تدريباتنا

المثقفون انحازوا لهذه الطائفة أو تلك

بواسطة | نوفمبر 27, 2017

-I-

كلما نظرتُ إلى ما يجري في سورية الآن يُخيل لي أنني أشاهد كابوساً فظيعاً، فيلم رعب وأكشن طويلاً.. مع هذا أعتقد أننا قد تخطينا ما هو الأسوأ في هذه الحرب نحو السيء وهذا ضمن الظروف الحالية أمر جيد نوعاً ما.

أعتقد أن الاستعمار مطلع القرن الماضي اشتغل بذكاء على إرباك هذه المنطقة لزمن طويل منذ تقسيمها بشكل غير منطقي، والتلاعب بحدودها، دول تم ابتكارها من خلال شخوطة أقلام على أوراق الخرائط مراعاة لمصالح دولية ذات أبعاد اقتصادية بالدرجة الأولى، وخلق كيان سرطاني (اسرائيل) مع ظهور النفط ونهاية الحرب العالمية الثانية، ووضع مجموعة ألغام تنفجر تواً في هذه الدول (ألغام دينية وقومية وجغرافية، ويمكن مائية أيضاً)، ثم وأد الديمقراطيات الأولى في هذه الدول، وتمكين العسكر عليها، والأحزاب الشمولية ذات العقلية الإلغائيةالخ مما أدى بنا لنصل إلى دول دونما ديمقراطية ومواطنة ومجتمعات متقدمة.. مهددة بأي لحظة تاريخية بالانهيار (كدول وكمجتمعات).

– II-

حالياً وبالدرجة الأولى على المدى القصير: يجب العمل على إيقاف إطلاق النار بشكلٍ نهائي وذلك من خلال قيام الجهات الخارجية المعنية بالحرب بالضغط على النظام والفصائل المسلحة، وثم مساعدة كل الأماكن المنكوبة وإعمارها وعودة أهلها لها.

على المدى البعيد، إخراج كل الأجانب من سوريا، ثم مرحلة انتقالية يتم خلالها انتقال السلطة وتداولها عبر انتخابات ديمقراطية، تقوم على أسس المواطنة وعلمانية الدولة وفصل الدين عن الدولة ضمن دستور جديد حديث يحترم كل أطياف المجتمع.

-III-

لا أعتقد أنه سوف يحدث أسوء مما حدث، أظن أن المرحلة الأسوأ قد مرتْ، من الوارد أن تظل الأوضاع سيئة لكن الأسوأ قد مضى.

-IV-

أعتقد أنه في الحروب لا يمكن للمثقف أوللثقافة عموماً لعب دور مهم، الأدوار الأهم هنا تكون للأسلحة والمسلحين من كافة الأطرافالخ.

وأظن أن عدم وجود دور فعال إيجابي للمثقف وللثقافة في وجه الحرب، يظل أفضل من الدور السلبي الذي برز مع بداية الحرب وخلالها كان يعلو ويعلو، دور سلبي لمثقفين كثر، عجزوا لأسباب عدة من الانحياز لبرنامج وطني ديمقراطي ينقذ البلد، قولاً وسلوكاً وتفكيراً، وإنما ــ بدور سلبي غريب ــ انحازوا لهذه الطائفة أو تلك.

عموماً، الثقافة تلعب دوراً مهماً في المجتمعات المستقرة، أعتقد حالياً أننا نحتاج لمؤتمر واسع للمثقفين السوريين من كل البلاد، من أولئك الذين لم ينحازوا للديكتاتورية، وأولئك الذين لم يشاهدوا في الفصائل المتطرفة حركات تحرر أو خلاص أو حرية.

-V-

هذا الأمر لا يمكن أن يتم دون إيقاف الحرب، ودون انتقال تدريجي للسلطة، ودون لجم كل الفصائل المتطرفة.. إن عبرنا كل هذه المعوقات يمكن العمل على بناء مجتمع جديد تسوده ثقافة التسامح من كل الأطراف التي تأذت من الحرب من هذه الطائفة أو تلك، من هذه القومية أو تلك، تماماً كتجربة جنوب أفريقيا، التي أوصلتها ثقافة التسامح لأن تصبح في مدة زمنية متواضعة لأن تكون أحد أكثر دول العالم تقدماً، بعد حرب وديكتاتورية عانتْ منها طويلاً.

-VI-

لا أستطيع أن أجزم بشكل نهائي كيف سوف يكون مستقبل سوريا، لا يقين لدى أحد في هذا الأمر، يمكن التقسيم، من الوارد كونفدراليةالخ.

يمكن للواحد هنا أن يتمنى فقط..

أنا أتمنى بعد كل هذا النزيف والخراب والدمار والتشرد والآلام والعذابات، أن نصل إلى دولة سورية تعوض إنسانها و مجتمعها عن كل ما مر به من كوارث في هذه السنوات السوداء القليلة.. تعويض بأن تنهض به وترتقي فيه بكل المجالات، دولة سيدة نفسها، ومجتمع سيد نفسه، وإنسان سيد نفسه.

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

مثل الماء لا يُمكن كسرها

مثل الماء لا يُمكن كسرها

لم أستطع أن أخفي دهشتي حين قرأت المجموعة الشعرية "مثل الماء لا يُمكن كسرها" للشاعرة السورية فرات إسبر، فالنص مدهش وغني بالتجربة الإنسانية للمرأة في علاقتها بذاتها وبالعالم حولها، ويعبر عن صوت المرأة الحرة الشجاعة والمبدعة، صوت الأم والعانس والأرملة والعاشقة. أعتقد أن...

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

سوريا: كسوة العيد للأطفال محكومة بالأزمة الاقتصادية الحادة

حرصت عائلات سورية -في أعوام خلت- على شراء الملابس الجديدة قبيل عيد الفطر، وبخاصة للأطفال كي يشعروا بالبهجة والسرور، غير أن التضخم وتراجع القدرة الشرائية، إلى جانب تدني دخل الأسرة بفعل الأزمة الاقتصادية الحادة أثر بشكل سلبي على هذه العادة. في جولة لنا على عدد من...

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

تدريباتنا