تدريباتنا

الدُّمى

بواسطة | يونيو 9, 2020

” بعد أن تَسقط الفراشة، يختلج اللَّهب قليلاً ثم يشبُّ. قشعريرةُ الندمِ تمرينٌ منشِّطٌ لكلِّ قاتِل.”

مزّقتُ الصفحتين. إنّ ما أكتبه قُرب الموقد بعيدٌ عن الشِّعر بُعدَ المتنزّهِ عن الغريق.

نُسقى العتمةَ بجرعاتٍ دقيقة. تتوسع الأحداق لتلبّي وظائفَ أخرى غير الرؤية. نحوم حول النيران لا لنَدفأَ بل لنطارد الأخيلة ونراقص أنسام الذكرى. تَخْدَرُ أيدينا بين الأزرار والشاشات كي نَقْنع أنّ الجلوس ارتحالٌ والظلامَ معرفة. تكتسب أصواتنا، يوماً بعد يوم، بحّةَ الأسرى الرتيبة، مترددةً في المجال المتوسط بين غمغماتِ الناجين من الزلزال وصراخِ المجروفين بالسيل.

تخجلنا الفرحة حين يعود التيّار، نكاد من شدة التقوّس أن نسجد لوليِّ نعمة الكهرباء. نكتشف أن أيامنا مقسومة بين شوطين: التزاحم على الخروج من الكهف كي نلعن وحشتَه، والتباري على العودة إليه لإكمالِ زخرفتِه.

ثم نتناسى. لدينا غرائز لا تلبَّى إلا في النور، وأخرى لا بدَّ من تأجيلها كي تستعر وتُسْكِر حين يعمُّ الظلام.

إننا مصفوفون على الحبال، مدهونون بكل ألوان الطيف. فلْيَعرِضْ محرِّكُ الدمى ما يشاء.

لكنْ. هناك، في الشارع، تحت المصابيح تصطخب الحقائق.

تَطمر الجبّالةُ آخِرَ بستانٍ، لينهضَ البرج مسوَّراً بالنباح، متباهياً بما جنتْهُ السياط.

يومئ الصائغ للسيدة الواقفة خلف الميزان أن تخلع إسوارةً أخرى، وهو يهاتف الشبحَ الممسك بخناقِ ابنِها.

تنهال الملامات على عامل الفرن لأنه انشغل عن تقليب الفطائر باستقبال من جاؤوا يهنئونه بماجستير الهندسة.

ستقول يا صديقي: ( إن هذا بعيدٌ أيضاً عن الشِّعر، إن الشعر كشفٌ للغامض وصبوةٌ إلى البعيد وارتقاءٌ للمطلَق.)

أزِحْ هذا السقفَ المطبق عن أضلاعي، واسرحْ ما شئتَ في براري الصوَر.

اغمرني بالنور، وهنيئاً لك اللَّهوُ بشبّابات الظلام.

جِدْ لي ينبوعاً أرتمي فيه، ومبارَكةٌ عليك مواويلُ الظمأ.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا