تدريباتنا

في أي عام أعيش؟

بواسطة | ديسمبر 14, 2021

ولدت في ثمانينيات القرن الماضي لأسرة متوسطة، تعيش من راتب معيلها الشهري. قضيت طفولتي بين شوارع مدينة ساحلية صغيرة وصخور قرية نائية في اعالي الجبال. بيت في المدينة وآخر ريفي مع بستان كبير كان جنتنا الصيفية.
كلها كانت بتدبير والدي الموظف الحكومي العتيق. ورغم محدودية الدخل، كان كل شيء مؤمنا لنا تقريبا نحن أبناؤه السبعة. كلنا على مقاعد الدراسة حتى دخولنا الجامعة وتخرجنا منها. مصاريفنا مقدور عليها، لا ينقصنا شيء سوى بعض الكماليات الممكن الاستغناء عنها.
قضيت شبابي كله بين عشريتي الألفية، الأولى والثانية. والآن، لدي عمل الخاص ودخلي الذي يفترض انه خرج من إطار المحدود، لكن هذا الدخل يتسرب قبل ان انتهي من التفكير في تأمين اللوازم وسد النواقص، الحاجات الأساسية قبل الكمالية. العاملون معي، أسرتي الثانية اشتدت عليهم ضغوط الحياة ولم تترك لهم سوى خيار السفر.
المنطق يقول مع مرور الزمن و التطور الذي طرأ، يجب ان يكون الأمر افضل من قبل، لكنني كل يوم احسد أبي. اربعة عقود، يفترض أنني تقدمت فيها إلى الأمام. المس مع مرور كل ثانية فيها كم تراجعت للخلف.
انني واحدة من ملايين صار المستقبل وراءهم. كيف يمكن ان اعيش اليوم بلا ماء ولا كهرباء ولا وقود للمواصلات الا بتكاليف تفوق قدرتي على البقاء! التفكير بزيارة الطبيب هم، وتأمين تعليم الابناء قضية كبرى. شراء مستلزمات المعيشة صخرة تجثم على صدورنا، واشعال شمعة في الظلام صار ترفا. هل سأقضي ما تبقى من عمري و انا ألعن الظلام لان تكلفة الشمع تفوق ما في جيبي؟
هل بت امام خيارين اما ان أغادر خارج الحدود او اغادر خارج الحياة؟ انا أحب الحياة واحب ان اكمل طريقي فيها فوق أرض تعنيني كل ذرة من ترابها وغبارها. كيف احل هذه المعادلة ؟
نريد ان نستمر. نريد ان نبقى. نريد ان نعمل. نريد ان نقضي أعمارنا فيما يفيدنا ويفيد الآخرين لا ان نفنيها في اللهاث وراء سراب لا يمكن ان يتحقق. نريد ان نبقى هنا. أعيدوا لنا بلادنا التي نشعر باغتراب عن كل ما فيها.
نحن أبناء النور لا يمكن ان نحيا في العتمة. حين امشي في العتمة لو لدقائق قليلة، المس انني عجوز في الثمانين تتمسك بما حولها وتحاول التقدم ببطء وهي تفتح عينيها عن آخرها ولا تكاد ترى، ترعبها فكرة السقوط والكسر والرضوض فلا طاقة لاستطباباتها ومعالجتها.
نريد ان نحيا شبابنا بحيوية، لا بعجز. نريد قوانين واجراءات داعمة لا محبطة مقيدة.
نريد من القائمين على القطاعات المختلفة ان يبتكروا وسائل تعيننا على الإنجاز و البناء، لا ان يتفننوا في إعاقة كل ما نقوم به، لأن تفكيرهم لا يسعفهم و يجربون بنا مرارا و تكرارا حتى يتأكد فشلهم. نحن لسنا فئران تجارب، نحن لسنا “هامستر”، إننا بشر.
كتبت هذه في أواخر ٢٠٢١ ، و كل المعطيات تقول اننا في ١٩٤٠. افيدوني في اي عام نعيش؟

* صورة، محمد الرفاعي، أ ف ب

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا