تدريباتنا

المساكنة في سوريا… اختبار لنجاح الزواج أم عصيان اجتماعي؟

بواسطة | مايو 9, 2019

تتقاسم مرام (28 عاماً) ويزن (25 عاماً) أجرة المنزل والمصروف والفراش أيضاً، كأي زوجين، إنما دون عقد زواج أو عرس وتقاليد عائلية، إذ دفعت الرغبة باكتشاف الشريك جنسياً وحياتياً قبل الارتباط رسمياً بمرام لخوض تجربة المساكنة مع يزن الذي ترك منزل عائلته لمشاطرتها هذه التجربة، إضافة إلى رغبة الشريكين بقضاء أطول وقت معاً تحت سقف واحد، بعيداً عن أغلال المؤسسة الزوجية والقيود الدينية.

عن رأيها بتجربة المساكنة تقول مرام “تتيح لي فرصة التعرف على يزن عن قرب دون تصنع، واكتشاف عاداته اليومية بدءاً من الأكل والشرب والنوم وصولاً إلى أدق التفاصيل الحميمية، فالرضا الجنسي وتقبل عادات الشريك من شأنه أن يفضي إلى زواج ناجح”. وأضافت: “تظهر المساكنة لي حقيقته التي لا يمكنني اكتشافها في الساعات القليلة التي سأقضيها معه خارج إطار المساكنة، فغالباً ما يقدم الطرف نفسه للآخر في العلاقات الأخرى بأبهى حلة وبصورة مثالية تكون منسلخة عن الحقيقة التي تبدأ بالتكشف تدريجياً بعد الزواج”.

وترفض الشابة النظرة السلبية العامة للمساكنة بوصفها علاقة عابرة لإشباع الجوع العاطفي والجنسي بين رجل وامرأة، فهي ترى أن الكثير من علاقات المساكنة يتسم بالجدية والالتزام الكلي مع الشريك “ربما أكثر مما يحققه عقد الزواج الرسمي، شريطة توفر الوعي والنضج بين الشريكين” بحسب تعبيرها. وتعتبر مرام أن المساكنة تمهد لزواج ناجح وبناء أسرة، وهي خطوة لتجنب الطلاق وتقول: “عقد الزواج لا يعني بالضرورة أن تلتزم بشريكك والإخلاص له عاطفياً وجنسياً، بل أحيانا يكون العكس، فهو يبيح للرجل الخيانة انطلاقاً من حقه بتعدد العلاقات شرط أن يعود في الليل إلى فراش الزوجية، والالتزام بمصروف المنزل وأعبائه المادية”.

ويتفق يزن مع مرام في نظرتها للمساكنة، ويصف علاقته بها بـ”المتينة، المدفوعة بالحب والاكتفاء بها عاطفياً وجنسياً، والالتزام الطوعي، وليس القسري المتجسد بورقة هزيلة تسمى الزواج”، ويضيف يزن “برأيي تمثل المساكنة منتهى الالتزام لأية علاقة حب بين شخصين يتقاسمان الحياة بكافة تفاصيلها وأعبائها المادية، وبقاؤنا معاً ناجم عن قرارنا الشخصي، ورغبة باكتشاف طباع وعادات بعضنا إلى حين اتخاذ قرار الزواج لاحقا بشكل رسمي وفي الوقت المناسب”.

وتفضل مرام أن تُقبل على هذه الخطوة عند التأكد من نجاح تجربة المساكنة، وعندما يفكر الشريكان بإنجاب طفل، عندها يصبح الزواج ضرورة لئلا يوصم بالعار، وليتمكنا من تسجيله بشكل قانوني دون مشاكل.

ورغم مناهضة العديد لظاهرة المساكنة بوصفها “فكرة غربية مستوردة تعتدي على المنظومة الاجتماعية والدينية”، يجدها آخرون ظاهرة مثيرة للتجربة تستحق القفز فوق أسوار المجتمع وكسر محرماته، أو صيغة تعايشية مؤقتة بين شخصين متحابين تقف الفروقات الطائفية حائلاً أمام زواجهما، بفعل الخضوع لقوانين العشيرة والقبيلة والملة المنتميين لها، كما أن هناك من اختارها نتيجة عجزه عن تسديد تكاليف الزواج المرهقة.

كما حدث مع رام (اسم مستعار)، الذي فضل عرض حبيبته بالمساكنة، على فكرة الزواج التي كانت بمثابة مخاطرة اجتماعية فادحة لا يمكن الإقدام عليها. يقول رام “كان من الصعب جداً التفكير بالزواج، فوضعي المادي لم يكن يسمح بتحمل نفقاته ومستلزماته أو حتى فرصة امتلاك منزل نظراً لغلاء المعيشة ومتطلبات الحياة، كما أن مستقبل البلاد كان مجهولاً لا يمكن التنبوء به، ولا يشجع على تأسيس عائلة وإنجاب أطفال، ناهيك عن ارتفاع منسوب عدم الأمان والاستقرار”، لا يخفي الشاب أن الاختلاف الطائفي كان له أثر كبير في دفع العلاقة تلقائياً للسير نحو المساكنة نظراً لانتماء الطرفين إلى طائفتين مختلفتين يجعل الزواج بينهما معركة اجتماعية صعبة.

يروي رام: “لم يكن أهلنا ليقبلوا بزواجنا أومباركته باعتبارها تنتمي للطائفة الدرزية وأنا علوي، فكلا عائلتينا تمتلك من التعصب ما يكفي لنبذنا ومقاطعتنا وربما يصل حد القتل”، وأفسح انتقال رام من حمص للعيش في دمشق له المجال لاختبار هذا النوع من التجارب، بعيداً عن أعين الأهل. ويضيف: “علاقتنا مع الجيران كانت في غاية الرسمية، فلم نواجه المشاكل ولا أية تدخلات من قبلهم، حتى أننا لم نضطر لتقديم أنفسنا لهم بصفة زوجين حديثي الزواج، فمجتمع المدينة يعد أكثر انفتاحاً مقارنة بالريف الذي يتسم بصغر مجتمعه ما يجعل العلاقات الاجتماعية مفتوحة ومكشوفة دون مراعاة للخصوصية، مما أتاح لنا الفرصة لخوض هذه التجربة دون مخاوف”.

أما فرح فقد اتخذت من المساكنة طريقاً نحو الزواج، وهي ترى أن “شخصية الشريك لا يمكن تعريتها وكشفها إلا عبر السكن معه، شرط أن لا تتجاوز مدة المساكنة أكثر من عام خوفاً من إفساد العلاقة وإصابتها بالجمود” كما حصل معها وعن تجربتها تقول: “وصلنا إلى مرحلة الإشباع من النهم العاطفي والمعرفي والفضولي والجسدي بعد خمس سنوات من المساكنة، التي تضع شريكك عارياً أمامك دون أقنعة أو مساحيق تجميل، فتشاهد عريه ومعدنه وندوبه وصفاته وأخطاءه وأسراره التي يخشى عليها من البوح، فبات كل منا يحفظ الآخر عن ظهر قلب، كما تسلل الجمود إلى العلاقة ولم يعد أمامنا سوى السير نحو الزواج كثمرة ناضجة للعلاقة”.

من جهة ثانية لم تكن المساكنة بالنسبة لزين (اسم مستعار) تتجاوز مسألة ممارسة العلاقة الجنسية، التي قد تصبح فرصة لاختبار مدى نجاح العلاقة، للتأكد من صوابية الدخول في علاقة طويلة الأمد. عن هذا يقول زين: “كنا مختلفي الطباع والعادات اليومية، لذلك لم تتوج علاقتنا بالزواج، ففي المساكنة تكتشف تفاصيل الشريك، وإذا لم يوجد انسجام يكون الانسحاب من العلاقة أقل كلفة للطرفين منه في حالة الزواج ووجود أطفال”.

ويعتقد يوسف أن الحرب تركت الباب موارباً لعلاقات المساكنة وشجعت الشباب على الدخول فيها، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي حلت بالبلاد وإنعدام فرص العمل، ويقول “لم أخض تجربة المساكنة، لكنني أؤيدها من حيث المبدأ، لاسيما أن قرار الزواج في ظروف البلد بات أمراً مكلفاً للشاب السوري، فشراء منزل في منطقة عشوائية لا يقل عن 6 ملايين ، علاوة عن تكاليف الزفاف والذهب الذي لا يقلان عن مليوني ليرة سورية”.

لكن سحر تختلف مع يوسف وترى أن المرأة هي الخاسر الأكبر من هذه العلاقة، “التي غالباً ما تكلل بالفشل، وبوصمة عار تلاحقها مدى الحياة، في ظل مجتمع تسيره العادات والأعراف الاجتماعية وعقلية ذكورية سادية” بحسب قولها. فالمساكنة برأيها تعفي الشاب من التزاماته تجاه المرأة، وتفسح له المجال إلى هجرها في الوقت الذي يحلو له، عدا عن السمعة السيئة التي ستلازمها وتحرمها من فرص الزواج.

تناقض النص القانوني

لم يتطرق القانون السوري لموضوع المساكنة بشكل مباشر، فلا تتناول نصوصه موضوع العيش المشترك بين المرأة والرجل وإقامة علاقة جنسية تحت سقف واحد دون رابط عقد الزواج. وبينما يسمح قانون العقوبات بالحرية الجنسية للرجل والمرأة العازبين وهو من ضمن الحقوق الشخصية التي يصونها الدستور، إلا أن القانون أحياناً يعتبر المساكنة جريمة يعاقب عليها تحت اسم الزنا، ويعتبرها من الجنح المخلة بآداب الأسرة. فبحسب المادة 473 من قانون العقوبات السوري، تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً، وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.

ولا يوجد في القانون ما يسمى مساكنة لكن يوجد عقود زواج “خارجية” تعتبر نوعاً من أنواع المساكنة والعرف يقرها، فليس هناك أية مادة تمنع أو تعاقب المساكنة بين اثنين دون زواج شرعي، ولا يمكن اعتبارها تحت جرم الزنا إلا إذا تم الإبلاغ عنها للسلطات المختصة التي تقوم باستدعاء الطرفين ودفعهما غالباً إلى إجراء عقد زواج نظامي. ففي حال التبليغ على الشاب والفتاة من قبل الجيران والقبض عليهما وهما يمارسان الجنس، يعاقبان من قبل القانون بالحبس إذا لم توجد ورقة زواج عرفي، أما في حال وجود هذه الورقة، يثبت القاضي زواجهما آخذاً بعين الاعتبار أنها ستصبح زوجته، مع الإشارة إلى أنه في حالة القبض عليهما بسبب وجودهما في المنزل نفسه دون ممارسة الجنس لا يحق للقاضي محاسبتهما، لأنه من الممكن أن تربطهما علاقة عمل أو أي علاقة أخرى غير الجنس والحب.

وسواء مورست المساكنة بصورة  سرية أو علنية، يبدو أنها بدأت بفرض نفسها في المجتمع السوري، فهل ستصبح المساكنة شكلاً قانونياً منظماً أو يتم التعامي عن أسبابها ونتائجها والاكتفاء بإدانتها باعتبارها مستوردة من الغرب؟

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا