تدريباتنا

شهادة جامعية بالاسم

بواسطة | أكتوبر 29, 2022

حرمت الحرب السورية الكثير من السوريين الأكاديميين من الحصول على فرص عمل في اختصاصاتهم الجامعية، وذلك بسبب ارتفاع حصيلة البطالة وتأثير النزاع على سوق العمل الذي شهد تحولات كبيرة ومهن جديدة فرضت نفسها. هذا الواقع أدى إلى لجوء العديد من الشباب والشابات إلى خيار أعمال لا تليق بدرجتهم العلمية، لتتحول شهادات خريجي الجامعات إلى إطار خشبي معلق على جدران المنزل، كوثيقة رسمية تدل على أن هذا المنزل يحتضن جامعي برتبة عاطل عن العمل.

مجالسة الأطفال وكبار السن

في منشور مطول على أحد مجموعات موقع “فيس بوك” يدرج عمر (25 عاماً) خبراته المتعددة في مجالسة الأطفال وكبار السن، إلى جانب 5 سنوات خبرة في أعمال التنظيف مركزاً على الأمانة في العمل مع الإشارة إلى ميزة الابتسام وحس الفكاهة لديه كأداة للتسويق وجذب زبائن. يقول الشاب (خريج رياضيات): “وجدت فرصتي بالبحث عن عمل عبر السوشيال ميديا التي لا يمكن تجاهل أهميتها، لمجرد أن يسألني أحد عن أجرتي اليومية، أرسل إليه رسالة مفصلة مكونة من 8 بنود أشرح فيها عن قدراتي الخارقة في التنظيف والعناية بكبار السن والانتظام بمواعيد الأدوية والاهتمام بالأطفال، بالإضافة إلى إمكانية العمل ضمن نظام الساعات والراتب الشهري، مع أسعار مناسبة جدا أقل من غيري بكثير.”

يحاول عمر توسيع دائرة مهامه كي يظفر دوماً بفرصة عمل، حيث يعرض خدماته في شراء حاجيات الأسرة والطبخ وغسيل الصحون وخدمة الضيوف، هذه المهام التي ورثها من والدته حين كانت تعمل في تنظيف المنازل قبل أن يقعدها المرض وتولي عمر مهامها، خاصة أن الشهادة الجامعية لم تنفعه في شيء. يعقب عمر: “درست الرياضيات دون جدوى، أجني 3000 ليرة سورية مقابل درس واحد مع منة كبيرة من أهل الطالب، بينما تدر أعمال التنظيف مبالغ كبيرة، يصل أجري قرابة 30 ألف ليرة يومياً، مع ميزة توفر وجبة الفطور والغداء، لأن العادة جرت أن يقوم أهل البيت بإطعام عاملات وعاملين المنازل.” يضيف عمر “أن هناك عائلات تطلبه من أجل رعاية أطفالهم براتب شهري يصل إلى 700 ألف ليرة سورية وبدوام ست ساعات يومياً، هذا العمل يجني لي المال أضعاف ما سأجنيه من الدروس الخصوصية أو التدريس براتب شهري في مدرسة حكومية”.

شهادة علوم برتبة تنظيف

اضطرت ريم (25 عاماً) لقبول وظيفة عاملة نظافة في أحد المدارس الحكومية كحل مؤقت إلى حين نيل فرصة حقيقية في العمل بمجال دراستها، ظناً منها أن عملها في التنظيف لن يطول لأكثر من أشهر، لكن مضى على عملها هذا أكثر من ثلاث سنوات. وتقول عن تجربتها: “كنت بحاجة ماسة إلى المال عند تخرجي، لم يتوفر لي فرصة عمل سوى التنظيف، في البداية ظننت أن الأمر لن يتجاوز عدة أشهر حتى أجد عمل يناسبني، لكن دون جدوى، ما زلت عالقة فيه ولا فرصة أفضل”. وتتابع حديثها: “تؤلمني حالة التعالي التي أتعرض لها من قبل المعلمات والمعلمين، أساويهم بالعلم والمعرفة، لكنهم يصرون على معاملتي بفوقية”.

رفاهية الاختيار

قرر محمد (27 عاماً) تعلم صنعة الدّهان على يد عمه، إيماناً منه أن العلم لا يشبع البطون الخاوية، فيما أبقى على شهادته الجامعية بالأدب الإنجليزي حبيسة الأدراج إلى أن يأتي موعد إطلاق سراحها عبر فرصة في الخارج. ويقول عن تجربته: “أنحدر من أسرة فقيرة، لذلك لم أمتلك رفاهية الاختيار، كان يتوجب عليّ اتقان صنعة تدر المال، لاسيما في ظل غلاء المعيشة وتأمين مصروفي الشخصي ونفقات الجامعة، كانت الخيارات المتاحة هي تصليح برادات وصيانة الأجهزة الخليوية، والدهان، ولكوني أعشق الرسم استقريت على الخيار الأخير”. ويضيف محمد: “للأسف اليوم في سوريا يعد تعلم المصلحة أهم من حمل الشهادة الجامعية، لفقر سوق العمل وارتفاع منسوب البطالة”. ويضيف: اتقاضى 3500 ليرة سورية على كل متر دهان، ما يعادل وسطياً 300 ألف ليرة للورشة الواحدة، كما أنني استلم عدة ورشات شهرياً، هذا المبلغ لا أستطيع تحصيله من الدروس الخصوصية”. يختم حديثه: “يعز عليّ أن لا اشتغل بشهادتي، بس مصلحتي لا تتوقف لا في زمن الحرب ولا في زمن السلم”.

موظف خاص صباحاً وعامل بناء مساءاً

يجمع منهل بين عملين، ففي الصباح يعمل ضمن شهادته الجامعية التي نالها في إدارة الأعمال، وفي المساء يعمل في الأسقف المستعارة، يقول الشاب العشريني عن تجربته: “تخرجتً في عام 2016، أعمل بشهادتي في القطاع الخاص براتب 250 ألف ليرة سورية، فيما أعمل بالجبسن بورد والأسقف المستعارة مساءاً، وبالطبع لا يقارن ما أجنيه من عملي المسائي بمرتبي من العمل الصباحي”. ويتابع: “لذلك أفكر جدياً بتقديم استقالتي والتفرغ التام لمجال الديكور البنائي، خاصة أن لدي ورشتي الخاصة التي تدر علي المال”. يشعر الشاب بالحزن والخذلان نتيجة عجز تحصيله الدراسي على توفير الحياة الكريمة والاستقرار المادي، ويعقب بالقول: “أنا أب لطفلين، كما أعيل والدتي، صرت أفكر بمستقبل أطفالي وهل سأنصحهم بالتعلم أو إتقان مصلحة تدر لهم المال والاستقرار”. 

إعلامي بدرجة عتال

“تخرجتُ من كلية الإعلام منذ خمس سنوات، لكن أعمل بمهنة العتالة بأجر يصل إلى 8000 ل.س. مقابل تحميل أي نوع من البضائع، هذا المبلغ لن أجنيه من عملي بالصحافة.” هكذا يبدأ إبراهيم (27 عاماً) حديثه عن ماذا قدمت له شهادته الجامعية وأهميتها الفعلية، ويتابع الشاب كلامه: “اخترت هذه المهنة كونها من الأعمال غير الملتزمة بوقت معين وساعات عمل محددة، تعتمد على السرعة في الإنجاز، ومن المهن التي لا تحتاج إلى شروط معينة باستثناء القوة البدنية وقوة تحمل عالية، كما أن أجرة اليد العاملة ترتفع تبعاً لارتفاع الأسعار في السوق”. لا ينكر الشاب أهمية التعليم، لكنها لا تكفي لتأمين متطلبات الحياة ومكابدة العيش، ويعقب: “العلم أساس نجاح المجتمع، لكن لنكن موضوعيين، لا تكفي لمواجهة تحديات العيش الشاقة، أطمح للعمل في تخصصي العلمي، لكن متطلبات العيش التعجيزية تمثل أكبر عائق لذلك”.

المادة منشورة في جدلية

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا