تدريباتنا

سوق الخجا… المحطة الأخيرة قبل الرحيل

بواسطة | فبراير 28, 2022

في “شارع الثورة” قلب دمشق، تكتظ الأرصفة بعشرات البسطات، وعند الشارع المؤدي بحاراته إلى منطقة ساروجة، هناك سوق ضمن سرداب مكشوف يطل على الشارع العام، ما إن تدخله، ترى للوهلة الأولى أنها نقطة النهاية: “مرحباً بك في سوق الخجا”، المحطة الأخيرة للسورين ما قبل السفر.
مع حلول فصل الشتاء لم يعد هذا السوق مخصصاً فقط لبيع الحقائب المدرسية، مع أنه الوحيد المتخصص ببيع منتجات الجلود وتنشط فيه حركة البيع والشراء بشكل كبير. شيّد في عام 1985 كبديل لسوق الخجا القديم الشهير الذي كان بجانب سوق الحميدية ويلاصق قلعة دمشق الذي هُدم في سبيل إحياء مشروع السور الغربي للقلعة وترميمها وإظهار معالمها.
وعلى مد النظر، تجد أنواعاً مختلفة من الحقائب الملونة. وحقائب السفر باتت تطغى على الحقائب المدرسية. يتجول شباب بمختلف الأعمار، وشابات برفقة أمهاتهن، بحثاً عن واحدةً تناسب السعر والسعة، وبعد المسافة.
يقف أحد الشبان يتفحص حقيبة متوسطة الحجم. ربما ناسبت نوع حمولته يحملها ويهزها بيده، يجر الشاب العشريني حقيبته البرتقالية خارج السوق بعدما تفاوض مع البائع لمدة نصف ساعة تقريباً. “باقي فحص “كورونا”، يقول لـ “صالون سوريا” مبتسماً. يقول محمد ( 27 عاما) بعدما حصل على حقيبته: ” شعوري متخبط. الآن سأترك بلدي، لكني مضطر، الوضع الاقتصادي صعب وأنا شاب أريد بناء مستقبلي، أفكر دائماً بأهلي أصدقائي أنا لا أعرف ما الذي ينتظرني في ألمانيا، هذه المرة ما قبل الأخيرة التي سأزور بها دمشق.
تختلف حقائب السفر في سوق الخجا، من حيث السعة والنوعية. البعض يختار حقيبة من نوع متوسط، كي تسع ثيابه الخاصة، وآخرون يختارون أكياساً قماشية مغلقة سعرها رخيص جداً لمجرد أن توصلهم إلى بر الأمان فقط. يقول شاب أخر يقف عند نهاية السوق بعدما اختار واحدة: “الفكرة ليست في حصولي على الحقيبة وإنما بالسفر، لا يوجد خيار مطروح حالياً للشباب إلا الخروج من هذا البلد”. يضيف لـ “صالون سوريا” سامر( 30 عاما) الذي ينوي السفر إلى أوروبا: “شعور الخوف من هذه التجربة هو سيد الموقف، ما الذي سينتظرني، سواء كان ذلك بداعي الهجرة أو الدراسة أو العمل لا يوجد هنا عمل يوفر قوت يومي أو ربما يكفيني كشاب أعزب لنهاية الشهر، كما أن الأحلام باتت معدومة، من تطور أو كسب أي نجاح على الصعيد المهني ما بالك المالي، أتمنى أن تسع هذه الحقيبة ذكرياتي وليس ثيابي فقط، ربما سأعود يوماً ما”.

“ليس هناك داع للحقيبة. الأهل في الخارج، قررت السفر أنا وعائلتي، أطفالي بعمر الخمس سنوات يكبرون في بلد مجهول”، يقول جورج، وهو من الحسكة ( 36 عاما) ، بعدما قرر المغادر مع أطفاله وعائلته، الشاب من بلدة تل تمر المنطقة التي تقطنها الأقلية السريانية الآشورية المسيحية في شمال شرقي سوريا بعدما هجّر مع عائلته إلى دمشق يصيف لـ “صالون سوريا” : “نحن أقلية وبلدتي دمرت بسبب الحرب لا يوجد فيها إلا عدد قليل من المسنين، الجميع جهز حقائب السفر، سابقاً كان السبب الحرب، واليوم الوضع الاقتصادي أحد الأسباب هذه الخطوة، ولكن لن يكفي أن يتوفر الطعام الأمر أكبر من لقمة عيش”.
الفكرة لم تعد مقتصرة على الشباب فقط، بل هناك عوائل قررت المغادرة، منهم “جورج” وعائلته، وشابات أيضاً لكن بدوافع مختلفة، دافع بارعة ( 27 عاما) التي تقف وسط السوق كان الزواج وبناء عائلة خارج هذه البلاد. لكن شعور الخوف كان مشتركاً مع الجميع. تقول لـ “صالون سوريا” : “خطوات قليلة مشيتها في سوق كله حقائب سفر بالمختصر هي حلول مع أنها فقدت مكانتها ودورها الأساسي بجمع أغراضنا وثيابنا، أصبحت الآن تجمع أحلامنا طموحاتنا”. وتضيف سارة: “تمنيت أن أشتري حقيبة بنفسجية أضع فيها كل خبراتي ومتاعبي وصعابي والعقبات يلي واجهتها ليساعدوني كي أصبح أقوى خارج البلد، ربما الآن اشتريت حقيبة “لجهاز عرسي”، لحياة جديدة لا أعلم ما هي”.

بعد جولة بين الحقائب توجهنا إلى “أبو تيسير”، أقدم بائع في السوق منذ 23 عاما. لا يكاد يجلس بضع دقائق إلا ويدخله “زبائن سفر”، يرفض أن يكون تاجراً على حساب حاجة الناس كما يقول. يتحدث لـ “صالون سوريا” عن الحجم المبيع في السوق يومياًن، قائلا: ” مبيعنا يعتمد على حقائب السفر تقريباً والقليل على الحقائب المدرسية أو الجلود العادية، الجميع يريد السفر، البعض ظروفه صعبة يريد حقيبة توصيل فقط وآخرون يطلبون حقائب بجودة عالية ولكنهم قليلون”.
“الشباب أكثر من الفتيات بكثير، هذه هي الحقيقة، الشباب يهاجر والفتيات يجدون العريس على الإنترنت. يقول “أبو تيسير” كاشفاً عن حجم مبيعات السوق، حيث بلغ عدد المبيعات من حقائب السفر يومياً حوالي خمسمئة حقيبة. ويضيف”: ازداد المبيع منذ سنة تقريباً حيث يتراوح سعر الحقيبة بين 80 ألف ليرة سورية 130 ألفا”.
يبيع هذه السوق يومياً بعشرات آلاف الدولارات. في المقابل يصعب التأكد من صحة التقارير الإخبارية، والأرقام، والإحصائيات الصادرة عن الجهات الرسمية الحكومية، في حين لا يوجد دراسة دقيقة تقدم أرقاماً حول الهجرة من سوريا والسفر يومياً.
ومؤخراً كثُر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن هجرة كبيرة للصناعيين، وأخرى عن ازدياد هجرة الحرفيين، وأصحاب الأيدي الماهرة والأطباء أيضاً، فضلاً عن صور الازدحام على فروع ادارة الهجرة والجوازات التابعة لوزارة الداخلية، لاستصدار جوازات سفر جديدة.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا