تدريباتنا

“نعتذر عن المجيء”… سوريون يكتفون بالمعايدات الهاتفية

بواسطة | يوليو 11, 2022

عيد الأضحى هو “العيد الكبير” هو أبرز الأعياد التي اعتاد السوريون على الاحتفال بطقوسها السوريين كحال كل الشعوب الإسلامية، وهي مناسبة اجتماعية متجذرة في عاداتهم للتلاقي بعد  طول غياب وتبادل التهاني.

 كما أن العيد يعتبر فرصة لرأب الصدع بين المتخاصمين، لكن هذا العيد كان صعباً ولم يعد بوسع أغلب السوريين تمضية أيامه سويّة، وذلك لعدم استطاعة السوريين خارج بلادهم تكبد نفقات السفر الكبيرة ، فيما حال الموجودين في الداخل ليس بأفضل، فمصاريف التنقل بين المحافظات باتت مرهقة.

تمسك دينا (30 عاما) جهازها الخليوي وتفتح الكاميرا لتبدأ بتقديم التهاني والمعايدات لوالديها، لكنها سرعان ما تجهش في البكاء، فلعنة المسافة الجغرافية لا يمكن للتكنولوجيا أن تقربها، ولا يمكن للشاشة الصغيرة أن تحل مقام الحضن والقبلات الحارة. تقول الشابة التي تقيم في أربيل لـ”صالون سوريا” :” هذا العيد الأول لي وأنا بعيدة عن أهلي، لا طعم للعيد بدونهم، كما أنني لم أتمكن من حضور عيد الفطر، أشتاق إليهم كثيرا، صحيح أن التكنولوجيا تمكنني من الاتصال معهم ورؤيتهم، لكنها لا تقارن بحضنهم الكبير”، وعن سبب عدم تمكنها من زيارة والديها وقضاء العيد معهم، توضح الشابة ” مضى على إقامتي عام وشهرين، أعمل كنادلة في مطعم هنا، راتبي لا يتجاوز 500 دولار، فيما ستكلفني زيارتي لأهلي قرابة 800 دولار، تشمل تذكرة الطيارة، مصاريف التنقل وفحص كورونا وبعض الهدايا، أي انها تعادل راتب شهر ونصف من العمل الطويل والمضني”، وتختم دينا حديثها قائلة:” اكتفيت مجبرة بمكالمة فيديو ، استعيد فيها  معهم ذكريات العيد البعيدة حين كنا صغار والكثير من الدموع التي حرقت وجنتاي، لا أعلم متى سأزورهم، ربما بعد عامين، فقدومي إلى هنا من أجل العمل وجني المال وإرسال النقود لأهلي للعيش بكرامة”.

حال عباس (28 عاماً) ليس بأفضل، فهو أيضاً استبعد كلياً فكرة  نزوله من أربيل هذا العيد للمصاريف الباهظة التي سيتكبدها وقد تصل إلى 1200 دولار، أي ما يقارب نصف راتبه الشهري، يقول الشاب:” قررت عدم زيارة أهلي وذلك بسبب النفقات الباهظة، فسوريا باتت أغلى معيشيا من هنا، فتكلفة تذكرة الطيران ترتفع في هذا التوقيت، بالإضافة إلى نفقات التكسي وفحص الكورونا والوزن الزائد والهدايا ،وأجور خدمات المطار، من حمل حقائب وبقشيش وسواها”، يعقب الشاب:” حتى إرسال المعايدات المالية باتت مهمة صعبة وخاسرة ومكلفة، فأجرة تحويل مبلغ مالي قدره 400 ألف ليرة سورية، يتم قضم حوالي 30 ألف ليرة سورية منه لإيصاله إلى أهلي ، وهناك مكاتب تأخذ عمولة عالية على أجور التحويل، ما يسبب خسارة لي أنا أيضا”

الوضع المادي يفّرق العائلات في العيد

“كيفك ماما… لاتزعلي مني بس مافيني أنزل، ما عطوني إجازة، رح ابعتلك عيدية لإلك ولأخواتي وبجي عن قريب” هكذا تهرب ماهر  من محادثته الهاتفية مع والدته التي أ ضناها شوقها لرؤيته، فالشاب تحجج بضغط العمل ورفض إجازة كي لا يخبر والدته بأن قدومه في عيد الأضحى يعني أنه سيبدد المال الذي جناه خلال عام كامل، يقول الشاب” لا أريد كسر خاطر أمي، سأكتفي بإرسال العيدية لها ولأشقائي، المبلغ الذي سأنفقه في إجازتي يعادل ما أدخره خلال سنة، سيذهب تعبي سدى”.

أحوال السوريين في الخارج  ممن يتقاضون رواتب ضئيلة دون 1500 دولار تتشابه تقريبا،  فسيتحتم عليهم تكبد نفقات كبيرة خلال فترة وجيزة، مايعني عبء مادي جديد يرهق كاهل غربتهم المريرة، وعن ذلك يقول جاد(25 عاما)” علي أن أفاضل بين زيارة أهلي وبين تجديد جواز سفري الذي ستنتهي صلاحيته بعد شهرين، ما يعني أنني سأدفع مقابل تجديده قرابة 1500دولار، أدخر  كلفته منذ أكثر من 4 أشهر”، متابعا “يذبحني شوقي لأسرتي، لكن في الوقت نفسه لا أملك المزيد من المال لنفقات السفر وتجديد الجواز معا، لا أستطيع الاستدانة من أحد ومراكمة الديون  “أما طارق ففضل توفير نفقات السفر إلى بلاده لصالح البدل الخارجي والهروب من شبح الخدمة العسكرية، يعقب بالقول” راح الكتير وبقي القليل، الله يجمعنا بأسرع وقت”. 

حال السوريين داخل حدود بلادهم ليس أكثر يسرا، فهناك من تعذر لقائه بأسرته وانقطعت به السبل المادية للوصول إليهم، كخليل الذي يعمل سائق أجرة ولم يتمكن من السفر إلى الحسكة لممارسة طقوس عيد الأضحى مع والديه، يقول” حجز ثلاثة مقاعد في باص يتمتع بخدمة سيئة لي ولزوجتي وطفلي سيكلفني 180 ألف ليرة سورية ذهاب وإياب، ناهيك عن المصاريف الأخرى كالحلوى، أما ثمن تذكرة الطيران فتصل إلى 400 ألف ليرة للشخص الواحد، أنها حقا مبالغ خيالية يصعب تحملها بالنسبة لأصحاب الدخل المعدوم وليس المحدود”. 

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا