تدريباتنا

قراءة في كتاب “جَدَد القول – هموم وأوهام في الفكر الإسلامي”

بواسطة | أكتوبر 30, 2023

صدر كتاب “جدد القول، هموم وأوهام في الفكر الإسلامي” حديثاً عن دار الجديد للكاتب السوري محمد أمير ناشر النعم، والجدد حسب ما يشرح الكاتب في مقدمته هو القول الذي لا اعوجاج فيه ولا التواء، وهي إشارة لسلوكه الدقة في وضع اليد على مكامن الخلل كما يراها وتقديمه رؤى في سبيل تجاوزها. ولعل تضمين الكتاب جانباً من سيرته الذاتية ما هو إلا تقديم شهادة حية لتلك الهموم التي تَلمسها بشكل شخصي، إذ يحدثنا عن نشأته في مدينة حلب والتحاقه بالمدرسة الخسروية ( الشرعية) التي تخرج منها أعلام في الفكر الإسلامي في عصر النهضة لكنه صدم بالأساليب التي كانت تمارس والأفكار التي تغذيها إدارة المدرسة من التعصب الديني والمذهبي ومحاصرة الأساتذة الذين يتميزون بآرائهم بتهمة الآراء الشاذة عبر تحذير الطلاب من تعاليمهم وفكرهم. إلا أن الكاتب اعتمد على نباهته فاقترب كما يمليه عليه تفكيره من هؤلاء الأساتذة بالمسافة التي هيأت له نمو فكره وتمكنه من تكوين الوعي ورفض ما يتعارض مع عقله، و رفد  ذلك بالقراءة والاطلاع والانفتاح على الثقافات الأخرى وعلومها، وعدم الاكتفاء بمصدر واحد، حتى وصل إلى تكوين شخصيته الفكرية ونبذ التعصب وأراد الوصول الى التسامح الذي لا يستند على الإلحاد كنوع من رفض الأديان ولا على اللا يقين أو الشك بل أراد تسامحاً يستند على إيمانه ويقينه في قبول الآخر كما هو والتعايش معه.

مدخل إلى الكتاب

يبدو غريباً لأي قارئ استناد الكاتب في البداية إلى قول برنارد شو:  “سيأتي على البشرية زمان يدينون فيه بدين واحد ويتكلمون لغة واحدة أما ذاك الدين فهو الإسلام المجدد وأما اللغة فالإنكليزية “.

الغريب هو أن يأتي هذا الكلام بعد ما رأينا من أحداث اختتم بها القرن العشرين كأحداث أيلول والتي وضعت العالم تحت الخطر الإسلامي واقترانه بالإرهاب وما تلا ذلك من ظهور الجماعات الاسلامية المسلحة والمتطرفة ونشاطها في العالم وخاصة بعد حرب أفغانستان، أضف ما يحدث في الغرب حيناً بعد آخر من حرق للقرآن أو رسوم مسيئة للرسول والضجة المرافقة لذلك.

ولعلنا نلاحظ على الجهة الأخرى، اعتناق بعض الغربيين للإسلام وخاصة بعد الربيع العربي وانخراط بعضهم في الجماعات المتطرفة تحديداً ومشاركتهم في حروبها في أماكن شتى. فهل هو تحقيق للنبوءة أم أنهم ضحية  للتغرير بهم من قبل  الدعاة واستغلال الخواء الروحي الذي يعاني منه الغرب ويتجذر؟

أزمة الثقافة الإسلامية

لا يحسّن هذا صورة الإسلام كدين ومعتقد ولا الثقافة الإسلامية التي ما زالت تتقهقر في الواقع، ويرى الكاتب أن الإسلام على وضعه الحالي لا يمكن أن يحقق نبوءة طالما لا يتجاوز عيوب أساليبه في التعاطي مع نفسه أولاً ومع الآخر ثانياً.  متوقفاً عند مفاصل مهمة ومؤثرة  لضرورة البحث عن الأسباب ودراستها للنهوض من جديد . أما المفكر الجزائري مالك بن نبي فقد وضع شرطاً لذلك وهو تجاوز أزمة الحضارة التي يعاني منها الفرد المسلم.

  تتجلى ازمة الثقافة الإسلامية حسب رأي الكاتب في:

1 غوغائية في إدراك المفاهيم والمعطيات المعرفية الإسلامية،

2 خلل في التحويل والتطبيق.

أما الغوغائية فهي ” في عدم الدقة في النقل والتقصي حول الأصل” وفي التحقيق، واعتماد بعض المفاهيم دون الأخرى وعدم ضبط معناها ودلالاتها، أو مراعاة تماسكها وطغيان جانب على آخر. يقول الكاتب :” إن شرط الإحاطة ضروري لبناء تصور واضح ومتناسق بين الكل والجزء ومن غير ذلك سيكون المسلم في مرحلة تأتأة عقلية”.  فهناك مثلاً الكثير من الحوادث والأحاديث نسبت للرسول دون تدقيق ومن قبل أشخاص عاشوا بعده على الأقل بمئة عام معتمدين على الذاكرة الشفوية التي ولا شك عرضة للتضخيم والأسطرة وخاصة حين تتناول شخصاً هو نبي الله وامتد هذا إلى ما نُقل وأُشيع عن الحوادث المفصلية في التاريخ الإسلامي وآراء ومقولات تنسب للمذاهب المختلفة محاولة  التقليل من شان أحدها على حساب الآخر.

كما هناك الخلط بين العادات والدين ووضع العادة مكان الدين وتقديسها بينما تختلف العادة من زمن لآخر ومن بيئة لأخرى. وكذلك تقديس الأقوال ومعاملتها معاملة النص الأصلي؛ فالقول والتفسير يعتمد على قدرة الشخص على الفهم ومرجعيته الثقافية .

 يضاف لذلك، الهوة بين المفاهيم والتطبيق والحاجة إلى إعادة تعيين المفاهيم، إن الاعتراف بالخلل وأزمة الثقافة الإسلامية هو البداية للخروج من بؤرة موحلة تغرق فيها.

الفقه الإسلامي المعاصر

يميز الكاتب بين الفقيه والمتفقه للتمييز بين العالِم والمدَّعي وعبر استعراض تاريخي نتعرف على مجموعة من الفقهاء ظهروا مع عصر النهضة يصفهم الكاتب بالعبقرية والموهبة والعقل الراجح قاموا بوضع  أحكام الفقه الاسلامي بدقة وإحكام ولكن من جاء بعدهم بدد و هدر ما تركوه من ثروة معرفية وثقافية في فهمهم الخاطئ لدور الفقيه إذ أخذوا يتدخلون في حياة الإنسان في الشاردة والواردة ويطلقون فيها فتاوى وأحكاماً حتى صار فقهاً متقزماً. وانقسموا إلى فريقين الأول مذهبي تقيد بأحكام مذهب معين والثاني أنكر المذهبية وأراد العودة للكتاب والسنة وبدأ بينهما التكفير واللعنات والشتائم. وكانت كليات الشريعة ترفد كلا من الفريقين بفقهاء جدد ومشرعين لم يخرجوا عن الطريق الذي رسم لهم رغم أن بعضهم كان جاداً في طلب العلم.

تكاثرت الفتاوي التي لم تقتصر على العبادات بل طالت حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحملت صيغة وقوة الإلزام وأحكمت الطوق على عنق الإنسان وحرمته الحياة الطبيعية وسبيلها في ذلك العودة إلى الذاكرة لاستنباط الأحكام دون تمريرها بالمحاكمة المنطقية والعقلية التي تتطلبها التغيرات الحضارية والزمنية.

فخرجت عن جوهرها الحقيقي وهو تيسير أمور الناس في ظل التطورات اللاحقة والمتسارعة وصارت في الواقع عرقلة للحياة العامة سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو الحضاري أو العلمي ويذكر الكاتب أمثلة كثيرة منها فتاوى الطلاق وأخذهم بالطلاق الشفوي وتأمين الزوج المحلل وتحريم الاحتفال بالأعياد والمناسبات الاجتماعية كعيد الأم أو معايدة الأديان الأخرى وتحريم التجنيس للمغتربين وتحريم الالتحاق بالجامعات نظرا للاختلاط فيها كما حدث في الجزائر وتحليل صيغ العقود للتجار وغيرها كثير.

 ولعل قضية الانتحار مثال ساطع لعدم مواكبة الفقه للوقائع الجديدة.  فمع التطور العلمي في الطب التشريحي والطب النفسي تغيرت النظرة عالمياً إلى الانتحار وعرف ضمن سياق الأمراض العقلية وأمراض الهوس الاكتئابي. لكن الإسلام بقي ينظر للمنتحر من منطق العصور الوسطى حتى معاقبة من نجا من المحاولة وهذا ما يجانب الإنسانية. كما أنه من المثير للاستغراب أن تتناول الفتاوى قضايا في الطبيعة الإنسانية كالضحك والمزاح وإيجاد حكم شرعي له، ينبه الكاتب أن هذه الأحكام لا تفيد المسلم بل تخرجه من طبيعته الإنسانية السمحة وتحوله إلى آلة تنفذ المسموح به وحسب في إطار الحلال والحرام. وفي هذا السياق يأتي اختلاف الفقهاء على حكم الترحم على غير المسلم استناداً إلى تفسير سورة التوبة التي تعددت تفاسيرها أصلا وتركوا القياس بما وصلنا من أقوال أنبياء الله فالنبي إبراهيم طلب الرحمة لوالديه الكافرين وهل هناك من هو أرحم من الله .

 ثم يعرج الكاتب على الدعاة في القنوات الفضائية والشيوخ في البرامج الدينية التي تكاثرت في الفترة الأخيرة فصار واضحا أن همها الاستيلاء على المشاهد لتحقيق الأرباح للقنوات ولا تنفك عن التحسر وتأنيب المسلمين لتهاونهم في تنفيذ التعاليم وتتنافس بإطلاق الاحكام والآراء دون احترام وعي المشاهد ورأيه وتبينه الصدق من الكذب.

يقوم الكاتب بتحميل مسؤولية ما وصل إليه الفقه الإسلامي  لهؤلاء من المتفقهين والمفتين الذين لا يتحلون بالمسؤولية التاريخية، وهذا الدور ليس بالجديد عليهم فمن ينسى أن الحلاج والسهروردي وعماد الدين النسيمي قد قتلوا بأبشع الطرق وبفتوى فقهاء الدين  تلبية لرأي السلطة السياسية .

مجلس للأخلاق

يطرح الكاتب إمكانية الاستفادة من تجربة الدول الأوربية في إحداث مجالس أخلاق كمجلس الأخلاق الألماني للبت بقانونية وأخلاقية الأبحاث العلمية وتطبيقها كبنوك التهجين البيولوجي والتشخيص الجيني ومختلف أبحاث الطب الحيوي مستنداً على ما فعلته السلطنة العثمانية ذات يوم في مجاراة نابليون في سن القوانين الفرنسية ونظراً لنمو الحاجة للاستنارة بمصادر غير التبعية، فشكلت لجنة من علماء الفقه والحقوقيين والأساتذة لدراسة الأحكام الشرعية ووضع القوانين في هديها ومنهم الأستاذ شفيق شحاتة القبطي المسيحي الذي ساعد في صياغة الفقه الإسلامي ضمن نظريات الحقوق الغربية. يتساءل الكاتب: ألا يجدر بنا الاستهداء بهذا لتشكيل مجالس أخلاق على الغرار الأوربي؟

 لكن لو نظرنا إلى التطور العلمي والصناعي والحضاري لدينا لرأينا أن ذلك سيكون مجرد تقليد أعمى دون الحاجة الحقيقية له وخاصة أن الكاتب  قد أفرد فصلاً تحدث فيه عن تراجع العلوم الميكانيكية التي تحتوي كل الاكتشافات الطبية وتستند عليها الاختراعات الحديثة مقابل تنامي وبقاء علوم الاحتيال المالي والفقهي والتي تعبث بالقوانين والأحكام الشرعية. بينما ما زلنا نلوك أفكارنا القديمة وننظر للماضي العريق وإنجازاته ودون أي رؤية مسؤولة للحاضر والمستقبل. وهذا ينطبق على التعاطي مع  أفكار الديمقراطية والإصلاح السياسي والتجديد دون خطوة واحدة باتجاهه.

هدي الحيوان في التشريع الجنائي الاسلامي:

عجت وسائل التواصل والقنوات الفضائية بمقاطع فيديو وحوادث يوردها الدعاة عن سلوك الحيوان لتثبيت بعض الأحكام الإسلامية كما فعل العريفي في حادثة قتل النمل للنملة السكرانة وطردها أو زغلول النجار في  حادثة محاكمة الغربان للغراب المذنب مفصلا أحكام الغربان في عدد من الحالات تصل للقتل في حالات الزنا، أو رجم القردة التي وردت استناداً لصحيح البخاري، يقوم الكاتب بتفنيدها وبيان ضحالة الفقه والفكر لدى هؤلاء الدعاة ويعتبر أن من العار محاولة جرنا للتشبه بعالم الحيوان لتحقيق العدالة وفي  الاستدلال ما يحط من قدر الإنسان ولا يدل سوى على الإعياء الفكري في المحاكمة العقلية والشرعية علماً أن ما ينشرونه من مقاطع فيديو غير مثبت أو موثوق ويشير الكاتب إلى أنهم يعتمدون على إثارة الخوف ولا يتوخون الدقة، فمثلاً لا يخبروننا عن أحكام الحيوان: هل تقبل شهادة الحيوان الذكر مثل الأنثى؟ وهل ينظرون الى النية والقصد؟ وماذا عن إثبات الجريمة؟ وهل هناك فرق بين الفاعل والشريك؟ وماهي موانع التنفيذ؟ وهل تدرأ الحدود بالشبهات؟ وكيف نضيف الزنا للحيوان والزنا وصف شرعي لفعل مكلف كالزواج علماً أن الزواج الفاسد والباطل والوطء بشبهة ماهي إلا أوصاف نابعة من علم الاعتبار الشرعي الذي لا يدخل الحيوان فيه.

كلها أسئلة يطرحها الكاتب لبيان مقدار استغباء العقل وفقرهم الفكري والشرعي .

يقول الكاتب لقد دعاهم الله ورسوله إلى الإبصار والتبصر والتعقل والتدبر فإذا هم أرادوا السير وفق هدي الحيوان ويخشون إنكار أقوال البخاري أكثر من خشيتهم من الله ورسوله.

آهات إسلامية

وضمن نفس الإطار تأتي ظاهرة الآهات الإسلامية التي ظهرت على اليوتيوب إثر فتاوى تحريم الموسيقا في مفارقة واضحة حيث الموسيقا حرام والتأوه حلال ! وقد غاب عن أصحاب هذه البدعة أن تجويد القرآن موسيقا تتم ببناء لحني متكامل بحيث توائم كل نغمة موسيقية معنى الآية المقروءة ليستعيضوا عن ذلك بآهات باهتة مكررة بشكل ساذج .

النكاية باعث من بواعث الفكر الإسلامي من أجل فهم أعمق

أثناء دراسة التاريخ والفقه الإسلامي نرى الاختلاف بين علماء الإسلام في طرق البحث والاستنباط والترجيح في المبادئ ينوه الكاتب إلى دور الفقيه والدارس في ذلك فهو إنسان له مزاجه وملكاته العقلية والذهنية. كما أننا نلاحظ ظاهرة النكاية بين بعضهم وتبدو واضحة فيما نراه من مشاكسات بينهم وسخرية بعضهم من بعض وهذا طبيعي فهم بشر خطاؤون وليسوا مقدسين وبينما أسقط النص القرآني القداسة عن الأحبار والرهبان يتم تقديس فقهاء الدين الاسلامي. يطالب الكاتب بنزع القداسة عنهم جميعاً  فما فعلوه خرج من الأشخاص إلى المذاهب والطوائف وساهم في قدح الخلافات بينهم وأدى إلى الاختلاق في الحديث والتاريخ والسيرة النبوية .

الحنين إلى الوثنية بعد ما فعلته الجماعات المتطرفة، داعش مثالاً

 ظهر هذا الحنين متمثلاً بالتغني بأقوال وصلتنا من الحضارات القديمة والوثنية والثناء على قدرتها على احترام الإنسان والمشاعر الإنسانية وتجلي المسؤولية تجاه الإنسانية عامة من هذه الأقوال:

(لا تشتم إلها لا تعبده) التي نقشت على الصخر في معبد تدمري . أو العبارة الأوغاريتية الشهيرة (حطم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع المحبة والسلام). وعلى إثر ما تتناقله نشرات الأخبار من جرائم بحق الإنسانية ترتكبها الجماعات الإسلامية وخاصة داعش التي قتلت باسم الله في سنة واحدة ١٥١١ مواطناً مدنياً بينهم ٢٣ طفلاً و٣٢ امرأة عدا السجن والجلد معتمدة أقوال منسوبة للنبي. في الوقت الذي لم نشاهد فيه أي موقف بارز أو بيان من جهة إسلامية للتعاطف مع أي كارثة أو حادثة إنسانية يورد الكاتب أمثلة كثيرة ولعل أبرزها حادثة خطف الصحفيتين الإيطاليتين في حلب، وظهور من يقول: لا يجوز التعاطف معهما لأنهما مسيحيتان وسافرتان! وينطبق الأمر نفسه على المحامي وناشط حقوق الإنسان خليل معتوق الذي قضى حياته وهو يدافع عن المعتقلين ولم يصدر أي بيان استنكار أو مطالبة بالإفراج عنه وكذلك رزان زيتونة ورفاقها. لا يعكس هذا سوى الضيق ووهم الانسانية ويتساءل الكاتب كيف يمكن الدعوة للإسلام كدين عالمي ونحن لا نجيد حتى التعاطف في قضية واضحة.

كثير من الأوهام وقليل من الحقيقة

يقودنا هذا إلى أوهام الاقتصاد الإسلامي وظاهرة البنوك الإسلامية التي ظهرت تحت شعار البنوك اللاربوية، وهو الشعار الذي يخفي الحقيقة فهي تعتمد مبدأ المرابحة وهو الوجه الآخر للفائدة فعلم الاقتصاد هو خليط مجموعة علوم تبدأ بالرياضيات وتنتهي بالفلسفة فهل نقول رياضيات إسلامية مثلاً؟

يتطرق الكاتب لوهم الخلافة الإسلامية والحاجة إليها لنشر الإسلام ويفند الكاتب هذا الوهم بالعودة لدراسة النسب البيانية في الدراسات الكمية في البلدان التي خضعت للفتح الاسلامي فنرى أن دخول الاسلام كان متفاوتاً وبالتدريج وليس أفواجاً كما نقل لنا لكنه كان يزداد مع الزمن ويتوقف على عوامل تاريخية كالإحساس بالخطر في الحروب وغالباً ما كان يترافق ازدياد الدخول فيه مع ضعف السلطة المركزية والسياسية لانعدام الحاجة لها فالدخول في الإسلام كان يبدأ من القاعدة أي اجتماعياً ويحقق الاستقرار نتيجة حالة الاكتفاء الروحي والنفسي التي يشيعها الدين الجديد وهذا يفقد المناداة بالحاجة للخلافة مبرراتها.

قدم الكاتب في كتابه مساهمة مهمة  في تحليل ظواهر تهيمن على طريقة التفكير والثقافة الإسلامية دون أن يغفل الجانب الذاتي في التخلص من حالة الاستلاب تجاه المعطى وقدم نفسه نموذجاً مشيراً لأهمية العامل الذاتي للخروج من عباءة سيطرة المؤسسة الدينية ولكنه لم يتطرق لدور السلطات تاريخياً في كم العقول قبل الأفواه واستخدامها للمؤسسة الدينية ودعم هذه المؤسسة لها غالباً ولهذا يبدو جلياً أن إعادة الوجه الروحي للدين وتنقيته من الشعوذات والدجل الممارس باسمه ليسد الخواء لدى الكثيرين يرتبط بالحاجة المتنامية لقيام الدولة المدنية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة واحترام المواطنين كافة على اختلاف مشاربهم الدينية والقومية بما لا لبس فيه وتحت لواء المواطنة والعدالة الإنسانية التي تنحي التمييز حسب الانتماء ما يحقق الانفتاح على الآخر والتسامح.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا