تدريباتنا

الحرب والاقتصاد يشعلان فتيل الجريمة

بواسطة | أغسطس 4, 2020

“ياسر الصعب”، ليس اسماً عادياً لينساه السوريون بسهولة، فالاسم وحده قصة لمجزرة راح خلالها أولاد ياسر الثلاثة، وزوجته، حدث هز الساحة السورية على الصعيدين الواقعي والافتراضي، ففي الأول من شهر تموز/يوليو الفائت استفاقت العاصمة السورية على خبر مقتل ثلاثة أطفال واغتصاب أمهم وقتلها أمام أبيهم المطعون بسكين المهاجمين، في قرية بيت سحم. تعافى ياسر وخرج من المشفى، وألقي القبض على المجرمين الاثنين، وأحيلت أوراقهم للمحكمة، ولكنّ جرحاً لدى ياسر أعمق من مكان الطعنة في رقبته، لن يندمل وحتى بمرور السنين، فقد رأى الأب مشاهداً كأنها هاربة من فيلم سينمائي، وكل ذلك حصل بهدف السرقة، سرقةِ 260 ألف ليرة سورية (130$).

لم يكن تموز/يوليو شهراً عادياً على السوريين، الخارجين، كل يوم، من معركة حياتية قاسية، لتسجل البلاد أعلى مستوى من الجرائم المحلية في شهر واحد، ما ينبئ بأن البلاد تمر بمرحلة دقيقة على صعيد القيم المجتمعية والفكرية والتربوية.

يمكن أن نرد انتشار الجريمة لثلاثة أسباب: اجتماعية – اقتصادية – نفسية.

من الناحية الاجتماعية يُقرَأ الملف على أنه مرتبط بغياب الثقافة الاجتماعية، حيث يقول الدكتور موسى حبشي: “المشكلة كلها تتلخص في الحرب وتبعاتها من غياب لمنظومة الأخلاق الجمعية، فالجيل الناشئ في أتون الحرب لم تتح له ظروف المجتمع أن يرى الأمور من زواياها المتعددة، وبالضرورة أن يبني مفاهيم واضحةً حول التمييز بين الصح و الخطأ”، لا يحمل حبشي المسؤولية المباشرة لأحد، ولكنه يعتقد أن اجتماع الظروف الزمكانية في السنوات الماضية، أنجب أشخاصاً يصطلح حبشي على تسميتهم “دخلاء على القيم السورية”.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن راتب الموظف السوري يبلغ في المتوسط الشهري (23$)، ليست المشكلة في هذه الرقم المتدني للغاية قياساً بكل الدول المحيطة، المشكلة أن الشريحة الأوسع في سوريا عاطلة عن العمل الفعلي المستمر، ليعمل جزء لا بأس به كمياومين، هؤلاء عرفوا الجوع الحقيقي-القسري إبان الحجر في أشهر الربيع الماضي بفعل بدء انتشار فايروس كورونا في البلاد، بالطبع لا يمكن تحميل الحجر وحده مسؤولية انهيار القيمة الاقتصادية للمواطن أولاً، ولعملته ثانياً، فقبل كورونا كما بعدها، الناس ما يزالون جائعين، يفترشون الطرقات والحدائق، يبحثون بكل كد وجد عن عمل يكفيهم قوت يومهم، لذا فإن الفقر محرك منطقي للجريمة، فمعظم الحوادث فيما عدا الاغتصاب، تقوم على السرقة. القتل أيضأ لأجل السرقة، وربما الاغتصاب والقتل معاً، ثم السرقة، في إشارة واضحةٍ لمجتمع زادت في كبته تفاصيل الحياة والحرب.

ولكن من الناحية النفسية البحثية تتسع الدائرة، فالحرب خلفت داخل أنفس السوريين آثاراً شظت قلوبهم، كما شظت الحرب أبدانهم، فخلفت مما خلفته أمراضاً وآلاماً نفسية جمة، يخبرنا بها معدل ارتفاع زيارات السوريين للأطباء النفسين، ولكن حتى هذه الزيارات تعتبر ترفاً، فأجور الأطباء مرتفعة حتى على قياس الطبقة الوسطى، فكيف بالفقراء إذاً. يقول الدكتور هاني منصور وهو أخصائي نفسي أن السوريين اليوم ودون مبالغة محتاجون للعلاج: “الاكتئاب يسيطر على المجتمع، وكذلك حالات طبية أخرى، قسم منها يقود للجرائم بشكل مباشر محمولاً على دوافع بيئية – نفسية تجعله يعتقد أن ما يفعله هو الصواب وسينجو بفعلته”. ويشير منصور أنه من المستحيل أن تشهد دولة اختبارات نفسية موسعة للجمهور، ولكن لا شك، أن استعادة ضبط الشارع بعد تنفيسه والسيطرة عليه أخلاقياً سيكون حلاً مقبولاً، “مع ضرورة توعيتهم لمخاطر الجريمة وعقوبتها، وبأن لكل فعل سيكون هناك رد فعل قضائي”.

العنف الأسري

بتتبع الوضع الاجتماعي السوري فقد أثبتت فترة الحجر الصحي المنتهية مع مطلع حزيران/يونيو الماضي أن نسبة العنف الأسري قد ارتفعت نسبياً، إذ سجلت حتى الآن حوالي 318 حالة عنف بحسب مصادر غير رسمية، بينهم 166 اعتداء زوجي، 45 ضرب شقيق لشقيقته، و20 حالة اعتداء أبناء على أهلهم، و87 حالة عنف باتجاه الأطفال دون السن القانوني. وقد كانت آخر إحصائية مسجلة ورسمية عام 2019، وتحدث حينها رئيس هيئة الطب الشرعي في سوريا أن نسبة العنف الأسري ارتفعت بنسبة 25% قياساً بالسنوات السابقة، وبمعدل 504 حالات، بينها 31 طفلا و53 إناث تحت السن القانوني، و420 حالة لنساء بالغات، دون تسجيل أي حالة وفاة بسبب العنف الأسري.

انتشار المعلومة

لا شك أن سوريا كانت تشهد بصورة مستمرة جرائم مختلفة الأشكال، ليس ابتداء   بالسرقة وليس انتهاء بالقتل مروراً بالاغتصاب كما حصل للطفلة سيدرا (١٣عام في ريف الدريكيش – طرطوس) حديثاً، إذ تم استدراجها من قبل قريبها وصديقه، وكلاهما بعمر الأحداث، ليقوم أحدهما باغتصاب الطفلة، ثم شنقها وقتلها بسلك معدني، ومن وجهة نظر القانون فإن العقوبة قد تصل بحدها الأعلى إلى 12 سنة للجناة فقط، على اعتبار أن كليهما دون السن القانوني، بحسب المادة (29) من قانون الأحداث :”تفرض على مرتكبي الجنايات من الأحداث الذين أتموا الخامسة عشر وتحت الثامنة عشرة: إذا كانت جريمته من الجنايات التي تستحق عقوبة الإعدام فيحبس مع التشغيل بين ست إلى اثنتي عشرة سنة”.

ولكن ما جعل قصص هذه الجرائم تنتشر هو مواقع التواصل الاجتماعي التي صارت مساحةً واسعةً للمعلومات في سوريا، وجاءت هذه المواقع مدعومة بصفحات وزارة الداخلية الرسمية التي باتت تطرح كل ملفات الجرائم وتفاصيلها عبر صفحتها، ليتناقلها الناس باستمرار، وسبب شيوعها أكثر هو شناعة الكثير من الجرائم، ليطالب الناس بالقصاص من هؤلاء المجرمين، وبعضهم وبقسم كبير راح يطالب بعقوبة الإعدام للجناة في الكثير من الحوادث والجرائم.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات...

تدريباتنا