تدريباتنا

موسم القمح … تراجع في الإنتاج وتأثيرات محتملة على حياة السوريين واقتصادهم

بواسطة | يونيو 22, 2022

زرع أبو أحمد أرضاً بمساحة عشرة دونمات بالقمح، لكن مع قلة الأمطار هذه العام، فإن الدونم الواحد لا ينتج أكثر من 50 كيلوغراماً قمحاً، “أي أقل من سنوات الخير السابقة“ بحسب قوله، في إشارة إلى سنوات الأمطار الوفيرة.

يقول أبو أحمد، وهو أحد مزارعي القمح في ريف القامشلي شمالي شرق سوريا: “إن الأراضي في غالبيتها بعلية وليست مروية، وتعتمد على الأمطار فقط، وهو ما يؤثر على الإنتاج؛ وفضلاً عن ذلك، فإن صعوبة حفر الآبار، وعدم وجود مصادر الطاقة، وارتفاع أسعار المحروقات كلها عوامل تؤثر على إنتاجية القمح”.

ويبيّن أبو أحمد أن نقص الأمطار هذا العام، وقلة الغطاء النباتي وتراجع إنتاج القمح، سيؤثر على الثروة الحيوانية التي يملكها المربون في المنطقة أيضاً، وربما يضطر بعضهم إلى بيعها بأسعار متدنية نتيجة قلة الأعلاف.

من جهته أوضح أحمد حميدي، رئيس دائرة المحاصيل الحقلية في مديرية الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية (سانا) في شباط/فبراير 2022 أنه تمت زراعة 1,161,798 هكتاراً من محصول القمح في الموسم الحالي من إجمالي المخطط البالغ 1,503,068 هكتاراً وبنسبة تنفيذ 77%، منها 547,916 هكتاراً مروياً وبنسبة تنفيذ 91%، ونحو 613,882 هكتاراً بعلاً بنسبة تنفيذ 68%، لافتاً إلى أن المساحات المزروعة توزعت بشكل أساسي على الحسكة أولاً بنحو 324 ألف هكتار، فحلب بأكثر من 264 ألف هكتار.

وتراجعت المساحات المزروعة من القمح في مناطق الزراعة البعلية للعام الحالي بالمقارنة مع العام الفائت، كما أعلن مدير الإنتاج النباتي بوزارة الزراعة السورية، أحمد حيدر في حديث لإذاعة ”ميلودي إف إم“، المحلية في  آذار/مارس 2022، وذكر حيدر أن المساحة المزروعة لهذا العام بلغت 1,2 مليون هكتار، في حين كانت 1,5 مليون هكتار نتيجة تأثر المناطق البعلية بتأخير الأمطار والإحجام عن الزراعة البعلية في بداية الموسم.

وبّين حيدر أن الاعتماد الأساسي في محصول القمح يكون على المساحات المروية، ولا يوجد فارق كبير في مساحتها المزروعة عن العام الفائت، مشيراً إلى أن تقديرات إنتاج الموسم في العام الماضي بلغت 1,9 مليون طن على مستوى كامل سورية، تسلمت منه المؤسسات الحكومية بحدود 435 ألف طن فقط.

ويذكر زكريا وهو من فلاحي ريف حلب لـ“صالون سوريا أن قلة الأمطار أثرت بشكل سلبي على الزراعة البعلية هذا العام، ولم تنتج أرضه نصف ما جناه في الموسم السابق، ويشتكي زكريا من ارتفاع التكاليف مقارنة بالأرباح المنخفضة، نتيجة غلاء أسعار المحروقات وأجور الزراعة والحصاد.

ويتشابه الأمر في أرياف إدلب ودرعا، كما وصف فلاحون يعتمدون على الزراعة البعلية، ويعتبر القمح من المحاصيل الاستراتيجية في البلاد، وتعتمد عائلات سورية تمتهن الزراعة عليه في تلبية احتياجاتها السنوية.

وبحسب تقرير خاص لبعثة منظمة الأغذية والزراعة (FAO) -مقرها روما-إلى سوريا لتقييم المحاصيل والإمداد بالأغذية في كانون الأول/ديسمبر 2021، أسفر شح الهطولات المطرية وسوء توزعها في الموسم الزراعي 2020/2021 الذي ترافق مع العديد من موجات الحر وارتفاع تكاليف المستلزمات، ومحدودية توافر المياه اللازمة للري، وكذلك ارتفاع تكاليف الوقود اللازم للضخ، عن تقلص المساحة المخصصة لزراعة الحبوب. أما إنتاج القمح في عام 2021 فقُدر بنحو 1.05 مليون طن، متراجعاً عن كمية 2,8 مليون طن المسجلة عام 2020، ليكون بذلك مجرد ربع المعدل المسجل قبل الأزمة (في المدة من 2002 حتى 2011) والبالغ 4,1 مليون طن. 

وتسعى الحكومة السورية إلى شراء موسم القمح من منطقة الجزيرة، وحددت دمشق سعر شراء كيلو القمح من الفلاحين للموسم الحالي بسعر 1,700 ل.س، بمقابل منح مكافأة 400 ل.س لكل كيلوغرام يُسلّم من مناطق خارج سيطرة الحكومة ليصبح 2,100 ل.س.

وتستهلك سوريا 2,5 مليون طن قمح سنوياً، يؤمن جزء منه من الإنتاج المحلي، في حين يُستورد القسم الأكبر من روسيا، وصرح وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر خليل في كانون الثاني/يناير 2022 “أن سورية بحاجة إلى استيراد أكثر من 1,5 مليون طن من القمح سنوياً، يُستورد معظمها من دولة روسيا الاتحادية”؛ بحسب ما نقلت وكالة “إنترفاكس” الروسية للأنباء.

ويرى أستاذ اقتصاد في جامعة دمشق، فضل عدم ذكر اسمه، في لقاء مع ”صالون سوريا“ أن الإنتاج المنخفض المتوقع من محصول القمح هذا العام، سيؤدي إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد في ظل تنامي الطلب على مادة الخبز، والمواد الغذائية الأساسية الأخرى المرتبطة بالقمح، كما إن فاتورة الاستيراد مرشحة للزيادة حكماً، وبالتالي فإن قيمة الدعم الحكومي ستزداد في ظل استمرار عملية دعم الخبز؛ ويترتب عليه أثران: أثر نقدي متمثل باستنزاف القطع الأجنبي، وأثر مالي متمثل بزيادة عجز الموازنة العامة للدولة، حسب كلام الأستاذ الجامعي.

وأسهمت الأزمة الاقتصادية المحلية؛ بالإضافة إلى انخفاض إنتاج مواسم القمح، في ارتفاع أسعار مادة الخبز، حيث نقلت وكالة ”سانا“ عن معاونة وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك رشا كركوكي في كانون الثاني 2022 قولها “إن السعر الحر للخبز يبلغ 1300 ل.س، في حين أن كلفته الفعلية التي تتحملها الدولة 1800 ل.س”؛ بينما وصل سعر ربطة الخبز السياحي (الوزن: كيلو غرام) في الأسواق إلى 3500 ل.س بزيادة 1000 ل.س عن آخر سعر لها، وتقنّن الحكومة مادة الخبر المدعوم والمحدد بـ 250 ل.س للربطة الواحدة عبر بيعها بموجب بطاقات ذكية للأسر السورية حسب عدد أفرادها.

ووفق برنامج الأغذية العالمي (WFP) في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بلغ عدد الأشخاص الذي يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا 12,4 مليون نسمة في أواخر عام 2020، أي 55% من السكان، بزيادة قدرها 57% مقارنة بعام 2019. وبحسب التقرير، ارتفعت أسعار الأغذية بنسبة 236% نهاية 2020 بالمقارنة مع السنة السابقة نتيجة تراجع قيمة الليرة السورية.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

ينتظر السوريون في الأسابيع المقبلة بفارغ الصبر وفق تصريحات حكومية انطلاق المشغل الخلوي الثالث "وفا تيليكوم" المرتبط بإيران التي ستدخل على خط الاستحواذ في قطاع الاتصالات الحساس والذي ظلّ حكراً على متنفذي السلطة لعقود. من خلال التواصل المباشر مع مصادر متعددة من داخل...

تدريباتنا