تدريباتنا

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

بواسطة | أبريل 7, 2024

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات الأكثر عوزاً وقضاء الحوائج في محاولة متواضعة لردم المسافة الطبقية بين الأغنياء والفقراء. كما كانت ضمن فرق الاستجابة الطارئة للكوارث، لاسيما أن الحاجة لهذه الجمعيات تبرز عند الأزمات لتصبح مساندة للحكومة، مع الإشارة إلى أن هذه المبادرات تنشط مع تفاقم الحالة المعيشية وتدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع نسبة الفقر في البلاد.

  أطلقت جمعية “ساعد” حملتها الإغاثية بعنوان “خسى الجوع” في شهر رمضان، حيث تقدم وجبات الإفطار لمئات العوائل في مدينة دمشق وريفها. وبدأت الحملة منذ أحد عشر عاماً، ويقول المدير التنفيذي للجمعية مازن القاري عن هذه المبادرة الإنسانية: “هناك آلية عمل واضحة، حيث نسير وفق قاعدة بيانات تسجل فيها أسماء الأسر الأكثر عوزاً بعد دراسة وضعها وزيارتها ميدانياً. تستهدف الحملة الفئات المصنفة التالية كأولوية إطعام طوال شهر رمضان وهم الأرامل، الجرحى وأسر الشهداء والتي وصل عددهم قرابة 200 أسرة يومياًهذا العام.” ويضيف: “هناك مئات الأسر خارج التصنيف المذكور، لكن نقوم بتوزيع وجبات الإفطار لهم ليومين أسبوعياً عند حصول فائض من الطعام”.

التبرع في الأعوام الماضية أعلى منه في الحالي

استنزفت كارثة الزلزال التي وقعت في 6/ شباط 2023 جيوب المتبرعين والتجار وأصحاب الأيادي البيضاء والمجتمع الأهلي، ما انعكس سلباً على إحجام بعض المبادرات بإطلاق أنشطتها لغياب التمويل وهو العمود الفقري الذي تقوم عليه الجمعيات الخيرية. يشرح مازن القاري الوضع: “في العام الماضي خدمنا قرابة 60 ألف عائلة خلال شهر رمضان، بينما هذا العام لن يتجاوز العدد أكثر من 15 ألف عائلة، طبعاً هذا الرقم أقل بكثير من عدد المسجلين، لكننا نقدم الوجبات ونغطي الاحتياجات وفق المواد الغذائية المتبرعة المتوفرة والتي تقلصت كثيراً هذا العام نتيجة إعطاء ضحايا الزلزال الأولوية لأموال المتبرعين.” ويشير المدير التنفيذي إلى اضطرار فرع الجمعية بمدينة حلب إلى إيقاف مبادرة “خسى الجوع” لتقتصر فقط على مدينة دمشق، وذلك لغياب الدعم المالي واستنزافها لصالح متضرري الزلزال.

تتولى جمعية “مجال للخدمات الاجتماعية” توزيع وجبات الإفطار يومياً لقرابة 1250 شخصاً طوال شهر رمضان ضمن حملتها “كسرة خبز” مستهدفة الفئات الأكثر فقراً في مناطق الحسينية وعدرا والعتيبة بريف دمشق وذلك بمساندة فريق “كنا وسنبقى التطوعي.” وعن المبادرة الإنسانية، تقول المسؤولة الإعلامية نور زيادة: “لدينا برنامج محدد نستهدف فيه يومياً منطقة جديدة بريف دمشق حصراً بعد التنسيق مع الجمعيات والبلديات المتواجدة في تلك المناطق ومسح كامل للأسر المتعففة.

تضع الجمعية معايير محددة لتوزيع وجبات الطعام مستهدفة الفئات الأكثر حاجة، وهم ذوو الإعاقة والأيتام والأرامل وفاقدو المعيل وذلك بعد تقييم الوضع الراهن حسب نور.

 تعتمد المبادرات بشقها الأساسي على مجموعات من الشباب المتطوعين الذين ينفقون ساعات من يومهم في سبيل العمل التطوعي. يخصص جاد ست ساعات أسبوعياً للمساعدة في أعمال الطبخ وتوزيع الوجبات، يقول: “أنا طالب جامعي في كلية الهندسة المدنية، آتي إلى جمعية ساعد ليوم واحد في الأسبوع لتقديم يد العون، لا أستطيع المجيء يومياً بسبب دراستي، شعور العطاء جميل جداً وضروري في ظروفنا الراهنة الصعبة التي يعاني منها الجميع”.

تتفق تيا مع أصدقائها في العمل على اختيار يوم العطلة لزيارة فريق “كسرة خبز” وتوزيع الطعام والقيام بأعمال الطبخ إيماناً منها بأهمية المجتمع المدني بتحسين الحياة نحو الأفضل، تقول الشابة: “التطوع يضفي معنى إنسانياً وشعوراً إيجابياً وإحساساً بالفخر عند مساعدة الآخرين، كما أن توقيت التطوع مهم للغاية الآن، لاسيما بسبب الظروف الاقتصادية التي نعيشها”.

التحديات والعراقيل

تواجه المبادرات مجموعة من العراقيل والتحديات، أهمها أزمة الوقود لتأمين إيصال وجبات الطعام لمستحقيها، ناهيك عن ضعف التمويل. يعمل مطبخ “ساعد” على التنسيق مع فريق دراجين للتخفيف من الازدحام الخانق وتذليل العقبات المتعلقة بالمحروقات، إذ يقطع الكابتن طارق رئيس فريق دراجين “الأمل” مسافة ما لا يقل عن 30 كيلومتراً ذهاباً وإياباً إلى الريف البعيد بغية إيصال وجبات الطعام إلى الأسر المتعففة، وذلك بعد التعاون مع المخاتير. يقول الكابتن طارق عن تجربته: “نحن مبادرة إنسانية لها صفة اعتبارية وليس رسمية نحاول إكساب صفة أخلاقية لرياضة الدراجات وتطويعها لأهداف خيرية، كما يمكننا بهذه الطريقة التخفيف من الازدحام الخانق وتقليص الوقت.” لا ينكر الكابتن وجود نظرة ازدراء تجاه سائقي الدراجات وكأنهم قطاع طرق ويثيرون الفوضى والشغب والقيام بأعمال نشل وسرقة، ويعقب قائلاً: “نعمل على تغيير هذه النظرة ونشر ثقافة الدراجات في البلاد، إلى جانب غياب دعم وزارة الشؤون الاجتماعية في تسهيل ترخيص الدراجات وتخفيض رسومها المالية الباهظة جداً.”

بدورها، تؤكد نور أن تراجع الوضع الاقتصادي وغياب عنصر التمويل وغلاء المعيشة أثر سلباً على عدم الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأسر الفقيرة وذلك بسبب الإمكانيات المادية المحدودة، وتشرح أكثر: “هذا العام مجحف والتبرع فيه أقل من العام الماضي بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل ملحوظ، ولو كان حجم التبرعات أكبر لاستطعنا تغطية أكبر عدد من العائلات، لكن بالرغم من ذلك نعمل ما بوسعنا وعلى نفس السوية بالعمل والطاقة والجهد”.

يذكر أن جمعية “ساعد” كانت قد بدأت نشاطها عام 2013 بمطبخ صغير ومجموعة صغيرة لا تتجاوز 25 فرداً من متطوعين تبرعوا بمواد غذائية من منازلهم في مقرها بالباحة الأمامية لجامع الأمويين بدمشق إيماناً بخدمة المجتمع وتقديم يد العون للفئات الأكثر عوزاً، بينما تأسست “مجال” عام ٢٠٢٠ لكنها نالت شهرتها بعد عام من انطلاقتها، إذ تهدف إلى توفير ظروف معيشة كريمة للأسر المحتاجة من خلال تأمين متطلباتها الحياتية وتحسين الأوضاع الاقتصادية لأكبر عدد من المستفيدين.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا