تدريباتنا

نجوم شباك نشرات الأخبار

بواسطة | يناير 22, 2018

الحرب السورية التي هبت كالريح حملت معها عوامل تعرية حقيقية للمجتمع، والظاهرة الأسوأ التي قامت الحرب السورية بتعريتها، هي أنّ كل مواطن سوري كان يحمل داخله ديكتاتوراً صغيراً يمارس مساحة ديكتاتوريته بحسب حجمه (الأب الذي يقمع ابنته، الزوج الذي يخرس زوجته، الصديق الذي يقصي صديقه و لا يسمح له بالتعبير عن رأيه و هكذا…). هذا الديكتاتور الصغير بيّن لنا أنّ البلاد بحاجة ل23 مليون حراك ومن بعدها حراك واحد كفيل بإنهاء الديكتاتورية بكل أشكالها، كما عرّت الحرب مقدار المناطقية والطائفية والانفصالية والتشبيح والتدعيش الكامن في وجداننا الذي تمّ إفساده مع الزمن مما يكشف أنّ أمراض قرن لا بل قرون بحاجة لقرن ربما للتخلص منها، ذلك الذي كان من شأنه إعادة إنتاج الديكتاتوريات في كل أطراف البلاد، فقامت داخل سوريا سوريات صغيرة لكلّ منها فرع أمن الدولةو فرع فلسطينوفرع الأمن العسكرييضاف لها فرع حماية الطقوس الدينيةوفرع تنفيذ أوامر الله في أرضهوغيرها! ومن الملفت للنظر أنّ الشعب ذاته هو الذي يؤيّد خانقيه، فتجد كل ديكتاتور له شبيحتهمن الشعب، ومن تراه وسطياً إذا ذكر هذا تجده شبيحاً فيما لو ذكر ذاك، و طرق القمع و الإقصاء والإبعاد هي ذاتها، والاتهامات جاهزة وسريعة والمبررات سهلة، فمن السهل أن يتهم أحدهم مشجعي منتخب كرة قدم بالخائنين، وأن يجد آخر مبرر لقصف دمشق لأنّ قرية ما تقصف، بينما يصرخ آخر أنّه سيحاسب سكان دمشق وحلب وحماة المدينة والسويداء والساحل ونصف سكان حمص المدينة والعشائر والأكراد…..، يريد أن يحاسبهم كلهم باسم الشعب السوري بينما ينسى أنّه ذكر في فحوى كلامه الشعب السوري كله، هذا لا يصدر عن مؤسسات أو قوى أو أحزاب أو فصائل عسكرية، إنّه يصدر عن شاعر و سائق تكسي و صاحب مطعم وعامل نظافة وبائع خضار.

عرّت هذه الحرب كثيراً من الديكتاتورية والإقصائية والقمعية والتوحش و التسلط و الطمع في دواخلنا، على أنّ أسوأ ما طغى على السطح الفكر الراديكالي الذي لم يبرأ منه رقم يدعو للتفاؤل، فالواقع الديني الراديكالي حاضر في جميع الطوائف (جبهة النصرة، داعش، حزب الله، كتائب أبو الفضل العباس، فرق الشبيحة إلخ) ولكنّه مفيد لمن يريد التحكم به لدى الأكثرية أكثر منه عند الأقليات لأنّه قادر على خلق ما يسمّى بفوضى الجمهور التي تنتشر كالنار في الهشيم وتحصد كل ما يمكن زرعه لذلك تم استغلالها ودعمها استخباراتيّاً من الخارج والداخل معاً ليظهر الجمهور بالصورة التي ظهر بها، فمن الضروري جداً إظهار الجمهور بهذه الصورة فهذا من شأنه أن يترك حجة للدول الغربية لإعادة تموضعها في بقعة جغرافية يشكل شعبها الخطر وليست الحكومة، ومفيد للحكومة التي تريد إطفاء الشرعية على نفسها من جديد، ومفيد كل من يريد استباحة هذه الأرض التي لا حق فيها إلّا لشعبها إن كان هذا المستبيح مستبداً أو غازياً على أنّ المصيبة أنّ القاعدة الأساسية لهذا التطرف كانت قاعدة شعبوية والتسويق الأول هو تسويق شعبوي و كأنّ الشعب ينتحر بمحض إرادته!

وهذا كلّه يقودنا إلى أنّ سوريا تتجه لإعادة تركيز للسلطة المركزية في دمشق بيد النظام الحاكم كحالة شكلية محضة مع تقسيم للنفوذ على المحتلين والمستفيدين كلّ حسب حصته كمّا أنّها تتجه لمكان سيفاجئ كل مراقب لوضعها لأنّ ما يحدث من تورم يزيد بشكل مركب فالمشكلة تجر مشكلة والعنف يجر عنفاً أكبر والانهيار يجر انهياراً أعم هذا على المستقبل القريب، وتتجه لنهضة واسعة المجالات، وقد يظن البعض هذا الكلام ضرباً من الخيال أو محض مبالغة إلّا أنّ سوريا تحمل اليوم مقومات النهوض بشكل لا يمكن تصوره:

1- خبرات عملية متوزعة على دول العالم ولغاته فكل سوري حالم يحمل داخله تجربة واسعة تعلمها طوعاً أو كرهاً لا بد وأن ينقلها طوعاً أو كرهاً حين يعود إلى بلاده.

2- الشعب السوري عاش الأسوأ وهذا من شأنه أن يجعله أكثر سعادة مع الأقل سوءاً مما سيحفز على الإنتاج وتحرك عجلة الاقتصاد.

3- سوريا أصبحت دولة عالمية كما لم تكن منذ قرون فهي خبر أوّل وخيار أوّل ونجم شبّاك نشرات الأخبار مما يعطي لها الفرصة للظهور على أنّ الصدق يُلزمني أن أقول أنّ هذا البند غنيمة بقدر ما هو غريمة على البلاد.

4- النهر السياسي والاجتماعي لا يمر من نفس المجرى مرتين إذ أنّه لا عودة لركود الماضي وروتينه فلا بد للمستقبل أن يفرض معاييره شاءَ من شاءَ وأبى من أبى.

5- لو تعلم الشعب السوري 10% فقط من أخطائه لكان هذا أجمل ما في الأمر فكما يتوجب فإن الشعب السوري الآن يعرف من عدوه ومن صديقه ولم يعد عاطفياً يسخر منه من شاء الانتفاع والطمع أو يضحك عليه حاكم ما بممانعة أو استعداد لحرب لن تحصل.

هذا كله يؤكد أنّ جيلنا خسر سوريا للأبد بينما ستكون الأجيال القادمة محظوظة بسوريا أفضل من سوريتنا وأفضل من سوريّة آبائنا.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا