبرر في الوقت نفسه عدم تقدم الجيش داخل مدينة دير الزور أي غرب النهر بالقول.. “الأولوية الآن للريف الشرقي حيث مدينة الميادين والبوكمال وبالتالي قطع خطوط الإمداد بين التنظيم في المنطقة.” ويقر اللواء حربا بوجود شبه تفاهم على التقسيم بين غرب النهر وشماله معتبرا أن هذا الأمر ستتم معاجلته بطرق أخرى في وقت لاحق ملمحا إلى أن العشائر العربية التي تشكل السواد الأعظم من سكان غرب الفرات ستكون السلاح بيد النظام السوري لاستعادة السيطرة على هذه المنطقة وإنما في الوقت المناسب.

تفاهمات روسيا وأمريكا لا ترضي قوات سورية الديمقراطية الحليف الامريكي على الارض ورأس حربته لقتال داعش وحجة محاربة الارهاب، واطلاق حملة عاصفة الجزيرة يبدو لقطع الطريق على القوات الحكومية السورية وحلفائها من عبور نهر الفرات بعد نقل قاعدة حميميم جسوراً متحركة لنصبها في بعض مناطق دير الزور ويؤكد هنا نوري معمو وهو متحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية أنه “ليس هناك خط فاصل بين اي قوة في سوريا نحن نحارب ارهاب داعش نعمل على انهاء هذا الارهاب من اجل تهيئة الارضية من اجل حوار الديمقراطي” معتبرا أن في الوقت نفسه أن قوات قسد لن تنسحب من اي مكان لصالح اي قوة “لأننا نعمل من اجل سورية موحدة لكل الشعوب والثقافات والمعتقدات الموجودة فيها”.

حملة يشكك البعض في قدرتها على قتال داعش الذي يكون قتاله هذه المرة مسألة حياة او موت فلا منطقة امامه للانسحاب اليها بعد وصول الجيش السوري وحلفائه الى مدينة دير الزور والخطط العسكرية لمعارك الريف الشرقي وضعت ، وترى اوساط في المعارضة السورية في تركيا أن ” الهدف من عملية عاصفة الجزيرة اعلامي بل تنسيق روسي امريكي (النظام السوري – قسد) لتشتيت عناصر داعش في اربعة جبهات هي الرقة وريفها الجنوبي ومعركة مدينة دير الزور ومعركة شرق نهر الفرات وعدد القوات المشاركة في عاصفة الحزم لا تتجاوز 700 عنصر على الاكثر والهدف منها ليس تحرير ريف دير الزور شرق النهر ( الجزيرة ) بل حماية القاعدة الامريكية في مدينة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي وابعاد خطر داعش عنها قدر الامكان.”

بعدسة خليل الهملو: دير الزُّور

وترى اوساط المعارضة ان “وصول تلك القوات الى اطراف مدينة دير الزور ودخولها المدينة الصناعية بسبب الضربات الجوية التي تشنها الطائرات الامريكية تحرك بموازاة نهر الفرات  شرقاً ربما يكون بالتوازي مع تقدم الجيش السوري” الا ان محافظ دير الزور محمد سمرة يعتبر وصول الجيش السوري الى مدينة دير الزور وكسر الحصار عنها  “مهمة الجيش هي تحرير كل شبر من محافظة دير الزور شرقاً باتجاه الحدود السورية العراقية وعلى ضفتي نهر الفرات وبالنسبة لقوات سورية الديمقراطية والقوى الاخرى التي لها علاقات مريبة وارتباط مع التحالف الدولي وسوف يتم معالجة موضوع قوات سورية الديمقراطية والقوات الاخرى ولكن الجيش له اولويات اخرى حالياً.”

ضبابية المشهد واستمرار العمل الروسي الأمريكي في الكواليس من تحت الطاولة لم يستطع أن يخفي تفاصيل تفاهم إن لم نقل اتفاق موسكو وواشنطن وظهر ذلك بوضوح في نشر شرطة عسكرية روسية قبل أيام في بلدة تل رفعت وهي غرب النهر المتنازع عليها بين القوات الحكومية السورية وقسد وكتائب درع الفرات التابعة للجيش الحر وفق تفاهمات روسية امريكية.

اللهجة الحادة لتصريحات قوات سوريا الديمقراطية عن غرب الفرات تسببت بامتعاض النظام السوري الذي يحرص على التأكيد أنه لن يتوقف عند حد معين وسيتقدم في جميع الأراضي السورية وآخر هذه التأكيدات جاءت على لسان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد “لا يوجد ما يمنع الجيش من الوصول إلى أي مكان يريد وكل مساحة سوريا هي مقدسة وسوريا ستبقى واحدة.”

هذه التصريحات رد عليها مصطفى بالي أحد المتحدثين باسم “قسد” نحن لا نؤمن بالحدود داخل بلادنا وسنلاحق الإرهاب إينما كان، والنظام جزء من المشكلة وليس جزء من الحل وقوات سوريا الديمقراطية لا تنسحب من المناطق التي حررتها بدماء مقاتليها.”

ويبدو التفاهم الامريكي الروسي واضحاً في محافظة الرقة التي ابتعدت القوات الحكومية جنوب مدينة الطبقة 50 كم غرب مدينة الرقة والتي تسيطر عليها قوات قسد وعندما تقدمت تلك القوات شمال مدينة الرصافة الاثرية 20 كم جنوب مدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي حذرت الطائرات الامريكية تلك القوات التي واصلت تقدما باتجاه بلدة المنصورة 10 كم جنوب شرق الطبقة ما دفع مقاتل اف 16 الامريكية لإسقاط طائرة حربية سورية نهاية شمر تموز / يوليو الماضي الامر الذي دفع دمشق لوقف تقدم قواتها شمالاً والتوجه شرقاً الى ريف الرقة الجنوبي الشرقي ( غرب الفرات ).

مجمل التطورات والتصريحات تؤكد أن المعارك ضد داعش سواء من قوات النظام أو قسد خلال الأيام والأسابيع القادمة ستكون متسارعة الخطى وهذا ما سيسرع بالكشف عن المزيد من الحقائق عن التفاهم الأمريكي الروسي حول تقسيم شرق وغرب الفرات على الأقل في المرحلة الراهنة وربما بانتظار تفاهمات سياسية أخرى تجري في أروقة استانا وجنيف أو موسكو وواشنطن.