تدريباتنا

جمركة الهاتف النقال بدمشق… “سرقة عينك-عينك”

بواسطة | نوفمبر 26, 2021

لم يكن يعلم رامي ما ينتظره بعد نهاية يوم طويل من العمل. انتقل فيه من عمل إلى آخر في رحلته الشهرية لتأمين القليل من المال بهدف شراء ما يكفيه من الطعام والشراب لعائلته.
وقف رامي ينتظر لأكثر من ساعة وسيلة نقل توصله من منطقة البرامكة في دمشق إلى جديدة عرطوز بريف العاصمة، قبل أن يأتي الفرج أخيراً بوصول سرفيس أقل زحمة من غيره. ما إن وصل إلى باب السرفيس حتى تجمع كثيرون، لكنه تمكن من الدخول بسلام، وقبل أن يجلس على المقعد تفقد هاتفه الجوال واكتشف أنه سُرق.

صدمة
تنتشر ظاهرة السرقة في مناطق الحكومة السورية بكثرة ومنها الهواتف المحمولة، وسط تدهور الحالة الأمنية، وارتفاع معدلات الفقر التي وصلت إلى 90 % حسب الأمم المتحدة. وأوضح المحامي الأول في دمشق محمد أديب المهايني لصحيفة “الوطن” المحلية، أن عدد الهواتف المحمولة التي تسرق يومياً في العاصمة يبلغ 70 هاتفاً.
بعد أيام استفاق رامي من صدمته وذهب لتقديم شكوى في القصر العدلي بشأن سرقة هاتفه. وعقب انتظار لنصف ساعة إثر الازدحام الكبير على المكتب المعني، قدم ضبطاً بما حصل معه، وأخبره الموظف بأن يراجعه بعد ثلاثة أشهر على الأقل.
قرر رامي بعد عدة أسابيع شراء هاتف جديد بعد تعطله عن العمل، وتمكن من استدانة مبلغ بسيط من أصدقائه، قبل أن يفاجأ بأن ما يملكه من المال لا يشتري له سوى جهاز من الطراز القديم من أجهزة النوكيا.
وارتفعت أسعار أجهزة الهاتف المحمول في مناطق الحكومة السورية بشكل كبيرٍ هذا العام، مع تدهور قيمة العملة وارتفاع سعر صرف الدولار إلى (3500 = $1).
يضاف إلى ذلك ضريبة الجمركة التي تفرضها الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد على الأجهزة، والتي ارتفعت قبل شهر إلى 30% تضاف إلى سعر كل جهاز.
هذا ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأجهزة بشكل جنوني، وباتت حلماً جديداً يضاف إلى قائمة أحلام السوريين والتي تبدأ بالحصول على كميات كافية من الطعام والشراب.
وحسب مدير مديرية الشؤون الفنية في الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد وائل سابا في تصريحات لوسائل إعلام محلية، فإن “الأساس الذي تتحدد وفقه جمركة كل جهاز يكون بناء على السعر الرائج عالمياً، الذي يحدد عن طريق منظومة خاصة بتحديد الأسعار، وتحتسب بعدها القيمة الجمركية، وبالتالي تعتمد على نوع الجهاز والمواصفات الفنية والطرازات”.
وذكر سابا أن قيمة الجمركة تتراوح بين 30 ألف ليرة للهواتف بالمواصفات القليلة، وأكثر من مليونين ونصف للأجهزة الحديثة حسب نوعه ومواصفاته.
حاول رامي استدانة مبلغ جديد بما يناسب أسعار الأجهزة، لكن صديقه أخبره بطريقة لتخفيف أعبائه المالية عبر شراء جهاز من أشخاص محددين يحضرونها من لبنان، ثم القيام بجمركته داخل سوريا مما يخفف التكلفة.
إذ لجأ بعض السوريين في الفترة الأخيرة إلى شراء أجهزة من لبنان أسعارها حسب السعر العالمي، ثم يبيعونها في الداخل السوري بالليرة السورية على أن يقوم الشاري بعملية الجمركة.
وفي حال شراء جهاز من خارج سوريا أو القدوم إليها يُمنح الشخص فترة شهر يعمل خلاله هاتفه بشكل كامل، ثم يطلب منه الجمركة وإلا سيتوقف الجهاز عن العمل على الشبكة السورية.

تفتيش
قرر رامي شراء هاتف من أحد الأشخاص الذين يحضرونها من لبنان، قبل أن يكتشف أنه قبض عليه من قبل الأجهزة الأمنية وهو يتنقل في دمشق.
وعلم رامي لاحقاً أن هذا الشخص خرج بعد أسبوع من السجن، وتم أخذ 15 جهازاً كانوا بحوزته (تقدر أسعارها بـ10 ملايين ليرة سورية)، إضافة إلى مليون ونصف ليرة منه.
وفي الفترة الأخيرة ازدادت عمليات تفتيش الحواجز بحثاً عن أي أشخاص يبيعون أجهزة مهربة، بعد لجوء السوريين إلى شراء الأجهزة من لبنان وبيعها داخل البلاد، حيث يمنع على أي شخص حمل أكثر من جهازين عند التنقل من منطقة إلى أخرى.
ويحتكر عملية استيراد الأجهزة في مناطق الحكومة السورية عدة أشخاص، ويملكون شركات معينة تقوم بعمليات البيع وتكون الأجهزة مجمركة وبأسعار مرتفعة.
كل ذلك جعل من الهاتف المحمول بعيداً عن متناول السوريين، فلم يعد هناك مجال لشراء جهاز بمميزات وتحديثات جديدة، حيث إن شراء الطعام والشراب والحاجات الأساسية غطت على كل شيء في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه السوريون.
ويذكر سعيد أنه تخلى عن فكرة شراء جهاز جديد رغم أن هاتفه فيه أكثر من عطل، بعد أن رأى أسعار الأجهزة والتي يبلغ سعر المتوسط منها مليون ليرة سورية.
أما عبير فتقول غاضبة: “عم يربحوا بسعر الجهاز أكتر من الشركة المصنعة. وفوق هاد جمركة بدون أي سبب بس حتى يسرقوا هي سرقة عينك عينك”.
عندما تسير في شوارع العاصمة السورية ستجد الناس ممسكين بهواتفهم بإحكام خوفاً من سرقتها، وبالتالي الاضطرار إلى شراء جهاز جديد. وبعد أن كانت جمركة الأجهزة في عام 2019 ما بين 15 إلى 25 ألف ليرة سورية، وصل بعضها اليوم إلى أكثر من مليونين.
ويشير أحد الخبراء إلى أن رفع أسعار الأجهزة والجمركة يعيق وصول السوريين إلى التطبيقات والتقنيات الحديثة، في ظل إعلان الحكومة السورية أنها تتجه نحو التحول الرقمي.
في النهاية تمكن رامي من الحصول على جهاز قديم من أحد أصدقائه، عله يتمكن في السنين القادمة من شراء جهاز جديد على الرغم من أن قائمة أمنياته تعدت الـ50 شيئاً، وكلها تتطلب المال لتحقيقها، لكن حلمه الأول وكان ولايزال السفر خارج سوريا وبدأ حياة جديدة.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا