أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
قليلات النساء اللواتي عملن في الإخراج السينمائي، وخاصة في سوريا. يبرز اسم هالة العبد الله بينهن، وهي التي تميزت بالفيلم الوثائقي، كما كانت عضوة في لجان تحكيم عدة مهرجانات سينمائية. كان فيلمها الأول بعنوان “أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها” وقد منع عرضه في سورية ولم يظهر للمشاهد إلا في عام 2021 حين تم طرحه في اليوتيوب تحية للشاعرة السورية دعد حداد. وقد تحدثت عن منع الفيلم وعن السينما السورية، بشكل عام في هذا اللقاء:
– تقولين في فيلمك الطويل الأول” أنا التي تحمل الزهور إلى قبرها”: “أردت ان أحقق أفلامي في بلدي سوريا، وليس في الغربة، ولكن بعد 25 سنة؛ عندما رأيت أن عمر الخمسين يقترب والعودة إلى البلاد تبتعد، تنبهت إلى أن مشاريع افلامي تتراكم فوق ظهري وأن الوقت قد حان للتخلص من هذا الحمل “. بعد سبعة أفلام طويلة وثلاثة قصيرة إلى أي حد تشعرين بذلك التخفف؟ أم أن المشاريع تتوالد أكثر مما يتيح الزمن تحقيقه؟
– كنت يومها -عام ٢٠٠٦- أقصد تلك الأفلام التي تراكمت منذ بداية الثمانيات، أي خلال 25 سنة من عملي في السينما على أفلام الغير. ولم أتمكن من إعطاء الوقت لأفلامي الشخصية، وبالتالي ازداد ثقل هذا الحمل من بقاء مشاريع الأفلام في مخيلتي وعلى أوراقي وفي ملفاتي. وحتى من كان منها له وجود بصري كنت أؤجله في منتصف الطريق لكي أعمل على أفلام الآخرين.
كانت مشاركتي معهم تشكل لي متعة، وأهمية وغنى كما لو كنت أنجز أفلامي الشخصية.
المهم في الأمر أن هذا الفيلم جاء يحمل كل تلك الأفكار والمشاريع التي رغبت في تحقيقها وتركت الوقت يمر دون أن أنجزها، فأشرت لها بطريقة ما في الفيلم واعتبرت أمام نفسي أن هذه الإشارة كانت كافية. والحقيقة كان هذا نوعاً من الخديعة من طرفي للمخرجة في داخلي، إذ أوهمتها بأن هذه الأفلام؛ قد أخذت حقها مع أنها لم تتحقق كاملة، بل فقط مررت على ذكرها باختصار شديد. بفضل هذا الوهم خففت من ذلك الحمل الذي كان على كتفي وصنعت فيلماً أنا سعيدة به اليوم.
ما تغير بعد إنجازي لهذا الفيلم، هو علاقتي وطبيعة إحساسي بمرور الزمن. ففي عمر الخمسين قمت بنقلة حقيقية مع فيلمي الطويل الأول هذا، بعدها صار طعم الزمن مختلفاً جداً. صار لدي إحساس أنه يسبقني، وأنني يجب أن أركض خلفه، وأركض وأنا أصنع أفلامي. هكذا أضحيت ألهث لأستطيع تحقيق كل ما أفكر به وأرغب بإخراجه للنور. اليوم أشعر أن روحي مكتظة بالمشاريع التي علي أن أحققها ولن أسمح لنفسي بعد الآن أن أهدر الوقت كما فعلت في الماضي.
–نال فيلمك هذا جوائز عالمية، وشارك في مهرجانات عدة، لكنه منع في سورية ما السبب برأيك؟ وهل عرضت لك أفلام أخرى في سورية؟
– كان عرضه الأول عام ٢٠٠٦ في مهرجان فينيسيا، وكان الفيلم الوثائقي السوري الأول الذي يُعرض في مهرجان دولي، عمره تقريباً سبعون عاماً. رفرف يومها العلم السوري بين أعلام الدول المشاركة، وكان لذلك أثر عاطفي ووجداني علي. مُنع الفيلم في سوريا بطريقة مباشرة جداً وبعيداً عن اللف والدوران كما يحدث عادة بقرارات الرقابة غير المعلنة. كان عرضه مقرراً في سينما الكندي في دمشق، برعاية السفارة الإسبانية ضمن نشاط تنظمه المخرجة المصرية أمل رمسيس، لعرض مجموعة أفلام، حوالي (12) فيلماً، لمخرجات أفلام ناطقة أو مترجمة للإسبانية، لكن طرفاً يمثل السلطة السورية طلب من الملحق الثقافي الإسباني عدم عرض فيلمي، وأن حضوري للعروض الأخرى غير مسموح به ومنع يومها أيضاً، على ما أذكر، فيلم مكسيكي من المجموعة. وتم بشكل رسمي طلب إزالة عنوان الفيلمين من كتالوج هذا النشاط السينمائي بالإضافة لمنعي من التواجد في صالة العرض. فارتأت منظمة التظاهرة توقيف كل العروض مع إعلان السبب الحقيقي للصحافة بكل وضوح.
أتساءل حتى اليوم؛ ما سبب منع بوح بعض النساء عن تجربتهن وآلامهن وأحلامهن؟ كيف يمكن أن يكون ذلك مؤذياً لهيبة الدولة؟ الحقيقة لا أعلم!
لقد تكرر هذا الأمر مع أفلام أخرى كثيرة، مثل فيلم لعمر أميرلاي، بعنوان (الحياة اليومية في قرية سورية) وقد نظمتُ له عرضاً منذ عدة أشهر بمرسيليا، ونحن اليوم في عام ٢٠٢٣ والفيلم مازال حتى اليوم ممنوعاً في سوريا، رغم أنه أنجز عام ١٩٧٣ أي منذ خمسين سنة!
-ما حجة في منع فيلم ما، وبعد كل هذه الزمن؟
فيلم يحكي عن واقع أشياء غير متخيلة أو غير مخترعة، بل من صلب حياتنا وهو لم يفعل سوى تسليط الضوء عليها.
إنهم يخافون من الحقيقة ويعملون على أن تبقى في العتمة. الرقيب هو من يحدد ما على المتفرج أن يرى ويقول: “أنا بعرف شو لازم تشوف وشو ما لازم تشوف “! هذه الرقابة الغبية التي ما زال يطبقها حتى اليوم نظام القمع في بلادنا!
أما عن الشق الثاني من سؤالك حول عرض أفلام أخرى لي في سوريا فلم يحدث على ما أذكر سوى عرض فيلم وحيد هو «هيه! لا تنسي الكمون» ِ وذلك ضمن نشاطات داخل المركز الثقافي الفرنسي.
-هناك كثير من السوريين، وخاصة الشباب لا يعرفون هالة العبد الله، ما تأثير ذلك عليك. إلى أي حد يؤلمك ذلك؟
–الحقيقة أنا غير معروفة في سوريا لا لجيل الشباب ولا للكبار أيضاً وهذا الشيء لا يفاجئني وبالتالي لا يؤلمني ولا أقوم حتى بالتساؤل عن ذلك. لأنني أولاً على دراية بالوضع العام للبلد ومن هم تحت الأضواء فيه. وثانياً لا يعنيني أن أكون معروفة أم لا، في حال أنك تقصدين مقارنتي بنجوم المسلسلات. لا رغبة لدي بالبحث أو انتظار أو ترقب شيء اسمه الشهرة. ما يعنيني في الحقيقة؛ هو أن يكون كل إنسان في سوريا له الحق بمشاهدة الفيلم الذي يريده، أن تكون الحرية كاملة لكل الشباب، والصبايا، والكبار والصغار، للاطلاع على جديد السينما العالمية وأنواعها، وعلى أفلام المخرجين السوريين أيضاً. ما يهمني وأتمناه أن يكون هناك تواصل لي وعلاقة حقيقية مع الجمهور. وأن تتمكن السينما الوثائقية من الوصول لكل الناس. هذا شيء نفتقده في سوريا بشكل ممنهج ومقصود. ومن هنا أعتبر نفسي، متل أي مخرج آخر للأفلام الوثائقية، محرومة من حق التواصل، مع جمهور يهمني كثيراً، ليس بهدف الشهرة والنجومية، بل لأني أصنع أفلامي من أجله أولاً وقبل أي طرف آخر. قلبي يتلهف للقائه وكل ما يتمناه دوماً هو أن أستطيع عرض أفلامي له في سوريا.
–فيلمك الطويل الوثائقي الأول الذي نتحدث عنه صور بالأبيض والأسود أتساءل لماذا؟ ألأنه ينبش في الذاكرة/الماضي؟ أم لأنه يصطاد في ماء العلاقة مع الذات حيث تحديد الأشياء بدقة لا لبس فيها ولا تلوين؟
– الحقيقة؛ بعد مرور سنين طويلة على صناعة فيلم “أنا التي تحمل الزهور الى قبرها” ما زال يثير فضولي حتى الآن، تفسير المتفرجين والأصدقاء، لخيار الأبيض والأسود في هذا الفيلم، وكيفية تلقيهم له. أستمتع بالاطلاع على ذلك، كما تأثرت جداً الآن حين عرفت تفسيرك له من خلال طرحك للسؤال حول هذه النقطة، لكن الحقيقة كان ذلك لأسباب أخرى.
صنع الفيلم بطريقة مغايرة لما هو متداول عادة. إذ لم تكن له فترة تصوير محددة، ولم أكتب له نصاً مسبقاً، فقد كان فيلماً يصنع عند توفر الوقت، وأثناء مشاركتي بأفلام الآخرين ويتأثر بالتالي بحسب اللحظة المتاحة للتصوير بالإضافة لرغبتي بالمغامرة الفنية، وبالرغبة بكسر القيود، والقوالب المتعارف عليها، في الفيلم الوثائقي. لقد تم تصويره في أكثر الأحيان، بطريقة عفوية وارتجالية، و بمعدات تصوير متنوعة، ليس بنفس الكاميرا ولا بنفس الضوء أو الأوقات ولا مع نفس الأشخاص، كان لدي مواد منوعة جداً، ومختلفة عن بعضها البعض، وكنت أحياناً كثيرة، أنا من يصور بشكل اضطراري (فلم تكن هذه مهنتي) ثم في بعض الفترات ساعدني بالتصوير عمار البيك. كانت كل المواد المصورة ملونة، وليست بالأسود والأبيض. وخلال المونتاج، الذي امتد لفترة طويلة، كنا نتناقش دوماً حول تنافر مواد الفيلم؛ من الناحية التقنية والبصرية وحين انتهينا من المونتاج -وكان الفيلم بالألوان- برزت هذه المشكلة بشكل أكبر.
حينها وبعد نقاش طويل بيني وبين عمار، بحثنا كيف يمكن أن نوّحد كل هذه المواد المبعثرة فنياً وزمنياً ووجدانياً، وقررنا أن نجرّب رؤيتها بالأبيض والأسود. حين حولنا الفيلم للأبيض والأسود أحسسنا بالوحدة البصرية التي نريدها، وصار هناك نوع من الألفة بين اللقطات، وفي نفس الوقت وجدنا أن الأبيض والأسود، بالإضافة لتخفيفه الكثير من المشاكل، أضفى نوعاً من الإحساس بالماضي وبالذكريات وبالنوستالجيا، ما أدخل على الفيلم شيئاً من الدفء والحنان أيضاً، وهكذا اعتمدنا أخيراً خيار الأبيض والأسود.
– كتبتْ دعد حداد بتفرد “بلاغة الألم” فهل أردتِ حين تقولين: أريد لدعد أن تكون ملكة الفيلم كشف تلك البلاغة لدى شخصياتك أيضاً؟ أم استخدمت نفس البلاغة بربط التجارب والمواضيع مع بعضها وحيث يتجلى القهر الذي يتركه مرور الزمن؟
– حين أعمل على إنجاز أفلامي، أكرر لنفسي ما سأقوله لك الآن، وهو مثال لإيماني العميق بعملي: أشعر كأني أرمي خيوطاً باتجاه المتفرج، وأحب أن يمسك كل شخص بطرف الخيط الذي يختاره، و يسحب الفيلم نحوه، وبذلك أشعر أن المتفرج صار شريكاً معي بصناعة الفيلم، وهذا ما أريده لكل أفلامي، أي أن يكون هناك لكل متفرج قراءته الخاصة. كأننا أمام مبنى من عدة طوابق؛ وكل متفرج يختار طابقاً له ويستقر فيه: الطابق الأول، الطابق الثاني، بلكون بدون بلكون، شبابيك بدون شبابيك الخ…
له الحرية باختيار ودخول المكان الذي أحبَه، أو لمسه أو حتى تخيله. هذا شيء يفرحني كثيراً؛ أن تحرّض أفلامي الناس على أن تتخيل شيئاً آخر مختلفاً، بعيد أو قريب من الشيء الذي أعنيه كما تفعلين أنت بأسئلتك الآن.
بالنسبة لدعد حداد كملكة للفيلم، ومع أنني أحبيت كثيراً ما قلتيه في سؤالك حول هذا الأمر، لكن الذي حصل أنني أثناء التصوير قلت بعفوية مطلقة في لحظة ما بالفيلم أنني أريد لدعد حداد أن تكون ملكة لفيلمي. جاء هذا من إحساسي بكم الظلم الفظيع الذي عاشته دعد حداد، سواء من المجتمع، أو من الرجال الذين أحبتهم وخذلوها حين لم يقدّروا هذا الحب. في الفيلم أو خارجه تمنيت لو أستطيع ضمها ضمة كبيرة لقلبي وأقول لها: أنت جميلة جداً وحساسة جداً، أنت جريئة ومحبة وقوية. كنت أريدها أن تعرف أنها جديرة بأن تكون ملكة، ملكة الأحاسيس والمشاعر، ملكة الجرأة في الكتابة، ملكة الِشعر. بهذا المعنى قررت أن أطوَبها ملكة على فيلمي. لأنها تستحق ذلك ولم تأخذ حقها من الحياة.
– اختيارك العنوان وإنهاء الفيلم بقصيدة ثم نشاهد في الفيلم لوحات يوسف عبد لكي إلى أي مدى ترين السينما حالة ثقافية يمكنها جمع هذه الفنون؟
– الحقيقة إن وصول الفيلم للمتفرج مكسب كبير لأي مخرج. بالنسبة لي أؤمن أن السينما؛ هي وسيلة تعبير تساعدني لقول ما أريد وتسليط الضوء عليه. وعلى تخفيف الضغط الذي يخنق روحي. أقاوم من خلالها، الوقوع والاستسلام لخيبات وصعوبات الحياة. إضافة لكل ذلك، تأتي أهمية السينما من وجهة نظري بأنها تجمع كل أِشكال الفنون ففي السينما سرد، ورواية، وجمال بصري له علاقة بالتشكيل واللوحة. في السينما شغل على الضوء، والصورة والحركة، وعلاقة مع ممثلين أو شهادات أشخاص يبوحون ويعبرون عن أنفسهم، وهناك المؤثرات الصوتية والموسيقى، وتطويع الأغاني لخدمة دراما الفيلم. فعلاً السينما تجمع كل أنواع الفنون بلحظة واحدة. حتى انتقاء عنوان الفيلم أو النهايات التي نسميها “الجينيريك” هذه الأمور التي نختار حلولاً لها في الغرافيك أوالخط أو الأرشيف، تأتي من عالم فني مختلف لتغني الفيلم، حتى ولو جاءت كإضافات في اللحظات الأخيرة.
في نفس الوقت فإن الفيلم، يمثل فسحة من الحرية لكل أنواع الفنون لتتداخل مع بعضها وتجتمع وتأخذ مكاناً لها بزاوية ما منه، فتكون منسجمة أو متناقضة مع ما يليها أو ما يسبقها. قد تفتح له طريقاً أو تتغلب عليه وتدفعه الى الوراء. يتم هذا الفعل علناً او سراً بشكل بنّاء أو هدّام. هذا الجانب البديع والغامض في السينما هو الطاقة السحرية التي تنطلق من فيلم ما باتجاه المتفرج فيلمسه بفضلها ويستمتع به ويدخله الى قلبه.
– كانت أفلامك واقعية ووثائقية وتناولت مواضيع شتى من السياسة إلى الاجتماعي والعائلة وماذا في ذهنك من قضايا جديدة؟ وهل في بالك إخراج فيلم روائي وما المانع؟
– لأنني صرت بعيدة عن سوريا، ولم أتمكن من زيارة بلادي منذ اثني عشر عاماً، سواء لفترة قصيرة أو طويلة، لم أعد أسمح لنفسي بالحديث عن الواقع السوري. لأنني أشعر أني أضحيت بعيدة بعض الشيء رغم أني أتابع كل المستجدات وتغيرات الواقع، وأتلمس عن بعد نبض البلاد دوماً. ولكن لم أعد أجد لدي المصداقية حالياً للعمل على فيلم وثائقي عن الوضع في الداخل السوري.
بجميع الأحوال منذ فترة أجد نفسي ميالة للعمل على قضايا النساء بشكل عام. هذا ما يشغلني حالياً وسأحاول أن أعمل عليه أكثر.
بالنسبة للسينما الروائية، فأنا منذ سنتين تقريباً أحضّر لمشروع فيلم روائي قصير، وأتأمل أن أتمكن من إنجازه قريباً. فهو جاهز للتصوير، ولكني أنتظر الحصول على التمويل اللازم لتغطية الحد الأدنى من احتياجات الفيلم المادية. أتشوق لخوض تجربة جديدة شخصية لها علاقة بالسينما الروائية، خاصة أنني عملت كثيراً مع مخرجين آخرين على أفلامهم الروائية، وكان لي فيها تجربة مهمة تعلمت منها الكثير.
– أخرجتِ فيلماً عن المخرج السوري عمر أميرالاي رغم أنك عملتِ مع غيره من مخرجين سوريين لا يقلون أهمية عنه فلماذا هو بالتحديد؟
– عندما أصنع فيلماً عن شخص ما أو شخصية ما، فليس لأنه أهم شخصية أو أهم فنان في العالم، ولكن لأن هناك نداء ورغبة تغليان في أحشائي، هناك فضول وثقة بأنه ستكون هناك نتيجة إيجابية، ودخول لأماكن كانت مغلقة لدى هذه الشخصية، وأنني سأتمكن من تسليط الضوء على أماكن عاتمة في أعماقه. هكذا أعمل على مواضيعي التي أتناولها في مشاريعي، سواء كانت شخصية أو موضوع عام. فليس الأمر هو مقارنة بين أحد وآخر من حيث الأهمية أو القوة، بل قصة مزاج ورغبة وشعور بالضرورة، وهذا ما يولد في أعماقي دون أسباب موضوعية. إضافة إلى أن عمر أميرلاي هو صديق زمن طويل، وهو مخرج سوري لديه حوالي 25 فيلماً مواضيعها مرتبطة بالحرية، وبالموقف الاجتماعي والسياسي الواضح مع العدالة، وضد الظلم والاضطهاد و90 بالمائة منها ممنوع. كان لعمر مواصفات مختلفة عن الآخرين من الناحية الموضوعية، لكن في الحقيقة حين أرغب بصناعة فيلم لا تكون دوافعي موضوعية، بل تكون فعلاً دوافع داخلية وشخصية بحتة.
– ما رأيك بواقع السينما في سوريا حالياً؟
ــ أفضل أن أقول السينمات بالجمع لوجود حالات متنوعة من الإنتاج السينمائي ظهرت بعد الثورة السورية. ففي الداخل السوري هناك إنتاج سينمائي رسمي يصفق للسلطة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ويدعمها ويقف ضد من عارضها وقاومها. وهناك نوع آخر يمكننا وصفه بالضبابي، هم أولئك الذين لا يعلنون موقفاً سياسياً واضحاً، فيصنعون ما يسمى سينما حيادية وهذا ما أسميه هروباً من مواجهة الحقيقة. وهؤلاء لهم أعذارهم إذ ربما هم لا يملكون الطاقة أو الرغبة بتحدي السلطة.
ومن جهة أخرى وفي الصف المقابل فمن المؤكد، أن هناك الكثير من المشاريع والأفلام الاحترافية التي تطبخ على نار هادئة في سوريا. وستظهر في يوم من الأيام إلى النور وسيكون فيها نفَس مختلف جميل وجريء ومتميز. لا بد أن هذا سيحصل في السنين القادمة.
بالنسبة للوجه الآخر للسينما التي ظهرت بعد الثورة، فهناك كثير من المحاولات للتعبير عن المعاناة اليومية التي يعيشها الشعب السوري، إن كان تحت القصف أو في سجون النظام أومن الظلم والقمع في كل تفاصيل الحياة أوعن أنواع الموت، والهلاك أثناء محاولات الهروب الى المنافي. وهناك أيضاً الكثير من الأفلام التي تتأمل المستقبل، وتعرض وسائل المقاومة والتحدي. ويمكن أن نرى في كل هذا الإنتاج السمعي البصري، روحاً تجريبية ومغامرة ورغبات قوية لدى الجيل الشاب، بأن يستخدم وسائل التعبير هذه ليقول كلمة الحق، ويدافع عن العدالة والحرية. ولكن ليس بالضرورة أن تملك هذه الأفلام قيمة فنية متميزة أو سينمائية عالية. وفي هذا السياق لا يمكن أن نتجاهل دور وأهمية وجرأة هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بإخراج أفلام وثائقية سجلوا فيها لحظات العنف التي طبقها النظام السوري على كل من رفع رأسه وصوته ضده. هؤلاء الذين غامروا بحياتهم وهم في سوريا كي يسجلوا الواقع، وينشروا الحقيقة رغم إدراكهم لإمكانية دفع الثمن غالٍ. منهم من كان محترفاً ومنهم من كان يصوّر بعفوية وارتجال، دون أية معرفة أو خبرة مهنية. منذ بداية الثورة ولد هذا النوع من الإنتاج البصري السمعي الذي سمحت لنفسي بأن أطلق عليه تسمية سينما المؤلف الوثائقية، رغم ما تخلل هذا النوع من بدائية سينمائية في بعض الأحيان.
من جهة أخرى ظهر نوع آخر من الإنتاج السينمائي في دول الجوار أو في أوروبا، نضج وصار له وجود وهوية واضحة، عن طريق التدريب والاطلاع والمعرفة والتجربة فانتشرت مجموعة كبيرة من الأفلام، التي فرضت نفسها بفضل قيمتها السردية والسينمائية العالية، رافقت الثورة عن بعد وساندت الشعب السوري في مطالبه بالحرية والكرامة. وأخيراً هناك نوع من الأفلام التي صنعها بعض المخرجين السوريين في الخارج، وهي تميل لاستعراض العضلات ومداعبة الغرب، إما بهدف الحصول على دعمه التمويلي أو للانتشار في أوروبا ودخول المهرجانات.
للأسف أنها نجحت في سرقة الأضواء وأنا أعتبرها نوعاً من السينما الانتهازية التي تسلقت الثورة ثم أدارت لها ظهرها. ورغم أنها وصلت أحياناً لمبتغاها ونالت جوائز وشاركت في مهرجانات مهمة. ولكنني شخصياً لا أعوّل على هذا النوع ولا أثق به. هذا للأسف طريق مُغرٍ ويفتح الشهية على محاولة اقتناص الفرص. وكم أتمنى من الشباب أصحاب المواهب المتميزة، أن لا يتورطوا في تجارب انتهازية مثلها.
– هناك تجارب سينمائية سورية شابة تحصد جوائز هل تتابعين هذا الجيل الشاب وما يفعله ورأيك بهذه التجارب؟
– من واجبي أن أتابع وأرافق بحرص وجدية إنتاج الجيل الشاب. يعنيني هذا الأمر، لأنه يمثل مستقبل السينما السورية أولاً. وثانياً لأنه يمنحني طاقة منعشة، ورغبة أكبر لأعمل على أفلامي الشخصية. لدي يقين بأن هناك إنتاج جديد يكبر وينضج مع هذا الجيل. أحرص لأن أتفاعل معهم ونتبادل تجاربنا سواء الذين في الداخل، حيث أرافقهم عن بعد وأساندهم في مشاريعهم في مراحل الكتابة، أو أثناء الإخراج، وكذلك الأمر لمن هم في الخارج بالإضافة لأني أشرف أيضاً على دورات تدريبية لهم. حيث أتعامل منذ سنين طويلة باهتمام ومثابرة مع هذا الأمر، وقد منحته الكثير من وقتي وجهدي وتجربتي. وأنا سعيدة ومؤمنة بعمق الفائدة المتبادلة بيني وبينهم. أما عن الجوائز التي يحصلون عليها فلا أتوقف عند هذا الموضوع طويلاً. لا أؤمن بأن الجائزة تعطي قيمة حقيقية للفيلم فقيمتها إعلامية ولحظية وبراقة. قد يكون الحصول على الجائزة منعشاً للمخرج، ويحفزه على العمل ويعطيه الحماس، وهذا جانب إيجابي خاصة حين يكون للجائزة مصداقيتها وليس فيها مسايرة أو دعم سياسي. لا أنكر ذلك طبعاً ولكن يجب أن لا ننسى أن إقرار الجائزة له علاقة بمجموعة محدودة من الأشخاص، يحكّمون الفيلم ويتفقون على منحه الجائزة، في لحظات تتعلق بالمزاج والذوق وكمية ونوع الأفلام المتنافسة معه. المشاركة بالمهرجانات هي فرصة جميلة للقاء المخرج مع متفرجين من ثقافات وأذواق متنوعة ولمتابعة سينما بلاد أخرى وخوض نقاشات غنية تبلور الرؤية السينمائية وتصقلها. ولكن هذا لا يستدعي أبداً الهوس بالسعي خلف المهرجانات واختبار عدم المشاركة بها أمر مأساوي.
– هل تنتظرين معي أن ينجز أحد ما فيلماً عن هالة العبد الله وأن تكون ملكة فيلمها؟
– بالتأكيد لا أنتظر ولا أسعى لذلك أبداً. إن حدث مستقبلاً تجربة من هذا النوع، وتمّ ذاك التماس الداخلي بيني وبين مخرج أو مخرجة ورغبوا أن يعملوا فيلماً عني، فلن يكون لدي مانع، ولكن بشرط أن أشعر بوجود هذا النداء الجواني لدى الشخص الذي سيصنع الفيلم عني. مثل النداء الذي يحرضني أنا حين أعمل أفلامي حول الآخرين.
إن رغبتُ يوماً أن تكون دعد حداد ملكة لفيلمي، فلأنها كانت إنسانة شاعرة رقيقة وحساسة، عانت بشكل هائل من ظلم واضطهاد الرجل والمجتمع لها وكانت جريئة ومقدامة برفضها لا عدالته، وعدم خضوعها لكل هذا، فعاشت على الهامش ودفعت ثمن ذلك غاليا. دفعت حياتها ثمناً لتفردها وحريتها ولعدم انصياعها لهذا المجتمع.
ولكل هذا أحببت أن أنّصبها ملكة على فيلمي. ولكنه أمر غير وارد بالنسبة لي ولا يمكن أبداً أن أقارن نفسي بها.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...