تدريباتنا

لا يحزنني الموت

بواسطة | مارس 21, 2018

لم تتغيّرِ الحروب

الخوفُ رتّبَ حضورَه

والحضارةُ أعادتْ صياغة المشاهد

الجوعُ قتلٌ لا يلطّخُ الأيدي

القصائدُ كما هي ذاهلةٌ لكنّها ليست بمستوى أبطالها

البلادُ نعاسٌ

وفي غرفةِ الإعدامِ في سجنِ المزّة

كان يلتمعُ على الجدار بيت قطريّ بن الفجاءة:

روحي شَعاعاً تطير،

لا مشاهدَ تأخذني

لا ممرّاتٍ يعبرها الحزن

الخيامُ تخطُّ مشاهدَ العراء

والرمالُ تقهقه تحت الطرائد

موتُنا حياةٌ غيرُ مُنجزةٍ

وحياتُنا أقلُّ من ماءٍ وأكثرُ من زبد

لا مشاهدَ تأخذني لا ممرّاتٍ يعبرها الحزن

لا أفقاً يرفعُ القصائد خياماً على رملِ اللّغة

الموتُ فقط

الموتُ يمتحنُ الحقيقة

ويمتحنُ النصّ

يثبت أنه عصيٌّ على التصديق

لا يمكن أنْ تستبطن الموت

ولا يمكن أن تقول أنْ ثمّةَ حياةٌ بعده

إلّا إذا كان الموتُ خاتماً لحديد الحرب،

لم تتغيَّر الحروب

رتّبوا الجثث بملامحها المطموسة

صوتُ الرّياح يشبه الملامح الضّائعة

صوتُ طقطقة حوافرِ الخيلِ على الإسفلت يشبه وحشتي،

لم تتغيّر الحروب

لم يتغيّر الشّهود ولا الضحايا

ثمّة أبطالٌ مفضّلون جدُدٌ يُضفون على المعارك جوّاً من المرح

وثمّة أبطالٌ قدامى يستحضرهم القتل

أتابع المشهد من بعيد

أتابع المشهد وأعلم أنّ القتل اكتمالٌ مسبقٌ لما سنكون عليه

لا تكتملُ البلادُ إلّا بمشهدٍ دمويّ يعلّقهُ التّاريخ في مطبخه،

لا يحزنني الموت

تحزنني الطّرُق المفضيةُ إليه

الإيمان لا يرمّم حزني

أنا المؤمنة كمَثَل إيمان أجدادي القرامطة

الخناجرُ مغروزةٌ في وسائدِ أعدائنا النائمين

لأنّنا أندادٌ وأكثر

ولأنّنا نمنحُ الأعداءَ فرصةً ليصافحونا في الهُدَنِ والمصالح،

لا يحزنني الموتُ

أنا التي لم أحملْ معي كتاباً ولا سيفاً

ولم أسرجْ حصاناً ولا نملةً

ما حاجتي إلى كلّ ذلك؟!

وأنا التي قرأتُ حزن البلاد من الدمّ إلى الدّم

وحاربتُ بأصابعي وأسناني اللبنيّة

وأسرجتُ قدَمَيّ بالحفاء ومشيت.

* * *

مواضيع ذات صلة

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

من الثورة إلى النهضة: إضاءة على فكر طيب تيزيني

طيب تيزيني اسم أكبر وأهم من أن نُعرِّفه عبر سطور أو صفحات قليلة؛ لأنه جسَّد أفكاره تجسيداً عملياً، فكانت مؤلفاته تفيض من تفاصيل حياته ومواقفه الإنسانية والسياسية، وكانت حياته ومواقفه وبحق تعبيراً صادقاً عن أفكاره وفلسته، فكان فيلسوفاً بل حكيماً بكل ما تعنيه هذه...

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

مواضيع أخرى

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

ماذا تبقى من طقوس وعادات رمضان؟  

لشهر رمضان في سوريا عاداتٍ وطقوسِ اجتماعية وإنسانية، حرصت العائلات السورية على توارثها والتمسك بها عبر عشرات السنين، حتى تحولت إلى ما يشبه التراث الاجتماعي، ومن أشهرها "سِكبة رمضان" التي  تخلق حالة من الألفة والمحبة والتكافل الاجتماعي بين الناس، الذين يتبادلون...

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

“عيدٌ بأية حالٍ عدتَ؟”: غلاءٌ وعوائل حزينة

لطالما يسخر السوريون من أنفسهم حين يكررون في كل عيدٍ الشطر الأول من قصيدة المتنبي "عيدٌ، بأية حالٍ عدتَ يا عيد؟"، ربما كان معظمهم يعلم شطره الثاني: "بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديد"، وأنّ تشابه أيامهم بات فيه من السخرية الكثير، ولكنّ لا شك-أنّ معظمهم لم يكمل القصيدة، لا...

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

الجمعيات الخيرية: المنقذ الرمضاني في غياب الدعم الحكومي

مع بدء الحرب السورية تمكنت المؤسسات والمنظمات غير الربحية المندرجة تحت مظلة المجتمع المدني من إثبات وجودها وترك بصمتها على أرض الميدان، فكانت الجمعيات الخيرية والمبادرات الفردية الإنسانية أولى الجهات غير الرسمية التي استطاعت توسيع دورها على خارطة العمل وإنقاذ الفئات...

تدريباتنا