تدريباتنا

ألوان كردية في الجزيرة…دون خوف

بواسطة | مارس 14, 2022

بثياب كردية تقليدية مزينة بالألوان والحلي وعلى وقع موسيقى ونغمات تراثية قديمة، تنتظر فتيات في غرفة جانبية قبل الخروج الى المنصة لعرض لباسهنّ أمام الحاضرين في قاعة بمدينة القامشلي شمال شرقي سوريا.
حرصت الفتيات على الابتسامة أمام عدسات الكاميرات في حفل بمناسبة يوم “الزي الكردي القومي”، وهذه السنة الثانية التي يحتفل بها أكراد سوريا في هذه المناسبة على غرار أكراد العراق الذي يحييونها منذ تسعينيات القرن الماضي.
ويحتفل الأكراد في 10 من شهر مارس (اذار) من كل عام بيوم الزي الفلكلوري قبل عيد نوروز في 21 من الشهر نفسه، بعد عقود طويلة من التهميش والحرمان من جهة أحياء أعيادهم القومية وارتداء زيهم التقليدي والقراءة والكتابة بلغتهم الأم، جراء “سياسات عنصرية” وصلت ذروتها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما منع الأكراد من اظهار تراثهم المادي والتحدث بلغتهم في المؤسسات والدوائر الحكومية.

خصص المصور الشاب رودي تحلو صفحاته وحساباته على منصات التواصل الاجتماعي بعرض سلسلة ومجموعة من الصور للملابس الكردية. ويقول لـ “صالون سوريا” بأن بداية شهر الربيع من كل عام ايذاناً لبدء أعياد شعوب المنطقة والى جانب عيد “نوروز” في 21 من مارس، يأتي عيد “آكيتو” في 1 من أبريل القادم الخاص بالشعب السرياني الآشوريي، ثم عيد “الأربعاء الأحمر” الذي يحتفل به أبناء الطائفة الإيزيدية باليوم ذاته، ليقول: “حيث يمثل الزي الفلكلوري في المنطقة هوية متنوعة تبرز جماليات شعوب المنطقة والتقاطعات الجمالية فيما بينها”.
ويحرص سكان المنطقة من ارتداء الزي التقليدي، رجالا ونساء وأطفالا من الشعب الكردي والعربي والتركماني وأبناء الطوائف المسيحية والأرمنية، وتتسم الملابس بالألوان الزاهية التي تمتاز بها الأزياء الكردية عموماً والنسوية خاصةً، التي تحاكي الطبيعة الكردستانية المستمدة من المناطق الجبلية، بحسب الخبير والباحث الكردي صالح حيدو الذي نقل بأن كل مدينة وبلدة من مناطق التواجد الكردي بسوريا وتركيا والعراق وإيران؛ لهم زيهم التقليدي يتميز عن غيره يلائم ويحاكي طبيعة تلك المنطقة، لكنك تجد نفسك أمام لوحة فنية وتحفة نادرة.
ويضيف حيدو الذي ينحدر من بلدة عامودا السورية لـ “صالون سوريا” بأن زي المرأة الكردية لدى العشائر والقبائل الكردية بسوريا وبخاصة الكيكان والملان في بلدات الدرباسية وعامودا والقامشلي يشبه طائر الحمامة، «”كون ربطة الرأس عند عشيرة الكيكية تشبه طائر القُمري، والقماش المفضل في الغالب من نوع الشال الصوفي المزهر بكافة الألوان والكول مصري مع القديفة”، أما ملابس الرجل تتشابه في التفصيل يغلبها طراز النمر وطاقيته المخروطية البيضاء تشبه ثلج قمم جبال كردستان، ليضيف: “أما عمامته المزركشة والملونة تدل بمعانيها على ربيع وورود وأشجار وجبال كردستان وألتوآته المتعرجة، فالزي مستوحاة من طبيعة المنطقة التي يعيشون فيها”.

وشاركت ميديا ذات الثلاثين عاماً والمتحدرة من القامشلي وتعمل إعلامية في إذاعة كردية محلية في العرض، وقالت: “قبل العام 2011 وانطلاقة الثورة السورية لم يكن باستطاعتي أن أقول إنني كردية، اما الآن فالوضع مختلف لأني أرتدي ملابسي الكردية وأتحدث لغتي الكردية، وأمشي بحريتي بالشوارع ومراجعة الدوائر الحكومية”.
بينما كانت تردي عارضة ثانية كلناز ثوبا أبيض اللون أكمامه طويلة ومتدلية وفوقه قفطان أسود مطرز بخيوط ذهبية نافرة، وتضع على رأسها وشاحا طويلاً ابيض اللون أيضا، أما زميلتها سولنار لبست فستاناً اسود وعباءة زرقاء وربطة رأس تزينها بسلسلة وقلادة ذهبية، وقالت في حديثها: “أيام حزب البعث الحاكم كنت أخشى القول بأنني كردية لكن اليوم هذه تجربتي الأولى كعارضة وهي فرصة لمواجهة التهميش وتعريف المجتمع والعالم بالزي الكردي”.
ونقل المصور رودي تحلو بإن التراث واللباس الفلكلوري لافت للنظر ويجذب الجميع ويتابع حديثه ليقول: “لأنه يحمل قيمة معنوية كبيرة للشعب الكردي، فمن الناحية البصرية يضم أزهى وأجمل الألوان ما يجعل منها لوحة تشكيلية، ويبدو جلياً في عيد نوروز نظراً لاهتمام الناس بشكل أكبر”، مشيراً الى إنّ التقاط الصور واختيار الشخصيات كانت بالتعاون مع مؤسسة الثقافة والفن التابعة للإدارة الذاتية المحلية، ومؤسسة الهلال الذهبي في تحديد اللباس الفلكلوري وإجراء جلسات التصوير، وأضاف: “فالعمل بالتوثيق للتراث المادي وجمالياته لتعزيز التمسك بالهوية الثقافية، كما تنشر المحبة بين سكان المنطقة وتساهم بشكل مباشر في التماسك المجتمعي وتعزيز التمسك بالهوية الثقافية”.

يشكل أكراد سوريا نحّو 12 في المائة من التعداد السكاني العام (23 مليون نسمة)، ومنذ إعلان الإدارة المدنية بالعام في مناطق سيطرتهم شمال سوريا، باتوا يحتفلون سنوياً في العاشر من مارس بيوم الزي الكردي ويحييون احتفالات عيد نوروز علانيةً.
ويشرح حيدو تفاصيل الملابس الكردية التقليدية حيث تكون عمامات الرأس لدى أهل مهاباد الكردية في إيران والسليمانية وهولير بإقليم كردستان العراق غالباً تضع النساء طاقية مطرزة ومزركشة بألوان زاهية ومزنرة بقطع نقدية من الفضة وحلي الذهب، وحيدو الذي يمتلك ألاف الصور وألبومات للثياب القديمة والتراثية لتوثيق التراث المادي، أوضح بأن مناطق أبناء قبيلة الكوجر شمال شرقي سوريا وشمالي العراق: “تمتاز بالثوب أو الفستان الهاوليري وشدة الظهر الصفراء، وفي منطقة عفرين الكردية بسوريا تكون الطاقية المرعشية والباشناق الفضية والفستان الكردي”، وتكون عين العرب (كوباني) السورية الزي المذكور أعلاه: “ذات طابع يدوي الصنع يغزل خيوطه بالنول أو الدولاب ومزركش بالألوان مع الحلي من ذهب وفضة”.
وكانت خياطة الزي الكردي في السابق محظورة وفي المدن ذات الغالبية الكردية شمال شرقي البلاد كانت محدودة للغاية، وكان يلجأ اغلب الخياطين الذين يفصلون الثياب التقليدية يخيطونها في المنازل بدلاً من المحال بعيدا عن أنظار الأجهزة الأمنية؛ أما اليوم باتت علنية تصل ذروتها في شهر مارس، وتحديدا احتفالات نوروز، وهو العيد الذي يحرص فيه الاكراد على ارتداء لباسهم التقليدي وتتزين واجهات المتاجر فيه بالأقمشة والأثواب الملونة والمطرزة، ويقول الخياط والمصمم شمال سينو المتحدر من بلدة الدرباسية الواقعة أقصى محافظة الحسكة وتحاذي الحدود التركية، بأنهم لا يتوقفون عن العمل جراء زيادة الطلب، حيث نخيط حوالي مئة فستان وقطعة شهرياً، بعدما لم نكن نخيط أكثر من 10 قطع في أفضل الأحوال سابقاً قبل 2011″.
غير أن غطاء الرأس يلعب لدى السيدات والفتيات دوراً رئيسياً في مظهر اللباس حيث تربط مناطق الكيكان الرأس بـهبرية زرقاء (غطاء رأس محلي) بحسب حيدو، ولفت حيدو قائلاً: “أما مناطق الملان يربطون الرأس بـهبرية ملونة، ومناطق عفرين يربطونه بكوفية فوق طاقية المرعشي يتدلى فوقها باشناق فضية، وكوباني يربطونه بكوفية كبيرة وتاج فضي”.
جدير ذكره إن المصور رودي تحلو يشارك في معرض «سوريا ضد النسيان» الذي سيقام في الفترة ما بين 9 و11 من شهر يونيو (حزيران) القادم، في متحف ثقافات الشعوب في مدينة كولونيا الألمانية، بإشراف الاثاري والكوراتور جبار عبد الله، والمعرض يتناول سوريا تاريخياً والحياة اليومية ويشارك الى جانب تحلو؛ المصور الضوئي من اليابان (Megumi Yoshitake) والالمانيان بيكا بوريس ولوتس يكيل، ومن فرنسا يان آرثوس بيرتراند، والتشكيلي المعاصر الفنان أبو صبحي التيناوي، والفنان صالح الهجر بلوحاته عن الخط العربي.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا