تدريباتنا

قانون قاتل للنساء… هل ينتهي؟

بواسطة | مارس 9, 2022

منذ مقتل آيات على يد زوجها وعائلته وتصدّر أسمائهم على ورقة نعوتها، وظهور تلك القضية للعلن بصدفةٍ أن صديقةٍ لها أخبرت عن شبهة جريمة، والمسؤولين/ات في سوريا يتخبّطون متفاجئين/ ات من تلك الجريمة الغريبة عن المجتمع السوري، فالمجتمع السوري محافظ ولديه من القيم ما يمنع من ارتكاب جرائم بحق النساء!.
وتعالت صيحات مطالبة بأشد العقوبات على من يقتل النساء، وبدأت الحملات تنادي بقانون خاص ضد العنف الأسري وقانون ضد العنف القائم على النوع الإجتماعي وحملات تطالب بحماية النساء تحديداً من العنف الأسري.
والصحف تتصدّرها أرقام عن قضايا قتل النساء بحجة “الشرف”، غير دقيقة بل مستخدمة منذ خمسة عشر عاماً، تقول ان سوريا الثالثة عربياُ والخامسة عالمياً في قتل النساء، منذ أن كان معتمداً في حملة “لا لجرائم الشرف” التي بدأها “مرصد نساء سوريا” في العام 2005 التي على أثرها تمت الموافقة على إلغاء “العذر المحل” في جريمة الشرف، وفيما بعد إلغاء “العذر المخفف” (المادة 548) عام 2020، لتبقى النصوص القانونية “القاتلة” كما هي دون الإقتراب منها، وهي القتل بحسب “الدافع الشريف” و “القوة القاهرة”، ما يعني غياب الإحصائيات الحقيقية الحكومية وغير الحكومية.

شراكة في القتل
” بالرغم من أن المشرع ألغى المادة 548 التي تخفف أو تحلّ من العقوبة على القاتل دفاعا عن شرفه لكنه أبقى على عدّة مواد تخفف من العقوبة بسبب “الدافع الشريف وفورة الغضب”، وهي المواد 192/240/241/242. من قانون العقوبات السوري، بالإضافة إلى أنّ الإجتهاد القضائي يوسّع بمفهوم “الدافع الشريف” و “سورة الغضب”، ويعطي الأسباب التي تأتي معظمها بجسد وسلوك المرأة، من ذلك:
-“الدافع الشريف” يعتبر سببًا مخففًا قانونيًا، لا بد من تطبيقه متى توافرت أسبابه، ولا يؤثر في قيامه بُعد المدة على وقوع الحادث، وان استطالت عدة أشهر، مادام المتهم قد علم بوقوعه للتو، ولم تهدأ عاطفته النفسية من أثر علمه بما وقع وأثارها”.
-“العذر المخفف يحول العقوبة من وصف جنائي إلى وصف جنحي”. و”يشترط لتطبيق أحكام المادة 242 عقوبات المتعلقة بالعذر المخفف، أن يكون الفاعل قد أقدم على الفعل بسورة غضب شديد ناجم عن عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه”.
-“استمرار العلاقة غير المشروعة بين المغدورة وعشيقها يجعل أخاها في حالة العذر المخفف إذا قتلها وهي في دار العشق”
وقوانين تمييزية تعاقب النساء بعقوبات مضاعفة أكثر من الرجل على الفعل نفسه كـ “الزنى” أو بوصف مختلف كـ “الدعارة”، أو تعطي حقوقاً للرجل وحده كمنح الجنسية والطلاق بالإرادة المنفردة والحرمان من الحضانة في حال زواج الأم فقط، والولاية والوصاية القوامة التي تحصر الحق بالرجل فقط، والتغاضي عن جريمة التحرّش بحد ذاتها في العمل أو الشارع أو البيوت.وكذلك عدم المساواة في الإرث والحرمان منه أيضاً،وكذلك الإغتصاب الزوجي الغير معترف به في القانون كما عدم الإعتراف بأنواع العنف الممارس ضد النساء كالعنف النفسي أو الجنسي أو الجسدي.

شركاء مع القانون
الحقيقة أن الجريمة المرتكبة لم تكن لأجل الشرف المزعوم الملتصق بجسد النساء وليست ضمن الدافع الشريف ولا فورة الغضب، إنما هي جريمة قتل النساء كونهن جزء من موروث ثقافي يعتبر النساء قوارير بحماية الرجل الصنديد يتوجّب تأديبهن وعليهنّ الطاعة، فالرجل رأس المرأة في الدين المسيحي، ولولا أنّ السجود للالله لأمرت النساء أن تسجد لأزواجهن في الدين الإسلامي بمختلف طوائفه ومذاهبه وباختلاف صحة الحديث أوعدمه لكنه متداول، وتعتبر ناشزاً إن لم تتطع زوجها وعليه الإنفاق عليها ودفع مهرها لقاء الطاعة، ومن البيت للقبر بحسب الموروثات التقافية السورية، ولا تستحق سوى بيت المقاطيع في المذهب الدرزي.

السالب والموجب
جرائم تعذيب وقتل النساء ليست جديدة في سوريا، فعندما عرض الإعلامي توفيق حلًاق في برنامجه “السالب والموجب” بداية الثمانينات عن نساء وفتيات يحبسهنّ أباوهن وأزواجهن دون طعام وشراب، كان دافعاً لدخول راهبات الراعي الصالح لحماية النساء من العنف إلى سوريا ليكون الدير المكان الوحيد الي يأوي النساء المهددات بالقتل أو الموت بسبب العنف الأسري.
مكان صغير في باب توما في دمشق لا يمكن أن يتسع لأكثر من خمسين امرأة في بلد وصل عدد سكانه مطلع 2011 إلى خمسة وعشرين مليون نسمه، تلاه مركز هاتف “الثقة لضحايا العنف الأسري” في 2007، الذي أسسته الراهبة ماري كلود نداف، مركز متكامل مخصص لحماية النساء من العنف يقدم خدمات قانونية ونفسية واجتماعية عبر الهاتف والمقابلات الشخصية والمتابعة القانونية في المحاكم. تقوقع عام 2019 ، وتراجع بدل أن ينتشر في المدن السورية.
،تم انشاء “مركز واحة الأمل” في 2009 “جمعية تطوير دور المرأة” التي بدأت بداية جيدة لكنه توقف عن العمل خلال النزاع في سورية.
واليوم، “الهيئة السورية لشؤون الأسرة” التي فشلت في ايجاد مكان لحماية النساء من العنف وكذلك في إخراج قانون حماية المرأة من العنف الذي عملت عليه العديد من الفعاليات في سورية 2007، تجتمع مع عدد من الجمعيات المعترف بها من وزارة الشؤون الإجتماعية، وفي مكان آخر تجتمع مجموعات من المجتمع المدني كلّ على حدى للعمل على مشروع قانون يحمي النساء من العنف في الأسرة أو النطاق الأوسع في كل المجالات.

فهل يتحقق الحلم أم يبقى قيد المحاولة؟

مراجع: من بحث بعنوان “الاجتهادات القضائية المتعلقة بالنساء في قانون العقوبات السوري” ومدى تعارضها مع إتفاقية “سيداو” والإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد النساء منشور في قلمون 2021.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا