تدريباتنا

واقع الزواج بين الشباب السوري: أفراح برسم التأجيل

بواسطة | أغسطس 8, 2020

لطالما صادرت الحرب أحلام آلاف الشبان والفتيات في سوريا بدءاً من أحلامهم الصغيرة المقتصرة على استكمال مراحل دراستهم الجامعية وتأدية الخدمة الإلزامية بالنسبة للشبان وتأمين عمل محترم يضمن لهم حياة كريمة وصولاً إلى بناء العائلة والخوض في مرحلة الاستقرار الأسري الذي انتقل من كونه مرحلة أساسية من حياة المواطن السوري ليصبح حلماً صعب المنال أو طموحاً بعيد المدى ضمن طموحات الشباب بالدراسة والعمل و تحقيق الذات خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السائدة اليوم في البلاد. ونظراً لارتفاع تكاليف الزواج ذهب البعض إلى التأجيل والبعض الآخر بحث عن بدائل للمستلزمات الخاصة بتقاليد حفلة الزفاف ومهر العروس والتجهيزات الخاصة بها، فوسط جنون أسعار الذهب الذي بلغ حد ١١٠٠٠٠ للغرام الواحد عيار ٢١ استعان كثيرون بالذهب البرازيلي والفضة كمنقذ من أزمة لا يبدو حلها قريباً مع وجود عدة أشكال وألوان من الذهب البرازيلي بأسعار مناسبة نوعاً ما، وهناك ممن قدمن تنازلات واتبعن سياسة ترتيب الأولويات، كسارة التي وجدت نفسها أمام عتبة الاختيار بين حفلة الزفاف وشراء الذهب، لتنهي معركة الحسم لصالح الأولى، إذ  تمهلت الشابة بشراء الذهب في فترة الخطوبة على أمل انخفاض سعره عند اقتراب الزفاف إلا أن توقعاتها باءت بالفشل فجاء الواقع عكس الآمال المعقودة عليه، فأصابها الندم لعدم شرائه قبل انتقاله من مرحلة الغلاء إلى الغلاء الفاحش ففضلت إقامة حفل زفاف صغير بتكاليف متوسطة مستبدلة المصوغات الذهبية بالبرازيلية منها التي تبدو على حد قولها مشابهة للذهب الحقيقي.

 أما علي فليس بأفضل حال، فقد  أجل تجهيز منزله عدة مرات متتالية آملاً أن تتحسن الأسعار، وها هو الآن يؤجل ذلك إلى أجل أجل غير مسمى ومعه يؤجل موعد ارتباطه الرسمي مقترناً بخطيبته التي انتظرته طويلاً مع عقد ذهبي ناعم قد ابتاعه لها بشق الأنفس منذ شهر شباط حين كانت الأمور على تدهورها أفضل حالاً بكثير مما هو الأمر عليه اليوم. أما موعد زفاف علي فأصبح في طي المجهول فإن كان قد عقد نيته على الزواج في أواخر العام الحالي فها هو الآن يصرح لنا بأن كل آماله وأحلامه قد طارت من أول نافذة كاد أن يركبها في منزله الذي ابتاعه على الهيكل حيث يقول: “في أيام الرخص.. فالمنزل سيبقى على الهيكل حالياً لأن كلفة الإكساء ارتفعت بشكل كبير”.

خطوة استباقية وسياسة التقنين

عمدت لمى إلى اقتناء ما تراه مناسباً كحاجات للعروس من متجر لألبسة البالة نظراً لانخفاض سعرها مقارنة بتلك الجديدة فهي تدرك تماماً أن شراءها من الأسواق الجاهزة قد يكلفها أضعافاً مضاعفة بالرغم من أنها ليست مخطوبة ولكن أغلب من حولها من الفتيات المقبلات على الزواج  قد اقتصرن على شراء قطعة أو اثنتين بسبب ارتفاع الأسعار.

فيما استغنت علا عن كل ما يتعلق بالملابس الخاصة بالعروس فقد كان لديها مخزون كاف منها كانت قد ابتاعتها منذ سنوات كلما سمحت لها الفرصة بأسعار “لقطة” على حد تعبيرها، وبذلك عندما تمت خطوبتها اقتصرت تجهيزاتها الخاصة على بدل واحد من الملابس. أما بالنسبة للذهب فقد روت لنا: “قمنا بشراء الذهب والخواتم حين كان سعر الغرام ٣٢٠٠٠ وأحمد الله على ذلك لأننا لو قمنا بتأجيله لما استطعنا شراءه بعد الارتفاع الكبير الذي شهده.” و استأجرت علا وزوجها منزلاً في عشوائيات مدينة دمشق بعد أن ألغت حفلة الزفاف كي تتمكن من تأمين العفش والأدوات الكهربائية الضرورية للمنزل.

وبالرغم من أن الوضع المادي لخطيب آلاء يُعد ميسوراً لاسيما أنه يعمل مهندساً في السعودية إلا أنها اشترت بعض حاجياتها من ألبسة البالة بغرض التقنين، حيث تقول: “يرسل لي شهرياً ما يقارب 500 ألف ليرة سورية لتجهيز حاجياتي الخاصة ريثما يحين موعد الزفاف، غير أنني وجدت الأسعار مرتفعة جداً فلجأت إلى البالة فهي جديدة وجودة عالية والذي أقوم بتوفيره أصرفه على شراء مستحضرات التجميل.”

أزمة تأخر الزواج

في تصريح  حديث للقاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي يذكر فيه أن نسبة تأخر سن الزواج في سورية خلال عامي 2019 و2020 وصلت إلى حوالي 70  % عازباً، ويعود السبب إلى قلة أعداد الذكور إثر وفاة عدد كبير منهم في الحرب وهجرة قسم آخر ما أدى الي ارتفاع أعداد الإناث مقارنة بأعداد الذكور. تبدو هذه الإحصائية منطقية، لاسيما في ظل  الصعوبات الكبيرة التي تواجه الشباب السوريين في تأمين مستقبلهم وارتفاع تكاليف الزواج، كما ساهمت ظروف الحرب السورية خلال الأعوام الفائتة في تأخر زواج الشباب من كلا الجنسين إذ إن التحاق الشباب بالخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية قد أسهم في عزوف الشباب عن فكرة الزواج حالياً، بالإضافة إلى النزوح الداخلي والخارجي لعدد كبير منهم مما أدى إلى قلة “العرسان”. بالإضافة للمعدلات العالية من البطالة والأزمات النفسية المتعددة وعدم الاستقرار الاقتصادي والنفسي والاجتماعي و الصحي مؤخراً مع استمرار انتشار و تفشي وباء كورونا بين السوريين، كل هذه الأسباب مجتمعة تشكل عوائق صعبة الاجتياز في وجه كل من يحلم ببيت الزوجية المنتظر، فاليوم أصبح تعدد الزوجات أمراً مرحباً به عند فئة كبيرة من العائلات السورية وسط قلة المتقدمين لطلب أيدي الفتيات اللواتي كنّ قابعات في المنازل على أمل عريس “لقطة”،  أما الآن هناك من ينظر لأي شاب يمتلك منزلاً وعملاً بغض النظر عما إذا كان متزوجاً أو عازباً على أنه هو ذلك العريس” اللقطة”.

مواضيع ذات صلة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 محمد مُحسن: صانع النجوم ومبدع الألحان الخالدة

 خلال مسيرته الفنية الحافلة بالعطاء، والتي استمرت لأكثر من نصف قرن، أبدَعَ مدرسة لحنية وغنائية متفردة وغنية ومتكاملة، تركت بصمتها المؤثرة في تاريخ الموسيقى العربية، وقد ساعدته موهبته في الغناء في فهم طبيعة الأصوات التي لَحَّن لها، فكان يُفصِّل اللحن على مساحة...

جُرح في الزوبعة

جُرح في الزوبعة

كانت حياة أنطون سعادة القصيرة (1904-1949 م) أشبه بدورة الإله بعل في الميثولوجيا الكنعانيّة القديمة، فبعل الذي يموت ويولد على نحوٍ أبديٍّ، وفقاً لـ"ألواح أوغاريت"، يرمز إلى "بلاد كنعان" أو "فينيقيا" تبعاً لتسميتها اليونانيّة القديمة، هذه البلاد التي مهما حاقَ بها من...

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

زكي الأرسوزي أو أمل ضائع بأُمّة تنبعث من عبقريّة لسانها

تعرّض زكي الأرسوزي (1899-1968 م) لإهمال كبير، ولم يُكَرَّس في الأدبيات الفلسفيّة العربيّة إلا على نحوٍ عَرَضيّ، بصفته أحد دعاة الفكر القوميّ، ومؤسِّس فكرة حزب البعث العربيّ، التي أخذها ميشيل عفلق منه وحوّلها إلى تنظيم سياسيّ فاعل في سوريا، وتلاشى ذكر الأرسوزي مع تلاشي...

مواضيع أخرى

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

الدراما السورية في موسم 2024: مبالغات تخطت الحدود واستسهال واضح

لا يختلف اثنان أنّ الدراما السورية أحدثت فارقاً وصنعت بريقاً أخاذاً في فترةٍ ذهبيةٍ امتدت ما بين عامي 2000 و2010. وتحديداً ما بين مسلسل الزير سالم الذي أخرجه الراحل حاتم علي ووضع فيه الراحل ممدوح عدوان عصارة ما يمكن لكاتب المجيء به نصاً وحواراً وأحداثاً ليجعل منه...

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

استنساخ المسلسلات السورية وغياب الحاضر

أهتم كثيراً بمتابعة الدراما العربية، خاصة السورية، وثمة مسلسلات سورية لامست أوجاع السوريين وما يتعرض له الشعب السوري مثل مسلسل غزلان في غابة من الذئاب للمخرجة المبدعة رشا شربتجي. هذا المسلسل أثلج قلوب السوريين كلهم لأنه حكى بصدق وشجاعة ونزاهة عن أحد كبار المسؤولين...

الأمهات في سورية: عيد ناقص

الأمهات في سورية: عيد ناقص

غدت الأمومة في سورية مهمة قاسية ومثقلة بالهموم واكتسبت أوجهاً كثيرة، إذ انتزعت الحرب دور "الأم" الأولي المناط بالعطاء والتربية والمساند المادي الثانوي، وبدأت كثير من الأمهات يلعبن دور المعيل الأساسي ومصدر الدخل الوحيد لتحمل نفقات الأسرة في ظل غياب قسري أو اختياري...

تدريباتنا