أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
على باب المنزل امرأة مع طفلتيها، صممت كيسا قماشيا ثنائي الجيوب. في يد كل طفلة كيس، والجيوب مخصصة لمواد محددة، ترجوك المرأة أن تضع ما تيسر لك او ما ترغب في إيداعه في كل جيب.
بوجه يبتسم رغما عنه، وبلغة منكسرة وصوت خافت تقول المرأة: “كل عام وأنتم بخير! ساعدونا لجمع مونة رمضان يا أهل الخير”.
جيب للأرز وآخر للسكر وثالث للبرغل ورابع للبقول. وفي يد الأم، كيس قماشي كبير للمعلبات او للكعك والخبز وسواها. يبدو أن الطفلتين قد تدربتا على مهامهما بشكل جيد، تستلمان ما يعطى حسب محتوى الكيس المحمول بيد كل طفلة، تفرغان المحتويات الممنوحة في الجيب المخصص، لا تبتسمان ولا تنبسان بحرف. هما هنا من أجل مهمة محددة، وإن جرب أحدنا تقديم قطعة بسكويت أو حلوى لهما، تنتظران أمرا من والدتهما لأخذها.
يبدو المشهد وكأنه فيلم قصير مبتكر، دراما تلفزيونية محبوكة بإبداع وحرفية عالية. هل يمكننا التجرد من البؤس الماثل والمكثف أمامنا؟ هل يمكننا الحكم على جودة المشهد وكأننا حكام فنيون متخصصون؟
لن نفاجأ بتلك المخيلة التسولية المرتبة، تنظيم دقيق وفائق لطلب الحاجات الأساسية! ليس مهما أبدا أن تصدق المرأة، تقول في نفسك حتى لو كانت تريد بيع ما تحصل عليه، فلتبعه وتشتري دواء أو تدفع إيجار البيت!!! كل شيء بات معدوما ويتعثر الحصول عليه.
سؤال الفقر
لم يعد سؤال الفقر مؤرقا ولا مدعاة للخجل، يشعر السوريون والسوريات، بل وفي حقيقة الأمر هم لا يشعرون، بل يعانون من فقر شديد ومن حياة أشبه بحياة التسول، وكل الاحتيالات المكشوفة حول تبادل الموجود كل حسب حاجته هو مدعاة للقهر الشديد، لأنه اعتراف صريح وواضح بمدى إلحاح الحاجة وضحك على النفس بأن عين العقل هو تطبيق نظرية التبادل السلعي ولو كانت ممعنة في هشاشتها وقلة فعاليتها.
تتضافر العوامل الداخلية والخارجية لتزيد من استحالة توفير الحدود الدنيا من أساسيات العيش للسوريين والسوريات، بلد منهك وفساد معمم وموارد شحيحة، لا كهرباء ولا دواء إلا لمن يملك مالا وفيرا وغير متعوب فيه كما تصفه الغالبية، أي أنه مال أسود تحصل من تجارة سوداء، بمواد تستجلب القتل والقهر والتجويع وتسرق كل ما هو متاح ولو كان ملكا صريحا وصحيحا للآخر بالقوة والبلطجة في ظل غياب شبه تام للقانون.
كما أن كل الواردات والمساعدات من الأهل والأصدقاء خارج الحدود لم تعد كافية لدفع إيجار البيوت أو تكاليف إقامة لليلة واحدة في أحد المشافي الخاصة.
وهذه المدينة وناسها وأهلها ألا يستحقون الكتابة عنهم خارج عملية الإنكار المزمنة لكل هذا القهر والتجاهل والموت المنظم وكأنه العملية الأكثر انتعاشا، كيف لمدينة بكل هذا الحضور والعوز أن تُشطب من قوائم الأخبار والمتابعات الإعلامية؟
موطئ “دعسة”
على موقف الباصات ينتظر كثيرون موطئا لدعسة قدم في أي حافلة متهالكة أو باص يتدلى الناس منه كأحشاء لفظها بطنها. يأتي مازن حاملا لفافة فلافل بيده. إنها الساعة السادسة مساء والجوع قد استفحل في المعدة الخاوية. يحاول مازن دعوة صديقه لمشاركته الطعام، علامات التردد واضحة عليه، وكلما جدد الدعوة لصديقه، كلما أحكم قبضة يده على اللفافة، لكن صديقه الجائع مثله وربما أكثر، يقترح حلا! يخاطب صديقه قائلا: “اقسم اللفافة بيننا، نسكت جوعنا حتى نصل بيوتنا وأعطيك نصف ثمنها”. يوافق مازن بسرعة، يبدو أن خطة صديقه “الذكية” ستوفر عليه ألفا وخمسمائة ليرة ثمن نصف السندويشة التي شعر وهو يسدد ثمنها بالندم، لكن الجوع أقوى وأشد غلبة من الندم.
وحده الرحيل هو الحلم المشترك للجميع، يسعون إليه حتى في الأحلام. يبيعون البيوت وما تبقى من أراض هي تركة الآباء ووصيتهم الباقية للأبناء، الرحيل لا السفر، فلا أحد يفكر بالعودة، والجميع قد قطع حبل السرة مع هذه البلاد وحان وقت الانفصال النهائي عنها حتى بالذاكرة.
يقول سعيد المقيم في فرنسا، نسيت كل شيء، كل التفاصيل. كان يسخر من عبارة “ريحة البلد غير”، ويضيف: “لولا صوت أمي على الهاتف الجوال لنسيت اسم البلاد واسم شارعنا وعنوان بيتنا”.
في سوق الخجا المشهور ببيع حقائب السفر، ازدحام غير موجود إلا على أفران الخبز ومحطات الوقود. يتذمر الناس من غلاء أسعار الحقائب، بعضهم يرغب بحقيبة صغيرة لكن لا تتضرر بالماء، تعرف أن موسم الرحيل بالبلم قد بدأ، ـتشعر بالغرق بدلا عنه، وآخر يريد حقيبة رخيصة لكنها كبيرة، ويقول: “هي سفرة يتيمة لن أعود بعدها ولن أسافر إلى أي مكان حتى أحصل على الجنسية”.
خبرة السوريين والسوريات بالسفر وطرق اللجوء وكلفة السفر وأرقام المهربين واسعة جدا، أوسع من خبرة مؤسسات سياحية أو أمنية مختصة. والبلد الهدف محدد قبل بداية الرحلة ولا تراجع عنه، لدرجة أن الشخص الحالم الواقف امامك على أرض لا يريدها، يعرف عن وجهته المقصودة أكثر بكثير مما يعرف عن هذا البلد الذي أجبره كما يقول على هجرانه ونسيانه فور مغادرة الحدود.
اللافت أن أساليب جديدة يبتدعها السوريون للجوء الآمن تجد طريقها للتداول خاصة بين الشباب والشابات، كأن تطلب شابة من قريب لها الزواج منه حتى تصل أوروبا وهناك يتم الطلاق مقابل منح أهله قطعة أرض متنازع عليها بينهم وبين أهلها.
الصقيع
فاقمت أزمة الصقيع الأخيرة من شجون وآلام السوريين. تعرفوا فعلا إلى معنى الموت بردا، يكتب أحد الشباب على صفحته: “إذا مت من البرد، لا تدفنوني، أحرقوا جثتي علني أشعر بالدفء قليلا”. وتقول إحدى السيدات متسائلة: “هل سنحاكم عند موتنا كأهل العز والغارقين في نعيم الدفء؟”. وتضيف: “عليهم إرسالنا إلى الجنة فورا للتعويض عن كل القهر الذي عشناه”.
البرد في حضور العتمة يشبه الاستلقاء في قبر مفتوح، يزيد اتساع فتحته من لسعة الصقيع ويفاقم غياب المحروقات من لسعات الشعور الغامر بالظلم والحرمان. السوريون والسوريات على موعد مفتوح مع الصقيع في ظل غياب أي بارقة أمل، أو أي تحسن ملحوظ مرتقب لتحسين فرص نجاتهم من براثن موت يصطادهم يوميا جسديا ونفسيا، لدرجة أنهم يطالبون فصل الصيف بالقدوم فورا، وكأنه الكائن الأكثر عطفا عليهم والأكثر دراية بأحوالهم القاهرة لأنهم لا يملكون من أمرهم شيئا إلا عبر الاستنجاد بالطبيعة العاجزة أصلا عن التحكم في مجريات حياتها.
وهذه المدينة وأهلها ألا يستحقون تدوين تاريخ كل هذه القروح! علّ جرحا منها يشفى أو يبقى الجسد المتقرح عصيا على النكران والهجران؟
سلوى زكزك
دمشق 16 آذار 2022
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...